وإنما لم يبنوا صيغة تقع فيها النون
الساكنة قبل الراء واللام نحو قَنرٍ وعَنْلٍ، لأن الإدغام لا يجوز
فيه كما جاز في عِتْدَانٍ، لأن التاء والدال أشد تقارباً من النون
واللام والراء، بدليل إدغام كل واحد من الدال والتاء في الآخر،
بخلاف الراء واللام فإنهما لا يدغمان في النون كما يدغم النون
فيهما في كلمتين نحو من ربك وَمَنْ لك، لأن الإدغام إذن عارض غير
لازم، فعلى هذا لو قيل نحو قَنْرٍ وعَنْلٍ لم يجز الإدغام لما
ذكرنا، فلم يبق إلا الإظهار وهو مستثقل، لأن النون قريبة المخرج من
اللام والراء، فكأنهما مثلان، وعتدان ووتدا وتدا بفك الإدغام ضعيف
قليل لا يقاس عليه، وأما زَنْمَاء وصِنْوان ونحوهما بالإظهار فإنما
جاز لعدم كمال التقارب بين الحرفين وإن لم يلبس إدغام أحد
المتقاربين في الآخر في كلمة أدغم نحو امَّحَى، لأن افَّعَلَ ليس
سن أبنيتهم بتكرير الفاء إلا مدغماً فيه نون انْفَعَل كامَّحى، أو
مدغماً في تاء افْتَعل كادَّكَر، على ما يجئ، ومن ثم لم يُقَل:
اضَّرَب واقَّطَع، قال
الخليل: وتقول في انفعل من وجلت: اوَّجَل ومن اليسر ايَّسَر * قوله
" أو لَبْسٍ " أي: لو أدغم * قوله " وفي تميم " أي: في لغة تميم
وهي إسكان كسرة عين فَعِل نحو كبد في كبد قال: " ولم تدغم حُرُوفُ
(ضَوِيَ مِشْفَرٌ) فيما يُقارِبُهَا لِزِيَادَةِ صِفَتِهَا،
وَنَحْوُ سَيِّد وَلَيَّةٍ إنَّمَا أُدْغِمَا لأَنَّ الإعْلاَلَ
صَيَّرَهُمَا مِثْلَيْنِ، وَأُدْغِمَتِ النُّونُ فِي اللاّمِ
والرَّاءِ لِكَرَاهَةِ نَبْرَتِهَا، وَفِي الْمِيمِ - وَإنْ لَمْ
يَتَقَارَبَا - لغنتها، وَفِي الْوَاو وَالْيَاءِ لإِمْكَانِ
بَقَائِهَا، وَقَدْ جَاءَ لِبَعْض شَّأنهِمْ وَاغْفِر لي، ونَخْسِف
بِّهِمْ، وَلاَ حُرُوفُ الصَّفِيرِ فِي غَيْرِهَا، لِفَوَاتِ
(صِفَتِهَا) ، وَلا الْمُطْبَقَةُ فِي غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ
إِطْبَاقٍ عَلَى الأَفْصَح، وَلا حَرْفُ حَلْقٍ فِي أَدْخَلَ
مِنْهُ إلاَّ الْحَاءُ فِي الْعَيْنِ وَالْهَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ
قالُوا فِيهِمَا اذْبَحَّتُوداً وابحاذه " (*)
(3/269)
أقول: اعلم أن إدغام أحد المتقاربين في
الآخر في كلمة إذا لم يلبس ليس إلا في أبواب يسيرة، نحو انْفَعل
وَافْتَعل وَتَفَعَّل وتفاعل وَفَنْعلِلٍ، نحو امَّحى واسمَع
وازَّمَّل وادَّارَك وَهَمَّرِشٍ (1) وأما غير ذلك فَمُلْبِس لا
يجوز إلا مع شدة التقارب وسكون الأول نحو وَدّ وَعِدّان، ومع ذلك
فهو قليل، والغالب في إدغام أحد المتقاربين في الآخر إنما يكون في
كلمتين وفي انفعل وافتعل وتَفَعَّل وتفاعل وفنعلل.
فنقول: المانع من إدغام أحد المتقاربين في الآخر شيئان: أحدهما
اتصاف الأول بصفة ليست في الثاني، فلا يدغم الأول في الثاني إبقاء
على تلك الصفة، فمن ثم لم تدغم حروف (ضَوِيَ مِشْفَرٌ) (2) فيما
ليس فيه صفة المدغم، وجاز إدغام الواو والياء من هذه الحروف
أحَدِهما في الآخر، لأن فضيلة اللين التى في أحدهما لا تذهب
بإدغامه في الآخر، إذ المدغم فيه أيضاً متصف باللين، ولم تدغم حروف
الصفير فيما ليس فيه صفير إلا في باب افتعل كاسَّمَع وازَّانَ، ولا
حروف الإطباق في غيرها بلا إطباق إلا في باب الافتعال نحو اطَّرب،
وذلك لزوال المانع فيه بقلب الثاني إلى حروف الصفير وإلى حروف
الإطباق، وذلك لكون الثاني زائداً فلا يستنكر تغيره، وفضيلة الضاد
الاستطالة، وفضيلة الواو والياء اللِّينُ، وفضيلة الميم الغنة،
وفضيلة الشين التفشي والرخاوة، فلا تُدغم في الجيم مع تقاربهما في
المخرج، وفضيلة الفاء التأفيف وهو صوت يخرج من الفم مع النطق
بالفاء، وفضيلة الراء التكرير، وأيضاً لو أدغم لكان كمضعف أُدغم في
غيره نحو ردَّدَ، ولا يجوز قوله " ونحو سَيِّد وَلَيِّة " اعتراض
على نفسه، وذلك أنه قرر أن الواو والياء
__________
(1) الهمرش: العجوز المسنة.
انظر (ج 2 ص 364) (2) ضوى: هزل، والمشفر - بزنة منير - الشفة، أو
خاص بالبعير (*)
(3/270)
لا يدغم أحدهما في مقاربه، فكأنه قال: كيف
أدغِمَ أحدهما في الآخر في سيّد وليّ؟ ثم أجاب بأن قلب الواو إلى
الياء لو كان للإدغام لورد ذلك، لكنه إنما قلبت ياء لاستثقال
اجتماعهما لا للادغام، ولهذا تقلب الواو ياء: سواء كانت أولى أو
ثانية، ولو كان القلب لإدغام أحد المتقاربين في الآخر لقلبت الأولى
إلى الثانية فقط، كما هو القياس، ثم بعد القلب اجتمع ياءان أولاهما
ساكنة فوجب الإدغام، فهذا من باب إدغام المتماثلين لامن إدغام
المتقاربين، وفي هذا الجواب نظر، لأن القلب لو كان لمجرد استثقال
اجتماعهما لقلب الواو ياء، وأولاهما متحركة كطويل وطَوَيْت، فعرفنا
أن القلب من أول الأمر لأجل الإدغام وذلك لأن الواو والياء تقاربتا
في الصفة، وهى كونهما لينتين ومجهورتين وبين الشديدة والرخوة
وإن لم يتقاربا في المخرج، فأدعمت إحداهما في الأخرى وقلبت الواو،
وإن كانت ثانية، لأن القصد التخفيف بالإدغام، والواو المشددة ليست
بأخف من الواو والياء كما قلنا في اذْبَحَّتوداً واذَبَحَّاذِهِ،
فجعل التقارب في الصفة كالتقارب في المخرج، وجرّأهم على الإدغام
أيضاً سكون الأول وكونه بذاك عرضة للإدغام، وأما فضيلة اللين فلا
تذهب - كما قلنا - لأن كل واحدة منهما متصفة بتلك الصفة.
قوله " وأدغمت النون في اللام " اعتراض آخر على نفسه، وذلك أن
فضيلة الغُنَّة تذهب بالإدغام، وأجلب المصنف بأنها وإن كانت تذهب
بالإدغام لكنهم اغتفروا ذلك، لأن النون نبرة: أي رفع صوت، وهذا
جواب فيه نظر أيضاً، لأنه إن كان الموجب للإدغام النيرة فَلْتُخْفَ
بلا إدغام كما تخفى مع القاف والكاف والدال والتاء وغيرهما، كما
يجئ والحق أن يقال: إن للنون مخرجين: أحدهما في الفم، والآخر في
الخيشوم إذ لابد فيها من الغنة، وإذا أردت إخراجها في حالة واحدة
من المخرجين، فلا
(3/271)
بد فيها من اعتماد قوي وعلاج شديد، إذ
الاعتماد على المخرجين في حالة واحدة أقوى من الاعتماد على مخرج
واحد والحروف التي هي غير النون على ضربين: أحدهما يحتاج إلى
اعتماد قوي وهي حروف الحلق، والآخر لا يحتاج إلى ذلك، وهي حروف
الفم والشفة، فالنون وحروف الحلق متساويان في الاحتياج إلى فضل
اعتماد وإعمال لالة الصوت، وهى: أي النون إما أن تكون ساكنة أو
متحركة، فإذا كانت ساكنة وبعدها غير حرف الحلق فهناك داعيان إلى
إخفائها أحدهما سكونها، لأن الاعتماد على الحرف الساكن أقل من
الاعتماد على
الحرف المتحرك، والآخر كون الحرف الذي لا يحتاج في إخراجه إلى فضل
اعتماد عقيب النون بلا فصل، ليجري الاعتمادان على نسق واحد، فأخفيت
النون الساكنة قبل غير حروف الحلق فإن حصل للنون الساكنة مع الحروف
التي بعدها من غير حروف الحلق قرب مخرج كاللام والراء، أو قرب صفة
كالميم، لأن فيه أيضاً غنة، وكالواو والياء، لأن النون معهما من
المجهورة وما بين الشديدة والرخوة وجب إدغام النون في تلك الحروف،
لأن القصد الإخفاء، والتقارب داع إلى غاية الأخفاء التي هي الإدغام
وإن لم يكن هناك قرب لا في المخرج ولا في الصفة أخفي النون بقلة
الاعتماد، وذلك بأن يقتصر على أحد مخرجيه ولا يمكن أن يكون ذلك إلا
الخيشوم، وذلك لان الاعتماد فيها على مخرجها من الفم يستلزم
الاعتماد على الخيشوم بخلاف العكس، فيقتصر على مخرج الخيشوم فيحصل
النون الخفية، ثم بعد ذلك إن تنافرت هي والحرف الذى يجئ بعدها،
وَهي الباء فقط، كما في عَنْبَرٍ قلبت تلك النون الخفية إلى حرف
متوسط بين النون وذلك الحرف، وهي الميم، كما ذكرنا
(3/272)
في باب الإبدال، (1) وإن لم يتنافرا بقيت
خفية كما في غير الباء من سِوَى حروف الحلق، أما مع الحلقية فلا
تخفى، لأن حرف الحلق يحتاج إلى فضل اعتماد فتجري النون على أصلها
من فضل الاعتماد، ليجري الاعتماد على نسق واحد، ومن الناس من يخفي
النون قبل الغين والخاء المعجمتين، لكونهما قريبتين من حروف الفم،
وكذلك النون الساكنة الموقوف عليها يخرجها من المخرجين، لأن الحرف
الموقوف عليه يحتاج إلى فضل بيان كما مر في باب الوقف (2) ومن ثم
يقال: أفعَيْ وأَفْعَوْ، وكذلك النون المتحركة - قبل أي حرف كانت -
تُخْرَجُ من المخرجين، لاحتياجها إلى فصل اعتماد، فإذا أدغمتَ
النون في حروف يرمُلُون نَظَرْت: فإن كان المدغمُ فيه اللامَ
والراء فالأولى ترك الغنة، لأن النون تقاربهما في المخرج وفي الصفة
أيضاً، لأن الثلاثة مجهورة وبين الشديدة والرخوة، فاغتفر ذهاب
الغنة مع كونها فضيلة للنون، للقرب في المخرج والصفة وإن كان
المدغم فيه واواً أو ياء فالأولى الغنة لوجهين: أحدهما أن مقاربة
النون إياهما بالصفة لا بالمخرج، فالأولى أن لا يغتفر ذهاب فضيلة
النون: أي الغنة رأساً لمثل هذا القرب غير الكامل، بل ينبغي أن
يكون للنون معهما حالة بين الإخفاء والإدغام، وهي الحالة التي فوق
الإخفاء ودون الادغام التام، فيبقى شئ من الغنة وإن كان المدغم فيه
ميماً أدغم إدغاماً تاماً، لان فضيلة الغنة حاصلة في المدغم فيه،
إذ في الميم غنة وإن كانت أقل من غنة النون، وبعض العرب يدغمها في
اللام والراء مع الغنة أيضاً ضناً بفضيلة النون، فلا يكون الإدغام
إذا إدغاما تاما،
__________
(1) انظر (ص 216 من هذا الجزء) (2) انظر (ج 2 ص 286) (*)
(3/273)
وبعضهم ترك الغنة مع الواو والياء اقتصارا
في الإدغام التام على التقارب في المخرج أو الصفة هذا، ومذهب
سيبويه وسائر النحاة أن إدغام النون في اللام والراءِ والواوِ
والياءِ مع الغنة أيضاً إدغام تام، والغنة ليست من النون، لأن
النون مقلوبة إلى الحرف الذي بعدها، بل إنما أُشْرِبَ صَوْتُ الفم
غنة، قال سيبويه: " لا تدغم النون في شئ من الحروف حتى تحول إلى
جنس ذلك الحرف، فإذا أدغمت في
حرف فمخرجها مخرج ذلك الحرف، فلا يمكن إدغامها في هذه الحروف حتى
تكون مثلهن سواء في كل شئ، وهذه الحروف لاحظ لها في الخيشوم وإنما
يشرب صوت الفم غنة " هذا كلامه قوله " وفي الميم وإن لم يتقاربا "
ليس باعتراض لكنه شئ عرض في أثناء الاعتراض قوله " وفي الواو
والياء لإمكان بقائها " اعتراض وجواب: أي لإمكان بقاء الغنة: أما
على ما اخترناه فالغنة للنون التي هي كالمدغمة، وأما على ما قال
النحاة فلا شراب الواو والياء المضعفين غنة قوله " وقد جاء لبعض
شأنهم واغفر لي ونَخْسِف بِّهم " نقل عن بعض القراء الإدغام في
مثله، وحذاق أهل الاداء على أن المراد بالإدغام في مثله الإخفاء،
وتعبيرهم عنه بلفظ الإدغام تجوز لأن الإخفاء قريب من الإدغام، ولو
كان ذلك إدغاماً لا لتقى ساكنان لا على حدِّه في نحو لبَعْض
شَّأنهم، وأجاز الكسائي والفراء إدغامَ الراء في اللام قياساً
كراهة لتكرير اللام، وأبو عمرو يأتي بالميم المتحركة المتحرك ما
قبلها خفيَّة إذا كان بعدها باء نحو (بأعلم بالشاكرين) وأصحابه
يسمون ذلك إدغاماً مجازاً وهو إخفاء قوله " ولا حروف الصفير في
غيرها " لئلا تذهب فضيلة الصفير، وإنما يدغم بعضها في بعض كما يجئ
(3/274)
قوله " ولا المطبقة في غيرها " تقول: احفظ
ذّلِك، واحفَظ ثَّابتاً، بالإدغام مع الإطباق وتركه، وإبقاؤه أفصح
كما يجئ قوله " ولا حرْفُ حلق في أدخل منه " اعلم أن الإدغام في
حروف الحلق غير قوي، فإن المضاعف من الهاء قليل، نحو كَهَّ الرجلُ
ورجل فَهٌّ (1) ، وأما
الالف والهمزة فلم يجئ منهما مضاعف، وكذا المضاعف من العين قليل،
نحو دعّ وكعّ، وكان حق الحاء أن تكون أقل في باب التضعيف من الغين
والخاء، لأنه أنزل منهما في الحلق، لكنه إنما كثر نحو بَحَّ (2)
وزَحّ (3) وصحّ (4) وفحّ (5) ، وغير ذلك لكونه مهموساً رخواً،
والهمس والرخاوة أسهل على الناطق من الشدة والجهر، والغين لا تجئ
عيناً ولاماً معاً إلا مع حاجز (6) كالضَّغِيغَة (7) ،
__________
(1) رجل فه، وفهيه، وفهفه، إذا كان عييا (2) بح الرجل - من باب علم
وفتح - إذا أصابته بحة، وهى بضم الباء: خشونة وغلظ في الصوت (3)
انظر (ص 266 من هذا الجزء) (4) صح الرجل فهو صحيح، إذا ذهب مرضه،
أو برئ من كل عيب (5) فحت الافعى: صوتت من فيها، وبابه قعد (6) لم
يصب المؤلف في هذا الذى زعمه من أن الغين لا تكون عين الكلمة
ولامها إلا مع حاجز بين العين واللام، فقد ورد الفغة، وهو تضوع
الرائحة، قالوا: فغتنى الرائحة - بتشديد الغين - إذا فاحت.
وقالوا: الطغ - بتشديد الغين - وهو الثور.
وقالوا: صغ، إذا أكل كثيرا.
وقالوا: شغ البعير ببوله، إذا فرقه، وشغ القوم: تفرقوا (7) الذى في
القاموس: الضغيغ - كأمير -: الخصب، وأقمت عنده في ضغيغ دهره: أي
قدر تمامه.
وبهاء: الروضة الناضرة، والعجين الرقين، والجماعة من الناس
يختلطون، وخبز الارز المرقق، ومن العيش الناعم الغض.
ولم نعثر على المعنى الذى ذكره الشارح (*)
(3/275)
وهي اللبن المحْقُون حتى تشتد حموضته،
والخاء أكثر منه، لأنه أقرب إلى الفم،
وأيضاً هي مهموسة رخوة كالحاء نحو المخ والفخ ورخّ: أي نكح، والغين
مجهورة كالعين، وإنما قل تضعيفها لصعوبتها وتكلف إخراجها مخففة
فكيف بها مضعفة، فعلى هذا ثبت قلة إدغام المتقاربين من حروف الحلق،
وسيجئ، فإن اتفق أدغم الأنزل في الأعلى نحو اجْبَه حَّاتماً (1)
كما يجئ بعد، فإن اتفق كون الثاني أنزل لم يدغم إلا أن يكون بينهما
قرب قريب، ويدغم إذ ذاك بمخالفة شرط إدغام المتقاربين، وذلك بأن
يقلب الثاني إلى الأول، وذلك كالحاء التي بعدها العين أو الهاء،
نحو اذبَحَّتُودا واذبَحَّاذه إذ لو قلب الأول إلى الثاني لم يكن
أخف منه قبل الإدغام قوله " ومن ثم قالوا إذ بحتودا " أي: ومن أجل
أن إدغام حرف الحلق في أدخل منه لا يجوز لأجل الثقل قلبوا الثاني
لما اتفق مثل ذلك إلى الأول حتى لا يكون ثقل قال: " فَالْهَاءُ فِي
الْحَاءِ وَالْعَيْنُ فِي الْحَاءِ وَالْحَاءُ فِي الْهَاءِ
وَالْعَيْنِ بِقَلْبِهِمَا حَاءَيْنِ، وَجَاءَ (فَمَنْ زُحْزِع
عَّنِ النَّارِ) وَالْغَيْنُ فِي الْخَاءِ وَالْخَاءُ فِي
الَغَيْنِ " أقول: أخذ في التفصيل بعد ما أجمل، فالهمزة والألف لا
يدغمان كما ذكر، وأما الهاء فتدغم في الحاء فقط، نحو اجْبَه
حَّاتماً (1) ، والبيان أحسن، لأن حروف الحلق ليست بأصل في التضعيف
في كلمة كما ذكرنا، وقل ذلك في كلمتين أيضاً، والإدغام عربي حسن،
لقرب المخرجين، ولأنهما مهموسان رخوان، ولا تدغم الهاء في الغين
وإن كانت الغين أقرب مخرجاً إلى الهاء من الحاء، لأن الهاء مهموسة
رخوة كالحاء، والغين مجهورة بين الشديدة والرخوة وأما العين فتدغم
في الحاء، وذلك لقرب المخرج نحو ارْفَع حَّاتماً، قال
__________
(1) تقول: جبهه - مثل منع - أي ضرب جبهته (*)
(3/276)
سيبويه: الإدغام والبيان حسنان، لأنهما من
مخرج واحد، وتدغم العين في الهاء أيضاً ولكن بعد قلبهما حاءين نحو
مَحُّمْ ومَحَّاؤلاء، والبيان أكثر، ولا يجوز ههنا - كما ذكرنا قبل
- قلبُ الأول إلى الثاني ولا قلبُ الثاني إلى الأول، فقلبا حاء لما
مر، ولم يفعلوا مثل ذلك إذا تقدم الهاء على العين نحو اجْبَهْ
عَلِيّاً، فلم يقولوا: اجْبَه هَّلِيّاً، لأن قياس إدغام الأنزل في
الأعلى بقلب الأول إلى الثاني قياس مطرد غير منكسر، وقد تعذر عليهم
ذلك لثقل تضعيف العين فتركوا الإدغام رأساً وأما الحاء فلا تدغم
فيما فوقها لأن الغين التي هي أقرب مخرجاً إليها من الخاء مجهورة،
والحاء مهموسة والخاء المعجمة - وإن كانت مثلها مهموسة - لكن
مخرجها بعيد من مخرج الحاء فالحاء المهملة تدغم في أدخل منها، وهو
شيئان الهاء والعين بأن تقلبا حاءين كاذبحَّتُودا واذبَحَّاذه كما
مر قوله " وجاء فمن زحزع عَّن النَّارِ " قرأ أبو عمرو بالإدغام
بقلب الحاء عيناً وأما الغين فإنه يدغم في الخاء، لأن الخاء أعلى
منه نحو ادْمَغ خَّلَفاً، (1) قال سيبويه: البيان أحسن والإدغام
حسن وأما الخاء فتدغم في الغين نحو اسْلُخ غَّنمك، والبيان أحسن
والإدغام حسن ولكن لا كحسن إدغام الغين في الخاء معجمتين، وذلك لأن
الخاء أعلى من الغين ولأن تضعيف الخاء كثير وتضعيف الغين لم يأت
إلا مع الفصل كما ذكرنا، وإنما جاز إدغام الخاء في الغين معجمتين
بقلب الأول إلى الثاني مع أن الأول أعلى من الثاني لأن مخرجهما
أدنى مخارج الحلق إلى اللسان، ألا ترى إلى قول بعض
__________
(1) تقول: دمغ الرجل الرجل - من باب منع ونصر - إذا ضرب دماغه، أو
إذا شجه حتى بلغت الشجة الدماغ، وتقول: دمغت الشمس فلانا، إذا آلمت
دماغه (*)
(3/277)
العرب منخُل ومُنغَل (1) بإخفاء النون
قبلهما كما تخفى قبل حروف الفم، ولم يجز مثل ذلك الإدغامِ في الحاء
والعين فلم يقولوا إذبعتودا لبعدهما من الفم قال: " وَالْقَافُ فِي
الْكَافِ وَالْكَافُ فِي الْقَافِ وَالْجِيمُ فِي الشَّينِ " أقول:
أما القاف فيدغم في الكاف بقلب الأول إلى الثاني نحو الْحَق
كَّلَدَة (2) ، قال سيبويه: البيان أحسن والإدغام حسن، لقرب
المخرجين وتقاربهما في الشدة وأما الكاف فإنما يدغم في القاف نحو
انْهَك قَّطَناً (3) بقلب الأول إلى الثاني، والإدغام حسن والبيان
أحسن، لأن القاف أدخل، قال سيبويه: إنما كان البيان أحسن لأن
مخرجها أقرب مخارج اللسان إلى الحلق فشبهت بالخاء مع الغين كما شبه
أقرب مخارج الحلق إلى اللسان بحروف اللسان فيما ذكرنا من البيان
والإدغام وأما الجيم فإنما يدغم في الشين نحو ابْعج شَبَثاً،
فالإدغام والبيان حسنان لأنهما من مخرج واحد، وقد أدغمها أبو عمرو
في التاء في قوله تعالى (ذى المعارج تعرج) ، وهو نادر، والشين لا
يدغم في شئ مما يقاربه كما ذكرنا، وقد روى عن أبي عمرو إدغامُها في
السين في قوله تعالى (ذِي العرش سَبِيلاً) ، وكذا يدغم أبو عمرو
السين فيها في قوله تعالى (الرأس شيبا) مع أنها من حروف الصفير،
لكونهما من حروف التفشي والصوت، فكأنهما من مخرج واحد - وإن تباعد
مخرجاهما - كما ذكرنا في إدغام الواو والياء أحدهما في الآخر ونحاة
البصرة يمنعون إدغام الشين في السين والعكس
__________
(1) نغل الاديم - من باب علم - أي: فسد في الدباغ، وأنغله الدابغ
فهو منغل (2) كلدة - بفتحات -: علم رجل، وممن سمى به كلدة بن حنبل
الصحابي،
وأبو الحارث بن كلدة الصحابي، وأحد أطباء العرب، وأبو كلدة: كنية
الضبعان (3) القطن - بفتحتين -: ما بين الوركين، وهر أصل ذنب
الطائر - (*)
(3/278)
قال: " وَالَّلامُ الْمُعَرِّفَةُ تُدْغَمُ
وُجُوباً فِي مِثْلِهَا وَفِي ثَلاَثَةَ عَشَر حرفا، وغير
الْمُعَرِّفَةِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ (بَلْ ران، وَجَائِزٌ فِي
الْبَوَاقِي) أقول: يريد بالثلاثةَ عشر النونَ والراء والدال
والتاء والصاد والزاي والسين والطاء والظاء والثاء والذال والضاد
والشين، وإنما أدغمت في هذه الحروف وجوبا لكثرة لام المَعْرِفة في
الكلام وفرط موافقتها لهذه الحروف، لأن جميع هذه الحروف من طرف
اللسان كاللام إلا الضاد والشين، وهما يخالطان حروف طرف اللسان
أيضاً أما الضاد فلأنها استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام
كما مر، وكذا الشين حتى اتصلت بمخرج الطاء، وإذا كانت اللام
الساكنة غيرَ المعرفة نحو لام هل وبل وقل فهي في إدغامها في الحروف
المذكورة على أقسام: أحدُها: أن يكون الإدغام أحسن من الإظهار،
وذلك مع الراء لقرب مخرجيهما، ولك أن لا تدغم نحو هَلْ رَأيت، قال
سيبويه: ترك الإدغام هو لغة أهل الحجاز، وهي عربية جائزة، ففي قول
المصنف " لازم في نحو (بَلْ ران) " نظر، بلى لزم ذلك في لام هل وبل
وقل خاصة مع الراء في القرآن، والقرآن أثر يتبع ويليه في الحسن
إدغام اللام الساكنة في الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين،
وذلك لأنهن تراخين عن اللام إلى الثنايا وليس فيهن انحراف نحو
اللام كما كان في الراء، ووجه جواز الإدغام فيها أن آخر مخرج اللام
قريب من مخرجها، واللام معها من حروف طرف اللسان ويليه في الحسن
إدغامها في الظاء والثاء والذال، لأنهن من أطراف الثنايا
وقارَبْن مخرج الفاء، وإنما كان الإدغام مع الطاء والدال والتاء
والزاي والسين أقوى منه مع هذه الثلاثة لأن اللام لم تنزل إلى
أطراف الثنايا كما لم تنزل الطاء وأخواتها إليها، بخلاف الثلاثة
(3/279)
ويليه إدغامها في الضاد والشين، لأنهما
ليسا من طرف اللسان كالمذكورة، لكنه جاز الإدغام فيهما لا تصال
مخرجهما بطرف اللسان كما مر، وإدغام اللام الساكنة في النون أقبح
من جميع ما مر، قال سيبويه: لأن النون تدغم في الواو والياء والراء
والميم كما تدغم في اللام، فكما لا تدغم هذه الحروف في النون كان
ينبغي أن لا تدغم اللام فيها أيضا قال: " وَالنُّونُ السَّاكِنَةُ
تُدْغَمُ وَجُوباً فِي حُرُوف (يَرْمُلُون) وَالأَفْصَحُ إبْقَاءُ
غُنَّتها فِي الَْوَاوِ والْيَاءِ وَإِذْهَابُهَا فِي اللاَّمِ
وَالرَّاءِ، وَتُقْلَبُ مِيماً قَبْلَ الْبَاءِ، وَتُخْفَى فِي
غَيْرِ حُرُوف الْحَلْقِ، فَيَكُونُ لَهَا خَمْسُ أحْوَالٍ،
وَالْمُتَحَرِّكَةُ تُدْغَمُ جَوازاً " أقول: قد مر بيان هذه كلها
قوله " والمتحركة تدغم جوازاً " يعني تدعم جوازاً في حروف يرمُلُون
بعد إسكانها، قال سيبويه: لم نسمعهم أسكنوا النون المتحركة مع
الحروف التي تُخْفَى النون الساكنة قبلها، كالسين والقاف والكاف
وسائر حروف الفم، نحو خَتَنَ سُليمان، قال: وإن قيل ذلك لم يستنكر
واعلم أن مجاورة الساكن للحرف بعده أشد من مجاورة المتحرك، لأن
الحركة بعد المتحرك، وهي جزء من حروف اللين، فهي فاصلة بين المتحرك
وبين ما يليه قال: " وَالتَّاءُ والدال والذال وَالظَّاءُ
وَالطَّاءُ وَالثَاءُ يُدْغَمُ بَعْضُهَا فِي
بَعْضٍ، وَفِي الصَّادِ وَالزَّاي وَالسِّين، وَالإِطْبَاقُ فِي
نَحْوِ فَرَّطْتُ إنْ كَانَ مَعَ إدْغَام فَهُوَ إتْيَانٌ بِطَاءٍ
أُخْرَى، وَجَمْعٌ بَيْنَ ساكنين، بِخِلاَفِ غُنَّةِ النُّونِ فِي
مَنَ يَّقُولُ، وَالصَّادُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ يُدْغَمُ بعضها
بَعْضٍ، وَالْبَاءُ فِي الْمِيمِ - وَالْفَاءِ "
(3/280)
أقول: اعلم أن كل واحد من الستة المذكورة
أولاً يدغم في الخمسة الباقية، وفي الثلاثة المذكورة أخيراً،
فإدغام الطاء فَرَط دَّارِمٌ (1) أو ذابل أو ظالم أو تاجر أو ثامر
(2) أو صابر أو زاجر أو سامر وإدغام الدال جرد طَّارد أو ذابل أو
ظالم أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر وإدغام الذال نبذ
طَّارد أو دارم أو ذابل أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.
وإدغام الظاء غلظ طَّارد أو دارم أو ذابل أو تاجر أو ثامر أو صابر
أو زاجر أو سامر.
وإدغام التاء سكت طَّارد أو دارم أو ذابل أو ظالم أو ثامر أو صابر
أو زاجر أو سامر.
وإدغام الثاء عبث طَّارد أو دارم أو ذابل أو ظالم أو ثامر أو صابر
أو زاجر أو سامر.
فإذا أدغمت حروف الإطباق فيما لا إطباق فيه فالأفصح إبقاء الإطباق
لئلا تذهب فضيلة الحرف، وبعض العرب يذهب الإطباق بالكلية، قال
سيبويه: ومما أخلصت فيه الطاء تاء سماعاً من العرب حُتُّهُمْ أي
حُطْتهم، وقال: ذهاب
__________
(1) دارم: أصله اسم فاعل من درم القنفذ يدرم - من باب ضرب - إذا
قارب الخطوفى عجلة، وسموا به، فممن سمى به دارِم بن مالك بن حنظلة
أبو حى من تميم، وكان يسمى بحرا، لان أباه أتاه قوم في حمالة فقال
له: يا بحر ائتنى بخريطة المال، فجاءه يحملها وهو يدرم تحتها (2)
الثامر: الذى خرج ثمره (*)
(3/281)
إطباق الطاء مع الدال أمثل قليلاً من ذهاب
إطباقها مع التاء، لأن الدال كالطاء في الجهر والتاء مهموسة، ومع
بقاء الإطباق تردد المصنف في أنه هل هناك إدغام صريح أو إخفاء لحرف
الاطباق مسمى بالادغام لتقاربهما، فقال: إن كان الاطباق مع الادغام
الصريح فذلك لا يكون إلا بأن يقلب حرف الإطباق - كالطاء مثلاً في
فرَّطْتُ - تاء وتدغمها في التاء إدغاماً صريحاً، ثم تأتي بطاء
أخرى ساكنة قبل الحرف المدغم، وذلك لأن الإطباق من دون حرف الإطباق
متعذر فيلزم الجمع بين ساكنين، قال: وليس كذلك إبقاء الغنة مع
النون المدغمة في الواو والياء إدغاماً صريحاً، لأن الغنة قد تكون
لا مع حرف الغنة، وذلك بأن تُشْرِبَ الواوَ والياءَ المضعفين غنة
في الخيشوم، ولا تقدر على إشراب التاء المضعفة إطباقاً، إذ الإطباق
لا يكون إلا مع حرف الإطباق، قال: والحق أنه ليس مع الإطباق إدغام
صريح بل هو إخفاء يسمى بالإدغام لشبهه به كما يسمى الإخفاء في نحو
(لِبَعْض شَّأْنِهِمْ) و (الْعَفْو وَّأْمُرُ) إدغاماً واعلم أنه
إذا كان أول المتقاربين ساكناً والثاني ضمير مرفوع متصل فكأنهما في
الكلمة الواحدة التي لا يلبس الإدغام فيها، وذلك لشدة اتصال
الضمير.
ثم إن اشتد تقارب الحرفين لزم الإدغام كما في عدت وزدت، بخلاف
الكلمتين المستقلتين نحو أعد تَّمرك فإنه يجوز ترك الإدغام إذن،
والإدغام أحسن، وبخلاف
ما لم يشتد فيه التقارب نحو عُذْتُ واعلم أن الأحرف الستة المذكورة
أعني الطاء والظاء والدال والذال والتاء والثاء تدغم في الضاد
والشين المعجمتين أيضاً، لكن إدغامها فيهما أقل من إدغام بعضها في
بعض، ومن إدغامها في الصاد والزاي والسين، لأن الضاد والشين ليستا
من طرف اللسان كالتسعة الأحرف المذكورة، وإنما جاز ذلك لأن الضاد
والشين كما ذكرنا استطالتا حتى قربتا من حروف طرف اللسان، وإدغام
هذه
(3/282)
الحروف في الضاد أقوى من إدغامها في الشين،
لأن الضاد قريب من التثنية باستطالتها، وهذه الحروف من الثنايا،
بخلاف الشين وأيضاً الضاد مطبقة والإطباق فضيلة تقصد أكثر مما يقصد
إلى التفشي، وأيضاً لم تتجاف الضاد عن الموضع الذي قربت فيه من
الظاء تجافى الشين، بل لزمت ذلك الموضع وقد جاء في القراءة إدغام
التاء في الجيم نحو (وَجَبَتْ جنوبها) قوله " والصاد والزاي والسين
يدغم بعضها في بعض " فإن أدغمت الصاد في أختيها فالأولى إبقاء
الإطباق كما مر، قال سيبويه: إدغام حروف الصفير بعضها في بعض أكثر
من إدغام الظاء والثاء والذال بعضها من بعض، لأن الثلاثة الأخيرة
إذا وقفت عليها رأيها طرف اللسان خارجاً عن أطراف الثنايا، بخلاف
حروف الصفير، والاعتماد بالإدغام على الحرف المنحصر بالأسنان أسهل
منه على الحرف الرخو الخارج عن رءوس الأسنان قوله " والباء في
الميم والفاء " هو نحو اضرب مَّالكاً أو فاجرا قال: " وَقَدْ
تُدْغَمُ تَاءُ افْتَعَلَ فِي مِثْلِهَا فَيُقَالُ: قَتَّلَ
وَقِتَّلَ، وعليهما مقتلون ومقتلون، وَقَدْ جَاءَ مُرُدفِينَ
إتْبَاعاً، وَتُدْغَمُ الثاء فِيهَا وُجُوباً عَلَى الْوِجْهَيْنِ
نَحْوُ اثَّأرَ وَاتَّأرَ، وَتُدْغَمُ فِيهَا السِّين شَاذًّا
عَلَى الشَّاذِّ نَحْوُ اسَّمَعَ، لامْتِنَاع
اتَّمَعَ، وَتُقْلَبُ بَعْدَ حُرُوفِ الإِطْبَاقِ طَاءً،
فَتُدْغَمُ فِيهَا وُجُوباً في اطَّلَبَ وَجَوَازَاً عَلَى
الْوَجْهَيْنِ فِي اظْطَلَمَ، وَجَاءَتِ الثَّلاَثُ فِي *
ويُظْلَمُ أحيانا فيضطلم * وَشَاذّاً عَلَى الشَّاذِّ فِي اصَّبَرَ
وَاضَّرَبَ، لامْتِنَاعِ اطَّبَرَ واطَّرَبَ، وَتُقْلَبُ مَعَ
الدَّالِ والذَّال وَالزَّاي دَالاً فتدغم وجوبا في ادَّانَ،
وَقَويّاً في ادَّكَرَ، وَجَاءَ اذكر واذ دكر، وضعيفا في ازَّانَ،
لامْتِنَاعِ ادَّانَ، وَنَحْوُ خَبَطُّ وحِصْطُ وَفُزْدُ وَعُدُّ
فِي خَبَطْتُ وحصت وَفُزْتُ وعُدْتُ شَاذٌّ " أقول: اعلم أنه إذا
كان فاء افتعل تاء وجب إدغامها في التاء، لما قدمنا أن
(3/283)
المثلين إذا التقيا وأولهما ساكن وجب
الإدغام: في كلمة كانا، أو في كلمتين، وذلك نحو اتَّرَكَ
واتَّرَسَ، وإذا كان عينه تاء جاز الإدغام وتركه، لما قدمنا أن
المثلين المتحركين إذا لم يكونا في الأخير لم يجب الادغام، فتقول:
اقْتَتَلَ وقَتَّل، وقال سيبويه: إنما لم يلزم الإدغام في نحو
اقْتَتَل لأن التاء الثانية لا تلزم الأُولى، ألا ترى إلى نحو
اجتمع وازتدع؟ فالمثلان فيه كأنهما في كلمتين من حيث عدم التلازم،
فإذا أدغمت فإما أن تنقل حركة أولهما إلى فاء الكلمة كما هو الرسم
في نحو يمُد ويَعض ويفِر فتستغني عن همزة الوصل، وإنما وجب حذف
الهمزة ههنا ولم يجب في باب ألحمرلان أصل لام التعريف السكون وأصل
فاء الكلمة الحركة كما قلنا في سَلْ (1) ، وإما أن تحذف حركة
أولهما فيلتقي ساكنان: فاء الفعل، وتاء افتعل، فتكسر الفاء، لأن
الساكن إذا حرك فالكسر أولى، فتسقط همزة الوصل بتحرك ما بعدها،
وإنما لم يجز حذف حركة أول المثلين في نحو يرُدُّ ويعَض ويفِرُّ
لما ذكرنا في باب الإعلال (2) من أنه يجب المحافظة على حركة العين
في الفعل، إذ بها يتميز بعض أبوابه عن بعض، وقال سيبويه: إنما جاز
حذف الحركة ههنا دون نحو يرد ويعض لأنه يجوز في نحوه الإظهار
والإخفاء والإدغام: أي في نحو
اقتتل، بخلاف نحو يردّ ويُعَضّ ويفرّ، فإنه يجب فيه الإدغام، وكذا
في رُدّ وعضَّ وفِرَّ عند بني تميم، فلما تصرفوا في الأول بالأوجه
الثلاثة أجازوا التصرف فيه بحذف حركة أول المثلين أيضاً، قال
الفراء: بل لابد من نقل حركة أولهما إلى الفاء، فأما كسرة قِتَّل
فهي الفتحة ليكون دليلاً على همزة الوصل المكسورة المحذوفة، وإنما
قال ذلك لأنه رأى امتناع حذف الحركة في باب يُردّ ويعَضّ، والجواب
عنه ما مضى
__________
(1) انظر (ص 51 من هذا الجزء) (2) انظر (ص 100 و 145 من هذا الجزء)
ثم انظر (ج 1 ص 76 و 80 و 81) (*)
(3/284)
وتقول في مضارع اقتتل المدغم يَقَتَّل -
بنقل الفتحة إلى القاف - كما في الماضي، ويَقِتِّل - بكسر القاف -
كما في الماضي سواء، وأجاز بعضهم حذف حركة أولهما من غير أن يحرك
القاف بحركة، فيجمع بين ساكنين، وهو وجه ضعيف ينكره أكثر الناس،
والأولى أن ما روي من مثله من العرب اختلاس حركة، لا إسكان تام،
ويجوز في نحو يَقِتِّل - بكسر القاف - أن تُكسر الياء إتباعاً
للقاف، فتقول: يِقِتِّل كما في مِنْخِرٍ ومِنْتِنٍ، ومنه القراءة
(أَمْ مَنْ لاَ يِهِدِّي) بكسر الياء والهاء وتقول في اسم الفاعل:
مُقِتَلِّ - بكسر القاف وفتحها - ولا يجوز كسر الميم اتباعاً كما
جاز كسر حرف المضارع، لأن حرف المضارع متعوِّد للكسر لغير الاتباع
أيضاً نحو إعْلَمُ ونِعْلَمُ، لكن لا يكسر الياء إلا لداع آخر كما
في يِيجَل ويِقِتِّل، وأما نحو مِنْتِنٍ في مُنْتِنٍ فشاذ، وقد قرأ
أهل مكة (مُرُدِّفِينَ) بإتباع الثاني للأول كما في رُدُّ ولم
يرُدُّ، وذلك بحذف حركة أول المتقاربين وتحريك
ما قبله بحركة الاتباع لإزالة الساكنين وإذا كان عين افتعل مقاربا
للتاء لم تدغم التاء فيه إلا قليلاً، لأن الإدغام في غير الآخر
خلاف الأصل كما ذكرنا، ولا سيما إذا أدى إلى تحريك الساكن بعد
تسكين المتحرك، وأما الإدغام في نحو ادّكر فإنه وإن كان في غير
الآخر لكنه لم يؤد إلى تحريك ولا تسكين، وفي نحو ازَّمَّلَ أدى إلى
تسكين فقط، وإذا جاز إظهار المثلين في مثل اقتَتَل وكان هو الأكثر
فكيف بالمتقاربين، وإنما جاز الإدغام إذا كان العين دالاً
كَيَهِدِّي ومُرَدِّفِينَ، أو صاداً كيخِصِّمُون، ولا يمنع القياس
من إدغام تاء افتعل فيما يدغم فيه التاء من التسعة الأحرف المذكورة
كالزاي في ارتزق، والسين في اقْتَسَر، (1) والثاء في اعتَثَر، (2)
والطاء في
__________
(1) تقول: قسره على الامر، واقتسره عليه، إذا قهره وغلبه عليه (2)
اعتثر: اتخذ لنفسه عاثورا، والعاثور: البئر، وما أعد ليقع فيه غيره
(*)
(3/285)
ارتطم، (1) والظاء في اعتَظَل، (2) والذال
في اعتذر، والصاد والدال في اختصم واهتدى، والضاد في اختضر (3)
وإذا كان فاء افتعل مقارباً في المخرج لتائه وذلك إذا كانت الفاء
أحد ثمانية الأحرف التي ذكرنا أن التاء تدغم فيها لكونها من طرف
اللسان كالتاء، وهي الدال والذال والطاء والظاء والثاء والصاد
والسين والزاي، وتضم إلى الثمانية الضاد، لما ذكرنا من أنها
باستطالتها قربت من حروف طرف اللسان، وأما الشين فبعيدة منها كما
ذكرنا، فإذا كان كذا جاز لك إدغام فاء افتعل في تائه أكثر من جواز
إدغام تائه في عينه، تقول في الدال: ادَّانَ، وفي الذال: اذَّكَرَ،
وفي الطاء: اطَّلَبَ، وفي الظاء: اظَّلم، وفي الثاء: اثَّرد (4) ،
وفي الصاد: اصَّبَر، وفي السين: اسَّمَع، وفي الزاي: ازان، وفى
الضاد: اصجع، وإنما قلبت
التاء في هذه الأمثلة إلى الفاء خلافاً لما هو حق إدغام أحد
المتقاربين من قلب الأول إلى الثاني، لأن الثاني زائد دون الأول،
وفي الطاء والظاء والصاد والضاد والسين والزاي لا يجوز قلب الأول
إلى الثاني، لئلا تذهب فضيلة الإطباق والصفير.
ويجوز مع الثاء المثلثة قلب الأول إلى الثاني كما هو حق الإدغام،
تقول: اثأر (5) ، واترد
__________
(1) ارتطم: مطاوع رطمت الرجل، إذا أوقعته في أمر لا يقدر على
الخروج منه (2) تقول: اعتظلت الكلاب والجراد، إذا ركب بعضها بعضا
(3) تقول: اختضرت الكلا، إذا جززته وهو أخضر، وقد قالوا من ذلك:
اختضر الرجل، إذا مات في طراءة السن (4) تقول: اثرد الخبز، إذا فته
ليصنعه ثريدا (5) اثأر: أدرك ثأره (*)
(3/286)
ومع الحروف المذكورة يجوز أن لا تخفف
الكلمة بالادغام، لكون المتقاربين في وسط الكلمة، والغالب في
الإدغام آخر الكلمة، كما مر، فتخففها بقلب التاء إلى حرف يكون أقرب
إلى فاء الكلمة من التاء فتقربها إلى حروف الإطباق الثلاثة: أي
الصاد والضاد والظاء المعجمة، بأت تجعل في التاء إطباقاً فتصير
طاء، لأن الطاء هو التاء بالإطباق، وتقربها إلى الزاي والذال
المعجمة بأن تجعل التاء دالاً، لأن الدال مجهورة شديدة كالزاي
والذال، والتاء مهموسة، والدال أقرب حروف طرف اللسان إلى التاء،
فتقول: ازدان واذ دكر - على ما روى أبو عمرو - ومنع
سيبويه إذ دكر وأوجب الإدغام، وقال: إنما منعهم أن يقولوا مذدكر
كما قالوا: مزدان، أن كل واحد من الدال والذال قد يدغم في صاحبه في
الانفصال فلم يجز في الكلمة الواحدة إلا الإدغام ويجوز مع السين
والثاء أن تبقى تاء الافتعال بحالها، لأن السين والثاء مهموستان
كالتاء، فتقول: اثْتَأَرَ واسْتَمع، فليسا بمتباعدين حتى يُقَرَّب
أحدهما من الآخر وإنما وجب تخفيف الكلمات مع غير الثاء والسين إما
بالإدغام أو بغيره كما مضى لكثرة استعمال افتعل، فيستثقل فيه أدنى
ثقل، ويجوز - بعد قلب التاء التي بعد الظاء المعجمة طاء وقلب التي
بعد الذال المعجمة دالاً نحو اظْطَلم واذْدَكر - أن تدغم الظاء في
الطاء والذال في الدال بقلب الأول إلى الثاني في الموضعين كما هو
حق إدغام المتقاربين، فتقول: اطَّلم وادَّكر - بالطاء والدال
المهملتين - قال سيبويه: وقد قال بعضهم: مُطَّجِع في مُضْطَجع،
يدغم الضاد في الطاء مع أنها من حروف (ضَوِيَ مِشْفَرٌ) وقال: قد
شبه بعض العرب ممن ترضى عربيته الصاد والضاد والطاء والظاء مع تاء
الضمير بهن في افتعل، لشدة اتصال، تاء الضمير بالفعل كاتصال تاء
الافتعال بما
(3/287)
قبلها، فتقول: فَحَصْطُ برجلي، وحِصْط عنه،
وخبطُّهُ، وحفطه، فتقلب في جميعها تاء الضمير طاء مهملة قال: وكذا
يقول بعضهم: عُدُّه - بقلب التاء دالاً - كما في ادَّان، قال
السيرافي: وقياس هذه اللغة أن تقلب تاء الضمير دالاً إذا كان قبلها
دال أو ذال أو زاي كما في افتعل، لكن سيبويه لم يحكه عنهم إلا في
الدال المهملة ولشدة اتصال تاء الضمير بما قبله كان الإدغام في نحو
أخذت وبعثت
وحفظت أولى وأكثر منه في نحو احفظ تلك، وخذ تلك، وابعث تلك، وقلب
ما قبل تاء الافتعال أكثر من قلب ما قبل تاء الضمير طاء أو دالاً
نحو فحصط وحفط وفُزْدُ وَعُدَّ، لأنها على كل حال كلمة وإن كانت
كالجزء واعلم أنه لم يدغم التاء في استطاع واستَدَانَ لأن الإدغام
يقتضي تحريك السين التي لا تتحرك ولاحظ لها في الحركة، وأيضاً فإن
الثاني في حكم السكون، لأن حركته عارضة منقولة إليه مما بعده،
وقراءة حمزة اسْطَاعَ بالإدغام شاذ قوله " وتدغم التاء فيها وجوباً
" فيه نظر، لأن سيبويه ذكر أنه يقال: مثْتَرِدٌ، ومُتَّرِدٌ، ونحوه
قوله " على الوجهين " أي: على قلب الأول إلى الثاني وقلب الثاني
إلى الأول قوله " تدغم فيها السين شاذاً على الشاذ " أي: أن إدغام
السين في غير حروف الصفير شاذ، وقلب ثاني المتقاربين إلى الأول
شاذ، وإنما ارتكب قلب الثاني لامتناع اتَّمَعَ، فإنه تذهب إذن
فضيلة الصفير، وقد زال كراهة الشذوذ الأول لسبب الشذوذ الثاني،
لأنك إذا قلبت الثاني سيناً لم تدغم السين إلا في حروف الصفير قوله
" وجاءت الثلاث " أي: الطاء والظاء المشددتان، والظاء المعجمة قبل
الطاء المهملة، وأول البيت:
(3/288)
192 - * هُوَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِيكَ
نَائِلَهُ * عَفْواً (1) قوله " وشاذاً على الشاذ في اصَّبَرَ
واضَّرَبَ " عطف على قوله " وجوباً في اطَّلَبَ " يعني يقال:
اصَّبَرَ واضَّرَبَ - بصاد وضاد مشددتين - والشذوذ الأول إدغام
الصاد الذي هو حرف الصفير في غير الصفير أي الطاء، وكذا إدغام
الضاد المعجمة، والشذوذ الثاني قلب الثاني إلى الأول، وقد مر أن
الشذوذ الثاني
يدفع مضرة الأول، والأولى أن يقول: إن تاء الافتعال قلبت صاداً أو
ضاداً من أول الأمر، وأدغمت الصاد والضاد فيها كما ذكر قبل، إذ لا
دليل على قلبه طاء أولاً ثم قلب الطاءِ صاداً أو ضاداً قوله "
لامتناع اطبر واطرب " يعني: إنما قلب الثاني إلى الأول لامتناع قلب
الأول إلى الثاني، لئلا يذهب الصفير والاستطالة قوله " وقويا في
ادكر " بالدال المشددة المهملة قوله " وجاء اذَّكرَ " أي: بالذال
المشددة المعجمة اعلم أنه لما كان الإدغام بقلب الثاني إلى الأول
على خلاف القياس كان
__________
(1) هذا بيت لزهير بن أبى سلمى المزني، من قصيدة له يمدح فيها هرم
ابن سنان المرى، وأولها قوله: قِفْ بِالدِّيَارِ الَّتِي لَمْ
يَعْفُها الْقِدَمُ * بَلَى، وَغَيَّرَهَا الأَرْوَاحُ وَالدِّيَمُ
والجواد: الكريم، والنائل: العطاء، وقوله " عفوا " معناه سهلا من
غير مطل ولا تسويف، وقوله " يظلم أحيانا " معناه أنه يُطلب منه في
غير وقت الطلب السائل ما سأله وتكلفه لذلك قبولا للظلم، والاستشهاد
بالبيت في قوله " فيظلم " فقد روى بثلاثة أوجه أولها " فيظطلم "
باظهار كل من الحرفين، وثانيها " فيظلم " بقلب الطاء المهملة معجمة
والادغام، وثالثها " فيطلم " بقلب الظاء المعجمة طاء مهملة
والادغام، وحكى ابن جني في سر الصناعة أنه روى بوجه رابع، وهو "
فينظلم " بالنون على ينفعل من الظلم، ورواه سيبويه بالادغام على
الوجهين (*)
(3/289)
الأغلب مع الصاد والضاد والظاء المعجمة قلب
تاء الافتعال طاء بلا إدغام، لأن قلب الأول إلى الثاني فيها ممتنع،
واظطلم واضطرب واصطبر أولى من غيرها، وكذا ازْدَان - بالدال - أولى
من ازَّان - بالزاي - وادَّكر - بالدال
المهملة - أولى من اذَّكر - بالذال المعجمة، وكذا اتَّغَرَ -
بالتاء - أولى من اثَّغر - بالثاء المثلثة - وإبقاء التاء بحالها
في استمع أولى من اسَّمَعَ، ولا منع من إدغام اللام في التاء، وإن
لم يسمع نحو اتَّمَع في الْتَمَعَ، لأن اللام يدغم في التاء كما
تقدم قال: " وَقَدْ تُدْغَمُ تَاءُ نَحْوَ تَتَنَزَّلُ
وَتَتَنَابَزُوا وَصْلاً وَلَيْسَ قَبْلَهَا سَاكِنٌ صَحِيحٌ،
وَتَاءُ تَفَعَّلَ وَتَفَاعَلَ فِيمَا تُدْغَمُ فِيهِ التَّاءُ،
فَتُجْلَبُ هَمْزَةُ الْوَصْل ابْتِدَاءً نحْوَ اطَّيَّرُوا
وازَّيَّنُوا واثَّاقَلُوا وادَّارَأُوا، وَنَحْوُ اسطَّاعَ
مُدْغَماً مَعَ بَقَاءِ صَوْتِ السِّينِ نَادِرٌ " أقول: إذا كان
في أول مضارع تَفَعَّلَ وتَفَاعَل تاء فيجتمع تاءان جاز لك أن
تخففهما وأن لا تخففهما، والتخفيف بشيئين: حذف أحدهما، والإدغام،
والحذفُ أكثر، فإذا حذفت فمذهب سيبويه أن المحذوفة هي الثانية، لأن
الثقل منها نشأ، ولأن حروف المضارعة زيدت على تاء تَفَعَّل لتكون
علامة، والطارئ يزيل الثابت إذا كره اجتماعهما، وقال سيبويه: لأنها
هي التي تدغم في تترَّس، وتطيَّر، وقال الكوفيون: المحذوفة هي
الأولى، وجوز بعضهم الأمرين، وإذا حذفت لم تدغم التاء الباقية فيما
بعدها وإن ما ثلها، نحو تَتَارَكُ، أو قاربها نحو تَذَكَّرُون،
لئلا يجمع في أول الكلمة بين حذف وإدغام مع أن قياسهما أن يكونا في
الآخر، وإذا أدغمت فإنك لا تدغم إلا إذا كان قبلها ما آخره متحرك
نحو قَال تنَزَّل، وقَال تَّنَابَزُوا، أو آخره مد نحو قالوا
تَّنَزَّلُ قَالا تَّنَابزُوا، وقُولي تَّابع، ويزاد في تمكين حرف
المد، فإن لم يكن قبلها شئ
(3/290)
لم يدغموا، إذ لو أدغم لاجتلب لها همزة
الوصل، وحروف المضارع لابد لها من التصدر لقوة دلالتها، وأيضاً
تتثاقل الكلمة، بخلاف الماضي، فإنك إذا قلت:
اتَّابَع واتَّبَعَ، لم يستثقل استثقال اتَّنَزَّلُ،
واتَّنَابَزُون، وكذا لا يدغم إذا كان قبله ساكن غير مد: سواء كان
ليناً نحو لو تتنابزون، أو غيره نحو هل تتنابزون، إذ يحتاج إذن إلى
تحريك ذلك الساكن، ولا تفي الخفة الحاصلة من الإدغام بالثقل الحاصل
من تحريك ذلك الساكن، وظهر بما شرحنا أن الاولى أن يقول المصنف:
وليس قبلها ساكن غير مدة، وقراءة البزى (كُنْتُم تَّمَنَّوْنَ
الْمَوْتَ) و (ألْفِ شَهْر تَّنَزَّلُ) - بالإدغام فيهما والجمع
بين ساكنين - ليست بتلك القوة وإذا كان الفعل المضارع مبنياً
للمفعول نحو تُتَدارك وتُتَحَمَّل لم يجز الحذف ولا الإدغام،
لاختلاف الحركتين، فلا تستثقلان كما تستثقل الحركتان المتفقتان،
وأيضا يقع لبس بين تتفعل وتفعل من التَّفْعِيل لو حذفت التاء
الثانية وبين تُتَفَعَّلُ وتَتفَعَّل لو حذفت الأولى قوله " وتاء
تَفَعَّل وَتَفَاعَل فيما تُدْغَمُ فيه التاءُ " أي: تاء الماضي من
البابين تدغم في الفاء إذا كانت إحدى الحروف الاثني عشر التي ذكرنا
أن التاء تدغم فيها، وهي التاء نحو اتَّرَّسَ، والطاء نحو
اطَّيَّر، والدال نحو ادَّارَأْتم، والظاء نحو اظَّالموا، والذال
نحو إذا كروا، والثاء نحو اثّاقَلْتُم، والصاد نحو اصَّابَرْتم،
والزاي نحو ازَّيَّن، والسين نحو اسمع واسَّاقَطَ، والضاد نحو
اضَّاربوا واضَّرَع، والشين نحو اشَّاجَروا، والجيم نحو
اجَّاءَرُوا (1) ، وهذا الإدغام مطرد في الماضي والمضارع والأمر
والمصدر وأسمى الفاعل والمفعول
__________
(1) أصل اجاءروا: تجاءروا، وهو تفاعل من الجؤار، والجؤار: رفع
الصوت (*)
(3/291)
قوله " ونحو اسْطَاع " قراءة حمزة (فَمَا اسْطَّاعُوا أَنْ
يَظْهَرُوه) وخطَّأَه
النحاة، قال أبو علي: لما لم يمكن إلقاء حركة التاء على السين التي
لا تتحرك أبداً جمع بين الساكنين