أخبار أبي القاسم الزجاجي شرح المسألة
اعلم أنك إذا قلت: " إن زيدا قائم وعمرو "
كان لك في المعطوف وجهان النصب عطفا على اسم إن كقولك أن زيدا قائم
وعمرا. ويرفع من ثلاثة أوجه، أحدها عطفاً على المضمر في الخبر، والآخر
تعطفه على موضع إن، والعطف حملا على المعنى جائز بعد إتمام الكلام،
والثالث أن ترفعه بالابتداء وتضمر له مثل الخبر المقدم. فهذا متفق عليه
لا خلاف فيه وعلى ذلك قريء " إن الله بريء من المشركين ورسوله " بالرفع
والنصب. ونظير النصب قول الشاعر: الرجز
إن الربيع الجودَ والخريفا ... يدا أبي العباس والصُّيوفا
فعطف الصيوف على الربيع بعد الخبر، فإذا عطفت على اسم إن قبل الخبر لم
يكن إلا النصب كقولك: إن زيدا وعمرا قائمان، ولو عطفت على موضع إن
فقلت: إن زيدا وعمرو قائمان لم يجز لأن الحمل على المعنى إنما يكون بعد
تمام الكلام. فهذا نظير قوله " إن الله وملائكته " بالرفع. وقد أجازه
بعض الكوفيبن، والسبب فيه الخبر الذي تقدم ذكره ولكن يجوز أن يؤخر
الخبر وينصب المعطوف عليه وترفعه على أن تنوي التأخير فتقول: إن زيدا
وعمرا قائم، والتقدير إن زيد، قائم وعمرا، ثم قدمت على هذا التأويل.
وإن شئت قلت: إن زيدا قائم، والتقدير: إن زيدا قائم، ثم قدمت. فعلى ذلك
ينشد: الطويل
فَمَنْ يكْ أمسى بالمدينة رحلة ... فانّي وقياراً بهاراً لَغَريبُ
برفع قيار ونصبه، وقيار اسم جحله.
أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: كانت امرأة من
العرب ذات مال وجمال ولسن، فآلت على نفسها إن لا تزوج نفسها إلا ممن
يحاجها فقطعت حماقة فتحاماها الناس حتى انتدب لها رجل فجاء فوقف ببابها
فقالت له: ممن أنت؟ قال: بشر ولد صغيرا، ونشأ كبيرا. قالت: فأين بلدك؟
قال: على بساط شاسع في بلد واسع قريب بعيد وبعيد قريب. قالت: فما اسمك،
قال: من أراد اتخذ اسما ولم يكن ذلك عليه رجما. قالت: كأنه لا حاجة لك؟
قال: لو لم تكن لي حاجة لم أقف ببابك، واتصل بأسبابك، وأتعرض لخطابك.
قالت: أسر حاجتك أم جهر؟ قال: سر ومستعلن. قالت كأنك خاطب؟ قال: هو
ذاك. قالت حاجتك؟ قال: قولي؟ قالت: عجبت، قال: عجبت من السبخة لا يجف
ثراها ولا ينبت مرعاها، قالت: عجبت؟ قال: عجبت من الحجارة لا يهرم
كبارها ولا يكبر صغارها، قالت: عجبت، قال: عجبت من طالب العلم لا يبلغ
منتهاه ولا يقضي مناه قال: عجبت لجوباء بين رجليك لا يمل حفرها ولا
يبلغ قعرها، قالت: قضيت حاجتك. قال: شكرت.
أخبرنا نفطويه قال أخبرنا محمد بن الحسن الحنيني قال حدثنا أحمد ابن
المفضل عن أسباط عن السدّى فهي قوله تعالى " أتدعون بَعْلا " قال ربا.
وهكذا جاء في هذا الخبر. قال الشيخ: والمعروف عند أهل اللغة إن
البَعْل: الصنم فجاز لأنهم كانوا يعبدونه كما يعبدون الرب عز وجل،
والبعل: الزوج والبعال: النكاح، والبعل أيضا: النخل الذي يشرب بعروقه
ويستغني عن السقاء وإياه عنى الشاعر بقوله الطويل
من الواردات الماء بالقاع تستقي ... بأذنابها قبل استقاء الحناجر
والبعل أيضا: الرجل الذي يكون كّلا على أهله، فأما البَعَل بفتح الباء
والعين فالتحيّر، يقال بعل بأمره يبعل بعلا: إذا تحير.
أخبرنا نفطويه قال حدثني الحنيني قال حدثني احمد بن المفضل عن أسباط عن
السدى في قوله تعالى (وأنّا لنحن الصافون) قال: يعني الصلاة، وذكر
السني عن عبد الله قال: ما في السماء موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو
قدماه ساجدا أو راكعا أو قائما، وتلا عبد الله " وأنّا لنحن الصافون)
(وأنا لنحن المسبّحون) .
أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: كتب معاوية إلى
عبادة بن الصامت: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد اجتمعوا علي
فاكتب إلي ببيعتك وزوج يزيد ابنتك، فكتبت إليه عبادة: لو اجتمعت أمة
محمد صلى الله عليه وسلم على عبد حبشي لسمعت وأطعت وقد كتبت إليك
ببيعتي، فأما تزويج يزيد ابنتي فقد كتبت إليك بيتين فاسمعهما وهما:
الطويل
ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حَفدٌ ممّا يعدّ كثير
ولكنها نفسي علي كريمة ... عيوف لأصهار اللئام قدور
أخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو عثمان
الأشنانداني قال اخبرنا عمارة ابن عقيل بن بلال بن جرير قال: كانت
أسماء بنت مطرف بن أبان من بني أبي بكر بن كلاب لسنة لذاعة اللسان
فنزلت برجل من بني نصر بن معاوية ثم من بي كلفة فلم يقرها فقالت فيه:
الطويل
سرت بي فتلا الذراعين حرة ... إلى ضوء نار بيبن فردة والجزر
سرت ما سرت من ليلها ثم عرّست ... على كلفيّ لا يصليّ ولا يقري
فكن حجرا لا تطعم الدهر قطرة ... إذا كنت ضيفا نازلا في بني نصر
وقالت فيه أيضا: الطويل
سرينا وإعفاء من الرمل دوننا ... إلى ناره وهنا من الليل تلمح
فبات ابن شماخ يفسخ عجوة ... ولم يسقنا غير السّمار المضيّح
قال: السمار: اللبن، والمضيح: الكثير المزج ومنه قول الآخر: الرجز
حتى إذا جنّ الظلام المختلط ... جاءوا بضيح هل رأيت الذئب قط
يقول: جاعوا بلبن قد اكثر مزجه بالماء حتى اغبر لونه فصار كلون الذئب.
وقولها: " فكن حجرا لا تطعم الدهر قطرة "، فإنه يقال طعمت في الطعام
والشراب والنوم، وقال الله تعالى: ومن لم يطعمه فإنه مني. وقال تعالى:
(لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا) . قال العلماء: البرد: النوم الكثير.
ومن كلام العرب: منعني البرد البرد أي منعني البرد من النوم.
اخبرنا الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: نقول العرب نظرت بعيني،
ونظرت بمعنى انتظرت.
فنظرت: رحمت، ونظرت، تفكرت، وأنظرت الرجل: أخرته، وأنظرت الرجل: جعلته
ينتظرني.
قال: والتراب جمع واحدة ترابة والنسب إليه ترابي، وينشد: الطويل
وقالوا ترابي فقلت: صدقتم ... أبي من تراب خَلقْهٌ الله آدما
أراد خلقه فأسكن اللام. وفي نصب آدم وجهان، أحدهما إن يكون بدلا من
الهاء في خلقه للإيضاح والتبيين، والآخر أن نصبه بإضمار أعني. أنشدنا
الأخفش قال أنشدنا ثعلب قال: قرأت بخط إسحاق بن إبراهيم الموصلي لعجير
السلولي: الطويل
أجارى ما أزداد إلا صبابة ... إليك وما تزداد إلا تنائيا
أجارى لو نفس فدت نفس ميت ... فديتك مسرورا بأهلي وماليا
وقد كنت أرجو أن أملاك حقبة ... فحال قضاء الله دون رجائيا
ألا ليمت من شاء بعدك إنما ... عليك من الأيام كان حداديا
أخذ معنى البيت الأخير أبو نواس فقال يرثي الأمين: الطويل
طوى الموت ما بيني وبين محمد ... وليس لما تطوى المنية ناشر
لئن عمّرت دور بمن لا أحبه ... فقد عمّرت ممن أحب المقابر
وكنت عليه أخذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر
وقال أيضا: مجزوء الكامل
كنت السواد لمقلة ... فعليك يبكي الناطر
من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر
أنشدنا الأخفش للنابغة: الوافر
فإني لا ألومك في وصول ... ولكن ما وراءك يا عصام
ألم أقسم عليك لتخبرني ... أمحمول على النعش الهمام
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع الناس والشهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجب الظهر ليس له سنام
أما عصام فحاجب النعمان. يقول: لا ألومك إن منعتني الوصول إليه ولكن
عرفني خبره. وكان الملك إذا مرض يجعل في سرير ويحمل على أعناق الرجل
يعلل بذلك ويقولون هو أرفه له.
وأما قوله:
ونأخذ بعده بذناب عيش
فيجوز فيه الرفع والنصب والجزم، وأما الجزم
فعلى العطف على قوله: يهلك ربيع الناس، والرفع على القطع والابتداء،
والنصب بالصرف على إضمار إن، وكذلك كل معطوف بعد جواب الجزاء من
الأفعال المستقبلة يجوز فيه هذه الثلاثة الأوجه، ومثله قوله (إن تبدوا
ما في أنفسكم ألو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء)
. يجوز في " يعذب " الأوجه الثلاثة التي ذكرناها في قوله " أجَبِّ
الظهر " يعني مقطوع الظهر. وهذا تمثيل وتشبيه. ويروى " أجَبَّ الظهرَ "
بخفضها جميعا على إضافة أجب إلى الظهر، ويروى " اجَبَّ الظهرَ " بفتح
أجب ونصب الظهر على إن يكون موضع أجب خفضا، ولكنه لا ينصرف. وينصب
الظهر على التشبيه بالمفعول به ويضمر في أجب الفاعل كأنه قال أجب الظهر
بالتنوين ثم منعه من التنوين لأنه لا يصرف، وهو في تقدير قولك " مررت
برجل حسن الوجه، وكثير المال، وطيب العيش ".
ويروى " أجَبِّ الظهرُ " بفتح أجب على أنه في موضع خفض فرفع الظهر به
كأنه قال " أجب ظهره " فأهل الكوفة يجعلون الألف واللام عقيب الإضافة،
وأهل البصرة يضمرون ما يعلق الذكر بالأول، وتقديره عندهم: أجب الظهر
منه.
أخبرنا ابن الأنباري قال حدثنا إدريس بن عبد الكريم أبو الحسن المعري
قال حدثنا أبو الأحوص محمد بن حيان البغوي قال حدثنا الزمخي بن خالد عن
ابن جريح عن قول الله عز وجل (أتبنون بكل ربع آية تعبثون) . قال:
بزوجا.
أخبرنا الزجاج وابن الخياط عن الحسن بن الطيان عن ابن السكيت قال محمد
بن عقيل وبلال بن جرير الربع: الجبل. وقال غيره من أصحاب اللغة: الربع:
ما ارتفع من الأرض.
قال ابن الأنباري أخبرني أبي عن نصر بن داود عن أبي عبيد القاسم بن
سلام قال يقال: أخدجت الناقة: إذا ألقت ولدها ناقص الخلق، وإن كان
لتمام وقت الحمل فهي مخدج: والولد مخدج. وخدجت الناقة: إذا ألقت ولدها
قبل تمام وقت الخلق وان كان تام الخلق فهي خادج والولد خديج ومخدوج.
قال أبو الانباري وأخبرنا ثعلب عن سلمة عن الفراء قال، يقال: اخدجت
وخدجت بعنى واحد: وحكى الكسائي وحده خدجت بكسر الدال، قال أبو القاسم:
أصل الخداج: النقصان في الخلق كان أو في العدة ولكن فرق بينهما لاختلاف
الموضعين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " كل صلاة لا قراءة فيها
فهي خداج) . أي ذات خداج، والخداج: النقصان، ومنه قول علي رضى الله عنه
في ذي الثدية " أنه مُخْدج اليد والعلماء يقولون: الثدي مذكرا، وإنما
قيل ذو الثديه بالهاء لأنه ذهب إلى معنى اللحمة والزيادة. وبعضهم يقول:
ذو اليدية بالياء يجعلها تصغير اليد.
أخبرنا الأخفش عن ثعلب عن عمر بن شبة عن مخارق أبي المهنا، قال: دخلت
على أبي العتاهية في مرضته التي مات فيها، فلما رآني هش لي وقال: ادن
مني بأبي أنت وأمي فدنوت منه وقلت له: ما تحب؟ قال: احب إن اسمع منك:
الخفيف.
احمد قال لي ولم يدر ما بي ... أتحب الغداة عتبة حقا
فتنفست ثم قلت نعم حبا ... جرى في العروق عرقا فعرقا
لو تبينت ما يجن فؤادي ... لرأيت الفؤاد قرحا تفقا
ليتني مت فاسترحت من الح ... ب فإني ما عشت منه ملقى
قال: فغنيته، فقال: أراني كأني قد حييت، واستعاده دفعات فأعدته عليه.
فقال: انصرف راشدا واتني في غد فان لم أرك مت. فلم يزل ذلك دأبه إلى
اليوم الرابع فشغلت عنه فمات في ذلك اليوم.
أخبرنا الأخفش قال أخبرنا المبرد قال حدثت من غير وجه أنه اجتمع أبو
نوأس وأبو العتاهية وأبو الشيص والحسين الخليع في مجلس فقال لهم أبو
نواس: يا اخوتي إن لهذا المجلس ما بعده وسيذكر اجتماعنا فلينشد كل واحد
منا احسن ما قال. قالوا: افعلوا ولا تمنوا على تقديم أبي العتاهية لسنه
فأنشأ يقول: السريع يا إخوتي إن الهوى قاتلي فيسروا الأكفان من عاجل
ولا تلوموا في اتباع الهوى ... فإنني في شغل شاغل
أمسي فؤادي عند خمصانة ... ذات وشاح قلق جائل
كأنها من حسنها درة ... أخرجها البحر إلى الساحل
لم يبق مني حبها ماخلا ... حشاشة في بدن ناحل
يحسبني الناس صحيحا ولا ... يدرون بالمستبطن الداخل
أخال في فيها وفي طرفها ... سواحر أقبلن من
بابل
عيني على عتبة منهلة ... بدمعها المنسكب الهامل
يا من رأى قبلي قتيلا بكى ... من شدة الوجد على القاتل
بسطت كفي نحوكم سائلا ... ماذا تردون على السائل
إن كنتم العام على عسرة ... ويلي فمنوني إلى قابل
وأنشدهم أبو الشيص: الكامل
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظي منك حظي منهم
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا ... ما من يهون عليك ممن اكرم
وأنشد الحسين الخليع الطويل
كأني وحيد لا يسر بمؤنس ... من الناس حتى تنقضي الأشهر الحرم
ألام على شغلي بمن أنا شغلهُ ... إذا طاف أو أصغى إلى الركن فاسْتَلَمْ
سنرعى بظهر الغيب ما كان بيننا ... ونرعى لعهدينا على رغم من رغم
ثم قالوا لأبي نواس: هات أنشدنا فقال البسيط
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد
كأسا إذا انحدرت في حلق شاربها ... أجدته حمرتها في العين والخّدَ
والكأس لؤلؤة والخمر ياقوتة ... من كف جارية ممشوقة القدَ
نسقيك من عينها خمرا ومن يدها ... خمرا فما لك من سكرين من بد
لي نشوتان وللندمان واحدة ... شيء خصصت به من بينهم وحدي
فلما استتمها قاموا فسجدوا له، فقال: أفعلتموها كسروية، والله لا
كلمتكم ثلاثا ولا ثلاثا ولا ثلاثا. فلما كان من الغد كتب إليهم أخوتي
إن أيام العمر اقصر من إن تحتمل فاجعلوا راحتكم اليوم عندي.
أخبرنا ابن شقي النحوي قال أخبرنا احمد بن عبيد قال: روى إن أبا
الدرداء قيل له: لم لا تقول الشعر وقد قاله غيرك؟ قال وأنا أيضا قلت.
قالوا: ما قلت؟ قال: قلت: الوافر
يريد المرء إن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي ... وتقوى الله أفضل ما استفادا
أنشدنا الأخفش للعطوي: البسيط
لا تبك أثر مول عنك منصرف ... تحت السماء وفوق الأرض أبدال
الناس اكثر من إن لا ترى خلفا ... ممن زوى وجهه عن وجهك المال
ما أقبح الود يدنيه ويبعده ... بين الخليلين إكثار وإقلال
وأنشدنا لإسحاق بن إبراهيم الموصلي: الطويل
كفى حزنا إن لا صديق ولا أخ ... ينال غني إلا تداخله كبر
وإلا التوى أو ظن أنك دونه ... وتلك التي جلت فما عندها صبر
أخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: المهجة: خالص
النفس ومنه قيل للبن الخالص اهميجان وماهج. والرداح: المرأة الثقيلة
السير في مشيها. والسرباح: الجراد، والتمساح: الرجل الكذاب. والسحيف:
نصل السهم العريض. والعَدِيّ: أول من يحمل في الحرب الرجالة، وينشد:
الطويل
هُنَا وفضَة فيها ثلاثونَ سَيْحَفاً ... إذا آنسَتْ أُولَى العَديِ
أقْشَعَرَّتِ
أنشدنا ابن الأنباري قال انشدني أبي: البسيط
لا يبعد الله قوما إن سألتهم ... أعطوا سراعا وان قلت انصروا نصروا
وإن أصابتهم نَعْماءُ سابغةٌ ... لم يبطروها وان فاتتهم صبروا
الكاسرين عظاما لا جبور لها ... والجابرين فأعيا الناس ما جبروا
اخبرنا نفطويه قال اخبرنا ثعلب عن عمر بن شبة عمن خبره من شيوخه قال:
صعد حسان بن ثابت يوما من أكمة فصاح يا للرجال يا للرجال، فأجتمع الناس
إليه فقالوا: ما شأنك؟ فقال: اسمعوا، وأنشأ يقول: الخفيف منع النوم
بالعشاء الهموم وخيال إذا تغور النجوم
من حبيب أصاب قلبك منه ... سقم فهو داخل مكتوم
يا لقومي هل يقتل المرء مثلي ... واهن البطش والعظام شؤوم
غادة طفلة بعيدة مها بين الوشاحين فيهما تهضيم
لو يدب الحولي من ولد للذر عليها لأندبتها
الكلوم
شأنها المسك والفراش ويعلوها لجين ولؤلؤ منظوم
لم تفقها شمس النهار بشيء ... غير أن الشباب ليس يدوم
رب حلم أضاعه عدم الما ... ل وجهل غطى طيه النعيم
فقالوا له: ألهذا جمعتنا؟ فقال: لو بقي هذا في جوفي لقتلني.
أخبرنا نفطويه قال حدثنا الحنيني قال حدثنا احمد بن المفضل عن أسباط عن
السدى في قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم..) . قال: هذا نزل يوم
عرفة، ولم ينزل بعده حلال ولا حرام. ورجع النبي صلى الله عليه وسلم
فمات. قالت أسماء بنت عميس: كنت حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك
الحجة فبينما نحن نسير تجلى جبريل للنبي صلى الله عليه - وسلم فمال على
الراحلة فلم تطق الراحلة لثقل ما عليها فسحبت عليه ثوبا كان عليه، ثم
ذكر الميتة وما معها فأحلها في الاضطرار فقال: فمن اضطر في مخمصة - أي
في مجاعة - غير متجانف لإثم - أي يبتغي نهوة ولا يتعدى إلى كلمة.
قال أبو القاسم: يقال حج الإنسان حَجْةً بالكسر ولا يجوز غيره، والمعنى
أنه قصد به عمل سُنّة، وأما الحَجَّة بالفتح فالمرة الواحدة من العمل
نحو الركبة والضربة وليس يراد بالحجة ذلك إنما يراد بها جميع الأعمال
في سننها. وأصل الحج: القصد، تقول حَجِجْتُ فلانا حَجّةً أي قصدته. فان
أردت المرة الواحدة قلت حججته حجة كما تقول قصدته قصدة واحدة. ويقال هو
حج البيت وحج البيت لغتان فصيحتان. والحج أيضا بالكسر الحجاج أنفسهم.
انشد ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي: الرجز
كأنما أصواتها بالوادي ... أصوات حج من عُمان غادي
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب عن ابن شبة قال حدثنا الباهلي عن ابن
الكلبي قال حدثني الحسن بن عقبة المرادي قال: خاطرت بنو أسد مرادا في
شاعر لهم يقال له محكان وفي شاعر لمراد يقال له النواح خمسين ناقة في
خمسين ناقة أيهما أشعر. فأتت مراد مبرك النواح فلم يجدوه ووجدوا ابنة
له صغيره فسألوها عنه. فقالت: هو غائب يرعى سوامه، فقالوا لها إنا نراه
قد كبر وضعف شعره فقالت إي والله لقد كبر وانه لأشعر من مضى ومن بقي.
قالوا: فإنا أضيافك فابعثي إليه. فبعثت إليه وكان يرعى على النجف فأقبل
إليهم وهو يقول: الرجز
يا إبلي روحي إلى الأضياف ... إن لم يكن فيك غبوق طاف
فأبشري بالقدر والأثافي ... وغارف في مغرف جراف
فقالوا له: إنا قد خاطرنا عنك وعن محكان بني أسد في خمسين ناقة فقال:
والله لقد ضعفت وان ابنتي هذه لأشعر مني فقالت: كذب والله ما ندانيه ثم
قالت له: قبحك الله من شاعر يراجم بك قومك فتخيم عنهم. فأجابهم إلى ما
التمسوا منه وأنشأ: الرجز
يا أيها السائل بالنواح ... أخي مراد غير ذي انتزاح
ها آنذا بالمنزل القرواح ... محدد النابين للنطاح
يا عجبا إن ذهبت لقاحي ... ولم أجالح أيما اجتلاح
دقا على الرماح بالرماح في يوم هيج ودم سفاح ثم سار معهم فلما التقى هو
ومحكان الأسدي أنشد النواح يقول: الرجز
هذا جميلي باركا بالأبطح ... عليه عدلا جمل لم يفتح
فقال محكان: لا والله لا أكون أول من فتحها أعطوه خطره.
اخبرنا ابن دريد قال حدثني عبد الرحمن عن عمه: إن قول أبي نواس: الكامل
فكان سلمى إذ تودعنا ... وقد أشرَأبَّ الدمعُ أن يكِفَا
رَشَأ تواصَيْنَ القيانُ بَهِ حتى عَقَدْنَ بأذنِهِ شنَفَا مأخوذ من
قول عدى بن زيد: الرمل
لغزال مرشق ذي بهجهة ... أتلع الجيد ربيب للجواري
ألبس الجيد نظاما محكما ... وجمانا زانه نظم عذارى
قال: كانت جواري الأعراب يأخذن أوجد الغزلان فتلبسها الشنف والخرز
ويزينها. فهذا المعنى أراد.
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: المرآة، والسجنجل،
والزلفة، والزلقة، والحمامة، والعرناس، والبذيذ، بمعنى واحد. ويقال:
أمر الشيء وهو ممر إذا صار مرا وهي اللغة العالية، ويقال أيضا: مرَ
يمرَ مرارة، وهو مر، ويقال من اللغة الأولى في الأمر أمر يا يوم، ومن
اللغة الثانية مر يا يوم بفتح الميم. وأنشد: الطويل
لئن مر في كرمان يومي لطالما ... حلا بين
جنبي حلية فالمضيح
والمر مصدر مررت مرا ومرورا، والمر جمع مرة، والمر: الجبل، وأنشد:
الرجز
زوجك يا ذات الثنايا الغرّ ... والرتلات والجبين الحر
أعيا فنطناه مناط الجرّ ... ثم شددنا فوقه ممرّ
والجر: الزبيل، والجر في غير هذا أصل الجبل.
أنشدنا الأخفش قال أنشدنا ثعلب مما رآه بخط الموصلي: الكامل
الدهر لا دام بين فرقتنا ... وكذاك فرق بيننا الدهر
وكذاك يفعل في تصرفه ... والدهر ليس يناله وتر
كنت الضنين بمن فجعت به ... فسلوت حين تقادم الأمر
ولخير حظك في المصيبة أن ... يلقاك عند حلولها الصبر
أنشدنا الزجاج قال أنشدنا المبرد لعلي بن أبي طالب عليه السلام يرثي
رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطويل
ألا بكر الناعي بليل فراعني ... وأرقني لما استقل مناديا
فقلت له لما رأيت الذي أتى ... أغير رسول الله إن كنت ناعيا
فحقق ما أملت منه ولم أخل ... وكان خليلي عزتي وجماليا
فو الله ما أنساك احمد ما مشت ... بي العيس في أرض وجاوزت واديا
وكنت متى أهبط من للأرض تلعة ... أجد أثرا منه جديدا وباليا
اخبرنا المعنوي قال اخبرنا مسيح بن حاتم عن أبي الفضل الرياشي قال
حدثني أبو سلمة القماوي قال حدثني ابن أذينه قال: وقف ابن هرمة علي أبي
وعنده نصيب فقال له: يا أبا عامر إني قد عملت أبياتا وقد غدوت بها إليك
واحب أن يسمعها هذان الشيخان. قال: هاتهما فأنشأ: الكامل
طرقت علية صحبتي وركابي ... أهلا بطيف علية المنتاب
حتى أتى على قوله:
هلا سألت إذا الكواكب أمحلت ... وعفت مطية طالب الأسباب
وغدا الرعاة معطلي أقداحهم ... لثعالب يشوونها وذئاب
هل ذم من أحد أراد خليعتي ... أم هل تعدد ساحتي وجنابي
إذا تنور طارق متنور ... نبحت فدلته عليه كلابي
وعوين فاستعجلته فلقينه ... يضربنه بشراشر الأذناب
وتكاد من عرفان ما عودت من ... ذاك أن يفصحن بالترحاب
فقال له كثير: يا ابن هرمة شعرك هذا يدل على غير البيت الذي انتسب
إليه، يعني إن شعر قريش ضعيف وهذا شعر فحل جيد. قال المعنوي: حمل حسد
الصناعة على أن قدح في نسبه حين لم يجد له في شعره مغمزا. قال: ويستجاد
لابن هرمة قوله: المتقارب
فإني وَتَركي نَدَى الأكرمينَ ... وقَدْحِي بكفِّيَ زَنْدا شَحاحا0
كتاركةٍ بيضَها بالعَراء ... ومُلْبِسةٍ بيضَ أخرى جَناحا
قال أبو عبد الله الكرماني: بعني النعامة لأنها توصف بالحمق وذلك إنها
تمر ببيض غيرها فتحضنه إشفاقا عليه وتترك بيضها فيفسد ويتلف. وقال ابن
دريد: الموصوف بالحمق الحباري ومنه المثل: الرجز وكل شيء قد يحب ولده
حتى الحباري ويطرن عنده قال لحمقها تعلم ولدها الطيران فتعتد به عن
الاستواء عنه يمنة ويسرة وترى إن ذلك بر به وإنما ذلك عسف له.
اخبرنا نفطويه قال أخبرنا الحنيني قال حدثنا احمد بن المفضل عن أسباط
عن السدى عن ابن عباس في قوله عز وجل (أو يأخذهم على تخوف) قال: على
تنقص.
اخبرنا ابن الأنباري قال حدثنا الختلي عن أبي يعلى عن الأصمعي قال
حدثنا سفيان عن طاووس قال: من تكلم واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله.
اخبرنا ابن الأنباري عن الختلي عن أبي يعلى عن الأصمعي قال: قال المفضل
بن عياض: إذا قيل لك أتخاف الله؟ فاسكت فانك إن قلت: لا، أتيت بأمر
عظيم قان قلت لم لا، فالخائف لا يفعل فعلك.
اخبرنا ابن شقير النحوي قال حدثنا احمد بن عبيد قال حدثت عن هشام عن
عروة عن أبيه عن النعمان بن بشير قال: بعثني عثمان أو معاوية على صدقات
بني عذرة فصدقتهم وارتحلت عنهم فلما ظننت أني قد قطعت بلادهم رفع لي
بيت فقصدته فإذا بفنائه شاب مستلق على قفاه لم يبق منه إلا عظم على
جلد، فلما أحس بي ترنم بصوت ضعيف وأنشأ يقول: الطويل جعلت لعراف
اليمامة حُكْمَهُ وعرّاف حَجْرٍ إنْ هُما شَفيَانِي
فقالا: نعم نشفي من الداء كلّه ... وقاما
مع العواد يبتدران
فما تركا من رُقْيَة يعلمانها ... ولا سلوة إلا وقد سقياني
فقالا: شفاك الله والله مالنا ... بما ضُمِّنَتْ منك الضلوعُ يدان
ثم خفق، فنظرت فإذا في كسر البيت جوز فقلت لها: يا هذه اخرجي إلي هذا
الفتى فإني أظنه قد مات. قالت: وأنا أظن ذاك والله ما سمعت منه أنة منذ
سنة إلا اليوم فانه قال في أوله: البسيط من كان من أمهاتي باكيا شجني
فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا
يسمعننيه فاني غير سامعه ... إذا علوت رقاب القوم معروضا
تم خرجت إليه فإذا هو ميت، فغسلته وكفنته ودفنته وصليت عليه ثم قلت
للعجوز من هذا؟ قالت: هذا قتيل الحب عروة بن حزام.
اخبرنا الزجاج قال اخبرنا المبرد قال قال رجل من بني مخزوم للأحوص ابن
محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت الأنصاري: أتعرف الذي يقول: الكامل
الناس كنوه أبا حكم ... والله كنّاه أبا جهل
أبقت رياسته لأسرته ... لؤم الفروع ورقة الأصل
قال: وهذا الشعر لحسان بن ثابت الأنصاري والبيت الذي القاه المخزومي
للأخطل، وذلك أن معاوية عتب على قوم من الأنصار فأمر كعب بن جعيل
التغلبي بهجائهم فقال: أأهجو الأنصار؟ أرادني في الكفر بعد الإسلام
ولكني أدلك على غلام من الحي نصراني كأن لسانه لسان الثور يعني الأخطل،
فلما قال الأخطل هذا البيت دخل النعمان بن بشير على معاوية فأخذ عمامته
من رأسه وقال: يا معاوية أترى لؤما؟ قال: ما أرى إلا كرما. فأنشأ يقول:
الطويل
معاوي إلا تعطنا النصف نغترف ... لحى الأزد مشدود عليها العمائم
أيشتمنا عبد الأراقم صغرا ... فماذا الذي تجدي عليه الأراقم
فما لي ثأر دون قطع لسانه ... فدونك من ترضيه عنه الدراهم
اخبرنا الأخفش قال حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال غصصت أبو بكر
بن عياش وكان رجل من قريش يرمى بشرب الخمر فقال له أبو بكر بن عياش:
زعموا أن نبيا يحل الخمر. فقال له القرشي: إذن لا تؤمن به حتى يبرئ
الأكمه والأبرص.
اخبرنا الأخفش قال حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال غصصت بالطعام
والشراب والريق والكلام وهو الغصص والجأز والحروة بمعنى واحد. وكذلك
التحتحة. قال الأخفش: وكان المبرد يحكي عن البصريين هذا بعينه قال:
فإذا فصل قيل غصصت بالطعام، وشرقت بالشراب وجرضت بالريق، ومنه المثل
السائر " حال الجريض دون القريضى ". قال الأخفش: يروى عن الخيل انه
قال: كان رجل له ابن نبغ يقول الشعر فنهاه عن ذلك فجاش صدره بالشر ومرض
فقال لأبيه إن منعتني من قول الشعر تلفت. فلم يأذن له في ذلك حتى ثقل
ويئس منه. فما رآه كذلك قال له: ابني قل ما شئت من الشعر، فقال هيهات
حال الجريض دون القريض، وأنشد يقول: الوافر
أيأمرني وقد فنيت حياتي ... لأبيات ترجيهن مني
فأقسم لو بقيت لقلت قولا ... أذيل به قوافي كل جني
اخبرنا الأخفش قال حدثنا ثعلب عن الزبير بن بكار قال دخلت ليلى
الأخيلية على عبد الملك ابن مروان فقال لها: أقسمت عليك هل كان بينك
وبين توبة شيء؟ قالت: لا والذي قبض روحه وهو على روحي قادر ما كان
بيننا شيء أنه قدم من بعض أسفاره فأتيته فسلمت عليه فغمز يدي فظننت أن
قد خضع لبعض الأمر، فأنشأت أقول: الطويل
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... وليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وحليل
قال أبو القاسم: ويروى خليل بالخاء المعجمة وهو الصديق، يقال: خالك
الرجل مخاللة وخلالا من المودة ومنه قول أمرئ القيس: الطويل
ولست بمقلي الخلال ولا قال
الخليل أيضا: الرجل المحتل الحال، ومنه قول زهير: البسيط وإن أتاه خليل
يوم مسألة يقول: لا غائب مالي ولا حرم والخليل: الزوج.
اخبرنا أبو سعيد الحسن بن علي بن بكر
العدوى قال حدثنا عثمان ابن طالوت قال حدثنا الأصمعي قال: دخلت البادية
فرأيت جارية من احسن الناس وجها تحت اقبح الناس وبها فقلت لها: يا هذه
كيف رضيت مع جمالك إن تكوني تحت اقبح الناس وجها؟ فقالت: يا هذا بئس ما
قلت فلعله احسن فيما بينه وبين ربه فجعلني ثوابه. أو أنا أذنبت فيما
بيني وبين ربي فعاقبني به. أفلا أرضى لما رضي الله لي؟ قال فأسكتتني.
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد عن المازني عن الجرمي قال: المحل:
الكذب، يقال رجل محال أي كذاب، والمحل: السعاية، يقال أمحل فلان بفلان
محلا إذا سعى به إلى السلطان، والمحل: الجدب يقال: أمحل البلد إذا
أجدب، والاسم المحل كما يقال: أخصب إخصابا والاسم الخصب بالكسر لا غير.
والمحل والمحال: المكر والكيد ومنه قوله تعالى شديد المحال ويروى إن
عبد المطلب لما بلغه قرب أصحاب الفيل من مكة حلا على الحرم وخرج عنه،
وقال: إن له إلاها يمنع منه، وأنشأ يقول: مجزوء الكامل
لا هُمَّ إنَّ المرء ... يمنعُ رحلهُ فامنع رحالَكْ
لا يَغْلِبَنَّ صليبُهُم ومحِالُهم عَدواً مِحالَكْ
اخبرنا اليزيدي عن عمه أبي القاسم قال: عوتب دعبل بانصرافه عن النساء
فتزوج امرأة فأقامت عنده ليلة ثم خلاها، فقي له في ذلك وانشأ يقول:
المتقارب
رأيت عجوزا وقد أقبلت ... فأبدت لعيني عن مبصقه
قصيرة الخلق دحداحة ... تدحرج في المشي كالبندقية
تخطط حاجبها بالمداد ... وتربط في عجزها مرفقه
وثديان ثدي كبلوطة ... وآخر كالقربة المفقة
اخبرنا الأخفش قال: كتب العطوي إلى المعتضد وقد أقام بسنجار: الكامل
يا من أقام على قرى سنجار ... واختارها دارا بخير قرار
أتركت بغداد التي لنسيمها ... أرج من الأنوار والأشجار
هي جنة الدنيا فكيف تركتها ... وسكنت دارا غير ذات قرار
أو ليس فيها ألف ألف مثوم ... في صحف غرته سنا الأقمار
وكذاك فيها ألف ألف خريدة ... في وجهها متنزه الأبصار
انظر بقلبك لا يعينك هل ترى ... كرجالها في سائر للأمصار
من ذا تصاحبه هناك وعنده ... نتف من الأخبار والأشعار
ممزوجة بخلائق أدبية ... في رقة الماء الزلال الجاري
ولئن أقمت وبعتنا وجوارنا ... بقريب عهد أو حديث مزار
فأنا أقول بفرط حرٍ في الحشا ... وسعير نار غير ذات شرار
لم تستحل دمي وتعلم أنه ... من يستحل دم امرئ في النار
اخبرنا الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحال: لحم المتنين،
والحال: الحمأة، والحال: الكارة التي يحملها الحمال، والحال: اللواء
يعقد للأمراء وفيه ثلاث لغات: الخال وهي أعرقها والحال والجال، والحال:
لحم باطن فخذ حمار الوحش، والحال: حال الإنسان، يقال: حال وحالة بمعنى
واحد، والحال: الثقل، يقال: خفف عني حالي أي ثقلي والحال: امرأة الرجل،
والحال: العجلة التي يعلم عليها الصبي المشي، وأنشد: السريع
وما زال ينمي جده صاعدا ... مذ لد أن فارقه الحال
يقول: ما زال يعلو أمره وينمي مذ فطم، وقال ابن الأعرابي: وأنشدني بعض
الفصحاء في ضد هذا: الرجز
وما زال مذ فرى عنه جلبه ... له من اللؤم كلاء يجذبه
قال: جُلَبَة بمعنى جَلبَة وهي الغشاوة التي يكون فيها الولد فتنشق
فيخرج منها، يعني مذ ولد. والطلاء: الحبل. يقول: ما زال له من اللؤم
حبل يجذ به إليه. والطلا: الخمر، والطلاء: القطران، والطلا بالضم
والتشديد والمد: قال: تركته يتضرب في طلائه.
اخبرنا أبو محمد بن السري السراج قال أخبرني وكيع قال حدثني بعض
أصحابنا أن أبا نواس رآه بعض أصدقائه في النوم بعد موته فقال له: ما
فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قال: بماذا؟ قال، بأبيات قلتها، قال: ما هي؟
قال: هي فر رقعة في مخدة كانت تحت رأسي، فصار الرجل إلى منزله فسأل عن
المخدة ففتقها فإذا فيها رقعة مكتوب فيها: الكامل
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي
يدعو ويرجو المجرم
أدعوك رب كما أمرت تضرّعا فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي إليك وسيلة إلا التقى ... وجميل ظني ثم إني مسلم
أنشدنا الأخفش قال أنشدنا ثعلب أنشدنا الرياشي قال أنشدنا المؤرج
لنفسه: الطويل
وفارَقْتُ حتى لا أبالي من النوى ... وإذ بانَ جيرانٌ علي كِرامُ
فقد جَعِلْتْ نفسي على النَّأيِ تَنْطَوِى ... وعَيني على فَقْدِ
الحَبيبِ تَنامُ
اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم السجستاني قال اخبرنا أبو عبيدة
معمر المثنى قال: لما مات همام بن عامر البكري قال اخوته لابنيه ربيعة
وكريب أيكما يأخذ سلاحه وجعبته وفرسه وقناته على أن يقضي حق همام في
قومه، وأيكما يأخذ إبله على أن يقضي حق الضيف؟ فقال ربيعه أنا آخذ
مكرمة أبي فأخذ جعبته وسلاحه وفرسه وقناته على أن يقضي حق قومه فيما
ينوبهم. وأخذ كريب الإبل. فقيل لربيعة غبنك كريب بأخذ المال، وقيل
لكريب غبنك ربيعة بأخذه مكرمة أبيه فأنشأ كريب يقول: الطويل
لعمرك ما أخذت المال إلا ... لا بذله وذاك له سبيل
أثمّره وأعلم أن فيه ... حقوقا تركها عار طويل
وخير المهال ما أعطيت منه ... وشر المال ما أبقى البخيل
ولست بقائل أبدا لشيء ... نعمم إلا وفيت بما أقول
فمهما يرج عند فتى أناس ... فإني للتي يرجى مخيل
وقد علمت عكابة بعد إني ... إذا ما نابها خطب جليل
بأن أخي إذا ما هاج هيج ... سنان الرمح والسيف الصقيل
واجرد كالهراوة مشمخر ... شديد الأسر حق له الثميل
فيحمدني المضاف إذا دعاني ... خلال النقع والمرء الذليل
وقال ربيعة: لوافر
ألم ترني تركت الإبل عمدا ... لعلمي أنها خير قليل
وقلت خذ الهجان وراعبيها ... وحسبي السيف والرمح الطويل
وسلهبة يزل اللبد عنها ... وغامضة القتير لها ذبول
وقدر للعفاة وجفنتاها ... ونار لا يحل بها جهوله
أمور كان لوالدنا اقتناها ... وليس إلى خلاف أبي سبيل
وقالوا قد غبنت فقلت لا بل ... غبنت فلا أقال ولا أقيل
أآخذ بالعلا نابا ضروسا ... مذممة لها ضرع حفيل
أبيت الليل أكلوها بعين ... مؤرقة لها طرف ثقيل
وأترك مجد همام وجدي ... جميل والذين بهم أصول
إذا ما المرء لم يخلف أباه ... تعالته من الأيام غول
ستبلي إبل صاحبك الليالي ... ويبقى بعدها الذكر الجميل
قال أبو القاسم: يقال رجل مخيل للخير إذا كان خليقا له، والعكابة من
العكوب اشتقاقها وهو الغبار، والأجرد الفرس القصير الشعر وهو من الصفات
المحمودة، والهراوة العصا، والمشمخر: الطويل، والثميل: بقية الطعام
والعلف في الجوف، والسلهبة: الفرس الطويلة، والقتير: حلق الدرع، وهو في
غير هذا الموضع الشيب، والناب: المسنة من الإبل، والحفيل: المملوءة
لبنا ومنه قيل احتفل المجلس بأهله إذا امتلاء، والغول: ما أهلك
الإنسان، والعرب تزعم إنها أنثى الشياطين، وينشد لامرئ القيس: الطويل
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال
اخبرنا ابن السراج قال أخبرني وكيع قال: أرسل المتوكل إلى الحسن بن وهب
أن قل شعرا في غد هذا اليوم، فقال: كيف يقول محبوس؟ فقال له بعض مات
معه: قل فلعل ذلك أن يكون سببا للفرج؟ فقال: مخلع البسيط قد أسفر الصبح
للقيامه واصطفقت رنة للأذان
ليلة لهو يسر صبحا ... تناجه يوم ومهرجان
فاسقياني وغنياني ... كل أسير وكل عان
يخلص الله كل شمل ... شتته حادث الزمان
أما ترى البارق اليماني ... حقا يقينا لقد شجاني
ذكرني عارضي بنات ... تلك التي سادت الواني
حبيبة لي حجبت عنها ... فما أراها ولا
تراني
أخبرنا نفطوية عن ثعلب عن أبي نجدة عن الأصمعي قال: سمعت أعرابية تصف
شبابها وهي تقول: كنت والله أحسن من السماء وأشهى من الماء. أنشدنا
نفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي: الطويل
ألم ترني أزمعت صرما وهجرة ... لليلى فما أستطيع صرما ولا هجرا
وما مر يوم مذ لدن إن هجرتها ... ولا ساعة ألا اجهد لها ذكرا
فيا عجبا من وصلي الحبل كي ترى ... جديدا وقد أمست علائقه بترا
فإن تصبحي بعد التجاور والهوىصددت فقد أصبحت في أذني وقرا اخبرنا ابن
شقير قال: حضرت المبرد وقد سأله رجل عن معنى قول
الشاعر: الطولي
فلو إن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجَرَّتِ
فقال: هذا كقول الآخر: الطويل
وقافية قيلت فلم استطع لها ... دفاعا إذا لم تضربوا بالمناصل
فأدفع عن حق بحق ولم يكن ... ليدفع عنكم قالة الحق باطل
قال أبو القاسم: معنى هذا إن الفصيل إذا لج بالرضاع جعلوا في انفه
خلالة محدودة، فإذا جاء يرضع أمه نخستها تلك الخلالة فتمنعه من الرضاع.
فان كف عن رضاعها وإلا أجرِّوه، والإجرار إن يشق لسان الفصيل إن يقطع
طرفه فيمتنع حينئذ من الرضاع ضرورة. فقال قائل البيت الأول: إن قومي لم
يقاتلوا فأنا مجر عن مدحهم لأني ممنوع، كأن رماحهم حين قصروا عن القتال
بها أجرتني عن مدحهم كما تجر الفصيل عن الرضاع. ففسره أبو العباس
بالبيتين اللذين مضيا.
وللإجرار موضع أخر، وهو إن يطعن الفارس الفارس فيمكن الرمح فيه ثم
يتركه منهزما يجر الرمح فذلك قاتل لا محالة، ومنه قول الشاعر: الوافر
وآخر منهم أجررت رمحي ... وفي البَجَلِيّ مِعْبلة وقيع
وقول الآخر: الكامل
ونقي بأفضلِ مالنا أحسابَنا ... ونَجُر في الهَيجا الرماحَ ونَدَّعِي
اخبرنا اليزيدي عن عمه أبي القاسم عن أبي محمد يحيي بن المبارك اليزيدي
قال: روى عن الشعبي انه قال قال عبد الله بن مسعود في قول الله تعالى
إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا. قال: الأمة: الرجل المعلم للخير،
والقانت: المطيع، والحنيف: التارك الشرك، اجتباه يقول: اصطفاه وهداد
إلى صراط مستقيم يعني يستقيم به إلى الجنة. وآتيناه في الدنيا حسنة.
قال: الذكر الطيب والثناء الجميل ما من أمة ولا أهل دين إلا وهم
يتولونه ويرضون به. قال أبو القاسم: القنوت في اللغة طول القيام، ومنه
قيل للداعي قانت، والمصلي قانت. والحنف: الميل، وقيل للمسلم حنيف
لعدوله عن الشرك إلى الإسلام وميله لا رجوع معه. ومنه الحنف في الرجلين
وهو إقبال كل واحدة من الإبهامين على صاحبتها وميلها عن سائر الأصابع.
وكان الحنيف في الجاهلية من كان يحج البيت ويغتسل من الجنابة ويغسل
موتاه ويختتن. فلما جاء الإسلام صار الحنيف المسلم.
أخبرنا الأخفش عن ثعلب عن المبرد عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي قال
قال لي أمير المؤمنين المنصور: صف لي الجواد من الخيل، فقلت: يا أمير
المؤمنين إذا كان الفرس طويل ثلاث، قصير ثلاث رحب ثلاث، صافي ثلاث فذلك
الجواد الذي لا يجارى. قال فسرها، فقلت: أما الثلاث الطوال، فالأذنان
والهادي والفخذ، وأما القصار فالظهر والعسيب والساق، والرحاب: المنخر
والجبهة واللبان والصافية: للأديم والحافر والعين.
أنشدنا المعنوي قال أنشدنا الفضل بن الحباب قال أنشدني أبو محمد التوزي
عن أبي عبيدة لأنيف بن جبلة الضبي فارس الشيط: الكامل
ولقد حلبت الدهر اشطره ... فعرفت ما آتي وما أجتنّب
ولقد شهدت الخيل تحمل شكّتي ... عتد كسرحان القصيمة ينهب
أما إذا استقبلته فكأنه ... للعين جذع من أوال مشذّب
وإذا اعترضت به استوت أقطاره ... وكأنه مستدبرا متصوّب
قال أبو غانم معنى هذه الأبيات مأخوذة من معنى قول أبي أقيصر في وصف
فرس. إذا استقبلته أقعى وإذا أستدبرته جبنى وإذا اعترضته استوى.
اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرنا
الرياشي قال اخبرني محمد بن أبي رجاء عن رجل من بني مخزوم عن أبيه أو
عمه قال: لقيت ابن هرمة منصرفة من المدينة فقال لي: قد خرج هذا الرجل
يعني محمد بن عبد الله ابن حسن وقد قلت أبياتا فاعرفها واحفظها: الطويل
أرى الناس في أمر سحيل فلا تزلعلى حذر حتى ترى الأمر مبرما فإنك لا
تستطيع رد الذي مضىإذا القول عن زلاته فارق الفما
فكائن ترى من وافر العرض صامتا ... وآخر أردى نفسه إن تكلما
اخبرنا ابن دريد قال اخبرني عمي عن ابن الكلبي قال اخبرني أبو حاتم عن
أبي عبيدة قالا: خرج سامة ابن لؤي بن غالب من مكة حتى نزل بعمان فأنشأ:
الخفيف
بَلّغا عامرا وكعباً رسولا ... إن نفسي إليهما مشتاقه
إن تكن في عمان داري فإني ... ماجد ما خربت من غير فاقه
ثم خرج يسير حتى نزل على رجل من الأزد فقراه وبات عنده. فلمام أصبح قعد
يستن، فنظرت إليه امرأة الأزدي فأعجبها. فلما رمى قصمة سواكه أخذتها
فمصتها، فنظر إليها زوجها فحلب ناقتة إلى وضع في حلابها سماً وقدمه إلى
سامة، فغمزته المرأة فهراق اللبن وخرج يسير. فبينما هو في موضع يقال له
جوف الخميلة هوت ناقته إلى عرفجة فانتشلتها وفيها أفعى ففتحتها فرمت
بها على ساق سامة، فنهشته فمات. فقالت الأزدية تبكيه حين بلغها أمره:
الخفيف
عين بكي لسامة بن لؤي ... علقت ساق سامة العلاقه
لا أرى مثل سامة بن لؤي ... حملت حتفه إليه الناقه
رب كأس هرقتها ابن لؤي ... حذر الموت لم تكن مهراقه
وحدوس السرى تركت رديا ... بعد هجر وجرأة ورشاقه
وتعاطيت مفرقا بحسام ... وتجنبت قالة العوّاقه
اخبرنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفه قال حدثننا الحنيني عن
احمد بن المفضل عن أسباط عن السدى قال: روى عن ابن عباس قوله تعالى (أم
حسبت إن أصحاب الكهف والرقيم ... الآية) قال: أن الفتية لما هربوا من
أهلهم خوفا على دينهم فقدوهم، فخبروا الملك خبرهم، فأمر بلوح من رصاص
فكتب فيه أسماءهم وألقاه خزانته، وقال: انه سيكون لهم شأن. فذلك اللوح
هو الرقيم.
قال أبو القاسم: في الرقيم خمسة أقوال؛ أحدها انه هذا الذي روى عن ابن
عباس انه لوح كتب فيه أسماؤهم. والآخر إن الرقيم هو الدواة يروى ذلك عن
مجاهد وقال: هو بلغة الروم والثالث إن الرقيم القرية وهو يروى عن كعب.
والرابع إن الرقيم الوادي. والخامس ما روى عن الضحاك وقتادة قالا:
الرقيم: الكتاب، والى هذا يذهب أهل اللغة ويقولون: هو فعيل ويقولون: هو
فعيل بتأويل مفعول، يقال: رقمت الكتاب فهو رقيم ومرقوم كما قال تعالى
كتاب مرقوم.
اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا السجستاني عن أبي عبيدة عن العتبي عن أبيه
عن جده قال: ولي معاوية بن أبي سفيان روح بن زنباع عملا فبلغته عنه
خيانة فصرفه وأمره بالقدوم عليه، ففعل فأمر بضربه، فلما أخذته السياط
قال: نشدتك الله يا أمير المؤمنين إن تهدم مني ركنا أفت بنيته أو نضع
خسيسة أنت رفعتها أو تشمت بي عدو أنت وقمته وبالله إلا أتى حلمك، كل
جهلي وعفوك على إفساد صنائعك. فقال معاوية: الطويل
إذا الله سنّى عقد تيّسرا
خلو عنه.
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب عن عمر بن شبة قال: تزوج الحسن بي علي
خولة بنت منظور بن زبان فأقامت عنده حولا لا تكتحل ولا تتزين حتى ولدت
له ابنا فدخل عليها يوما وقد تزينت فقال: ما هذا؟ فقالت: خفت إن اتزين
وأتصنع فيقول النساء تجملت له فلم تر عنده شيئا، فأما وقد جاء هذا فلا
أبالي.
فلما مات الحسن جزعت عليه جزعا شديدا فقال منظور أبوها الكامل
نُبِّئْتُ خولة أمسِ قد جزعتْ ... من إن تنوبَ نوائبُ الدهرِ
لا تجزعي يا خول واصطبري ... إن الكرامُ بنوا على الصبر
اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرنا الزبير
عن عمه قال: مات لعبد الله بن علي ابن " فجزع عليه جزعا شديدا وامتنع
من الطعام والشراب ثلاثا وجب الناس عنه، فلما كان في اليوم الرابع خرج
كاتبه إلى الحاجب فقال: انه قد منعني من ذلك. فقال له: ائذن فدخلوا
إليه وقعد الكاتب في طريقهم فقال: عزوا الأمير وسلوه. ففعلوا فلم يسله
شيء من قولهم حتى دخل عليه عمر بن حفص فقال: أصلح الله الأمير، عليكم
نزل الكتاب، فأنتم أعرف بتأويله، ومنكم رسول الله، فأنتم أعلم بسنته،
ولسنا نعلمك شيئا نراك تجله، ولكنا نذكرك. وهذه أبيات قالها بعض من
أصابه مثل ما أصابك: الطويل
لعمري لئن اتبعت عينيك ما مضىمن الدهر أو ساق الحمام إلى القبر
لتستنفذن ماء الشئون بأسرهاولو كنت تمريهن من ثبج البحر
فقلت لعبد الله إذ حن باكيا ... تعز وماء العين منهمر يجرى
تبين فإن كان البكا رد هالكا ... على أحد فاجهد بكاك على عمرو
ولا تبك ميتا بعد ميت أجنة ... علي وعباس وآل أبي بكر
وأعزيك ببيت قلته وهو: الطويل
وأهون ما ألقى من الوجد أنني ... أجاوره في داره اليوم أو غدا
فدعا بالطعام فطعم هو وأصحابه.
اخبرنا نفطويه عن احمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: الصبر: مصدر صبرت،
والصبر: لغة في الصبر لهذا المر. والصبر: الحبس، يقال: صبرت فلانا كذا
وكذا أي حبسته عليه. وفي الحديث إن رجلا امسك رجلا فقتله آخر فقيل: "
اقتلوا القاتل واصبروا الصابر " أي احبسوه والصبر: الاجتراء على الشيء،
ومنه قوله تعالى (فما أصبرهم على النار) أي ما أجرأهم عليها. وقال
المبرد: تأويله ما دعاهم إلى الصبر عليها. وأنشد ابن الأعرابي: الطويل
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ... ولكننا كنا على الموت أصبرا
أي كانوا أجرأ منا على الموت فاقتحموا الحرب فقتلناهم.
اخبرنا الزجاجي. قال اخبرنا المبرد عن المازني عن الأصمعي قال: يقال:
أربت الناقة بالفحل، والمّت به، وعشقته: إذا لم تبرح منه وألفته. ومنه
سمي المحب عاشقا.
اخبرنا الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العشقة: شجرة يقال لها
اللبلابة، تخضر ثم تدق ثم تصفر، ومن ذلك اشتقاق العاشق. قال ويقال:
غازل الكلب الظبي: إذا عدا في أثره فلحقه وظفر به. ثم خلا عنه، ومنه
مغازلة النساء كأن الرجل يلاعبها فتطمعه في نفسها، فإذا رام تقبيلها
انصرفت عنه.
قال الزجاج: وأصل المغازلة من الإدارة والفتل لأنه إدارة عن أمر، ومنه
سمي المغزل لاستدارته وسرعة دورانه، وسمي الغزال غزالا لسرعته، ونسيت
الشمس الغزالة لسرعتها واستدارتها، وأنشد: الرجز
قالت له وارتفقت: ألا فتى ... يسوق بالقوم غزالات الضحى0
اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرنا الزبير عن عمه قال قال عبد الله بن
مسلم بن جندب: طرقني ليلة بعد ما نمت عيسى بن عمر بن طلحة ابن عبد الله
بن معمر فخرجت إليه فقلت: ما جاء بك في هذا الوقت؟ فقال: انه غنتني
الساعة جارية ابن حمران قولك: الطويل
تعالوا أعينوني على الليل انه ... على كل عين لا تنام طويل
فقلت له: قضى الله عنك الحقوق يا ابن أخي أبطأت الإجابة حتى أتى الله
بالفرج.
اخبرنا ابن دريد قال اخبرني عبد الرحمن عن عمه قال: مر الحسن البصري
بباب عمر بن هبيرة وعليه القراء، فسلم ثم قال: مالكم جلوسا قد أحفيتم
شواربكم وحلقتم رؤوسكم، وقصرتم أكمامكم وفلطحتم نعالكم أما والله لو
زهدتم فيما عند الملوك لرغبوا فيما عندكم. فضحتم القراء فضحكم الله.
قال عبد الرحمن: قلت لعمي: ما المفلطح في قال: هو الشيء الذي يعرض
أعلاه ويدق أسفله. ومنه قيل: رأس مفلطح والعامة تقول مفرطح.
اخبرنا أبو محمد عبد الله بن مالك قال
اخبرنا الزبير بن بكار قال حدثني مسلمة بن إبراهيم المخزومي عن أيوب بن
مسلمة قال: كان عمر ابن عبد الله بن أبي ربيعه مستهاما مغرما بالثريا
بنت عبد الله بن علي بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف
وكانت عرضة ذلك، جمالا وكمالا، وكانت تصيف بالطائف: وكان عمر مدة
مقامها بالطائف يبكر فيقوم على فرسه فيسأل الركبان الذين يجيئون
بالفاكهة من الطائف عن الأخبار ليسكن إلى ما يسمعه من خبرها، فسألهم
ذات يوم عن مغر بات أخبارهم. فقالوا: ما عندنا خبر إلا أنا سمعنا عند
رحيلنا صياحا عاليا على امرأة من قريش اسمها على اسم نجم في السماء قد
ذهب عنا. فقال لهم عمر: الثريا؟ فقالوا: نعم. فسار عمر على وجه يُعْدِي
فَرَسَه مِلء فروجِه نحو الطائف واخذ على كَدَاء. وهي أحزن الطريقين
وأخصرهما، حتى وفلى الطائف فوجدها سليمة قد خرجت تتشوفه، ومعها أختاها
رضيا وأم عثمان، فأخبرها الخبر، فقالت: أنا والله أمرتهم بذلك لأعلم
مالي عندك. وقال عمر في وجهه ذلك: الطويل
تَشَكَّى الكُميتُ الجبريَ لمّا جَهَدْتُهُ ... وبيّن لو يَستطِيعُ أن
يَتَكَّلما
فقلت لهه: إنْ ألقَ للعينِ قُرَّةً ... فهان عليّ أن تكلّ وتَسْأَمَا
عدمت إذن وفري وفارقت مهجتي ... لئن لم أقَلْ قَرناً أن الله سلمّا
لذلك أدِني دُونَ خَيلي رباطَةُ ... وأوُصي به أن لا يُهان ويُكرما
قال أبو القاسم: يقال عدا الفرس إذا حمله على العدو، وكل الرجل: إذا
ضعف يكل كلا وكلالة، ومنه الكلالة في النسب إنما هو من الضعف لأنه ما
عدا الوالد والولد. وبعض العلماء جعل الكلالة في قوله " يورث كلالة:
المتوفى وبعضهم يجعله المال. وأكثرهم على ما بدأنا به. والكَللُّ:
الضعيف، والكَلُّ: الثقيل على أهله، والكَلُّ: الصنم.
اخبرنا نفطويه عن ثعلب عن الرياشي قال قال سمرة بن جندب: مات محمد بن
الحجاج بن يوسف، فلما انصرفنا من جنازته اجتزت بشيخ من بني عقيل، فقال
لي: من أين؟ فقلت: من جنازة محمد ابن الحجاج بن يوسف. فأنشأ الشيخ
يقول: الطويل
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ... من الغيظ في أكبادنا والتحوب
قال: وكان الحجاج قتل ابنا للشيخ.
اخبرنا الأخفش قال حدثنا المبرد عن المازني عن الأصمعي عن أبي عمرو بن
العلاء قال: قيل لرجل من بكر بن وائل قد عاش ثلاثين ومائتي سنة: كيف
رأيت الدنيا؟ قال: عشت مائة سنة لم أصدع فيها، ثم أصابني في الثلاثين
والمائة ما يصيب الناس.
أنشدنا الأخفش عن ثعلب: المنسرح
إنَّ مُعاذَ بَن مسلمٍ رجلٌ ... قد ضَجَّ من طولِ عمرِهِ الأبَدَ
قد شاب رأس الزمان واكَتَهلَ الدهرُ وأثوابُ عُمره جُدُدُ
يا نسرَ لقمانَ كم تعيشُ وكم ... تسحُب ذيلَ الحياةِ يا لُبَدُ
قد أصبحت دار آدمٍ خَرِبَتْ ... وأنت فيها كأنك الوَتِدْ
تسأل غربانها إذا حجلَتْ ... كيف يكون الصداع والرَّمَدُ
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا احمد بن يحيى عن أبي الفضل الرياشي عن
الأصمعي قال: سمعت شيخا من بني العُجَيف يقول: تمنيت دارا فبقيت أربعة
اشهر مفكرا في الدرجة كيف تقع. وقيل لرجل من الضباب: تمن. فتمنى خباء
خلقا وقوسا في جلة في ليلة مطيرة وان يجيء الكلب فيدخل معه الخباء.
قال أبو القاسم: القوس: بقية التمر في الجلة، والآس: بقية العسل في
وعائه، أو الموضع الذي يشتار منه. والكعب: بقية السمن في النحي،
والهلال: بقية الماء في الحوض. والشفا مقصور: بقية كله شيء. ويقال:
العسل هو العسل، واللوص، والأرى، والضّحك، والسعابيب، والطّرم،
والطريم. ويقال تمنى الرجل: إذا حدث نفسه وتفكر، وتمنى: إذا سأل ربه،
وتمنى: إذا كذب. واجتاز بعض العرب بابن دأب وهو يحدث قوما فقال: هذا
شيء رويته أم تمنيته؟.
ويقال: تمنى الرجل: إذا تلا القرآن، ومنه قوله تعالى: (لا يعلمون
الكتاب إلا أماني. وينشد الطويل
تَمَنّى كتابَ الله أوَّلَ لَيلِهِ ... وآخِرَهُ لاقَى حِمامَ
المَقَادِرِ
اخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن
الأصمعي قال: أربعة لم يلحنوا في جد ولا هزل: الشعبي وعبد الملك بن
مروان، والحجاج بن يوسف، وابن القرية. والحجاج أفصحهم، قال يوما
لطباخه: اطبخ لنا مخللة، وأكثر عليها من الفيجن، واعمل لنا مزعزعا. فلم
يفهم عنه الطباخ ما قال. فسأل بعض ندمائه، فقال: اطبخ لنا سكباجا،
وأكثر عليها من السذاب، واعمل لنا فالوذا سلسا. قال: وقدم إليه مرة
أخرى سمكة مشوية، فقات: خذها ويلك فسمنها وارددها. فلم يفم عنه، فقال
له نديمه: يقول لي بردها فإنها حارة.
قال الأصمعي: يقال: هو الفالوذ، والسِّرِ طْراط، والمُزَعْزَعُ،
واللوُّاص، واللمَّصُ. فأما الفالوذج فهو أعجمي، والفالُوذَق مولدةٌ.
أنشد أبو غانم: الطويل
ألا من لقلب مونق بالنوائب ... رمته خطوب الدهر من كل جانب
تبين يوم البين أن اعتزامه ... على الصبر من إحدى الظنون الكواذب
أنشدنا نفطويه: قال أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي: الوافر
بأكناف الحجاز هوى دفين ... يورقني إذا هدت العيون
أحن إلى الحجاز وساكنيه ... حنين الإلف فارقه القرين
أنشدنا أبو الفضل زبيد قال: أنشدني محمد بن داود الأصبهاني لنفسه:
الطويل
أخوك الذي أمسى بحبك مغرما ... يتوب إليك اليوم مما تقدما
فإن لم تصله رغبة في إخائه ... ولم تك مشتاقا فصله تكرما
فقد والذي عافاك مما ابتلي به ... تندم لو يرضيك إن يتندّما
وبالله ما كان الصدود الذي مضى ... دلالا ولا كان الجفاء تبرّما
ولا تجزه بالهجر إن صد مكرها ... وأظهر أعراضا وأبدى تجهّما
ولم يلهه عنك السلو وإنما ... تأخر لما لم يجد متقدّما
وأنشدني له أيضا: الطويل
له مقلة ترمي القلوب بأسهم ... أشد من الضرب المدارك بالسيف
يقول خليلي: كيف صبرك بعدنا ... فقلت: وهل صبر فيسأل عن كيف
اخبرنا أبو بكر محمد بن احمد بن منصور المعروف بابن الخياط النحوي قال:
اخبرنا أبو الحسن بن الطيان عن أبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت عن
الأصمعي وأبي زيد وغيرهما، بما يذكر من أسماء الشجاج في هذا الفصل دخل
كلام بعضهم في بعض، قالوا: الشج في الوجه والرأس خاصة دون سائر الجسد،
وأول الشجاج الحارصة، وهي التي تشق الجلد خفيفا ولما يسل منها دم، ومنه
حرص القصار الثوب: إذا شقه شقا خفيفا. ثم الدامية: وهي التي يظهر دمها
ولم يسل. ثم الدامعة: وهي التي قطر دمها كما تدمع العين. ثم الباضعة:
وهي التي جاوزت الجلد إلى اللحم فقطعته. ثم المتلاحمة: وهي التي أخذت
في الحم. ثم السمحاق: وهي التي جاوزت اللحم في الجلدة الرقيقة، وهي
التي بين اللحم والعظم. وتلك الجلدة يقال لها السمحاق فسميت الشجة بها.
ويقال للسمحاق: الملطاء أيضا، تمد وتقصر. ومنه الحديث الملطاء بدمها أي
يحكم فيها لوقتها ولا ينظر إلى ما يؤول أمرها. ثم الموضحة: وهي التي
خرقت السمحاق فأوضحت عن العظم أي أظهرته. في المقرشة إقراشا بالقاف:
وهي التي صدعت العظم ولم تهشمه. ثم الهاشمة: وهي التي هشمت العظم. ثم
المنقلة: وهي التي يخرج منها عظام. ثم الأمة: ويقال لها المأموم،
والأميم أيضا وهي التي بلغت أم الرأس، وهو مجتمع الدماغ، وصاحبها يصعق
لصوت الرعد ورغاء الإبل، ولا يمكنه البروز للشمس. ثم الدامغة: وهي التي
تخسف العظم، ولا بقاء لصاحبها.
اخبرنا الزجاج والأخفش قال اخبرنا المبرد قال: حدثت من غير وجه إن
النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه - وهو أهله
- وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها
الناس، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى
نهايتكم. فان العبد ببين مخافتين، أجل قد مضى ما يدرى ما الله فاعل
فيه، وأجل قد بقى لا يدرى ما الله قاض فيه. فليأخذ العبد من نفسه
لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل
الممات، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا
من دار، إلا الجنة أو النار.
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب قال اخبرنا
ابن الأعرابي قال: روى عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أمير
المؤمنين رضي الله عنه فرأيت بين يديه ذهبا مصبوبا، فقلت: ما هذا يا
أمير المؤمنين؟ فقال: هذا يعسوب المنافقين. فقلت: وما معنى يعسوب
المنافقين يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا يلوذ به المنافقون كمها يلوذ
المؤمنون بي، فأنا يعسوب المؤمنين، وهو يعسوب المنافقين.
قال ثعلب قال ابن الأعرابي: اليعسوب من الناس: السيد، واليعسوب: رئيس
النحل إذا طار طارت معه، وإذا حط حطت. ويقال: هي النحل، والثّول،
والدّبر، والخشرم، والخرشرم، والرسح، والدخا بتخفيف الخاء والقصر،
واليعاسيب والنوب بمعنى واحد، وينشد: الطويل
إذا لَسَعَتْهُ النَّحلُ لم يَرجُ لَسْعها ... وخالفها في بيت نُوبٍ
عَواملِ
الرجاء ها هنا: المخافة، ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى: (ما لكم لا
ترجون لله وقارا) أي لا تخافون له عظمة.
اخبرنا أبو محمد عبد الله بن مالك الضرير قال اخبرنا الزبير قال: حدثني
سليمان بن عياش السعدي من سعد العشيرة قال حدثتني جمال بنت عون بن مسلم
عن أبيها عن جدها قال: خرجت ذات يوم فرأيت رجلا أسود كالليل معه امرأة
بيضاء كاللبن، فدنوت منه ففغمتني رائحة المسك، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا
الذي أقول: الطويل ألا ليت شعري ما الذي تحدثن لنا غدا غربة النأي
المفرق والبعد
لدى أم بكر حين تقترن النوى ... بنا ثم يخلو الكاشحون بها بعدى
أتصرمني عند الذين هم العدى ... فشمتهم بي آم تدوم على العهد
فصاحت به المرأة: لا والله بل ندوم على العهد. فسألت عنه فقيل: هذا
نصيب، وهذه أم بكر.
اخبرنا أبو القاسم الصائغ قال: حدثننا عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال:
اخبرني السجستاني عن أبي عبيدة قال: لما احتضر قيس بن عاصم المنقري جمع
بنيه فقال: يا بني احفظوا عني، فلا أحد أنصح لكم مني. إذا أنا مت
فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم فيحقر الناس كباركم فتهونوا جميعا
عليهم. وعليكم بحفظ المال ففيه منبهة للكريم، ومغناة عن اللئيم، وإياكم
ومسألة الناس فإنها آخر كسب الرجل.
اخبرنا ابن مجاهد عن محمد بن الجهم قال: بلغني أن رجلا من خثعم قال:
الكامل
لو كنت اصعدُ في المكارم والعلا ... مثلَ التَهَبُّطِ كنتُ سيدَ خثعمِ
فال: فساد قومه بعد مدة، فقيل له في ذلك، فأنشأ يقول: الكامل
خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن العناء تفردي بالسؤدد
اخبرنا الأخفش قال: كنت يوما بحضرة ثعلب فأسرعت القيام قبل انقضاء
المجلس، فقال لي: إلى أين؟ ما أراك تصبر عن مجلس الخلدي؟ فقلت: لي
حاجة. فقال: إني أراه يقدم البحتري على أبي تمام فإذا أنيته فقل له: ما
معنى قول أبي تمام: الوافر
أآلفة النحيب كم افتراق ... أظل فكان داعية اجتماع
قال: فلمها صرت إلى المبرد سألته عنه فقال: معنى هذا إن المتحابين
والعاشقين قد يتصارمان ويتهاجران إدلالا لا عزما على القطيعة، فإذا حان
الرحيل وأحسا بالفراق تراجعا إلى الود وتلاقيا خوف الفراق، وأن يطول
العهد بالالتقاء بعده فيكون الفراق حينئذ سببا للاجتماع كما قال الآخر:
الخفيف
متعا بالفراق يوم الفراق ... مستجيرين بالبكا والعناق
كم أسرا هواهما حذر النا ... س وكم كاتما غليل اشتياق
فأضل الفراق فيه فراق أتاهما باتفاق
كيف أدعو على الفاق بحيف ... وغداة الفراق كان التلاقي
قال: فلما عدوت إلى ثعلب في المجلس الآخر سألني عنه فأعدت عليه الجواب
والأبيات فقال: ما أشد تمويه!، ما صنع شيئا إنما معنى البيت: إن
الإنسان قد يفارق محبوبه رجاء أن يغنم في سفره فيعود إلى محبوبه
مستغنيا عن التصرف فيطول اجتماعه معه. ألا تراه يقول في البيت الثاني:
الوافر
وليست فرحة الأوبات إلا ... لموقوف على ترح الوداع
وهذا نظير قول الآخر بل منه أخذ أبو تمام: الطويل
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدموع فتجمدا
هذا هو ذلك بعينه.
اخبرنا الأخفش قال حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: دخلت على سعيد بن
سلم وعنده الأصمعي ينشده قصيدة للعجاج حتى انتهى إلى قوله: الرجز
فإن تبدلت بآدي آدا ... لم يك يناد فأمسي
انآدا
فقد رآني أصل القعادا
فقلت له: ما معنى القعاد؟ فقال: النساء. فقلت: هذا خطأ إنهما يقال في
جمع النساء: القواعد كما قال الله تعالى: (والقواعد من النساء) . ويقال
في جمع الرجال: القعاد كما يقال: راكب وركاب، وضارب وضراب فانقطع. وكان
سبيله أن يحتج علي فيقول: قد يحمل بعض الجموع على بعض، فيحمل جمع
المؤنث على المذكر، والمذكر على المؤنث عند الحاجة إلى ذلك كما قالوا
في المذكر " هالك في الهوالك، وفارس وفوارس " فجمع كما يجمع المؤنث،
وكما قال القطامي في المؤنث: البسيط
أبصارُهُنَّ إلى الشبّان مائلة ... وقد أراهنّ عنّي غير صداد
اخبرنا اليزيدي قال اخبرنا عمي الفضل بن محمد عن أبي محمد ابن المبارك
اليزيدي قال: كنا ليلة ببلد مع المهدى في شهر رمضان قبل أن يستخلف
بأربعة أشهر فتذكروا ليلة عنده النحو والعربية، وكنت متصلا بخالد ابن
يزيد بن منصور، والكسائي مع ولد الحسن الحاجب، فبعث إلي والي الكسائي
فصرت إلى الدار فإذا الكسائي بالباب قد سبقني فقال لي: أعوذ بالله من
شرك يا أبا محمد، فقلت له: لا تؤتي من قبلي أو أوتي من قبلك. فلما
دخلنا على المهدى أقبل علي فقال: كيف نسبوا إلى البحرين فقالوا بحراني،
وإلى الحصنين فقالوا حصني، هلا قالوا حصناني كما قالوا بحراني؟ فقلت:
أيها الأمير، لو قالوا في النسب إلى البحرين بحري لالتبس فلم يدر
النسبة إلى البحرين وقعت أم إلى البحر؟ فزادوا ألفا للفرق بينهما، كما
قالوا في النسب إلى الروح روحاني، ولم يكن لحصنين شيء يلتبس به فقالوا
حصني على القياس. فسمعت الكسائي يقول لعمر بن نوح: لو سألني الأمير
عنها لأجبته بأحسن من هذه العلة. فقلت: أصلح الله الأمير أن هذا يزعم
أنك لو سألته لأجاب بأحسن مني. قال: فقد سألته فقال: أصلح الله الأمير
كرهوا أن يقولوا حصاني فيجمعوا بين نونين ولم يكن في البحرين إلا نون
واحدة، فقالوا بحراني لذلك. قلت: كيف تنسب إلى رجل من بني جنان إن
لزممت قياسك؟ قلت: جني فجمعت بينه وبين المنسوب إلى الجن، وان قلت
جناني رجعت عن نهيك وجمعت بين ثلاث نونات.
ثم تفاوضنا الكلام إلى أن قلت له: كيف تقول: إن من خير القوم وأفضلهم
أو خيرهم بتة زيد؟ فأطرق مفكرا وأطال الفكر، فقلت: أصلح الله الأمير
لأن يجيب فيخطئ فيتعلم أحسمن من هذه المقالة. فقال: إن من خير القوم
وأفضلهم أو خيرهم بتة زيدا. فقلت أخطأ أيها الأمير. قال: وكيف ترفعه
قبل أن تأتي باسم أن ونصبه بعد الرفع وهو لا يجيزه أحد؟ فقات شيبة بن
الوليد متعصبا له: لعله أراد بأو بل. فقلت: هذا لعمري معنى. فلقنه
الكسائي فقال: ما أردت غيره. فقلت له: أخطأتما جميعا لأنه غير جائز أن
من خير القوم وأفضلهم بل خيرهم زيدا. فقال المهدي يا كسائي ما مر بك
مثل اليوم، قال: فكيف الصواب عندك؟ فقلت: أن من خير القوم وأفضلهم أو
خيرهم بتة زيد، على معنى تكرير أن. فقال المهدي: قد اختلفتما وأنتما
عدلان فمن يفصل بينكما؟ قلت: فصحاء الأعراب المطبوعون. فبعث إلى أبي
المطوق فعملت أبياتا إلى أن يجيء. وكان المهدى يميل إلى أخواله من
اليمن فقلت: المنسرح
يا أيها السائلي لأخبره ... عمن بصنعاء من ذوى الحسب
حمير ساداتها تقر بها ... أفضل طرا جماهر العرب
فإن من خيرهم وأفضلهم ... أو خيرهم بتة أبو كرب
فلما جاء أبو المطوق أنشدته الأبيات وسألته عن المسألة فوافقني: الخفيف
عش بجد ولا يضرك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود
عش بجد وكن هبنقة القيسي ... جهلا أو شيبة بن الوليد
شيب يا شيب يا هني بني القعقاع ما أنت بالحليم الرشيد
لا ولا فيك خصلة من خصال ... الخير أحرزتها بحلم وجود
غير ما أنك المجيد لتحبير ... غناء بضرب دف وعود
فعلى ذا وذاك تحتمل الدهر ... مجيدا به وغير مجيد
قال أبو القاسم: المسألة مبنية على الفساد
للمغالطة. فأما جواب الكسائي فغير مرضي عند أحد، وجواب اليزيدي غير
جائز عندنا لأنه اضمر أن وأعلمهما، وليس من قوتها أن تضمر فتعمل. فأما
تكريرها فجائز، قد جاء في القرآن قال الله تعالى (إن الذين آمنوا
والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا أن الله يفصل
له بينهم) . فجعل أن الثانية مع اسمها وخبرها خبرا عن الأولى. وقال
الشاعر: البسيط
إن الخليفة إن الله سربله ... سربال ملك به ترجى الخواتيم
والصواب عندنا في المسألة أن يقال: أن من خير القوم وأفضلهم أو أو
خيرهم البتة زيد، فيضمر اسم أن فيها ويستأنف ما بعدها. وذكر سيبويه:
البتة مصدر لم تستعمله العرب إلا بالألف واللام وإن حذفهما منه خطأ.
اخبرنا الزجاج قال اخبرنا المبرد قال حد ث المدائني عن العجلاني عن
إسماعيل بن يسار قال: مات ابن لأرطاة بن سهية المرى فلزم قبره حولا
يأتيه بالغداة فيقف عليه فيقول: أي عمرو هل أنت رائح معي أن أقمت عندك
إلى العشي، ثم يأتيه بالمساء فيقول مثل ذلك، فلما كان بعد الحول أنشأ
يقول: الطويل
إلى إلحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
ثم أنصرف عن قبره وأنشأ يقول: الطويل
وقفت على قبر ليلى فلم يكن ... وقوفي عليه غير مبكي وجزع
هل أنت ابن ليلى إن نظرتك رائج ... مع الركب أوغاد غدا تئذ معي
فلو كان لبي حاضري ما أصابني ... سهو على قبر بأكناف أجرع
فما كنت إلا والها بعد فقدها ... على فقدها إثر الحنين المرجع
إذا لم تجده تنصرف لطياتها ... من الأرض أو تأتي لألف فترتعي
على الدهر فاعتب انه غير معتبوفي غير من قد وارت الأرض فاطمع اخبرنا
الأخفش قال أخبرنا المبرد عن المازني عن الأصمعي قال:
كان خلف إذا آوى إلى فراشه لا يضطجع حتى ينشد: البسيط
لا يبرح المرء يستقرى مضاجعه ... حتى يبيت بأقصاهن مضطجعا
وليس ينفك يستصفي مشاربه ... حتى يجرع من رنق البلا جرعا
فامنع جفونك طول الليل رقدتها ... واقرع حشاك لذيذ الري والشبعا
واستشعر البر والتقوى تعد بها ... حتى تنال بهن الفوز والرفعا
اخبرنا ابن الأنباري قال أخبرني الختلي عن الأصمعي قال الخليل: نظرت في
علم النجوم فهجمت منه على ما لزمني تركه. وأنشأ يقول: الخفيف
بلغا عني المنجم أني ... كافر بالذي قضته الكواكب
عالم أن ما يكون وما كا ... ن قضاء من المهيمن واجب
قال أبو القاسم: المهيمن: الأمين، ويقول أهل اللغة إن الهاء فيه بدل من
الهمزة، وينشد للعباس بن عبد المطلب بمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
المنسرح
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النطف
وأنت لما ولدت أشرقت الأر ... ض وضاءت بنورك الأفق
ونحن في ذلك الضياء وفي ... سبل الهدى والرشاد نخترق
أنشدنا الأخفش عن ثعلب: الكامل
وعلى قدام حملت شكة حازم ... في الروع ليس فؤاده بمثقل
أما إذا استقبلتها فتخالها ... كالجذع شذ به نقي المنجل
أما إذا استعرضتها فمطارة ... تنفي سنابكها رصيص الجندل
ما إذا استدبرتها فنبيلة ... نهد مكان حزامها والمركل
وإذا وصفت وصفت جوز جرادة ... وإذا ملكت عنانها لم تفشل
وكان حيري المزاد مؤكرا ... يعلى به كفل شديد الموصل
فاعتامهها بصري لعلمي أنها ... عدوا ستقبل في الرعيل الأول
أخبرنا ابن دريد قال حدثنا السجستاني عن
الأصمعي عن أبي عمرو بان العلاء قال: قيل لرجل من بني بكر بن وائل قد
كبر حتى ذهب منه لذة المأكل والمشرب والنكاح: أتحب أن تموت؟ قال: لا،
قيل: فما بقي من لذاتك في الدنيا؟ شال: اسمع العجائب، وأنشأ يقول:
الطويل
وهلك الفتى أن لا يراح إلى الندى ... وأن لا يرى شيئا عجيبا فيعجبا
معنى يراح: يرتاح، ومعنى الكلام: وأن لا يعجب إذا رأى العجب.
اخبرنا ابن دريد قال: حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال قال رؤبة في نعت
خيل وأخطأ، قال في وصف القوائم: الرجز
بأربع لا يعتلقن العفقا ... يهوين مثنى ويقعن وفقها
فقال له سلم: هذا خطأ، هذا يضير أتجعله يضرج برجله ويسبح بيده كما قال
أبو النجم: الرجز
يضرج أخراه ويقفو أوله
فقال: أي بني أنت أعلم مني بالخيل، ولكن أدنني من ذنب هذا البعير. قال
الأصمعي: فأدني منه فلم يصنع شيئا.
اخبرنا الأخفش عن ثعلب عن ابن شبة قال: روي عن هشام بن عروة أن عبد
الرحمن بن أبي بكر الصديق دخل دمشق في الجاهلية فرأى جارية كأنها مهرة
عربية حولها جوار يفدينها ويحلفن برأسها ويقلن: لا وحق ابنة الجودى.
فوقعت بقلبه، فانصرف عنها وأنشأ: الطويل
تذكر ليلى والسماوة دونها ... وما لابنة الجودي ليلى وماليا
وكيف تعني قلبه حارثيه ... تدمن بصري أو تحل الجوابيا
وكيف يلاقيها، بلى ولعلها ... إن الناس وافوا موسما أن توافيا
قال: فما زال يشبب بها، فلما كان في خلافة عمر وأرسل إلى الشام قال
لهم: أن اقتحمتم دمشق فانفوا ابنة الجودي إلى ابن أبي بكر، فأعطيها
فآثرها على نسائه حتى شكونه إلى عائشة رضي الله عنها فعاتبته على ذلك
وقالت له: إن لنسائك عليك حقا. فقال: كأنما اترشف برضابها حبة رمان.
حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال: حدثنا أبي عن احمد بن الحارث عن
المدائني قال: كان عمر بن عبد العزيز يقول: إذا كان يوم القيامة
ووافينا الروم بقياصرتها والفرس بأكاسرتها جئنا بالحجاج فكان عدلا لهم.
اخبرنا ابن شقير احمد بن الحسين قال اخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال:
يقال لقع فلان فلانا بعينه، وزلقه، وأزلقه، وشقذه، وشوهه: كل ذلك إذا
أصابه بعينه. ويقول الرجل لصاحبه إذا أجاد في عمل: لا تشوه علي: أي لا
تقل لي أجدت فتصيبني بعينك. ويقال: رجل ومعيون: إذا كان به عين. ويقال:
رجل شائه وشاه، ومشوه، وشقذ، وشقذان: إذا كان شديد الإصابة بالعين.
قال: وكان معاوية وابن الزبير يتسايران فأبصرا راكبا من بعيد فقال
معاوية: هو فلان، وقال ابن الزبير: هو فلان، فلما تبيناه كان الذي قاله
ابن الزبير، فقال معاوية: يا أبا بكر ما أحسن هذه الحدة مع الكبر؟
فقال: برك يا أمير المؤمنين. فقال: برّ ك يا أمير المؤمنين. فقال: برك
يا أمير المؤمنين. فسكت فقال الثالثة، فسكتُ وضحك، فقال ابن الزبير: ما
أحسن هذه الثنايا وأظرف هذا الوجه مع طول العمر وكثرة الهموم. ثم
افترقا فاشتكى ابن الزبير عينيه حتى اشرف على ذهابهما، وسقطت ثنايا
معاوية، فالتقيا في الحول الثاني فقال له: يا أبا بكر أنا أشوى منك: أي
اكبر حظا منك في الإصابة بالعين. وأنا أقل ضررا منك. قال ثعلب: هو من
قولهم رماه: إذا لم يصب مقتله.
اخبرنا ابن اللأنباري عن أبيه عن بعض شيوخه عن محمد بن حازم وكان شاعرا
ظريفا قال: دعانا بشار بن برد وكان عنده جاريتان تغنيان، وكان في
المجلس منا يعبث بهما ويمد يده إليهما، فأنفت له من ذلك فكتبت إليه من
الغد: الخفيف
اتق الله أنت شاعر قيس ... لا تكن وصمة على الشعراء
إن إخوانك المقيمين بالأمس أتوا للزناء لا للغناء
أنت أعمى وللزناة هنات ... منكرات تخفى على البصراء
هبك تستبهر الحديث فما علمك فيه بالغمز والإيماء
والإشارات بالعيون وبالأيدي وأخذ الميعاد للالتقاء
قطعوا أمرهم وأنت حمار ... موقر من بلادة وغباء
قال: فأدخلهما السوق فباعها.
ة شال: اخبرنا أبو عيسى محمد بن احمد بن قطن السمسار العجلي قال اخبرنا
أبو جعفر بن أبي شيبة قال: رأيت ابن أبي العتاهية في المقابر قائما وهو
يقول: الكامل
أهل القبور أتيتكم أتجسس ... فإذا جماعتكم
أصم أخرس
إن امرءا ذكر المعاد مخافة ... لأحظ ممن لم يخفه وأكيس
يا أيها الرجل الحريص أما ترى ... أعلام عمرك كل يوم تدرس
بك لا أبالك مذ خلقت موكلا ... ملك يعد عليك ما تتنفس
فإذا انقضى الأجل الذي أجلته ... ومضى فمالك بعد ذلك محبس
قال أبو عيسى: سمعت شيوخنا يقولون: إن ابن آدم يتنفس في كل يوم وليلة
أربعة وعشرين ألف نفس في كل ساعة ألف نفس فيكون خروج روحه مع آخر نفس
قدر له.
اخبرنا نفطويه قال حدثنا إسحاق بن الحسين بن ميمون أبو يعقوب الحربي
قال حدثنا الحسين بن محمد عن شيبان عن قتادة في قوله تعالى: (أم نجعل
الذين آمنوا وعملوا الصالحات..... الآية) قال: افترق القوم في أديانهم
عند الممات وعند المصير. وقال قتادة: (أو يأخذهم على تخوف) قال: على
تنقص.
قال أبو القاسم: وأصحابنا يقولون: إن الأخفش سعيد بن مسعدة كان ينشد
لهذا الحرف: البسيط
تَخَوَّفَ السيرُ منها تامكاً فًرٍدا ... كما تَخَوَّفَ عودَ النبعةِ
السَّفَنُ
وعلى هذا التأويل أهل اللغة والمفسرون إلا ما روى عن الضحاك فإنه كان
يقول: تأويله أنه يبلي قومها فيخوف بهم آخرين.
اخبرنا ابن شقير النحوي والأخفش قالا اخبرنا ثعلب قال: اجتمع الكسائي
الأصمعي بحضرة الرشيد وكانا ملازمين له يقيمان بإقامته ويظعنان بظعنه،
فأنشد الكسائي: البسيط
أنى جزوا عامرا سوأى بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوأى من الحسن
أم كيفَ ينفعُ ما تُعطي العَلوقُ بِهِ ... رِئْمانَ أنْفٍ إذا ما ضُنَّ
باللَّبَنِ
فقال الأصمعي: إنما هو رئمان بالنصب، فقال له الكسائي: اسكت ما أنت
وهذا يجوز رئمانُ ورئمانَ ورئمانِ أنفه بالرفع والنصب والخفض. أما
الرفع فعلى الرد على ما لأنها في موضع رفع بينفع فيصير التقدير: أم كيف
ينفع رئمان انف. والنصب بتعطي، والخفض على الرد على الهاء التي في به.
قال: فسكت الأصمعي ولم يكن له علم بالعربية وإنما كان صاحب لغة. ومعنى
هذا البيت: انه مثل يضرب لمن يعدك بلسانه كل جميل ولا يفعل منه شيئا
لأن قلبه منطو على ضده. كأنه قيل له: كيف ينفعني قولك الجميل إذا كنت
لا تفي به. وأصله أن العلوق هي الناقة التي تفقد ولدها بنحر أو بموت
فيسلخ جلده ويحشى تبنا أو حشيشا ويقدم إليها لترأمه أفي تعطف عليه ويدر
لبنها فينتفع بها، فهي تنتش بأنفها وينكره قلبها، فتعطف عليه ولا ترسل
اللبن. شبن هذا بذاك.
اخبرنا ابن دريد عن العكلي عن أبي عبيدة قال: أجتاز الاسكندر بمدينة قد
ملكها سبعة أملاك بادوا كلهم ونسلهم فسأل: هل بقي من نسلهم أحد؟ قالوا:
رجل واحد يأوى إلى المقابر، فأحضره فقال: ما حملك على ملازمة القبور؟
قال: أردت إن أعزل عظام الملوك عن عظام عبيدهم فوجدتها سواء. قال: هل
لك إن تتبعني فأحيي بك شرف أيامك إن كانت لك همة؟ قال: إن همتي لكبيرة
إن كان عندك بغيتي؟ قال: وما بغيتك؟ قال: حياة لا موت معها، وشباب لا
هرم معه، وسرور بني بغير مكروه ولا يخاف معه فقر. قال: ما ذاك إلي.
قال: فامض لشأنك ودعني أطلبه. فقال الاسكندر: هذا أحكم من رأيت.
اخبرنا ابن رستم الطبري قال: حضرت مجلس المازني وقد قيل له:
لم قلت روايتك عن الأصمعي؟ قال: رميت عنده
بالقدر والميل إلى مذاهب أهل الاعتزال فجئته يوما وهو في مجلسه فقال:
ما تقول في قول الله عز وجل (انا كل شيء خلقناه بقدر) فقلت: سيبويه
يذهب إلى إن الرفع فيه أقوى من النصب في العربية لاشتغال الفعل بالمضمر
وانه ليس ههنا شيء هو بالفعل أولى، ولكن أبت عامة القراء إلا النصب
فنحن نقروها لذلك اتباعا لان القراءة سنة. فقال لي: فما الفرق بين
الرفع والنصب في المعنى؟ فعلمت مراده فخشيت إن يغرى بي النامة فقلت:
الرفع الابتداء والنحب بإضمار فعل، وتعاميت عليه فقال: حدثني أصحابنا
إن الفرزدق خال يوما لأصحابه: قوموا بنا إلى مجلس الحسن البصري فإني
أريد إن أطلق النوار واشهده على نفسي. فقالوا: لا تفعل فلعل نفسك
تتبعها وتندم. قال: لابد من ذلك، فمضوا معه فلما وقف على الحسن قال: يا
أبا سعيد تعلمن إن النوار طالق ثلاثا. قال قد سمعت، فتبعتها نفسه بعد
ذلك وندم وأنشأ يقول: الوافر
ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار
وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار
ولو إني ملكت يدي ونفسي ... لكان علي للقدر الخيار
ثم قال: والعرب تقول: لو خيرت لاخترت تحتمل على القدر وينشدون: الرجز
هي المقادير فلمني أو فذر ... إن كنت أخطأت فلم يخط القدر
ثم طبق نعليه وقات: انتم القناع للقدري، فأقللت غشيانه.
أنشدنا الأخفش قال أنشدنا ثعلب: الرمل
وكما أشياء نشريها بمال ... فإن نفقت فأكسد ما تكون
قال: يعني الخيل، ونشريها: نبتاعها، ونفقت: ماتت.
اخبرنا اليزيدي قال أنشدنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه: الكامل
قالوا تعز فسست فلست نائلها ... حتى تمر حلاوة التمر
لسنا من المتأزمين إذا ... فرخ اللموس بثابت الفقر
يقول: لست تنالها حتى يكون ما لا يكون. يقال: أمر الشيء يمر فهو ممر،
ومر مرارة فهو مر. والمتأزمون: المتذللون لصعوبة السنة. واللموس إذا
لمس نسبه وجد فيه ضعف فهو يفرح بصعوبة الزمان يرغب فينكح إلى من هو
أشرف منه فيقول: لسنا ممن يفعل هذا ويتصنع بشدة الزمان.
أنشدنا الزجاج قال أنشدنا المبرد العباس بن الأحنف: الكامل
يا من يكاتبني فغير قلبه ... سأكف نفسي قبل أن يتبرما
سأصد عنك وفي يدي بقية ... من حبل وصلك قبل أن يتصرما
يا للرجاء كعاشقين توافقا ... فتخاطبنا من غير أن يتكلما
حتى إذا خافا العيون وأشفقا ... جعلا الإشارة بالأنامل سلما
أخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم قال اخبرنا أبو عبيدة عن يونس ابن
حبيب قال: قتل مصعب بن الزبير نابئ بن ظبيان أحد بني عايش ابن مالك بن
قيس بن ثعلبة، وكان أخوه عبيد الله فاتكأ شريرا فنذر ليقتلن به مائة من
قريش، فقتل ثمانين ثم قتل مصعبا فأتى برأسه عبد الملك، فلما نظر إليه
عبد الملك سجد فهم أن يفتك به ثم أرتد عنه وأنشأ: الطويل
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على مروان تبكي حلائله
وقال أيضا: الطويل
يرى مصعب إني تناسيت ما بيا ... وليس لعمر الله ما ظن مصعب
فو الله لا أنساه ما مر طارق ... وما لاح في داج الليل كوكب
وثبت عليه ظالما فقتلته ... فقطرك مني يوم شر عصبصب
قتلت به من حي فهر بن مالك ... ثمانين منهم ناشبون وأشهب
وكفي لهم رهن بعشرين أو يرى ... علي مع الأصباح نوح مسلب
أأرفع رأسي وسط بكر بن وائل ... ولم أرو سيفي من دم يتصبب
ثم ضاقت به البصرة فهرب إلى عمان فاستجار بسليمان بن سعيد بن الصمر بن
سعيد بن الجُلنُدي فلما اخبر بفتكه خشية وتذمم إن يقتله علانية فبعث
إليه بنصف بطيخة قد سمها وكان يعجبه البطيخ فقال له: هذا أول شيء
رأيناه من البطيخ، وقد أكلت نصفها، وأهديت إليك بنصفها. فلما أكله أحس
بالموت، ثم دخل عليه سليمان يعوده فقال: أيها الأمير ادن مني أسر إليك
قولا، فقال له: قل ما بدا لك. قال: عليك لعمان أذن واعية، ويروى راعية،
فمات بها.
اخبرنا أبو القاسم الزجاجي النوح جمع نائحة
وهو مصدر ينيح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد كما
يقال: قوم رضي وعدل وصوم، ونسوة رضي وصوم وعدل، والسلب: اللائي لبسن
السلابة وهو السواد، فأخرج فعله على التوكيد حملا على لفظ نوح، قال
الشاعر: الكامل
هل تخمشن ابلي علي وجوهها ... أم تعصبن رؤوسها بسلاب
اخبرنا الأخفش ضال اخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال: لعبت ولعبت
لغتان، ويقال عبثت أعبث مات العبث مثل علمت اعلم، وعبثت أعبث من
العبيثة وهو ضرب من الأقط يعني اللبن. قال: ويقال: شرط الحجام يشرط،
وأشرط، وفي غيره يشرط لا غير. قال: والقد: القطع طولا، والقط: القطع
عرضا، ويروى عن علي رضي الله عنه إنه كان إذا علا رجلا قدره وإذا
اعترضه قطه اخبرنا، الأخفش عن ثعلب عن الرياشي عن الأصمعي قال: أغربة
العرب ثلاثة، خفاف بن ندبة السلمي، وندبة أمه وكانت أمه سودا حبشية من
بني الحارث بن كعب وأبوه عمير بن الحارث بن عمرو بن الشريد، وسُليَك بن
السُّلَكَة أمه، وأبوه يثربي بن سيار، وعنترة بن معاويه العبسي. قال:
ولم أرو شعرا أرق من قول خفاف: الطويل
فما طرقت أسماء من غير مطرق ... وإنى إذا حلت بنجران نلتقي
ببوح وما بالي ببوح وبالها ... ومن يلق يوما حيرة الحب يخفق
حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي قال حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب
الطوسي قال حدثنا سعيد بن محمد الوراق عن بسام بن عكرمة عن ابن عباس
قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبن الجلالة وعن مهر البغي وعن
ثمن الكلب.
قال أبو القاسم: الجلالة: الإبل التي تأكل العذرة، " وأصل الجلالة
البعر، يقال: خرج الإماء يجتللن، البغاء: الفاجرة، والبغاء: الزنا، قال
الله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) والبغي في غير هذه الآية
الأمة، والبغية: الربيئة وهو الطليعة للقوم. وأنشد الأصمعي: الطويل
وكان وراء القوم منهم بغية ... فأوفى يفاعا من بعيد فبشرا
حدثنا إسماعيل الوراق قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا شامة بن سوار
قال حدثنا فرأت بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: كان أول
من دخل على عمر حين أصيب علي وابن عباس رضي الله عنهما، فلما نظر إليه
ابن عباس بكى وقال: أبشر بالجنة يا أمير المؤمنين، قال أشاهد لي بذلك؟
فكأنه كع فضرب علي وقال: أجل أشهد له وأنا على ذلك من الشاهدين. فقال
عمر: كيف؟ فقال ابن عباس: كان إسلامك عزا، وولايتك عدلا، وميتتك شهادة.
فقال: لا والله لا تعزني من ربي وديني - أو قال ديني، شك الزعفراني
ثكلت عمر أمه أن لم يغفر له ربه.
يقال: كع عن الأمر فهو كاع: إذا تلكأ عنه جبنا وفرقا، وأما العكّ فشدة
الحر. يقال: يوم عك وعكيك، وأك وأكيك: إذا كان شديد الحر. والعكوّك من
الرجال: القصير المقتدر الخلق. والعكنكع: ذكر السعالي، وانشد الخليل:
مشطور الرجز
غُولٌ تُنازي شَرِشاً عَكَنْكَعَا
اخبرنا نفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال للعمامة: هي العمامة،
والمشوذ، والسب، والمقطعة، والعصابة، والعصاب، والتاج، والاقتعاظ وهو
أن يتعمم الرجل ولا يتحنك. وفي الحديث نهى عن الاقتعاظ وأمر بالتلحي
وذكر أيضا أنه قال: جاء الرجل متختما أي متعمما، وما أحسن تخمنه أي
تعممه. وهذا حرف لم يحكه غير ابن الأعرابي.
أنشدنا الأخفش قال أنشدنا المبرد: مجزوء الكامل
المرءُ يأملُ إن يعيشَ وطولُ عيشٍ ما يضرهُ
تَفنى بَشاشَتُه ويَبقَى بعدَ حَلوِ العيشُُ مرَّهْ
وتخونُهُ الأيامُ حتى لا يَرى شيئا يَسُرّه
كم شامتٍ بي إن هلكت وقائلٍ لله دَره
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب قال أخبرنا الرياشي قال اخبرنا عبد
القاهر بن السري قال: أصاب قتيبة بن مسلم قميصا منسوجا باللؤلؤ فبعث به
إلى الحجاج فبعث به إلى الوليد، ثم تتبعته نفس الحجاج فكتب إلى قتيبة:
أما بعد فإنا كنا أنفذنا ما أنفذته إلينا إلى الوليد وما أحسبك إلا وقد
احتبست قبلك منه لنسائك وبناتك فآثرنا بما قبلك منه فكتب إليه " لأن
آكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به أحب إلي من إن
أدخر عنك علقا " فكتب إليه: ذاك الظن بك.
اخبرنا نفطويه قال حدثنا إسحاق بن محمد قال
حدثنا الحسن بن محمد عن شيبان عن قتادة في قول الله عز وجل وما أصابكم
من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفو عن كثير قال: ذكر لنا إن نبي الله صلى
الله عليه وسلم قال: وما يصيب ابن آدم خدش من عود، ولا عثرة رجل، ولا
اختلاج عرق، إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر.
وبإسناده عن قتادة (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ... الآية) قال: هذا
مثل ضربه الله لمن نكث عهده. يقول: لو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد
إبرامه أما كنتم تقولون: ما أحمق هذه؟. والذي يذهب إليه غير قتادة أنهم
نهوا عن الكفر بعد الإسلام لئلا يكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد
إبرامه. وواحد الإنكاث نكث: وهو ما نقض من الأخبية والأكسية ليغزل
ثانية ويعاد مع الجديد.
اخبرنا نفطويه قال حدثنا إسحاق بن محمد عن الحسن عن محمد عن شيبان قال
عن قتادة في قول الله تعالى (لعلك باخعٌ نَفْسَكَ) قال: قاتل نفسك. قال
نفطويه قال ثعلب: يقال: بخع فلان فلانا: إذا قتله، ويخع به: إذا بالغ
في ذمه، ويخع فلان وجثع: إذا ذل واستخذى وينشد لذي الرمة: الطويل
ألا ايّهذا الباخِعُ الوَجْدَ نَفسَه ... لشيء نَحتْهُ عن يَدَيْهِ
المَقَادِرُ
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن مالط النحوي الضرير قال أخبرني ثعلب عن
عمر بن شبة قال: كان لمعاوية بن أبي سفيان عين ببلاد الروم، قال:
فكتب إليه: إن هذا الطاغية قال في مجلسه إن هذا أوان استأصل فيه العرب
لأنها قد اختلفت. فكتب إليه معاوية كتابا يحلف له فيه ويقول: لئن عزمت
على ما أظهرته في مجلسك لأصالحن صاحبي ولأصيرن مقدمته إليك فانزل
قسطنطينية الجرامقة ولأردنك أرلسيا كما كنت ترعى الخنانيص..فكتب إليه
ملك الروم يحلف له فيه بالبراءة من المعمودية والدخول في الحنيفية ما
هم بهذا ولا تكلم، وأهدى إليه هدايا كثيرة أكثرها اليُزبون. بضم الياء،
وكسرها خطأ.
وحكى عن ثعلب انه قال: الارلس: الاكادر، أنا احسبها غير عربية ولعلها
بلغة القوم. والخنانيص: أولاد الخنازير واحدها خنوص.
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد عن المازني عن الأصمعي قال: كانت
بثينه تكنى أم عبد الملك كان شهرة جميل بها وصبابتها به وتفاقم أمرهم
تواعده أهلها وتهددوه وحلفوا إنهم إن ظفروا به قتلوه فقال في ذلك الرجز
يا أم عبد الملك اصرميني ... فبيني صرمي أوصلني
إن بني عمك أوعدوني ... أن يقتلوني ثم لا يدوني
أما ورب البيت لو لقوني ... شفعا ووترا لتواكاوني
قد علم الأعداء أن دوني ... ضربا كإيزاع المخاض الجون
ثم خرج إلى مصر وبها مات، فلما حضرته الوفاة أنشأ يقول: الكامل
بكر النعي وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول
قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلك دون كل خليل
ولقد اجر البرد في وادي القرى ... نشوان بين مزارع ونخيل
فلما بلغت هذه الأبيات بثينة قالت بيتين ولم تكن قالت قبلهما قط ولا
بعدهما شعرا غيرهما، وهما: الطويل
سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا مت بأساء الحياة ولينها
وان سكوتي عن جميل لساعة ... من الدهر ما جاءت ولا حان حينها
أنشدنا الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي: الوافر
أباكية رزئت إن أتاها ... نعي أم يكون لها اصطبار
إذا ما أهل ود ودعوني ... وراحوا والأكف بها غبار
دعوه واعظمي في لحد قبر ... تعاوره الجنائب والقطار
تهب الريح حول محط قبرى ... ويرعى حوله اللهق النوار
أزال النأي لا الهجران حولا ... وحولا ثم تجتمع الديار
اللهق النوار: الوحشي الأبيض، يقال للشيء الأبيض: هي لهق ولهواق ولهاق.
قال: فإذا اشتد بياض الإنسان حتى كأنه ابرص قيل: هو أمقه وامهق.
وأنشدنا نفطويه لذي الرقة: الوافر
إذا خفقت بأمهق صحصحان ... رؤوس القوم والتزموا الرحيلا
قال: والأمقه: الأرض البيضاء الشديدة البياض لا نبات بها.
اخبرنا الأخفش عن ثعلب قال اخبرنا الرياشي
قال. اخبرنا أبو عمرو الرازي عن أبي سهل عن محمد بن سالم قال: أتي
بيحيى بن يعمر يوسف في قيوده إلى الحجاج فقال له: أأنت الذي تزعم أن
الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأتينيّ بها من كتاب
الله أو لأقطعن يديك ورجليك. فقال: لآتينك بها من كناب الله تعالى. ثم
قرأ (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى
المحسنين. وزكريا ويحيى وعيسى) . فجعل عيسى من ذريته ولا أب له. أنشدنا
عبد العزيز بن علي بن المنتصر قال أنشدني عبد الله بن المعتز لنفسه:
الكامل
قلبي يتيه بحسن صورته ... حيث السقام بلحظ مقلته
وكأن عقرب صدغه وقفت ... لما دنت من نار وجنته
اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم وعبد الرحمن بن أخي الأصمعي جميعا
عن الأصمعي قال: كنت في سفر فوقف علينا في بعض المنازل غلام فقال: أيكم
رجل من أهل البصرة؟ قلنا له: ما تريد منه؟ فقال: إن مولاي لما به وهو
يريد أن يوصي اليه، فقمت معه فإذا بالعباس بن الأحف. يجود بنفسه وقد
ألقى بنفسه على طين مبلول فجلست عند رأسه فرفع طرفه إليّ فلما تبيّنني
أنشأ يقول: المديد
يا بعيد الدار عن وطنه ... مفردا يبكي على شجنه
كلّما جدّ النجاء به جدت الأسقام في بدنه ثم أغمي عليه فما أفاق إلا
بصوت قمرية على غصن شجرة بالقرب منه فأنشد يقول: المديد
ولقد زاد الفؤاد شجي ... صوت قمريّ على فننه
شّفه ما شفّني فبكا ... كلنا يبكي على سكنه
ثم قضي فتوليتّ جهازه.
أنشدنا الزجاج عن المبرد: الطويل
فبتنا فويق الحي لا نحن منهم ... ولم نحن بالأعداء مختلطان
وبتنا يقينا ساقط الطل والندى ... من الليل بردا عينه قطران
نفدى بذكر الله في ذات بيته ... إذا كأن قلبا تائها بجنان
ونصدر عن زي العفاف وربما ... نقعنا غليل الشوق بالرشفان
قال أبو العباس: اخذ معاني هذه الأبيات من قول أمرىء القيس.
بعثت إليها والنجوم ضواجع ... حذارا عليها أن تقوم فتسمعا
فجاءت قطوف المشي هائبة السّرى ... يدافع ركناها كواعب أربعا
يزجّينها مشي النزيف وقد جرى ... صباب الكرى في مخهّا فتقطعا
تقول وشد جرّدتها من ثيابها ... كتما رعت مكحول المدامع أتلعا
وجدّك لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أذن لرددناه ولو طال مكثه ... لدينا ولكّنا بحبّك ولّعا
فبتناّ نصدّ الوحش عناّ كأننا ... قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا
إذا أخذتها هزّة الرّوع أمسكت ... بمنكب مقدام على الهول أروعا
اخبرنا أبو عبد الله اليزيدي قال: اخبرنا اليزيدي عن الأصمعي عن عبد
الله بن رؤبة بن العجاج عن أبيه عن جده قال: أنشدت أبا هريرة قصيدتي
التي أولها: الرجز
الحمد لله الذي استقلت ... بإذنه السماء واطمأنت
بإذنه الأرض فما تعنت ... ومدّها بالراسيات الثبّت
وحي لها الفرار فاستقرت
حتى أتيت على أخرها فقال: أشهد أنك لمؤمن.
اخبرنا أبو عبد الله الأخفش واليزيدي قالا: حدثنا ثعلب عن الرياشي عن
الأصمعي قال: حدثني نافع بن أبي نعيم قال قال الحجاج بن يوسف لنافع بن
جبير: اضرب عنق هذا لرجل كأن بين يديه. فقال:، أن يدي طبقة. قال: فاخرج
عنا، فخرج فاتبعه رسول بمائتي دينار فقال: يقول لك الأمير استعن بهذا
في سفرك. قال الأصمعي يقال: يد طَبقِةٌ وطبقه: إذا كانت لاصقة بالجيب
لا تبطش.
اخبرنا ابن دريد قال حدثنا ابن معاذ خلف بن احمر عن دماذ بن رفيع عن
أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: ورد يزيد بن الحكم الثقفي من الطائف على
الحجاج بالعراق وكان شريفا شاعرا فولاّ هـ فارس، فلما جاء لأخذ عهده
قال له: يا يزيد أنشدنا من شعرك فأنشأ يقول: الوافر
ومن يك سائلا عني فأني ... أنا ابن الصيد من سلفي ثقيف
وفي وسط البطاح محل بيتي ... محل الليث من وسط الغريف
وفي كعب ومن كالحي كعب ... حللت ذؤابة
المجد المنيف
هويت فخارها غورا ونجدا ... وذلك منتهى شرف الشريف
نماني كل أصيد لا ضعيف ... لحمل المعضلات ولا عنيف
فوجم الحجاج وأطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال: الحمد لله احمده واشكره إذ
لم يأت زمان الاوفينا أشعر العرب، ثم قال: أنشدنا يا يزيد، فأنشأ يقول:
الكامل
وأبي الذي فتح البلاد بسيفه ... فأذلهّا لبني الزمان الغابرة
وأبي الذي سلب ابن كسرى راية ... في الملك تخفق كالعقاب الطائر
وإذا فخرت فخرت غير مكذب ... فخرا أدقّ يه فخار الفاخر
فقام الحجاج مغضبا ودخل القصر وأنصرف يزيد والعهد في يده فقال الحجاج
لخادمه: اتبعه وقل له: اردد علينا عهدنا فإذا أخذته فقل له: أورثك أبوك
مثل هذا؟ ففعل الخادم وأبلغه الرسالة، فردّ عليه العهد وقال: قل
للحجاج: أورثني أبي مجده وفعالة، وأورثك أبوك اعنزا بالطائف ترعاها. ثم
سمار تحت الليل فلحق بسليمان وهو وليّ العهد فضمهّ إليه وجعله في خاصته
فقال يمدح سليمان: البسيط
أن تمش عني الغواني وهي معرضة ... فقد تراهن صورا نحونا صيدا
وأن تكن قد ذهلنا عن مواعدها ... فقد يكون لنا ميعادها عيدا
قد نلتقي كلنا لاه بصاحبه ... ولا نخاف من العذّال تفنيدا
قل للشباب إذا ما الشيب اطرده ... لا تبعدّن طريد الشيب مطرودا
من صاحب الشيب قالاه وجرّ له ... للأيد صفعا وللرجلين تقييدا
يا أرفض الناس للدنيا ولذتها ... أشدهم زهدا فيها وتزهيدا
فأن يك الناس أمسوا كاسدين فقد ... أضحى لديك التقى والبر موجودا
أن يحسدوك فكم من صالح حسدوا ... هذا نبي الهدى قد كأن محسودا
عض الأخابث من عاداك من كلبوالصخر والصلب الصم الصياحيدا سمّيت اسم
امرئ أشبهت شيمتهعدلا وفضلا سليمان بن داودا
احمد به كأن في الماضين من ملك ... وأنت أصبحت في الباقين محمودا
قال أبو القاسم: الغريف: الأجمة وكذلك الغابة، والخيس والقبيل والغراف:
شجر يدبغ به، والمعضلات: جمع معضلة وهي شدائد الأمور. ومنه عضلت
المرأة: إذا نشب ولدها عند الولادة ولم يخرج، وعضل الرجل ابنته: إذا
منعها من التزويج، والعضال: الداء الشديد المعدوم الدواء. والمنيف:
المشرف، والعنيف: خلاف الرقيق، وقوله: تراهن صورا نحونا: هو جمع أصور
وصورا: أي عواطف خونا من قولك صرفت الشيء: إذا عطفته وأملته. والصيد:
جمع أصيد وصيداء وهما المائلان عنقيهما كبرا وأصله من الصيد: وهو داء
في عنق البعير يميله إلى جانب. والأخاشب: جمع أخشب وهو الحبل الغليظ
والصلب: حجارة المسن.
أنشدنا الأخفش لابن المعتز: الخفيف
ساحر المقلتين أظهر صدّا ... صاغه الله في الملاحة فردا
حببن نادى بكسر جفنيه قلبي ... لم تجدّ من فراقه النفس بدّا
رحم الله من بكى مستهاما ... ليس يقضي لقلبه أن يردّا
يقطع الليل النحيب على من ... أنبت الحسن فوق خديه وردا
وأنشدنا ابن الأنباري لابن المعتز: البسيط
لا أرّق الله من أهدى لي الأرقا ... وأودع القلب نار الحب فاحترقا
بدر تعرض لي عمدا ليقتلني ... تذب أنواره عن وجهه الغسقا
تتفاوت فيه من فرق إلى قدم ... محاسن بدع تستوقف الحدقا
فكم تحيرّ من عقل ومن نظر ... فيه وكم تاه من قلب وكم خفقا
يا مورث السقم جسمي بعد صحته ... عجل سراحي وإلا فالحق الرمقا
لم يترك الشوق مذ غيبتّ عن بصري ... تخلقا لي في صبر ولا خلقا
ومحق الخلق وعدا كنت آمله ... وسد يأسي على آمالي الطرقا
ما كنت أول عبد رافع يده ... مسترزق عطف مولاه فما رزقا
أني لأحسد كأسا حين يلثمها ... حتى يبيت سخين السيف معتنقا
مزججا كمه في مشية عبثا ... لا يتقي في دمه غيظا ولا حنقا
أدار في خده صدغا يزرفنه ... وقد كسبا جيبه من شعره حلقا |