شرح متن البناء

عناصر الدرس
* أنواع الفعل الأصلي.
* أنواع الفعل الثلاثي.
* أنواع لما زاد على الثلاثي حرف وحرفان وثلاثة أحرف.
* النوع الأول مازيد على الثلاثي المجرد حرف واحد.
* أبوابه: أفْعَلَ ـ فَعَّلَ ـ فَاعَلَ وعلاماتها.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:

قد سبق بيان أن الفعل .. # [قطع في الشريط] لا تسقط في أحد التصاريف إلا لعلةٍ تصريفية، وهذا ما يفرق فيه بين الحرف الأصلي والحرف الزائد، فما سقط لعلة تصريفية هذا لا يقال فيه: إنه زائد بل هو أصلي كما في وَعَدَ يَعِدُ، وَوَصَلَ يَصِلُ، هنا الواو سقطت ولا نقول: إنها حرف زائد لأن [0.34# قطع آخر] بل ساقطٌ لعلةٍ تصريفية فهو كالثابت. وبالزيادةٍ ما اشتمل ماضيه على الزائد - بمعنى أن فيه حرفًا زائدًا - مثل: أَكْرَمَ. أَكْرَمَ هذا مشتمل ماضيه على الزائد لماذا؟ لأن أصله كَرُمَ على وزن فَعُلَ فزيدت الهمزة في أوله فصار على وزن أفْعَل حينئذٍ اشتمل ماضيه على الزائد بخلاف كَرُمَ فإنه مجرد عن الزائد.
ثم الأصلي نوعان:
ثلاثي.
ورباعي.
قلنا: الثلاثي ما كان ماضيه على ثلاثة أحرفٍ أصول، إذًا يُنظر في الفعل الماضي فإذا بنه على ثلاثة أحرف لماذا؟
لأنه كما هو مقرر عندهم أن الفعل وكذلك الاسم لا يقل عن ثلاثة أحرف، ولذلك الفعل من حيث الأصول نوعان فقط ثلاثي، ورباعي. لم يقل عن الثلاثي لأن أصل ووضع الفعل وكذلك الاسم على ثلاثة أحرف، قالوا لماذا؟ قال: لأنه لا بد من حرفٍ يُبتدئ به وحرفٍ يوقف عليه وحرفٌ يكون واسطةً بين المبتدئ به والموقف عليه، حرف يبتدئ به ولا يبتدئ إلا بمتحرك لا يبتدئ بساكن، وحرفٌ يوقف عليه ولا يوقف إلا على ساكن، والمتحرك والساكن ضدان حينئذٍ لا بد من أن ينتقل المتكلم من ضدٍ إلى ضده هذا قالوا: فيه مشقة فلا بد حينئذٍ أن يأخذ نَفَسَهُ بعد أن يبتدئ بحرفٍ متحرك فيجد حرفًا ثم بعد ذلك ينتقل إلى الضد فيكون قد فصل بين الضدين بحرف وهذا أقل ما يكون عليه الفعل، كذلك الفعل يطرأ عليه النقصان والحذف سواء كان لعلة أو لغير علة فإذا كان ثنائيًا ولم يكن ثلاثيًا لضعف وهزل بالحذف فحينئذٍ قالوا: إذا وجد فعلٌ على حرفٍ أو حرفين حينئذٍ لا بد أن يكون لعلةٍ تصريفية يعني حصل محذوف لا بد أن يكون لعلةٍ تصريفية وما عدا ذلك فالأصل وضع الفعل وكذلك الاسم المتمكن على ثلاثة أحرف، ونقول: الاسم المتمكن لأن ما كان على حرفٍ أو حرفين من الأسماء فهو غير متمكن فهو مبني، لأن من علل البناء شبه الاسم بالحرف في الوضع لأن الحرف أقل ما يوضع عليه حرفٌ واحد أو حرفان، والفعل والاسم أقل ما يوضع عليه ثلاثة أحرف، فإذا أشبه أو وضع الاسم على حرفٍ أو حرفين قالوا: أشبه الاسم الحرف في الوضع لأن من شأن الحرف أن يوضع على حرفٍ أو حرفين.
إذًا نأخذ من هذا نقول: إذا وجد فعلٌ على حرفٍ أو حرفين فلا بد حينئذٍ من حرفٍ محذوفٍ لعلةٍ تصريفية، مثل قِهْ وَقَى يَقِي الأمر منه قِهْ، الهاء هذه زائدة للسكت، إذًا هو على حرف واحد هل وضع على حرفٍ ... واحد؟
الجواب: لا، لأن هذا حذف منه الأول والأخير وَقَى يَقِي حُذفت الياء وحذفت الياء، حذفت الياء من أوله وهي ياء المضارعة لأنه فعلٌ أمر إذا أريد فعل الأمر يحذف أوله وبني على حذف حرف العلة، وصار قِي والوقف عليه يكون بهاء السكت فقيل: قه، إذًا هذا فعل وضع على حرفٍ واحد؟!


نقول: لا لم يوضع على حرفٍ واحد، وإنما نطق به على حرفٍ واحد، وإلا في الأصل وهو وَقَى، هذا أصل وضعه، ولذلك الأصل فيه في الأفعال أن يكون على صيغة الماضي ثم المضارع ثم الأمر، فالأمر فرع وليس بأصل.
إذًا الثلاثي ما كان ماضيه على ثلاثة أحرف أصول، هل يقل عن الثلاثة؟
الجواب: لا، لماذا؟
لأن أقل ما وضع عليه الفعل وكذلك الاسم ثلاثة أحرف، وأكثر ما وضع عليه الفعل بالأصالة أربعةُ أحرف، وسيأتي أنه الرباعي المجرد، وأكثر ما وضع عليه الاسم بالأصالة الخماسي، فحينئذٍ في المجرد الفعل يكون ثلاثيًا ورباعيًا ولا يكون خماسيًا إلا بالزيادة، ومن بابٍ أولى لا يكون سداسيًا إلا بالزيادة، وأما الاسم فيكون ثلاثيًا ورباعيًا وخماسيًا وكلها أصول ولا يكون سداسيًا إلا بالزيادة، لماذا؟ قالوا: لأن الفعل أدنى مرتبةً من الاسم فحينئذٍ لا بد أن يرتفع الاسم. الاسم مشتق من السمو وهو العلو فلا بد أن يكون مرتفعًا يعني إلى درجة عالية وأرفع من الفعل، فكل قاعدة أو كل وصف للاسم فالأصل فيه إما أن يشارك الفعل أو لا، فإن لم يشارك الفعل فحينئذٍ لا إشكال فإن شارك الفعل فلا بد أن يكون ذا وصفٍ أو صلةٍ أو درجة تكون أعلى يرتفع بها عن الفعل لأنه يوجد منه في الكلام أو ينفرد الاسم في الكلام دون العكس يعني: أعظم دليل وأجل دليل يدل على أن الاسم أشرف من الفعل أن الكلام يوجد باسمين ولا يوجد معهما فعل، تقول: زيدٌ عالمٌ، العلم نافعٌ، زيدٌ قائمٌ، هذا كلامٌ مؤلف من كلمتين مبتدأ وخبر ولم يوجد فيه فعلٌ، إذًا استغنى الاسم عن الفعل وإذا استغنى عنه حينئذٍ ما يستغني - هذا أرفع درجة مما لا يستغني لكن هل يوجد جملة فعلية وفيها فعلٌ سواءً كان ماضيًا أو مضارعًا أو أمرًا وليس فيها اسم؟ لا يمكن، لماذا؟ لأنه لا تقوم جملة فعلية إلا مع الفاعل أو نائب الفاعل - والفاعل ونائب الفاعل اسمٌ - إذًا لا يستغني الفعل عن الاسم، والاسم يستغني عن الفعل وأيهما أشرف؟


الذي يستغني ولا يحتاج إلى غيره ولا يفتقر إلى غيره هذا أعلى درجة، فلذلك مُيِّزَ عن الفعل بأشياء مثيرة منها في باب الصرف أنه جُعل له صيغة خاصة مؤلفة من خمسة أحرفٍ أصول بخلاف الفعل فإنه لا يُؤَلَّفُ من خمسة أحرفٍ أصول إذًا الثلاثي ما كان ماضيه على ثلاثة أحرف أصول والرباعي ما كان ماضيه على أربعة أحرفٍ أصول وسيأتي بحث الرباعي، بالزيادة، قلنا: ما اشتمل ماضيه على الزائد، إذًا سواءٌ كان ثلاثيًا أو رباعيًا والبحث هنا في الثلاثي فحينئذٍ نقول: الثلاثي هو ما اشتمل ماضيه على حرفٍ أو حرفين أو ثلاثة، وبالاستقراء أن الفعل الثلاثي المجرد لا يُزاد عليه إلا أحدُ ثلاثة أنواع - يعني: الزيادة الحرف الزائد الذي يدخل الفعل الثلاثي المجرد إما أن يكون حرفًا فيصير به الثلاثي رباعيًا، رباعيًا بالمزيد أو حرفين على الثلاثي - يعني: يزاد على الثلاثي المجرد حرفان - فيصير به الثلاثي خماسيًا، ثلاثة واثنين خمسة أو يزيد على ثلاثي المجرد ثلاثة أحرف فيصير به الثلاثي المجرد ستة أحرف، إذًا عندنا رباعيٌ وخماسيٌ وسداسي، وكلها أحرف زائدةٌ على الثلاثي المجرد ولذلك هنا قال: (وَاثْنَا عَشَرَ بَابًا مِنْهَا) أي من الخمسة والثلاثين لأنه ذكر منها ستة للفعل الثلاثي المجرد باعتبار ماذا؟ باعتبار ماضيه لأن الفعل الماضي الثلاثي المجرد لا يخلو عن ثلاثة أحوال: إما أنه من باب فَعَلَ أو فَعِلَ أو فعُلَ، ثم هذه باعتبار الفعل المضارع وما يصاغ منها أو ما يجيء صيغة المضارع منها فستةٌ: فَعَلَ يفعُلَ، وفَعَلَ يفَعِلَ، فَعَلَ يفَعَلَ هذه ثلاثة وفعِلَ يفعَلُ، وفعِلَ يفعِلُ، هذه اثنان، ثلاثة واثنان خمسة، وفعُلَ يفَعُلَ هذه ستة، ستةٌ منها قال: للثلاثي المجرد وشرع في بيان الثلاثي المزيد فيه قال له كم؟: (اثْنَا عَشَرَ بَابًا) بإسقاط بابين شاع ذكرهم عند الصرفيين وسيأتي بيانه: (وَاثْنَا عَشَرَ بَابًا مِنْهَا لِمَا زَادَ عَلَى الثُّلاَثِيِّ) لو زيد كلمة المجرد لكان أولى لأن الثلاثي قد يكون مجردًا وقد يكون مزيدًا فيه، وهو أي الثلاثي المزيد فيه: (ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ) (وَهُوَ) أي الثلاثي المزيد فيه (ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ) باعتبار ماذا التقسيم هنا؟ باعتبار ما يزاد على الثلاثي المجرد لأنه بالاستقراء أنه لا يزاد إلا حرفٌ أو حرفان أو ثلاثة ولا يزاد أربعة فحينئذٍ كم نوع؟ لكل نوع من هذه الأنواع أبواب خاصة فما زيد عليه حرفٌ واحدٌ له أبواب سيأتي ذكرها ثلاثة أبواب، وما زيد عليه حرفان سيأتي أنه أربعة أو خمسة، وما زيد عليه ثلاثة فهو أنواعٌ. إذًا الاعتبار هنا في التفصيل ثلاثة أنواع باعتبار الحرف نفسه، فإن زيد حرفٌ فهذا نوعٌ مستقل، وإن زيد حرفان هذا نوعٌ ثانٍ مستقل، وإن زيد ثلاثة أحرف فهذا نوعٌ ثالثٌ مستقل، والدليل هو الاستقراء والتتبع لأن باب الصرف بل باب اللغة الأصل فيها النقل والسماع وإنما العقل يستنبط ويرتب ويفهم فقط وليس له في مثل هذه الأمور مدخل.
(وَاثْنَا عَشَرَ بَابًا مِنْهَا) أي: من الخمسة الثلاثين بابًا (لِمَا) أي: لفعلٍ (زَادَ عَلَى الثُّلاَثِيِّ) المجرد (وَهُوَ) أي الثلاثي المزيد فيه (ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ) باعتبار الحرف الزائد.


(النَّوْعُ الأَوَّلُ: وَهُوَ مَا زِيدَ فِيهِ حَرْفٌ وَاحِدٌ عَلَى الثُّلاَثِيِّ) المجرد ... (وَهُوَ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ). إذًا ما زيد فيه حرف واحد هذا المسمى عنهم بالرباعي المزيد، والرباعي المزيد لأن الرباعي نوعان:
- رباعيٌ مجرد كدَحْرَجَ.
- ورباعيٌ مزيد.
رباعيٌ مجرد بمعنى: أنه تجرد ماضيه عن حرفٍ زائد دَحْرَجَ فَعْلَلَ هذه كلها أصول وقد يكون رباعيًا بالزيادة فيكون أصله الثلاثي المجرد ولكن يُزاد عليه حرفٌ فيصير به أربعةً، كَرُمَ أصله ثلاثي كَ رُ مَ ثلاثة أحرف زيد عليه الهمزة أَكْرَمَ فصار على وزن أفْعَلَ فحينئذٍ نقول: ثلاثي أو رباعي؟ ثلاثي أو رباعي؟ [أي أحسنت نعم] إذا لا نقول: ثلاثي ولا رباعي، نقول: باعتبار الأصل هو ثلاثي وبالنظر إلى الزيادة فهو رباعي، إذًا التفصيل. أَكْرَمَ نقول: هذا ثلاثيٌ باعتبار الأصل لأن أصله كَرُمَ على وزن فَعُلَ وبالزيادة بعد الزيادة زيادة حرف عليه صار أَفْعَلَ إذًا هو رباعيٌ مزيد بالنظر إلى الزيادة وهو ثلاثيٌ مجردٌ بالنظر إليه قبل الزيادة. إذًا الرباعيُ نوعان - هذا الذي أريد أن أبينه - الرباعيُ نوعان رباعيٌ مجرد - وهذا الذي سيأتي بحثه وهو كَدَحْرَجَ فَعْلَلَ - هذا كلها الحروف أصلية وليس فيها حرفٌ زائد ووزنه فَعْلَلَ، وأما الثلاثي المجرد الذي زيد عليه حرفٌ واحد فهو رباعيٌ مزيد قال: (وهو ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ). يعني: ثلاثة أنواع (ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ) أي ثلاثة أنواع لأنه إما أَفْعَلََ وإما فَعَّلَ وإما فَاعَل ثلاثة باب أَفْعَل ويُسَمَّى باب الإِفْعَال وباب فَعَّلَ ويسمى باب التَّفْعِيل وباب فَاعَلَ ويسمى باب الْمُفَاعَلَة (وَهُوَ مَا زِيدَ فِيهِ حَرْفٌ وَاحِدٌ عَلَى الثُّلاَثِيِّ وَهُوَ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ) ولكل واحدٍ من هذه الأبنية معانٍ كل باب من هذه الأبواب الثلاثة أفْعَلََ وفَعَّلَ وفَاعَلَ لكل باب منها معانٍ يَرِدُ لها وبها يفارق معناه معنى الثلاثيٍ المجرد لأنه يَرِدُ السؤال كَرُمَ وأَكْرَمَ حصل فرقٌ من جهة اللفظ، أصله فَعُلَ فصار أَفْعَلَ، إذًا حصل مغايرة بين الثلاثي المجرد والثلاثي المزيد بالحرف الواحد هل تأثر المعنى أو لا؟ لا بد أن يتأثر المعنى لأن العرب القاعدة العامة الكبرى عندهم لا تزيد حرفًا إلا لمعنى، وعندهم زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى فحينئذٍ لا بد لكلٍ من أَفْعَلَ وفََعَّلَ وفَاعَلَ معانٍ ينفرد بها عن معناه الثلاثي المجرد قبل، وإلا لأستوى كَرُمَ وأَكْرَمَ وهذا باطل لماذا؟ لأنه يجعل الألف همزة، همزة القطع أَفْعَلَ يجعلها حشوًا وهذا باطل، العرب لا تزيد حرفًا إلا لمعنى، إذًا كل بابٍ من هذه الأبواب الثلاثة التي ستأتي - الأبنية الثلاثة - معانٍ يريد لها ذلك الوزن وبها يفارق معناه معنى الثلاثي المجرد.


(البَابُ الأَوَّلُ) أي: النوع الأول، الباب هنا بمعنى ماذا؟ بمعنى النوع أَفْعَل يُفْعِلُ إِفْعَالاً، ويسمى باب الإِفْعَال، ولذلك يقال: من باب الإِفْعَال يعني الذي ماضيه أَفْعَلَ على وزن أَفْعَلَ، (أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً)، أولاً تلاحظوا ماذا هنا؟ قال: (أَفْعَلَ يُفْعِلُ) وزاد عليه ماذا؟ زاد المصدر، وهناك في الثلاثي المجرد وهو أولى - لأن المجرد أصل للمزيد عليه - لأنه قدمه هناك لماذا؟ لكونه أصلاً بالنسبة إلى المزيد وهنا قال: (فَعَلَ يَفْعُلُ) موزونه نَصَرَ يَنْصُرُ وما ذكر المصدر، وقال: ضَرَبَ يَضْرِبُ ولم يذكر المصدر وقال: عَلِمَ يَعْلَمُ ولم يذكر المصدر، كل الأبواب الستة السابقة لم يذكر مصادرها وكل ما ذكر في المزيد من الأنواع الثلاثة (أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً) ذكر المصدر و (فَعَّلَ يُفَعِّلُ تَفْعِيْلاً) ذكر المصدر و (فَاعَلَ يُفَاعِلُ مُفَاعَلَةً وَفِعَالاً وَفِيعَالاً) ذكر المصدر لِمَ؟ هل نَسِيَهُ في الأبواب الستة وذكره هنا أو لعلة؟ [ما عدا الثلاثي قياسي والثلاثي سماعي أحسنت] المشهور عند الصرفيين أن مصدر أو مصادر الفعل الثلاثي المجرد سماعية كلها موقوف على السماع وليست من باب القياس، فحينئذٍ ما الفائدة في أن يقول نَصَرَ يَنْصُرُ نَصْرًا وعَلِمَ يَعْلَمُ عِلْمًا إذا كان عِلْمًا ونَصْرًا هذا من باب السماع وليس من باب القياس، وإنما يذكر الصرفيون القواعد العامة التي تكون مجالاً للقياس، وأما المحفوظ فهذا بابه المعاجم وليس بابه كتب الصرف، إذًا لكون المصنف يرى أن مصادر الثلاثي المجرد سماعية وليست قياسية أسقطها، وأما [المزيد] الثلاثي المزيد فمصادره كلها قياسية وفي بعضها السماع لكن ما من بابٍ إلا وله مصدرٌ قياسي وقد يكون مصدر سماعي لهذه العلة ذكر هنا (أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً) فذكر المصدر لأن مصدر أفعل قياسي بخلاف مصدر (نَصَرَ يَنْصُرُ) فليس بقياسي بل هو سماعي، والسماعي هذا يوقف على السماع، لكثرة ما نُقل من اختلاف واضطراب المصادر في باب الثلاثي المجرد حكموا عليه بأنه سماعي وإن كان الأصح أنه قياسي - وسنتطرق إليه بعد أن ننتهي من الثلاثي المزيد فيه - الصحيح أنه قياسي وليس بسماعي كما ذكره ابن مالك رحمه الله ونُسب إلى سيبويه.


(أَفْعَلَ يُفْعِلُ) لكن المشهور عند الصرفيين أنه سماعي ولذلك أسقطه المصنف - وهذا الذي أردت أن أبينه - (أَفْعَلَ) بزيادة ماذا؟ الهمزة (يُفْعِلُ) بضم الياء لماذا؟ لأن ياء المضارعة أو حرف المضارعة من الثلاثي حرف المضارعة إذا زيد على الثلاثي حرفٌ واحدٌ وكان ماضيه أربعة أحرف [عفوًا] إذا كان حرف المضارعة مزيدًا على ما أصله أربعةُ أحرف من الماضي ضمت أو ضم ذلك الحرف حرف المضارعة لأنك تقول: خرج هذا ثلاثي تزيد عليه ماذا؟ حرف المضارعة في الفعل المضارع تقول: يَخْرُجُ بفتح الياء لماذا؟ لكون الماضي مؤلفًا من ثلاثة أحرف وحينئذٍ تكون حركة حرف المضارعة الذي يزاد وهو الحرف من حروف (أنيت) حينئذٍ تكون حركته الفتحة فتقول: ذَهَبَ يَذْ يَذْ بفتح الياء وأَذْهَبُ ونَذْهَبُ ويَذْهَبُ وتَذْهَبُ هذا في الثلاثي، وأما إن كان رباعيًا في الأصل فحينئذٍ يُضم حرف المضارعة مثل ماذا؟ مثل دَحْرَجَ نقول في مضارعه: يُدَحْرِجُ ليس كيَذْهَبُ بفتح الياء وإنما بضمها فتقول: يُـ، يُـ يُدَحْرِجُ فحينئذٍ تضم حركة حرف المضارعة إذا كان ماضيه أربعة أحرف سواءٌ كان ماضيه أربعة أحرف أصولاً أم فيها ما هو زائد.
أصولاً: مثل دَحْرَجَ، دَحْرَجَ فَعْلَلَ إذا أردت منه المضارع تقول: يُدَحْرِجٌ بضم الياء وأُدَحْرِجُ بضم الهمزة وتُدَحْرِجُ بضم التاء، ويُدَحْرِجُ بضم الياء، هذا فيما إذا كان ماضيه على أربعة أحرف سواءٌ كانت الحروف كلها أصول أم فيها ما هو زائد. أَكْرَمَ، نقول: هذا أصله ثلاثي لكنه صار رباعيًا بالزيادة فحينئذٍ تكون في مضارعه يُكْرِمُ بضم الياء يُكْرِمُ [طب] يُدَحْرِجُ بعد المضارع هو أربعة أحرف مع زيادة حرف المضارعة لكن يُكْرِمُ هو كَرُمَ نفسه يُكْرِمُ كَرُمَ لو كان من باب أَكْرَمَ لقيل: يُأَكْرِمُ، لكن هذا كما ذكرناه بالأمس في قول الراجز:
فَإِنَّهُ أَهْلٌ لأن يُأَكْرَمَ


الأصل فيه إسناده أو إلحاق همزة الْمُتَكَلِّمُ به أَكْرَمَ إذا أردت أن تنسبه إلى همزة الْمُتَكَلِّم فتقول: أُأَكْرِمُ أُأَ بضم الهمزة الأولى وفتح الهمزة الثانية التي هي أصل قالوا: استثقلوا مجيء همزتين متتاليتين لأن المخرج واحد والهمزة ثقيلة فحذفت الهمزة الثانية لماذا؟ لأن الهمزة الأولى حرف معنى وإن كانت الثانية أيضًا من جهة المعنى حرف معنى لكنها قد تأتي للتعدية وهذا أشبه ما يكون بحرف المبنى - لكن رُوعِيَ فيه أن حرف المضارعة إنما جيء به لنقل الماضي من الماضي إلى المضارع فحينئذٍ إذا نُقل من الماضي إلى المضارع انتقل معناه من الدلالة على الزمن الماضي إلى الزمن الحال أو الاستقبال مراعاةً لهذا؟ قالوا: إذًا الأولى أن يُحذف ماذا؟ الحرف الزائد على كَرُمَ ولا يُحذف الحرف الذي جيء به للدلالة على المتكلم لأنه ما جيء به إلا لماذا؟ إلا من أجل أن ينقل الفعل من الماضي إلى المضارع فلو حذفت همزة المتكلم وهي مضمومة قال: أَكْرَمُ هذا يشتبه بالماضي لأن الماضي أَكْرَمَ وهذا أَكْرَمَ لكن لما ابتدئ بضم الهمزة قالوا: ارتفع الشبه حينئذٍ الأولى الحكم بكون الهمزة التي هي داخلةٌ على الماضي الأولى الحكم بحذفها دون همزةٍ المتكلم فحينئذٍ اجتمع عندنا همزتان أُأَكرِمُ فحذفت الهمزة الثانية وإلا الأصل والقاعدة أنه يزاد على الثلاثي المجرد حرف المضارعة ويبقى فعل الماضي كما هو كما تقول: خَرَجَ يَخْرُجُ وأَخْرُجُ، هذا الأصل، كَرُمَ أَكْرَمَ، إذًا أُأَكْرِمٌ هذا الأصل فلاستثقال الهمزتين حذفوا الهمزة الثانية، وإن في باب لو هذا مستقيم في باب الهمزة حذفت الهمزة الثانية دفعًا للثقل لكن بقي ماذا؟ حروف المضارعة الهمزة والنون والياء والتاء، الثقل موجودٌ مع الهمزة ومنتفٍ مع النون والياء والتاء، إذًا يُأَكْرِمُ ليست فيه ثقل ونُأَكْرِمُ ليس فيه ثقل وتُأَكْرِمُ ليس فيه ثقل لكننا نقول: يُكْرِمُ ونُكْرِمُ وتُكْرِمُ بحذف الهمزة، قالوا: طردًا للباب لئلا يُفَصَّل في الباب فيقال: تحذف الهمزة مع الهمزة وما عداه لا تحذف طردًا للباب تحذف الهمزة من الجميع سواءٌ اتصل به تاء الخطاب أو الغائب أو النون الدالة على المتكلم ومعه غيره حينئذٍ أُكْرِمُ ونُكْرِمُ وتُكْرِمُ ويُكْرِمُ بضم حرف المضارعة مع حذف الهمزة في الكل والقاعدة السماع والذي دل على هذا التفسير أو هذا التحليل قول الراجز، جاء مؤكدًا ولذلك عند الصرفيين إذا جاء بيت أو شطر شاذ يتمسكون به ودليلهم المشهور عندهم في كتبهم لماذا؟ لأنه هو يفضح ويكشف المستور فلما جاء قول الراجز:
فإنه أهلٌ لأن يُأَكْرَمَ
هذا نطق بماذا؟ نطق بالمستعمل أو بالقياس؟ [بالمستعمل عفوًا] نطق بالقياس ولم ينطق بالمستعمل فحينئذٍ كأنه فضح القاعدة بأن أُكْرِمُ ويُكْرِمُ وتُكْرِمُ الأصل أنه يُأَكْرِمُ فحينئذٍ يتشبث بمثل هذا الشطر ويقال به إنه جاء على الشذوذ أصل مهجور يعبرون عنه هكذا يقال: يُأَكْرِمُ فإنه أهلٌ لأن يُأَكْرَمَ هذا أصلٌ مهجور لكنه هو الذي كشف الأصل المهجور به حصل كشف وظهور الأصل المهجور.


إذًا قوله: (يُفْعِلُ) ضم حرف المضارعة لكون أصله رباعيًا وهذا مستثنًى في الرباعي فقط، وأما الثلاثي والخماسي والسداسي فهذا بفتح حرف المضارعة ولذلك تقول: خَرَجَ يَخْرُجُ انْطَلَقَ في الخماسي يَنْطَلِقُ يَـ يَـ بفتح الياء نَنْطَلِقُ أَنْطَلِقُ وتقول: اسْتَغْفَرَ يَسْتَغْفِرُ يَـ يَـ يفتح الياء وإنما يُستثنى ماذا؟ المضارع الرباعي باعتبار ماذا؟ [لا ليس الرباعي] إنما المستثنى حرف المضارع إذا كان ماضيه على أربعة أحرف فإن كان ماضيه على ثلاثة أحرف أو خمسة أو ستة فحينئذٍ تُفتح أوله:
وضَمُّها مِن أصلِهَا الرُّباعي ... مثلُ يُجيبُ مِن أجابَ الدَّاعِي
ومَا سِواهُ فَهْيَ منهُ تُفْتَتَحْ ... ولا تُبَلْ أخَفَّ وَزنًا أم رَجَحْ
مثَالُهُ يذهَبُ زيدٌ ويَجِي ... ويَستَجِيشُ تَارَةً ويَلتَجِي (1)

أَفْعَلَ (يُفْعِلُ) عرفنا لِمَ ضمت هذه الياء وكان الأصل فتحها (إِفْعَالاً) بكسر الهمزة أَفْعَلَ بفتح الهمزة هذه همزة قطع وكسرت في المصدر، إذًا مكسورة في مصدره قالوا: لأن لا يلتبس بالجمع، أَحْمَال أَفْعَال إذًا عندنا أَفْعَال وعندنا إِفْعَال، أَفْعَال هذا جمع مثل: حِمْلُ وأَحْمَال وأَجْمَال يوزن على أَفْعَال، وعندنا إِفْعَال قالوا: كسرت الهمزة لأنه في الماضي ماذا؟ أَفْعَلَ بالفتح، الأصل فيه أن يكون مفتوحًا كذلك في المصدر قالوا: كُسِرَتْ في المصدر لأن لا يلتبس الإِفْعَال بالأَفْعَال، والأَفْعَال هذا جمع والإِفْعَال هذا مصدر وهو مفرد لِمَ لَمْ يُعْكَسْ؟
__________
(1) ملحة الإعراب للحريري.


قالوا: الأَفْعَال جمع وهو ثقيل، والكسر ثقيل والفتح خفيف، فأُعْطِي الخفيف الثقيل أعطي الخفيف الثقيل، إِفْعَال هذا خفيف وهو واحد أُعطي الثقيل وهو الكسر، وأعطي الثقيل الخفيف يعني الجمع أعطي ماذا؟ أُعطي الفتح فقيل أَفْعَال كونه جمع هذا ثقيل وأعطي الفتح وهو خفيف. إذًا مراعاةً لقاعدة التعادل والتناسب، والإِفْعَال هذا خفيف لأنه هو واحد أُعطي الثقيل وهو الكسر هذا ما يُعَبِّرُ عنه النحاة بـ جريًا على قاعدة التعادل والتناسب إعطاء الثقيل الخفيف والخفيف الثقيل، إِفْعَال هذا مصدر لكنه مقيس بشرط كونه في الصحيح نأتي له بعده (أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً)، (أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً، مَوْزُونُهُ أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا) هنا قال: (أَفْعَلَ) هذا بالزيادة كما نص عليه وعلامته أن يكون ماضيه على أربعة أحرف، ماضيه على أربعة أحرف؟ نحن نقول: بالثلاثي وهو يقول: على أربعة أحرف؟ بالزيادة أي: لأن مبحثنا فيه الثلاثي المزيد فيه بحرف فحينئذٍ صار أربعة إذًا أن يكون ماضيه على أربعة أحرفٍ إذًا أصله ثلاثيٌ مجرد ويُزاد عليه حرفٌ لكن (أَفْعَلَ) هذا الأصل فيه والمطرد الغالب الكثير أنه يُزاد على ماضيه المجرد الثلاثي المجرد الهمزة في أوله فيقال: (أَفْعَلَ) لكن سُمِعَ في بعض الآحاد والمفردات أَفْعَل وليس له ثلاثي مجرد مثل: أَنَابَ هذا على وزن أَفْعَلَ يُنِيبُ إِنَابَةً فحينئذٍ هو من باب (أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا) لكن ليس له ثلاثي لم يسمع له ثلاثيٌ مجرد كذلك أَلْفَى على وزن أَفْعَل ولم يسمع له ماضٍ مجرد وإنما هكذا وضع ابتداءً، وقد يُراعى في الوضع الحرف الزائد، الحرف الزائد قد يُسمع الأصل الثلاثي المجرد ثم يطرأ عليه أو تطرأ عليه الزيادة مثل كَرُمَ فزيدت عليه الهمزة وقد يُوضَعُ ابتداءً في أول الأمر مزادًا بالهمزة فيقال: أَلْفَى، أَلْفَى لم يسمع له ثلاثي مجرد فكيف حكمنا بكون هذه الهمزة الزائدة؟


نقول: لأنه على وزن أَفْعَلَ، والأصل في وضع الفعل أن يكون على ثلاثة أحرف - هذا هو الأصل - وحينئذٍ أَلْفَى هذا على أربعة أحرف حينئذٍ نحكم بكون هذه الهمزة الزائدة ولكنه لَمْ يُسْمَعْ له أصلٌ وهو ثلاثيٌ مجرد وهو ثلاثيٌ، ومثله أَفْلَح ليس عندنا فَلَحَ مثل كَرُمَ أَفْلَحَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]. نقول: أَفْلَحَ هذا فعلٌ ماضي على وزن أَفْعَلَ وهو مزيدٌ بالهمزة لأنه من باب الإِفْعَال، أين الثلاثي المجرد؟ ليس له ثلاثيٌ مجرد وإنما ابتداءً هكذا وضع، أَقْسَمَ نقول: ليس عندنا قَسَمَ في الأصل وإنما أَقْسَمَ هكذا وضع ابتداءً، إذًا قوله: (وَعَلاَمَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ) نقول: قد يكون في الأصل ثلاثي مجرد فيزاد عليه فيسمع الثلاثي المجرد ويُسمع الزيادة، وقد يكون ابتداءً على أربعةِ أحرف فيُسمع الثلاثي مزيدًا بهمزة قطع في أوله ولم يسمع له ثلاثيٌ مجرد، ولم يسمع مثل: أَقْسَمَ وأَفْلَحَ وأَلْفَى وأَنَابَ. قال: (بِزِيَادَةِ الهَمْزَةِ فِي أَوَّلِهِ) يعني: بزيادة همزة القطع في أوله وهي مفتوحة (وَبِنَاؤُهُ) أي: بناء هذا الباب (لِلتَّعْدِيَةِ غَالِبًا) يعني: أن يكون لتعدية الفعل من كونه لازمًا إلى كونه ناصبًا لمفعولٍ به واحد وقد يكون لتعدية الفعل المتعدي إلى واحدٍ فيتعدى إلى اثنين، أو المتعدي إلى اثنين فيتعدى إلى ثلاثة. إذًا قوله: (وَبِنَاؤُهُ لِلتَّعْدِيَةِ غَالِبًا) أي في غالب الأمر (وَقَدْ يَكُونُ لاَزِمًا) هذا مفهومٌ أو تصريحٌ من مفهوم قوله: (غَالِبًا) (مِثَالُ المُتَعَدِّي نَحْوُ: أَكْرَمَ زَيْدٌ عَمْرًا) وسبق معنا أن المتعدي هو الذي تجاوز فعل فاعله فنصب مفعولاً به، تجاوز الفاعل الاصطلاحي فنصب المفعول به إذًا لا بد له من أثر من جهة المعنى. (أَكْرَمَ) هذا فعل ماضٍ مبني على الفتح لا محل له من الإعراب و (زَيْدٌ) فاعله (عَمْرًا) بالنصب على أنه مفعولٌ به، (وَمِثَالُ الَّلازِمِ) ومثله: أَخْرَجَ زيدٌ بكرًا، وأَسْقَطَ محمدٌ عليًا، مثله (وَمِثَالُ الَّلازِمِ نَحْوُ: أَصْبَحَ الرَّجُلُ.) يعني: دخل في الصباح (أَصْبَحَ) فعلٌ ماضٍ، و (الرَّجُلُ) فاعل وليست أصبح هذه من أخوات كان؟ هذه أصبح التامة وليست الناقصة، إذًا ليست من أخوات كان، التي تكون من أخوات كان هي التي لا تكتفي بمرفوعها وإنما تحتاج إلى منصوب تتعدَّى إليه فتنصبه.


إذًا: (أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً) (إِفْعَالاً) هذا هو المصدر كما ذكره المصنف هنا لكن ينبغي تقيده بأنه للصحيحٍ، يعني إن كان (أَفْعَلَ) صحيحًا فحينئذٍ يأتي مصدره على الإفعال. إذًا (أَفْعَلَ) قياس مصدره على (إِفْعَالاً) ... (أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا) وأَعْطَى يُعْطِي إِعْطَاءً، وأَخْرَجَ يُخْرِجُ إِخْرَاجًا، فأما إن كان معتل العين، إن كان معتل العين فهذا ليس على إكرام، وإنما لا بد من التغيير - يعني: يطرأ عليه بعض التغيير - مثل أَقَامَ هذا مصدره هذا مثل أَكْرَمَ أَقَامَ أصله أَقْوَمَ أَكْرَمَ، إذا التبس عليك المعتل ايت بصحيح وزنه بزنته، أَقْوَمَ أَكْرَمَ، أَقْوَمَ لكن نحن لا نقول: أَقْوَمَ وإنما نقول: أَقَامَ كيف صار أَقَامَ؟ قالوا: أَقْوَمَ الواو مفتوحة وما قبلها حرفٌ صحيح ساكن حصل إعلالٌ بالنقل فنقلت حركة الواو التي هي الفتحة إلى القاف فتحركت القاف وسكنت الواو حينئذٍ لنا نظران:


- أصل أَقْوَمَ هذا قبل النقل، ثم بعد النقل قبل النقل تحركت الواو وما قبلها ساكن بعد النقل نقول: ماذا؟ انفتح ما قبل الواو بالنظريين نقول: تحركت الواو بالنظر الأول وانفتح ما قبلها بالنظر الثاني فقلبت ألفًا، هذا هو المشهور عند الصرفيين أَقْوَمَ تحركت الواو هذا قبل العناية بالنقل ثم لما نقلت إلى ما قبلها القاف نقول: تحركت الواو باعتبار ما قبل النقل وانفتح ما قبلها باعتبار الألف قلبت الواو ألفًا فصار أَقَامَ، ولك أن نقول: أقوم أكتفي بجزء العلة لأن العلة مركبة تحرك الواو وانفتاح ما قبلها هذان جزءان قد يكتفي بجزء العلة فيقال: تحركت الواو فقلبت الواو ألفًا بقطع النظر عن كونها ماذا؟ انفتح ما قبلها بقطع النظر عن كون الواو قد انفتح ما قبلها هذا أيسر وفيه بعد عن التكلف والمشهور هو الأول، لماذا يقولون هذا؟ لأن الأصل أَقْوَمَ وأنت ما تنطق بهذا وإنما تنطق بماذا؟ أَقَامَ إذًا لا بد من التعليل، أَقْوَمَ يُقْوِمُ إِقْوَامًا هذا الأصل وأنت تقول: أَقَامَ يُقِيمُ إِقَامَةً فتقول: أَقْوَمَ يُقْوِمُ إِقْوَامًا. وأنت تقول: إِقَامَةً. يقال في المصدر ما قيل في أصله إِقْوَام تحركت الواو واكتفي بجزء العلة فقلبت الواو ألفًا، أو تقول: نقل حصل إعلال بالنقل نقلت حركت الواو التي هي الفتحة إلى ما قبلها إِقْوَام حصل إعلال بالنقل نقلت حركت الواو إلى ما قبلها يعني فتحت القاف. فحينئذٍ لك نظران فتقول: تحركت الواو باعتبار الأصل، وانفتح ما قبلها باعتبار الألف فقلبت ألفًا. فلما قلبت ألفًا حينئذٍ التقى عندنا ساكنان وهما ألفان لأن الألف الأخرى إِفْعَال ما قبل اللام هذه الألف تسمى ألف المصدر وهي زائدة، والألف المنقلبة عن الواو التي هي عين الكلمة هذه أصل لأن الألف المنقلبة عن أصل لها حكم الأصل هي لا تكون بذاتها أصلية هذا قطعًا ألف لا يمكن أن تكون أصلية وإنما ينظر باعتبار ماذا؟ إن انقلبت عن العين أو لام أخذت حكمه حينئذٍ نقول: هنا الألف منقلبة عن الواو وهذه الواو عين الكلمة، فاجتمع عندنا ألفان إِقَا الألف المنقلبة عن واو ثم جاءت الألف التي هي ألف المصدر لا يمكن أن تبقى كما معلوم لا بد من الحذف فحذفت إحدى الأَلِفَيْنِ وعُوِّض عنها تاء التأنيث فقيل: إِقَامَةً إِقَا أنت تنطق بألف واحد وجئت بالتاء هذه عُوِّض عن ماذا؟ عن ألف محذوفة فاختلف في أي الألفين هي المحذوفة هل هي ألف المصدر أم الألف المنقلبة عن الواو؟ هذا فيه خلاف قيل بالأول وقيل بالثاني، ذهب سيبويه إلى أن المحذوفة هي الألف الزائدة ألف المصدر هذا مذهب سيبويه أنها هي المحذوفة، وذهب والفراء والأخفش إلى أن الألف المنقلبة عن العين التي هي الواو هي المحذوفة والثاني أولى، يعني القول بأن الألف المنقلبة عن العين هي المحذوفة أولى من القول بأن المحذوفة هي الألف الزائدة لماذا؟ لأن الألف التي هي ألف المصدر حرف معنى وذاك حرف مبنى والقول بحذف ألف المبنى أولى من القول بحذف ألف المعنى.
ثانيًا: أنه عُوِّضَ عن الألف المحذوفة بالتاء، ولا يعوض إلا عن أصل.


إذًا بهذين الدليلين يرجح مذهب الأخفش والفراء، وهو: أن الألف التي هي منقلبة عن الواو عن عين الكلمة هي المحذوفة. ما هما الدليلان؟
كون الألف ألف المصدر حرف معنى، ما معنى حرف معنى؟ يعني يدل على معنى مثل: في، وعن. مثل (أل) التي للتعريف إذًا كلمة مستقلة نقول: الكلمة اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، إذًا قسم من أقسام الكلمة.
وحرف المبنى مثل زَ من زيد مثل الياء من زيد والدال إذًا هو ما كان جزءًا في كلمة وأما حرف المعنى هذا جزء أو كلمة برأسها وأيهما أولى القول بالحذف؟ الجزء أولى من القول بأن يحذف من الكل، أيضًا التعويض دليل على أن المحذوف له أصالة في الكلمة لأنه لا يُعَوَّضُ إلا عن أصل كما هو في عِدَةٍ. عِدَةٍ قلنا: هذا مصدر أليس كذلك؟ أصله من الوعد فحذفت الواو وعُوِّضَ عنها التاء عِدَةٌ هذه التاء عِوَض عن الواو المحذوفة، لِمَ عُوِّضَ عنها؟ لأنها أصل، سنةً التاء هذه عوض عن الواو أو الهاء لأن أصلها سَنَوٌ أو سَنَهٌ بدليل جمعه على سناهات وسنوات حينئذٍ سنوٌ حذفت اللام التي هي الواو اعتباطًا بغير علة تصريفية وعُوِّضَ عنها تاء التأنيث، إذًا إقامةً لَمَّا عُوِّضَ عن الألف المحذوفة تاء تأنيث دل على أنها أصل.
إذًا مذهب الفراء والأخفش هو أرجح هذا معتل العين قلنا إذًا (أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا) جاء من باب الإِفْعَال لأنه الصحيح وإن كان معتل العين مثل أَقَامَ يُقِيمُ إِقَامَةً جاء على وزن ماذا؟ ما وزنه؟ إِفَالَةً لأن المحذوف هو العين هو الألف التي انقلبت عن العين وقد تحذف على قلة التاء هذه يعني: قد تحذف الألف ولا يُعَوَّض عنها أو نقول: عوض عنها التاء ولكنها حذفت قوله تعالى: {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} [النور: 37] وإقام الصلاة هذا مصدر إِقَامَ حذفت التاء هنا على قلة يعني: مسموع حذف التاء أو مسموع حذف الألف التي هي عِوَضُ عن المنقلبة عن العين ولم يُعَوَّض عنها التاء كقوله تعالى: {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ}. أما المعتل الأول مثل: أَوْعَدَ يُوْعِدُ إِيعَادًا، ما الذي حصل؟ قلبت الواو ياءً إِوْعَادًا إِفْعَالاً إِوْعَادًا أليس كذلك هذا الأصل؟ أَوْعَدَ يُوعِدُ إِيعَ أَوْعَادًا هذا الأصل إِفْعَالاً ما الذي حصل؟ قلبت الواو ياءً لماذا؟ للقاعدة إذا سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت الواو ياءً فقيل: إِيعَادًا. أَيْقَظَ يُوقِظُ إِيقَاظًا ما الذي حصل؟ قلبت الواو ياءً أَيْقَظَ [ما حصل شيء أحسنت] أَوْقَظَ أَيْقَظَ يُوقِظُ إِيقَاظًا ما حصل شيء هو يائي إذا كانت فاء الكلمة ياءً بقي كما هو وإن كان واوًا يعني: مثال واوي فهذا الذي يعتريه الإعلال، فَأَوْعَدَ يُوعِدُ إِيعَادًا أما أَيْقَظَ يُوقِظُ قلبت الياء واوًا لماذا؟ لسكونها وضم ما قبلها، إذًا الأصل يُوقِظُ أصل الواو ياء أصل الواو هذه منقلبة عن ياء لأنه من أَيْقَظَ أَفْعَلَ أَيْقَظَ أَفْعَلَ إذًا الفاء فاء الكلمة هي الياء فصارت الياء أصلاً، إذًا الياء أصلية في أَيْقَظَ أليس كذلك يُوقِظُ قلبت الياء واوًا لماذا؟ لسكونها بعد ضم إيِقَاظًا إِفْعَالاً لم يحصل شيء بخلاف أَوْعَدَ يُوْعِدُ إِيعَادًا أصلها أُوعادًا سكنت الواو إِثْرَ كَسْرٍ فوجب قلبها ياءً.


أما المعتل اللامي كأَنْهَى أصلها أَنْهَيَ تقول: إِنْهَاءً أصلها إِنْهَايٌ ما الذي حصل؟ قلبت الياء همزة لماذا؟ لوقوعها متطرفة إِثْر ألفٍ زائدة إذا وقعت الواو أو الياء متطرفة ما معنى متطرفة؟ آخر الكلمة طرف الكلمة من الطرف، [إثر] بعد ألف زائدة وجب قلبها همزةً مثل سماءٌ، سَماءٌ هذه يظن البعض أنها ألف مثل صحراء فيمنعها من الصرف وهذا غلط، هذه الهمزة ليست زائدة ليست للتأنيث بل هي منقلبة عن واو سماوٌ هذا الأصل ولذلك تجمع على سماوات من أين جاءت الواو هذه هي التي أصلها في الهمزة ولذلك قال تعالى: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ} [فصلت: 12] بالتنوين فلو كانت ممنوعة من الصرف كانت وأوحى في كل سماءَ لكنه قال {فِي كُلِّ سَمَاءٍ} فنونت دل على أنها مصروفة وصرفها يدل على أن هذه الهمزة ليست للتأنيث إذ لو كانت للتأنيث مثل صحراء وحمراء وجب المنع من الصرف لعلة واحدة تقوم مقام علتين.
إذًا سماء أصلها سماوٌ وبناءٌ أصلها بنايٌ وقعت الياء طرفًا آخر الكلمة إثر ألفٍ زائدة فوجب قلبها همزةً كذلك أَنْهَى أصلها أَنْهَيَ على وزن أَفْعَلَ يُنْهِي إِنْهَاءً قلبت الياء همزةً لوقوعها طرفًا، أَرْضَى يُرْضِي إِرْضَاءً ما الذي حصل؟ [هاه تحركوا معي] أَرْضَى يُرْضِي، أَرْضَى ما أصله؟ أَرْضَيَ أو أَرْضَوَ؟ أَرْضَيَ؟ هذا مأخوذ من الرضوان والرضوان هذا واوي، قلبت الواو ياء ثم الياء ألفًا فحينئذٍ أَرْضَيَ يُرْضِي إرْضَاوٌ هذا الأصل، إِرْضَاوٌ وقعت الواو متطرفة إِثْر أو بعد ألف زائدة فوجب قلبها همزةً.
أما الْمُضَعّف مثل مَدَّ تقول: أَمَدَّ. على وزن أَفْعَلَ أصله أَمْمَدَدَ لأنه على وزن أَفْعَلَ أليس كذلك؟ ما الذي حصل؟ كيف صار أَمَدَّ؟ ما الذي حصل؟ أَمْدَدَ اجتمع عندنا مثلان دالان فأريد الإدغام، وشرط الإدغام سكون الحرف الأول وهنا متحرك فحينئذٍ حصل إعلال بالنقل نقلت حركت الدال الأولى إلى ما قبلها لأن أصلها أَمْ أَمْدَ أَفْعَ، أَمْدَدَ أَفْعَلَ، ونحن نقول: أَمَدَّ. كيف تحركت الميم بالفتحة والأصل أنها ساكنة أَفْعَلَ فتقول: حصل إعلال بالنقل، نقلت حركت الدال الأولى إلى الميم قبل - التي هي فاء الكلمة - فحينئذٍ سكنت الدال الأولى مع تحرك الدال الثانية فأدغم في بعض فصار أَمَدَّ يُمِدُّ إِمْدَادًا، ما الذي حصل؟ فُكَّ الإدغام أَمَدَّ بتحريك فتح الميم وَإِمْدَادًا إِفْعَالاً رجعت الميم كما كانت لماذا؟
لعدم النقل، لماذا لعدم النقل؟ لأنه في الأول حصل عندنا مثلان متتابعان، أَمْدَدَ فشرط الإدغام موجود وهو توالي مِثْلَيْنِ ولكن إِمْدَاد فصل بين المثلين بألف الإفعال فتعذر الإدغام فحينئذٍ ليس عندنا حاجة إلى الإعلال بالنقل.
إذًا (أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً) هذا المصدر أطلقه المصنف ولا بد من تقيده وأنه محمول على الصحيح، أما معتلَّ اللام كـ إِقَامَ أَقَامَ يُقِيمُ إِقَامَةً، أو مثال ما كان مثالاً واويًّا كـ أَوْعَدَ يُوْعِدُ إيِعَادًا، أو كان ناقصًا أَنْهَى يُنْهِي إِنْهَاءً فحينئذٍ يختلف الحكم، وأما المضعف هذا لا إشكال فيه.


قال: (أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً). ذكر المصنف هنا التعدية، وقلنا: التعدية هذه مراده أنها الهمزة هذه تُصَيِّرُ الفعل اللازم الذي يَرْفَعُ فَاعِلاً فقط ولا يَنْصِبُ مفعولاً تُصَيِّرَهُ متعدِّيًا بواحدٍ، جَلَسَ زَيْدٌ، جَلَسَ هذا فعل ماضي وهو لازم ما معنى لازم؟ لا يتعدَّى لا يَنْصِبُ، لكن لو قلتَ: أَجْلَسْتُ. دخلت الهمزة هذه التي معنا همزة الصَّيْرُورَة أو همزة التعدية ما الذي حصل؟ تعدَّى صار اللازم متعدِّيًا لواحدٍ فَيَنْصِبُ بِنَفْسِهِ، أَجْلَسْتُ زيدًا جَلَسَ زَيْدٌ، فِعْلُ وفَاعِلٌ وهو لازم ليس عندنا مفعول به، فلما دخلت الهمزة أَجْلَسْتُ زَيْدًا صار متعديًا لواحد هي هذه الهمزة التي زيدت هنا، خَرَجَ زيدٌ أَخْرَجْتُ زَيْدًا تعدَّتْ إلى واحد، تُصَيِّرُ المفعول أو الفعل المتعدي لواحد متعديًا إلى اثنين، فَهِمْتُ الْمَسْأَلَةَ، فَهِمْتُ فعل وفاعل والمسألةَ مفعول به، أَفْهَمْتُ بَكْرًا المسألةَ، أَفْهَمْتُ دخلت الهمزة ماذا حصل؟ نَصَبَتْ مفعولين يعني: جعلت الفعل الذي يَنْصِبُ مفعولاً واحدًا جعلته ناصبًا لمفعولين، ما الفرق بين فَهِمْتُ المسألة وأَفَهَمْتُ بكرًا الْمَسْأَلَةَ؟ وجود الهمزة فقط، وهي التي تسمى همزة التعدية الصيرورة. عَلِمَ زَيْدٌ بَكْرًا فَاضِلاً هذا يتعدَّى إلى مفعولين، عَلِمَ فعل ماضي، زَيْدٌ فاعل، بَكْرًا مفعول أول، فَاضِلاً مفعول ثاني. أَعْلَمْتُ زيدًا بَكْرًا فَاضِلاً. أَعْلَمْتُ زيدًا، زَيْدًا هذا كان ماذا؟ كان فاعلاً فصار مفعولاً أول، وبَكْرًا كان مفعول أول صار ثاني، وفَاضِلاً كان مفعول ثاني فصار ثالثًا. إذًا صيرت الفعل المتعدي إلى اثنين متعديًا إلى ثلاثة.
إذًا هذا هو المعنى الأول والغالب على باب أَفْعَل الذي أصله في الغالب فعل ثلاثي مجرد تزاد عليه الهمزة فحينئذٍ يصير متعدِّيًا، والمتعدي اللازم يصير متعديًا والمتعدي الواحد يصير متعديًا لاثنين، والمتعدي لاثنين يصير متعديًا لثلاثة.
من المعاني التي تكون عليه صيغة أَفْعَلَ التعريض وهو أن تقصد الدلالة على أنك عَرَّضْتَ المفعول لأصل معنى الفعل باع ما أصله؟ [لا، من جهة المصدر] باع المراد به حصول البيع قد تزيد عليه الهمزة فحينئذٍ تدل هذه الهمزة على التعريض والمراد بالتعريض أنك عرضت المفعول به لمعنى أصل الفعل وهو البيع، أَبَعْتُ الثَّوْبَ، أَبَعْتُ الدَّارَ ماذا؟ أَبَعْتُ الدَّارَ بمعنى أنك عرضتها للبيع أَبَعْتُ قد تقول: بِعْتُ الدَّارَ. بِعْتُ الدَّارَ بمعنى أن البيع قد وقع وانتهى لكن أَبَعْتُ الدَّارَ هذا لم يستعمل عندنا لذلك تستنكروه، أَبَعْتُ الدَّارَ بمعنى عرضتها للبيع، حينئذٍ إذا عرضت شيء السيارة ونحوها للبيع فلا تقول: بِعْتُ السَّيَّارة. تقول: أَبَعْتُ السَّيَّارَة. بمعنى عرضتها للبيع فحينئذٍ قصدت بالهمزة التي زدتها هنا قصدت بها الدلالة على أنك عَرَّضْتَ المفعول لأصل معنى الفعل فالدار ماذا؟ عَرَّضْتَهُ لأي شيء؟ للبيع أَرْهَنْتُ الدَّارَ بمعنى أنك عَرَّضْتَ الدار للرهن ونحو ذلك، فحينئذٍ تأتي الهمزة هنا المراد بها التعريض.


المعنى الثالث: الصيرورة يعني: صيرورة صاحب الشيء، وهو أن تدل على أن الفاعل قد صار صاحب شيء هو ما اشتق الفعل منه مثل ماذا؟ أَثْمَرَ البستان، أَثْمَرَ أصله ثَمَرَ أو ثَمِرَ أَثْمَرَ البستان بمعنى أن البستان صار ذا ثَمَرٍ فحينئذٍ الهمزة هذه تدل على ماذا؟ تدل على الصيرورة، صيرورة الشيء متصفًا مما اشتق منه الفعل صيرورة الشيء بماذا؟ مصاحبًا لما اشتق منه الفعل، أَثْمَرَ هذا مشتق من ماذا؟ من الثَّمَرِ، أثمر البستان فحينئذٍ البستان صار مصاحبًا لما اشتق منه الفعل وهو الثمر. أَغَدَّ البعيرُ أي: صار ذا غدة. فحينئذٍ المنسوب الذي هو المفعول به هنا قد صار منسوبًا إلى أصل ما اشتق منه الفعل وهو المصدر أَغَدَّ الْبَعِيرُ، أي: صار ذا غدة. أَتْمَرَ مُحَمَّدٌ أي: صار ذا تَمْرٍ. هذا يدل على ماذا؟ على أن هذه الهمزة أفادت الصيرورة أن تدل على أن الفاعل قد صار صاحب شيء هو ما اشتق الفعل منه وهو المصدر، أَثْمَرَ البستان بمعنى أنه صار ذا ثَمَرٍ، وصفت البستان في المعنى، في المعنى وصفت البستان بأنه متصف بمصدر الفعل وصفت البستان بما اشتق منه مصدر الفعل، الفعل هنا أثمر اشتق من ماذا؟ من مصدر وهو الثمرة.
الرابع: المصادفة والوجود على صفة. أي أن يجد الفاعل المفعول موصوفًا بصفة مشتقة من أصل ذلك الفعل. أَبْخَلْتُهُ أي وجدتُه بَخِيلاً. يعني: جئتُ لزيد فَأَبْخَلْتُهُ. أي صادفته ووجدته متصفًا أو على حالة وهي صفة ما اشتق منه ذلك الفعل وهو: البخل. أَحْمَدْتُهُ يعني وجدته محمودًا. أعظمته وجدته عظيمًا. أكبرته {أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31] أكبرته بمعنى وجدته كبيرًا.
الخامس: السلب. وهو أن يزيل الفاعل على المفعول أصل الفعل، أَشْكَيْتُهُ بمعنى أَزَلْتُ شَكْوَاهُ، هذه الهمزة تسمى همزة السلب، وهو من باب أَفْعَلَ أي: أزلت شكواه. وأَعْجَمْتُ الكتابَ بمعنى أَزَلْتُ عُجْمَتَهُ، فحينئذٍ تأتي الهمزة للسلب.
تأتي أيضًا للدخول في الشيء زمانًا أو مكانًا، أَتْهَمَ زَيْدٌ، أَنْجَدَ عَمْرو، ما معنى هذا؟ أَتْهَمَ ما معنى أَتْهَمَ، يعني: دخل تهامة. أَنْجَدَ أَشْأَمَ يعني دخل الشام. أَمْصَرَ يعني دخل مِصْرًا. أَصْبَحَ أي دخل في الصباح. أَمْسَى أَضْحَى يعني دخل في الضحى، ودخل في المساء.
السابع: الحينونة ومعناه أن يقرب الفاعل من الدخول في أصل الفعل أَحْصَدَ الزَّرْعُ يعني قَرُبَ حَصَاده. وأَصْرَمَ النَّخَلُ أي قَرُبَ صِرَامُه.
وقد يجيء أَفْعَل مثل فَعَلَ في المعنى وهذا قليل نحو: ظَلَمَ، وأَظْلَمَ، وسَقَاهُ، وأَسْقَاهُ. لأن قد يأتي أَفْعَلَ الأصل في أَفْعَلَ أن يكون مغايرًا في المعنى لفعل هذا الأصل، وإلا فما فائدة الزيادة؟! لا بد من حرف يزاد لا بد له معنى يزيد بهذا المعنى أو ينفرد ويتميز ويستقل عن الثلاثي المجرد، لكن قلة قد يأتي أَفْعَلْ مرادًا به فَعَلَ وليس بينهما فرق مثل أَظْلَمَ وظَلَمَ ليس بينهما فرق وسَقَاهُ وأَسْقَاهُ ليس بينهما فرق.
إذًا (البَابُ الأَوَّلُ) هو (أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً، مَوْزُونُهُ أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا. وَعَلاَمَتُهُ) ما ذكره المصنف هنا.


(البَابُ الثَّانِي: فَعَّلَ يُفَعِّلُ تَفْعِيْلاً، مَوْزُونُهُ فَرَّحَ يُفَرِّحُ تَفْرٍيحًا). (فَعَّلَ يُفَعِّلُ تَفْعِيْلاً) أيضًا ذكر المصدر هنا (تَفْعِيْلاً) لأنه قياسي وليس بسماعي و (يُفَعِّلُ) بضم الياء يعني: ياء المضارعة حرف المضارعة والعلة هي العلة التي ذكرناها في يُفْعِلُ السابقة (مَوْزُونُهُ: فَرَّحَ يُفَرِّحُ تَفْرٍيحًا. وَعَلاَمَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ بِزِيَادَةِ حَرْفٍ وَاحِدٍ بَيْنَ الفَاءِ وَالعَيْنِ مِنْ جِنْسِ عَيْنِ فِعْلِهِ). (وَعَلاَمَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيهِ) يعني: الثلاثي في الأصل. (عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ بِزِيَادَةِ حَرْفٍ وَاحِدٍ بَيْنَ الفَاءِ وَالعَيْنِ) هنا حدد لك أن الحرف الزائد وقع بين الفاء والعين، وقيل: بين العين واللام. وهذا الحرف من جنس العين، كيف يعني من جنس العين؟ يعني: مثله إذا كان خاء فالحرف المزاد يكون خاءً، وإن كان فاء فالحرف المزاد يكون فاءً من جنسه فحينئذٍ إذا وزن في الميزان الصرفي يكون بماذا؟ كيف تزنه في مثل هذا؟ بالتضعيف أن نضعف العين أو اللام، خَرَجَ هذا على وزن فَعَلَ، فإذا أريد زيادته حرفًا من جنس عينه وهو الراء تكون ماذا؟ خَرَّجَ ماذا حصل؟ زدت راء ثانية، إما أن تكون الراء بين الخاء والراء بين الفاء والعين، وإما أن تكون بين الراء والجيم، فحينئذٍ اجتمع عندنا مثلان، الراء والراء، فوجب إدغام الأول في الثاني فقيل: خَرَّجَ على وزن فَعَّلَ، هنا المصنف اختار أن الحرف الزائد يكون بين الفاء والعين لأن أول المتجانسين يكون ساكنًا والساكن هو الأولى أن يكون مزادلاً لأن الأول مدغم في الثاني وعليه يكون الثاني متحركًا والأول ساكنًا ومعلوم أن الحرف المتحرك أقوى من الحرف الساكن فإذا قيل بالزيادة أيهما أولى؟ الأخف الأضعف أم الثقيل الأقوى؟
الأخف فحينئذٍ القول بأن الأول وهو الساكن أنه هو الزائد أولى من أن يقال بأن الثاني هو الزائد لماذا؟
لأن الأول قد أُدغم في الثاني وشرط الإدغام أن يكون الأول ساكنًا والثاني متحركًا فحينئذٍ القول بأن الأول هو الزائد هو أولى.


وقيل بين العين واللام لأن الزيادة بالآخر أنسب والغالب في لغة العرب أن تزيد حرفًا في الآخر ولا تزيد في الأول فحينئذٍ تعارض عندنا أمران ولذلك جَوَّزَ سيبويه الأمرين لتعارض الدليلين وإن كان أكثر الصرفيين على أن الحرف الثاني هو الزائد وليس بالحرف الأول بناءً على ما ذُكر من أن العرب إنما تزيد الثاني يعني: أن يكون الحرف متأخرًا أو أن يكون هو الآخر أنسب من القول بأنه هو السابق. وقال الخليل: هو الأول. وهذا مذهب الخليل [خالف أو] خالفه تلميذه سيبويه وجوز الأمرين والجمهور على أن الثاني هو المزاد (بِزِيَادَةِ حَرْفٍ وَاحِدٍ بَيْنَ الفَاءِ وَالعَيْنِ) بين فاء الفعل وعينه (مِنْ جِنْسِ عَيْنِ فِعْلِهِ) فيدغم الأول في الثاني (وَبِنَاؤُهُ لِلتَّكْثِيرِ غَالِبًا) يعني: لا دائمًا للتكثير وسيأتي أن التكثير قد يكون في الفعل وقد يكون في الفاعل وقد يكون في المفعول (وَبِنَاؤُهُ لِلتَّكْثِيرِ غَالِبًا) يعني: لا دائمًا. (وَهُوَ) أي: التكثير. (فِي الفِعْلِ) يعني قد يكون في الفعل (نَحْوُ: طَوَّفَ زَيْدٌ الكَعْبَةَ) هذا فيه إشكال لأنه طَوَّفَ الأصل أنه يتعدَّى بالباء طَوَّفَ زَيْدٌ بِالْكَعْبَة هذا الأصل لكن يبحث في المعاجم على سُمِعَ تعدِّيه أو لا؟ (طَوَّفَ زَيْدٌ الكَعْبَةَ) طوف بمعنى ماذا؟ التكثير هنا حصل في أي شيء؟ في زيد أو في الكعبة أو في الطواف؟ في الطواف، إذًا التكثير وقع هنا في الفعل ولذلك قال: (وَقَدْ يَكُونُ فِي الفَعْلِ). يعني: كثرة وقوع الحدث وتضعيفها يكون في الفعل (طَوَّفَ زَيْدٌ) إذًا زيد واحد وهو فاعل والكعبة واحد فحينئذٍ وقع التطواف كثيرًا دل عليه قوله: (فَعَّلَ). لأن فَعَّلَ يقع للتكثير أي كثرة الطواف لأن الفاعل واحد والمفعول به واحد ومثله: قَطَّعْتُ الثَّوْبَ. الثَّوْبَ واحد والفعل الذي هو التقطيع هو محل التكثير {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 31] ... (وَقَدْ يَكُونُ فِي الفَاعِلِ) يعني: قد يكون التكثير في الفاعل (نَحْوُ: مَوَّتَ الإِبْلُ) أي: كثر الموت في الإبل. (مَوَّتَ الإِبْلُ) يعني: الإبل هو الذي وقع عليه الموت فحينئذٍ الموت شيء واحد ومحل الموت الذي هو الإبل متعدد بتعدد أفراده وآحاده وأما الموت فهو شيء واحد حينئذٍ (مَوَّتَ) هذا على وزن فَعَّلَ ودل على التكثير إلا أن التكثير ليس في الفعل وإنما في محله وهو الفاعل حينئذٍ (الإِبْلُ) هنا أي: كثر الموت في الإبل. (وَقَدْ يَكُونُ فِي المَفْعُولِ نَحْوُ: غَلَّقَ زَيْدٌ الأبْوَابَ) في بعض النسخ الباب وليس بصواب ... (غَلَّقَ زَيْدٌ الأبْوَابَ) هنا التكثير في أي شيء في الفعل أو في الفاعل أو في المفعول؟


في المفعول، أي وقد التكثير في الأبواب، يعني الأبواب المغلقة كثيرة وليست بابًا واحدًا، ولذلك على بعض النسخ غَلَّقَ زَيْدٌ الْبَابَ لا يصح أن يكون التكثير في المفعول قد يكون في الفعل نفسه غَلَّقَ الْبَابَ يعني: شدد إغلاق الباب. ممكن أن يحصل هذا أن يكون التغليق إغلاق الباب فيه نوع تكثير ولكن المراد أن يكون الإغلاق أو التغليق هنا الكثرة في المفعول حينئذٍ لا بد أن يكون المحل متعددًا (مَوَّتَ الإِبْلُ) لا بد أن يكون الإبل متعددًا ... (غَلَّقَ زَيْدٌ الأبْوَابَ) لا بد أن يكون الأبواب متعدد وإلا كيف يقع التكثير؟
إذًا نقول كما ذكر المصنف هنا (فَعَّلَ يُفَعِّلُ تَفْعِيْلاً) ذكر أن التفعيل مصدر لِفَعَّلَ، هذا متى؟ نقيده أيضًا إذا كان الفعل صحيحًا غير مهموز لأنه ليس على إطلاقه ليس كل ما كان على وزن فَعَّلَ يكون المصدر منه على التفعيل بل لا بد من تقييد، فمصدر فَعَّلَ الْمَقِيس إن كان فَعَّلَ صحيحًا غير مهموز فهو التفعيل قَدَّسَ تَقْدِيسًا كَلَّمَ تَكْلِيمًا {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164] ويأتي أيضًا على فِعَّال بكسر الفاء وتشديد العين {وَكَذَّبُواْ} كَذَّبَ فَعَّلَ {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً} [النبأ: 28] فِعَّالَ، إذًا جاء على ماذا؟ على فِعَّالَ. وقُرِأَ (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَاباً) بالتخفيف فيجيء أيضًا على فِعَال دون فِعَّال إذًا كم هذه {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً} جاء على التَّفْعِيل، وجاء على فِعَّال {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً} وجاء على فِعَال بكسر الفاء وتخفيف العين، وقرأ أيضًا الآية بهذا السابق.
وإن كان معتلاً فمصدره كذلك لكن تحذف ياء التَّفْعِيل ويُعَوَّضُ عنها التاء فيصير المصدر تَفْعِلَةً تَفْعِيل احذف الياء وعَوِّض عنه التاء صار تَفْعِلَةً، ذَكَّى تَذْكِيَةً تَفْعِلَةً وندر مجيئه بدون تاء.
باتت تنزي دلوها تنزيَّا ... كما تنزي شهلة صبيَّ (1)

يعني: ليس لإقام الصلاة الأصل هناك إقامة الصلاة هذا الأصل وندر مجيئه بدون تاء هنا كذلك الأصل فيما هو معتل أن يأتي على تَفْعِلَةً وقد يأتي على تَفْعِل بدون تاء وإن كان مهموزًا فمصدره يأتي على التَّفْعِيل والتَّفْعِلَة يأتي على النوعين خَطَّأَ تَخْطِئَةً وَتَخْطِيئًا فيه الاثنان، تَخْطِيئًا تَفْعِيلاً وتَخْطِئَةً تَفْعِلَةً، وجَزَّأَ تَجْزِيئًا تَفْعِيلاً وتَجْزِئَةً.
إذًا نقول: مصدر (فَعَّلَ يُفَعِّلُ تَفْعِيْلاً) المصنف أطلق أن التَّفْعِيل يكون لِفَعَّلَ مُطْلَقًا والصواب التفصيل، أن التَّفْعِيل فقط دون التَّفْعِلَة إنما يكون للصحيح غير المهموز وأما ما كان معتلاً فتحذف الياء ويعوض عنها تاء التأنيث فيكون على تَفْعِلَةٍ، والمهموز يأتي على التَّفْعِيل والتَّفْعِلَة، ويزاد على الصحيح غير المهموز نوعان: فِعَّال، وَفِعَال. ومثله أو قوله تعالى: ... {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً}.
__________
(1) العين للخليل (3/ 401)، وشرح ابن عقيل (3/ 128)، والخصائص لابن جني (2/ 320).


ذكر المصنف معنًى واحدًا من معاني فَعَّلَ وهو التكثير وسبق بيانه ويأتي أيضًا للتعدية فَرِحَ زيدٌ اجعله من باب فَعَّلَ تقول: فَرَّحْتُ زَيْدًا. صار ماذا؟ مثل أَخْرَجْتُ زَيْدًا خَرَجَ أَخْرَجْتُ زَيْدًا فَرِحَ فَرَّحْتُ زيدًا إذًا صار متعديًا، إذًا يأتي التضعيف فَعَّلَ للتعدية فَرَّحْتُهُ وَخَرَّجْتُهُ وَعَلَّّمْتُهُ وَفَهَّمْتُهُ ما كان متعدَّيًا لواحدًا يتعدى إلى اثنين.
الثالث: نسبة المفعول إلى أصل الفعل نحو: كَذَّبْتُهُ. يعني: نسبته إلى الكذب. فَسَّقْتُهُ نسبته إلى الفسق، كَفَّرْتُهُ نسبته إلى الكفر، نعم صحيح فَسَّقْتُهُ، بَدَّعْتُهُ، يعني: نسبته إلى ما اشتق منه المصدر.
الرابع: السلب قَرَّدْتُ الْبَعِيرَ وجَلَّدْتُهُ أي: أزلتُ قُرَادَهُ. قَرَّدْتُ البعير أي أَزَلْتُ قُرَادَهُ. جَلَّدْتُهُ أي: أزلت جلده. ومنه قَشَّرْتُ الفاكهة بمعنى أزلت قشرها قَشَّرْتُ الفاكهة [مش المراد هذا] بمعنى أزلت قشرها، السلب هذا.
الخامس: التوجه. نحو ما أُخِذَ الفعل منه، توجه إلى ما أخذ الفعل منه، تقول: شَرَّقَ خالد بمعنى اتجه نحو الشرق، غَرَّبَ محمد بمعنى اتجه نحو الغرب.
تأتي أيضًا لاختصار حكاية المركب هَلَّلَ هذا اختصار لقول: لا إله إلا الله. كَبَّرَ الله أكبر، سَبَّحَ إذًا جاء اختصارًا لحكاية المركب وقد يجيء فَعَّلَ مثل فَعَلَ في المعنى مثل ما جاء أَفْعَلَ مثل فَعَلَ في المعنى ولكنه قليل، قَطَبَ وَجْهُهُ أو وَجْهَهُ وقَطَّبَهُ بمعنى واحد وَفَتَشَ الْمَتَاعَ وَفَتَّشَهُ بمعنى واحد.
(البَابُ الثَّالِثُ: فَاعَلَ يُفَاعِلُ مُفَاعَلَةً وَفِعَالاً وَفِيعَالاً). (فَاعَلَ يُفَاعِلُ مُفَاعَلَةً وَفِعَالاً وَفِيعَالاً) ذكر كم مصدر المصنف هنا؟ ثلاثة ظاهره أن الثلاثة كلها مقيسة وليس كذلك، بل الأول هو المقيس (وَفِعَالاً وَفِيعَالاً) الأصل فيهما السماع بل قيل فِيعَال بالياء هذا أصل أنه يكون في ضرورة الشعر دون النثر، إذًا الباب الثالث أو النوع الثالث من الثلاثي الذي زيد عليه حرف واحدٌ (فَاعَلَ) بزيادة الألف بين الفاء والعين مضارعه (يُفَاعِلُ) بضم الياء لما سبق، مصدره (مُفَاعَلَةً) قال: (وَفِعَالاً وَفِيعَالاً). من هذا تأخذ أن المصدر قسمان لباب فَاعَلَ قياسي وهو مُفَاعَلَةً وسماعي وهو: فِعَالاً وفِيعَالاً. وَفِيعَالاً هذا الأصل فيه أنه ناشئ عن فِعَال بكسر الفاء يعني: أشبعت الكسرة فتولدت عنها الياء، الإشباع هو أن تشبع الكسرة فتتولد عنها الياء أو تشبع الفتحة فتتولد عنها الألف أو الضمة فتتولد عنها الواو.
هجوت زبان ثم جئت معتذرًا ... من هجو زبان لم تهجو ولم تدع (1)
__________
(1) [لم تَهجُو ولم تَدَع] الشاهد أورده البدر في ((توضيح المقاصد)) (1/ 335) وقال محققه: قال العيني في شرح الشواهد (1/ 234): لم أقف على اسم قائله، وفي نشأة النحو ص 59 قائله أبو عمرو بن العلاء للفرزدق، وهو من البسيط.
وكذا أورده في ((شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب)) وقال محققه: جزء بيت من البسيط، ينسب لأبي عمرو بن العلاء، يخاطب به الفرزدق وكان الفرزدق قد هجاه، ثم اعتذر إليه، والبيت بتمامه:

هجوتَ زبّان ثم جئت معتذرًا ... من هجوِ زبَّان لم تهجو ولم تدع
و (زبّان) اسم أبي عمرو بن العلاء على الصحيح.
وقد نسب له هذا البيت في نزهة الألباء ص 31 ومعجم الأدباء (11/ 158).
والبيت من شواهد معاني القرآن للفراء (1/ 162)، والإنصاف (1/ 24)، والأمالي الشجرية (1/ 85)، وشرح المفصل (10/ 104)، وضرائر الشعر ص 45، وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 59، والارتشاف (3/ 277)، وتوضيح المقاصد (1/ 118)، والعيني (1/ 234)، والتصريح (1/ 87)، وهمع الهوامع (1/ 52)، وشرح الأشموني (1/ 103)، وشرح شواهد الشافية ص 406.
والشاهد إثبات حرف العلة وهو الواو في (تهجو) مع وجود الجازم.
وأورده كل من عباس حسن في النحو الواضح (1/ 185).


قيل: الواو هذه إشباع لم تهجو لم حرف جزم وتهجو مثل تدعو لا بد أن يكون مجزومًا بحرف العلة والواو هنا مذكورة تهجو؟ قالوا: هذه الواو للإشباع. تهجو أصل الجيم مضمومة دليل على الواو المحذوفة حينئذٍ هذه الواو ليست أصلاً وإنما هي مزيدة.
إذا العجوز غضبت فطلِّقِ ... ولا تَرَضَّاهَا ولا تَمَلَّقِ (1)

إذا العجوز غضبت فطلق ولا تَرَضَّاهَا، الألف هذه للإشباع أشبعت ... [الألف] الفتحة ألفًا.
ألم يأتيك والأنباء تَنْمِي ... بما لاقَتْ لَبُون بَنِي زياد (2)

ألم يأتِكَ هذا الأصل لكن الشاعر يقول: ألم يأتيك. بإثبات الياء، واللام هذه حرف جزم، تقول: هذا جاء للإشباع أصلها كسرة هنا فِيعَال هذه بإشباع الكسرة وأصلها فِعَال حينئذٍ قِتَال قِيتَال أُشْبِعَتْ الكسرة فتولدت عنها الياء فليس وزنًا مستقلاً، إذا قيل بأن الياء هنا ليست من المصدر وإنما هي إشباع الكسرة فحينئذٍ لا يقال بأنه وزنٌ قياسي بل لا يقال: إنه وزن مستقل عن السابق. بل هو عين الأول فِعَال هو عينه فِيعَال ولكنه تفرع عنه بإشباع الكسرة.
إذًا مُفَاعَلَةً هذا هو المصدر القياسي وَفِعَالاً وَفِيعَالاً هذا موقوفان على السماع والأصل فِعَال والفِعَال هذا ناشيء عنه بإشباع الكسرة ولذلك سُمِعَ في بعضها دون بعض، يقال مثلاً كما قيل هنا ولذلك يقال (قَاتَلَ يُقَاتِلُ مُقَاتَلَةً) هذا المصدر قياسي (قِتَالاً) هذا مصدر سماعي قِتَالاً (وَقِيتَالاً) هذا ناشئ عن الأول الدليل على أنه مُفَاعَل هو القياس أن كل باب فَاعَلَ قَاتَلَ له مصدر على مُفَاعَلَة وليس كل ما جاء منه مُفَاعَلَةً فله فِعَال ليس كل ما سُمِعَ فيه مُفَاعَلةً فحينئذٍ سُمِعَ فيه فِعَال أليس كذلك؟ فدل ذلك على ماذا؟ دل على أن الأصل هو الْمُفَاعَلَة، وأن الفِعَاَل وَالْفِيعَال هذان موقفان على السماع (قَاتَلَ يُقَاتِلُ مُقَاتَلَةً وَقِتَالاً وَقِيتَالاً) ولذلك ليس كل أيضًا ما سمع فيه قِتَال سمع فيه قِيتَال لأن الإشباع ليس مفتوحًا لكل متكلم الإشباع تشبع الكسرة ياءً بالنقل بالسماع لأن المصادر كلها سواء عللناها بإنها سماعية أو قلنا قياسية لا بد من السماع يعني لا بد من النقل عن العرب، ولذلك سُمِعَ جَاهَدَ يُجَاهِدُ مُجَاهَدَةً وَجِهَادًا ولم يسمع جِيهَاد ما سمع خَاصَمَ يُخَاصِمُ مُخَاصَمَةً وَخِصَامًا ولم يسمع خِيصَامًا، إذًا هل نقول: خِيصَاما؟ ما نقول هذا لماذا؟ لعدم السماع.
(وَعَلاَمَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ بِزِيَادَةِ الأَلِفِ بَيْنَ الفَاءِ وَالعَيْنِ) والألف هذه تسمى ألف الْمُفَاعَلَة، والمراد بالْمُفَاعَلَة كما ذكرها هنا بقوله:
__________
(1) اللباب في علل البناء (2/ 109)، والخصائص لابن الجني (1/ 307)، وسر صناعة الإعراب (1/ 78)، والإنصاف لابن الأنباري، وشرح الرضي على الكافية (4/ 25)، وشرح الشافية (3/ 185)، (4/ 409).
(2) كتاب سيبويه (3/ 316)، شرح شذور الذهب للجوجري (1/ 222)، وسر صناعة الإعراب لابن جني (1/ 78)، (2/ 631)، وشرح الرضي على الكافية (4/ 26)، وشرح شافية ابن الحاجب (3/ 184)، (4/ 408)، ومغني اللبيب لابن هشام (1/ 146، 506).


(وَبِنَاؤُهُ). أي: بناء هذا الباب فَاعَلَ (لِلْمُشَارَكَةِ بَيْنَ الاِثْنَينِ غَالِبًا) كـ (قَاتَلَ زَيْدٌ عَمْرًا) فَاعَلَ (قَاتَلَ زَيْدٌ عَمْرًا) هذه حصلت المشاركة أو لا؟
حصلت المشاركة، كيف حصلت المشاركة قَاتَل، إذًا القِتَال هنا لا بد أن يكون بين اثنين (قَاتَلَ زَيْدٌ عَمْرًا) حصلت المشاركة من حيث إن الفعل أسند في الظاهر إلى فاعل اصطلاحًا وهو في المعنى أيضًا مفعول به، وجُعِلَ المفعول به منصوبًا على جهة الاصطلاح وهو في المعنى أيضًا فَاعِل إلا أن القتال هنا قَاتَلَ إذا قيل: قَاتَل. فلا بد من اثنين كل منهما فَاعِلٌ ومفعول في المعنى، كل منهما فاعل ومفعول إذا قلت: (قَاتَلَ زَيْدٌ عَمْرًا). زيدٌ هذا فاعل اصطلاحًا تقول: (قَاتَلَ) فعل ماضي، و (زَيْدٌ) فاعل وهو في المعنى هو مفعول به، و (عَمْرًا) هذا في الاصطلاح مفعول به وهو في المعنى فاعل، لأن كل منهما قَاتِل ومَقْتُول لا بد أنه حصل عليه شيء من الْمُقَاتَلَة، وأوضح تقول: ضَارَبَ زيدٌ عمرًا. ضَارَبَ فَاعَلَ ضَارَبَ زَيْدٌ عَمْرًا زَيْدٌ ضَارِب وَمَضْرُوب وعَمْرًا كذلك ضَارِب وَمَضْرُوب إذًا كل منهما في المعنى فَاعِل وَمَفْعُول لكن في الاصطلاح لا يمكن هذا، لا يمكن أن يكون للفعل فاعلان بل لا بد من فاعل واحد هذا مجرد الاصطلاح وإلا في المعنى يمكن أن يكون حدث له فاعلان مثل إيجاد الضرب هنا، فَضَرَبَ زَيْدٌ، زَيدٌ هذا في الاصطلاح فاعل وهو في الضمن يعني في المعنى مفعول به، وعَمْرًا هذا في الاصطلاح مفعول به وفي المعنى فاعل، غالبًا وقد يكون للواحد مثل سافر زيدٌ ليس عندنا مشاركة، هاجر عمرو ليس عندنا مشاركة دافع راقب ... إلى آخره عاقب زيد اللص ليس عندنا مشاركة بل هو من واحد.
(مِثَالُ المُشَارَكَةِ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ نَحْوُ: قَاتَلَ زَيْدٌ عَمْرًا. وَمِثَالُ الْوَاحِدِ نَحْوُ: قَاتَلَهُمُ اللهُ) إذًا المعنى الأول الذي يَرِدُ له فَاعَل هو الْمُفَاعَلَة الْمُشَارَكة وهي نسبة الحدث حدث الفعل الثلاثي إلى المرفوع بالقيام به متعلقًا بالمفعول صراحةً، وإلى المنصوب المفعول به للوقوع عليه متعلقًا بالفاعل ضمنًا على ما ذكرناه.
النوع الثاني أو المعنى الثاني الذي يأتي له مُفَاعَل على التكثير ضَاعَفْتُ أجره، مرادًا به التكثير كاثرت إحساني إليه.
الثالث: الموالاة. تَابَعْتُ القراءة، يعني وَالَيْتُ بين القراءة. تَابَعْتُ القراءة وَوَالَيْتُ الصَّوْم أي: تابعت بين الصوم. هذه ثلاث معاني مشهورة لباب فَاعَل إذًا الباب الثالث من النوع الأول من الثلاثي المجرد الذي زيد عليه حرف واحد هو باب فَاعَلَ حينئذٍ تتم الأبواب ثلاثةً.
فالنوع الأول: ما زيد على الثلاثي المجرد حرف واحدٌ ثلاثة أبواب: باب أَفْعَلَ ويسمى باب الإِفْعَال (أَفْعَلَ يُفْعِلُ إِفْعَالاً، مَوْزُونُهُ: أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا).
(البَابُ الثَّانِي) باب (فَعَّلَ) ويُسمَّى باب التَّفْعِيل (فَعَّلَ يُفَعِّلُ تَفْعِيْلاً، مَوْزُونُهُ: فَرَّحَ يُفَرِّحُ تَفْرٍيحًا).


(البَابُ الثَّالِثُ: فَاعَلَ) ويُسمى باب الْمُفَاعَلَة بالنسبة إلى المصدر ... (فَاعَلَ يُفَاعِلُ مُفَاعَلَةً) وإلى هنا تقف، وتزيد (وَفِعَالاً وَفِيعَالاً) سماعًا ... (مَوْزُونُهُ قَاتَلَ يُقَاتِلُ مُقَاتَلَةً وَقِتَالاً وَقِيتَالاً).
ونقف على هذا.
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.