أسد الغابة في
معرفة الصحابة، ط الفكر ـ[أسد الغابة]ـ
المؤلف: عز الدين بن الأثير أبو الحسن علي بن محمد الجزري
(ت 630)
الناشر: دار الفكر - بيروت
عام النشر: 1409هـ - 1989م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
(0/0)
[المجلد الأول]
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله
وصحبه ومن اتبع هداه وبعد فإن الأمم الحية الناهضة تهتم
بتاريخها، وتعتنى بدراسته دراسة فاحصة تكشف كل ما تضمنه من
آثار وأسرار وأخبار، وتجلو ما فيه من عبر ينتفع بها أولو
الأبصار.
وليس ذلك لونا من ألوان الترف الفكرى، وإنما هو ضرورة
تقتضيها مصلحة الأمة ربطا للحاضر بالماضي وليكون بناء
المجتمع على أساس متين.
وأمة العرب أمة ناهضة ازدهر تاريخها منذ الإسلام، وكان لها
في قارات العالم أثر أي أثر، كان لها أثر في آسيا وفي
إفريقيا وفي أوربا، لقد حملت إلى هذه القارات مشاعل
الهداية والعلم، والحضارة والمدنية، حملت إليها الرسالة
المحمدية بكل مبادئها وتعاليمها وفضائلها ومثلها، وأثرت
فيها تأثيرا كبيرا.
والشخصيات التي حملت هذا العبء بعد صاحب الرسالة هي شخصيات
الصحابة أولئك الذين كانوا مفخرة العالم، وهداة الإنسانية،
وروادها الأفاضل.
ولا عجب فقد كان لهم الفضل عليها حين حملوا إليها تعاليم
الرسالة وصورة الرسول متمثلة في أقوالهم وأفعالهم
ورواياتهم.
لقد كان كل منهم يحرص على أن يحاكيه في حركاته وسكناته
وكلماته.
كان كل منهم يحرص على أن يعيش في ظلال صاحب الرسالة ليذكر
بذكره، ويحظى بشرف الانتساب إليه لقد خرّجت المدرسة
المحمدية في سنوات قليلة لم تزد على ثلاثة وعشرين عاما
تلاميذ يعدون بالآلاف، لم يستطع التاريخ المنصف على الرغم
من كثرتهم ووفرتهم أن يتجاهل واحدا منهم حتى أولئك الذين
لم يبلغوا الحلم بل جاء إليهم حاني الرأس في إجلال وإكبار
يفتش عن أخبارهم وينقب عن آثارهم، ويتعمق في البحث عن
أسرار حياتهم.
ولم توجد مدرسة في الدنيا قديما ولا حديثا اهتم التاريخ
بتقصى أخبار جميع أبنائها صغارا وكبارا غير المدرسة
المحمدية، فهي وحدها التي عنى بها التاريخ وظفر جميع
المنتسبين إليها باهتمامه البالغ.
(1/3)
فضل الصحابة والكتب
التي الفت فيهم
يكفى الصحابة تنويها بهم وإشادة بفضلهم قوله تعالى:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ
عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً
سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا من الله وَرِضْواناً
سِيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ من أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ
مَثَلُهُمْ في التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ في الْإِنْجِيلِ
كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ
فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ
بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً
عَظِيماً 48: 29 سورة الفتح- 29 لِلْفُقَراءِ
الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا من دِيارِهِمْ
وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا من الله وَرِضْواناً
وَيَنْصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ
وَالْإِيمانَ من قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ من هاجَرَ
إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا
أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ
بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جاؤُ من بَعْدِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ في
قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ
رَؤُفٌ رَحِيمٌ 59: 8- 10 سورة الحشر 8- 10
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ من الْمُهاجِرِينَ
وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ
رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها
أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 9: 100 سورة التوبة-
100 ويكفى الصحابة تكريما قول النبي صلّى الله عليه وسلم:
«الله الله في أصحابى لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم
فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني
ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه» أخرجه
ابن حبان في صحيحه وأخرجه أيضا الترمذي 2- 319 وبشرح ابن
العربيّ 13- 244 عن عبد الله بن مغفل وقوله صلّى الله عليه
وسلم:
«لا تسبوا أصحابى» لا تسبوا أصحابى، فو الّذي نفسي بيده،
لو أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا
أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» أخرجه مسلم عن أبى هريرة 4- 1967
وأخرجه ابن ماجة ولفضل الصحابة الّذي نوه به الكتاب وأشادت
به السنه اهتم العلماء من قديم بضبط أسمائهم وتاريخهم، وقد
ألف في الصحابة:
1- الإمام أبو الحسن على بن عبد الله شيخ البخاري المولود
سنة 161، المتوفى سنة 234.
2- الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، صاحب الصحيح المولود
سنة 194 المتوفى سنة 256.
(1/4)
3- محمد بن سعد بن منيع الزهري، صاحب
الطبقات، المولود سنة 168 المتوفى سنة 230.
4- خليفة بن خياط المحدث النسابة، المتوفى سنة 240.
5- يعقوب بن سفيان الفسوي، المتوفى سنة 277.
6- أبو بكر بن أبى خيثمة، المتوفى سنة 279.
7- الإمام محمد بن عبد الله بن عيسى المروزي، المولود سنة
220 والمتوفى سنة 293، 8- مطين الحافظ أبو جعفر محمد بن
عبد الله بن سليمان الحضرميّ، المولود سنة 202، والمتوفى
سنة 297.
9- عبدان الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن موسى بن
زياد الأهوازي، المتوفى سنة 306.
10- الحافظ أبو بكر عبد الله بن أبى داود، المتوفى سنة
316.
11- الحافظ البغوي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز،
المتوفى سنة 330.
12- الحافظ بن قانع عبد الباقي بن قانع بن مرزوق بن واثق،
المولود سنة 265، والمتوفى سنة 351 بدمشق.
13- الحافظ بن السكن أبو على سعيد بن عثمان بن سعيد بن
السكن، المتوفى سنة 353.
14- الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان البستي، المتوفى سنة
354.
15- الحافظ الطبراني سليمان بن أحمد، المتوفى سنة 360.
16- الحافظ أبو حفص عمر بن أحمد المعروف بابن شاهين،
المتوفى سنة 385، بقي أربعة أئمة أعلام يلزمنا أن نقف
عندهم وقفة قصيرة وهؤلاء هم:
1- محمد بن يحيى بن إبراهيم (مندة) بن الوليد بن سندة بن
بطة بن استندار واسمه (فيرازان) بن جهار يخت العبديّ
مولاهم الأصبهاني أبو عبد الله جد الحافظ أبى عبد الله
محمد بن إسحاق. روى عن لوين وأبى كريب وخلق وحدث عنه
الطبراني وغيره، وكان من الثقات وتوفى سنة 301.
2- أبو نعيم: أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، حافظ من
الثقات في الحفظ والرواية. ولد ومات في أصبهان من تصانيفه:
حلية الأولياء، ومعرفة الصحابة ودلائل النبوة، وتاريخ
أصبهان، ولد سنة 336، ومات سنة 430 هـ.
(1/5)
4- أبو عمر يوسف بْن عَبْد اللَّه بن
مُحَمَّد بْن عَبْد البر النمري القرطبي المالكي، حافظ
المغرب، ولد بقرطبة سنة 368، ورحل رحلات طويلة، وولى قضاء
لشبونه وشنترين، وتوفى سنة 463 بشاطبه، وله كتاب الاستيعاب
في أسماء الأصحاب، لكنه لم يستوعب، وجمع فيه من ذكر باسمه
أو كنيته، أو حصل له فيه وهم وعدد من ذكر فيه 4225 على
ترقيم طبعة مكتبة نهضة مصر، وقد ذيل عليه أبو بكر بن فتحون
ذيلا حافلا بكثير من أسماء الصحابة الذين فاته أن يذكرهم،
وذيل آخرون ذيولا أخرى لطيفه.
4- أبو موسى محمد بن عمر بن أحمد الأصبهاني المديني، من
حفاظ الحديث، مولده ووفاته بأصبهان، وإليها ينتسب كما في
وفيات الأعيان. رحل إلى بغداد وهمذان، ولد سنة 501 ومات
سنة 581، وقد ألف ذيلا كبيرا على كتاب ابن مندة مشتملا على
أسماء الكثيرين من الصحابة.
ابن الأثير وكتابه أسد الغابة
بعد هؤلاء طلع علينا ابن الأثير بكتابه المعروف باسم «أسد
الغابة» فاعتمد في تأليفه على كتب الذين سبقوه ولا سيما
مؤلفات الأربعة الذين تحدثنا عنهم آنفا، فقد اعتمد عليها
لكنه أضاف أسماء كثير من الصحابة إليها.
يقول الحافظ بن حجر: «في أوائل القرن السابع جمع عز الدين
بن الأثير كتابا حافلا سماه أسد الغابة جمع فيه كثيرا من
التصانيف المتقدمة» .
وفي كتاب أسد الغابة تراجم ل 7554 صحابى.
ميزات أسد الغابة
لكتاب أسد الغابة ميزات أهمها:
1- أنه رتب تراجم الصحابة ترتيبا دقيقا حسب حروف الهجاء
التي يبتدئ بها كل اسم مثبتا مراجعة التي نبه عليها بالرمز
ومراجع أخرى كثيرة في مختلف العلوم ذكرها بالاسم وصنيعه
هذا يشهد بأن العرب كانوا أسبق من الأوربيين في تنسيق
الحقائق العلمية وتبويبها وترتيبها وإثبات مصادرها فأبطل
قول من يزعم أن المستشرقين والكتاب الأوربيين هم أصحاب
الفضل في ذلك. ولا شك أنه بهذا يسر على القارئ سبيل
الانتفاع بكتابه.
(1/6)
2- ضبط بالحروف الأسماء المتشابهة التي
تتفق رسما وتختلف نطقا.
3- شرح الكلمات الغريبة التي وردت في ثنايا التراجم فوفر
على القارئ مئونة البحث عن الألفاظ الصعبة.
4- صوب بعض الأخطاء التي رأى أن من سبقه وقع فيها.
نعم ... لقد بذل ابن الأثير جهده في تحرير كتابه وتنسيقه،
وإذا كانت هناك بعض مؤاخذات هينة أخذت عليه، فذلك يتمشى مع
طبيعة البشر، فالكمال للَّه وحده وصدق الله العظيم إذ
يقول: «وَلَوْ كانَ من عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا
فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً 4: 82» .
ويرحم الله ابن الأثير، فقد قال في خطبة كتابه معتذرا عن
ذلك «وما يشاهده الناظر في كتابي هذا من خطأ ووهم فليعلم
أنى لم أقله من نفسي، وطنما نقلته من كلام العلماء وأهل
الحفظ والإتقان، ويكون الخطأ يسيرا إلى ما فيه من الفوائد
والصواب، ومن الله سبحانه أستمد الصواب في القول والعمل.
فرحم الله امرأ أصلح فاسده، ودعا لي بالمغفرة والعفو عن
السيئات وأن يحسن منقلبنا إلى دار السلام عند مجاورة
الأموات والسلام» .
ترجمة ابن الأثير
في بيئة دينية عريقة في التدين، وبين أسرة علمية أصيلة في
العلم، نشأ عز الدين أبو الحسن على بن أبى الكرم محمد بن
محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن
الأثير الجزري، والجزري نسبة إلى جزيرة ابن عمر وهي- كما
في المراصد 1/ 333- بلدة فوق الموصل بينهما ثلاثة أيام،
لها رستاق مخصب يحيط بها دجلة إلا من ناحية واحدة شبه
الهلال، فعمل له خندق أجرى فيه الماء فأحاط الماء بها
وسميت بذلك نسبة إلى يوسف بن عمر الثقفي أمير العراقين أو
عبد العزيز بن عمر من أهل برقعيد أو أوس وكامل ابني عمر
كما في وفيات الأعيان 3/ 35. كان والده ثريا يمتلك عدة
بساتين بقرية العقيمة- إحدى قرى جزيرة ابن عمر- وكان يملك
قرية يقال لها (قصر حرب) بجنوب الموصل، وكان يشتغل
بالتجارة إلى جانب وظائفه الحكومية في جزيرة ابن عمر
التابعة للموصل. فقد كان رئيس ديوانها ونائب وزير الموصل
فيها.
له أخوان أحدهما أكبر منه وهو (مجد الدين أبو السعادات)
المبارك، ولد سنة 544 وتوفى سنة 606. وهو أحد العلماء
الأفذاذ له كتاب (جامع الأصول في أحاديث الرسول) ، وكتاب
(النهاية في غريب الحديث والأثر) . والآخر أصغر منه، هو
(ضياء الدين أبو الفتح) نصر الله، ولد سنة 558 وتوفى سنة
637. كان من ذوى
(1/7)
النبوغ في العلوم الادبية، وله كتب قيمة
منها (المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر) و (الوشي
المرقوم في حلى المنظوم) .
أما صاحبنا عز الدين، فقد كان واسطة العقد، ولد في الجزيرة
سنة 555، هـ ومات بالموصل سنة 630 هـ. وكان له باع في
التاريخ، ألف في التاريخ العام كتاب (الكامل) وهو مرجع مهم
في تاريخ الحملات الصليبية التي شاهد بعضا منها إلى وفاته،
وفي كتابه (الكامل) تحدث أيضا عن هجوم التتار وكأنه كان
على موعد مع الحملات التي شنت على بلاد الإسلام من الشرق
ومن الغرب.
وألف في التاريخ الخاص كتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة)
. وكتابه هذا يعلن عن سعة اطلاعه، ومعرفته بالأخبار،
وغرامة بالبحث ودقته في النقد، وأصالته في التأليف.
4 من ربيع الآخر 1390 9 من يونيو 1970 (المحققون)
(1/8)
|