كتاب الأربعين
في مناقب أمهات المؤمنين بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله مسهل مَا صَعب من الْأُمُور الكائنات فاتح
فاتحه الْفتُوح الميسرات المبشر فتحهَا بتطهير الأَرْض
المقدسة من دنس الْكفْر والضلالات بطاهر سريرة مَالِكهَا
وَنصر مَالك الأَرْض وَالسَّمَوَات المتقدس عَن الْحَدث
وَالنُّقْصَان والآفات الْمُسْتَحق لكَمَال النعوت
وَالصِّفَات المسبح بصنوف اللُّغَات الْمَحْمُود على
جَمِيع الْأَفْعَال والحالات أَحْمَده على ترادف نعْمَة
السابغات وترافد مننه السائغات حمدا دَائِما على ممر
الْأَوْقَات والساعات
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ
شَهَادَة منزهة عَن الشَّك والشبهات وَأشْهد أَن
مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله (2 ب) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
استخرجه من أشرف الأباء والأمهات وابتعثه بالمعجزات
البالغات والآيات والحجج الواضحات وَختم بِهِ النُّبُوَّة
والرسلات وَخَصه بِأَفْضَل النِّسَاء والزوجات وشرفه
بتحريمهن على الْمُؤمنِينَ بعد الْوَفَاة فأضاء بِنور
رسَالَته حنادس الظُّلم والظلمات وانجلى بشمس مقَالَته
سَحَاب الْكفْر والغوايات وأعز دينه بِأَصْحَابِهِ وَأَهله
الَّذين هم لأمته كَالنُّجُومِ السائرات
فصلى الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أفضل الصَّلَوَات وعَلى
أَزوَاجه الطَّيِّبَات الطاهرات المنزهات عَن قَول أهل
الْإِفْك المبرآت وَسلم كثيرا إِلَى يَوْم الدّين وَنشر
الْعِظَام الباليات
(1/31)
أما بعد فَإِنِّي لما رَأَيْت جمَاعَة من
الْأَئِمَّة الأجلاء والسادة الْعلمَاء رَحِمهم الله صنفوا
كثيرا (3 أ) من الأربعينات فِي فنون حسان وَمَعَان مختلفات
طَمَعا فِي الثَّوَاب الْمَوْعُود على ذَلِك كَمَا شهِدت
بِهِ الْأَحَادِيث وَورد فِي الرِّوَايَات
وَذَلِكَ فِيمَا أخبرنَا بِهِ عَمِّي الْإِمَامُ
الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ
هِبَةِ الله رَحْمَة الله عَلَيْهِ أناأبو بَكْرِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بن مُحَمَّد
الْأنْصَارِيّ بِبَغْدَاد وَأَبُو مُحَمَّد طَاهِر بن
سُهَيْل بن بشر بن الإسفرايني بِدِمَشْق قَالَا نَا أَبُو
بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ
أخبرنى مُحَمَّد بن جَعْفَر بن غيلَان الشُّرُوطِي نَا سعد
بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصَّيْرَفِي نَا مُحَمَّد بن
عُثْمَان بن أبي شيبَة نَا مُحَمَّد بن حَفْص الحرامي
كُوفِي نَا دُحَيْم الصَّيْدَاوِيُّ نَا أَبُو بكر بن
عَيَّاش عَن عَاصِم عَن زر عَن عبد الله قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم
(من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا يَنْفَعهُمْ الله
بهَا قيل لَهُ ادخل من أَي أَبْوَاب الْجنَّة شِئْت) (3 ب)
دُحَيْم هُوَ عبد الرَّحْمَن من بني الصيدا حَيّ من بني
أَسد لَا من صيدا الَّتِي على السَّاحِل كُوفِي وَمُحَمّد
الحرامي مَنْسُوب إِلَى أَبِيه من بني حرَام وزر هُوَ ابْن
حُبَيْش
وَقد رُوِيَ معنى هَذَا الحَدِيث من وُجُوه عَن عبد الله
بن عَبَّاس وَعَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ وَعَن أبي
الدَّرْدَاء وَعَن عبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل وَأبي
هُرَيْرَة وَغَيرهم رَضِي الله عَنْهُم
(1/32)
وَفِي بعض الرِّوَايَات
(من حفظ على أمتِي حَدِيثا وَاحِدًا يُقيم بِهِ سنة وَيرد
بِهِ بِدعَة فَلهُ الْجنَّة)
وَهَذِه الرِّوَايَات كلهَا فِيهَا مَا يدل على عظم ثَوَاب
نشر السّنة وقمع البدعه
وَقد أخبرنَا بذلك عَمِّي الْإِمَامُ الْحَافِظُ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَنا أَبُو الْقَاسِم زَاهِر بن طَاهِر بنيسابور
أَنا الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي أَنا
الْحَاكِم أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نَا أَبُو
عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الصفاني بمرو أَنا أَبُو
رَجَاء مُحَمَّد بن حمدوية (4 أ) نَا الْعَلَاء بن مسلمة
نَا إِسْمَاعِيل بن يحيى التَّمِيمِي عَن سُفْيَان
الثَّوْريّ عَن لَيْث عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم
(من أدّى إِلَى أمتِي حَدِيثا وَاحِدًا يُقيم بِهِ سنة
وَيرد بِهِ بِدعَة فَلهُ الْجنَّة)
وَهَذَا نَص قَاطع فِي حُصُول الثَّوَاب بِمُطلق الْأَدَاء
دون الْحِفْظ وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالْحِفْظِ هَهُنَا
ضبط تِلْكَ الْأَحَادِيث وتقييدها فِي الْكتب والمواظبة
على نقلهَا وإبلاغها حَتَّى لَا تندرس على ممر الْأَزْمَان
لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(قيدوا الْعلم بِالْكتاب)
وَهَذِه الْأَحَادِيث وَإِن كَانَ أَئِمَّة الصَّنْعَة
تكلمُوا فِي أسانيدها وَلَكِن فضل الله أعظم من ذَلِك وَقد
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم
(1/33)
(من بلغه عَن الله تَعَالَى شَيْء فِيهِ
فَضِيلَة فَأخذ بِهِ إِيمَانًا واحتسابا ورجاء ثَوَابه
آتَاهُ الله ذَلِك وَإِن لم يكن كَذَلِك وَالله أعلم)
4 - ب) فَأَحْبَبْت أَن أكون من جُمْلَتهمْ وَأدْخل فِي
زمرتهم ابْتِغَاء للثَّواب الجزيل وَالْأَجْر الْجَمِيل
وَلما فتح مَوْلَانَا الْملك النَّاصِر صَلَاح الدُّنْيَا
وَالدّين سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين مُحي دولة
أَمِير الْمُؤمنِينَ مَدِينَة حلب حرسها الله ولزمتني
المهاجرة إِلَى بَابه الشريف شاكرا لإنعامه السَّابِق
العميم ومهنئا بِهَذَا الْفَتْح الْعَظِيم رَأَيْت أَن
أقدم الى خدمته هَدِيَّة يعم نَفعهَا وَيبقى أجرهَا وَلما
لم أسمع أَن وَاحِدًا من الْعلمَاء صنف شَيْئا من مَنَاقِب
أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ مُفردا وَلَا رغب لجمعه من النَّاس
أحد أَحْبَبْت أَن يكون فِي هَذِه الدولة ذكر مناقبهن عوضا
عَمَّا مضى من سبهن وآثرت أَن أجمع فِي ذَلِك مُخْتَصرا (5
أ) وَإِن كَانَ فضلهن سَائِر مشتهرا وسميته
// كتاب الْأَرْبَعين فِي مَنَاقِب أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ
رَضِي الله عَنْهُن أَجْمَعِينَ
//
وقدمت فِيهِ مُقَدّمَة أذكر فِيهَا مَا خص بِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمر النِّكَاح وَمَا
أُبِيح لَهُ مِنْهُنَّ وَمِقْدَار عددهن وَمن دخل بهَا
وَمن طلق مِنْهُنَّ وَمن مَاتَت عِنْده وَمن مَاتَ عَنْهُن
ثمَّ أفرد لكل وَاحِدَة مِمَّن وَقع إِلَيّ فِي حَقّهَا
خبر خَاص تَرْجَمَة على تَرْتِيب تَزْوِيجه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِهن رَضِي الله عَنْهُن وأرضاهن راجيا فِي
ذلم حسن الْمَغْفِرَة وَالثَّوَاب والأمن من سوء الْعَذَاب
وعَلى الله أتوكل وَبِه أستعين وأسأله خير الْعلم
وَالْعَمَل وَالْيَقِين إِنَّه ولي الْمُتَّقِينَ
(1/34)
فَصْلٌ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ (5 ب)
إِلَى التِّسْعِ
وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَحِلُّ
لَهُ أَكْثَرَ مِنَ التِّسْعِ كَالْأَرْبَعِ فِي حَقِّنَا
لَأَنَّهُ مَاتَ عَنْهُنَّ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ زَادَ
عَلَيْهِنَّ مَعَ مُبَالَغَتِهِ فِي بَابِ النِّكَاحِ
وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ فِي حَقِّهِ كَالسَّرَارِي فِي
حَقِّنَا فَلَهُ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ
تَشْرِيفًا لَهُ وَتَوْسِيعًا عَلَيْهِ لِمَّا رَزَقَهُ
اللَّهُ مِنَ الْقُوَّةِ
وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِي انْحِصَارِ طَلَاقِهِ فِي
الثَّلَاثِ
وَجَازَ لَهُ النِّكَاحُ مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا
شُهُودَ عَلَى الصَّحِيحِ لَأَنَّ الْوَلِيَّ يُرَادُ
لِتْحَصِيلِ الْكَفَاءَةِ وَلَا كُفْءَ أَكْفَأَ مِنْهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا يَنْعَقِدُ
مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ لَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الشُّهُودِ
إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عِنْدَ الْجُحُودِ وَهُوَ لَا
يَجْحَدُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ لِتَوَقُّعِ جُحُودِ
الزَّوْجَةِ النِّكَاحَ
وَأُبِيحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَهْرٍ أَيْضًا وَبِلَفْظِ
الْهِبَةِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَامْرَأَةً
مُؤْمِنَةً إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} الْآيَةَ
وَأُبِيحَ لَهُ تَرْكُ الْقَسْمِ بَيْنَ نِسَائِهِ عَلَى
أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَكَانَ يَقْسِمُ عَلَيْهِنَّ
تَبَرُّعًا وَتَكَرُّمًا مُكَافَأَةً عَلَى
اخْتِيَارِهِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ دُونَ زِينَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَقَدْ كَانَ
(1/35)
وَجَبَ عَلَيْهِ تَخْيِيرُهُنَّ لِقَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعَكُنَّ
وَأُسَرِّحَكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} وَوَجَبَ إِرْسَالُ
مَنِ اخْتَارَتِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا صَوْنًا
لِمَنْصِبِهِ عَنْ أَنْ يَتَأَذَّى بِهِ أَحَدٌ
وَإِمْسَاكُ مَنِ اخْتَارَتْهُ وَاخْتَارَتِ اللَّهَ
وَالدَّارَ الْآخِرَةَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَا
يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ
بِهِنَّ من أَزوَاج} الْآيَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِالْآيَةِ
السَّابِقَة فِي النّظم (6 أ) وَهِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ
أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتيت أُجُورهنَّ} الْآيَةَ وَهَذَا
مِنْ عَجِيبِ النَّسْخِ وَلَمْ يُنْسَخْ فِي الْقُرْآنِ
عَلَى مِثَال سِوَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً
لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول} نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أشهر
وَعشرا} وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
لَمْ تُنْسَخْ آيَةُ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَتَحْرِيمِ
غَيْرِهِنَّ وَتَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ بِالْحَدِيثِ
أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ
أَرَادَ وَيُطَلِّقَ مَنْ أَرَادَ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ
أَنْ تكون لَهُ الْمِنَّة عَلَيْهِنَّ بإمسكهن مُقَابَلَةً
(1/36)
لِاخْتِيَارِهِنَّ لَهُ وَلَوْ وَجَبَ
عَلَيْهِ لَمَا كَانَ فِيهِ لَهُ مِنَّةٌ وَهَذَا عِلَّةُ
مَنْ قَالَ بِعَدَمِ وجوب الْقسم بَينهُنَّ وَوَجَب (7 أ)
عَلَى مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَرَغِبَ فِي نِكَاحِهَا أَنْ
يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا لِقِصَّةِ زَيْدٍ
وَمَنْ مَاتَ عَنْهَا حُرِّمَتْ عَلَى غَيْرِهِ إِكْرَامًا
لَهُ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَعْتَقِدُ ذَلِكَ سُبَّةً
وَعَارًا
وَهَلْ تُحَرَّمُ مُطَلَّقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجَهٍ أَحَدُهُمَا تُحَرَّمُ
كَالْمُتَوَفِّي عَنْهَا وَالثَّانِي لَا تُحَرَّمُ
لَأَنَّهُ زَهِدَ فِيهَا وَانْتَهَى النِّكَاحُ
نِهَايَتَهُ بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَإِنَّ أَحْكَامَ
النِّكَاحِ بَاقِيَّةٌ مَنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَجُوزُ
نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى زَوْجِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ
وَتُغَسِّلُهُ اتِّفَاقًا وَيُغَسِّلُهَا الزَّوْجُ عِنْدَ
الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ لَا يُغَسِّلُهَا بَلْ تُغَسِّلُهُ وَالثَّالِثُ
وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إِنْ بَنَى بِهَا فَلَا تَحِلُّ
لِغَيْرِهِ وَإِلَّا حَلَّتْ وَدَلِيلُهُ مَا نُقِلَ أَنَّ
عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَقِيلَ الْأَشْعُثُ بْنُ
قَيْسٍ تزوج مطلقته فَأنْكر علبه عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَأَرَادَ فَسْخَ نِكَاحِهِ فَقَالَ إِنَّهُ لَمْ
يَدْخُلْ بِهَا فَأَقَرَّ نِكَاحَهُ
(1/37)
فَصْلُ وَأَمَّا عَدَدُهُنَّ (عَدَدُ
أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
وَأَمَّا عَدَّدُهُنَّ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ كَثِيرًا
وَالَّذِي صَحَّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ إِحْدَى
عَشْرَةَ امْرَأَةً كُلَّهُنَّ بَنَى بِهِنَّ وَتَزَوَّجَ
غَيْرَهُنَّ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ وَقِيلَ بَنَى
بِثَلَاثَ عَشْرَةَ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ خَمْسَ عَشْرَةَ
امْرَأَةً وَقِيلَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي
تَسْمِيَّتِهِنَّ وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ
امْرَأَةً وَاخْتَلَفُوا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهِنَّ فَقِيلَ
رَيْحَانَةُ وَقِيلَ أَمُ شَرِيكٍ وَقِيلَ إِنَّ
رَيْحَانَةَ سُرِّيَةٌ وَأُمَّ شَرِيكٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ
بِهَا وَلَا دَخَلَ بِهَا وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللاتِي
وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي تَقْدِيمِ بَعْضِهِنَّ عَلَى
بَعْضٍ فِي التَّزْوِيجِ بِهِنَّ أَمَّا الْمُتَّفَقُ
عَلَى أَنَّهُ بَنَى بِهِنَّ
فَالْأُولَى خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزَّى الْقُرَشِيَّةُ وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ
بِنْتُ زَائِدَةَ بْنِ جُنْدُبٍ
(1/38)
وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ
خِلَافٍ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ عَشْرَةَ سَنَةً
وَكَانَتْ بِنْتُ أَرْبَعِينَ سنة وهوابن خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتُ أَبِي
هَالَةَ هِنْدِ بْنِ زَرَارَةَ بْنِ النَّبَّاشِ بْنِ
عَدِيِّ أَحَدِ بَنِي أُسَيْد بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ
وَقَبْلَهُ عِنْدِ عَتِيقِ بْنِ عَابِدٍ
وَهِيَ أُمُّ أَوْلَادِهِ كلهم سوى إِبْرَاهِيم بن
مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ فَوَلَدَتْ لَهُ الْقَاسِمَ
وَبِه كَانَ يكنى وعبد الله وَهُوَ الطَّاهِرُ
وَالطَّيِّبُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لَأَنَّهُ وُلِدَ فِي
الْإِسْلَامِ وَقِيلَ إِنَّ الطَّاهِرَ وَالطَّيِّبَ
اسْمَانِ لِابْنَيْنِ وَقِيلَ إِنَّ اسْمَهُمَا عَبْدُ
الْعُزَّى وَعَبْدُ مَنَافٍ وَوَلَدَتْ لَهُ مِنَ
النِّسَاءِ زَيْنَبَ وَرُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثُومَ
وَفَاطِمَةَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
تُوُفِّيَّتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَى
الْمَدِينَةِ وَقَبْلَ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِخْمَسٍ وَقِيلَ
بِثَلَاثِ سِنِينَ وَفِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا
أَبُو طَالِبِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَلِّبِ وَفِي كُلِّ
ذَلِكَ خِلَافٌ وَكَانَ عُمْرُهَا وَقْتَ (8 ب) وَفَاتِهَا
خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً وَقِيلَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ
فِي شَهِرَ رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ
وَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا أَحَدٌ مِنْ نِسَائِهِ
صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِنَّ وَقِيلَ زَوَّجَهَا مِنْهُ
أَبُوهَا وَقِيلَ عَمُّهَا عَمْرٌو
(1/39)
الثَّانِيَّةُ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ
ابْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ
نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ وَأُمُّهَا الشَّمُوسُ بِنْتُ قَيْسِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ بَنِي النَّجَّارِ
وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ فِي شَوَّالٍ
قَبْلَ مُهَاجَرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ
خَدِيجَةَ وَكَانَتْ تَحْتُ السَّكْرَانِ بْنِ عَمْرٍو
فَأَسْلَمَ وَتُوُفِّيَّ عَنْهَا
وَتُوُفِّيَّتْ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَخَمْسِينَ بِالْمَدِينَةِ
وَقِيلَ إِنَّهُ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ قَبْلَ سَوْدَةَ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي شَوَّالٍ إِلَّا
أَنَّهُ لَمْ يدْخل بعائشة الى بَعْدَ سَنَتَيْنِ أَوْ
ثَلَاثٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّ سَوْدَةَ
قَبْلَ عَائِشَةَ مَعْنَاهُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ
(1/40)
|