سير أعلام النبلاء، ط الرسالة

الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ مِنَ التَّابِعِيْنِ

117 - جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ * (ع)
ابْنِ الشَّهِيْدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ رَيْحَانَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسِبْطِهِ وَمَحْبُوبِهِ الحُسَيْنِ بنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ شَيْبَةَ، وَهُوَ عَبْدُ المُطَّلِبِ بنُ هَاشِمٍ، وَاسْمُهُ: عَمْرُو بنُ عَبْد مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ.
الإِمَامُ، الصَّادِقُ، شَيْخُ بَنِي هَاشِمٍ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، العَلَوِيُّ، النَّبَوِيُّ، المَدَنِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
وَأُمُّه: هِيَ أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ التَّيْمِيِّ.
وَأُمُّهَا: هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، وَلِهَذَا كَانَ يَقُوْلُ: وَلَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ مَرَّتَيْنِ.
وَكَانَ يَغضَبُ مِنَ الرَّافِضَّةِ، وَيَمقُتُهُم إِذَا عَلِمَ أَنَّهُم يَتَعَرَّضُوْنَ لِجَدِّهِ أَبِي بَكْرٍ ظَاهِراً وَبَاطِناً، هَذَا لاَ رَيْبَ فِيْهِ، وَلَكِنَّ الرَّافِضَّةَ قَوْمٌ جَهَلَةٌ، قَدْ هَوَى بِهِمُ الهَوَى فِي الهَاوِيَةِ، فَبُعداً لَهُم.
وُلدَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ.
وَرَأَى بَعْضَ الصَّحَابَةِ، أَحْسِبُهُ رَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَسَهْلَ بنَ سَعْدٍ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ - وَرِوَايَتُه عَنْهُ فِي (مُسْلِمٍ)- وَجَدِّه؛ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمُسْلِمِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَغَيْرِهِم، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ إِلاَّ عَنْ أَبِيْهِ.
وَكَانَا مِنْ جِلَّةِ عُلَمَاءِ المَدِيْنَةِ.
__________
(*) تاريخ خليفة (424)، طبقات خليفة (269)، تاريخ البخاري: 2 / 198، التاريخ الصغير 2 / 91، الطبري حوادث سنة (145)، الجرح والتعديل 2 / 487، مشاهير علماء الأمصار (127)، حلية الأولياء 3 / 192، وفيات الأعيان 1 / 327 - 328، الكامل في التاريخ حوادث سنة (145)، تهذيب الكمال: (202)، تذهيب التهذيب 1 / 109 / 1، تاريخ الإسلام 6 / 45، ميزان الاعتدال 1 / 414 - 415، تذكرة الحفاظ 1 / 166، تهذيب التهذيب 2 / 103 - 105، خلاصة تذهيب الكمال (63)، شذرات الذهب 1 / 20

(6/255)


حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُوْسَى الكَاظِمُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ - وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَمَّارٍ الدُّهْنِيُّ، وَابْنُ إِسْحَاقَ - فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَقْرَانِهِ - وَسُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَوَهْبُ بنُ خَالِدٍ، وَحَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَيَّاشٍ - أَخُو أَبِي بَكْرٍ - وَزُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَزَيْدُ بنُ حَسَنٍ الأَنْمَاطِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ سُفْيَانَ الأَسْلَمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عِمْرَانَ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ فَرْقَدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ ثَابِتٍ البُنَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَمُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ الدَّرَاوَرْدِيَّ يَقُوْلُ:
لَمْ يَروِ مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرٍ حَتَّى ظَهَرَ أَمرُ بَنِي العَبَّاسِ.
قَالَ مُصْعَبٌ: كَانَ مَالِكٌ يَضُمُّه إِلَى آخَرَ.
وَقَالَ عَلِيٌّ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ:
أَملَى عَلَيَّ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَدِيْثَ الطَّوِيْلَ -يَعْنِي: فِي الحَجِّ (1) - ثُمَّ قَالَ: وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ (2) ، مُجَالِدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ.
قُلْتُ: هَذِهِ مِنْ زَلقَاتِ يَحْيَى القَطَّانِ، بَلْ أَجْمَعَ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ عَلَى أَنَّ جَعْفَراً أَوْثَقُ مِنْ مُجَالِدٍ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِ يَحْيَى.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ حَكِيْمٍ: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: جَعْفَرٌ مَا كَانَ كَذُوباً.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ فِي
__________
(1) أخرجه مسلم (1218) في الحج، باب حجة النبي، عليه السلام، وهو حديث طويل جدا.
وصف فيه جابر، رضي الله عنه، ما شاهده من أفعال النبي عليه السلام، وأقواله في حجة الوداع، من تحوله إلى المدينة وحتى نهاية أداء الفريضة.
وقد فاته أشياء ذكرها غيره من الصحب، رضوان الله عليهم.
(2) زيادة من التهذيب.

(6/256)


مُنَاظَرَةٍ جَرَتْ: كَيْفَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ عِنْدَك؟
قَالَ: ثِقَةٌ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، وَالدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى:
كُنْتُ لاَ أَسْأَلُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ عَنْ حَدِيْثِهِ، فَقَالَ: لِمَ لاَ تَسْأَلُنِي عَنْ حَدِيْثِ جَعْفَرٍ؟
قُلْتُ: لاَ أُرِيْدُهُ.
فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَحفَظُ، فَحَدِيْثُ أَبِيْهِ المُسْنَدُ -يَعْنِي: حَدِيْثَ جَابِرٍ فِي الحَجِّ-.
ثُمَّ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: وَخَرَجَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ إِلَى عَبَّادَانَ، وَهُوَ مَوْضِعُ رِبَاطٍ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ البَصْرِيُّوْنَ، فَقَالُوا:
لاَ تُحَدِّثْنَا عَنْ ثَلاَثَةٍ: أَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ: أَمَّا أَشْعَثُ فَهُوَ لَكُم، وَأَمَّا عَمْرٌو فَأَنْتُم أَعْلَمُ بِهِ، وَأَمَّا جَعْفَرٌ فَلَوْ كُنْتُم بِالكُوْفَةِ، لأَخَذَتْكُمُ النِّعَالُ المُطْرَقَةُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَسُئِلَ عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيْهِ، وَسُهَيْلٍ عَنْ أَبِيْهِ، وَالعَلاَءِ عَنْ أَبِيْهِ: أَيُّهَا أَصَحُّ؟
قَالَ: لاَ يُقْرَنُ جَعْفَرٌ إِلَى هَؤُلاَءِ.
وَسَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ يَقُوْلُ: جَعْفَرٌ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ.
قُلْتُ: جَعْفَرٌ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، مَا هُوَ فِي الثَّبْتِ كَشُعْبَةَ، وَهُوَ أَوْثَقُ مِنْ سُهَيْلٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ.
وَهُوَ فِي وَزْنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَنَحْوِه.
وَغَالِبُ رِوَايَاتِه عَنْ أَبِيْهِ مَرَاسِيْلُ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: لَهُ حَدِيْثٌ كَثِيْرٌ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ آبَائِهِ، وَنُسَخٌ لأَهْلِ البَيْتِ.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: الأَئِمَّةُ، وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ النَّاسِ - كَمَا قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ -.
وَعَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي المِقْدَامِ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا نَظَرتُ إِلَى جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَلِمتُ أَنَّهُ مِنْ سُلاَلَةِ النَّبِيِّيْنَ، قَدْ رَأَيْتُه وَاقِفاً عِنْدَ الجَمْرَةِ يَقُوْلُ: سَلُونِي، سَلُونِي.
وَعَنْ صَالِحِ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، يَقُوْلُ:
سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفقِدُوْنِي، فَإِنَّهُ لاَ يُحَدِّثُكُم أَحَدٌ بَعْدِي بِمِثْلِ حَدِيْثِي.
ابْنُ عُقْدَةَ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ حَازِمٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّمَّانِيُّ أَبُو نَجِيْحٍ، سَمِعْتُ حَسَنَ بنَ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ، وَسُئِلَ: مَنْ أَفْقَهُ مَنْ رَأَيْتَ؟
قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ مِنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، لَمَّا

(6/257)


أَقدَمَهُ المَنْصُوْرُ الحِيْرَةَ، بَعَثَ إِلَيَّ، فَقَالَ:
يَا أَبَا حَنِيْفَةَ! إِنَّ النَّاسَ قَدْ فُتِنُوا بِجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَهَيِّئْ لَهُ مِنْ مَسَائِلِكَ الصِّعَابِ.
فَهَيَّأْتُ لَهُ أَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً، ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَجَعْفَرٌ جَالِسٌ عَنْ يَمِيْنِه، فَلَمَّا بَصُرتُ بِهِمَا، دَخَلَنِي لِجَعْفَرٍ مِنَ الهَيْبَةِ مَا لاَ يَدْخُلُنِي لأَبِي جَعْفَرٍ، فَسَلَّمتُ، وَأَذِنَ لِي، فَجَلَستُ.
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ جَعْفَرٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! تَعْرِفُ هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ، هَذَا أَبُو حَنِيْفَةَ.
ثُمَّ أَتْبَعَهَا: قَدْ أَتَانَا.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا حَنِيْفَةَ! هَاتِ مِنْ مَسَائِلِكَ، نَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَابتَدَأْتُ أَسْأَلُه، فَكَانَ يَقُوْلُ فِي المَسْأَلَةِ: أَنْتُم تَقُوْلُوْنَ فِيْهَا كَذَا وَكَذَا، وَأَهْلُ المَدِيْنَةِ يَقُوْلُوْنَ كَذَا وَكَذَا، وَنَحْنُ نَقُوْلُ كَذَا وَكَذَا، فَرُبَّمَا تَابَعَنَا، وَرُبَّمَا تَابَعَ أَهْلَ المَدِيْنَةِ، وَرُبَّمَا خَالَفَنَا جَمِيْعاً، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى أَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً، مَا أَخْرِمُ مِنْهَا مَسْأَلَةً.
ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: أَلَيْسَ قَدْ رَوَيْنَا أَنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ أَعْلَمُهم بِاخْتِلاَفِ النَّاسِ؟
عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ: عَنْ زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ:
قَالَ أَبِي لِجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّ لِي جَاراً يَزْعُمُ أَنَّكَ تَبرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
فَقَالَ جَعْفَرٌ: بَرِئَ اللهُ مِنْ جَارِكَ، وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَنْفَعَنِي اللهُ بِقَرَابَتِي مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَقَدِ اشْتكَيتُ شِكَايَةً، فَأَوصَيتُ إِلَى خَالِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثُونَا عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ:
كَانَ آلُ أَبِي بَكْرٍ يُدْعَونَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آلَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَرَوَى: ابْنُ أَبِي عُمَرَ العَدَنِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، نَحْوَ ذَلِكَ.
مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَابْنَه جَعْفَراً عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: يَا سَالِمُ! تَوَلَّهُمَا، وَابْرَأْ مِنْ عَدُوِّهِمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا إِمَامَيْ هُدَىً.
ثُمَّ قَالَ جَعْفَرٌ: يَا سَالِمُ! أَيَسُبُّ الرَّجُلُ جَدَّه، أَبُو بَكْرٍ جَدِّي، لاَ نَالَتْنِي

(6/258)


شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ القِيَامَةِ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَتَوَلاَّهُمَا، وَأَبرَأُ مِنْ عَدوِّهِمَا (1) .
وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، يَقُوْلُ:
مَا أَرْجُو مِنْ شَفَاعَةٍ عَلَيَّ شَيْئاً، إِلاَّ وَأَنَا أَرْجُو مِنْ شَفَاعَةِ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَه، لَقَدْ وَلَدَنِي مَرَّتَيْنِ.
كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ يَحْيَى الزُّهْرِيُّ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا دَاوُدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَدَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحُنَيْنِيُّ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ أَبِي قُرَيْشٍ الطَّحَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَبَّاسِ الهَمْدَانِيُّ:
أَنَّ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ أَتَاهُم وَهُم يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَرْتَحِلُوا مِنَ المَدِيْنَةِ، فَقَالَ:
إِنَّكُم - إِنْ شَاءَ اللهُ - مِنْ صَالِحِي أَهْلِ مِصرِكُم، فَأَبلِغُوهُم عَنِّي: مَنْ زَعَمَ أَنِّي إِمَامٌ مَعصُومٌ، مُفتَرَضُ الطَّاعَةِ، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيْءٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنِّي أَبْرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيْءٌ.
وَبِهِ: عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا حَنَانُ بنُ سَدِيْرٍ، سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَسُئِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ:
إِنَّكَ تَسْأَلُنِي عَنْ رَجُلَيْنِ قَدْ أَكَلاَ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ (2).
__________
(1) محمد بن فضيل صدوق عارف، رمي بالتشيع.
وسالم بن أبي حفصة، صدوق في الحديث.
وقال المؤلف في تاريخ الإسلام 6 / 46: هذا إسناد صحيح، وسالم وابن فضيل شيعيان.
وهذا الخبر يظهر موقف أهل البيت الطاهرين من الخلفاء الراشدين، وأن كل ما ينسب إليهم من أقوال تخالف ذلك، فهو محض افتراء عليهم.
(2) قال المؤلف في تاريخ الإسلام: 6 / 47: قلت: يعني - إن صح عنه هذا - أنما أرواحهم في أجواف طير خضر تعلق من ثمار الجنة، وهذا الذي قاله: منتزع من قوله: صلى الله عليه وسلم، " إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجع الله إلى جسمه يوم يبعثه ".
أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 240، والنسائي 4 / 108، والترمذي (644)، وابن ماجه (4271) من طريق ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه كعب بن مالك...وهذا سند صحيح.

(6/259)


وَبِهِ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ قَيْسٍ المُلاَئِيُّ، سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ:
بَرِئَ اللهُ مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مُتَوَاتِرٌ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَأَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهُ لَبَارٌّ فِي قَوْلِهِ، غَيْرُ مُنَافِقٍ (1) لأَحَدٍ، فَقَبَّحَ اللهُ الرَّافِضَّةَ.
وَرَوَى: مَعْبَدُ بنُ رَاشِدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمَّارٍ:
سَأَلْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عَنِ القُرْآنِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ، وَلاَ مَخْلُوْقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلاَمُ اللهِ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ، سَمِعْتُ جَعْفَراً يَقُوْلُ:
إِنَّا -وَاللهِ- لاَ نَعْلَمُ كُلَّ مَا يَسْأَلُونَنَا عَنْهُ، وَلَغَيْرُنَا أَعْلَمُ مِنَّا.
مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ بنِ أَبِي لَيْلَى: عَنْ مَسْلَمَةَ بنِ جَعْفَرٍ الأَحْمَسِيِّ:
قُلْتُ لِجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّ قَوْماً يَزْعُمُوْنَ أَنَّ مَنْ طلَّقَ ثَلاَثاً بِجَهَالَةٍ، رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ، تَجْعَلُونهَا وَاحِدَةً، يَرْوُونَهَا عَنْكُم.
قَالَ: مَعَاذَ اللهِ، مَا هَذَا مِنْ قَوْلِنَا، مَنْ طلَّقَ ثَلاَثاً، فَهُوَ كَمَا قَالَ (2).
__________
(1) في النسخة الثانية " متأل ".
(2) مسلمة بن جعفر الاحمسي ضعيف، قاله المصنف في تاريخه وقد ذكر شيخ الإسلام تقي الدين، رحمه الله، في فتاويه: أن للعلماء فيمن طلق زوجته ثلاثا في طهر واحد، بكلمة واحدة أو كلمات ثلاث، ثلاثة أقوال: الأول: أنه طلاق مباح لازم.
وهو قول: الشافعي، وأحمد في الرواية القديمة عنه.
اختارها الخرقي، هو منقول عن بعض السلف.
الثاني: أنه طلاق بدعة، محرم لازم، وهو قول: مالك، وأبي حنيفة، وأحمد في رواية.
وهذا القول منقول عن كثير من السلف، من الصحابة والتابعين.
الثالث: أنه محرم، ولا يلزم إلا طلقة واحدة، ونسبه إلى طائفة من السلف، والخلف، واختاره وقواه بأدلة كثيرة وفيرة وأفتى به.

(6/260)


سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمَّارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
مَنْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ مائَةَ مرَّةٍ، قَضَى اللهُ لَهُ مائَةَ حَاجَةٍ (1) .
أَجَازَ لَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
لَمَّا قَالَ لَهُ سُفْيَانُ: لاَ أَقُومُ حَتَّى تُحَدِّثَنِي، قَالَ: أَمَا إِنِّي أُحَدِّثُكَ، وَمَا كَثْرَةُ الحَدِيْثِ لَكَ بِخَيْرٍ، يَا سُفْيَانُ! إِذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ بِنِعْمَةٍ، فَأَحْبَبْتَ بَقَاءهَا وَدوَامَهَا، فَأَكْثِرْ مِنَ الحَمْدِ وَالشُّكرِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ اللهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ} [إِبْرَاهِيْمُ: 7].
وَإِذَا اسْتَبْطَأْتَ الرِّزقَ، فَأَكْثِرْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، فَإِنَّ اللهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ...} [نُوْحُ: 10 - 13] الآيَةَ.
يَا سُفْيَانُ! إِذَا حَزَبَكَ أَمرٌ مِنَ السُّلْطَانِ، أَوْ غَيْرِه، فَأَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ الفَرَجِ، وَكَنْزٌ مِنْ كُنوزِ الجَنَّةِ.
فَعَقدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، وَقَالَ: ثَلاَثٌ، وَأَيُّ ثَلاَثٍ!
قَالَ جَعْفَرٌ: عَقَلَهَا -وَاللهِ- أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَلَيَنفَعَنَّه اللهُ بِهَا.
قُلْتُ: حِكَايَةٌ حَسَنَةٌ، إِنْ لَمْ يَكُنِ ابْنُ غَزْوَانَ وَضَعَهَا، فَإِنَّهُ كَذَّابٌ.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الغِطْرِيْفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُكْرَمٍ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مَسْعُوْدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ دَكنَاءُ، [وَكِسَاءُ خَزٍّ] (2) أَيدجَانِيٌّ، فَجَعَلتُ أَنظُرُ إِلَيْهِ تَعَجُّباً.
فَقَالَ: مَا لَكَ يَا ثَوْرِيُّ؟
قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ!
__________
(1) الاثر ضعيف لضعف سويد بن سعيد.
(2) زيادة من " الحلية ".

(6/261)


لَيْسَ هَذَا مِنْ لِبَاسِك، وَلاَ لِبَاسِ آبَائِكَ.
فَقَالَ: كَانَ ذَاكَ زَمَاناً مُقتِراً، وَكَانُوا يَعْمَلُوْنَ عَلَى قَدرِ إِقتَارِهِ وَإِفقَارِه، وَهَذَا زَمَانٌ قَدْ أَسبَلَ كُلَّ شَيْءٍ فِيْهِ عَزَالِيْهِ (1) .
ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ردنِ جُبَّتِه، فَإِذَا فِيْهَا جُبَّةُ صُوْفٍ بَيْضَاءُ، يَقصُرُ الذَّيْلُ عَنِ الذَّيلِ، وَقَالَ:
لَبِسنَا هَذَا للهِ، وَهَذَا لَكُم، فَمَا كَانَ للهِ، أَخْفَيْنَاهُ، وَمَا كَانَ لَكُم، أَبْدَيْنَاهُ.
وَقِيْلَ: كَانَ جَعْفَرٌ يَقُوْلُ: كَيْفَ أَعْتَذِرُ وَقَدِ احْتجَجْتُ، وَكَيْفَ أَحتَجُّ وَقَدْ عَلِمتُ؟
رَوَى: يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ هَيَّاجِ بنِ بِسْطَامَ، قَالَ:
كَانَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ يُطعِمُ، حَتَّى لاَ يَبْقَى لِعِيَالِه شَيْءٌ.
عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، وَسُئِلَ: لِمَ حَرَّمَ اللهُ الرِّبَا؟
قَالَ: لِئَلاَّ يَتَمَانعَ النَّاسُ المَعْرُوْفَ.
وَعَنْ هِشَامِ بنِ عَبَّادٍ، سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ:
الفُقَهَاءُ أُمنَاءُ الرُّسُلِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الفُقَهَاءَ قَدْ رَكنُوا إِلَى السَّلاَطِيْنِ، فَاتَّهِمُوهُم.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زَيْدِ بنِ الجُرَيْشِ، حَدَّثَنَا الرِّيَاشِيُّ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، قَالَ:
قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: الصَّلاَةُ قُربَانُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَالحجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيْفٍ، وَزَكَاةُ البَدَنِ الصِّيَامُ، وَالدَّاعِي بِلاَ عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلاَ وَتَرٍ، وَاسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكم بِالزَّكَاةِ، وَمَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ، وَالتَّقدِيرُ نِصْفُ العَيْشِ، وَقِلَّةُ العِيَالِ أَحَدُ اليَسَارَيْنِ، وَمَنْ أَحْزَنَ وَالِدَيْه، فَقَدْ عَقَّهُمَا، وَمَنْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِه عِنْدَ مُصِيْبَةٍ، فَقَدْ حَبِطَ أَجرُهُ، وَالصَّنِيعَةُ لاَ تَكُوْنُ صَنِيْعَةً إِلاَّ عِنْدَ ذِي حَسَبٍ أَوْ دِيْنٍ، وَالله يُنْزِلُ الصَّبْرَ عَلَى قَدرِ المُصِيْبَةِ،
__________
(1) العزالي: جمع العزلاء، وهو فم المزادة الأسفل، وفي الحديث: " وأرسلت السماء عزاليها " أي: كثر مطرها على المثل.
والمراد هنا، أن الخير قد كثر وعم.

(6/262)


وَيُنْزِلُ الرِّزقَ عَلَى قَدرِ المُؤنَةِ، وَمَنْ قَدَّرَ مَعِيْشَتَه، رَزَقَهُ اللهُ، وَمَنْ بَذَّرَ مَعِيْشَتَه، حَرَمَهُ اللهُ.
وَعَنْ رَجُلٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ جَعْفَراً يُوْصِي مُوْسَى -يَعْنِي ابْنَهُ-: يَا بُنَيَّ! مَنْ قَنعَ بِمَا قُسِمَ لَهُ، اسْتَغْنَى، وَمَنْ مَدَّ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِه، مَاتَ فَقِيْراً، وَمَنْ لَمْ يَرضَ بِمَا قُسِمَ لَهُ، اتَّهمَ اللهَ فِي قَضَائِهِ، وَمَنِ اسْتَصْغَرَ زَلَّةَ غَيْرِه، اسْتَعْظَمَ زَلَّةَ نَفْسِه، وَمَنْ كَشَفَ حِجَابَ غَيْرِه، انكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ البَغْيِ، قُتِلَ بِهِ، وَمَنِ احْتَفَرَ بِئْراً لأَخِيْهِ، أَوقَعَهُ اللهُ فِيْهِ، وَمَنْ دَاخَلَ السُّفَهَاءَ، حُقِّرَ، وَمَنْ خَالطَ العُلَمَاءَ، وُقِّرَ، وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ، اتُّهِمَ.
يَا بُنَيَّ! إِيَّاكَ أَنْ تُزرِيَ بِالرِّجَالِ، فَيُزْرَى بِكَ، وَإِيَّاكَ وَالدُّخُوْلَ فِيْمَا لاَ يَعْنِيكَ، فَتَذِلَّ لِذَلِكَ.
يَا بُنَيَّ! قُلِ الحَقَّ لَكَ وَعَلَيْكَ، تُسْتَشَارُ مِنْ بَيْنِ أَقْرِبَائِكَ، كُنْ لِلْقُرْآنِ تَالِياً، وَللإِسْلاَمِ فَاشِياً، وَللمَعْرُوْفِ آمِراً، وَعَنِ المُنْكرِ نَاهِياً، وَلِمَنْ قَطَعَكَ وَاصِلاً، وَلِمَنْ سَكَتَ عَنْكَ مُبتَدِئاً، وَلِمَنْ سَألَكَ مُعطِياً، وَإِيَّاكَ وَالنَّمِيْمَةَ، فَإِنَّهَا تَزرَعُ الشَّحْنَاءَ فِي القُلُوْبِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّعَرُّضَ لِعُيُوْبِ النَّاسِ، فَمَنْزِلَةُ المُتَعَرِّضِ لِعُيُوبِ النَّاسِ، كَمَنْزِلَةِ الهَدَفِ، إِذَا طَلَبْتَ الجُوْدَ، فَعَلَيْكَ بِمَعَادِنِهِ، فَإِنَّ لِلْجُوْدِ مَعَادِنَ، وَللمَعَادِنِ أُصُوْلاً، وَللأُصُوْلِ فُرُوعاً، وَلِلفُرُوعِ ثَمَراً، وَلاَ يَطِيْبُ ثَمَرٌ إِلاَّ بِفَرعٍ، وَلاَ فَرعٌ إِلاَّ بِأَصلٍ، وَلاَ أَصلٌ إِلاَّ بِمَعدنٍ طَيِّبٍ، زُرِ الأَخْيَارَ، وَلاَ تَزُرِ الفُجَّارَ، فَإِنَّهُم صَخْرَةٌ لاَ يَتَفَجَّرُ مَاؤُهَا، وَشَجَرَةٌ لاَ يَخضَرُّ وَرَقُهَا، وَأَرْضٌ لاَ يَظْهَرُ عُشْبُهَا.
وَعَنْ عَائِذِ بنِ حَبِيْبٍ: قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ:
لاَ زَادَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقوَى، وَلاَ شَيْءَ أَحْسَنُ مِنَ الصَّمتِ، وَلاَ عَدوَّ أَضرُّ مِنَ الجَهْلِ، وَلاَ دَاءَ أَدْوَأُ مِنَ الكَذِبِ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ الفُرَاتِ: أَنَّ جَعْفَراً الصَّادِقَ، قَالَ:
لاَ يَتِمُّ المَعْرُوْفُ إِلاَّ بِثَلاَثَةٍ: بِتَعجِيْلِه، وَتَصْغِيْرِه، وَسَترِه.
كَتبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو

(6/263)


نُعِيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ الخَثْعَمِيُّ - وَكَانَ مِنَ الأَخْيَارِ - سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، يَقُوْلُ:
إِيَّاكُم وَالخُصُومَةَ فِي الدِّيْنِ، فَإِنَّهَا تَشغَلُ القَلْبَ، وَتُورِثُ النِّفَاقَ.
وَيُرْوَى: أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ المَنْصُوْرَ وَقَعَ عَلَيْهِ ذُبَابٌ، فَذَبَّهُ عَنْهُ، فَأَلَحَّ، فَقَالَ لِجَعْفَرٍ: لِمَ خَلَقَ اللهُ الذُّبَابَ؟
قَالَ: لِيُذِلَّ بِهِ الجَبَابِرَةَ.
وَعَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ: إِذَا بَلَغَكَ عَنْ أَخِيْكَ مَا يَسُوؤُكَ، فَلاَ تَغتَمَّ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ كَمَا يَقُوْلُ، كَانَتْ عُقوبَةً عُجِّلَتْ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا يَقُوْلُ، كَانَتْ حَسَنَةً لَمْ تَعْمَلْهَا.
قَالَ مُوْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: يَا رَبِّ! أَسْأَلُكَ أَلاَّ يَذْكُرَنِي أَحَدٌ إِلاَ بِخَيْرٍ.
قَالَ: مَا فَعَلتُ ذَلِكَ بِنَفْسِي.
أَخْبَرَنَا، وَحَدَّثَنَا عَنْ سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَطَّافٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، حَدَّثَنِي الحُمَيْدِيُّ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ المَالِكِيُّ القَيْسِيُّ بِمِصْرَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي جِدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ رُخَيْمٍ، حَدَّثَنَا هَارُوْنُ بنُ أَبِي الهَيْذَامِ، أَنْبَأَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، قَالَ:
قَالَ الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ:
قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ قَدْ أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! لِمَ جُعِلَ المَوْقِفُ مِنْ وَرَاءِ الحَرَمِ، وَلَمْ يُصَيَّرْ فِي المَشْعَرِ الحَرَامِ؟
فَقَالَ: الكَعْبَةُ بَيْتُ اللهِ، وَالحَرَمُ حِجَابُه، وَالمَوْقِفُ بَابُه، فَلَمَّا قَصَدَه الوَافِدُوْنَ، أَوْقَفَهَم بِالبَابِ يَتَضَرَّعُوْنَ، فَلَمَّا أَذِنَ لَهُم فِي الدُّخُولِ، أَدْنَاهُم مِنَ البَابِ الثَّانِي وَهُوَ المُزْدَلِفَةُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى كَثْرَةِ تَضَرُّعِهِم، وَطُولِ اجْتِهَادِهِم، رَحِمَهُم، أَمَرَهُم بِتَقْرِيْبِ قُربَانِهم، فَلَمَّا قَرَّبُوا قُربَانَهم، وَقَضَوْا تَفَثَهُم، وَتَطَهَّرُوا مِنَ الذُّنُوْبِ الَّتِي كَانَتْ حِجَاباً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُم، أَمَرَهُم

(6/264)


بِزِيَارَةِ بَيْتِه عَلَى طَهَارَةٍ.
قَالَ: فَلِمَ كُرِهَ (1) الصَّومُ أَيَّامَ التَّشرِيْقِ؟
قَالَ: لأَنَّهم فِي ضِيَافَةِ اللهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الضَّيفِ أَنْ يَصُوْمَ عِنْدَ مَنْ أَضَافَه.
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَا بَالُ النَّاسِ يَتَعَلَّقُوْنَ بَأْستَارِ الكَعْبَةِ، وَهِيَ خِرَقٌ لاَ تَنفَعُ شَيْئاً؟
قَالَ: ذَاكَ
__________
(1) أي: حرم، لما ثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، من النهي عن صوم أيام التشريق.
والسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت به في كلام الله ورسوله.
قال تعالى: (كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها) [ الاسراء: 38 ]، وفي الحديث الصحيح " إن الله كره لكم قيل وقال، وكثره السؤال، وإضاعة المال ".
وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركت أحدا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام.
وما كانوا يجترئون على ذلك.
وإنما كانوا يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسنا.
فينبغي هذا، ولا نرى هذا وزاد عتيق بن يعقوب - على هذا - " ولا يقولون: حلال ولا حرام.
أما سمعت قول الله تعالى: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل: الله أذن لكم، أم على الله تفترون ؟ !).
الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله.
وقال الخرقي - فيما نقله عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل -: ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة، ومذهبه لا يجوز.
وقد نص محمد بن الحسن، أن كل مكروه فهو حرام.
وقال أبو حنيفة، وصاحباه: يكره أن يلبس الذكور من الصبيان، الذهب والحرير.
وقد نص الأصحاب أنه حرام وقد قال مالك - في كثير من أجوبته -: أكره هذا، وهو حرام أما المتأخرون، فقد اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم، وتركه أرجح من
فعله، ثم حمل، من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك.
وأقبح منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ " لا ينبغي " في كلام الله ورسوله، على المعنى الاصطلاحي الحادث.
وتأمل ما يلي: قال تعالى: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) و(وما علمناه الشعر، وما ينبغي له) و(وما تنزلت به الشياطين، وما ينبغي لهم).
وقوله تعالى - على لسان رسوله: " كذبني ابن آدم وما ينبغي له، وشتمني ابن آدم، وما ينبغي له " وقوله، صلى الله عليه وسلم،: " إن الله لا ينام ولا ينبغي له " وقوله - في لباس الحرير: " لا ينبغي هذا للمتقين ".
وانظر: إعلام الموقعين 1 / 39.

(6/265)


مِثْلُ رَجُلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ جُرمٌ، فَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَيَطُوفُ حَوْلَه، رَجَاءَ أَنْ يَهَبَ لَهُ ذَلِكَ، ذَاكَ الجُرمَ.
وَمِنْ بَلِيْغِ قَوْلِ جَعْفَرٍ، وَذُكِرَ لَهُ بُخلُ المَنْصُوْرِ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي حَرَمَه مِنْ دُنْيَاهُ، مَا بَذَلَ لأَجَلِه دِيْنَهُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُهْتَدِي بِاللهِ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلاَنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي حَرْبٍ الصَّفَّارُ، عَنِ الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
دَعَانِي المَنْصُوْرُ، فَقَالَ: إِنَّ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يُلحِدُ فِي سُلْطَانِي، قَتَلَنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ.
فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَتَطَهَّرَ، وَلَبِسَ ثِيَاباً - أَحْسِبُهُ قَالَ: جُدُداً - فَأَقبَلْتُ بِهِ، فَاسْتَأْذَنتُ لَهُ، فَقَالَ: أَدخِلْهُ، قَتَلنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ.
فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مُقْبِلاً، قَامَ مِنْ مَجْلِسِه، فَتَلَقَّاهُ، وَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّقِيِّ السَّاحَةِ، البَرِيْءِ مِنَ الدَّغَلِ وَالخِيَانَةِ، أَخِي وَابْنِ عَمِّي.
فَأَقعَدَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيْرِه، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَسَأَلَه عَنْ حَالِه، ثُمَّ قَالَ: سَلْنِي عَنْ حَاجَتِكَ.
فَقَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ قَدْ تَأَخَّرَ عَطَاؤُهُم، فَتَأْمُرَ لَهُم بِهِ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا جَارِيَةُ! ائْتِنِي بِالتُّحْفَةِ.
فَأَتَتْهُ بِمُدْهنٍ زُجَاجٍ فِيْهِ غَالِيَةٌ، فَغَلَّفَه بِيَدِهِ، وَانْصَرَفَ.
فَاتَّبَعْتُه، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! أَتَيْتُ بِكَ وَلاَ أَشُكُّ أَنَّهُ قَاتِلُكَ، فَكَانَ مِنْهُ مَا رَأَيْتَ، وَقَدْ رَأَيْتُكَ تُحَرِّكُ شَفَتَيْكَ بِشَيْءٍ عِنْدَ الدُّخُولِ، فَمَا هُوَ؟
قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ احرُسْنِي بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَامُ، وَاكْنُفْنِي بِرُكنِكَ الَّذِي لاَ يُرَامُ، وَاحْفَظْنِي بِقُدرَتِكَ عَلَيَّ، وَلاَ تُهلِكْنِي وَأَنْتَ رَجَائِي، رَبِّ كَمْ مِنْ نَعمَةٍ أَنْعَمتَ بِهَا عَلَيَّ قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا شُكرِي، وَكَم مِنْ بَلِيَّةٍ ابْتَلَيْتَنِي بِهَا قَلَّ لَهَا عِنْدَك صَبْرِي؟ فَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ نِعمَتِه شُكرِي، فَلَمْ يَحرِمْنِي، وَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ بَلِيَّتِهِ صَبْرِي، فَلَمْ يَخْذُلْنِي، وَيَا مَنْ رَآنِي عَلَى المَعَاصِي، فَلَمْ يَفضَحْنِي، وَيَا ذَا النِّعَمِ الَّتِي لاَ تُحصَى أَبَداً، وَيَا ذَا المَعْرُوْفِ

(6/266)


الَّذِي لاَ يَنْقَطِعُ أَبَداً، أَعِنِّي عَلَى دِيْنِي بِدُنْيَا، وَعَلَى آخِرَتِي بِتَقْوَى، وَاحفَظْنِي فِيْمَا غِبتُ عَنْهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي فِيْمَا خَطَرتُ، يَا مَنْ لاَ تَضُرُّه الذُّنُوبُ، وَلاَ تَنقُصُه المَغْفِرَةُ، اغْفِرْ لِي مَا لاَ يَضُرُّكَ، وَأَعْطِنِي مَا لاَ يَنْقُصُكَ، يَا وَهَّابُ! أَسْأَلُك فَرَجاً قَرِيْباً، وَصَبراً جَمِيْلاً، وَالعَافِيَةَ مِنْ جَمِيْعِ البَلاَيَا، وَشُكرَ العَافِيَةِ.
فَأَعْلَى مَا يَقَعُ لَنَا مِنْ حَدِيْثِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ: مَا أَنْبَأَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ الحَاكِمُ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي:
قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِالمَجُوْسِ؟
فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ قَائِماً، فَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (سُنُّوا بِهِم سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ) (1).
__________
(1) وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 278، في الزكاة، باب: جزية أهل الكتاب والمجوس.
وسنده منقطع، مع ثقة رجاله.
قال صاحب " التنقيح ": وقد روي معنى هذا من
وجه متصل، إلا أن في اسناده، من يجهل حاله.
قال ابن أبي عاصم: حدثنا إبراهيم بن حجاج السامي، حدثنا أبو رجاء وكان جارا لحماد بن سلمة، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: كنت عند عمر بن الخطاب، فقال: من عنده علم من المجوس ؟ فوثب عبد الرحمن بن عوف، فقال: أشهد بالله على رسول الله، لسمعته يقول: " إنما المجوس طائفة من أهل الكتاب، فاحملوهم على ما تحملون عليه أهل الكتاب ".
وللطبراني من حديث: مسلم بن العلاء الحضرمي، سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب، في أخذ الجزية فقط ".
وقال الهيثمي في " المجمع " 6 / 13: وفيه من لم أعرفه.
وروى أبو عبيد في الاموال ص 36 بسند صحيح، عن أبي موسى الأشعري، قال: لو لا أني رأيت أصحابي يأخذون منهم الجزية ما أخذتها " يعني: المجوس.
وأخرج البخاري 6 / 184 - 185، وأبو داود (3043)، والترمذي (1587) وأبو عبيد في " الاموال " ص 32 من طريق: عمرو بن دينار، أنه سمع بجالة بن عبدة ; يقول: لم يكن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أخذها من مجوس هجر ".

(6/267)


هَذَا حَدِيْثٌ عَالٍ، فِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَنْبَأَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَّانٍ (ح).
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا أَبُو المُنَجِّى عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، قَالَ:
أَخْبَرَتْنَا أُمُّ الفَضْلِ بِيْبَى بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَرْثَمِيَّةُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا وَقفَ عَلَى الصَّفَا، كَبَّرَ ثَلاَثاً، وَيَقُوْلُ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المْلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٍ) يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيَصْنَعُ عَلَى المَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَكَانَ إِذَا نَزَلَ مِنَ الصَّفَا، مَشَى حَتَّى إِذَا انْصبَّتْ قَدمَاهُ فِي بَطْنِ الوَادِي، سَعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ.
رَوَاهُ: مُسْلِمٌ (1) .
وَبِهِ: إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ فُلَيْحٍ المُقْرِئُ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَيْمُوْنٍ القَدَّاحُ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يُؤْمِنُ مُؤْمِنٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ كُلِّهِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيْبَهُ (2)).
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، فِيْهِ نَكَارَةٌ، تَفَرَّد بِهِ: القَدَّاحُ.
وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ: ذَاهبُ الحَدِيْثِ.
أَخْرَجَهُ: أَبُو عِيْسَى، عَنْ زِيَادِ بنِ يَحْيَى، عَنْهُ، فَوَقَعَ بَدَلاً بِعُلُوِّ دَرَجَةٍ.
__________
(1) أخرجه مسلم (1218) في الحج، باب: حجة النبي، صلى الله عليه وسلم، وأخرجه مالك مختصرا في الحج (128): باب البدء بالصفا في السعي.
(2) وأخرجه الترمذي (2145) في القدر، باب: ما جاء في الايمان بالقدر خيره وشره، ثم قال: وهذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث: عبد الله بن ميمون.
وعبد الله بن ميمون القداح منكر الحديث.
ولكن معنى الحديث ثابت عنه، صلى الله عليه وسلم، من غير وجه.

(6/268)


قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَشَبَابٌ العُصْفُرِيُّ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَوْلِدَه سَنَةَ ثَمَانِيْنَ.
أَرَّخَهُ: الجِعَابِيُّ (1) ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مَنْجَوَيْه، وَأَبُو القَاسِمِ اللاَّلْكَائِيُّ (2) ، فَيَكُوْنُ عُمُرُه ثَمَانِياً وَسِتِّيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-.
لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ البُخَارِيُّ فِي (الصَّحِيْحِ)، بَلْ فِي كِتَابِ (الأَدَبِ)، وَغَيْرِه.
وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ: أَقدمُهُم إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ: وَمَاتَ شَابّاً فِي حَيَاةِ أَبِيْهِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَخلَّفَ: مُحَمَّداً، وَعَلِيّاً، وَفَاطِمَةَ.
فَكَانَ لِمُحَمَّدٍ مِنَ الوَلَدِ: جَعْفَرٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ فَقَطْ.
فَوَلَدَ جَعْفَرٌ مُحَمَّداً، وَأَحْمَدَ دَرَجَ، وَلَمْ يُعْقِبْ.
فَوُلِدَ لِمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ: جَعْفَرٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَأَحْمَدُ، وَحَسَنٌ.
فَوُلدَ لِحَسَنٍ: جَعْفَرٌ الَّذِي مَاتَ بِمِصْرَ، سنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَخلَّفَ ابْنَه مُحَمَّداً، فَجَاءهُ خَمْسَةُ بَنِيْنَ.
وَوُلِدَ لإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ، وَيَحْيَى، وَمُحَمَّدٌ، وَعَلِيٌّ دَرَجَ، وَلَمْ يُعْقِبْ.
فَوُلِدَ لأَحْمَدَ جَمَاعَةُ بَنِيْنَ: مِنْهُم إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، المُتَوْفَى بِمِصْرَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
فَبنُو مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ عَددٌ كَثِيْرٌ، كَانُوا بِمِصْرَ، وَبِدِمَشْقَ، قَدِ اسْتَوْعَبَهُمْ الشَّرِيْفُ العَابِدُ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَيُعْرَفُ هَذَا: بِأَخِي مُحَسِّنٍ، كَانَ يَسْكُنُ بِبَابِ تُوْمَا (3) ، مَاتَ قَبْلَ الأَرْبَعِ مائَةٍ، وَذَكَرَ مِنْهُم قَوْماً بِالكُوْفَةِ، وَبَالَغَ فِي نَفْيِ عُبَيْدِ اللهِ المَهْدِيِّ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ هَذَا النَّسَبِ الشَّرِيْفِ، وَأَلَّفَ كِتَاباً فِي أَنَّهُ
__________
(1) هو الحافظ: أبو بكر محمد بن عمر بن محمد التميمي البغدادي، قاضي الموصل ترجمه المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 3 / 925.
(2) هو الامام أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري، الرازي محدث بغداد.
من تصانيفه كتاب في رجال الصحيحين.
ترجمه المؤلف في تذكرته 3 / 1083.
(3) باب توما: من أحياء دمشق الشرقية.

(6/269)


دُعِيَ، وَأَنَّ نِحْلَتَهُ خَبِيْثَةٌ، مَدَارُهَا عَلَى المِخرقَةِ وَالزَّنْدَقَةِ (1) .
رَجَعْنَا إِلَى تَتِمَّةِ آلِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، فَأَجَلُّهُم وَأَشْرَفُهُم ابْنُهُ:

118 - مُوْسَى الكَاظِمُ أَبُو الحَسَنِ العَلَوِيُّ * (ت، ق)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، السَّيِّدُ، أَبُو الحَسَنِ العَلَوِيُّ، وَالِدُ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الرِّضَى، مَدَنِيٌّ، نَزَلَ بَغْدَادَ.
وَحَدَّثَ بِأَحَادِيْثَ عَنْ أَبِيْهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ قُدَامَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ عَلِيٌّ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَحُسَيْنٌ، وَأَخَوَاهُ؛ عَلِيُّ بنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَدَقَةَ العَنْبَرِيُّ، وَصَالِحُ بنُ يَزِيْدَ.
وَرِوَايَتُه يَسِيْرَةٌ؛ لأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
ذَكَرهُ: أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ.
قُلْتُ: لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَه حَدِيْثَانِ.
قِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: أَقْدَمَهُ المَهْدِيُّ بَغْدَادَ، وَرَدَّهُ، ثُمَّ قَدِمَهَا، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ فِي أَيَّامِ الرَّشِيْدِ، قَدِمَ فِي صُحْبَةِ الرَّشِيْدِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَحَبَسَه بِهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي مَحْبَسِه.
__________
(1) راجع في هذا رسالة " من عبر التاريخ " للكوثري ففيها تفصيل.
(*) الجرح والتعديل 8 / 139، تاريخ بغداد 13 / 27، صفوة الصفوة 2 / 103، منهاج السنة 2 / 115 - 124، وفيات الأعيان 5 / 308 - 310، تهذيب الكمال (1383)، تذهيب التهذيب 4 / 76 / 2، ميزان الاعتدال 4 / 201 - 202، عبر الذهبي 1 / 287، تاريخ ابن خلدون 4 / 115، تهذيب التهذيب 10 / 339 - 340، خلاصة تذهيب الكمال (390)، شذرات الذهب 1 / 304.

(6/270)


ثُمَّ قَالَ الخَطِيْبُ: أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى العَلَوِيُّ، حَدَّثَنِي جَدِّي يَحْيَى بنُ الحَسَنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ:
كَانَ مُوْسَى بنُ جَعْفَرٍ يُدْعَى: العَبْدَ الصَّالِحَ؛ مِنْ عِبَادتِه وَاجْتِهَادِه.
رَوَى أَصْحَابُنَا: أَنَّهُ دَخَلَ مَسْجِدَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَجَدَ سَجْدَةً فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَسُمِعَ وَهُوَ يَقُوْلُ فِي سُجُوْدِه: عَظُمَ الذَّنْبُ عِنْدِي، فَلْيَحْسُنِ العَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ، يَا أَهْلَ التَّقْوَى، وَيَا أَهْلَ المَغْفِرَةِ.
فَجَعَلَ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ.
وَكَانَ سَخِيّاً، كَرِيْماً، يَبلُغُه عَنِ الرَّجُلِ أَنَّهُ يُؤذِيْه، فَيَبعَثُ إِلَيْهِ بِصُرَّةٍ فِيْهَا أَلفُ دِيْنَارٍ، وَكَانَ يَصُرُّ الصُّرَرَ بِثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمائَتَيْنِ، ثُمَّ يَقسِمُهَا بِالمَدِيْنَةِ، فَمَنْ جَاءتْه صُرَّةٌ، اسْتَغنَى.
حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، مَعَ أَنَّ يَحْيَى بنَ الحَسَنِ مُتَّهَمٌ.
ثُمَّ قَالَ يَحْيَى هَذَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَكْرِيُّ، قَالَ:
قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ أَطْلُبُ بِهَا دَيْناً، فَقُلْتُ: لَوْ أَتَيْتُ مُوْسَى بنَ جَعْفَرٍ، فَشَكَوتُ إِلَيْهِ.
فَأَتَيْتُهُ بِنَقَمَى (1) فِي ضَيْعَتِه، فَخَرَجَ إِلَيَّ، وَأَكَلتُ مَعَهُ، فَذَكَرتُ لَهُ قِصَّتِي، فَأَعْطَانِي ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ.
ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: وَذَكَرَ لِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ آلِ عُمَرَ كَانَ بِالمَدِيْنَةِ يُؤذِيْهِ، وَيَشتُمُ عَلِيّاً، وَكَانَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ حَاشِيَتِه: دَعْنَا نَقْتُلْهُ.
فَنَهَاهُم، وَزَجَرَهُم.
وَذُكِرَ لَهُ: أَنَّ العُمَرِيَّ يَزْدَرِعُ بِأَرْضٍ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ فِي مَزرَعَتِه، فَوَجَدَه، فَدَخَلَ بِحِمَارِه، فَصَاحَ العُمَرِيُّ: لاَ تُوَطِّئْ زَرعَنَا.
فَوَطِئَ بِالحِمَارِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَ عِنْدَه، وَضَاحَكَه، وَقَالَ: كَمْ غَرِمتَ فِي زَرعِكَ هَذَا؟
قَالَ: مائَةُ دِيْنَارٍ.
قَالَ: فَكَم تَرجُو؟
قَالَ: لاَ أَعْلَمُ الغَيبَ، وَأَرْجُو أَنْ يَجِيْئَنِي مائَتَا دِيْنَارٍ.
فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ،
__________
(1) جانب أحد، وهو موضع من أعراض المدينة. كان لآل أبي طالب.

(6/271)


وَقَالَ: هَذَا زَرعُكَ عَلَى حَالِه.
فَقَامَ العُمَرِيُّ، فَقَبَّلَ رَأْسَه، وَقَالَ: اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالاَتِه.
وَجَعَلَ يَدْعُو لَهُ كُلَّ وَقْتٍ.
فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ لِخَاصَّتِه الَّذِيْنَ أَرَادُوا قَتْلَ العُمَرِيِّ: أَيُّمَا هُوَ خَيْرٌ، مَا أَرَدْتُم، أَوْ مَا أَرَدْتُ أَنْ أُصلِحَ أَمرَهُ بِهَذَا المِقْدَارِ؟
قُلْتُ: إِنْ صَحَّتْ، فَهَذَا غَايَةُ الحِلْمِ وَالسَّمَاحَةِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الكِنَانِيُّ اللَّيْثِيُّ، حَدَّثَنِي عِيْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُغِيْثٍ القُرَشِيُّ - وَبَلغَ تِسْعِيْنَ سَنَةً - قَالَ:
زَرَعتُ بِطِّيخاً، وَقِثَّاءً، وَقَرعاً بِالجُوَّانِيَّةِ، فَلَمَّا قَرُبَ الخَيْرُ، بَيَّتَنِي الجَرَادُ، فَأَتَى عَلَى الزَّرعِ كُلِّهِ، وَكُنْتُ غَرِمتُ عَلَيْهِ وَفِي ثَمَنِ جَمَلَيْنِ مائَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً.
فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ، طَلعَ مُوْسَى بنُ جَعْفَرٍ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَيْش حَالُكَ؟
فَقُلْتُ: أَصْبَحتُ كَالصَّرِيْمِ.
قَالَ: وَكَم غَرِمتَ فِيْهِ؟
قُلْتُ: مائَةً وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً مَعَ ثَمَنِ الجَمَلَيْنِ.
وَقُلْتُ: يَا مُبَارَكُ! ادْخُلْ وَادْعُ لِي فِيْهَا.
فَدَخَلَ، وَدَعَا.
وَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (تَمَسَّكُوا بِبَقَايَا المَصَائِبِ (1)).
ثُمَّ عَلَّقْتُ عَلَيْهِ الجَمَلَيْنِ، وَسَقَيْتُه، فَجَعَلَ اللهُ فِيْهَا البَرَكَةَ زَكَتْ، فَبِعتُ مِنْهَا بِعَشْرَةِ آلاَفٍ.
الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيَّ غَيْرَ مرَّةٍ يَقُوْلُ:
حَدَّثَنِي الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا حَبَسَ المَهْدِيُّ مُوْسَى بنَ جَعْفَرٍ، رَأَى فِي النَّوْمِ عَلِيّاً يَقُوْلُ: يَا مُحَمَّدُ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم}؟ [مُحَمَّدٌ: 22].
قَالَ الرَّبِيْعُ: فَأَرْسَلَ إِلَيَّ لَيْلاً، فَرَاعَنِي، فَجِئْتُهُ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ، وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً، وَقَالَ: عَلَيَّ بِمُوْسَى بنِ جَعْفَرٍ.
فَجِئْتُه بِهِ، فَعَانَقَه، وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا الحَسَنِ! إِنِّي رَأَيْتُ أَمِيْرَ
__________
(1) ضعيف لارساله وجهالة رواته.
وقد ذكره صاحب: كنز العمال " 3 / 304 ونسبه للديلمي في " مسند الفردوس " وابن صصرى في أماليه، عن موسى بن جعفر مرسلا.

(6/272)


المُؤْمِنِيْنَ يَقْرَأُ عَلَيَّ كَذَا، فَتُؤْمِنِّي أَنْ تَخْرُجَ عَلَيَّ أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ وَلَدِي؟
فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ فَعَلتُ ذَلِكَ، وَلاَ هُوَ مِنْ شَأْنِي.
قَالَ: صَدَقتَ، يَا رَبِيْعُ! أَعْطِهِ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ.
فَأَحكَمْتُ أَمرَهُ لَيْلاً، فَمَا أَصْبَحَ إِلاَّ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ خَوْفَ العَوَائِقِ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: أَنْبَأَنَا أَبُو العَلاَءِ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شَاهِيْنٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَالِحٍ الأَزدِيُّ، قَالَ:
حَجَّ الرَّشِيْدُ، فَأَتَى قَبْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ مُوْسَى بنُ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ، يَا ابْنَ عَمِّ؛ افْتِخَاراً عَلَى مَنْ حَوْلَه.
فَدَنَا مُوْسَى، وَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَةِ.
فَتَغَيَّرَ وَجْهُ هَارُوْنَ، وَقَالَ: هَذَا الفَخْرُ يَا أَبَا الحَسَنِ حَقّاً.
قَالَ يَحْيَى بنُ الحَسَنِ العَلَوِيُّ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بنُ أَبَانٍ، قَالَ:
حُبِسَ مُوْسَى بنُ جَعْفَرٍ عِنْدَ السِّنْدِيِّ بنِ شَاهَكَ، فَسَأَلتْهُ أُخْتُه أَنْ تَوَلَّى حَبسَهُ، وَكَانَتْ تَدَيَّنُ (1) ، فَفَعَلَ.
فَكَانَتْ عَلَى خِدمَتِه، فَحُكِيَ لَنَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ إِذَا صَلَّى العَتَمَةَ، حَمِدَ اللهَ، وَمَجَّدَهُ، وَدَعَاهُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى يَزُولَ اللَّيْلُ، فَإِذَا زَالَ اللَّيْلُ، قَامَ يُصَلِّي، حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبحَ، ثُمَّ يَذْكُرَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَقعُدَ إِلَى ارْتفَاعِ الضُّحَى، ثُمَّ يَتَهَيَّأَ، وَيَسْتَاكَ، وَيَأْكُلَ، ثُمَّ يَرقُدَ إِلَى قَبْلِ الزَّوَالِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأَ، وَيُصَلِّيَ العَصْرَ، ثُمَّ يَذْكُرَ فِي القِبلَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ المَغْرِبَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ مَا بَيْنَ المَغْرِبِ إِلَى العَتَمَةِ.
فَكَانَتْ تَقُوْلُ: خَابَ قَوْمٌ تَعَرَّضُوا لِهَذَا الرَّجُلِ.
وَكَانَ عَبداً صَالِحاً، وَقِيْلَ: بَعَثَ مُوْسَى الكَاظِمُ إِلَى الرَّشِيْدِ برِسَالَةٍ مِنَ الحَبْسِ، يَقُوْلُ:
إِنَّهُ لَنْ يَنْقَضِيَ عَنِّي يَوْمٌ مِنَ البَلاَءِ، إِلاَّ انْقَضَى عَنْكَ مَعَهُ يَوْمٌ مِنَ الرَّخَاءِ، حَتَّى نُفضِيَ جَمِيْعاً إِلَى يَوْمٍ لَيْسَ لَهُ انْقِضَاءٌ، يَخسَرُ فِيْهِ المُبْطِلُوْنَ.
__________
(1) أي تأخذ دينا.
سير 6 / 18

(6/273)


وَعَنْ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ السِّنْدِيِّ، قَالَ: كَانَ مُوْسَى عِنْدَنَا مَحْبُوْساً، فَلَمَّا مَاتَ، بَعَثنَا إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ العُدُولِ مِنَ الكَرْخِ، فَأَدخَلْنَاهُم عَلَيْهِ، فَأَشْهَدنَاهُم عَلَى مَوْتِه، وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ الشُّوْنِيْزِيَّةِ.
قُلْتُ: لَهُ مَشْهَدٌ عَظِيْمٌ مَشْهُوْرٌ بِبَغْدَادَ، دُفِنَ مَعَهُ فِيْهِ حَفِيْدُه الجَوَادُ، وَلِوَلَدِهِ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى مَشْهَدٌ عَظِيْمٌ بِطُوْسَ.
وَكَانَتْ وَفَاةُ مُوْسَى الكَاظِمِ فِي رَجَبٍ، سنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
عَاشَ: خَمْساً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَخَلَّفَ عِدَّةَ أَوْلاَدٍ، الجَمِيْعُ مِنْ إِمَاءٍ: عَلِيٌّ، وَالعَبَّاسُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَجَعْفَرٌ، وَهَارُوْنُ، وَحَسَنٌ، وَأَحْمَدُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَحَمْزَةُ، وَزَيْدٌ، وَإِسْحَاقُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَالحُسَيْنُ، وَفَضْلٌ، وَسُلَيْمَانُ، سِوَى البَنَاتِ، سَمَّى الجَمِيْعَ الزُّبَيْرُ فِي (النَّسَبِ).

119 - أَشْعَثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرٍ الأَزْدِيُّ * (4، خت)
ثُمَّ الحُدَّانِيُّ، البَصْرِيُّ، الأَعْمَى.
وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: أَشْعَثُ البَصْرِيُّ، وَأَشْعَثُ الأَعْمَى، وَأَشْعَثُ الأَزْدِيُّ، وَأَشْعَثُ الحُمْلِيُّ (1) .
رَوَى عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَذَلِكَ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ).
وَعَنِ: الحَسَنِ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ.
وَعَنْهُ: سِبْطُهُ؛ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ الكَبِيْرُ؛ جَدُّ الحَافِظِ نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ الحَافِظِ.
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: مَعْمَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَالأَنْصَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(*) التاريخ الكبير: 1 / 433، التاريخ الصغير: 2 / 23 - 24، الجرح والتعديل 2 / 273، تهذيب الكمال (118)، تذهيب التهذيب 1 / 70 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 265 - 266، تهذيب التهذيب 1 / 355 - 356، خلاصة تذهيب الكمال: (38).
(1) في الأصل " الجملي " بفتح الجيم والميم، وما أثبتناه هو الصواب فقد ضبطه المؤلف كذلك في " المشتبه " 1 / 175، وأقره عليه الحافظ ابن حجر في " التبصير " و" التقريب ".
وكذلك ضبطه صاحب الخلاصة.

(6/274)


وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ البَصْرَةِ، كَأَشْعَثَ الحُمْرَانِيِّ.
وَهُوَ صَالِحُ الحَدِيْثِ.
وَقَدْ وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ.
وَفِي حَدِيْثِهِ وَهْمٌ، أَوْرَدَه العُقَيْلِيُّ فِي (الضُّعَفَاءِ).
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُعْتَبَرُ بِهِ.
مَعْمَرٌ: عَنِ الأَشْعَثِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَبُوْلَنَّ أَحَدُكُم فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيْهِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الوَسْوَاسِ مِنْهُ (1)).
قُلْتُ: مُرَادُه بِالوَسْوَاسِ: أَنْ يُصِيْبَه مَسٌّ مِنَ الجَانِّ.
وَمِنْهُ سُمِّيَ المُسرِفُ فِي المَاءِ: مُوَسْوَساً، شُبِّهِ بِالمَجْنُوْنِ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا كَبَّرَ أَحَدُهُم لِلْفَرِيْضَةِ - عَافَاهُمُ اللهُ تَعَالَى -.

120 - أَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ الكِنْدِيُّ * (م، ت، س، ق)
الكُوْفِيُّ، النَّجَّارُ، التَّوَابِيْتِيُّ، الأَفْرَقُ.
وَهُوَ الَّذِي يُقَالَ لَهُ:
__________
(1) الحسن مدلس، وقد عنعن، وأخرجه أحمد 5 / 56، وأبو داود (27) في الطهارة، باب: في البول في المستحم، والترمذي (21) في الطهارة: باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل، والنسائي 1 / 34 في الطهارة، باب: كراهية البول في المستحم، وابن ماجه (304) في الطهارة، باب: كراهية البول في المغتسل، وروى أبو داود حديثا آخر عقبه (28) عن رجل من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، يشهد لحديث ابن مغفل في النهي عن البول في المستحم.
قال أبو سليمان الخطابي: إنما ينهى عن ذلك إذا لم يكن المكان صلبا أو مبلطا، أو لم يكن له مسلك ينفذ فيه البول، ويسيل إليه الماء فيتوهم المغتسل أنه يصيبه شيء من رشاشه فيورثه الوسواس.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 249، تاريخ خليفة (420) طبقات خليفة (166)، تاريخ البخاري: 1 / 430، التاريخ الصغير، 2 / 48، الطبري: 1 / 486، 2 / 386، 3 / 421، 588، 4 / 284، الجرح والتعديل 2 / 271. كتاب المجروحين 1 / 171، الكامل في التاريخ 5 / 512، تهذيب الكمال (117)، تذهيب التهذيب 1 / 69 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 263 - 265، تهذيب التهذيب 1 / 352 - 354، خلاصة تذهيب الكمال (38)، شذرات الذهب 1 / 193.

(6/275)


صَاحِبُ التَّوَابِيْتِ، وَهُوَ أَشْعَثُ القَاصُّ.
وَهُوَ مَوْلَى ثَقِيْفٍ، وَهُوَ الأَثْرَمُ، وَهُوَ قَاضِي الأَهْوَازِ.
حَدَّثَ عَنْ: الشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَالحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَعَبْثرُ بنُ القَاسِمِ، وَهُشَيْمٌ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَعِدَّةٌ.
رَوَى لَهُ: مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ.
وَكَانَ أَحَدَ العُلَمَاءِ، عَلَى لِيْنٍ فِيْهِ.
قَالَ الثَّوْرِيُّ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ مُجَالِدٍ.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: هُوَ عِنْدِي دُوْنَ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيِّنٌ.
وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ، وَغَيْرُهُ: هُوَ أَضْعَفُ الأَشَاعِثَةِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ.
وَأَمَّا ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً، إِنَّمَا يَغْلَطُ فِي الأَسَانِيْدِ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: ضَعِيْفٌ.
وَرَوَى ابْنُ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ يَحْيَى: أَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَمثَلُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ سَالِمٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى: مَا سَمِعْتُ يَحْيَى وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثَانِ عَنْ أَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ بِشَيْءٍ قَطُّ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فَاحِشُ الخَطَأِ، كَثِيْرُ الوَهْمِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ، يُعْتَبَرُ بِهِ.
أَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا نُلَبِّي عَنِ النِّسَاءِ، وَنَرمِي عَنِ الصِّبْيَانِ (1).
__________
(1) أشعث بن سوار ضعيف.
وأبو الزبير عنعنه وهو مدلس.
ولذا قال الترمذي، عقب إخراجه (927): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقد أجمع أهل العلم على أن المرأة لا يلبي عنها غيرها، بل هي تلبي عن نفسها، ويكره لها رفع الصوت بالتلبية.
وأخرجه ابن ماجه أيضا (3038) من طريق أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر بلفظ " حججنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم ".

(6/276)


قَالَ أَبُو هَمَّامٍ الدَّلاَّلُ: كَانَ أَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ عَلَى قَضَاءِ الأَهْوَازِ، فَصَلَّى بِهِم، فَقَرَأَ (النَّجْمَ)، فَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ وَلَمْ يَسْجُدْ هُوَ، ثُمَّ صَلَّى يَوْماً، فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، فَسَجَدَ وَمَا سَجَدُوا.
شُعْبَةُ: عَنْ أَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
السُّنَّةُ بِالنِّسَاءِ: الطَّلاَقُ، وَالعِدَّةُ (1) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
أَرَّخَهُ: الفَلاَّسُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَنْبَأَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْثرُ بنُ القَاسِمِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِيْنٌ (2)).
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، عَنْ قُتَيْبَةَ.
وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوْفاً، وَهُوَ أَصَحُّ.
__________
(1) أشعث ضعيف، وأخرجه الطبراني في معجمه بهذا السند، عن عبد الله، بلفظ: " الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء "، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " موقوفا على عثمان، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وأخرج البيهقي الآثار كلها في " سننه 7 / 330، 7 / 330، وانظر: نصب الراية 3 / 225.
(2) أشعث ضعيف ؟ ومحمد هو: ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ، وقد أخرجه ابن ماجه (1757) في الصوم، باب: من مات وعليه صيام رمضان، قد فرض
فيه، فسماه.
وهو وهم كما قال المزي في الاطراف.
فإن الترمذي رواه (718) ولم ينسبه.
ثم قال الترمذي: وهو عندي: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
قال الترمذي، بعد تخريج هذا الحديث: لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه.
والصحيح أنه موقوف.

(6/277)


121 - أَشْعَثُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ أَبُو هَانِىء الحُمْرَانِيُّ * (4)
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الثِّقَةُ، أَبُو هَانِئ الحُمْرَانِيُّ، البَصْرِيُّ، مَوْلَى حُمْرَانَ، مَوْلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانَ.
رَوَى عَنْ: الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَحَمَّادُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ أَحَدَ عُلَمَاءِ البَصْرَةِ.
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: هُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، مَا أَدْرَكتُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ بَعْدَ ابْنِ عَوْنٍ، أَثْبَتَ مِنْ أَشْعَثَ الحُمْرَانِيِّ.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنْ آخرَ مَنْ رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ، هُوَ أَوْثَقُ مِنْ أَشْعَثَ الحُدَّانِيِّ.
قُلْتُ: مَا عَلِمتُ أَحَداً لَيَّنَهُ.
وَذَكَرُ ابْنُ عَدِيٍّ لَهُ فِي (كَامِلِهِ): لاَ يُوْجَبُ تَلْيِينُه بِوَجْهٍ.
نَعَمْ، مَا أَخْرَجَا لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ)، كَمَا لَمْ يُخْرِجَا لِجَمَاعَةٍ مِنَ الأَثْبَاتِ.
قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، ثُمَّ العَجَبَ لأَهْلِ البَصْرَةِ، يُقَدِّمُوْنَ أَشْعَثَهُم عَلَى أَشْعَثِنَا؛ أَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ!
قَالَ: وَهُوَ أَشْعَثُ التَّوَابِيْتِيُّ، وَهُوَ أَشْعَثُ
__________
(*) تاريخ خليفة (423)، طبقات خليفة (220)، تاريخ البخاري 1 / 431، التاريخ الصغير 2 / 85، الجرح والتعديل 2 / 275 - 276، الكامل في التاريخ 5 / 583، تهذيب الكمال (118)، تذهيب التهذيب 1 / 70 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 266 - 268، تهذيب التهذيب 1 / 357 - 359، خلاصة تذهيب الكال (39)، شذرات الذهب 1 / 217.

(6/278)


القَاصُّ.
رَوَى عَنْ: الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَصَّ بِالكُوْفَةِ دَهْراً، يُحمَدُ عَفَافُه، وَفِقهُهُ، وَأَشْعَثُهُم يَقِيسُ عَلَى قَوْلِ الحَسَنِ، وَيُحَدِّثُ بِهِ.
قَالَ الأَنْصَارِيُّ: قَالَ لِي أَشْعَثُ الحُمْرَانِيُّ: لاَ تَأْتِ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ، فَإِنَّ النَّاسَ يَنْهَوْنَ عَنْهُ.
وَجَاءَ عَنْ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ: أَنَّهُ أَتَى الأَشْعَثَ يُذَاكِرُه.
يَحْيَى القَطَّانُ: عَنْ أَبِي حُرَّةَ، قَالَ:
كَانَ أَشْعَثُ الحُمْرَانِيُّ إِذَا أَتَى الحَسَنَ، يَقُوْل لَهُ: يَا أَبَا هَانِئ! انْشُرْ بَزَّكَ، انْشُرْ مَسَائِلَكَ.
قَالَ القَطَّانُ: مَا رَأَيْتُ فِي أَصْحَابِ الحَسَنِ أَثْبَتَ مِنْ أَشْعَثَ، وَمَا أَكْثَرتُ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ ثَبْتاً.
قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ الأَشْعَثَ يَقُوْلُ:
كُلُّ شَيْءٍ حَدَّثتُكم عَنِ الحَسَنِ، فَقَدْ سَمِعْتُه مِنْهُ، إِلاَّ حَدِيْثَ الَّذِي رَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ (1) ، وَحَدِيْثَ عَلِيٍّ فِي الخَلاَصِ، وَحَدِيْثاً يُرسِلُهُ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَتَى تُحَرَّمُ عَلَيْنَا المَيْتَةُ؟
قَالَ: (إِذَا رَوِيَتْ مِنَ اللَّبَنِ، وَحَانَتْ مِيْرَةُ أَهْلِكَ (2)).
قَالَ الفَلاَّسُ: قَالَ لِي يَحْيَى: مَنْ أَيْنَ جِئْتَ؟
قُلْتُ: مَنْ عِنْدَ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ.
فَقَالَ: فِي حَدِيْثِ مَنْ هُوَ؟
قُلْتُ: فِي حَدِيْثِ ابْنِ عَوْنٍ.
قَالَ: يَدَعُوْنَ شُعْبَةَ
__________
(1) أخرجه أحمد في " المسند " 5 / 39 من طريق: يحيى، عن أشعث، عن زياد الاعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة، أنه ركع دون الصف، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم،: " زادك الله حرصا ولا تعد " وأخرجه البخاري 2 / 222 من طريق: همام، وأخرجه أبو داود (683) و(684) من طريق حماد، وأخرجه النسائي 2 / 118 من طريق: سعيد بن أبي عروبة، كلهم عن زياد الاعلم، عن الحسن عن أبي بكرة.
(2) ذكره في تهذيب الكمال، والزيادة منه.

(6/279)


وَالأَشْعَثَ، وَيَكْتُبُوْنَ حَدِيْثَ ابْنِ عَوْنٍ؟!
أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ:
خَرَجَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ إِلَى عَبَّادَانَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ البَصْرِيُّوْنَ، فَقَالُوا: حَدِّثْ، وَلاَ تُحَدِّثْنَا عَنْ ثَلاَثَةٍ: أَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ: أَمَّا أَشْعَثُ، فَهُوَ لَكُم...، وَذَكَرَ الحِكَايَةَ (1) .
النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (النَّمْلُ يُسَبِّحُ (2)).
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ أَحَادِيْثِه مُسْتقِيْمَةٌ، وَهُوَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ بِكَثِيْرٍ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَشْعَثُ عَنِ الحَسَنِ ثَلاَثَةٌ: الحُمْرَانِيُّ - وَهُوَ ثِقَةٌ - وَأَشْعَثُ الحُدَّانِيُّ - يُعْتَبَرُ بِهِ - وَأَشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ - هُوَ أَضْعَفُهُم -.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَشْعَثُ الحُمْرَانِيُّ كَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، وَكَانَ عَالِماً بِمَسَائِلِ الحَسَنِ الدَّقَّاقِ، هُوَ بَابَةُ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ.
__________
(1) وقد تقدمت الحكاية في ترجمة جعفر الصادق.
(2) رجاله ثقات.
وأورده السيوطي في الدر المنثور 4 / 183 ونسبه لابن مردويه، من حديث أبي هريرة بلفظ: " إن النمل يسبحن ".
وفي صحيح البخاري 6 / 108 من طريق: يحيى بن بكير حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي:، صلى الله عليه وسلم، يقول: " قرصت نملة نبيا من
الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح ".

(6/280)


122 - الزُّبَيْدِيُّ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ عَامِرٍ * (خَ، م، د، س، ق)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، القَاضِي، أَبُو الهُذَيْلِ الزُّبَيْدِيُّ، الحِمْصِيُّ، قَاضِيهَا.
وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَمَكْحُوْلٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَعَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعَامِرِ بنِ جَشِيْبٍ، وَلُقْمَانَ بنِ عَامِرٍ، وَيَحْيَى بنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، وَرَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَسُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَالفَضْلِ بنِ فَضَالَةَ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيِّ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَشُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَفَرَجُ بنُ فَضَالَةَ، وَيَمَانُ بنُ عَدِيٍّ، وَبَقِيَّةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ، وَعُتْبَةُ بنُ حَمَّادٍ، وَمُنَبِّهُ بنُ عُثْمَانَ، وَأَخُوْهُ؛ أَبُو بَكْرٍ بنُ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ سُمَيْعٍ، وَمَسْلَمَةُ بنُ عَلِيٍّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنْ أَلِبَّاءِ العُلَمَاءِ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ: هُوَ أَثْبَتُ -يَعْنِي: فِي الزُّهْرِيِّ- مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
قَالَ: وَأَثْبَتُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ: مَالِكٌ، ثُمَّ مَعْمَرٌ، ثُمَّ عَقِيْلٌ، ثُمَّ يُوْنُسُ، ثُمَّ شُعَيْبٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالزُّبَيْدِيُّ.
وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يُفَضِّلُ مُحَمَّدَ بنَ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيَّ عَلَى جَمِيْعِ مَنْ سَمِعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ.
__________
(*) طبقات خليفة 315، التاريخ الكبير 1 / 254، التاريخ الصغير 2 / 52، تاريخ الفسوي 1 / 131، 2 / 349، الجرح والتعديل 8 / 111، مشاهير علماء الأمصار 182، الكامل في التاريخ 5 / 589، تهذيب الكمال 1228، تذكرة الحفاظ 1 / 162 - 163، الوافي بالوفيات 5 / 174، تهذيب التهذب 9 / 502، خلاصة تذهيب الكمال 363، شذرات الذهب 1 / 244.

(6/281)


سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَهْرَانِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ، عَنْ أَخِيْهِ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
أَتَيْتُ الزُّهْرِيَّ أَقرَأُ عَلَيْهِ، وَأَسْمَعُ مِنْهُ، فَقَالَ: تَسْأَلُنِي وَهَذَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيُّ بَيْنَ أَظهُرِكُم، وَقَدِ احْتوَى عَلَى مَا بَيْنَ جَنْبِيَّ مِنَ العِلْمِ؟!
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
زَادَ عَلِيٌّ: ثَبْتٌ.
وَقَالَ دُحَيْمٌ: شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، يُشبِهُ حَدِيْثُه حَدِيْثَ عُقَيْلٍ، وَالزُّبَيْدِيُّ فَوْقَه.
حَدَّثَنِي أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: سُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ وَعِنْدَكُمُ الزُّبَيْدِيُّ؟!
وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، قَالَ:
كَانَ الزُّبَيْدِيُّ عَلَى بَيْتِ المَالِ، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ مُعجَباً بِهِ، يُقَدِّمُه عَلَى جَمِيْعِ أَهْلِ حِمْصَ.
وَرَوَى: بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ:
أَقَمْتُ مَعَ الزُّهْرِيِّ عَشرَ سِنِيْنَ بِالرُّصَافَةِ -يَعْنِي: رُصَافَةَ هِشَامٍ بِالشَّامِ-.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ الزُّبَيْدِيُّ أَعْلَمَ أَهْلِ الشَّامِ بِالفَتْوَى وَالحَدِيْثِ، وَكَانَ ثِقَةً - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ نُظَرَاءِ الأَوْزَاعِيِّ فِي العِلْمِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ: الزُّبَيْدِيُّ مِنْ ثِقَاتِ المُسْلِمِيْنَ، فَإِذَا جَاءكَ الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، فَاسْتَمْسِكْ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ أَثْبَتُ مِنَ الزُّبَيْدِيِّ.
ثُمَّ قَالَ: أَبُو دَاوُدَ لَيْسَ فِي حَدِيْثِهِ خَطَأٌ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ المُتقِنِيْنَ، أَقَامَ مَعَ الزُّهْرِيِّ عَشرَ سِنِيْنَ، حَتَّى احْتَوَى عَلَى أَكْثَرِ عِلْمِه، وَهُوَ مِنَ الطَّبَقَةِ الأُوْلَى مِنْ أَصْحَابِهِ.
قُلْتُ: أَيْنَ مَنْ يُقِيْمُ مَعَ الزُّهْرِيِّ بِالحِجَازِ أَيَّاماً، إِلَى مَنْ أَقَامَ مَعَهُ فِي وَطَنِه عَشرَ سِنِيْنَ؟! مَا فَوْقَ الزُّبَيْدِيِّ فِي الجَلاَلَةِ وَالإِتقَانِ لِعِلْمِ الزُّهْرِيِّ أَحَدٌ أَصلاً، وَلَكِنَّهُ مَاتَ قَدِيْماً، فَلَمْ يَنتَشِرْ عَنْهُ كَثِيْرُ عِلْمٍ.

(6/282)


قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى البَغْدَادِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ): مَاتَ وَهُوَ شَابٌّ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
كَذَا قَالَ: وَهُوَ شَابٌّ، وَهَذَا وَهْمٌ، بَلْ كَبِرَ وَشَاخَ، وَحَدِيْثُه نَحْوُ المائَتَيْنِ فَصَاعِداً.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمْزَةَ إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً، وَقَرَأتُه عَلَى سُلَيْمَانَ الفَقِيْهِ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عِيْسَى الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَزَّارُ بِالرَّيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ حَمْدَانَ (ح).
وَأَنْبَأَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَزْوِيْنِيُّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتَّةِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الأَرْغَنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الصَّاعِدِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الخَبَّازِيُّ، وَأَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، قَالُوا ثَلاَثَتُهُم:
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ الكُشْمِيْهَنِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مَطَرٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجُعْفِيُّ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيُّ، أَنْبَأَنَا الزُّهْرِيُّ - هُوَ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ - عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: (اسْتَرْقُوا لَهَا، فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ) (1).
__________
(1) أخرجه البخاري 10 / 171 في الطب، باب: رقية العين، ومسلم 2197 في السلام، باب: استحباب الرقية من العين، والنملة، والحمة، والنظرة.
وانظر تفصيل القول فيه في " الفتح " 10 / 172، وقوله بالسفعة بفتح السين ويجوز ضمها، قال إبراهيم الحربي: هو سواد في الوجه، ومنه سفعة الفرس.
وعن الاصمعي: حمرة يعلوها سواد، وقيل: صفرة، وقيل: سواد مع لون آخر، يريد: أن بوجهها موضعا على غير لونه الأصلي.

(6/283)


مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ طَرِيْقِ مُحَمَّدِ بنِ حَرْبٍ.
وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ.
وَلَهُ عِلَّةٌ لاَ تَأثِيْرَ لَهَا - إِنْ شَاءَ اللهُ - فَرَوَاهُ: عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلاً.
وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ دَلَّسَ اسْمَه البُخَارِيُّ، وَنَسَبَه إِلَى جَدِّ أَبِيْهِ، وَهُوَ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ، الَّذِي صَنَّفَ حَدِيْثَ الزُّهْرِيِّ.
وَهَذَا الحَدِيْثُ مِنْ ثُمَانِيَّاتِ البُخَارِيِّ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ ثُلاَثِيَّاتٌ مَعْرُوْفَةٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَقَدْ وَقَعَ لَنَا عَزِيْزاً مُسَلْسَلاً بِالمُحَمَّدِيْنَ إِلَى عُرْوَةَ، وَلاَ نَظِيْرَ لَهُ، وَعِدَّتُهُم خَمْسَةَ عَشَرَ مُحَمَّداً، وَأَنَا السَّادِسَ عَشَرَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَنْبَأَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ زُنْبُوْرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَعْبٍ، عَنْ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُوْنُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، فَيَكْسُوْنِي عَزَّ وَجَلَّ حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي، فَأَقُوْلُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَقُوْلَ، فَذَلِكَ المَقَامُ المَحْمُوْدُ (1)).
هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوْهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.

123 - مُجَالِدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عُمَيْرِ بنِ بِسْطَامَ الهَمْدَانِيُّ * (4، م تَبَعاً)
وَيُقَالُ: ابْنُ ذِي مُرَّانَ بنِ شُرَحْبِيْلَ، العَلاَّمَةُ،
__________
(1) رجاله ثقات، فقد صرح بقية بالتحديث، وأخرجه أحمد في " المسند " 3 / 456 من طريق: يزيد بن عبد ربه، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن كعب..وهذا سند صحيح، إن كان عبد الرحمن قد سمعه من جده.
وفي صحيح البخاري تصريح منه بالسماع من جده.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 243، تاريخ خليفة (420)، طبقات خليفة (166)، تاريخ =

(6/284)


المُحَدِّثُ، أَبُو عَمْرٍو.
وَيُقَالُ: أَبُو عُمَيْرٍ.
وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيْدٍ الكُوْفِيُّ، الهَمْدَانِيُّ؛ وَالِدُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُجَالِدٍ.
حَدَّثَ عَنْ: الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي الوَدَّاكِ جَبْرِ بنِ نَوْفٍ، وَقَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَمُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ، وَزِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ، وَوَبَرَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
هَؤُلاَءِ السَّبعَةُ هُمُ المَذْكُوْرُوْنَ لَهُ فِي (التَّهْذِيْبِ).
وُلِدَ: فِي أَيَّامِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ لاَ شَيْءَ لَهُ عَنْهُم.
وَيُدرَجُ فِي عِدَادِ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ.
وَفِي حَدِيْثِهِ لِيْنٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَجَرِيْرُ (1) بنُ حَازِمٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، وَهُشَيْمٌ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَأَبُو عَقِيْلٍ الثَّقَفِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَأَحْمَدُ بنُ بَشِيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَمُحَاضِرٌ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ التَّابِعِيْنَ عَنِ الأَتْبَاعِ.
قَالَ البُخَارِيُّ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُضَعِّفُه.
وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ لاَ يَرْوِيَ لَهُ شَيْئاً.
وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يَرَاهُ شَيْئاً، يَقُوْلُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ
__________
= البخاري: 8 / 8، التاريخ الصغير 2 / 77، 79، الجرح والتعديل 8 / 361 - 362، كتاب المجروحين والضعفاء 3 / 10، الكامل في التاريخ 5 / 512، تهذيب الكمال (1303)، تذهيب التهذيب 4 / 21 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 438 - 439، تهذيب التهذيب: 10 / 39 - 41، خلاصة تهذيب الكمال 369، شذرات الذهب 1 / 216.
(1) في الأصل (حزم) وهو تحريف.

(6/285)


أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
مُجَالِدٌ حَدِيْثُه عِنْدَ الأَحْدَاثِ؛ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبِي أُسَامَةَ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ حَدِيْثُ شُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَهُشَيْمٍ، وَهَؤُلاَءِ القُدَمَاءِ -يَعْنِي: أَنَّهُ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ-.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ لِعُبَيْدِ اللهِ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟
قَالَ: أَذْهَبُ إِلَى وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ أَكْتُبُ السِّيْرَةَ -يَعْنِي: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مُجَالِدٍ-.
قَالَ: تَكْتُبُ كَذِباً كَثِيْراً، لَوْ شِئْتَ أَنْ يَجْعَلَهَا لَكَ مُجَالِدٌ كُلَّهَا عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَعَلَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: مُجَالِدٌ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، يَرْفَعُ حَدِيْثاً لاَ يَرْفَعُه النَّاسُ، وَقَدِ احْتَمَلَه النَّاسُ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيْفٌ.
كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: لَوْ أَرَدْتُ أَنْ يَرْفَعَ لِي مُجَالِدٌ (1) حَدِيْثَه كُلَّه، رَفَعَهُ.
رَوَاهَا: ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بِشْرِ بنِ حَرْبٍ، وَأَبِي هَارُوْنَ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَدَاوُدَ الأَوْدِيِّ، وَعِيْسَى الحَنَّاطِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ، وَعَنْ غَيْرِ جَابِرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَادِيْثُ صَالِحَةٌ، وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيْهِ غَيْرُ مَحْفُوْظٍ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: شِيْعِيٌّ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ.
وَقِيْلَ لِخَالِدٍ الطَّحَّانِ: لِمَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ مُجَالِدٍ؟
قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ طَوِيْلَ اللِّحْيَةِ.
__________
(1) في الأصل " مجاهد " وهو تحريف.

(6/286)


قُلْتُ: مِنْ أَنْكَرِ مَا لَهُ فِي (جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ (1)) حَدِيْثُه: عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ شِئْتُ، لأَجْرَى اللهُ مَعِيَ جِبَالَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ (2)).
قَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ المُسَلَّمِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى العَمَّارِيُّ بِالأَثَارِبِ (3) ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ العَمِّيُّ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنْ أَبِي الوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثَلاَثَةٌ يَضْحَكُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: الرَّجُلُ إِذَا قَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَالقَوْمُ إِذَا صَفُّوا لِلصَّلاَةِ، وَالقَوْمُ إِذَا صَفُّوا لِقِتَالِ العَدُوِّ (4)).
أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَه، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ مُجَالِدٍ.
__________
(1) في الأصل " جزآن " وهو تحريف، وابن عرفة: هو الحسن بن عرفة بن يزيد أبو علي البغدادي المؤدب، وقد جاوز المئة بعشر سنين، وقيل: بسبع، وكان له عشرة من الولد سماهم بأسماء العشرة المبشرين بالجنة، وثقه يحيى بن معين وغيره، وكان يتردد إلى الامام أحمد بن حنبل، ولد في سنة خمسين ومئة، وتوفي سنة سبع وخمسين ومئتين.
مترجم في " التهذيب " وفروعه.
(2) ضعيف لضعف مجالد وأورده المنذري في " الترغيب والترهيب " 4 / 201 / 202، ونسبه للبيهقي.
(3) قلعة بين حلب وانطاكية.
بينها وبين حلب نحو ثلاثة فراسخ.
(4) إسناده ضعيف لضعف مجالد، وهو في المسند 3 / 80 وسنن ابن ماجه (205) في المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية.
قال البوصيري.
في مصباح الزجاجة : هذا إسناد فيه مقال، مجالد بن سعيد وإن أخرج له مسلم في صحيحه فإنما روى له مقرونا بغيره.
قال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ.

(6/287)


124 - يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدِ بنِ دِيْنَارٍ العَبْدِيُّ مَوْلاَهُم * (ع)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ العَبْدِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ.
مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَفُضَلاَئِهِم.
رَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَزِيَادِ بنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَعَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الجُمَحِيِّ، وَأَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوْسَى، وَحُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، وَالحَكَمِ بنِ الأَعْرَجِ، وَحُصَيْنِ بنِ أَبِي الحُرِّ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَأَبِي العَالِيَةِ البَرَّاءِ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: حَجَّاجُ بنُ حَجَّاجٍ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَهُشَيْمٌ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَأَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَسَالِمُ بنُ نُوْحٍ، وَوُهَيْبٌ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّاسُ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَأَكْبَرُ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، لاَ يَبلُغُ التَّيْمِيُّ مَنْزِلَةَ يُوْنُسَ.
__________
(*) طبقات ابن سعد 7 / 260، تاريخ خليفة 261، 418، طبقات خليفة (218)، التاريخ الصغير 2 / 49، الجرح والتعديل 9 / 242، مشاهير علماء الأمصار (150)، حلية الأولياء 3 / 15 - 27، الكامل في التاريخ 5 / 487، تهذيب الكمال 1567، تهذيب التهذيب 4 / 194 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 319، تذكرة الحفاظ 1 / 145 - 146، تهذيب التهذيب 11 / 442 - 445، خلاصة تذهيب الكمال (441)، شذرات الذهب 1 / 207.

(6/288)


وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ، قَالَ: جَالَستُ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ، فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ آخُذَ عَلَيْهِ كَلِمَةً.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَا كَتَبتُ شَيْئاً قَطُّ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: كَانَ يُوْنُسُ يُحَدِّثُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ - ثَلاَثاً (1) -.
رَوَى: الأَصْمَعِيُّ، عَنْ مُؤَمَّلِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ شَامِيٌّ إِلَى سُوْقِ الخَزَّازِيْنَ، فَقَالَ: عِنْدَكَ مُطْرفٌ بِأَرْبَعِ مائَةٍ؟
فَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: عِنْدَنَا بِمائَتَيْنِ.
فَنَادَى المُنَادِي: الصَّلاَةَ.
فَانْطَلَقَ يُوْنُسُ إِلَى بَنِي قُشَيْرٍ لِيُصَلِّيَ بِهِم، فَجَاءَ وَقَدْ بَاعَ ابْنُ أُخْتِه المُطْرفَ مِنَ الشَّامِيِّ بِأَرْبَعِ مائَةٍ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الدَّرَاهِمُ؟
قَالَ: ثَمَنُ ذَاكَ المُطْرفِ.
فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا المُطْرفُ الَّذِي عَرَضتُه عَلَيْكَ بِمائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنْ شِئْتَ، فَخُذهُ، وَخُذْ مائَتَيْنِ، وَإِنْ شِئْتَ، فَدَعْه.
قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ.
قَالَ: أَسْأَلُكَ بِاللهِ مَنْ أَنْتَ، وَمَا اسْمُكَ؟
قَالَ: يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ.
قَالَ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَكُوْنُ فِي نَحرِ العَدُوِّ، فَإِذَا اشْتَدَّ الأَمرُ عَلَيْنَا، قُلْنَا: اللَّهُمَّ رَبَّ يُوْنُسَ، فَرِّجْ عَنَّا، أَوْ شَبِيْهَ هَذَا...
فَقَالَ يُوْنُسُ: سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ.
إِسْنَادُهَا مُرْسَلٌ.
وَقَالَ أُمَيَّةُ بنُ خَالِدٍ: جَاءتِ امْرَأَةٌ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ بِجُبَّةِ خَزٍّ، فَقَالَتْ لَهُ: اشْتَرِهَا.
قَالَ: بِكَم؟
قَالَتْ: بِخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَتْ: بِسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ.
فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى بَلَغَتْ أَلْفاً.
وَكَانَ يَشْتَرِي الإِبْرِيْسمَ مِنَ البَصْرَةِ، فَيَبْعَثُ بِهِ إِلَى وَكِيْلِه بِالسُّوْسِ، وَكَانَ وَكِيْلُه يَبْعَثُ إِلَيْهِ بِالخَزِّ، فَإِنْ كَتَبَ وَكِيْلُه إِلَيْهِ: إِنَّ المَتَاعَ عِنْدَهُم زَائِدٌ، لَمْ يَشتَرِ مِنْهُم أَبَداً حَتَّى يُخْبِرَهُم أَنَّ وَكِيْلَه كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ المَتَاعَ عِنْدَهُم زَائِدٌ.
__________
(1) الزيادة من " تاريخ الإسلام ". 5 / 319.
سير 6 / 19

(6/289)


قَالَ بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ: جَاءتِ امْرَأَةٌ بِمُطْرفٍ خَزٍّ إِلَى يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ تَعرِضُهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: بِكَم؟
قَالَتْ: بِسِتِّيْنَ دِرْهَماً.
فَأَلقَاهُ إِلَى جَارِهِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَاهُ؟
قَالَ: بِعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ: أَرَى (1) ذَاكَ ثَمَنَه، أَوْ نَحْواً مِنْ ثَمَنِه.
فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي، فَاسْتَأْمِرِي أَهْلَكِ فِي بَيْعِه بِخَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَتْ: قَدْ أَمرُوْنِي أَنْ أَبِيْعَه بِسِتِّيْنَ.
قَالَ: ارْجِعِي، فَاسْتَأْمِرِيْهِم.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ: حَدَّثَنَا أَسْمَاءُ بنُ عُبَيْدٍ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ:
لَيْسَ شَيْءٌ أَعَزَّ مِنْ شَيْئَيْنِ: دِرْهَمٍ طَيِّبٍ، وَرَجُلٍ يَعْمَلُ عَلَى سُنَّةٍ.
وَقَالَ: بِئْسَ المَالُ مَالُ المُضَارَبَةِ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الدَّيْنِ، مَا خَطَّ عَلَى سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ قَطُّ، وَلاَ أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ لِمائَةِ دِرْهَمٍ أَصَبْتُهَا إِنَّهُ طَابَ لِي مِنْهَا عَشْرَةٌ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ قُلْتُ: خَمْسَةٌ، لَبَرَرْتُ.
قَالَهَا غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَسَمِعْتُه يَقُوْلُ: مَا سَارِقٌ يَسرِقُ النَّاسَ بَأْسوَأَ عِنْدِي مَنْزِلَةً مِنْ رَجُلٍ أَتَى مُسْلِماً، فَاشْتَرَى مِنْهُ مَتَاعاً إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّىً، فَحَلَّ الأَجَلُ، فَانْطَلقَ فِي الأَرْضِ، يَضرِبُ يَمِيْناً وَشِمَالاً، يَطْلُبُ فِيْهِ (2) مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَاللهِ لاَ يُصِيْبُ مِنْهُ دِرْهَماً إِلاَّ كَانَ حَرَاماً.
الأَصْمَعِيُّ: حَدَّثَنَا سَكَنٌ صَاحِبُ الغَنَمِ، قَالَ:
جَاءنِي يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ بِشَاةٍ، فَقَالَ: بِعْهَا، وَابْرَأْ مِنْ أَنَّهَا تَقْلِبُ العَلَفَ، وَتَنْزِعُ الوَتَدَ (3) ، فَبَيِّنْ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ البَيْعُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: نَشَرَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ ثَوْباً عَلَى رَجُلٍ، فَسَبَّحَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ، فَقَالَ: ارْفَعْ، أَحْسِبُهُ قَالَ: مَا وَجَدْتَ مَوْضِعَ التَّسْبِيْحِ إِلاَّ هَا هُنَا؟
وَعَنْ جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ يُوْنُسَ فَضْلٌ وَصَلاَحٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ
__________
(1) الزيادة من " تهذيب الكمال ".
(2) الزيادة من " الحلية " 3 / 17.
(3) لفظ " الحلية " 3 / 18: ولا تبرأ بعد ما تبيع، ولكن ابرأ، وبين قبل أن يقع البيع

(6/290)


أَكْتُبَ إِلَيْهِ أَسْأَلُه.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَتَانِي كِتَابُكَ، تَسْأَلُنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ بِمَا أَنَا عَلَيْهِ، فَأُخْبِرُكَ أَنِّي عَرَضتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لَهَا، وَتَكْرَهَ لَهُم مَا تَكْرَهُ لَهَا، فَإِذَا هِيَ مِنْ ذَاكَ بَعِيْدَةٌ، ثُمَّ عَرَضتُ عَلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى تَرْكَ ذِكْرِهِم إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ، فَوَجَدتُ الصَّومَ فِي اليَوْمِ الحَارِّ أَيسَرَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ، هَذَا أَمْرِي يَا أَخِي، وَالسَّلاَمُ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: قِيْلَ: إِنَّ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ قَالَ:
إِنِّي لأَعُدُّ مائَةَ خَصلَةٍ مِنْ خِصَالِ البِرِّ، مَا فِيَّ مِنْهَا خَصلَةٌ وَاحِدَةٌ.
ثُمَّ قَالَ سَعِيْدٌ: عَنْ جَسْرٍ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ أَيَّامَ الأَضْحَى، فَقَالَ: خُذْ لَنَا كَذَا وَكَذَا مِنْ شَاةٍ.
ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا أُرَاهُ يُتَقَبَّلُ مِنِّي شَيْءٌ، قَدْ خَشِيْتُ أَنْ أَكُوْنَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
قُلْتُ: كُلُّ مَنْ لَمْ يَخْشَ أَنْ يَكُوْنَ فِي النَّارِ، فَهُوَ مَغْرُوْرٌ، قَدْ أَمِنَ مَكْرَ اللهِ بِهِ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: عَنْ سَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ - أَوْ غَيْرِهِ - قَالَ:
مَا كَانَ يُوْنُسُ بِأَكْثَرِهِم صَلاَةً وَلاَ صَوماً، وَلَكِنْ - لاَ وَاللهِ - مَا حَضَرَ حَقٌّ للهِ إِلاَّ وَهُوَ مُتَهَيِّئٌ لَهُ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: قَالَ يُوْنُسُ: هَان عَلَيَّ أَنْ (1) آخذَ نَاقِصاً، وَغَلَبَنِي أَنْ أُعْطِيَ رَاجِحاً.
وَقِيْلَ: إِنَّ يُوْنُسَ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ عِنْدَ المَوْتِ، وَبَكَى، فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: قَدَمَايَ، لَمْ تَغْبَرَّ فِي سَبِيْلِ اللهِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ:
لاَ تَجِدُ مِنَ البِرِّ شَيْئاً وَاحِداً يَتبَعُهُ البِرُّ كُلُّه غَيْرَ اللِّسَانِ، فَإِنَّكَ تَجِدُ الرَّجُلَ يُكثِرُ الصِّيَامَ، وَيُفْطِرُ
__________
(1) زيادة من " تهذيب الكمال ".

(6/291)


عَلَى الحَرَامِ، وَيَقُوْمُ اللَّيلَ، وَيَشْهَدُ بِالزُّورِ بِالنَّهَارِ... - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ نَحْوَ هَذَا - وَلَكِنْ لاَ تَجِدُه لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ بِحَقٍّ، فَيُخَالِفُ ذَلِكَ عَمَلُه أَبَداً.
وَعَنْ جَارٍ لِيُوْنُسَ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ اسْتِغْفَاراً مِنْ يُوْنُسَ، كَانَ يَرْفَعُ طَرْفَه إِلَى السَّمَاءِ، وَيَسْتَغْفِرُ.
قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ يَقُوْلُ:
تُوشكُ عَيْنُكَ أَنْ تَرَى مَا لَمْ تَرَ، وَأَذُنُكَ أَنْ تَسْمَعَ مَا لَمْ تَسْمَعْ، ثُمَّ لاَ تَخْرُجَ مِنْ طَبَقَةٍ إِلاَّ دَخَلتَ فِيْمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا، حَتَّى يَكُوْنَ آخِرَ ذَلِكَ الجَوَازُ عَلَى الصِّرَاطِ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: شَكَا رَجُلٌ إِلَى يُوْنُسَ وَجَعاً فِي بَطْنِه، فَقَالَ لَهُ:
يَا عَبْدَ اللهِ! هَذِهِ دَارٌ لاَ تُوَافِقُكَ، فَالْتَمِسْ دَاراً تُوَافِقُكَ.
وَقَالَ غَسَّانُ بنُ المُفَضَّلِ الغَلاَبِيُّ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، فَشَكَا إِلَيْهِ ضِيقاً مِنْ حَالِهِ، وَمَعَاشِه، وَاغتِمَاماً بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَيَسُرُّكَ بِبَصَرِكَ مائَةُ أَلْفٍ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَبِسَمْعِكَ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَبِلِسَانِكَ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَبِعَقْلِكَ؟
قَالَ: لاَ...، فِي خِلاَلٍ، وَذَكَّرَه نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ يُوْنُسُ: أَرَى لَكَ مِئِيْنَ أُلُوفاً، وَأَنْتَ تَشكُو الحَاجَةَ؟!
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ:
عَمدنَا إِلَى مَا يُصلِحُ النَّاسَ، فَكَتَبْنَاهُ، وَعَمدنَا إِلَى مَا يُصلِحُنَا، فَتَرَكْنَاهُ.
وَعَنْ يُوْنُسَ، قَالَ: يُرجَى لِلرَّهِقِ بِالبِرِّ الجَنَّةُ، وَيُخَافُ عَلَى المُتَأَلِّهِ بِالعُقُوقِ النَّارُ.
قَالَ حَزْمُ بنُ أَبِي حَزْمٍ: مَرَّ بِنَا يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ عَلَى حِمَارٍ، وَنَحْنُ قُعُوْدٌ عَلَى بَابِ ابْنِ لاَحِقٍ، فَوَقَفَ، فَقَالَ:
أَصْبَحَ مَنْ إِذَا عُرِّفَ السُّنَّةَ عَرَفَهَا، غَرِيْباً، وَأَغرَبُ مِنْهُ الَّذِي يُعَرِّفُهَا.

(6/292)


قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا جَسْرٌ أَبُو جَعْفَرٍ، قُلْتُ لِيُوْنُسَ:
مَرَرْتُ بِقَوْمٍ يَخْتَصِمُوْنَ فِي القَدَرِ، فَقَالَ: لَوْ هَمَّتْهُم ذُنُوْبُهُم، مَا اخْتَصَمُوا فِي القَدَرِ.
قَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: غَلاَ الخَزُّ فِي مَوْضِعٍ كَانَ إِذَا غَلاَ هُنَاكَ غَلاَ بِالبَصْرَةِ، وَكَانَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ خَزَّازاً، فَعَلِمَ بِذَلِكَ، فَاشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ مَتَاعاً بِثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ لِصَاحِبِهِ: هَلْ كُنْتَ عَلِمتَ أَنَّ المَتَاعَ غَلاَ بِأَرْضِ كَذَا وَكَذَا؟
قَالَ: لاَ، وَلَوْ عَلِمتُ لَمْ أَبِعْ.
قَالَ: هَلُمَّ إِلَيَّ مَالِي، وَخُذْ مَالَكَ.
فَرَدَّ عَلَيْهِ الثَّلاَثِيْنَ الأَلْفَ.
قَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: مَا هَمَّ رَجُلاً كَسْبُهُ إِلاَّ هَمَّهُ أَيْنَ يَضَعُه؟
مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً يَطْلُبُ بِالعِلْمِ وَجْهَ اللهِ، إِلاَّ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَسَنِ البَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ:
قَالَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: ثَلاَثَةٌ احْفَظُوهُنَّ عَنِّي: لاَ يَدْخُلْ أَحَدُكُم عَلَى سُلْطَانٍ يَقْرَأُ عَلَيْهِ القُرْآنَ، وَلاَ يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُم مَعَ امْرَأَةٍ يَقْرَأُ عَلَيْهَا القُرْآنَ، وَلاَ يُمَكِّنْ أَحَدُكُم سَمْعَهُ مِنْ أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ.
ضَمْرَةُ: عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ وَابْنَ عَوْنٍ اجْتَمَعَا، فَتَذَاكَرَا الحَلاَلَ وَالحَرَامَ، فَكِلاَهُمَا قَالَ: مَا أَعْلَمُ فِي مَالِي دِرْهَماً حَلاَلاً.
قُلْتُ: وَالظَنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا لاَ يَعْرِفَانِ فِي مَالِهِمَا أَيْضاً دِرْهَماً حَرَاماً.
وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سَمِعْتُ يُوْنُسَ (1) يَقُوْلُ:
خَصْلَتَانِ إِذَا صَلَحَتَا مِنَ العَبْدِ، صَلُحَ مَا سِوَاهُمَا: صَلاَتُه، وَلِسَانُه.
__________
(1) الزيادة من " تاريخ الإسلام " للمؤلف.

(6/293)


وَرَوَى: سَلاَّمُ بنُ أَبِي مُطِيْعٍ، عَنْ يُوْنُسَ، قَالَ:
رَحِمَ اللهُ (1) الحَسَنَ، إِنِّي لأَحْسِبُ الحَسَنَ تَكَلَّمَ حُسبَةً، رَحِمَ اللهُ مُحَمَّداً، إِنِّي لأَحسِبُه سَكَتَ حُسبَةً.
سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا حَرْبُ بنُ مَيْمُوْنٍ الصَّدُوْقُ المُسْلِمُ، عَنْ خُوَيلٍ -يَعْنِي: خَتَنَ شُعْبَةَ- قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ يُوْنُسَ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! تَنْهَانَا عَنْ مُجَالَسَةِ عَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُكَ؟!
قَالَ: ابْنِي؟!
قَالَ: نَعَمْ.
فَتَغَيَّظَ الشَّيخُ، فَلَمْ أَبرَحْ حَتَّى جَاءَ ابْنُه، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! قَدْ عَرَفْتَ رَأْيِي فِي عَمْرٍو، ثُمَّ تَدخُلُ عَلَيْهِ؟!
قَالَ: كَانَ مَعِي فُلاَنٌ...، وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ.
قَالَ: أَنْهَاكَ عَنِ الزِّنَى، وَالسَّرِقَةِ، وَشُربِ الخَمْرِ، وَلأَنْ تَلْقَى اللهَ بِهنَّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَلقَاهُ بِرَأْيِ عَمْرٍو، وَأَصْحَابِ عَمْرٍو.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: قَالَ يُوْنُسُ: إِنِّي لأَعُدُّهَا مِنْ نِعْمَةِ اللهِ أَنِّي لَمْ أَنْشَأْ بِالكُوْفَةِ.
وَقِيْلَ: الْتَقَى يُوْنُسُ وَأَيُّوْبُ، فَلَمَّا تَفَرَّقَا، قَالَ أَيُّوْبُ: قَبَّحَ اللهَ العَيْشَ بَعْدَك.
وَقَالَ فُضَيْلُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أَرَادَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ أَنْ يُلجِمَ حِمَاراً، فَلَمْ يُحسِنْ، فَقَالَ لِصَاحِبٍ لَهُ: تَرَى اللهَ كَتَبَ الجِهَادَ عَلَى رَجُلٍ لاَ يُلجِمُ حِمَاراً؟!
أَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صُدْرَانَ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بنُ أَبِي عَامِرٍ الخَرَّازُ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ، وَهُوَ يَرثِي بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ:
مِنَ المَوْتِ لاَ ذُوْ الصَّبْرِ يُنْجِيْهِ صَبْرُهُ ... وَلاَ لِجَزُوعٍ كَارهِ المَوْتِ مَجْزَعُ
__________
(1) الزيادة من " تهذيب الكمال ".

(6/294)


أَرَى كُلَّ ذِي نَفْسٍ وَإِنْ طَالَ عُمْرُهَا ... وَعَاشَتْ، لَهَا سُمٌّ مِنَ المَوْتِ مُنْقَعُ
فَكُلُّ امْرِئٍ لاَقٍ مِنَ المَوْتِ سَكْرَةً ... لَهُ سَاعَةٌ فِيْهَا يَذِلُّ وَيَضْرَعُ
وَإِنَّك مَنْ يُعْجِبْكَ لاَ تَكُ مِثْلَهُ ... إِذَا أَنْتَ لَمْ تَصْنَعْ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ (1)
قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: وُلِدَ يُوْنُسُ قَبْلَ طَاعُوْنِ الجَارِفِ.
وَقِيْلَ: كَانَ يُوْنُسُ أَسَنَّ مِنْ أَبِي عَوْنٍ بِسَنَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مَاتَ يُوْنُسُ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ فَهْدُ بنُ حَيَّانَ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ: رَأَيْتُ سُلَيْمَانَ وَعَبْدَ اللهِ ابْنَيْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَابْنَيْ سُلَيْمَانَ يَحْمِلُوْنَ سَرِيْرَ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ عَلَى أَعْنَاقِهِم، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ: هَذَا -وَاللهِ- الشَّرَفُ!
قُلْتُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ بَعْدَ أَنْ بُوْيِعَ بِالخِلاَفَةِ بِالشَّامِ وَغَيْرِهَا، قَدْ عَمِلَ مَصَافّاً مَعَ أَبِي مُسْلِمٍ الخُرَاسَانِيِّ، فَانْهَزَمَ جَيْشُ عَبْدِ اللهِ، وَفَرَّ هُوَ إِلَى عِنْدِ أَخِيْهِ أَمِيْرِ البَصْرَةِ سُلَيْمَانَ، فَأَجَارَهُ مِنَ المَنْصُوْرِ.
فَأَمَّا يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: فَشَيْخٌ لاَ يُعْرَفُ، مِنْ مَوَالِي ثَقِيْفٍ.
لَهُ عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ: كَانَتْ رَايَةُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَوْدَاءَ مِنْ نَمِرَةٍ (2) .
لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى أَبِي يَعْقُوْبَ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الثَّقَفِيِّ.
أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه.
__________
(1) " حلية الأولياء " 3 / 17
(2) أخرجه أبو داود (2591)، والترمذي (1680)، وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " ص (153) وأحمد 4 / 297 من حديث أبي يعقوب الثقفي، حدثني يونس، عن عبيد مولى محمد بن القاسم، قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب، أسأله عن راية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما كانت ؟ فقال: كانت سوداء مربعة، من نمرة " وأبو يعقوب الثقفي واسمه إسحاق بن إبراهيم.
قال ابن عدي: روى عن الثقات ما لا يتابع عليه، وأحاديثه غير محفوظة.
وقال العقيلي: في حديثه نظر.
ويونس بن عبيد لم يوثقه غير ابن حبان، على عادته في توثيق المجاهيل.
ومع ذلك فقد حسنه الترمذي.
وقال المؤلف، في ترجمة يونس هذا في " ميزانه ": هذا حديث حسن، ونمرة: بردة من صوف أو غيره مخططة.

(6/295)


فَيَظُنُّه مَنْ لاَ يَدْرِي أَنَّهُ الإِمَامُ البَصْرِيُّ، صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ.
وَرَوَى: حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ البَرَاءِ: لَهُ فِي أَوَّلِ (غَرِيْبِ أَبِي عُبَيْدٍ).
فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ صَاحِبَ التَّرْجَمَةِ لاَ يُدْرِكُ البَرَاءَ.
فَيَقُوْلُ: مَا المَانَعُ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ رَوَى عَنِ البَرَاءِ مُرْسَلاً؟
فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ صَاحِبَ التَّرجَمَةِ مِنْ مَوَالِي عَبْدِ القَيْسِ، وَالرَّاوِي حَدِيْثَ الرَّايَةِ مِنْ مَوَالِي ثَقِيْفٍ.
وَقَدْ جَمَعَ أَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ حَدِيْثَ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ الإِمَامِ، وَقَرَأْتُ مِنْ ذَلِكَ الجُزْءَ الأَوَّلَ وَالثَّانِي عَلَى أَبِي الفَضْلِ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيِّ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَدِيْبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَرُوْبَةَ بِحَرَّانَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ شَاهِيْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَكَمِ بنِ الأَعْرَجِ، عَنِ الأَشْعَثِ بن ثُرْمُلَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهِداً بِغَيْرِ حِلِّهِ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ أَنْ يَجِدَ رِيْحَهَا (1)).
هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ.
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ يُوْنُسَ.

125 - زَيْدُ بنُ وَاقِدٍ القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم * (خَ، د، س، ق)
أَبُو عُمَرَ - وَيُقَالُ: أَبُو عَمْرٍو - القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم، الدِّمَشْقِيُّ، الفَقِيْهُ.
__________
(1) أخرجه النسائي 8 / 25 في القسامة، باب تعظيم قتل المعاهد وهو في " المسند 5 / 38 و52 وأخرجه من غير هذا الطريق عن أبي بكرة: أحمد 5 / 36، 46، 50، وأبو داود (2760) والدارمي 2 / 235 - 236 وإسناده صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي 2 / 142.
وأخرجه البخاري (3166) في الجزية و(6914) في الديات، وابن ماجه (2686) من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه الترمذي (1403)، وابن ماجه (2687) من حديث أبي هريرة.
(*) تاريخ البخاري 3 / 407، الجرح والتعديل 3 / 574، مشاهير علماء الأمصار =

(6/296)


حَدَّثَ عَنْ: جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَكَثِيْرِ بنِ مُرَّةَ، وَحِزَامِ بنِ حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، وَبُسْرِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَمَكْحُوْلٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ، وَسُوَيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ، وَصَدَقَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ السَّمِيْنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ سُمَيْعٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَدَرِيٌّ، وَلَمْ يَصِحَّ.
رَوَى: الوَلِيْدُ، عَنْهُ، قَالَ:
أَنَا رَأَيْتُ الرَّأسَ الَّذِي يُقَالُ: إِنَّهُ رَأْسُ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- طَرِيٌّ، كَأَنَّمَا قُتِلَ السَّاعَةَ.
وَقَالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ: تُوُفِّيَ زَيْدُ بنُ وَاقِدٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ يُقَالَ لَهُ: الحَسَنُ بنُ أَبِي الحَسَنِ، قَالَ:
لَقَدْ أَدْرَكتُ أَقْوَاماً، لَوْ رَأَوْا خِيَارَكُم، لَقَالُوا: مَا لَهُم مِنْ خَلاَقٍ، وَلَوْ رَأَوْا شِرَارَكُم، لَقَالُوا: أَمَا يُؤْمِنُ هَؤُلاَءِ بِيَوْمِ الحِسَابِ؟!

126 - يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ بنِ أَبِي النِّجَادِ مُشْكَانَ الأَيْلِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو يَزِيْدَ الأَيْلِيُّ، مَوْلَى مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ الأُمَوِيِّ، وَهُوَ أَخُو أَبِي عَلِيٍّ، وَعمُّ عَنْبَسَةَ بنِ خَالِدٍ.
__________
= (179)، تهذيب الكمال (406)، ميزان الاعتدال 2 / 106، تهذيب التهذيب 3 / 426 - 427، خلاصة تهذيب الكمال (129)، شذرات الذهب 1 / 207.
(*) طبقات خليفة (296)، تاريخ البخاري 8 / 406، التاريخ الصغير 2 / 133، الجرح والتعديل 9 / 247 - 248، مشاهير علماء الأمصار (183)، الكامل في التاريخ 5 / 608، تهذيب الكمال (1571)، تذهيب التهذيب 4 / 196 / 1، تذكره الحفاظ 1 / 162، ميزان الاعتدال 4 / 484، تهذيب التهذيب 11 / 450 - 452، خلاصة تذهيب الكمال (441)، شذرات الذهب 1 / 233.

(6/297)


حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ شِهَابٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَالقَاسِمِ، وَعِكْرِمَةَ.
وَعَنْ: أَخِيْهِ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، وَعُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَنَافِعُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَجَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَشَبِيْبُ بنُ سَعِيْدٍ الحَبَطِيُّ، وَرِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ، وَطَلْحَةُ بنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ مَبْرُوْرٍ، وَمُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ الحَكَمِ الجُذَامِيُّ، وَأَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ عَنْبَسَةُ بنُ خَالِدٍ الأَيْلِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَصَحِبَ الزُّهْرِيَّ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً - وَقِيْلَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ - وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ رُفَعَاءِ أَصْحَابِه.
وَكَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: كِتَابُه صَحِيْحٌ.
وَكَذَا قَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ.
وَرَوَى: عَبْدَانُ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ:
إِنِّي إِذَا نَظَرتُ فِي حَدِيْثِ مَعْمَرٍ وَيُوْنُسَ يُعجِبُنِي، كَأَنَّمَا خَرَجَا مِنْ مِشكَاةٍ وَاحِدَةٍ.
وَرَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَرْوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْمَرٍ، إِلاَّ أَنَّ يُوْنُسَ أَحْفَظُ لِلْمُسْنَدِ.
وَفِي لَفظٍ: إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ يُوْنُسَ، فَإِنَّهُ كَتَبَ الكُتُبَ عَلَى الوَجْهِ.
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ:
قَالَ وَكِيْعٌ: رَأَيْتُ يُوْنُسَ بنَ يَزِيْدَ، وَكَانَ سَيِّئَ الحِفْظِ.
قَالَ أَحْمَدُ: سَمِعَ وَكِيْعٌ مِنْهُ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْمَرٍ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ يُوْنُسَ الأَيْلِيِّ، فَإِنَّهُ كَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ هُنَاكَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَرْوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْمَرٍ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ يُوْنُسَ، فَإِنَّهُ كَتَبَ كُلَّ

(6/298)


شَيْءٍ.
قِيْلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: فَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ؟
فَقَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ رَوَى إِبْرَاهِيْمُ عَنِ الزُّهْرِيِّ؟ إِلاَّ أَنَّهُ فِي قِلَّةِ رِوَايَتِه أَقَلُّ خَطَأً مِنْ يُوْنُسَ.
قَالَ: وَرَأَيْتُه يَحْمِلُ عَلَى يُوْنُسَ.
قَالَ الأَثْرَمُ: أَنْكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى يُوْنُسَ، فَقَالَ: كَانَ يَجِيْءُ عَنْ سَعِيْدٍ بِأَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ حَدِيْثِ سَعِيْدٍ.
وَضَعَّفَ أَمرَ يُوْنُسَ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الحَدِيْثَ.
وَكَانَ يَكْتُبُ (أُرَى) أَوَّلَ الكِتَابِ، فَيَنْقَطِعُ الكَلاَمُ، فَيَكُوْنُ أَوَّلُه عَنْ سَعِيْدٍ، وَبَعْضُه عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَيَشتَبِهُ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَيُوْنُسُ يَرْوِي أَحَادِيْثَ مِنْ رَأْيِ الزُّهْرِيِّ، يَجْعَلُهَا عَنْ سَعِيْدٍ، يُوْنُسُ كَثِيْرُ الخَطَأِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعُقَيْلٌ أَقَلُّ خَطَأً.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصْرِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
فِي حَدِيْثِ يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ مُنْكَرَاتٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، مِنْهَا: عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، مَرْفُوْعاً: (فِيْمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ (1)).
وَرَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: رَوَى يُوْنُسُ أَحَادِيْثَ مُنْكَرَةً.
وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: يُوْنُسُ أَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنْ عُقَيْلٍ، وَهُمَا ثِقَتَانِ.
وَرَوَى:
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 274 - 276، في الزكاة، باب: العشر فيما يسقى من ماء السماء والماء الجاري، بلفظ: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا، العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر " وأخرجه أبو داود (1596) في الزكاة، باب: صدقة الزرع، والترمذي (640) في الزكاة، باب: فيما يسقى بالانهار وغيره، والنسائي 5 / 41 في الزكاة، باب: ما يوجب العشر، وما يوجب نصف العشر، وابن ماجه (1817) في الزكاة، باب: صدقة الزروع والثمار.
وفي الباب عن بسر ابن سعيد عند مالك في " الموطأ " وعن جابر عند مسلم (981) وأحمد 3 / 331، 353، وعن علي عند أحمد 1 / 145، وعن معاذ بن جبل، عند الدارمي 1 / 393.

(6/299)


عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ:
أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ: مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَيُوْنُسُ، وَعُقَيْلٌ، وَشُعَيْبٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ.
وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: قُلْتُ لِيَحْيَى: يُوْنُسُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ عُقَيْلٌ؟
فَقَالَ: يُوْنُسُ ثِقَةٌ، وَعُقَيْلٌ ثِقَةٌ، نَبِيْلُ الحَدِيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ:
مَعْمَرٌ، وَيُوْنُسُ: عَالِمَانِ بِالزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ:
أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَزِيَادُ بنُ سَعْدٍ، ثُمَّ مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَيُوْنُسُ مِنْ كِتَابِه.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ: نَحْنُ لاَ نُقَدِّمُ عَلَى يُوْنُسَ فِي الزُّهْرِيِّ أَحَداً، كَانَ الزُّهْرِيُّ يَنْزِلُ إِذَا قَدِمَ أَيْلَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا سَارَ إِلَى المَدِيْنَةِ، زَامَلَه يُوْنُسُ.
وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ: يُوْنُسُ عَارِفٌ بِرَأْيِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، عَالِمٌ بِالزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حُلوُ الحَدِيْثِ، كَثِيْرُه، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، رُبَّمَا جَاءَ بِالشَّيءِ المُنْكَرِ.
قُلْتُ: قَدِ احْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ أَصلاً وَتَبَعاً.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: رُبَّمَا جَاءَ بِالشَّيءِ المُنْكَرِ.
قُلْتُ: لَيْسَ ذَاكَ عِنْدَ أَكْثَرِ الحُفَّاظِ مُنْكَراً (1) ، بَلْ غَرِيْبٌ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: سَأَلْتُ القَاسِمَ وَسَالِماً زَعَمُوا أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِصَعِيْدِ مِصْرَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَالمُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُزَيْزٍ الأَيْلِيُّ: مَاتَ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(1) في الأصل " منكر ".

(6/300)


أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ يَحْيَى المَخْزُوْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ البَزَّازُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (وَاللهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوْبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِيْنَ مَرَّةً) (1).

127 - عُقَيْلُ بنُ خَالِدٍ أَبُو خَالِدٍ الأَيْلِيُّ * (ع)
ابْن عَقِيلٍ، الحَافِظُ، الإِمَامُ، أَبُو خَالِدٍ الأَيْلِيُّ، مَوْلَى آلِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ شِهَابٍ - فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ - وَعَنْ: عِكْرِمَةَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ (2) ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَعِرَاكِ بنِ مَالِكٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِيْهِ؛ خَالِدِ بنِ عَقِيْلٍ (3) ، وَعَمِّهِ؛ زِيَادِ بنِ عَقِيْلٍ (4) ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ سَلاَمَةُ بنُ رَوْحٍ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ رَفِيْقُهُ،
__________
(1) وأخرجه البخاري (6307) في الدعوات، باب: استغفار النبي في اليوم والليلة، والترمذي (3255) في التفسير، باب: ومن سورة محمد، صلى الله عليه وسلم من طريق الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
(*) طبقات خليفة (295)، التاريخ الصغير 2 / 98، 99، مشاهير علماء الأمصار (183)، الكامل في التاريخ 5 / 528، تهذب الكمال (950)، تذهيب التهذيب 3 / 48 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 89، تهذيب التهذيب 7 / 255 - 256، خلاصة تذهيب الكمال (306)، شذرات الذهب 1 / 216.
(2) في الأصل: " عمر وشعيب " والصحيح ما أثبتناه.
(3 و4) زيادات من تهذيب الكمال.

(6/301)


وَاللَّيْثُ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَضِمَامُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَجَّاجُ بنُ فُرَافِصَةَ، وَجَابِرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَضْرَمِيُّ، وَمُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَلْمَانَ الحَجْرِيُّ، وَرِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ، وَنَافِعُ بنُ يَزِيْدَ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عُقَيْلٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يُوْنُسَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ لإِسْحَاقَ، وَإِسْحَاقُ يَقْرَأُ عَلَيْهِ كِتَابَ الجِهَادِ: عُقَيْلٌ أَثْبَتُ عِنْدَكم أَوْ يُوْنُسُ؟
قَالَ إِسْحَاقُ: عُقَيْلٌ حَافِظٌ، وَيُوْنُسُ صَاحِبُ كِتَابٍ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ عُقَيْلٌ بِأَيْلَةَ، وَكَانَ ثِقَةً.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْ عُقَيْلٍ وَمَعْمَرٍ، فَقَالَ:
عُقَيْلٌ أَثْبَتُ، كَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَكُوْنَ بِأَيْلَةَ، وَلِلزُّهْرِيِّ هُنَاكَ ضَيعَةٌ، فَكَانَ يَكْتُبُ عَنْهُ هُنَاكَ.
عَبَّاسٌ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ: مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَيُوْنُسُ، وَعُقَيْلٌ، وَشُعَيْبٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ.
وَقَالَ المُفَضَّلُ بنُ غَسَّانَ: قَالَ المَاجَشُوْنُ: كَانَ عُقَيْلٌ شُرَطِيّاً عِنْدَنَا بِالمَدِيْنَةِ، وَمَاتَ بِمِصْرَ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُزَيْزٍ الأَيْلِيُّ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَرَوَى: أَبُو الطَّاهِرِ بنُ السَّرْحِ، عَنْ خَالِهِ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: مَاتَ سنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ بِالفُسْطَاطِ فَجَأَةً، بِالمَغَافِيرِ (1) ، سنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ (2) .
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الطَّائِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ قِرَاءةً وَأَنَا حَاضِرٌ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ المُسْلِمِ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ المُطبقِيِّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
__________
(1) ما يسيل من شجر العرفط، والعسل الابيض، وهو شراب حلو تنقبض منه الشفاه، وربما عنى المصنف: أنه مات مسموما به.
(2) كتب على الأصل، إلى جانب اسم " عقيل " ما نصه: سعيد بن هلال كتب بعد عقيل.

(6/302)


بنُ عُزَيْزٍ، حَدَّثَنَا سَلاَمَةُ بنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيْرٍ (1) .
وَبِالإِسْنَادِ: تُوُفِّيَ الحُسَيْنُ (2) لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَاجِّ الإِشْبِيْلِيُّ الشَّاهِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السِّنْدِيِّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُزَيْزٍ الأَيْلِيُّ بِأَيْلَةَ، حَدَّثَنَا سَلاَمَةُ بنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَكْثَرُ أَهْلِ الجَنَّةِ البُلْهُ) (3).
128 - سَعِيْدُ بنُ أَبِي هِلاَلٍ اللَّيْثِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو العَلاَءِ اللَّيْثِيُّ مَوْلاَهُم، المِصْرِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ.
__________
(1) سلامة بن روح ضعيف، لكن الحديث صحيح من طريق آخر، فقد أخرجه البخاري 3 / 291، ومسلم (984)، وأبو داود (1611)، والنسائي 5 / 47، والترمذي (676)، كلهم من طريق: نافع عن ابن عمر قال: " فرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زكاة الفطر، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والانثى، والكبير والصغير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ".
(2) يريد الحسين بن محمد ابن المطبقي، أحد رجال السند وقد أرخ المؤلف وفاته في " العبر " 2 / 212 فيمن مات سنة 328، وانظر ترجمته، في " تاريخ بغداد " 8 / 97.
(3) إسناده ضعيف لضعف سلامة بن روح.
قال أبو زرعة: ضعيف منكر الحديث.
وقال أبو حاتم: سلامة بن روح ليس بالقوي، محله عندي محل الغفلة.
وأخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " 4 / 121، والبزار، والديلمي في " مسنديهما " والبيهقي في " الشعب " والخلعي في " فوائده " كلهم من حديث سلامة بن روح، عن عقيل بن خالد به.
ولو سلمنا بصحته فإن معناه كما نقل أبو جعفر الطحاوي، عن أحمد بن أبي عمر: أنهم البله عن محارم الله سبحانه وتعالى لا من سواهم ممن به نقص العقل بالبله.
(*) تاريخ البخاري 3 / 519، الجرح والتعديل 4 / 71، مشاهير علماء الأمصار 190، =

(6/303)


رَوَى عَنْ: نُعَيْمٍ المُجْمِرِ، وَعَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ أَبِي بَزَّةَ، وَقَتَادَةَ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وَنَافِعٍ، وَابْنِ شِهَابٍ.
وَأَرْسَلَ عَنْ: جَابِرٍ، وَغَيْرِه.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَهِشَامُ بنُ سَعْدٍ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
مَوْلِدُه: سَنَة سَبْعِيْنَ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَهُ: ابْنُ يُوْنُسَ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ نَشَأَ بِالمَدِيْنَةِ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ، أَحَدُ شُيُوْخِهِ.

129 - عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ العَدَوِيُّ * (ع)
ابنِ حَفْصِ بنِ عَاصِمٍ ابْنِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ.
الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، الحَافِظُ، أَبُو عُثْمَانَ القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، ثُمَّ العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ.
وُلِدَ: بَعْدَ السَّبْعِيْنَ، أَوْ نَحْوِهَا.
وَلَحِقَ أُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ خَالِدٍ الصَّحَابِيَّةَ، وَسَمِعَ مِنْهَا، فَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالقَاسِمِ بنِ
__________
= تهذيب الكمال: 510، تذهيب التهذيب 2 / 30 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 162، خلاصة تذهيب الكمال 143، شذرات الذهب 1 / 192.
(*) طبقات خليفة (268)، تاريخ البخاري 5 / 395، التاريخ الصغير 1 / 322، الجرح والتعديل 5 / 326، ثقات ابن حبان 3 / 146، مشاهير علماء الأمصار 132، الكامل في التاريخ 5 / 374، تهذيب الكمال (887 - 888)، تذهيب التهذيب 3 / 19 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 160 - 161، تهذيب التهذيب 7 / 38، طبقات الحفاظ (70)، خلاصة تذهيب الكمال 252، شذرات الذهب 1 / 219.

(6/304)


مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَخَالِهِ؛ حَبِيْبِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَوَهْبِ بنِ كَيْسَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَسُمَيٍّ، وَسُهَيْلٍ، وَسَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَطَلْحَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَزَائِدَةُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَعَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ سُمَيْعٍ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ: مَالِكٍ، وَأَيُّوْبَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، أَيُّهُم أَثْبَتُ فِي نَافِعٍ؟
قَالَ: عُبَيْدُ اللهِ أَثبتُهم، وَأَحْفَظُهم، وَأَكْثَرُهم رِوَايَةً.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: عُبَيْدُ اللهِ مِنَ الثِّقَاتِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ عُبَيْدُ اللهِ؟
قَالَ: كِلاَهُمَا، وَلَمْ يُفضِّلْ.
وَرَوَى: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ الطّيَالِسِيُّ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: الذَّهَبُ المُشَبَّكُ بِالدُّرِّ (1) .
قُلْتُ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؟
فَقَالَ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ.
وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الهِسِنْجَانِيُّ (2) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، قَالَ:
__________
(1) جاء في هامش الأصل ما نصه: يعني هذا الإسناد المشبك.
(2) الهسنجاني: نسبة إلى قرية من قرى الري، يقال لها: حسنكان، فعرب، فقيل: هسنجان.

(6/305)


عُبَيْدُ اللهِ فِي نَافِعٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَالِكٍ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
قُلْتُ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يُقَدِّمُ قُرَيْشاً عَلَى النَّاسِ وَعَلَى مَوَالِيْهِم.
فَقَالَ قَطَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، عَنِ الحُسَيْنِ بنِ الوَلِيْدِ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَالَ: كُنَّا عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، وَمَعَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، فَأَخَذَ الكِتَابَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَقَرَأَ.
فَقَالَ: انْتسِبْ.
قَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ يَسَارٍ.
قَالَ: ضَعِ الكِتَابَ مِنْ يَدِكَ.
قَالَ: فَأَخَذَه مَالِكٌ، فَقَالَ: انْتسِبْ.
قَالَ: أَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ الأَصْبَحِيُّ.
فَقَالَ: ضَعِ الكِتَابَ.
فَأَخَذَه عُبَيْدُ اللهِ، فَقَالَ: انْتسِبْ.
قَالَ: أَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْصِ بنِ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ.
قَالَ: اقْرَأْ.
فَجَمِيْعُ مَا سَمِعَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ يَوْمَئِذٍ بقِرَاءةِ عُبَيْدِ اللهِ.
وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، قَالَ:
لَمَّا نَشَأتُ، فَأَردتُ أَنْ أَطْلُبَ العِلْمَ، فَجَعَلتُ آتِي أَشْيَاخَ آلِ عُمَر رَجُلاً رَجُلاً، فَأَقُوْلُ: مَا سَمِعْتَ مِنْ سَالِمٍ؟
فَكُلَّمَا أَتَيْتُ رَجُلاً مِنْهُم، قَالَ: عَلَيْكَ بِابْنِ شِهَابٍ؛ فَإِنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَانَ يَلْزَمُه.
قَالَ: وَابْنُ شِهَابٍ بِالشَّامِ حِيْنَئِذٍ، فَلَزِمتُ نَافِعاً، فَجَعَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ خَيْراً كَثِيْراً.
وَرُوِيَ عَنْ: سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ:
قَدِمَ عَلَيْنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الكُوْفَةَ؛ فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: شِنْتُمُ العِلْمَ، وَأَذْهَبتُم نُوْرَه، لَوْ أَدْرَكَنَا عُمَرُ وَإِيَّاكُم أَوْجَعَنَا ضَرباً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَنْجَوَيْه: كَانَ عُبَيْدُ اللهِ مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَأَشرَافِ قُرَيْشٍ فَضْلاً، وَعِلماً، وَعِبَادَةً، وَشَرفاً، وَحِفظاً، وَاتِّفَاقاً.
قُلْتُ: كَانَ أَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ يَهَابُه، وَيُجِلُّه، وَيَمْتَنِعُ مِنَ الرِّوَايَةِ مَعَ وُجُوْدِ عُبَيْدِ اللهِ، فَمَا حَدَّثَ حَتَّى تُوُفِّيَ عُبَيْدُ اللهِ.
قَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، أَوْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.

(6/306)


أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ مَرَّاتٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ قِرَاءةً وَأَنَا فِي الرَّابِعَةِ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ العَلاَء بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ بُدَيْلٍ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بنُ نُوْحٍ الحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
أَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفَرَسٍ، فَقَالَ: (احْمِلْ عَلَى هَذَا فِي سَبِيْلِ اللهِ).
ثُمَّ رَآهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَامُ فِي السُّوْقِ، فَأَخبرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَشْتَرِيه يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
فَقَالَ: (لاَ تَشْتَرِهِ، وَلاَ تَرْجِعْ فِي هِبَتِكَ (1)).
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الآنمِيُّ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا مَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الجَمَّالُ (ح).
وَأَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ مَسْعُوْدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ السِّمْسَارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ آطَامِ المَدِيْنَةِ أَنْ تُهدَمَ (2) .
قِيْلَ: إِنَّ حَدِيْثَ عُبَيْدِ اللهِ يَبلُغُ أَرْبَعَ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَأَظُنُّه أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.

130 - يَزِيْدُ بنُ عَبِيْدَةَ السَّكُوْنِيُّ *(ق)
ابنِ أَبِي المُهَاجِرِ، مِنْ عُلَمَاءِ دِمَشْقَ.
__________
(1) وأخرجه مسلم 3 / 1240 من طرق: عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.
وأخرجه مالك 1 / 282، ومن طريقه البخاري 3 / 279 و5 / 279، ومسلم (1620) عن زيد ابن أسلم، عن أبيه، عن عمر.
وأخرجه مالك 1 / 282، ومن طريقه مسلم (1621) عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر.
وأخرجه البخاري 3 / 279 من طريق الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله بن عمر عن عمر.
وأخرجه عبد الرزاق (16572) عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر.
(2) خبر باطل، آفته: أحمد بن جعفر السمسار.
قال المؤلف في " الميزان " ذكر ابن طاهر أنه مشهور بالوضع، ثم قال: وأظنه الذي بعده.
قال ابن الفرات الحافظ: ليس بثقة.
(*) تاريخ البخاري 8 / 348، الجرج والتعديل 9 / 279، تهذيب الكمال 1538، =

(6/307)


رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُسْلِمِ بنِ مِشْكَمٍ، وَأَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَعُثْمَانُ بنُ حِصْنٍ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ شَابُوْرٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ شَابُوْرٍ: سَمِعْتُه يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ كَيْفَ وَصفَ اللهُ نَفْسَه، فَلْيَقرَأِ شَيْئاً مِنْ أَوَّلِ الحَدِيْدِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِي جَوَابِ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ: صَدُوْقٌ، مَا بِهِ بَأْسٌ.

131 - أَبَانُ بنُ تَغْلِبَ الرَّبَعِيُّ الكُوْفِيُّ * (م، 4)
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، أَبُو سَعْدٍ.
وَقِيْلَ: أَبُو أُمَيَّةَ الرَّبَعِيُّ، الكُوْفِيُّ، الشِّيْعِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَعَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَفُضَيْلِ بنِ عَمْرٍو الفُقَيْمِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَهُوَ مِنْ أَسْنَانِ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، لَمْ يُعدَّ فِي التَّابِعِيْنَ، لَكِنَّهُ قَدِيْمُ المَوْتِ.
أَخَذَ القِرَاءةَ عَنْ: طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَتَلقَّى الحِفظَ مِنَ الأَعْمَشِ.
حَدَّثَ عَنْهُ عَددٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: إِدْرِيْسُ بنُ يَزِيْدَ الأَوْدِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ الأَوْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَتَلاَ عَلَيْهِ.
وَهُوَ صَدُوْقٌ فِي نَفْسِهِ، عَالِمٌ كَبِيْرٌ، وَبِدعتُه خَفِيْفَةٌ، لاَ يَتعرَّضُ لِلْكبَارِ، وَحَدِيْثُه يَكُوْنُ نَحْوُ المائَةِ، لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ البُخَارِيُّ، تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَسَعْدُ بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى بنِ
__________
= تذهيب التهذيب 4 / 178 / 1، تهذيب التهذيب 11 / 350، خلاصة تذهيب الكمال: 433.
(*) طبقات خليفة (166)، تاريخ البخاري 1 / 453، الجرح والتعديل 2 / 396 - 397، مشاهير علماء الأمصار (164)، الكامل في التاريخ 5 / 508، تهذيب الكمال
(48)، تذهيب التهذيب 1 / 30 / 2، الوافي بالوفيات 5 / 300، تهذيب التهذيب 1 / 93، خلاصة تذهيب الكمال 14 - 15.

(6/308)


سَعِيْدٍ، وَالسَّيِّدُ الحُسَيْنُ بنُ زَيْنِ العَابِدِيْنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ العَلَوِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاشِدٍ، وَوَالِدُ جُوَيْرِيَةَ أَسْمَاءُ بنُ عُبَيْدٍ، وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ صَاحِبُ (المَغَازِي)، وَالقَاسِمُ بنُ الوَلِيْدِ الهَمْدَانِيُّ الكُوْفِيُّ، وَعُثْمَانُ البَتِّيُّ الفَقِيْهُ، وَعَاصِمُ بنُ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلُ - باخْتِلاَفٍ فِيْهِمَا - وَأمِيْرُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ: مُوْسَى بنُ كَعْبٍ التَّمِيْمِيُّ.

132 - أَيْمَنُ بنُ نَابِلٍ أَبُو عِمْرَانَ الحَبَشِيُّ * (خَ، ت، س، ق)
المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، المُعَمَّرُ، أَبُو عِمْرَانَ الحَبَشِيُّ، المَكِّيُّ، الضَّرِيْرُ، الطَّوِيْلُ، مِنْ مَوَالِي آلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ.
رَوَى عَنْ: قُدَامَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ - وَلَهُ صُحْبَةٌ مَا (1) - وَعَنْ: طَاوُوْسٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَخَلْقٌ.
وَكَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ حَسنَ الرَّأيِ فِيْهِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا انْفردَ.
__________
(*) طبقات خليفة، (283)، تاريخ البخاري: 2 / 27، الجرح والتعديل 2 / 319، كتاب المجروحين 1 / 183، تهذيب الكمال 135، تذهيب التهذيب 1 / 76 /، ميزان الاعتدال 1 / 283 - 284، العقد الثمين: 3 / 344، تهذيب التهذيب 1 / 393، خلاصة تذهيب الكمال 42.
(1) روى عنه أيمن بن نابل حديثه الذي قال فيه: " رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، يرمي الجمار على ناقة صهباء، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك " وهو حديث حسن أخرجه أحمد 3 / 413، والترمذي (903)، والنسائي 5 / 270، وابن ماجه (3035)، وصححه الحاكم 1 / 466 ووافقه الذهبي في مختصره.
قال الطيبي: أي ما كانوا يضربون الناس ولا يطردونهم، ولا يقولون: تنحوا عن الطريق كما هو عادة الملوك والجبابرة.

(6/309)


قُلْتُ: وَكَانَ مِنَ العبَادِ الأَخْيَارِ.
قُلْتُ: لاَ يُعْرَفُ قُدَامَةُ إِلاَّ مِنْ جِهَةِ أَيْمَنَ، إِلاَّ مِنْ رِوَايَةِ يَعْقُوْبَ بنِ مُحَمَّدٍ (1) ، حَدَّثَنَا عُرَيْفُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ كِلاَبٍ، سَمِعْتُ عَمِّي قُدَامَةَ الكِلاَبِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخطُبُ بِعَرَفَةَ (2) .

133 - ابْنُ أَبِي لَيْلَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ * (4)
ابنُ أَبِي لَيْلَى، العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، مُفْتِي الكُوْفَةِ، وَقَاضِيهَا، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، الكُوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَمَاتَ أَبُوْهُ وَهَذَا صَبِيٌّ، لَمْ يَأْخُذْ عَنْ أَبِيْهِ شَيْئاً، بَلْ أَخَذَ عَنْ أَخِيْهِ عِيْسَى، عَنْ أَبِيْهِ.
وَأَخَذَ عَنِ: الشَّعْبِيِّ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالقَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَالمِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَالحَكَمِ بنِ
__________
(1) أي أن قدامة يعرف من جهة أيمن، ومن جهة حميد بن كلاب.
(2) إسناده ضعيف.
يعقوب بن محمد هو ابن عيسى الزهري المدني، كثير الوهم، يروي عن الضعفاء.
قال أبو زرعة: ليس بشيء، يقارب الواقدي.
وعريف بن إبراهيم مجهول، وكذا حميد بن كلاب.
وقد أورد الحديث الحافظ في الإصابة في ترجمة قدامة بن عبد الله ت 7078 عن اليعقوبي وقال: وفيه تعقب على قول مسلم، والحاكم، والاسدي، وغيرهم، أن أيمن تفرد بالرواية عن قتادة.
(*) طبقات ابن سعد 6 / 358، طبقات خليفة (167)، تاريخ البخاري 1 / 162، التاريخ الصغير 2 / 91، المعارف (494)، الجرح والتعديل 7 / 322 - 323، كتاب المجروحين.
2 / 243، الفهرست 202، طبقات الشيرازي 84، الكامل في التاريخ 5 / 249 و589، وفيات الأعيان 4 / 179 - 181، تهذيب الكمال (1230 - 1231)، تذهيب التهذيب 3 / 224 / 1 - 2، تاريخ الإسلام 6 / 123، ميزان الاعتدال 3 / 613 - 616، الوافي بالوفيات 3 / 221، غاية النهاية 2 / 165، تهذيب التهذيب 9 / 301 - 303، خلاصة تذهيب الكمال 348، طبقات المفسرين 1 / 269.

(6/310)


عُتَيْبَةَ، وَحُمَيْضَةَ بنِ الشَّمَرْدَلِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، وَثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ، وَأَجْلَحَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدِ بنِ زُرَارَةَ، وَدَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ الأَمِيْرِ، وَابْنِ أَخِيْهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ عِيْسَى، وَغَيْرِهم.
حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَزَائِدَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ.
كَانَ فِيْمَا يَحْفَظُ كِتَابَ اللهِ، تَلاَ عَلَى: أَخِيْهِ عِيْسَى.
وَعَرضَ عَلَى: الشَّعْبِيِّ، عَنْ تِلاَوَتِهِ عَلَى عَلْقَمَةَ، وَتَلاَ أَيْضاً عَلَى: المِنْهَالِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ.
رَوَى عَنْهُ أَيْضاً: أَحْوَصُ بنُ جَوَّابٍ، وَعَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي قَيْسٍ الرَّازِيُّ، وَعُقْبَةُ بنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ دَاوُدَ الخُرَيْبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَمُحَمَّدُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَوَكِيْعٌ، وَعِيْسَى بنُ المُخْتَارِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عِيْسَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَكَانَ نَظِيْراً لِلإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ فِي الفِقْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُضَعِّفُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى.
قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ سَيِّئَ الحِفظِ، مُضْطَرِبَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ فِقهُهُ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ حَدِيْثِهِ.
وَقَالَ أَيْضاً: هُوَ فِي عَطَاءٍ أَكْثَرُ خَطَأً.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ بِذَاكَ.
أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسوأَ حِفْظاً مِنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَفَادنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَحَادِيْثَ؛ فَإِذَا هِيَ مَقْلُوْبَةٌ.
وَرَوَى: أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ، قَالَ:
كَانَ زَائِدَةُ لاَ يَرْوِي عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، كَانَ قَدْ تَرَكَ حَدِيْثَه.
وَرَوَى: أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ، قَالَ:
ذَكرَ زَائِدَةُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، فَقَالَ: كَانَ أَفْقَهَ أَهْلِ الدُّنْيَا. وَرَوَى: ابْنُ

(6/311)


حُمَيْدٍ، عَنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ: رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
قَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ فَقِيْهاً، صَاحِبَ سُنَّةٍ، صَدُوقاً، جَائِزَ الحَدِيْثِ، وَكَانَ قَارِئاً لِلْقُرْآنِ، عَالِماً بِهِ.
قَرَأَ عَلَيْهِ: حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، فَكَانَ يَقُوْلُ: إِنَّا تَعَلَّمْنَا جُوْدَةَ القِرَاءةِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
وَكَانَ مِنْ أَحسَبِ النَّاسِ، وَمِنْ أَنقَطِ النَّاسِ لِلْمُصْحَفِ، وَأَخَطِّهِ بِقَلَمٍ، وَكَانَ جَمِيْلاً، نَبِيْلاً.
وَأَوَّلُ مَنِ اسْتقْضَاهُ عَلَى الكُوْفَةِ: الأَمِيْرُ يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ، عَامِلُ بَنِي أُمَيَّةَ، فَكَانَ يَرْزُقُه فِي كُلِّ شَهْرٍ مائَةَ دِرْهَمٍ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ صَالِحٌ، لَيْسَ بِأَقوَى مَا يَكُوْنُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَكَانَ سَيِّئَ الحِفظِ، شُغلَ بِالقَضَاءِ، فَسَاءَ حِفْظُه، لاَ يُتَّهَمُ، إِنَّمَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ كَثْرَةُ الخطَأِ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ، هُوَ وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ مَا أَقْرَبَهُمَا!
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَدِيْءُ الحِفْظِ، كَثِيْرُ الوَهْمِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: عَامَّةُ أَحَادِيْثِه مَقْلُوْبَةٌ.
ابْنُ خِرَاشٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ شَاذَانَ، عَنْ سَعْدِ بنِ الصَّلْتِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لاَ يُجِيْزُ قَوْلَ مَنْ لاَ يَشْرَبُ النَّبِيْذَ (1) .
قُلْتُ: هَذَا غُلُوٌّ،
__________
(1) معظم الكوفيين، ومنهم ابن أبي ليلى، يقولون بحلية نبيذ الحنطة، والتين، والشعير، والذرة، والعسل نقيعها ومطبوخها، وإنما يحرم عندهم المسكر منه، ويحد فيه إذا شرب الكثير فأسكره.
وهو قول مجانب للصواب، مباين لما جاء عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الأحاديث الصحيحة في هذا الباب.
فقد صح عنه، صلى الله عليه وسلم، من حديث جابر: " ما أسكر كثيره فقليله حرام " أخرجه أبو داود (3681)، والترمذي (1866)، وابن ماجه (3391) وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1385)، وأخرج البخاري 8 / 50، ومسلم 3 / 1586، رقم الحديث (70) من حديث عائشة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " كل شراب أسكر فهو حرام " وفي " الموطأ " 2 / 845، والبخاري 10 / 35، ومسلم (2001) عنها رضي الله عنها أنها قالت: سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن البتع فقال: " كل شراب أسكر حرام " والبتع: نبيذ العسل.
=

(6/312)


وَعَكسُهُ أَوْلَى.
وَقَالَ بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ القَاضِي أَبَا يُوْسُفَ يَقُوْلُ: مَا وَلِيَ القَضَاءَ أَحَدٌ أَفْقَهُ فِي دِيْنِ اللهِ، وَلاَ أَقرَأُ لِكِتَابِ اللهِ، وَلاَ أَقْوَلُ حَقّاً بِاللهِ، وَلاَ أَعفُّ عَنِ الأَمْوَالِ مِنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
قُلْتُ: فَابْنُ شُبْرُمَةَ؟
قَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ مِكثَارٌ.
قَالَ بِشْرٌ: وَوَلِيَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ القَضَاءَ مِنْ غَيْرِ مَشُوْرَةِ أَبِي يُوْسُفَ، فَاشْتدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي وَلِحَسَنٍ اللُّؤْلُؤِيِّ: تَتَبَّعَا قَضَايَاهُ.
فَتتبَّعْنَا قَضَايَاهُ، فَلَمَّا نَظَرَ فِيْهَا، قَالَ: هَذَا مِنْ قَضَاءِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
ثُمَّ قَالَ: تَتبَّعُوا الشُّروطَ وَالسِّجلاَّتِ.
فَفَعَلْنَا، فَلَمَّا نَظَرَ فِيْهَا، قَالَ: حَفْصٌ وَنُظرَاؤُهُ يُعَانُوْنَ بِقِيَامِ اللَّيلِ.
__________
= وروى البخاري 10 / 39 عن ابن عمر قال: خطب عمر رضى الله عنه، على منبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل.
والخمر ما خامر العقل " ففي هذه الأحاديث دليل واضح على بطلان
قول من زعم أن الخمر إنما هي عصير العنب أو الرطب النئ الشديد منه، وعلى فساد قول من زعم ألا خمر إلا من العنب، أو الزبيب أو الرطب، أو التمر.
بل كل مسكر خمر، وأن الخمر ما يخامر العقل.
وتخصيص الاشياء الخمسة الواردة في أثر عمر بالذكر ليس لان الخمر لا تكون إلا منها، بل كل ما كان في معناها: من ذرة وسلت وغيرهما فحكمه حكمها.
وتخصيصها بالذكر لكونها معهودة في ذلك الزمان.
وفي قوله " ما أسكر كثيره فقليله حرام " دليل على أن التحريم في جنس المسكر، ولا يتوقف على السكر، بل الشربة الأولى منه، في التحريم ولزوم الحد مثل الشربة الأخيرة التي يحصل منها السكر، لان جميع أجزائه في المعاونة على السكر سواء.
وفي " الموطأ " 2 / 842 بسند صحيح عن السائب بن يزيد، أن عمر قال: إنى وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شرب الطلاء، وأنا سائل عم شرب، فإن كان يكسر جلدته، فجلده الحد تاما.
وقال علي رضي الله عنه: لا أوتى بأحد شرب خمرا، ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد.
وأما النبيذ المباح، الذي ورد في الحديث الصحيح، فهو أن ينقع في الماء تمرات من الليل، ثم يشرب في الصباح، وسمي نبيذا لأنه ينبذ في الاناء: أي يطرح فيه.
فالنبيذ المباح هو النقيع ما لم يشتد، فإذا اشتد وغلا حرم.

(6/313)


يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ، فَجَعَلَ يَسْأَلُنِي، فَكَأَنَّ أَصْحَابَه أَنْكَرُوا، وَقَالُوا: تَسْأَلُهُ؟!
قَالَ: وَمَا تُنكِرُوْنَ؟ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي.
قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: وَكَانَ عَطَاءٌ عَالِماً بِالحجِّ.
رَوَى: الخُرَيْبِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ سَافِرِيٍّ، قَالَ:
سَأَلْتُ مَنْصُوْراً: مَنْ أَفْقَهُ أَهْلِ الكُوْفَةِ؟
قَالَ: قَاضِيهَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَدِيْءَ الحِفْظِ، فَاحشَ الخَطَأِ، فَكَثُرَ فِي حَدِيْثِهِ المَنَاكِيْرُ، فَاسْتحقَّ التَّرْكَ.
تَرَكَهُ: أَحْمَدُ، وَيَحْيَى.
قُلْتُ: لَمْ نَرَهُمَا تَرَكَاهُ، بَلْ لَيَّنَا حَدِيْثَه.
وَقَدْ قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: مِنْ جَلاَلَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى عَشْرَةِ شُيُوْخٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَعْلَى المُحَارِبِيُّ: طَرحَ زَائِدَةُ حَدِيْثَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَفْقَهَ أَهْلِ الدُّنْيَا.
وَقَالَ عَائِذُ بنُ حَبِيْبٍ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُوْلُ:
مَا أَقْرعَ فِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ حَقٌّ، وَمَا لَمْ يُقْرِعْ فِيْهِ، فَهُوَ قِمَارٌ.
قَالَ الخُرَيْبِيُّ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: فُقهَاؤُنَا: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّارُ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَرْبِيُّ، أَنْبَأَنَا مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رَزِيْنٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ الرَّبِيْعِ بنِ عُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي سَرِيْحَةَ الغِفَارِيِّ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عَشرُ آيَاتٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسفٌ بِجَزِيْرَةِ العَرَبِ، وَالدَّابَّةُ، وَالدُّخَانُ، وَالدَّجَالُ، وَابْنُ مَرْيَمَ، وَيَأْجُوْجُ وَمَأْجُوْجُ، وَرِيْحٌ تَسْفِيْهِم،

(6/314)


تَطرحُهُم فِي البَحْرِ، وَطُلُوْعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا).
هَذَا غَرِيْبٌ.
وَأَصلُ الحَدِيْثِ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (1)) مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ أَبِي سَرِيْحَةَ.
أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ: عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، قُلتَ: نَذِيْرُ قَوْمٍ أُهْلِكُوا، أَوْ صَبَّحَهُمُ العَذَابُ بُكْرَةً، فَإِذَا سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَطْيَبُ النَّاسِ نَفْساً، وَأَطْلَقُهُم وَجْهاً، وَأَكْثَرُهُم ضَحِكاً -أَوْ قَالَ: تَبَسُّماً-.
هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ.
ابْنُ حِبَّانَ (2) ، قَالَ: وَرَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ المَازِنِيِّ، قَالَ:
كَانَ أَذَانُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَفْعاً شَفْعاً، وَإِقَامَتُه شَفعاً شَفعاً.
رَوَاهُ: حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَهَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ، لاَ أَصلَ لِرَفْعِهِ.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي ظَبْيَةَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ:
عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوْعاً: (إِذَا ضَحِكَ الرَّجُلُ فِي صَلاَتِهِ، فَعَلَيْهِ الوُضُوْءُ وَالصَّلاَةُ، وَإِذَا تَبَسَّمَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ (3)).
قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ الحَرَسْتَانِيُّ حُضُوْراً، أَنْبَأَنَا ابْنُ
__________
(1) رقم (2901) (40) في الفتن، باب: ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال.
وأخرجه أبو داود (4311) في الملاحم، باب: أمارات الساعة، والترمذي (2184) في الفتن، باب: ما جاء في الخسف.
(2) في " المجروحين " 2 / 245 والزيادة منه.
(3) كتاب المجروجين 2 / 245، وقد تصحف فيه: ابن أبي ظبية إلى " أبي طيبة ".
وانظر نصب الراية 1 / 49.

(6/315)


المُسَلَّمِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عِيْسَى الرَّقِّيُّ بِعَرَفَةَ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي تَطَوُّعاً، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ مِنَ النَّارِ) (1).

134 - كَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ التَّمِيْمِيُّ الحَنَفِيُّ البَصْرِيُّ * (ع)
العَابِدُ، أَبُو الحَسَنِ، مِنْ كِبَارِ الثِّقَاتِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الطُّفَيْلِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، وَأَبِي السَّلِيْلِ (2) ضُرَيْبِ بنِ نُقَيْرٍ، وَيَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَمُعْتَمِرٌ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَمَّادٍ الشُّعَيْثِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
ذَكرَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَزِيَادَةٌ.
أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، قَالَ: كَانَ
__________
(1) يوسف بن بحر ضعيف.
ضعفه الدار قطني، وقال الحاكم في " الكنى ": ليس حديثه بالمتين.
وقال ابن عدي: ليس بالقوي في الحديث، روى عن الثقات مناكير.
(*) طبقات خليفة (221)، تاريخ البخاري: 7 / 239، التاريخ الصغير 2 / 318، الجرح والتعديل 7 / 170 - 171، تذكرة الحفاظ 1 / 174، ميزان الاعتدال 3 / 415 - 419، تهذيب التهذيب 8 / 540، خلاصة تذهيب الكمال 322، شذرات الذهب 1 / 225.
(2) في الأصل " السبيل " والتصحيح من الخلاصة والتقريب.

(6/316)


كَهْمَسٌ يُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيلَةِ أَلفَ رَكْعَةٍ، فَإِذَا مَلَّ، قَالَ: قُوْمِي يَا مَأْوَى كُلِّ سُوءٍ، فَوَاللهِ مَا رَضيْتُكِ للهِ سَاعَةً.
وَقِيْلَ: إِنَّ كَهْمَساً سَقطَ مِنْهُ دِيْنَارٌ، فَفتَّشَ، فَلَقِيَهُ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ، وَقَالَ: لَعَلَّهُ غَيرُهُ.
وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- بَرّاً بِأُمِّهِ، فَلَمَّا مَاتتْ حَجَّ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ يَعْمَلُ فِي الجَصِّ، وَكَانَ يُؤَذِّنُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ البَصْرِيُّ: اشْتَرَى كَهْمَسٌ دَقِيْقاً بِدِرْهَمٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ كَالَه، فَإِذَا هُوَ كَمَا وَضَعَهُ.
تُوُفِّيَ: كَهْمَسٌ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ مِنْ حَملَةِ الحُجَّةِ.
قَالَ أَبُو عَطَاءٍ الرَّمْلِيُّ: كَانَ كَهْمَسٌ يَقُوْلُ فِي اللَّيْلِ: أَتُرَاكَ مُعذِّبِي، وَأَنْتَ قُرَّةُ عَيْنِي، يَا حَبِيْبَ قَلْبَاهُ!.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ عَقربٍ، فَدَخَلتْ فِي جُحْرٍ، فَأَدخلَ أَصَابِعَهُ خَلْفَهَا، فَضَرَبتْهُ.
فَقِيْلَ لَهُ، قَالَ: خِفتُ أَنْ تَخْرُجَ، فَتَجِيْءَ إِلَى أُمِّي تَلدَغُهَا.

135 - مُحَمَّدُ بنُ عَجْلاَنَ القُرَشِيُّ المَدَنِيُّ * (خت، م، 4)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الصَّادِقُ، بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ، المَدَنِيُّ، وَكَانَ عَجْلاَنُ مَوْلَى لِفَاطِمَةَ بِنْتِ الوَلِيْدِ بنِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
وُلِدَ: فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَأَبِي حَازِمٍ سَلْمَانَ الأَشْجَعِيِّ - وَهُوَ أَقدمُ شَيْخٍ لَهُ - وَرَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، وَنَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ
__________
(*) طبقات خليفة: (270)، تاريخ البخاري 1 / 196، التاريخ الصغير 1 / 219، الجرح والتعديل 8 / 49، مشاهير علماء الأمصار (140)، الكامل في التاريخ 5 / 552، 589، تهذيب الكمال (1241 - 1242)، تذهيب التهذيب 3 / 131 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 644 - 647، الوافي بالوفيات: 4 / 92، تهذيب التهذيب 9 / 341 - 342، خلاصة تذهيب الكمال (351).

(6/317)


بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، وَالنُّعْمَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، وَأَبِي الحُبَابِ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ، وَصَيْفِيٍّ مَوْلَى أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، وَعَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مِقْسَمٍ، وَعَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ، وَالقَعْقَاعِ بنِ حَكِيْمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَوَى عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ إِنْ صَحَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَمَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَزَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ - وَمَاتَ قَبْلَه بِدَهْرٍ - وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ بُخْتٍ كَذَلِكَ، وَصَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَبَكْرُ بنُ مُضَرَ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ المَكِّيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَصَفْوَانُ بنُ عِيْسَى، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ فَقِيْهاً، مُفْتِياً، عَابِداً، صَدُوقاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، لَهُ حَلْقَةٌ كَبِيْرَةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَدْ خَرَجَ عَلَى المَنْصُوْرِ مَعَ ابْنِ حَسَنٍ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ حَسَنٍ همَّ وَالِي المَدِيْنَةِ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ أَنْ يَجلِدَه.
فَقَالُوا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، لَوْ رَأَيْتَ الحَسَنَ البَصْرِيَّ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا، أَكُنْتَ تَضرِبُه؟
قَالَ: لاَ.
قِيْلَ: فَابْنُ عَجْلاَنَ فِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ، كَالحَسَنِ فِي أَهْلِ البَصْرَةِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ همَّ بِقَطعِ يَدِه، حَتَّى كَلَّمُوْهُ، وَازدحمَ عَلَى بَابِه النَّاسُ.
قَالَ: فَعَفَا عَنْهُ.
رَوَى: عَبَّاسُ بنُ نَصْرٍ البَغْدَادِيُّ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عِيْسَى، قَالَ:
مَكَثَ ابْنُ عَجْلاَنَ فِي بَطْنِ أَمِّهِ ثَلاَثَ سِنِيْنَ، فَشُقَّ بَطْنُهَا، فَأُخرِجَ مِنْهُ، وَقَدْ نَبتَتْ أَسْنَانُه.
رَوَاهَا: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ الغَافِقِيُّ، عَنْ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ

(6/318)


مُسْلِمٍ، قَالَ:
قُلْتُ لِمَالِكٍ: إِنِّي حُدِّثْتُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: لاَ تَحْمِلُ المَرْأَةُ فَوْقَ سَنَتَيْنِ قَدْرَ ظِلِّ مِغزلٍ.
فَقَالَ: مَنْ يَقُوْل هَذَا؟ هَذِهِ امْرَأَةُ ابْنِ عَجْلاَنَ جَارتُنَا، امْرَأَةُ صِدْقٍ، وَلدَتْ ثَلاَثَ أَوْلاَدٍ فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، تَحْمِلُ أَرْبَعَ سِنِيْنَ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ دَاوُدَ الزَّنْبَرِيُّ (1) : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، قَالَ: أَنَا وُلدْتُ فِي أَرْبَعِ سِنِيْنَ، فِي حَيَاةِ أَبِي.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ يَقُوْلُ: حُمِلَ بِأَبِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
قَدْ يَكُوْنَ الحَمْلُ سَنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ، أَعْرِفُ مَنْ حُمِلَ بِهِ كَذَلِكَ -يَعْنِي: نَفْسَه-.
وَرَوَى: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ:
لَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِأَهْلِ العِلْمِ مِنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، كُنْتُ أُشَبِّهُه بِاليَاقُوْتَةِ بَيْنَ العُلَمَاءِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ لابْنِ عَجْلاَنَ قَدْرٌ وَفَضْلٌ بِالمَدِيْنَةِ، وَكَانَ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، فَأَرَادَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ قَطْعَ يَدِه، فَسَمِعَ ضَجَّةً، وَكَانَ عِنْدَه الأَكَابِرُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قَالُوا: هَذِهِ ضَجَّةُ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، يَدْعُوْنَ لابْنِ عَجْلاَنَ، فَلَوْ عَفَوتَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا غُرَّ، وَأَخْطَأَ فِي الرِّوَايَةِ، ظنَّ أَنَّهُ المَهْدِيُّ.
فَأَطلَقَه، وَعَفَا عَنْهُ.
أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
كَانَ ابْنُ عَجْلاَنَ مُضْطَرِبَ الحَدِيْثِ فِي حَدِيْثِ نَافِعٍ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: سَأَلْتُ يَحْيَى عَنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ
__________
(1) نسبة إلى جده " زنبر " وفي المطبوع من تاريخ الإسلام " الزبيري " وهو تحريف.

(6/319)


أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي القَتْلِ فِي سَبِيْلِ اللهِ، فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَنِي.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ خَالَفَه يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ.
فَقَالَ: أَأُحَدِّثُ بِهِ؟!
كَأَنَّهُ تَعجَّبَ.
قُلْتُ: وَثَّقَ ابْنَ عَجْلاَنَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَمَالِكٌ.
وَهُوَ حَسنُ الحَدِيْثِ، وَأَقْوَى مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَلَكِنْ مَا هُوَ فِي قُوَّةِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَنَحْوِه.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم: أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، كُلُّهَا فِي الشَّوَاهِدِ، وَتَكَلَّمَ المُتَأَخِّرُوْنَ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي سُوءِ حِفْظِه.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
ابْنُ عَجْلاَنَ أَوْثَقُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، مَا يَشكُّ فِي هَذَا أَحَدٌ.
وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، مَعَ تَعَنُّتِه فِي نَقدِ الرِّجَالِ.
وَقَالَ ابْنُ القَاسِمِ: قِيْلَ لِمَالِكٍ: إِنَّ نَاساً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يُحَدِّثُوْنَ -يَعْنِي: بِحَدِيْثِ خَلقِ آدَمَ عَلَى صُوْرَتِه-.
فَقَالَ: مَنْ هُم؟
قِيْلَ: ابْنُ عَجْلاَنَ.
قَالَ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَجْلاَنَ يَعْرِفُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ عَالِماً.
قُلْتُ: لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ مُحَمَّدٌ.
وَالحَدِيْثُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) (1).
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي عَلِيٌّ: عَنِ
__________
(1) البخاري (6227) في الاستئذان، باب: بدء السلام من طريق، عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا.
فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يجيبونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك.
قال: فذهب، فقال: السلام عليكم.
فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوا: ورحمة الله قال: فكل من يدخل الجنة، على صورة آدم، وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن ".
وأخرجه مسلم (2612) (115) في البر والصلة و(2841) في الجنة، باب: يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، مطولا، واللفظ له.
وأخرجه أحمد 2 / 244، 251، 315، 323، 434، 519.

(6/320)


ابْنِ أَبِي الوَزِيْرِ، عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ ذَكَرَ ابْنَ عَجْلاَنَ، فَذَكَرَ خَيْراً.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ نَصْرٍ، سَمِعْتُ خَلَفَ بنَ سَالِمٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى القَطَّانُ، قَالَ:
قَدِمْتُ الكُوْفَةَ وَبِهَا ابْنُ عَجْلاَنَ، وَبِهَا مِمَّنْ يُطلَبُ: حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَمَلِيْحُ بنُ وَكِيْعٍ (1) ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ.
فَقُلْتُ: نَأتِي ابْنَ عَجْلاَنَ.
فَقَالَ يُوْسُفُ السَّمْتِيُّ: نَقْلِبُ عَلَيْهِ حَدِيْثَه، حَتَّى نَنظُرَ فَهمَهُ.
قَالَ: فَفَعَلُوا، فَمَا كَانَ عَنْ أَبِيْهِ، جَعَلُوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَفْسِه، وَمَا كَانَ لِلْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، جَعَلُوْهُ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَدَخَلُوا، فَسَأَلُوْهُ، فَمرَّ فِيْهَا، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ آخرِ الكِتَابِ، تَنَبَّهَ، فَقَالَ: أَعدْ.
فَعرضَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا سَأَلتُمُوْنِي عَنْ أَبِيْهِ، فَقَدْ حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ، وَمَا سَأَلتُمُوْنِي عَنْ سَعِيْدٍ، فَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي بِهِ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى يُوْسُفَ بنِ خَالِدٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ شَيْنِي وَعَيْبِي، فَسَلَبَكَ اللهُ الإِسْلاَمَ.
وَأَقْبَلَ عَلَى حَفْصٍ، فَقَالَ: ابْتَلاَكَ اللهُ فِي دِيْنِكَ وَدُنْيَاكَ.
وَأَقْبَلَ عَلَى الآخرِ، فَقَالَ: لاَ نَفعَكَ اللهُ بِعِلْمِكَ.
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: فَمَاتَ مَلِيْحُ بنُ وَكِيْعٍ وَمَا انْتُفِعَ بِعِلْمِه، وَابْتُلِيَ حَفْصٌ بِالفَالِجِ وَبِالقَضَاءِ، وَلَمْ يَمُتْ يُوْسُفُ حَتَّى اتُّهِمَ بِالزَّنْدَقَةِ (2) .
فَهَذِهِ الحِكَايَة فِيْهَا نَظَرٌ، وَمَا أَعْرِفُ عَبْدَ اللهِ هَذَا، وَمَلِيْحٌ لاَ يُدرَى مَنْ هُوَ، وَلَمْ يَكُنْ لِوَكِيْعِ بنِ الجَرَّاحِ وَلدٌ يَطْلُبُ أَيَّامَ ابْنِ عَجْلاَنَ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ ظَهرَ لَهُم قَلْبُ الأَسَانِيْدِ عَلَى الشُّيُوْخِ، إِنَّمَا فُعِلَ هَذَا بَعْدَ المائَتَيْنِ.
وَقَدْ رُوِيَ حَدِيْثٌ لابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ
__________
(1) سقطت من الأصل، ولا بد منها.
وتمام الخبر يوضح ذلك.
(2) أخرج هذه القصة الرامهرمزي، في " المحدث الفاصل " ص 398 وقد تحرف فيه " عبد الله " إلى عبيد الله.
وقد أخطأ محقق الكتاب حين قال في ترجمة ابن عجلان: أخرج له مسلم والاربعة.
لان مسلما لم يخرج له إلا مقرونا بغيره، فلا بد من ذكر هذا القيد وابن عجلان حديثه من قبيل الحسن.
سير 6 / 21

(6/321)


أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُوْنَ شَافَهَهُ.
قَالُوا: وَمَاتَ ابْنُ عَجْلاَنَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَدْ أَوْرَدَ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لَهُ، فِي مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، قَوْلَ يَحْيَى القَطَّانِ فِي مُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يُتقِنْ أَحَادِيْثَ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيْهِ، وَأَحَادِيْثَ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -يَعْنِي: أَنَّهُ رُبَّمَا اخْتلطَ عَلَيْهِ هَذَا بِهَذَا-.
وَقَدْ ذَكرتُ ابْنَ عَجْلاَنَ فِي (المِيْزَانِ)، فَحَدِيْثُه إِنْ لَمْ يَبلُغْ رُتبَةَ الصَّحِيْحِ، فَلاَ يَنحطُّ عَنْ رُتبَةِ الحَسَنِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ فَرَحٍ الحَافِظُ، وَخَلْقٌ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ كُلَيْبٍ، وَأَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَالخَضِرُ بنُ حَمُّوَيْه، عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَانٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَجْلاَنَ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُم، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَالآخرِ شِفَاءً، وَإِنَّهُ يُتَّقَى بِالجَنَاحِ الَّذِي فِيْهِ الدَّاءُ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ (1)).
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنُ الإِسْنَادِ، عَالٍ.
أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ بِشْرٍ، فَوَقَعَ بَدَلاً عَالِياً.
__________
(1) أخرجه أبو داود (3844) في الاطعمة، باب، الذباب يقع في الاناء، وأحمد 2 / 229، 246، 340 من طريق ابن عجلان واخرجه البخاري (3320) في بدء الخلق، باب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، و(5782) في الطب، باب: ألبان الاتن، وابن ماجه (3505) في الطب، باب: يقع الذباب في الاناء، والدارمي 2 / 98 - 99 من طريق عتبة بن مسلم، عن عبيد بن حنين، عن أبي هريرة، وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري: أحمد 3 / 24، والنسائي 7 / 178 - 179، وابن ماجه (3504).

(6/322)


136 - زِيَادُ بنُ سَعْدٍ الخُرَاسَانِيُّ * (ع)
إِمَامٌ، مُجَوِّدٌ، حُجَّةٌ، خُرَاسَانِيٌّ، جَاورَ بِمَكَّةَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: شُرَحْبِيْلَ بنِ سَعْدٍ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَضَمْرَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَطَبَقَتِهم.
وَمَاتَ: كَهْلاً.
أَخَذَ عَنْهُ: مَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالقُدَمَاءُ.
لَمْ يَنتشِرْ حَدِيْثُه.
وَقَعَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ.
وَمَاتَ: مَعَ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَوْ قَبْلَهُ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.

137 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ العُقَيْلِيُّ ** (خَ، م، د، س)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ فِلَسْطِيْنَ، أَبُو إِسْحَاقَ العُقَيْلِيُّ، الشَّامِيُّ، المَقْدِسِيُّ.
مِنْ بَقَايَا التَّابِعِيْنَ.
وُلِدَ: بَعْدَ السِّتِّيْنَ.
وَرَوَى عَنْ: وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، وَبِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَخَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ، وَإِلاَّ فَرِوَايَتُه عَنْهُ مُرْسَلَةٌ.
وَقِيْلَ: يُكْنَى: أَبَا العَبَّاسِ.
وَقِيْلَ: أَبَا سَعِيْدٍ، وَأَبَا إِسْمَاعِيْلَ، إِبْرَاهِيْمَ بنَ شِمْرِ بنِ يَقْظَانَ بنِ مُرْتَحِلٍ الرَّمْلِيَّ.
لَهُ: فَضْلٌ، وَجَلاَلَةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ - وَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ - وَابْنُ شَوْذَبٍ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ - وَمَاتَ أَيْضاً قَبْلَه - وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرَ، وَأَيُّوْبُ بنُ سُوَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ المَقْدِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ كَثِيْرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَكَانَ الوَلِيْدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، يَبْعَثُهُ بِعَطَاءِ أَهْلِ القُدْسِ، فَيُفرِّقُه فِيْهِم.
__________
(*) تاريخ البخاري 3 / 357، الجرح والتعديل 3 / 533، مشاهير علماء الأمصار (146)، تهذيب الكمال 444، تذهيب التهذيب 1 / 243 / 1، تهذيب التهذيب 3 / 369، خلاصة تذهيب
الكمال 125.
(* *) طبقات خليفة (315)، تاريخ البخاري 1 / 310 التاريخ الصغير 2 / 113، الكامل في التاريخ 5 / 608، تهذيب الكمال 60، تذهيب التهذيب 1 / 39 / 1، تهذيب التهذيب 1 / 142، 143، خلاصة تذهيب الكمال 19، شذرات الذهب 1 / 232.

(6/323)


قَالَ الحَاكِمُ: قُلْتُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ؟
قَالَ: الطُّرُقُ إِلَيْهِ لَيْسَتْ تَصفُو، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ.
عَبْدُ اللهِ بنُ هَانِئ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ:
بَعَثَ إِلَيَّ هِشَامٌ، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ عَرفنَاكَ، وَاخْتَبرنَاكَ، وَرَضِينَا بِسِيْرتِكَ، وَبِحَالِكَ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَخْلِطَكَ بِنَفْسِي وَخَاصَّتِي، وَأُشرِكَكَ فِي عَمَلِي، وَقَدْ وَلَّيْتُكَ خَرَاجَ مِصْرَ.
قُلْتُ: أَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ رَأْيُك يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! فَاللهُ يُثِيبُك وَيَجزِيْكَ، وَكَفَى بِهِ جَازِياً وَمُثِيباً، وَأَمَّا أَنَا، فَمَا لِي بِالخَرَاجِ بَصَرٌ، وَمَا لِي عَلَيْهِ قُوَّةٌ.
فَغَضِبَ حَتَّى اخْتلجَ وَجْهُه - وَكَانَ فِي عَيْنَيْهِ حَوَلٌ - فَنَظَرَ إِلَيَّ نَظراً مُنْكَراً، ثُمَّ قَالَ: لَتَلِيَنَّ طَائِعاً أَوْ كَارِهاً.
فَأَمْسكتُ، ثُمَّ قُلْتُ: أَتَكَلَّمُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: إِنَّ اللهَ - سُبْحَانَهُ - قَالَ فِي كِتَابِهِ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ، فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا، وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [الأَحزَابُ: 72]، فوَاللهِ مَا غَضبَ عَلَيْهنَّ إِذْ أَبَيْنَ، وَلاَ أَكرَهَهُنَّ.
فَضَحِكَ حَتَّى بَدتْ نَوَاجِذُه، وَأَعْفَانِي.
دُهَيْمُ بنُ الفَضْلِ (1) : سَمِعْتُ ضَمْرَةَ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ لَذَّةَ العَيْشِ إِلاَّ فِي أَكلِ المَوْزِ بِالعَسَلِ فِي ظلِّ الصَّخرَةِ (2) ، وَحَدِيْثِ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ، مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفصحَ مِنْهُ.
وَرَوَى: ضَمْرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ:
قُلْتُ لِلْعَلاَءِ بنِ زِيَادٍ: إِنِّي أَجِدُ وَسوَسَةً فِي قَلْبِي.
فَقَالَ: مَا أُحبُّ لَوْ أَنَّكَ مُتَّ عَامَ أَوَّلَ، أَنْتَ العَامَ خَيْرٌ مِنْكَ عَامَ أَوَّلَ.
مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ:
مَنْ حَملَ شَاذَّ العِلْمِ، حَملَ شَرّاً كَثِيْراً.
__________
(1) كذا في الأصل، وفي التهذيب: دهيم بن المفضل.
(2) أي في ظل صخرة بيت المقدس.

(6/324)


مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ المَقْدِسِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عَبْلَةَ وَهُوَ يَقُوْلُ لِمَنْ جَاءَ مِنَ الغَزْوِ:
قَدْ جِئْتُم مِنَ الجِهَادِ الأَصْغَرِ، فَمَا فَعَلتُم فِي الجِهَادِ الأَكْبَرِ؛ جِهَادِ القَلْبِ (1) ؟
قَالَ ضَمْرَةُ: تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَذَكَرَ بَعْضُهم: أَنَّ ابْنَ أَبِي عَبْلَةَ رَوَى نَحْوَ المائَةِ حَدِيْثٍ.
وَقَدْ جَمَعَ الطَّبَرَانِيُّ كِتَابَ (حَدِيْثِ شُيُوْخِ الشَّامِيِّيْنَ)، فَجَاءَ مُسْنَدُ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ فِي سَبْعِ وَرَقَاتٍ، وَشَطرُهَا مَنَاكِيْرُ مِنْ جِهَةِ الإِسْنَادِ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ.

138 - ابْنُ جُرَيْجٍ الأُمَوِيُّ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ جُرَيْجٍ * (ع)
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الحَرَمِ، أَبُو خَالِدٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَكِّيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ،
__________
(1) الحديث في الاحياء.
قال العراقي، رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر.
ورواه الخطيب في " تاريخه " 13 / 493 ونصه " قدم النبي، صلى الله عليه وسلم، من غزاة، فقال عليه الصلاة والسلام: قدمتم خير مقدم، وقد قدمتم من الجهاد الاصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر ؟ قال: مجاهدة العبد هواه ".
وقد قال الحافظ ابن حجر في " تسديد القوس " هو مشهور على الالسنة، وهو من كلام إبراهيم بن أبي عبلة.
قلت، وهو مخالف لقوله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) [ التوبة: 18 ].
(*) طبقات خليفة (283)، تاريخ البخاري: 5 / 422، التاريخ الصغير 2 / 98 - 99، الجرح والتعديل 5 / 356 - 357، مشاهير علماء الأمصار 145، تاريخ بغداد 10 / 400، طبقات الشيرازي: الورقة 18، الكامل في التاريخ 5 / 594، وفيات الأعيان 3 / 163 - 164، تهذيب الكمال 857 - 858، تذهيب التهذيب 2 / 249 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 169 - 171، ميزان الاعتدال 2 / 659، العبر للذهبي 1 / 213، تاريخ الذهبي 6 / 96 - 97، غاية النهاية 1 / 496، العقد الثمين: 5 / 508، تهذيب التهذيب 6 / 402 - 406، خلاصة تذهيب الكمال 244، طبقات المفسرين 1 / 352.

(6/325)


وَأَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ بِمَكَّةَ.
مَوْلَى أُمَيَّةَ بنِ خَالِدٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ جَدُّه جُرَيْجٌ عَبداً (1) لأُمِّ حَبِيْبٍ بِنْتِ جُبَيْرٍ؛ زَوْجَةِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ أَسِيْدٍ الأُمَوِيِّ، فَنُسبَ وَلاَؤُهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ عَبْدٌ رُومِيٌّ، وَكَانَ لابْنِ جُرَيْجٍ أَخٌ اسْمُه مُحَمَّدٌ، لاَ يَكَادُ يُعْرَفُ، وَابْنٌ اسْمُه مُحَمَّدٌ.
حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ - فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ - وَعَنِ: ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَطَاوُوْسٍ حَدِيْثاً وَاحِداً قَوْلَهُ (2) .
وَذُكِرَ أَنَّهُ أَخَذَ أَحَادِيْثَ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، وَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا، فَمَا اتَّفَقَ.
وَأَخَذَ عَنْ: مُجَاهِدٍ حَرفَيْنِ مِنَ القِرَاءاتِ، وَمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَيُوْسُفَ بنِ مَاهَكَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَعِكْرِمَةَ العَبَّاسِيِّ مُرْسَلاً، وَعِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ المَخْزُوْمِيِّ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، وَالقَاسِمِ بنِ أَبِي بَزَّةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرٍ الدَّارِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ هَانِئ، وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ كَثِيْرِ بنِ المُطَّلِبِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ كَيْسَانَ، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى أَقْرَانِه، بَلْ وَأَصْحَابِه، فَحَدَّثَ عَنْ: زِيَادِ بنِ سَعْدٍ شَرِيْكِه، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَطَاءٍ - وَهُوَ ابْنُ أَبِي يَحْيَى - وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ المِصْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المِصْرِيِّ - وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ -.
حَدَّثَ عَنْهُ: ثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالسُّفْيَانَانِ، وَالحَمَّادَانِ،
__________
(1) سقط من الأصل، واستدرك من " التهذيب "
(2) أي أن حديثه عنه هو مسألة قالها طاووس، وقد رواه عبد الرزاق في " المصنف " (8430)، وستأتي.

(6/326)


وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَابْنُ إِدْرِيْسَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ الأَبْرَشُ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَوَكِيْعٌ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَهِشَامُ بنُ يُوْسُفَ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَرَوْحٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ المَكِّيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَغُنْدَرٌ، وَالأَنْصَارِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ المُؤَذِّنُ، وَيَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لأَبِي: مَنْ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الكُتُبَ؟
قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ.
وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ هَمَّامٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ:
أَتَيْتُ عَطَاءً، وَأَنَا أُرِيْدُ هَذَا الشَّأْنَ، وَعِنْدَه عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَيْرٍ: قَرَأْتَ القُرْآنَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَاذهَبْ، فَاقْرَأْهُ، ثُمَّ اطلُبِ العِلْمَ.
فَذَهَبتُ، فَغبرتُ زَمَاناً حَتَّى قَرَأْتُ القُرْآنَ، ثُمَّ جِئْتُ عَطَاءً وَعِنْدَه عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: قَرَأْتَ الفَرِيْضَةَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: فَتعلَّمِ الفَرِيْضَةَ، ثُمَّ اطلُبِ العِلْمَ.
قَالَ: فَطَلبتُ الفَرِيْضَةَ، ثُمَّ جِئْتُ.
فَقَالَ: الآنَ فَاطلُبِ العِلْمَ.
فَلَزِمتُ عَطَاءً سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قُلْتُ: مَنْ يُلْزِمُ عَطَاءً هَذَا كُلَّه، يَغلِبُ عَلَى الظَنِّ أَنَّهُ قَدْ رَأَى أَبَا الطُّفَيْلِ الكِنَانِيَّ بِمَكَّةَ، لَكِن لَمْ نَسْمَعْ بِذَلِكَ، وَلاَ رَأَينَا لَهُ حَرفاً عَنْ صَحَابِيٍّ.
وَرَوَى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ:
اخْتلفتُ إِلَى عَطَاءٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ يَبِيْتُ فِي المَسْجِدِ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يَقُوْلُ: مَا دَوَّنَ العِلْمَ تَدوِينِي أَحَدٌ.
وَقَالَ: جَالَستُ عَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ بَعْدَ مَا فَرَغتُ مِنْ عَطَاءٍ تِسْعَ سِنِيْنَ.
وَرَوَى: حَمْزَةُ بنُ بَهْرَامَ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ عَمْرٍو المَكِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ:

(6/327)


مَنْ نَسْأَلُ بَعْدَك يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟
قَالَ: هَذَا الفَتَى إِنْ عَاشَ -يَعْنِي: ابْنَ جُرَيْجٍ-.
وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ المُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، وَغَيْرِه، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ:
سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الحِجَازِ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الشَّامِ: سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ العِرَاقِ: حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: نَظَرتُ فَإِذَا الإِسْنَادُ يَدورُ عَلَى سِتَّةٍ...، فَذَكَرَهم، ثُمَّ قَالَ:
صَارَ عِلْمُهم إِلَى أَصْحَابِ الأَصْنَافِ، مِمَّنْ صَنَّفَ العِلْمَ مِنْهُم مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، يُكْنَى: أَبَا الوَلِيْدِ، لَقِيَ ابْنَ شِهَابٍ، وَعَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ.
يُرِيْدُ مِنَ السِّتَّةِ المَذْكُوْرِيْنَ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ الأَوْزَاعِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَابْنَ جُرَيْجٍ: لِمَنْ طَلبتُمُ العِلْمَ؟
كُلُّهُم يَقُوْلُ: لِنَفْسِي.
غَيْرَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: طَلبْتُهُ لِلنَّاسِ.
قُلْتُ: مَا أَحْسَنَ الصِّدْقَ، وَاليَوْمَ تَسْألُ الفَقِيْهَ الغَبِيَّ: لِمَنْ طَلبتَ العِلْمَ؟ فَيُبَادِرُ، وَيَقُوْلُ: طَلبتُهُ للهِ، وَيَكْذِبُ، إِنَّمَا طَلبَهُ لِلدُّنْيَا، وَيَا قِلَّةَ مَا عَرَفَ مِنْهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ: مَن أَثْبَتُ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ؟
قَالَ: أَيُّوْبُ، وَعُبَيْدُ اللهِ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ أَثْبَتُ مِنْ مَالِكٍ فِي نَافِعٍ.
وَرَوَى: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي عَطَاءٍ.
وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ:
كُنَّا نُسَمِّي كُتُبَ ابْنِ جُرَيْجٍ: كُتَبَ الأَمَانَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحَدِّثْكَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ كِتَابِه، لَمْ تَنتفِعْ بِهِ.
وَرَوَى: الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ:
إِذَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ فُلاَنٌ، وَقَالَ فُلاَنٌ، وَأُخْبِرْتُ، جَاءَ بِمَنَاكِيْرَ، وَإِذَا قَالَ: أَخْبَرَنِي، وَسَمِعْتُ، فَحَسبُكَ بِهِ.
وَرَوَى: المَيْمُوْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ:
إِذَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ، فَاحْذَرْهُ، وَإِذَا قَالَ:

(6/328)


سَمِعْتُ، أَوْ سَأَلْتُ، جَاءَ بِشَيْءٍ لَيْسَ فِي النَّفسِ مِنْهُ شَيْءٌ، كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَدِمَ أَبُو جَعْفَرٍ -يَعْنِي: الخَلِيْفَةَ- مَكَّةَ، فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ حَدِيْثَ ابْنِ جُرَيْجٍ.
فَعَرضُوا، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَهَا! لَوْلاَ هَذَا الحَشوُ -يَعْنِي قَوْلَه: بَلَغَنِي، وَحُدِّثْتُ-.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ:
ابْنُ جُرَيْجٍ: ثِقَةٌ فِي كُلِّ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الكِتَابِ.
وَرَوَى: إِسْمَاعِيْلُ بنُ دَاوُدَ المِخْرَاقِيُّ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ حَاطِبَ لَيْلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيْرُ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ صَاحِبَ غُثَاءٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي سُكَيْنَةَ الحَلَبِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى، قَالَ:
حَكمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَالِكٍ، هُوَ سَمَّانِي قَدَرِياً، وَأَمَّا ابْنُ جُرَيْجٍ فَإِنِّي حَدَّثْتُهُ عَنْ مُوْسَى بنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ مَاتَ مُرَابِطاً، مَاتَ شَهِيْداً)، فَنَسَبنِي إِلَى جَدِّي مِنْ قِبَلِ أُمِّي، وَرَوَى عَنِّي: (مَنْ مَاتَ مَرِيْضاً، مَاتَ شَهِيْداً (1))، وَمَا هَكَذَا حَدَّثْتُهُ.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (1615) في الجنائز، باب: ما جاء فيمن مات مريضا.
قال السندي: قال السيوطي: هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وأعله ب " إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الاسلمي " فإنه متروك.
قال: وقال أحمد بن حنبل: إنما هو " من مات مرابطا ".
قال الدار قطني بإسناده عن إبراهيم بن أبي يحيى يقول: حدثت ابن جريج هذا الحديث " من مات مرابطا " فروى عني " من مات مريضا " وما هكذا حدثته.
وفي " مصباح الزجاجة " 105 / 1 عن الدار قطني، بإسناده إلى ابن أبي سكينة الحلبي، يعني محمد بن إبراهيم، سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول: حكم الله بيني وبين مالك هو سماني قدريا، وأما ابن جريج فإني حدثته عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من مات مرابطا مات شهيدا " فنسبني إلى جدي من قبل أمي وروى عني: من مات مريضا مات شهيدا وما هكذا حدثته.
ثم قال في الزوائد: هذا إسناد ضعيف، إبراهيم بن محمد كذبه مالك، ويحيى القطان، وابن معين، وقال الامام أحمد: قدري، معتزلي، جهمي، كل بلاء فيه.
وقال البخاري: جهمي تركه ابن المبارك، والناس.

(6/329)


رَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ:
رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سِتِّ عَجَائِزَ مِنْ عَجَائِزِ المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَكَانَ صَاحِبَ عِلْمٍ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ صَدُوقاً، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنِي، فَهُوَ سَمَاعٌ، وَإِذَا قَالَ: أَنْبَأَنَا، أَوْ أَخْبَرَنِي، فَهُوَ قِرَاءةٌ، وَإِذَا قَالَ: قَالَ، فَهُوَ شِبْهُ الرِّيحِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ:
أَعْيَانِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَنْ أَحْفَظَ حَدِيْثَه، فَنَظَرتُ إِلَى شَيْءٍ يَجْمَعُ فِيْهِ المَعْنَى، فَحَفِظتُه، وَتَركتُ مَا سِوَى ذَلِكَ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ النَّضْرِ الشِّيْرَازِيُّ: عَنْ مَخْلَدِ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ خَلقاً مِنْ خَلقِ اللهِ، أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَلاَةً مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
أَنْبَأَنِي المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا القَزَّازُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ ثَابِتٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُنَادِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَهْلُ مَكَّةَ يَقُوْلُوْنَ: أَخَذَ ابْنُ جُرَيْجٍ الصَّلاَةَ مِنْ عَطَاءٍ، وَأَخَذَهَا عَطَاءٌ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَخَذَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (1).
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " وعنه الامام أحمد رقم (73) وأخرجه أبو بكر المروزي في مسند أبي بكر رقم (137) من طريق: أبي بكر بن عسكر، محمد بن سهل.
وهذا الاثر قصد به عبد الرزاق الثناء على صلاة ابن جريج، وأنه كان يحسن أداءها على ما أخذه عمن قبله بطريق المشاهدة المتوارثة عن النبي، صلى الله عليه وسلم.

(6/330)


قُلْتُ: وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَرْوِي الرِّوَايَةَ بِالإِجَازَةِ (1) ، وَبِالمُنَاوَلَةِ (2) ، وَيَتوسَّعُ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ الدَّاخلُ فِي رِوَايَاتِه عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ لأَنَّهُ حَملَ عَنْهُ مُنَاوَلَةً، وَهَذِهِ الأَشْيَاءُ يَدْخُلُهَا التَّصحِيْفُ، وَلاَ سِيَّمَا فِي ذَلِكَ العَصْرِ، لَمْ يَكُنْ حَدَثَ فِي الخطِّ بَعْدُ شَكلٌ وَلاَ نَقْطٌ.
قَالَ أَبُو غَسَّانَ زُنَيْجٌ: سَمِعْتُ جَرِيْراً الضَّبِّيَّ يَقُوْلُ:
كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَرَى المُتْعَةَ، تَزَوَّجَ بِسِتِّيْنَ امْرَأَةً.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ عَهدَ إِلَى أَوْلاَدِه فِي أَسْمَائِهنَّ، لِئَلاَّ يَغلطَ أَحَدٌ مِنْهُم وَيَتَزوَّجَ وَاحِدَةً مِمَّا نَكحَ أَبُوْهُ بِالمُتْعَةِ.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ هَمَّامٍ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
كُنْتُ أَتتبَّعُ الأَشعَارَ العَرَبِيَّةَ وَالأَنسَابَ، فَقِيْلَ لِي: لَوْ لَزمتَ عَطَاءً، فَلَزِمتُه.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدِي بِدُوْنِ مَالِكٍ فِي نَافِعٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ: لَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِعَطَاءٍ مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ كُلْثُوْمٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ:
قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ البَصْرَةَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَحَدَّثَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ بِحَدِيْثٍ،
__________
(1) هي أن يجيز الشيخ مشافهة، أو إذنا باللفظ مع المغيب من يراه أهلا للرواية عنه، أو يكتب له ذلك بخطه، سواء كان المجاز حاضرا أو غائبا.
والاجازة على وجوه ستة أعلاها الاجازة لكتب معينة وأحاديث مختصرة مفسرة..ولا خلاف في جواز الرواية بالاجازة من سلف هذه الأمة وخلفها، كما قال أبو الوليد الباجي..انظر " الالماع " للقاضي عياض ص 89 وما بعدها.
(2) هي أن يدفع الشيخ كتابه الذي رواه أو نسخة منه وقد صححها أو أحاديث من حديثه فيقول للطالب: هذه روايتي فاروها عني ويدفعها إليه.
أو يقول: خذها فانسخها، وقد أجزت لك أن تحدث بها عني..والمناولة أيضا على أنواع، وهي عند مالك وجماعة من العلماء بمنزلة السماع..انظر " الالماع " للقاضي عياض ص 79، وما بعدها.

(6/331)


فَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ:
مَا تُنكِرُوْنَ عَلَيَّ فِيْهِ؟! قَدْ لَزمتُ عَطَاءً عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَرُبَّمَا حَدَّثَنِي عَنْهُ الرَّجُلُ بِالشَّيءِ، لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ العَيْشِيُّ: سَمَّى ابْنُ جُرَيْجٍ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ مُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرٍ غُنْدَراً، وَأَهْلُ الحِجَازِ يُسمُّونَ المِشْغَبَ غُنْدَراً.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَمْ يَلْقَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَهْبَ بنَ مُنَبِّهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَلْقَ عَمْرَو بنَ شُعَيْبٍ فِي زَكَاةِ مَالِ اليَتِيْمِ، وَلاَ أَبَا الزِّنَادِ.
قُلْتُ: الرَّجُلُ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ، حَافِظٌ، لَكِنَّهُ يُدَلِّسُ بِلَفظِةِ: عَنْ.
وَقَالَ: وَقَدْ كَانَ صَاحِبَ تَعَبُّدٍ وَتَهَجُّدٍ، وَمَا زَالَ يَطْلُبُ العِلْمَ حَتَى كَبِرَ وَشَاخَ، وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ جَاوَزَ المائَةَ، بَلْ مَا جَاوَزَ الثَّمَانِيْنَ، وَقَدْ كَانَ شَابّاً فِي أَيَّامِ مُلاَزِمَتِه لِعَطَاءٍ.
وَقَدْ كَانَ شَيْخَ الحَرَمِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ: عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَخَلَفَهُمَا: قَيْسُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، ثُمَّ تَفَرَّدَ بِالإِمَامَةِ: ابْنُ جُرَيْجٍ، فَدوَّنَ العِلْمَ، وَحَمَلَ عَنْهُ النَّاسُ، وَعَلَيْهِ تَفقَّهَ مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، وَتَفَقَّهَ بِالزَّنْجِيِّ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ بَصِيْراً بِعِلْمِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَالِماً بِدَقَائِقِه، وَبِعِلمِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
وَرِوَايَاتُ ابْنِ جُرَيْجٍ وَافرَةٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَفِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ)، وَ(مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الأَكْبَرِ)، وَفِي (الأَجْزَاءِ).
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ، عَلِمتُ أَنَّهُ يَخشَى اللهَ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ أَسْمَعْ مِنَ الزُّهْرِيِّ، إِنَّمَا أَعْطَانِي جُزْءاً كَتَبتُهُ، وَأَجَازَهُ لِي.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: وَلاَءُ ابْنِ جُرَيْجٍ لآلِ خَالِدِ بنِ أَسِيْدٍ الأُمَوِيِّ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ مُجَاهِدٍ حَدِيْثَ: (فَطَلِّقُوْهُنَّ فِي قُبُلِ

(6/332)


عِدَّتِهِنَّ (1)).
وَسَمِعَ مِنْ طَاوُوْسٍ قَوْلَه فِي مُحْرِمٍ أَصَابَ ذَرَّاتٍ، قَالَ: قَبَضَاتٍ مِنْ طَعَامٍ (2) .
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنَ العُبَّادِ، كَانَ يَصُوْمُ الدَّهرَ، سِوَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ، وَكَانَ لَهُ امْرَأَةٌ عَابِدَةٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
اسْتمتَعَ ابْنُ جُرَيْجٍ بِتِسْعِيْنَ امْرَأَةً، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَحتقِنُ فِي اللَّيْلِ بِأُوْقِيَّةِ شيرجٍ؛ طَلباً لِلْجِمَاعِ.
وَرُوِيَ عَنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ، وَيَتَغلَّى بِالغَالِيَةِ، وَكَانَ مِنْ مُلُوْكِ القُرَّاءِ، خَرَجْنَا مَعَهُ وَأَتَاهُ سَائِلٌ، فَنَاوَلَه دِيْنَاراً.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُتَيْبَةَ: مَولِدُ ابْنِ جُرَيْجٍ سَنَة ثَمَانِيْنَ، عَامَ الجَحَّافِ (3) .
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَيْرُوْزَابَادِيُّ، قَالَ: وَمِنْهُم: أَبُو الوَلِيْدِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ جُرَيْجٍ، وَجُرَيْجٌ: عَبدٌ لآلِ أُمِّ حَبِيْبٍ بِنْتِ جُبَيْرٍ.
وَمَاتَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(1) أخرجه مسلم (1471) (14) في الطلاق، من طريق ; أبي الزبير، أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة، يسأل ابن عمر، وأبو الزبير يسمع ذلك: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا ؟ فقال طلق ابن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، " ليراجعها ".
فردها، وقال: " إذا طهرت فليطلق أو ليمسك ".
قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم، (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن).
والتلاوة: (فطلقوهن لعدتهن) [ الطلاق: 1 ].
وما جاء في الحديث هو قراءة ابن عباس، و" ابن عمر ".
وهي شاذة عن المصحف.
(2) أخرج عبد الرزاق في " المصنف " (8430) عن ابن جريج قال: سمعت طاووسا، وسأله رجل، فقال: إني احتككت وأنا محرم فقتلت ذرات.
فقال: " تصدق بقبضات ".
والذرات: هي النمل الاحمر الصغير.
(3) الجحاف: سيل كان بمكة.
انظر شذرات الذهب 1 / 226.

(6/333)


وَبِهِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
مَا دوَّنَ هَذَا العِلْمَ تَدوِينِي أَحَدٌ، جَالَستُ عَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ بَعْدَ مَا فَرَغتُ مِنْ عَطَاءٍ سَبْعَ سِنِيْنَ.
وَقَالَ: لَمْ يَغلِبْنِي عَلَى يَسَارِ عَطَاءٍ عِشْرِيْنَ سَنَةً أَحَدٌ.
فَقِيْلَ لَهُ: فَمَا مَنَعكَ عَنْ يَمِيْنِه؟
قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَغْلِبُنِي عَلَيْهِ.
قُلْتُ: قَدْ قَدِمَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ جُرَيْجٍ إِلَى العِرَاقِ قَبْلَ مَوْتِه، وَحَدَّثَ بِالبَصْرَةِ، وَأَكْثَرُوا عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: مَاتَ ابْنُ جُرَيْجٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَهَذَا وَهْمٌ، فَقَدْ قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ أَيْضاً: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
قُلْتُ: عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، فَسِنُّه وَسِنُّ أَبِي حَنِيْفَةَ وَاحِدٌ، وَمَوْلِدُهُمَا وَمَوتُهمَا وَاحِدٌ.
قَرَأْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَكُم عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي حُضُوْراً، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا وَاهِبُ بنُ مُحَمَّدٍ بِالبَصْرَةِ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ، عَنْ مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ فَكَّ عَنْ مَكْرُوْبٍ، فَكَّ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيْهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ) (1).
__________
(1) رجاله ثقات وهو في " المسند " 4 / 104، وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر عند أحمد: 2 / 91، 252، 274، 296، 389، 404، 500، 514، 522، والبخاري (2442) في المظالم، باب: لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، وأخرجه مختصرا في الاكراه (6951)
باب: يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه.
وأخرجه مسلم في البر (2580) مختصرا، باب: تحريم الظلم، و(2590) (72) مختصرا، وفي =

(6/334)


هَذَا حَدِيْثٌ جَيِّدُ الإِسْنَادِ، وَمَسْلَمَةُ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَلَكِنْ لاَ شَيْء لَهُ فِي الكُتُبِ، إِلاَّ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ)، مِنْ رِوَايَتِه عَنْ رُوَيْفِعِ بنِ ثَابِتٍ.
وَبِهِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ كَثُرَ فِيْهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُوْمَ: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ ثُمَّ أَتُوْبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ (1)).
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ.
وَفِي (تَارِيْخِ القَاضِي تَاجِ الدِّيْنِ عَبْدِ البَاقِي): أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَدِمَ وَافِداً عَلَى مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ، لِدَيْنٍ لَحِقَهُ، فَأَقَامَ عِنْدَه إِلَى عَاشِرِ ذِي القَعْدَةِ، فَمرَّ بِقَوْمٍ تُغنِّي
__________
= الذكر (2699) باب: الاجتماع على تلاوة القرآن.
وأخرجه أبو داود (4893) باب المؤاخاة، و(4946)، باب: في المعونة للمسلم، كما أخرجه مختصرا في الصلاة (1455)، وأخرجه الترمذي (1425) في الحدود، باب: ما جاء في الستر على المسلم، وفي البر (1931) باب ما جاء في الستر على المسلم، وفي القراءات (2646) باب: فضل مدارسة القرآن.
وأخرجه ابن ماجه (225) في المقدمة باب: فضل العلماء، وفي الحدود (2544) مختصرا، باب: الستر على المؤمن.
ونسبه الحافظ المنذري إلى النسائي.
(1) إسناده قوي، وأخرجه الترمذي (3429) في الدعوات، باب: ما يقول الرجل إذا قام من مجلسه.
وحسنه وأبو داود (4858) في الأدب، باب: في كفارة المجلس، وصححه ابن حبان (2366)، والحاكم 1 / 536، ووافقه الذهبي.
وهو كما قالوا.
وفي الباب عن أبي برزة الاسلمي
عند أبي داود (4859)، والدارمي 2 / 283، والحاكم 1 / 536 - 537.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عند أبي داود (4857) وصححه ابن حبان (2367)، وعن جبير بن مطعم عند النسائي، والطبراني، والحاكم.
وعن رافع بن خديج، عند النسائي، والحاكم، وعن عائشة عند الحاكم أيضا.

(6/335)


لَهُم جَارِيَةٌ بِشِعْرِ عُمَرَ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ (1) :
هَيْهَاتَ مِنْ أَمَةِ الوَهَّابِ مَنْزِلُنَا ... إِذَا حَلَلْنَا بِسَيْفِ البَحْرِ مِنْ عَدَنِ
وَاحْتَلَّ أَهْلُكَ أَجْيَاداً فَلَيْسَ لَنَا ... إِلاَّ التَّذَكُّرُ أَوْ حَظٌّ مِنَ الحَزَنِ
تَاللهِ (2) قُوْلِي لَهُ فِي غَيْرِ مَعْتَبَةٍ : ... مَاذَا أَرَدْتَ بِطُوْلِ المُكْثِ فِي اليَمَنِ؟
إِنْ كُنْتَ حَاوَلْتَ دُنْيَا أَوْ ظَفِرْتَ بِهَا ... فَمَا أَصَبْتَ (3) بِتَرْكِ الحَجِّ مِنْ ثَمَنِ
قَالَ: فَبَكَى ابْنُ جُرَيْجٍ، وَانتحَبَ، وَأَصْبَحَ إِلَى مَعْنٍ، وَقَالَ:
إِنْ أَرَدْتَ بِي خَيْراً، فَرُدَّنِي إِلَى مَكَّةَ، وَلَسْتُ أُرِيْدُ مِنْكَ شَيْئاً.
قَالَ: فَاسْتَأجَرَ لَهُ أَدِلاَّءَ، وَأَعْطَاهُ خَمْسَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفاً وَخَمْسَمائَةٍ، فَوَافَى النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ.
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَقَمْتُ عَلَى عَطَاءٍ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ حِجَّةً، يَخْرُجُ أَبَوَايَ إِلَى الطَّائِفِ، وَأُقِيْمُ أَنَا تَخَوُّفاً أَنْ يَفجَعَنِي عَطَاءٌ بِنَفْسِهِ.
قَالَ بَعْضُ الحُفَّاظِ: لابْنِ جُرَيْجٍ نَحْوٌ مِنْ أَلْفِ حَدِيْثٍ -يَعْنِي: المَرْفُوْعَ- وَأَمَّا الآثَارُ، وَالمَقَاطِيْعُ، وَالتَّفْسِيْرُ، فَشَيْءٌ كَثِيْرٌ.

139 - حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ الجُمَحِيُّ * (ع)
ابنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ الجُمَحِيُّ، المَكِّيُّ، الحَافِظُ.
__________
(1) الابيات في ديوان عمر بن أبي ربيعة 283 - 284 تحقيق الأستاذ محيي الدين عبد الحميد.
(2) في الديوان " بالله ".
(3) في الديوان " أخذت ".
(*) طبقات خليفة (286)، تاريخ البخاري 3 / 44، التاريخ الصغير 2 / 111، 113، الجرح والتعديل 3 / 241 - 242، مشاهير علماء الأمصار 145، الكامل في التاريخ 5 / 607، تهذيب الكمال 347 - 348، تذهيب التهذيب 1 / 182 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 620 - 621، تذكرة الحفاظ 1 / 176، العقد الثمين: 4 / 250، تهذيب التهذيب 3 / 60 - 61، خلاصة تذهيب الكمال 96، شذرات الذهب 1 / 230 - 231.

(6/336)


حَدَّثَ عَنْ: طَاوُوْسٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَسَعِيْدِ بنِ مِيْنَا، وَعَطَاءٍ، وَنَافِعٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ بِمَكَّةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَإِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَدْ تَنَاكَدَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي ذِكْرِهِ لَهُ فِي (الكَامِلِ)، فَمَا أَبدَى شَيْئاً يَتعلَّقُ بِهِ عَلَيْهِ مُتَعنِّتٌ أَصلاً.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ وَقِيْلَ لَهُ: كَيْفَ رِوَايَةُ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمٍ؟
فَقَالَ: وَادٍ (1) ، وَرِوَايَةُ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ، وَادٍ آخَرُ، وَأَحَادِيْثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ كَأَنَّهَا أَحَادِيْثُ نَافِعٍ.
قِيْلَ لِعَلِيٍّ: فَهَذَا يَدلُّ عَلَى أَنَّ سَالِماً كَثِيْرُ الحَدِيْثِ.
قَالَ: أَجَلْ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَنْظَلَةُ ثِقَةٌ.
ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَابُوْرٍ - وَمَا كَتَبتُه إِلاَّ عَنْهُ - حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اغْسِلُوا قَتْلاَكُمْ).
غَرِيْبٌ جِدّاً، وَرُوَاتُه ثِقَاتٌ.
وَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي غَيْرِ مَصَافٍّ.
وَلَعَلَّ الغَلَطَ فِيْهِ مِنْ شَيْخِ ابْنِ
__________
(1) في الأصل " وادي ".

(6/337)


عَدِيٍّ، أَوْ شَيْخِ شَيْخِه، وَالثِّقَةُ قَدْ يَهِمُ (1) .
مَاتَ حَنْظَلَةُ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.

140 - سَيْفُ بنُ سُلَيْمَانَ المَكِّيُّ * (خَ، م، د، س، ق)
أَحَدُ الثِّقَاتِ، كَانَ مِنْ مَوَالِي بَنِي مَخْزُوْمٍ.
سَمِعَ: مُجَاهِداً، وَعَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ، وَعَطَاءً، وَقَيْسَ بنَ سَعْدٍ.
وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ، لَكِنْ رَمَاهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ بِالقَدَرِ.
وَقَالَ: مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَتعنَّتَ (2) ابْنُ عَدِيٍّ بِذِكرِهِ فِي (الكَامِلِ)، وَسَاقَ حَدِيْثَه عَنْ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ
__________
(1) وهذا النقد من المؤلف، رحمه الله، بين سعة اطلاعه، ونفاذ بصيرته في متون الأحاديث ونقدها، ولو كان سندها صحيحا.
وله من ذلك الشئ الكثير، لكنه منثور في التراجم.
وطالما غفل كثير من المحدثين عن هذا، مع أن الصحابة رضوان الله عليهم جميعا.
ولا سيما عائشة، كانوا يعنون بنقد المتون.
وتوهينها إذا كانت مخالفة للقرآن الكريم.
أو الحسن السليم، أو مباينة للعقل الذي استوعب أصول الإسلام وكلياته.
وكتاب " مستدركات عائشة " على الصحابة، الذي ألفه الامام الزركشي يعد أنموذجا تطبيقيا على نقد المتون، ولو كان رجال إسنادها عدولا وثقات.
(*) طبقات خليفة (283)، تاريخ البخاري 4 / 171، التاريخ الصغير 2 / 113، الجرح والتعديل 4 / 274، مشاهير علماء الأمصار 147، تهذيب الكمال 569، تذهيب التهذيب 2 / 67 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 55، العقد الثمين: 4 / 632، تهذيب التهذيب 4 / 294، خلاصة تذهيب الكمال 147.
(2) لقد تعقب المؤلف رحمه الله ابن عدي في " الميزان " في أكثر من موضع وقد ذكر بعضها الامام اللكنوي في " الرفع والتكميل " (ص 142 - 149) فارجع إليه.

(6/338)


عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً، حَدِيْثَ: (قَضَى بِيَمِيْنٍ وَشَاهِدٍ (1)).
فَسَألَ عَبَّاسٌ يَحْيَى عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ بِمَحْفُوْظٍ، وَسَيْفٌ قَدَرِيٌّ.
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: كَانَ عِنْدَنَا ثَبتاً، مِمَّنْ يَصدُقُ وَيَحْفَظُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.

141 - عُثْمَانُ بنُ الأَسْوَدِ المَكِّيُّ مَوْلَى بَنِي جُمَحٍ * (ع)
حَدَّثَ عَنْ: طَاوُوْسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: يَحْيَى القَطَّانُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ شَبَابٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.

142 - العَلاَءُ بنُ المُسَيِّبِ بنِ رَافِعٍ الأَسَدِيُّ الكُوْفِيُّ **(ع)
حَدَّثَ عَنْ: خَيْثَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَجَمَاعَةٍ.
__________
(1) أخرجه مسلم (1712) في الاقضية، باب: القضاء باليمين والشاهد، وأحمد 1 / 248، 315، 323، وأبو داود (3608)، وابن ماجه (2370) كلهم من حديث قيس بن
سعد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، وفي الباب: عن أبي هريرة عند أبي داود (3610)، والترمذي (1343)، وابن ماجه (2368) وعن جابر عند الترمذي (1344)، وابن ماجه (2369).
وعن سعد بن عبادة عند الترمذي (1343)، والدارقطني ص 516 وعن سرق عند ابن ماجه (2371)، وانظر نصب الراية 4 / 96 وما بعدها.
(*) طبقات ابن سعد 7 / 21، تاريخ خليفة 424، طبقات خليفة (283)، تاريخ البخاري 6 / 213، الجرح والتعديل 6 / 140، تهذيب الكمال 922، تذهيب التهذيب 3 / 34 / 2، تاريخ الإسلام للذهبي 5 / 276، ميزان الاعتدال 3 / 59 - 60، العقد الثمين 6 / 18، تهذيب التهذيب 7 / 153 - 154، خلاصة تذهيب الكمال 262، شذرات الذهب 1 / 230.
(* *) طبقات ابن سعد 6 / 243، تاريخ البخاري 6 / 512، الجرح والتعديل 6 / 360 - =

(6/339)


رَوَى عَنْهُ: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعَبْثرُ بنُ القَاسِمِ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.

143 - زَكَرِيَّا بنُ إِسْحَاقَ المَكِّيُّ * (ع)
مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَيَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَيْفِيٍّ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ ثِقَةً فِي نَفْسِهِ، صَدُوقاً، إِلاَّ أَنَّهُ رُمِيَ بِالقَدَرِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَدَرِيٌّ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.

144 - مُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ بنِ دَوَالَ دُوْرَ أَبُو بِسْطَامَ النَّبْطِيُّ ** (م، 4)
الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو بِسْطَامَ النَّبْطِيُّ، البَلْخِيُّ،
__________
= 361، تهذيب الكمال 1075، تذهيب التهذيب 3 / 125 / 2، ميزان الاعتدال 3 / 105، تهذيب التهذيب 8 / 192، خلاصة تذهيب الكمال 300.
(*) تاريخ البخاري: 3 / 423، الجرح والتعديل 3 / 593، تهذيب الكمال 432 - 433، تذهيب التهذيب 1 / 237 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 71، العقد الثمين: 4 / 442، تهذيب التهذيب 3 / 328 - 329، خلاصة تذهيب الكمال 122.
(* *) طبقات خليفة (322)، تاريخ البخاري ; 8 / 13، التاريخ الصغير 2 / 11، الجرح والتعديل 8 / 353، مشاهير علماء الأمصار 195، الكامل في التاريخ 5 / 308 - 342 - 343، تهذيب الكمال 1365، تذهيب التهذيب 4 / 64 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 174، ميزان الاعتدال 4 / 171 - 172، تهذيب التهذيب 10 / 277 - 279، خلاصة تذهيب الكمال 386 طبقات المفسرين 2 / 329.

(6/340)


الخَرَّازُ، طَوَّفَ وَجَالَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: الشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَعِكْرِمَةَ، وَابْنِ بُرَيْدَةَ، وَشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَمُسْلِمِ بنِ هَيْصَمٍ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: شَيْخُهُ؛ عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، وَبُكَيْرُ بنُ مَعْرُوْفٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَعُمَرُ بنُ الرَّمَّاحِ، وَعِيْسَى غُنْجَارٌ (1) ، وَمَسْلَمَةُ بنُ عَلِيٍّ الخُشَنِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ المُحَارِبِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ)، مِنْ رِوَايَة عَلْقَمَةَ، عَنْهُ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، ذَا نُسُكٍ وَفَضْلٍ، صَاحِبَ سُنَّةٍ.
هَربَ مِنْ خُرَاسَانَ أَيَّامَ أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّولَةِ، إِلَى بِلاَدِ كَابُلَ، فَدَعَاهُم إِلَى اللهِ، فَأَسلَمَ عَلَى يَدِه خَلْقٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَوَثَّقَهُ: أَبُو دَاوُدَ أَيْضاً.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: صَالِحُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ أَحْتَجُّ بِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ: لَهُ إِخوَةٌ: مُصْعَبٌ، وَحَسَنٌ، وَيَزِيْدُ، وَخُطَّتُهم بِمَرْوَ، وَتُعرَفُ بِسِكَّةِ حَيَّانَ، مِنْ مَوَالِي بَنِي شَيْبَانَ، كَانَ ذَا مَنْزِلَةٍ عِنْدَ قُتَيْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ الأَمِيْرِ، هَرَبَ مُقَاتِلٌ إِلَى كَابُلَ، فَأَسلَمَ بِهِ خَلقٌ.
وَقَالَ فِيْهِ عَبْدُ الغَنِيِّ الأَزْدِيُّ: هُوَ الخَرَّازُ، بِرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَعَاشَ مُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ المُفَسِّرُ الضَّعِيْفُ بَعْدَه أَعْوَاماً.
__________
(1) هو عيسى بن موسى البخاري ولقبه، غنجار.

(6/341)


145 - أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ أَبُو زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ * (4، م، تَبَعاً)
الإِمَامُ، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَمُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَاخْتَلَف قَوْلُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يَكرَهُ لأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! حَلقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحرَ (1) .
إِنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: تَرَكَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
__________
(*) تاريخ خليفة 426، طبقات خليفة (273)، تاريخ البخاري: 2 / 20، الطبري 4 / 197 - 210 - 211 - 256 - 366 - 405، التاريخ الصغير: 1 / 181، 19، 23، 120، الجرح والتعديل 2 / 284، كتاب المجروحين 1 / 179، تهذيب الكمال 78، تذهيب التهذيب 1 / 50 / 2، ميزان الاعتدال 1 / 174 - 175، الوافي بالوفيات 8 / 382، تهذيب التهذيب 1 / 208 - 210، خلاصة تذهيب الكمال 26، شذرات الذهب 1 / 234.
(1) أخرج ابن ماجه (3052) في المناسك، من طريق: هارون بن سعيد المصري، عن عبد الله بن وهب، أخبرني أسامة بن زيد حدثني عطاء بن أبي رباح، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمنى يوم النحر للناس، فجاءه رجل، فقال: يار سول الله، إني حلقت قبل أن أذبح، قال: لا حرج ثم جاءه آخر فقال: يا رسول الله: إني نحرت قبل أن أرمي. قال: لا حرج.
فما سئل يومئذ عن شيء. قدم قبل شيء، إلا قال: " لا حرج " وسنده حسن.
وقال البوصيري في " مصباح الزجاجة " إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
وأخرج مالك 1 / 421، والبخاري 3 / 454 - 455، ومسلم (1306) في الحج، باب: من حلق قبل النحر، وأبو داود (2014) في المناسك، باب: فيمن قدم شيئا قبل شيء في =

(6/342)


حَدِيْثَه بِأَخَرَةٍ.
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: لَهُ عَنْ نَافِعٍ مَنَاكِيْرُ.
وَقَالَ أَيْضاً: إِذَا تَدبَّرتَ (1) حَدِيْثَه، تَعْرِفُ فِيْهِ النَّكرَةَ.
وَجَاءَ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: أَنَّهُ ثِقَةٌ.
وَجَاءَ عَنْهُ، قَالَ: تُرِكَ حَدِيْثُه بِأَخَرَةٍ، وَهَذَا وَهْمٌ، بَلْ هَذَا القَوْلُ الأَخِيْرُ هُوَ قَوْلُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ فِيْهِ.
وَقَدْ رَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، فَابْنُ مَعِيْنٍ حَسنُ الرَّأيِ فِي أُسَامَةَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ يَرتَقِي حَدِيْثُه إِلَى رُتْبَةِ الحَسَنِ، اسْتَشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ، وَأَخْرَج لَهُ مُسْلِمٌ فِي المُتَابَعَاتِ.
أَمَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ، فَضَعْفُه أَزْيَدُ.
وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الكُتُبِ، سِوَى حَدِيْثٍ وَاحِدٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَه.
__________
= حجه من طريق: ابن شهاب، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه
قال: وقف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للناس بمنى، والناس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، لم أشعر، فحلقت قبل أن أنحر، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، " انحر ولا حرج " ثم جاءه آخر فقال: يا رسول الله لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي، قال: " ارم ولا حرج " قال: فما سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: " افعل ولا حرج ".
وقد نقل الخطابي في " معالم السنن 2 / 432 عن أحمد وإسحاق في من فعل ذلك ساهيا، أنه لا شيء عليه.
لأنه يرى أن حكم العامد خلاف ذلك.
ويدل على صحة ما ذهب إليه أحمد قوله في هذا الحديث " إني لم أشعر فحلقت ".
وقال ابن قدامة في " المغني " 3 / 474: قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل حلق قبل أن يذبح، فقال: إن كان جاهلا فليس عليه، فأما التعمد فلا لان النبي، صلى الله عليه وسلم، سأله رجل قال: " لم أشعر ".
وقال ابن دقيق العيد، في شرح عمدة الاحكام، 3 / 79: ما قاله أحمد قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع الرسول في الحج، لقوله " خذوا عني مناسككم " وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل " لم أشعر " فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج.
(1) المخاطب هنا " عبد الله بن أحمد بن حنبل " راجع الميزان وتهذيب التهذيب.

(6/343)


146 - ثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ أَبُو يَزِيْدَ الكَلاَعِيُّ * (خَ، 4)
المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، عَالِمُ حِمْصَ، أَبُو يَزِيْدَ الكَلاَعِيُّ، الحِمْصِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَرَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَحَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، وَنَافِعٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، فِي خَلقٍ كَثِيْرٍ، كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ لَوْلاَ بِدعَتُه.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ - رَفِيْقُه - وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَعِدَّةٌ.
يَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً فِي (البُخَارِيِّ)، وَهُوَ حَافِظٌ مُتقِنٌ، حَتَّى إِنَّ يَحْيَى القَطَّانَ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ شَامِيّاً أَوْثَقَ مِنْ ثَوْرٍ، كُنْتُ أَكْتُب عَنْهُ بِمَكَّةَ فِي أَلوَاحٍ.
وَعَنْ وَكِيْعٍ: كَانَ ثَوْرٌ أَعَبْدَ مَنْ رَأَيْتُ.
وَقَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: كَانَ ثَوْرٌ مِنْ أَثبتِهِم.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَثَّقُوْهُ، وَلاَ أَرَى بِحَدِيْثِهِ بَأْساً، وَلَهُ مِنَ (المُسْنَدِ) نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ، لَمْ أَرَ لَهُ أَنْكَرَ مِمَّا ذَكرتُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، حَافِظٌ.
قَالَ أَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ ثَوْراً لَقِيَ الأَوْزَاعِيَّ، فَمدَّ يَدَه إِلَيْهِ، فَأَبَى الأَوْزَاعِيُّ أَنْ يَمدَّ يَدَه إِلَيْهِ، وَقَالَ:
يَا ثَوْرُ! لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا، لَكَانَتِ
__________
(*) تاريخ خليفة 427، طبقات خليفة (315)، تاريخ البخاري 2 / 181، التاريخ الصغير 2 / 99 - 100، الجرح والتعديل 2 / 468 - 469، الكامل في التاريخ 5 / 611، تهذيب الكمال 179، وقد تحرف اسم أبيه فيه إلى " زياد "، تذهيب التهذيب 1 / 98 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 175، ميزان الاعتدال 1 / 374 - 375، تهذيب التهذيب 2 / 33 - 35 خلاصة تذهيب الكمال 58.

(6/344)


المُقَارَبَةُ، وَلَكِنَّهُ الدِّيْنُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ثَوْرٌ يَرَى القَدَرَ، وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى: قَالَ سُفْيَانُ: اتَّقُوا ثَوْراً، لاَ يَنْطَحَنَّكُم بِقَرنِه.
قُلْتُ: كَانَ ثَوْرٌ عَابِداً، وَرِعاً، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَجَعَ.
فَقَدْ رَوَى: أَبُو زُرْعَةَ، عَنْ مُنَبِّهِ بنِ عُثْمَانَ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِثَوْرٍ: يَا قَدَرِيُّ!
قَالَ: لَئِنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتَ، إِنِّي لَرَجُلُ سُوءٍ، وَإِنْ كُنْتُ عَلَى خِلاَفِ مَا قُلْتَ، إِنَّكَ لَفِي حِلٍّ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: نَفَى أَسَدُ بنُ وَدَاعَةَ ثَوْراً، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَالِمٍ: أَخْرَجُوْهُ، وَأَحْرقُوا دَارَه؛ لِكَلاَمِه فِي القَدَرِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ ثَوْرٌ سنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ بِبَيْتِ المَقْدِسِ.

147 - حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ ابْنُ ذَكْوَانَ العَوْذِيُّ * (ع)
هُوَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ ذَكْوَانَ العَوْذِيُّ، البَصْرِيُّ، المُؤَدِّبُ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَبُدَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَقَتَادَةَ، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَغُنْدَرٌ، وَعَبْدُ
__________
(*) تاريخ خليفة 424، طبقات خليفة (220)، تاريخ البخاري: 2 / 387، الجرح والتعديل 3 / 52، مشاهير علماء الأمصار 154، تهذيب الكمال 288، تذهيب التهذيب 1 / 148 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 174، تهذيب التهذيب 2 / 338 - 339، خلاصة تذهيب الكمال 83، مقدمة فتح الباري ص 395: وفيها توثيقه عن ابن معين والنسائي وأبي حاتم وأبي زرعة وابن سعد والعجلي والبزار والدار قطني.
وقال يحيى القطان: فيه اضطراب.
وعلق الحافظ على قول يحيى هذا فقال: لعل الاضطراب في الرواة عنه، فقد احتج به الأئمة.

(6/345)


الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالنَّاسُ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ: العُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لَهُ، بِلاَ مُسْتَندٍ، وَقَالَ: هُوَ مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ - وَذُكِرَ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ - فَقَالَ: فِيْهِ اضْطِرَابٌ.
قُلْتُ: الرَّجُلُ ثِقَةٌ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا (الصَّحِيْحَيْنِ).
وَمَاتَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَذَكَرَ لَهُ العقِيْلِيُّ حَدِيْثاً وَاحِداً، تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ، وَغَيْرُه مِنَ الحُفّاظِ أَرْسَلَه، فَكَانَ مَاذَا؟ فَلَيْسَ مِنْ شَرطِ الثِّقَةِ أَنْ لاَ يَغلَطَ أَبَداً، فَقَدْ غَلطَ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ، وَنَاهِيْكَ بِهِمَا ثِقَةً، وَنُبلاً، وَحُسَيْنٌ المُعَلِّمُ مِمَّنْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمَنْ تَقدَّمَ مُطلَقاً، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.

148 - عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ الجَزَرِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الجَزَرِيُّ، الفَقِيْهُ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ، وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمَكْحُوْلٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: لَوْ عَلِمتُ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيَّ حَرفٌ مِنَ السُّنَّةِ بِاليَمَنِ، لأَتَيتُهَا.
قُلْتُ: هَذِهِ الدَّعوَى تَدلُّ عَلَى سَعَةِ عِلْمِهِ.
__________
(*) تاريخ خليفة 423، طبقات خليفة (320)، تاريخ البخاري: 6 / 367، التاريخ الصغير 2 / 86، 87، الجرح والتعديل 6 / 258، تهذيب الكمال 1052، تذهيب التهذيب 3 / 110 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 60، العقد الثمين: 6 / 417، تهذيب التهذيب 8 / 108، 109، خلاصة تذهيب الكمال 294.

(6/346)


قَالَ أَبُو الحَسَنِ المَيْمُوْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
لَمَّا رَأَيْتُ قَدْرَ عَمِّي عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ عِنْدَ المَنْصُوْرِ، قُلْتُ لَهُ: لَوْ أَنَّكَ سَأَلتَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يُقْطِعَكَ قَطِيْعَةً.
فَسَكَتَ، فَأَلححتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنَّكَ لَتسَألُنِي أَنْ أَسْأَلَه شَيْئاً قَدِ ابْتَدَأنِي هُوَ بِهِ غَيْرَ مرَّةٍ، فَلَمْ أَفْعَلْ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ ثِقَةٌ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَصِفُ عَمْرَو بنَ مَيْمُوْنٍ بِمَعْرِفَةِ القُرْآنِ وَالنَّحوِ، وَلَمْ أَرَهُ يَغتَابُ أَحَداً.
وَقَالَ هِلاَلُ بنُ العَلاَءِ: مَاتَ عَمْرٌو بِالرَّقَّةِ، وَكَانَ يُؤدِّبُ بِحصْنِ مَسْلَمَةَ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَخَلِيْفَةُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.

149 - عَبْدُ اللهِ بنُ شُبْرُمَةَ الضَّبِّيُّ * (م، د، س، ق)
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ العِرَاقِ، أَبُو شُبْرُمَةَ، قَاضِي الكُوْفَةِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بنِ وَاثِلَةَ، وَأَبِي وَائِلٍ شَقِيْقٍ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَنَافِعٍ، وَسَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادِ بنِ الهَادِ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَطَائِفَةٍ.
__________
(*) تاريخ خليفة 361، 421، طبقات خليفة (167)، تاريخ البخاري 5 / 117، التاريخ الصغير 2 / 77 - 78، الجرح والتعديل 5 / 82، مشاهير علماء الأمصار 168، الكامل في التاريخ 5 / 228، تهذيب الكمال 692، تذهيب التهذيب 2 / 150 / 2، تاريخ الإسلام 5 / 88 - 89، ميزان الاعتدال 2 / 438، تهذيب التهذيب 5 / 250 - 251، خلاصة تذهيب الكمال 200 - 201، شذرات الذهب 1 / 215 - 216.

(6/347)


حَدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَهُشَيْمٌ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ بَشِيْرٍ، وَوُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ، وَشُعَيْبُ بنُ صَفْوَانَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الفُروعِ، وَأَمَّا الحَدِيْثُ فَمَا هُوَ بِالمُكْثِرِ مِنْهُ، لَهُ نَحْوٌ مِنْ سِتِّيْنَ أَوْ سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً.
وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ شُبْرُمَةَ بنِ طُفَيْلِ بنِ حَسَّانٍ الضَّبِّيُّ.
وَهُوَ عَمُّ عُمَارَةَ بنِ القَعْقَاعِ، وَلَكِنْ عُمَارَةُ أَسَنُّ مِنْهُ.
وَآخرُ أَصْحَابِه مَوْتاً: أَبُو بَدْرٍ السَّكُوْنِيُّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: كَانَ ابْنُ شُبْرُمَةَ عَفِيْفاً، صَارِماً، عَاقِلاً، خَيِّراً، يُشبِهُ النُّسَّاكَ، وَكَانَ شَاعِراً، كَرِيْماً، جَوَاداً، لَهُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً.
رَوَى: ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ:
كُنْتُ إِذَا اجْتَمَعتُ أَنَا وَالحَارِثُ العُكْلِيُّ عَلَى مَسْأَلَةٍ، لَمْ نُبَالِ مَنْ خَالَفَنَا.
وَقَالَ فُضَيْلُ بنُ غَزْوَانَ: كُنَّا نَجلِسُ أَنَا، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ العُكْلِيُّ، وَالمُغِيْرَةُ، وَالقَعْقَاعُ بنُ يَزِيْدَ بِاللَّيْلِ، نَتذَاكَرُ الفِقْهَ، فَرُبَّمَا لَمْ نَقُمْ حَتَّى نَسْمَعَ النِّدَاءَ بِالفَجْرِ.
وَقَالَ عَبْدُ الوَارِثِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسرعَ جَوَاباً مِنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: رَأَيْتُ ابْنَ شُبْرُمَةَ إِذَا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: جُعِلتُ فِدَاكَ، يَغْضَبُ وَيَقُوْلُ: قُلْ: غَفَرَ اللهُ لَكَ.
وَرَوَى: ابْنُ السِّمَاكِ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ:
مَن بَالغَ فِي الخُصومَةِ أَثِمَ، وَمَنْ قَصَّرَ فِيْهَا خصمَ، وَلاَ يُطِيْقُ الحَقَّ مَنْ بَالَى عَلَى مَنْ دَارَ الأَمْرَ.
وَرَوَى: ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ:
عَجبتُ لِلنَّاسِ يَحْتَمُوْنَ مِنَ الطَّعَامِ مَخَافَةَ الدَّاءِ، وَلاَ يَحتَمُوْنَ مِنَ الذُّنوبِ مَخَافَةَ النَّارِ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ عِيْسَى بنُ مُوْسَى لاَ يَقْطَع أَمراً دُوْنَ ابْنِ شُبْرُمَةَ.
قَالَ: فَبَعَثَ أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ إِلَى عِيْسَى بِعمِّهِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ لِيَحبسَهُ،

(6/348)


ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ اقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ.... وَإِنَّهُ.....
فَاسْتشَارَ ابْنَ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ لَهُ: لَمْ (1) يُرِدِ المَنْصُوْرُ غَيْرَك؟!
وَكَانَ عِيْسَى وَلِيَّ العَهْدِ، فَقَالَ: مَا تَرَى؟
قَالَ: احْبِسْهُ، وَاكْتُبْ إِلَيْهِ أَنَّكَ قَتَلْتَهُ.
فَفَعَلَ، فَجَاءَ أَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ إِلَى عِيْسَى، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنِ اقْتُلْهُ، فَقَدْ قَتَلْتُه.
فَرَجَعُوا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ: كَذَبَ، لأُقَيِدَنَّهُ بِهِ.
فَارتَفعُوا إِلَى القَاضِي، فَلَمَّا حَقَّقُوا عَلَى عِيْسَى، أَخْرَجَهُ إِلَيْهِم.
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَتَلَنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلِ الأَعْرَابِيَّ - يُرِيْدُ: ابْنَ شُبْرُمَةَ - فَإِنَّ عِيْسَى لاَ يَعْرِفُ هَذَا.
قَالَ: فَمَا زَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ مُختَفِياً حَتَّى مَاتَ بِخُرَاسَانَ، سَيَّرهُ إِلَيْهَا عِيْسَى بنُ مُوْسَى.
رَوَى: ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَمُغِيْرَةُ، وَالحَارِثُ العُكْلِيُّ يَسهَرُوْنَ فِي الفِقْهِ، فَرُبَّمَا لَمْ يَقُوْمُوا إِلَى الفَجْرِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَرَّخَهُ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَالمَدَائِنِيُّ.

150 - عَمْرُو بنُ الحَارِثِ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ * (ع)
العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو أُمَيَّةَ الأَنْصَارِيُّ، السَّعْدِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ الأَصْلِ، المِصْرِيُّ، عَالِمُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، وَمُفْتِيْهَا، مَوْلَى قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ.
وُلِدَ: بَعْدَ التِّسْعِيْنِ، فِي خِلاَفَةِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ.
وَرَوَى عَنِ: ابْنِ أَبِي
__________
(1) سقطت من الأصل
(*) طبقات خليفة (296)، تاريخ البخاري 6 / 320، التاريخ الصغير 2 / 96، الجرح والتعديل 6 / 225، مشاهير علماء الأمصار 187، الكامل في التاريخ 5 / 589، تهذيب الكمال 1029 - 1030، تذهيب التهذيب 3 / 95 / 1، تذكره الحفاظ 1 / 133، ميزان الاعتدال 1 / 252، تاريخ الإسلام 6 / 105، 107، تهذيب التهذيب 8 / 14 - 16، خلاصة تذهيب الكمال 287، شذرات الذهب 1 / 223 حسن المحاضرة 1 / 300

(6/349)


مُلَيْكَةَ، وَأَبِي يُوْنُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَأَبِي عُشَّانَةَ المَعَافِرِيِّ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَقَتَادَةَ، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَكَعْبِ بنِ عَلْقَمَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ، وَبَكْرِ بنِ سَوَادَةَ، وَبُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ، وَثُمَامَةَ بنِ شُفَيٍّ، وَجَعْفَرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَأَبِيْهِ الحَارِثِ، وَالجُلاَحِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَحَبَّانَ بنِ وَاسِعٍ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَدرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، وَرَبِيْعَةَ الرَّأْيِ، وَزَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَسَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، وَسَعِيْدِ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، وَعَامِرِ بنِ يَحْيَى المَعَافِرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَن بنِ القَاسِمِ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَبَرَعَ فِي العِلْمِ، وَاشتُهِرَ اسْمُه.
حَدَّثَ عَنْهُ: قَتَادَةُ شَيْخُهُ، وَبُكَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الأَشَجِّ شَيْخُهُ أَيْضاً.
وَقِيْلَ: إِنَّ مُجَاهِدَ بنَ جَبْرٍ رَوَى عَنْهُ، وَهَذَا وَهمٌ لاَ يَسوغُ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ - وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ وَأَسَنُّ - وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَبَكْرُ بنُ مُضَرَ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، وَمُوْسَى بنُ أَعَيْنَ، وَنَافِعُ بنُ (1) يَزِيْدَ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبِ بنِ شَابُوْرٍ، وَلَمْ يَشِخْ، إِنَّمَا مَاتَ فِي الكُهولَةِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
لَيْسَ فِيْهِم -يَعْنِي: أَهْلَ مِصْرَ- أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنَ اللَّيْثِ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ يُقَارِبُه.
وَقَالَ الأَثْرَمُ: عَنْ أَحْمَدَ:
مَا فِي هَؤُلاَءِ المِصْرِيِّينَ أَثْبَتَ مِنَ اللَّيْثِ، لاَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَلاَ أَحَدٌ، وَقَدْ كَانَ عَمْرٌو عِنْدِي، ثُمَّ رَأَيْتُ لَهُ أَشْيَاءَ مَنَاكِيْرَ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: عَنْ أَحْمَدَ (2) :
عَمْرُو بنُ الحَارِثِ حَملَ حملاً شَدِيْداً، يَرْوِي عَنْ قَتَادَةَ أَحَادِيْثَ يَضطرِبُ فِيْهَا، وَيُخْطِئُ. وَقَالَ ابْنُ
__________
(1) سقطت من الأصل.
(2) زيادة من تاريخ المؤلف والتهذيب.

(6/350)


مَعِيْنٍ مَنْ طَرِيْقِ الكَوْسَجِ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالعِجْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَطَائِفَةٌ: ثِقَةٌ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: كَانَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يُوَثِّقُه جِدّاً.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: الَّذِي يَقُوْلُ مَالِكٌ فِي كِتَابِهِ: الثِّقَةُ عَنْ بُكَيْرٍ، يُشبِهُ أَنْ يَكُوْنَ عَمْرَو بنَ الحَارِثِ.
وَرَوَى: عَمْرُو بنُ سَوَّادٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ شَيْخٍ وَسَبْعِيْنَ شَيْخاً، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يَحْفَظُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَبِيْعَةُ: لاَ يَزَالُ بِذَلِكَ المِصرُ عِلْمٌ مَا دَامَ بِهَا ذَلِكَ القَصِيْرُ -يَعْنِي: عَمْرَو بنَ الحَارِثِ-.
حَرْمَلَةُ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ:
اهْتَدَيْنَا فِي العِلْمِ بِأَرْبَعَةٍ: اثْنَانِ بِمِصْرَ، وَاثْنَانِ بِالمَدِيْنَةِ، عَمْرُو بنُ الحَارِثِ وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ بِمِصْرَ، وَمَالِكٌ وَابْنُ المَاجَشُوْنِ بِالمَدِيْنَةِ، لَوْلاَ هَؤُلاَءِ لَكُنَّا ضَالِّينَ.
قُلْتُ: بَلْ لَوْلاَ اللهُ لَكُنَّا ضَالِّينَ، اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ وَزِيْرٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ:
لَوْ بَقِيَ لَنَا عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، مَا احْتَجنَا إِلَى مَالِكٍ.
هَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ:
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: اكْتُبْ لِي مِنْ أَحَادِيْثِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ.
فَكَتَبتُ لَهُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ، وَحدَّثتُه بِهَا.
وَرَوَى: شُعَيْبُ بنُ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ بَيْنَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَبَيْنَ أَبِيْهِ الحَارِثِ بنِ يَعْقُوْبَ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فِي الفَضْلِ، فَالحَارِثُ أَفْضَلُ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيْهِ يَعْقُوْبَ فِي الفَضْلِ، كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ عَمْرٌو أَحْفَظَ أَهْلِ زَمَانِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيْرٌ فِي الحِفظِ فِي زَمَانِهِ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: كَانَ أَخطبَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَبلَغَهم، وَأَرَوَاهُم لِلشِّعرِ.
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: أَخْرَجَهُ صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ مِنْ

(6/351)


المَدِيْنَةِ إِلَى مِصْرَ مُؤُدِّباً لِبَنِيْهِ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ فِي (تَارِيْخِهِ): كَانَ فَقِيْهاً، أَدِيْباً، أَدَّبَ لِوَلَدِ صَالِحِ بنِ عَلِيٍّ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ:
كَانَ يُعلِّمُ وَلدَ صَالِحِ بنِ عَلِيٍّ، وَكَانَ سَيِّئَ الحَالِ، فَلَمَّا عَلَّمَهم، صَلحَ حَالُه، صَارَ يَلْبَسُ الوَشْيَ وَالخَزَّ.
وَرَوَى: يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ:
كُنْتُ أَرَى عَمْرَو بنَ الحَارِثِ عَلَيْهِ أَثْوَابٌ بِدِيْنَارٍ، قَمِيْصُه، وَرِدَاؤُهُ، وَإِزَارُه، ثُمَّ لَمْ تَمضِ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى رَأَيْتُه يَجرُّ الوَشْيَ وَالخَزَّ - فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجعُوْنَ -.
عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ:
قَالَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ: الشَّرفُ شَرَفَانِ، شَرفُ العِلْمِ، وَشَرفُ السُّلْطَانِ، وَشَرفُ العِلْمِ أَشْرَفُهُمَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَجَّاجِ بنِ رِشدِيْنَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ - وَذَكَرَ اللَّيْثَ - فَقَالَ:
إِمَامٌ، قَدْ أَوجبَ اللهُ -تَعَالَى- عَلَيْنَا حَقَّه.
فَقُلْتُ لَهُ: اللَّيْثُ إِمَامٌ؟!
قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَكُنْ بِالبَلَدِ بَعْدَ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ مِثْلُ اللَّيْثِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الأَجْرَمِ الحَافِظُ: عَمْرُو بن الحَارِثِ غَزِيْرٌ، عَزِيْزُ الحَدِيْثِ جِدّاً مَعَ عِلْمِه وَثَبتِه، وَقَلَّمَا يَخْرُجُ حَدِيْثُه مِنْ مِصْرَ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ قَارِئاً، فَقِيْهاً، مُفْتِياً، ثِقَةً.
وَقَالَ ابْنُ مَاكُوْلاَ: كَانَ قَارِئاً، مُفْتِياً، أَفتَى فِي زَمَنِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَكَانَ أَدِيْباً، فَصِيْحاً.
قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: وُلدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ، وَالأَمِيْرُ: وُلدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَاشَ ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ عُفَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَابْنُ يُوْنُسَ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
زَادَ ابْنُ يُوْنُسَ: فِي شَوَّالٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَيَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ، أَوْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَذَا قَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ.
وَرَوَى: الغَلاَبِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: مَاتَ سَنَةَ

(6/352)


تِسْع وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: الصّحِيْحُ وَفَاتُه فِي شَوَّالٍ، مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، مَاتَ مَعَهُ الأَعْمَشُ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الكِبَارِ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ خَالِهِ، قَالَ:
كَانَ عَمْرُو بنُ الحَارِثِ المِصْرِيُّ يَخْرُجُ مِنْ دَارِه، فَيَرَى النَّاسَ صُفُوْفاً، يَسْأَلُوْنَهُ عَنِ القُرْآنِ، وَالحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ، وَالشِّعرِ، وَالعَرَبِيَّةِ، وَالحِسَابِ.
وَكَانَ صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الأَمِيْرُ قَدْ جَعَلَهُ مُؤَدِّباً لِوَلَدِهِ الفَضْلِ، فَنَالَ حِشْمَةً بِذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ عَمْرٍو.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: عَمْرُو بنُ الحَارِثِ أَحْفَظُ مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قِرَاءةً، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ صَيَّاحٍ المَخْزُوْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ البَزَّازُ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو المَدِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، أَنَّ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظُّهرَ، وَالعَصْرَ، وَالمَغْرِبَ، وَالعِشَاءَ، وَرَقدَ رَقدَةً بِالمُحصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى البَيْتِ، فَطَافَ بِهِ (1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، مِنَ العَوَالِي.
وَعِنْدِي بِهَذَا الإِسْنَادِ إِلَى عَمْرٍو عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، وَلاَ يَقَعُ حَدِيْثُهُ أَعْلَى مِنْ هَذَا، وَلاَ يَقعُ فِي كِتَابٍ مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ إِلاَّ بوَاسطَةِ اثْنَيْنِ، حَتَّى فِي (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَه رَجُلاَنِ.
__________
(1) وأخرجه البخاري 3 / 470 في الحج، باب: من صلى العصر يوم النحر بأبطح، والدارمي 2 / 55، والمحصب: موضع فيما بين مكة ومنى، وهو إلى منى أقرب، وهو ما انبطح من الوادي واتسع، وقد نقل ابن المنذر الاختلاف في استحباب النزول بالمحصب مع الاتفاق أنه ليس من المناسك.
سير 6 / 23

(6/353)


151 - أَبُوْه

ُ: الحَارِثُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ * (م، ت، س)
مِنْ فُضَلاَءِ التَّابِعِيْنَ، وَعُبَّادِهم.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شِمَاسَةَ، وَأَبِي الحُبَابِ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ.
وَقِيْلَ: يَرْوِي عَنْ: سَهْلِ بنِ سَعْدٍ الصَّحَابِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ، وَيَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ رَفِيْقُه، وَاللَّيْثُ، وَبَكْرُ بنُ مُضَرَ.
وَكَانَ أَبُوْهُ يَعْقُوْبُ مِنَ العَابِدِيْنَ أَيْضاً، وَكَانَ الحَارِثُ رُبَّمَا أَحْيَى اللَّيْلَ صَلاَةً -رَحِمَهُ اللهُ-.
مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.

152 - العَوَّامُ بنُ حَوْشَبِ بنِ يَزِيْدَ الرَّبَعِيُّ الوَاسِطِيُّ ** (ع)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عِيْسَى الرَّبَعِيُّ، الوَاسِطِيُّ.
كَانَ لَهُ عِدَّةُ إِخوَةٍ، أَسْلَمَ جَدُّهم يَزِيْدُ عَلَى يَدِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، فَجَعَلَهُ عَلَى شُرطَتِه.
حَدَّثَ عَنْ: إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ سَلَمَةُ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، وَشُعْبَةُ، وَهُشَيْمٌ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(*) الجرح والتعديل 3 / 93 - 94، تهذيب الكمال 225، تذهيب التهذيب 1 / 116 / 1 - 2، تهذيب التهذيب 2 / 164، خلاصة تذهيب الكمال 69.
(* *) طبقات خليفة (326)، تاريخ البخاري 7 / 67، التاريخ الصغير 2 / 47، الجرح والتعديل 7 / 22، الكامل في التاريخ 5 / 589، تهذيب الكمال 1065، تذهيب التهذيب 3 / 119 / 1، تهذيب التهذيب 8 / 163، خلاصة تذهيب الكمال 298، شذرات الذهب 1 / 244.

(6/354)


ذَكرَهُ أَحْمَدُ، فَقَالَ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ صَاحِبَ أَمرٍ (1) بِالمَعْرُوْفِ، وَنَهْيٍ عَنِ المُنْكَرِ.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَمَّا:

153 - العَوَّامُ بنُ حَمْزَةَ المَازِنِيُّ *
فَشَيْخٌ بَصْرِيٌّ.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَبَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَغُنْدَرٌ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَهُ مَنَاكِيْرُ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: لَيْسَ حَدِيْثُه بِشَيْءٍ.
قُلْتُ: فَهَذَا مِمَّنْ يَرْوِي عَنْهُ القَطَّانُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَمرُهُ.

154 - هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرْدُوْسِيُّ ** (ع)
الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ البَصْرَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، القُرْدُوْسِيُّ، البَصْرِيُّ.
وَيُقَالُ: هُوَ مِنَ العَتِيْكِ، وَنَزَلَ فِي القَرَادِيسِ.
وَقِيْلَ: هُوَ مِنْ مَوَالِيْهم، وَهُوَ أَشْبَهُ.
فَلَمْ يُسمَّ لَهُ جَدٌّ مَعَ شُهرَةِ هِشَامٍ وَنُبلِه، وَمَا عَلِمتُ لَهُ شَيْئاً عَنِ الصَّحَابَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَأَى أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ أَدْرَكَه، وَهُوَ قَدِ اشْتدَّ.
حَدَّثَ عَنْ: الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَأُخْتِهِ؛ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي مِجْلَزٍ،
__________
(1) زيادة يتطلبها المعنى وهي من التهذيب.
(*) تاريخ البخاري: 7 / 67، الجرح والتعديل 7 / 22 - 23، تهذيب الكمال 1056، تذهيب التهذيب 3 / 119 / 1، ميزان الاعتدال 3 / 303، تهذيب التهذيب 8 / 163، خلاصة تذهيب الكمال 295.
(* *) تاريخ خليفة 424، طبقات خليفة (219)، تاريخ البخاري: 8 / 197، التاريخ الصغير 2 / 85، الجرح والتعديل 9 / 54 - 55، الكامل في التاريخ 5 / 583، تهذيب الكمال 1436، تذهيب التهذيب 4 / 113 / 2، تاريخ الإسلام 6 / 144، تذكرة الحفاظ 1 / 163، ميزان الاعتدال 4 / 295 - 298، تهذيب التهذيب 11 / 34 - 37، خلاصة تذهيب الكمال 409، شذرات الذهب 1 / 219.

(6/355)


وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي مَعْشَرٍ زِيَادِ بنِ كُلَيْبٍ، وَحُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، وَقَيْسِ بنِ سَعْدٍ، وَوَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَأَيُّوْبَ بنِ مُوْسَى القُرَشِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَمَهْدِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ - وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ -.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، وَزَائِدَةُ، وَالحَمَّادَانِ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَهُشَيْمٌ، وَمُعْتَمِرٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَجَرِيْرٌ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَغُنْدَرٌ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ البُرْسَانِيُّ، وَرَوْحٌ، وَالأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَوَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، وَعُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ المُؤَذِّنُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ مَوْلَى القَرَادِيسِ، مِنَ الأَزْدِ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ قُرْدُوْسٌ مِنْ جَمَالِه.
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: هِشَامٌ مَوْلَى العَتَكِ، نَزَلَ دَربَ القَرَادِيسِ، فَنُسبَ إِلَيْهِم.
رَوَى: حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ:
كَنَّانِي مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَلَمْ يُوْلَدْ لِي.
وَرَوَى: حَمَّادٌ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي صَدَقَةَ: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ، قَالَ: هِشَامٌ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ.
قَالَ حَمَّادٌ: وَكَانَ أَيُّوْبُ يَقُوْلُ: سَلْ لِي هِشَاماً عَنْ حَدِيْثِ كَذَا.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: مَا رَأَيْتُ - أَوْ مَا كَانَ أَحَدٌ - أَحْفَظَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ هِشَامٍ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ:
أَنْبَأَنَا أَيُّوْبُ، وَهِشَامٌ، وَحَسبُكَ بِهِشَامٍ.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
لَقَدْ أَتَى هِشَامٌ أَمراً عَظِيْماً بِرَاوَيتِه عَنِ

(6/356)


الحَسَنِ.
قِيْلَ لِنُعَيْمٍ: لِمَ؟
قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ صَغِيْراً.
قُلْتُ: هَذَا فِيْهِ نَظَرٌ، بَلْ كَانَ كَبِيْراً.
وَقَدْ جَاءَ أَيْضاً عَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ:
كَانَ هِشَامٌ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيْثِ الحَسَنِ.
فَهَذَا أَصَحُّ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ: سَمِعَ هِشَاماً يَقُوْلُ: جَاوَرْتُ الحَسَنَ عَشْرَ سِنِيْنَ.
وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ:
كُنَّا لاَ نَعدُّ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ فِي الحَسَنِ شَيْئاً.
مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: عَنْ هِشَامٍ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، سَردَهُ سَرداً كَمَا سَمِعَهُ، فَإِنْ كَانَ ابْنُ سِيْرِيْنَ يُرسِلُ فِيْهِ، أَرْسَلَ فِيْهِ فِي حَدِيْثِ ابْنِ سِيْرِيْنَ خَاصَّةً.
عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُغِيْرَةِ المَرْوَزِيِّ:
قُلْتُ لِهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ: أَخْرِجْ إِلَيَّ بَعْضَ كُتُبِكَ.
قَالَ: لَيْسَ لِي كُتبٌ.
يَعْنِي: كَانَ يَحْفَظُ، وَقَلَّمَا كَتَبَ.
وَرَوَى: مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ، عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ:
مَا كَتَبتُ لِلْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ حَدِيْثاً قَطُّ، إِلاَّ حَدِيْثَ الأَعمَاقِ، لأَنَّهُ طَالَ عَلَيَّ، فَكَتَبتُه، فَلَمَّا حَفِظتُه مَحَوتُه (1) .
عَلِيٌّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ:
رَوَى هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ
__________
(1) واخرجه الرامهرمزي في " المحدث الفاصل ": 383 والخطيب في " تقييد العلم " 60 عن هشام بن حسان: ما كتبت حديثا قط إلا حديث الأعماق، فلما حفظته محوته.
وربما يريد بحديث الاعماق الحديث الذي أخرجه مسلم في " صحيحه " (2897) في أشراط الساعه: باب فتح القسطنطينية من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة
حتى ينزل الروم الاعماق أو بدابق...

(6/357)


وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ.
قُلْتُ: مَا هُوَ؟
قَالَ: (لاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعْبُدَ العَرَبُ بَيْتاً، أَوْ شَيْئاً (1)).
قُلْتُ لِيَحْيَى: هَذَا مِمَّا سَمِعْتُه مِنْ أَبِي مِجْلَزٍ؟
قَالَ: نَعَمْ (2) ، لَقِيْتُه بِخُرَاسَانَ.
قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: هِشَامٌ فِي ابْنِ سِيْرِيْنَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ؟
قَالَ: هِشَامٌ.
ثُمَّ قَالَ: هُوَ عِنْدِي فِي الحَسَنِ دُوْنَ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو.
حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ: كَانَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ لاَ يَختَارُ عَلَى هِشَامٍ فِي حَدِيْثِ ابْنِ سِيْرِيْنَ أَحَداً.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَمَّا حَدِيْثُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَصِحَاحٌ، وَحَدِيْثُه عَنِ الحَسَنِ عَامَّتُهَا تَدورُ عَلَى حَوْشَبٍ، وَهِشَامٌ أَثْبَتُ مِنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ فِي ابْنِ سِيْرِيْنَ، هِشَامٌ ثَبْتٌ.
وَرَوَى: الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلاَّلُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ:
كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَكبَارُ أَصْحَابِنَا، يُثبِتُوْنَ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ.
وَكَانَ يَحْيَى يُضَعِّفُ حَدِيْثَه عَنْ عَطَاءٍ، وَكَانَ النَّاسُ يَرَوْنَ أَنَّهُ أَخَذَ حَدِيْثَ الحَسَنِ عَنْ حَوْشَبٍ.
عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: عَنْ عَرْعَرَةَ بنِ البِرِنْدِ: سَأَلْتُ عَبَّادَ بنَ مَنْصُوْرٍ:
أَتعرفُ أَشْعَثَ مَوْلَى آلِ حُمْرَانَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: كَانَ يُقَاعِدُ الحَسَنَ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَثِيْراً.
قُلْتُ: هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ؟
قَالَ: مَا رَأَيْتُه عِنْدَ الحَسَنِ قَطُّ.
قَالَ عَرْعَرَةُ:
__________
(1) لم نقف عليه بهذا اللفظ، لكن في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة مرفوعا " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة " أخرجه البخاري 13 / 66 في التوحيد: باب تغير الزمان حتى تعبد الاوثان، ومسلم (2906) وأخرج مسلم (2907)
من حديث عائشة مرفوعا " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى "..
(2) زيادة من التهذيب.

(6/358)


فَأَخْبَرتُ بِذَلِكَ جَرِيْرَ بنَ حَازِمٍ، فَقَالَ: قَاعَدْتُ الحَسَنَ سَبْعَ سِنِيْنَ، مَا رَأَيْتُ هِشَاماً عِنْدَه قَطُّ.
قُلْتُ: فَأَشْعَثُ؟
قَالَ: مَا أَتَيْتُ الحَسَنَ إِلاَّ رَأَيْتُه عِنْدَه.
شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ:
لَوْ حَابَيْتُ أَحَداً لَحَابَيْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، كَانَ خَتَنِي (1) ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْفَظُ.
مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
زَعَمَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يَتَّقِي حَدِيْثَ هِشَامٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدٍ، وَالحَسَنِ.
قَالَ: وَقَالَ وُهَيْبٌ: سَأَلَنِي سُفْيَانُ أَنْ أُفِيْدَه عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، فَقُلْتُ: لاَ أَسْتَحلُّ.
فَأَفَدْتُه عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، فَسَأَلَ هِشَاماً عَنْهُمَا.
سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ:
ذُكِرَ لأَيُّوْبَ وَيَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
سَأَلْتُ عَبِيْدَةَ عَمَّا يَنْقِضُ الوُضُوْءَ، قَالَ: الحَدَثُ، وَأَذَى المُسْلِمِ.
فَأَنكَرُوا قَوْلَهُ: وَأَذَى المُسْلِمِ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قَالَ:
كَانَ هِشَامٌ يَرْفَعُ حَدِيْثَ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَقُوْل فِيْهَا: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَذَكَرتُ ذَلِكَ لأَيُّوْبَ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ:
إِنَّ مُحَمَّداً لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُهَا، فَلاَ تَرفَعْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَنْحُو بِهَا بِالرَّفعِ.
فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِهِشَامٍ، فَتَرَكَ الرَّفعَ.
سُلَيْمُ بنُ أَخْضَرَ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ:
كَانَ مُحَمَّدٌ لاَ يَرْفَعُ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ: صَلَّى إِحْدَى صَلاَتَي العَشِيِّ، وَجَاءَ أَهْلُ اليَمَنِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الثَّالِثَ.
قُلْتُ: قَدْ أَخْرَجَا فِي (الصَّحِيْحِ) مِنَ المَرْفُوْعَاتِ لِمُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
__________
(1) في الأصل، والتهذيب " خشبيا " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه كما هو في " تهذيب الكمال " وفي " الميزان ".

(6/359)


عِدَّةَ أَحَادِيْثَ، وَانفرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَحَادِيْثَ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ العَيْشِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ بنِ حَبِيْبٍ، قَالَ:
رُبَّمَا سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَطَاءً.
وَأَجِيْءُ بَعْدُ، فَيَقُوْلُ: حَدَّثَنِي الثَّوْرِيُّ، وَقَيْسٌ، عَنْ عَطَاءٍ هُوَ ذَاكَ بِعَيْنِه.
قُلْتُ لَهُ: اثْبُتْ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَصَاحَ بِي.
قُلْتُ: عَطَاءٌ هُوَ ابْنُ السَّائِبِ، وَيَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ.
وَقَوْلُهُ: وَقَيْسٌ، وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ - فِيْمَا أَرَى - عَنْ قَيْسٍ، وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ المَكِّيِّ.
قَالَ أَحْمَدُ: هِشَامٌ صَالِحٌ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَشْعَثَ.
وَقَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يُسْأَلُ عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، قَالَ:
عِنْدِي لاَ بَأْسَ بِهِ، وَمَا تَكَادُ تُنكِرُ عَلَيْهِ شَيْئاً، إِلاَّ وَجَدْتَ غَيْرَه قَدْ رَوَاهُ، إِمَّا أَيُّوْبُ، وَإِمَّا عَوْفٌ.
وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَرَوَى: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ.
وَقَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ:
يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: هِشَامٌ: بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، حَسَنُ الحَدِيْثِ.
يُقَالُ: إِنَّ عِنْدَه أَلفَ حَدِيْثٍ حَسَنٍ، لَيْسَتْ عِنْدَ غَيْرِه.
وَرَأَيْتُ بَعْضَهم قَالَ: لَهُ نَحْوُ مائَتَيْ حَدِيْثٍ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ المُسْنَدَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ صَدُوقاً، وَكَانَ يَتثبَّتُ فِي رَفعِ الأَحَادِيْثِ عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ.
وَقَالَ أَيْضاً: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
قُلْتُ: قَدْ عَلِمتُ بِالاسْتِقرَاءِ التَّامِّ أَنَّ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ إِذَا قَالَ فِي رَجُلٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، أَنَّهُ عِنْدَه لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ: كَانَ هِشَامٌ مِنَ البَكَّائِيْنَ.
سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ - وَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالجَنَّةَ وَالنَّارَ - بَكَى حَتَّى تَسِيْلَ دُمُوْعُه عَلَى خَدَّيْه.
الرَّمَادِيُّ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
كَانَ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ يَقُوْل لإِنْسَانٍ: إِذَا

(6/360)


دَخَلَ عُبَيْدُ اللهِ فَآذِنِّي.
قَالَ: فَجَاءَ عُبَيْدُ اللهِ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ هِشَامٌ، فَلَمَّا قَامَ هِشَامٌ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ:
هَذَا يُرَى اليَوْمَ، أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَابِرٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ هَارُوْنَ الغسَّانِيِّ، سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ:
لَيْتَ مَا حُفِظَ عَنِّي مِنَ العِلْمِ فِي أَخْبَثِ تَنُّورٍ بِالبَصْرَةِ، وَلَيتَ حَظِّي مِنْهُ لاَ لِيَ وَلاَ عَلَيَّ.
قُلْتُ: لَيْسَ مُرَادُه ذَاتُ العِلْمِ، فَهَذَا لاَ يَقُوْلُه مُسْلِمٌ، وَإِنَّمَا مُرَادُه التَّعْلِيْمُ، وَالقَصْدُ بِالعِلْمِ، أَلاَ تَرَاهُ كَيْفَ يَقُوْلُ: لَيْتَ حَظِّي مِنْهُ لاَ لِيَ وَلاَ عَلَيَّ؟!
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَلاَّفُ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَوَاءٍ، سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ:
لَوَدِدْتُ أَنِّي قَارُوْرَةً، حَتَّى كُنْتُ أُقطِرُ فِي حَلْقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُم.
عَفَّانُ: عَنْ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ، قَالَ عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ:
لَمْ أَرَ هِشَاماً عِنْدَ الحَسَنِ قَطُّ، وَلاَ جَاءَ مَعَنَا عِنْدَ الحَسَنِ قَطُّ.
قَالَ: وَقَالَ أَشْعَثُ: مَا رَأَيْتُ هِشَاماً عِنْدَ الحَسَنِ، وَلاَ وَلاَ....
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا هَانِئ، إِنَّ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ هَذَا فِي هِشَامٍ، وَهِشَامٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ، فَلاَ تُعِنْ عَمْراً عَلَيْهِ.
قَالَ: فَكفَّ عَنْهُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، قَالَ لِي شُعْبَةُ:
عَلَيْك بِحَجَّاجٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُمَا حَافِظَانِ، وَاكتُمْ عَلَيَّ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ فِي خَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَهِشَامٍ.
قُلْتُ: لَمْ يُتَابَعْ شُعْبَةَ عَلَى رَأْيِه هَذَا أَحَدٌ.
قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: سَمِعَ عَمْرُو بنُ الحَجَّاجِ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ يُحَدِّثُ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ، قَالَ: اكْتَوَيْنَا، فَمَا أَفْلَحْنَا وَلاَ أَنْجَحنَا.
فَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ: فَمَا

(6/361)


أَفلحنَ وَلاَ أَنْجحنَ (1) .
وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ: عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
جَلَسْتُ إِلَى الحَسَنِ سَبْعَ سِنِيْنَ، لَمْ أَخرِمْ مِنْهُ يَوْماً وَاحِداً، أَصُومُ، وَأَذْهَبُ إِلَيْهِ، مَا رَأَيْتُ هِشَاماً عِنْدَه قَطُّ.
قُلْتُ: هِشَامٌ قَدْ قَفَزَ القَنطرَةَ، وَاسْتقرَّ تَوْثِيْقُه، وَاحْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ، وَلَهُ أَوهَامٌ مَغمُورَةٌ فِي سَعَةِ مَا رَوَى، وَلاَ شكَّ أَنَّ يُوْنُسَ وَابْنَ عَوْنٍ أَحْفَظُ مِنْهُ وَأَتقنُ، كَمَا أَنَّهُ أَحْفَظُ مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو وَأَتقنُ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ، وَابْنُ بُكَيْرٍ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ.
وَقَالَ مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: مَاتَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَهَذَا أَصَحُّ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، وَكَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، وَالخَضِرُ بنُ حَمُّوَيْه، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَأَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، وَأَنْبَأَنَا المِقْدَادُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الأَخْضَرِ، وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَنِيْنَا، وَزَيْدُ بنُ الحَسَنِ اللُّغَوِيُّ، قَالُوا أَرْبَعَتُهُم:
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ الفَقِيْهُ حُضُوْراً،
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 427، 430، والترمذي (2049) وابن ماجه (3490)، من طرق: عن الحسن، عن عمران بن الحصين.
ولفظ أحمد، والترمذي: " فما أفلحنا ولا أنجحنا " ولفظ ابن ماجه " فما أفلحت ولا أنجحت " ورجاله ثقات وقال الترمذي: حسن صحيح.
وأخرجه أبو داود (3865) من حديث موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن ثابت، عن مطرف، عن عمران بن حصين، قال: " نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الكي، فاكتوينا، فما أفلحن، ولا أنجحن " وإسناده صحيح.

(6/362)


أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مَاسِي، أَنْبَأَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ التَّرَجُّلِ إِلاَّ غِبّاً (1) .
أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيْقِ يَحْيَى القَطَّانِ، وَعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، عَنْ هِشَامٍ، نَحْوَه.
وَلَهُ علَّةٌ، فَقَدْ رَوَاهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، مُرْسَلاً.
وَرَوَاهُ: بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ قَوْلَهُمَا، وَهَذَا أَقْوَى.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ أَكَلَ وَشَرِبَ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ) (2) .

155 - عِمْرَانُ بنُ حُدَيْرٍ السَّدُوْسِيُّ * (م، د، ت، س)
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو عُبَيْدَةَ السَّدُوْسِيُّ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَعِكْرِمَةَ،
__________
(1) وأخرجه الترمذي في " الشمائل " رقم (34)، وأحمد 4 / 86، وأبو داود (4159)، والترمذي في الجامع (1756)، والنسائي 8 / 132، ورجاله ثقات.
وصححه ابن حبان (1480)، وله شاهد عند النسائي 8 / 131، بسند صحيح، كما قال الحافظ في " الفتح " 10 / 309، عن حميد بن عبد الرحمن قال، لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم، كما صحبه أبو هريرة، أربع سنين، قال: " نهانا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يمتشط أحدنا كل يوم " وأخرجه أحمد 4 / 111، وأبو داود (28)، والغب: أن يمتشط يوما، ويدع يوما.
(2) ورواه البخاري 4 / 135 في الصوم، باب: الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، وفي الايمان والنذور، باب: إذا حنث ناسيا في الايمان، ومسلم (1155) في الصيام، باب: أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر.
والترمذي (721) في الصوم، باب: في الصائم يأكل ويشرب ناسيا، وأبو داود (2398) في الصوم، باب: من أكل ناسيا.
(*) تاريخ خليفة (425)، طبقات خليفة (221)، تاريخ البخاري 6 / 425، الجرح =

(6/363)


وَصَلَّى وَرَاءَ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ.
رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَوَكِيْعٌ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، وَعُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ المُؤَذِّنُ.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ مِنْ أَوْثَقِ شَيْخٍ بِالبَصْرَةِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.

156 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنِ بن أَرْطَبَانَ المُزَنِيُّ مَوْلاَهُم * (ع)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، عَالِمُ البَصْرَةِ، أَبُو عَوْنٍ المُزَنِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ، الحَافِظُ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَأَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَثُمَامَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَرَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، وَزِيَادِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ، وَنَافِعٍ، وَأَبِي رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ، وَخَلْقٍ.
وَمَا وَجَدْتُ لَهُ سَمَاعاً مِنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَلاَ مِنْ صَحَابِيٍّ، مَعَ أَنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَبَقَتِه، وَكَانَ مَعَ أَنَسٍ بِالبَصْرَةِ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى أَنَساً وَعَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَأَزْهَرُ السَّمَّانُ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَقُرَيْشُ بنُ
__________
= والتعديل 6 / 296 - 297 تهذيب الكمال (1057)، التاريخ الصغير 2 / 98، تذهيب التهذيب 3 / 113 / 1 تهذيب التهذيب 8 / 125، خلاصة تذهيب الكمال (295).
(*) طبقات ابن سعد 7 / 261 - 268، تاريخ خليفة 128 - 167 - 264 - 425، طبقات خليفة 219، تاريخ البخاري: 5 / 163، الجرح والتعديل 5 / 130، حلية الأولياء 3 / 37 - 44، التاريخ الصغير 2 / 111، الكامل في التاريخ 2 / 488، تهذيب الكمال 719، 720، تذهيب التهذيب 2 / 171 / 1، تاريخ الإسلام 6 / 211 - 214، تذكرة الحفاظ 1 / 156، تهذيب التهذيب 5 / 346 - 349، خلاصة تذهيب الكمال 209، شذرات الذهب 1 / 230.

(6/364)


أَنَسٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ عُمَرَ بنِ فَارِسٍ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَبَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّيْرِيْنِيُّ، وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ وَالعَمَلِ.
قَالَ هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَ ابْنِ عَوْنٍ.
قَالَ مِثْلَ هَذَا القَوْلِ، وَقَدْ رَأَى الحَسَنَ البَصْرِيَّ.
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْضَلَ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: شَكُّ ابْنِ عَوْنٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يَقِيْنِ غَيْرِه.
مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ غَيْلاَنَ القَدَرِيَّ مَصلُوباً عَلَى بَابِ دِمَشْقَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَرِعاً، عُثْمَانِيّاً.
قَالَ: وَأَنْبَأَنَا بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ تُقَادُ بِهِ دَابَّتُه.
مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ المِنْقَرِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
كُنَّا عِنْدَ يَحْيَى القَطَّانِ، فَتَذَاكَرُوا الأَعْمَشَ، وَابْنَ عَوْنٍ، فَقَالُوا:
الأَعْمَشُ رَأَى غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعَ ابْنُ عَوْنٍ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الأَرْضِ، سَمِعَ بِالبَصْرَةِ مِنَ الحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ، وَبِالكُوْفَةِ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ وَالشَّعْبِيِّ، وَبِمَكَّةَ مِنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ، وَبِالشَّامِ مِنْ مَكْحُوْلٍ وَرَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ.
مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، قَالَ:
كَانَ رَجُلٌ يُلاَزِمُ ابْنَ عَوْنٍ، فَقِيْلَ لَهُ: بَلَغَ حَدِيْثُ ابْنِ عَوْنٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ؟
قَالَ: أَضْعَفُ.
قِيْلَ: سِتَّةٌ؟
فَسَكَتَ الرَّجُلُ.
قَالَ النَّضْرُ: وَسَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: شكُّ ابْنِ عَوْنٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ يَقِيْنِ غَيْرِه.
وَرَوَاهَا: المُقْرِئُ، عَنْ شُعْبَةَ.
وَسُئِلَ ابْنُ عُلَيَّةَ: مَنْ حُفَّاظُ البَصْرَةِ؟
فَذَكَرَ: ابْنَ عَوْنٍ، وَجَمَاعَةً.
مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ: سَمِعْتُ وُهَيْباً يَقُوْلُ: دَارَ أَمرُ البَصْرَةِ عَلَى

(6/365)


أَرْبَعَةٍ: أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ.
قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ:
مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَبطنَ بِالحَسَنِ مِنَّا، وَاللهِ لَقَدْ أَتَيْتُ مَنْزِلَه فِي يَوْمٍ حَارٍّ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَنْزِلِهِ، فَنِمتُ عَلَى سَرِيْرِه، فَلَقَدِ انْتبَهْتُ وَإِنَّهُ لَيُرَوِّحُنِي.
رَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ رُسْتُمَ، عَنْ خَارِجَةَ بنِ مُصْعَبٍ، قَالَ:
صَحِبتُ ابْنَ عَوْنٍ أَرْبَعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، فَمَا أَعْلَمُ أَنَّ المَلاَئِكَةَ كَتَبتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةً.
وَعَنْ سَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيْعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ أَملَكَهم لِلِسَانِه.
مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ:
إِنِّي لأعرِفُ رَجُلاً مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، يَتَمَنَّى أَنْ يَسلَمَ لَهُ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ ابْنِ عَوْنٍ، فَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ مُصَلِّياً مِثْلَ ابْنِ عَوْنٍ.
وَقَالَ رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: مَا رَأَيْتُ أَعَبْدَ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ.
قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي مَنْ لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَه.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اليَوْمَ يَسْتبِيْنُ فَضْلُ الحَسَنِ، وَابْنِ سِيْرِيْنَ.
قَالَ: فَأشَارَ بِيَدِهِ إِلَى ابْنِ عَوْنٍ وَهُوَ جَالِسٌ.
عَنْ عُثْمَانَ البَتِّيِّ، قَالَ: لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَ ابْنِ عَوْنٍ.
وَرُوِيَ عَنِ: القَعْنَبِيِّ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَوْنٍ لاَ يَغضَبُ، فَإِذَا أَغضبَهُ رَجُلٌ، قَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيْكَ.
وَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ: أَنَّ أُمَّهُ نَادَتْهُ، فَأَجَابَهَا، فَعَلاَ صَوْتُهُ صَوْتَهَا، فَأَعتقَ رَقَبَتَيْنِ.
قَالَ بَكَّارٌ السِّيْرِيْنِيُّ: صَحِبتُ ابْنَ عَوْنٍ دَهْراً، فَمَا سَمِعْتُه حَالِفاً عَلَى يَمِيْنٍ بَرَّةٍ وَلاَ فَاجرَةٍ.
قَالَ قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: كُنَّا نَعجبُ مِنْ وَرعِ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، فَأَنْسَانَاهُ ابْنُ عَوْنٍ.
قَالَ بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً.

(6/366)


قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: مَا كَانَ بِالعِرَاقِ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ:
أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَرَى قَوْماً يَتَكَلَّمُوْنَ فِي القَدَرِ، أَفَأَسْمَعُ مِنْهُم؟
فَقَالَ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِيْنَ يَخُوْضُوْنَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُم...} إِلَى قَوْلِه: {الظَّالِمِيْنَ} [الأَنْعَامُ: 68].
قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْظَمَ رَجَاءً لأَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ، لَقَدْ ذُكِرَ عِنْدَه الحَجَّاجُ وَأَنَا شَاهِدٌ.
فَقِيْلَ: يَزْعُمُوْنَ أَنَّكَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ؟
فَقَالَ: مَا لِي أَسْتَغْفِرُ لِلْحَجَّاجِ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَه؟ وَمَا كُنْتُ أُبالِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهُ السَّاعَةَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا الأَنْصَارِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَ هِشَامٌ مرَّةً، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَنْ حَدَّثكَ بِهِ؟
قَالَ: مَنْ لَمْ تَرَ عَيْنَايَ -وَاللهِ- مِثْلَه قَطُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ.
رَوَى: بَهِيْمٌ (1) العِجْلِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
إِذَا مَاتَ ابْنُ عَوْنٍ، وَالثَّوْرِيُّ، اسْتَوَى النَّاسُ.
عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ:
لَوْ خُيِّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَنْ يَنْظُرُ لَهَا، مَا اخْترتُ إِلاَّ سُفْيَانَ وَابْنَ عَوْنٍ.
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِثْلَ أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ.
مُعَاذٌ: عَنْ شُعْبَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، إِلاَّ وَهُوَ يُدَلِّسُ، إِلاَّ ابْنَ عَوْنٍ، وَعَمْرَو بنَ مُرَّةَ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِمَّنْ ذُكِرَ لِي، إِلاَّ كَانَ إِذْ رَأَيْتُه دُوْنَ مَا ذُكِرَ
__________
(1) ترجمته في الجرح والتعديل 2 / 436.

(6/367)


لِي، إِلاَّ ابْنَ عَوْنٍ، وَحَيْوَةَ بنَ شُرِيْحٍ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَبَا عَوَانَةَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ الكُوْفَةَ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ.
عَارِمٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ:
فُقَهَاؤُنَا: أَيُّوْبُ، وَيُوْنُسُ، وَابْنُ عَوْنٍ.
قُلْتُ: هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ أَنْجُمُ البَصْرَةِ فِي الحِفظِ، وَفِي الفِقْهِ، وَفِي العِبَادَةِ، وَالفَضْلِ، وَرَابِعُهم: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ - رَحِمَهُمُ اللهُ -.
قَالَ يَحْيَى بنُ يُوْسُفَ الذِّمِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الأَحْوَصِ، قَالَ:
كَانَ يُقَالُ لابْنِ عَوْنٍ: سَيِّدُ القُرَّاءِ فِي زَمَانِهِ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، فَقَالَ: هُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ ثِقَةٌ.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنِي مُفَضَّلُ بنُ لاَحِقٍ، قَالَ:
كُنَّا بِأَرْضِ الرُّوْمِ، فَخَرَجَ رُومِيٌّ يَدْعُو إِلَى المُبَارَزَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَه، ثُمَّ دَخَلَ فِي النَّاسِ، فَجَعَلتُ أَلوذُ بِهِ لأَعرِفَهُ، وَعَلَيْهِ المِغْفَرُ.
فَوَضَعَ المِغْفَرَ يَمْسَحُ وَجْهَه، فَإِذَا ابْنُ عَوْنٍ!
عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ: حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، قَالَ:
جَالَستُ ابْنَ عَوْنٍ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَلَمْ أَظُنَّ أَنَّ المَلَكَيْنِ كَتَبَا عَلَيْهِ سُوءاً.
وَرَوَى نَحْوَهَا: عِصَامُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ خَارِجَةَ، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً.
مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَوْنٍ قَدْ أَوْصَى إِلَى أَبِي، وَصَحِبتُهُ دَهْراً، فَمَا سَمِعْتُه حَالِفاً عَلَى يَمِيْنٍ بَرَّةٍ وَلاَ فَاجِرَةٍ.
كَانَ طَيِّبَ الرِّيحِ، لَيِّنَ الكُسْوَةِ، وَكَانَ يَتَمَنَّى أَنْ يَرَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَلَمْ يَرَهُ إِلاَّ قَبْلَ مَوْتِه بِيَسِيْرٍ، فَسُرَّ بِذَلِكَ سُرُوْراً شَدِيْداً.
قَالَ: فَنَزَلَ مِنْ دَرَجَتِه إِلَى المَسْجِدِ، فَسَقَطَ، فَأُصِيْبَتْ رِجْلُهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَالِجُهَا حَتَّى مَاتَ -رَحِمَهُ اللهُ-.

(6/368)


قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ:
كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، فَذَكَرُوا بِلاَلَ بنَ أَبِي بُرْدَةَ، فَجَعَلُوا يَلْعَنُونَه، وَيَقَعُوْنَ فِيْهِ -يَعْنِي: لِجَوْرِه وَظُلمِه-.
قَالَ: وَابْنُ عَوْنٍ سَاكِتٌ.
فَقَالُوا لَهُ: إِنَّمَا نَذكُرُه لِمَا ارْتكبَ مِنْكَ.
فَقَالَ: إِنَّمَا هُمَا كَلِمتَانِ تَخْرُجَانِ مِنْ صَحِيْفَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَعنَ اللهُ فُلاَناً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ:
قِيْلَ لابْنِ عَوْنٍ: أَلاَ تَتَكَلَّمُ فَتُؤْجَرَ؟
فَقَالَ: أَمَا يَرْضَى المُتكلِّمُ بِالكَفَافِ؟
رَوَى: مِسْعَرٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: ذِكْرُ النَّاسِ دَاءٌ، وَذِكْرُ اللهِ دَوَاءٌ.
قُلْتُ: إِيْ وَاللهِ، فَالعجَبُ مِنَّا، وَمِنْ جَهلِنَا، كَيْفَ نَدَعُ الدَّوَاءَ، وَنقتحِمُ الدَّاءَ؟! قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {فَاذْكُرُوْنِي أَذْكُرْكُمْ} [البَقَرَةُ: 153]، {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} [العَنْكَبُوْتُ: 46]، وَقَالَ: {الَّذِيْنَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوْبُهُم بِذِكْرِ اللهِ، أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القُلُوْبُ} [الرَّعْدُ: 29] وَلَكِنْ لاَ يَتَهَيَّأُ ذَلِكَ إِلاَّ بِتوفِيْقِ اللهِ، وَمَنْ أَدْمَنَ الدُّعَاءَ، وَلاَزَمَ قَرْعَ البَابِ، فُتِحَ لَهُ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَوْنٍ قَدْ أُوتِيَ حِلماً وَعِلماً، وَنَفْسُه زَكِيَّةٌ تُعِيْنُ عَلَى التَّقوَى، فَطُوْبَى لَهُ.
قَالَ بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّيْرِيْنِيُّ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ إِذَا حَدَّثَ بِالحَدِيْثِ، يَخشعُ عِنْدَه حَتَّى نَرْحَمَهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَزِيْدَ أَوْ يَنْقِصَ.
وَكَانَ لاَ يَدعُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ وَلاَ غَيْرَهم يَتبَعُهُ، وَمَا رَأَيْتُه يُمَارِي أَحَداً، وَلاَ يُمَازِحُه، مَا رَأَيْتُ أَملكَ لِلِسَانِه مِنْهُ، وَلاَ رَأَيْتُه دَخَلَ حَمَّاماً قَطُّ، وَكَانَ لَهُ وَكِيْلٌ نَصْرَانِيٌّ يَجْبِي غَلَّتَهُ، وَكَانَ لاَ يَزِيْدُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى حُضُوْرِه المَكْتُوْبَةَ، ثُمَّ يَخلُو فِي بَيْتِهِ.
وَقَدْ سَعَتْ بِهِ المُعْتَزِلَةُ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ

(6/369)


بنِ حَسَنٍ، الَّذِي خَرَجَ بِالبَصْرَةِ، فَقَالُوا: هَا هُنَا رَجُلٌ يُرَبِّثُ (1) عَنْكَ النَّاسَ.
فَأَرسلَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيْمُ: أَنْ مَا لِي وَلَكَ؟
فَخَرَجَ عَنِ البَصْرَةِ حَتَّى نَزَلَ القُرَيْظِيَّةَ، وَأَغلقَ بَابَه.
قَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى سَلْمِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَهُوَ أَمِيْرٌ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم، لَمْ يَزِدْ.
فَضَحِكَ سَلْمٌ، وَقَالَ: نَحتمِلُهَا لابْنِ عَوْنٍ -يَعْنِي: أَنَّهُ مَا سَلَّمَ بِالإِمْرَةِ-.
وَلَقَدْ كَانَ ابْنُ عَوْنٍ بِخَيْرٍ، مُوسَعاً عَلَيْهِ فِي الرِّزقِ.
قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْنُساً مِنْ صُوْفٍ، رَقِيْقاً، حَسَناً.
فَقِيْلَ لَهُ: مَا هَذَا البُرْنُسُ يَا أَبَا عَوْنٍ؟
قَالَ: هَذَا كَانَ لابْنِ عُمَرَ، كَسَاهُ لأَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، فَاشترَيتُه مِنْ تَرِكَتِهِ.
قَالَ بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّيْرِيْنِيُّ: وَكَانَ لَهُ سُبْعٌ يَقرَؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَإِذَا لَمْ يَقرَأْهُ أَتَمَّهُ بِالنَّهَارِ، وَكَانَ يَغْزُو عَلَى نَاقتِه إِلَى الشَّامِ، فَإِذَا صَارَ إِلَى الشَّامِ، رَكِبَ الخَيْلَ، وَقَدْ بَارَزَ رُومِيّاً، فَقَتَلَ الرُّوْمِيَّ.
وَكَانَ إِذَا جَاءهُ إِخْوَانُه كَأَنَّ عَلَى رُؤُوْسهِمُ الطَّيرُ، لَهُم خُشُوْعٌ وَخُضُوعٌ، وَمَا رَأَيْتُه مَازحَ أَحَداً، وَلاَ يُنشِدُ شِعراً.
كَانَ مَشغُولاً بِنَفْسِهِ، وَمَا سَمِعْتُه ذَاكِراً بِلاَلَ بنَ أَبِي بُرْدَةَ بِشَيْءٍ قَطُّ.
وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَوْماً قَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَوْنٍ! بِلاَلٌ فَعَلَ كَذَا.
فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ يَكُوْنَ مَظْلُوْماً، فَلاَ يَزَالُ يَقُوْلُ حَتَّى يَكُوْنَ ظَالِماً، مَا أَظُنُّ أَحَداً مِنْكُم أَشدَّ عَلَى بِلاَلٍ مِنِّي.
قَالَ: وَكَانَ بِلاَلٌ ضَرَبَه بِالسِّيَاطِ، لِكَوْنِهِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَربِيَّةً.
وَكَانَ - فِيْمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا - لابْنِ عَوْنٍ نَاقَةٌ يَغْزُو عَلَيْهَا، وَيَحُجُّ، وَكَانَ بِهَا مُعجَباً.
قَالَ: فَأَمرَ غُلاَماً لَهُ يَسْتَقِي عَلَيْهَا، فَجَاءَ بِهَا وَقَدْ ضَرَبَهَا
__________
(1) أي: يصرف عنك الناس.

(6/370)


عَلَى وَجْهِهَا، فَسَالتْ عَيْنُهَا عَلَى خَدِّهَا.
فَقُلْنَا: إِنْ كَانَ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ شَيْءٌ، فَاليَوْمَ.
قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى النَّاقَةِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، أَفَلاَ غَيْرَ الوَجْهِ، بَاركَ اللهُ فِيْكَ، اخْرُجْ عَنِّي، اشْهَدُوا أَنَّهُ حُرٌّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَنْبَأَنَا بَكَّارٌ، قَالَ:
كَانَتْ ثِيَابُ ابْنِ عَوْنٍ تَمَسُّ ظَهرَ قَدَمَيْهِ، وَكَانَ زَوْجَ عَمَّتِي أُمَّ مُحَمَّدٍ ابْنَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ.
قَالَ أَبُو قُطْنٍ: رَأَيْتُ بَعْضَ أَسْنَانِ ابْنِ عَوْنٍ مَشدُودَةً بِالذَّهَبِ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ فَضَاءٍ (1) ، قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، فَقَالَ: (زُوْرُوا ابْنَ عَوْنٍ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ، أَوْ أَنَّ اللهَ يُحِبُّه وَرَسُوْلَه).
قَالَ بَكَّارُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَقطَ ابْنُ عَوْنٍ، وَأُصِيْبَتْ رِجْلُهُ، فَتَعلَّلَ، وَمَاتَ، فَحَضَرتُ وَفَاتَهُ، فَكَانَ حِيْنَ قُبِضَ مُوجَّهاً يَذْكُرُ اللهَ -تَعَالَى- حَتَّى غَرْغَرَ.
فَقَالَتْ عَمَّتِي: اقْرَأْ عِنْدَه سُوْرَةَ يس، فَقَرَأتُهَا.
وَمَاتَ فِي السَّحَرِ، وَمَا قَدرنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ حَتَّى وَضَعنَاهُ فِي مِحْرَابِ المُصَلَّى، غَلَبنَا النَّاسُ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَمَاتَ وَعَلَيْهِ مِنَ الدَّينِ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفاً، وَأَوْصَى بِخُمُسِ مَالِه بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِه، إِلَى أَبِي فِي قَرَابتِه المُحْتَاجِينَ، وَلَمْ أَرَهُ يَشكُو فِي عِلَّتِهِ، وَكَفَّنُوْهُ فِي بُرْدٍ، شِرَاؤُهُ مائَتَا دِرْهَمٍ، وَلَمْ يُخَلِّفْ دِرْهَماً، إِنَّمَا خَلَّفَ دَارَيْنِ.
وَمَاتَ: فِي شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَذَا أَرَّخَ مَوْتَه: يَحْيَى القَطَّانُ فِيْهَا، وَالأَصْمَعِيُّ، وَسَعِيْدٌ الضُّبَعِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَهُوَ الصَّحِيْحُ.
وَقَالَ المُقْرِي، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
(1) في التقريب " قضاء " بالقاف.

(6/371)


قُلْتُ: عَاشَ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ بِالبَصْرَةِ، وَتَرْجَمَتُه فِي كُرَّاسَيْنِ مِنْ (تَارِيْخِ دِمَشْقَ).
يَقع لِي مِنْ عَوَالِيْهِ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ قِرَاءةً عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ، وَكَتَبَ إِلَى يَحْيَى بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ الفَقِيْهُ حُضُوْراً، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مَاسِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بنَ بَشِيْرٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَاللهِ لاَ أَسْمَعُ أَحَداً بَعْدَه يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَاتٌ - وَرُبَّمَا قَالَ: مُشْتَبِهَةٌ - وَسَأَضْرِبُ لَكُم فِي ذَلِكَ مَثَلاً: إِنَّ اللهَ حَمَى حِمَىً، وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَا حَرَّمَ اللهُ، وَإِنَّهُ مَنْ يَرْعَ حَوْلَ الحِمَى يُوْشِكُ أَنْ يُخَالِطَ الحِمَى - وَرُبَّمَا قَالَ: مَنْ يُخَالِطُ الرِّيْبَةَ، يُوْشِكُ أَنْ يَجْسُرَ (1) -).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ اللَّيْثِ، عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.
فَكَأَنَّ شَيْخَنَا ابْنَ الصَّيْرَفِيِّ سَمِعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ.
وَسَمِعْتُه مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفَرَّاءِ، وَأَحْمَدَ بنِ العِمَادِ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّقَّاقُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، وَالرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ
__________
(1) إسناده صحيح.
أخرجه أبو داود (3329) في البيوع، باب: اجتناب الشبهات، وأخرجه النسائي 7 / 242 - 243، في البيوع، باب: اجتناب الشبهات في الكسب، من طريق: ابن عون، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير.

(6/372)


بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شَبِيْبٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ قَيْسٍ الملاَئِيِّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بن بَشِيْرٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، مَنْ تَرَكَهُنَّ اسْتَبْرَأَ لِدِيْنِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ يَرْكَبْهُنَّ يُوْشِكُ أَنْ يَرْكَبَ الحَرَامَ، كَالرَّاعِي إِلَى جَنْبِ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ، وَلِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً، وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ (1)).
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ النَّبَطِيِّ (ح).
وَأَنْبَأَتْنَا سِتُّ الأَهْلِ بِنْتُ عُلْوَانَ، أَنْبَأَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ النِّعَالِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ البَخْتَرِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، وَمَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُبَاشِرُهَا وَهُوَ صَائِمٌ.
ثُمَّ قَالَتْ: وَأَيُّكُم أَمْلَكُ لأَرَبِهِ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
__________
(1) أخرجه البخاري مطولا في الايمان (52)، ومختصرا في البيوع (2051)، وأخرجه مسلم (1599) في المساقاة، من طرق كثيرة.
وأخرجه أبو داود (3330)، والترمذي (1205) في البيوع، باب: ما جاء في ترك الشبهات، وابن ماجه (2984) في الفتن، باب: الوقوف عند الشبهات.
والدارمي 2 / 245 وأخرجه أحمد مطولا ومختصرا 4 / 267، 269، 271، 275.
(2) أخرجه مسلم (1106) (68) في الصوم، باب: بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة.
وأخرجه من غير هذا الطريق البخاري 4 / 131 في الصوم، باب: القبلة للصائم، وباب المباشرة للصائم، ومالك 1 / 292 في الصيام، باب: ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم.
وأبو داود (2382) في الصوم: باب القبلة للصائم، وباب الصائم يبلع ريقه، والترمذي (728) و(729) في الصوم، باب: ما جاء في القبلة للصائم، وباب ما جاء في مباشرة الصائم.
وقولها: كان أملككم لاربه: أي لحاجته تعني أنه كان غالبا لهواه. وأكثر المحدثين =

(6/373)


قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازِ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّعْرِيَّةِ (ح).
وَقَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا ثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الإِصْبَهْبَذُ (1) ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الرَّازِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:
سَأَلْتُ ابْنَ عَوْنٍ، فَحَدَّثَنِي، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ وَقَدْ عَمِيَ، فَقُلْتُ لِمَوْلاَةٍ لَهُ: قُوْلِي لأَبِي وَائِلٍ: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ.
فَقَالَتْ: يَا أَبَا وَائِلٍ! حَدِّثْهُم مَا سَمِعْتَ مِنْ عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُوْدٍ يَقُوْلُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكُم لَمَجْمُوْعُوْنَ فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ، يَسْمَعُكمُ الدَّاعِي، وَيَنفذكم البَصرُ، أَلاَ وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيْدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ.
قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ هِشَامٍ القَحْذَمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ أَرْطَبَانَ، قَالَ:
كُنْتُ شَمَّاساً فِي بَيْعَةِ مَيْسَانَ، فَوَقَعتُ فِي السَّهمِ لِعَبْدِ اللهِ بنِ دُرَّةَ المُزَنِيِّ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: أَهْلُ البَصْرَةِ يَفخُرُوْنَ بِأَرْبَعَةٍ: أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ.
قَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ:
مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَبطنَ بِالحَسَنِ مِنَّا، وَاللهِ لَقَدْ أَتَيْتُ مَنْزِلَه فِي يَوْمٍ حَارٍّ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَنْزِلِهِ، فَنِمتُ عَلَى
__________
= يرويه بفتح الهمزة والراء، يعنون: الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء، وهو الحاجة أيضا.
يقال فيها: الأرب، والإرب، والإربة، والمأربة.
(1) فارسية معربة، ومعناها: الأمير أو القائد.
انظر " المعرب " للجواليقي 266.

(6/374)


سَرِيْرِه، فَلَقَدِ انْتبهتُ، وَإِنَّهُ لَيُرَوِّحُنِي.
وَرَوَى: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ:
قِلْتُ عِنْدَ الحَسَنِ، وَمُحَمَّدٍ، فَكِلاَهمَا لَمْ يَزَالاَ قَائِمَيْنِ عَلَى أَرْجُلِهمَا، حَتَّى فُرِشَ لِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ البَتِّيَّ يَقُوْلُ فِي شهَادَةِ الرَّجُلِ لأَبِيْهِ: لاَ يَجُوْزُ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ مِثْلَ ابْنِ عَوْنٍ.
قَالَ الأَنْصَارِيُّ: وَبِهِ آخذُ، قَدْ شَهِدتُ عِنْدَ سَوَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ لأَبِي بِشهَادَةٍ، فَقَبِلَهَا.
وَرَوَى: أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ:
مَا كَانَ بِالعِرَاقِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ.
قُلْتُ: كَانَ ابْنُ عَوْنٍ عدِيْمَ النَّظِيْرِ فِي وَقْتِه، زُهْداً، وَصَلاَحاً.
فَأَمَّا سَمِيُّهُ:

157 - عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الهِلاَلِيُّ *(م، س)
ابْنِ الأَمِيْرِ، نَائِبِ مِصْرَ، أَبِي عَوْنٍ عَبْدِ المَلِكِ بنِ يَزِيْدَ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، بَرَكَةُ الوَقْتِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهِلاَلِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الأَدَمِيُّ، الخَرَّازُ، أَخُو مُحْرِزِ بنِ عَوْنٍ، فَوُلدَ فِي خِلاَفَةِ المَنْصُوْرِ.
وَسَمِعَ مِنْ: مَالِكٍ، وَشَرِيْكٍ، وَيُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ المَاجَشُوْنِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدٍ، وَخَلْقٍ.
__________
(*) الجرح والتعديل 5 / 131، الكامل في التاريخ 5 / 607، تهذيب الكمال 720، تذهيب التهذيب 2 / 171 / 2، تهذيب التهذيب 5 / 349، خلاصة تهذيب الكمال 209.

(6/375)


حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي (الصَّحِيْحِ)، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالمُعَمَّرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَمُطَيَّنٌ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
ذُكِرَ لأَحْمَدَ، فَقَالَ: مَا بِهِ بَأْسٌ، أَعْرِفُه قَدِيْماً، وَجَعَلَ يَقُوْلُ فِيْهِ خَيْراً.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَصَالِحٌ جَزَرَةُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ.
فَزَاد صَالِحٌ: مَأْمُوْنٌ.
يُقَالَ: إِنَّهُ مِنَ الأَبْدَالِ.
وَقَالَ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللهِ، وَقَالَ مرَّةً: وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ.
مَاتَ: لِخَمْسَةِ أَيَّامٍ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
زَادَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، فَقَالَ: فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-يَعْنِي: بِبَغْدَادَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ بِحَدِيْثٍ لِهَذَا الشَّيخِ، قَدْ كَتَبتُه فِي تَرْجَمَةِ مِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ.

158 - دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ دِيْنَارِ بنِ عُذَافِرٍ الخُرَاسَانِيُّ * (خت، م، 4)
وَاسْمُ أَبِي هِنْدٍ: دِيْنَارُ بنُ عُذَافِرٍ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، مِنْ مَوَالِي بَنِي قُشَيْرٍ - فِيْمَا قِيْلَ - وَيُقَالُ: كُنْيَتُه أَبُو بَكْرٍ.
حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ،
__________
(*) تاريخ خليفة 418، طبقات خليفة (218)، تاريخ البخاري 3 / 231، التاريخ الصغير 2 / 49، الجرح والتعدل 3 / 411، 412، مشاهير علماء الأمصار 151، الكامل في التاريخ 5 / 340، تهذيب الكمال 395، تذهيب التهذيب 1 / 210 / 1، تاريخ الإسلام 5 / 243، تذكرة الحفاظ 1 / 146 - 148، تهذيب التذهيب 3 / 204 - 205، خلاصة تذهيب الكمال 111، شذرات الذهب 1 / 208.

(6/376)


وَأَبِي مُنِيْبٍ الجُرَشِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَأَبِي نَضْرَةَ، وَمَكْحُوْلٍ، وَعِدَّةٍ.
وَرَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَهُشَيْمٌ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَخَلْقٌ.
وَعِنْدَ يَزِيْدَ عَنْهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُوْنَ حَدِيْثاً.
عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَامِرٍ الضُّبَعِيِّ، قَالَ: قَالَ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ:
أَتَيْتُ الشَّامَ، فَلَقِيَنِي غَيْلاَنُ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ.
قَالَ: قُلْتُ: سَلْنِي عَنْ خَمْسِيْنَ مَسْأَلَةً، وَأَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ.
قَالَ: سَلْ يَا دَاوُدُ.
قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَفْضَلِ مَا أُعْطِيَ ابْنُ آدَمَ.
قَالَ: العَقْلُ.
قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ العَقْلِ مَا هُوَ؟ شَيْءٌ مُبَاحٌ لِلنَّاسِ، مَنْ شَاءَ أَخَذَه، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَه، أَوْ هُوَ مَقْسُوْمٌ؟
قَالَ: فَمَضَى وَلَمْ يُجِبْنِي.
قَالَ النَّسَائِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُمَا: ثِقَةٌ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ مِنْ دَاوُدَ.
وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: عَجباً لأَهْلِ البَصْرَةِ، يَسْأَلُوْنَ عُثْمَانَ البَتِّيَّ، وَعِنْدَهُم دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ.
وَقَالَ وُهَيْبٌ: دَارَ الأَمْرُ بِالبَصْرَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ: أَيُّوْبَ، وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ.
فَقَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ؟
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، إِنْ كَانَ لَيَقرَعُ العِلْمَ قَرعاً.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، فَقَالَ:
مِثْلُ دَاوُدَ يُسْأَلُ عَنْهُ؟ دَاوُدُ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ صَالِحاً، ثِقَةً، خَيَّاطاً.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ: كَانَ دَاوُدُ مُفْتِيَ أَهْلِ البَصْرَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا دَاوُدُ، فَقَالَ: يَا فِتْيَانُ، أُخْبِرُكُم لَعَلَّ

(6/377)


بَعْضَكم أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ.
كُنْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ أَخْتَلِفُ إِلَى السُّوْقِ، فَإِذَا انْقَلْبتُ إِلَى البَيْتِ، جَعَلتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَذْكُرَ اللهَ إِلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا بَلَغتُ إِلَى ذَلِكَ المَكَانِ، جَعَلتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَذْكُرَ اللهَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى آتِيَ المَنْزِلَ.
قَالَ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عَدِيٍّ يَقُوْلُ:
صَامَ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، لاَ يَعْلَمُ بِهِ أَهْلُه.
كَانَ خَزَّازاً، يَحْمِلُ مَعَهُ غَدَاءهُ، فَيَتصدَّقُ بِهِ فِي الطَّرِيقِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ يَقُوْلُ:
أَصَابَنِي الطَّاعُوْنُ، فَأُغمِيَ عَلَيَّ، فَكَأَنَّ آتِيَيْنِ أَتَيَانِي، فَغمزَ أَحَدُهمَا علوَةَ لِسَانِي، وَغَمزَ الآخرُ أَخمصَ قَدَمِي، فَقَالَ: أَيَّ شَيْءٍ تَجِدُ؟
قَالَ: أَجِدُ تَسْبِيْحاً، وَتَكْبِيْراً، وَشَيْئاً مِنْ خَطوٍ إِلَى المَسْجِدِ، وَشَيْئاً مِنْ قِرَاءةِ القُرْآنِ.
قَالَ: وَلَمْ أَكُنْ أَخَذتُ القُرْآنَ حِيْنَئِذٍ.
قَالَ: فَكُنْتُ أَذْهَبُ فِي الحَاجَةِ، فَأَقُوْلُ: لَوْ ذَكرتُ اللهَ حَتَّى آتِيَ حَاجَتِي.
قَالَ: فَعُوفِيْتُ، فَأَقبلتُ عَلَى القُرْآنِ، فَتَعلَّمتُه.
وَعَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ لَوْ لَمْ تَكُوْنَا لَمْ يَنْتَفِعِ النَّاسُ بِدُنْيَاهم: المَوْتُ، وَالأَرْضُ تنشفُ النَّدَى.
قَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: دَخَلْتُ عَلَى دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، فَرَأَيْتُ ثِيَابَ بَيْتِه مُعَصْفَرَةً.
وَكَانَ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ يَقُوْلُ: وُلدتُ بِمَرْوَ.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ مَصَدْرَ النَّاسِ مِنَ الحجِّ.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي

(6/378)


نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (تَفْتَرَقُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، فَتَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ، فَتَقْتُلُهَا أُوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ (1)).
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ.
رَوَاهُ أَيْضاً: دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ.

159 - ابْنُ هُرْمُزَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ الأَصَمُّ *
فَقِيْهُ المَدِيْنَةِ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ بنِ هُرْمُزَ الأَصَمُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
وَقِيْلَ: بَلِ اسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ هُرْمُزَ.
عِدَادُهُ فِي التَّابِعِيْنَ.
وَقَلَّمَا رَوَى، كَانَ يَتعبَّدُ، وَيَتزهَّدُ، وَجَالَسَهُ مَالِكٌ كَثِيْراً، وَأَخَذَ عَنْهُ.
قَالَ مَالِكٌ: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَقْتدِيَ بِهِ، وَكَانَ قَلِيْلَ الفُتْيَا، شَدِيْدَ التَّحفُّظِ، كَثِيْراً مَا يُفْتِي الرَّجُلَ، ثُمَّ يَبْعَثُ مَنْ يَردُّه، ثُمَّ يُخْبِرُه بِغَيْرِ مَا أَفْتَاهُ.
وَكَانَ بَصِيْراً بِالكَلاَمِ، يَردُّ عَلَى أَهْلِ الأَهْوَاءِ، كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِذَلِكَ، بَيَّنَ مَسْأَلَةً لابْنِ عَجْلاَنَ، فَلَمَّا فَهِمَهَا، قَامَ إِلَيْهِ ابْنُ عَجْلاَنَ، فَقَبَّلَ رَأْسَه.
قَالَ بَكْرُ بنُ مُضَرَ: قَالَ ابْنُ هُرْمُزَ: مَا تَعَلَّمتُ العِلْمَ إِلاَّ لِنَفْسِي.
وَعَنِ ابْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: إِنِّي لأُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَحوطَ رَأْيَ نَفْسِه، كَمَا يَحوطُ السُّنَّةَ.
وَقِيْلَ: قُتِلَ أَبُوْهُ (2) يَوْمَ الحَرَّةِ.
__________
(1) حلية الأولياء 3 / 99، وأخرجه مسلم (1063) (150) (151) (152)، وأبو داود (4667)، وأحمد 3 / 32، 48، من طرق عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، وأولى الطائفتين بالحق هي علي رضي الله عنه، وأصحابه، والمارقة: هم الخوارج.
(*) تاريخ البخاري: 5 / 224، التاريخ الصغير 2 / 75 - 90، الجرح والتعديل 5 / 199، مشاهير علماء الأمصار 76.
(2) مترجم في: تهذيب الكمال 750 - 751، تذهيب التهذيب 4 / 182 / 2 ميزان الاعتدال 4 / 440، تهذيب التهذيب 11 / 369، خلاصة تذهيب الكمال 215،

(6/379)


قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِالمَدِيْنَةِ - لَهُ شَرفٌ - إِلاَّ إِذَا حَزبَه أَمرٌ رَجَعَ إِلَى ابْنِ هُرْمُزَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ المَدِيْنَةَ غَنَمُ الصَّدَقَةِ، تَرَكَ أَكْلَ اللَّحْمِ، لِكَوْنِهم لاَ يَأْخُذُونهَا كَمَا يَنْبَغِي.
وَقَالَ لِمَالِكٍ: إِيَّاكَ وَهَذَا الرَّأيَ، فَإِنِّي أَنَا وَرَبِيْعَةُ، فَخَيَّرْتُهُ.
قَالَ مَالِكٌ: جَلَسْتُ إِلَى ابْنِ هُرْمُزَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَاسْتَحلَفنِي أَنْ لاَ أَذْكُرَ اسْمَه فِي الحَدِيْثِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي الفَرْوِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَلاَؤُهُ لِبَنِي لَيْثٍ.

160 - صَفْوَانُ بنُ عَمْرِو بنِ هَرْمٍ السَّكْسَكِيُّ * (م، 4، تخ)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو عَمْرٍو السَّكْسَكِيُّ، الحِمْصِيُّ، مُحَدِّثُ حِمْصَ، مَعَ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ المَازِنِيِّ - وَأُمُّهُ أُمُّ هِجْرِسِ بِنْتُ عَوْسَجَةَ المُقْرَائِيِّ - وَجُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَرَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، وَخَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَائِدٍ الثُّمَالِيِّ، وَأَيْفَعَ بنِ عَبْدٍ الكَلاَعِيِّ، وَحُجْرِ بنِ مَالِكٍ الكِنْدِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَوْفٍ الجُرَشِيِّ، وَعَقِيْلِ بنِ مُدْرِكٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ الخَبَائِرِيِّ، وَأَبِي اليَمَانِ عَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ لُحَيٍّ الهَوْزَنِيِّ، وَحَوْشَبِ بنِ سَيْفٍ السَّكْسَكِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ خُمَيْرٍ الرَّحْبِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ غَيْرِ مَشْهُوْرِيْنَ.
__________
(*) طبقات خليفة (316)، تاريخ البخاري: 4 / 308، التاريخ الصغير 2 / 121، الجرح والتعديل 4 / 422، مشاهير علماء الأمصار 178 - 179، تهذيب الكمال 610، تذهيب التهذيب 2 / 94 / 2، تاريخ الإسلام 6 / 203، تهذيب التهذيب 4 / 428 - 429، خلاصة تذهيب الكمال 174، شذرات الذهب 1 / 238.

(6/380)


حَدَّثَ عَنْهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الحَضْرَمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرَ، وَمَرْوَانُ بنُ سَالِمٍ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ، وَأَبُو اليَمَانِ، وَيَحْيَى البَابْلُتِّيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِنْدَ يَحْيَى القَطَّانِ أَرْفَعَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عَنْهُ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْراً.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: قُلْتُ لدُحَيْمٍ: مَنِ الثَّبْتُ بِحِمْصَ؟
قَالَ: صَفْوَانُ، وَحَرِيْزٌ، وَبَحِيْرٌ، وَثَوْرٌ، وَأَرْطَاةُ.
رَوَى: أَبُو اليَمَانِ، عَنْ صَفْوَانَ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ مِنْ خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ، وَخَرجنَا فِي زَحفٍ كَانَ بِحِمْصَ، وَعَلَيْنَا أَيْفَعُ بنُ عَبْدٍ سنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ: مَاتَ وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِيْنَ.
فَحَدَّثَنِي أَبُو اليَمَانِ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الأَوْزَاعِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، صَاحِبُ (تَارِيْخِ حِمْصَ):
مَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، أَدْرَكَ أَبَا أُمَامَةَ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ سَلَمَةَ الخَبَائِرِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى البَابْلُتِّيُّ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
قَالَ أَبِي لأُمِّي: لَوْ صَنَعتِ طَعَاماً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصنَعَتْ ثَرِيْدَةً.
فَانْطَلَقَ أَبِي، فَدَعَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَه عَلَى ذِروَتِهَا، وَقَالَ: (خُذُوا بِسْمِ اللهِ).
فَأَخذُوا مِنْ نَوَاحِيْهَا، فَلَمَّا

(6/381)


طَعِمُوا، قَالَ: (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُم، وَاغْفِرْ لَهُم، وَبَارِكْ لَهُم فِي رِزْقِهِم (1)).
قَالَ دُحَيْمٌ: صَفْوَانُ أَكْبَرُ مِنْ حَرِيْزٍ، وَقدَّمَه، وَأَثْنَى عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُعْتَبَرُ بِهِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ:
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَهُوَ فِي آخِرِ صَلاَتِه، وَقَدْ فَرَغَ مِنَ التَّشهُّدِ يَتعوَّذُ بِاللهِ مِنَ النِّفَاقِ، فَأَكْثَرَ التَّعوُّذَ مِنْهُ.
فَقَالَ جُبَيْرٌ: وَمَا لَكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَنْتَ وَالنِّفَاقَ؟
فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ، دَعنَا عَنْكَ، فَوَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُقْلَبُ عَنْ دِيْنِه فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ، فَيُخلَعُ مِنْهُ.
إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ.
وَمِنَ النِّفَاقِ الأَصْغَرِ: الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، لاَ يُلقِي لَهَا بَالاً، وَلاَ يَظَنُّ أَنَّهَا
__________
(1) يحيى البابلتي هو ابن عبد الله بن الضحاك، ضعيف، لكن أخرجه الدارمي 2 / 94 - 95 من طريق موسى بن خالد، عن عيسى بن يونس وأحمد 4 / 188 من طريق أبي المغيرة، وأقحم اسم صفوان بن أمية بين أبي المغيرة وصفوان بن عمرو خطأ، كلاهما عن صفوان بن عمرو عن عبد الله بن بسر، وإسناده صحيح.
وأخرج مسلم في " صحيحه " (2042) من حديث عبد الله بن بسر قال: نزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علي أبي، قال: فقربنا إليه طعاما ووطبة (حيس يصنع من التمر، والاقط المدقوق، والسمن) فأكل منها، ثم أتي بتمر، فكان يأكله ويلقي النوى بين اصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى، ثم أتي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه، قال: فقال أبي، وأخذ بلجام دابته: ادع الله لنا، فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم ".

(6/382)


تَبلُغُ مَا بَلَغتْ، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِيْنَ خَرِيْفاً (1).
وَأَمَّا النِّفَاقُ الأَكْبَرُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتعوَّذَ بِاللهِ مِنَ النِّفَاقِ وَالشِّركِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي بِمَا يُخْتَمُ لَهُ، فَرُبَّمَا أَصْبَحَ مُؤْمِناً، وَأَمْسَى كَافِراً، نَعُوْذُ بِوَجْهِ اللهِ الكَرِيْمِ مِنْ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلٍ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْماً، وَعِنْدَه نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ: (أَلاَ إِنَّكُم وُلاَةُ هَذَا الأَمْرِ مِنْ بَعْدِي، فَلاَ أَعْرِفُنِي مَا شَقَقْتُم عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، اللَّهُمَّ مِنْ شَقَّ عَلَى أُمَّتِي، فَشُقَّ عَلَيْهِ) (2).
مُرْسَلٌ جَيِّدٌ.

161 - عَوْفُ بنُ أَبِي جَمِيْلَةَ أَبُو سَهْلٍ الأَعْرَابِيُّ * (ع)
الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو سَهْلٍ الأَعْرَابِيُّ، البَصْرِيُّ، وَلَمْ يَكُنْ أَعْرَابِياً،
__________
(1) أخرج البخاري (6477) في الرقاق، باب: حفظ اللسان، من حديث أبي هريرة، مرفوعا " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم ".
وأخرجه الترمذي (2314)، وابن ماجه (3970) من حديث أبي هريرة بلفظ: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة، لا يرى بها بأسا، يهوي بها سبعين خريفا في النار ".
وأحمد 2 / 236 و355 وسنده قوي، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم.
وأخرجه أحمد 2 / 355 و533 من طريق آخر بلفظ: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة، وما يرى أنها تبلغ حيث بلغت، يهوي بها في النار سبعين خريفا " ورجاله ثقات.
(2) وجاء في حديث عائشة الذي أخرجه مسلم (1828) " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا، فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به ".
(*) تاريخ خليفة 226، طبقات خليفة (219)، تاريخ البخاري 7 / 58، التاريخ الصغير =

(6/383)


بَلْ شُهِرَ بِهِ.
وُلدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
قَالَهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ.
رَوَى عَنْ: أَبِي العَالِيَةِ، وَأَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، وَزُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، وَابْنِ سِيْرِيْنَ، وَخِلاَسٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ، وَمَا عِنْدَهُ شَيْءٌ عَنْ أَحَدٍ لَهُ صُحبةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَغُنْدَرٌ، وَرَوْحٌ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَهَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ، وَطَائِفَةٌ، آخِرُهُمْ: عُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ.
وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ البَصْرَةِ عَلَى بِدعَتِه.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ: كَانَ فَارِسِيّاً.
وَقَالَ هَوْذَةُ: هُوَ مِنْ بَنِي سَعْدٍ.
قُلْتُ: كَانَ يُدعَى عَوفاً الصَّدُوْقَ.
وَثَّقَهُ: غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ.
قَالَ الأَنْصَارِيُّ: قَالَ لِي عَوْفٌ: سَمِعْتُ مِنَ الحَسَنِ قَبْلَ وَقْعَةِ ابْنِ الأَشْعَثِ (1) .
قَالَ القَطَّانُ: سَمِعْتُ عَوْفاً - وَحَدَّثَ بِحَدِيْثِ الصَّادِقِ المَصْدُوْقِ - فَقَالَ:
كَذَبَ عَبْدُ اللهِ، سَمِعَهُمَا بُنْدَارٌ وَغَيْرُه مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَضِيَ عَوْفٌ بِبِدْعَةٍ حَتَّى كَانَ فِيْهِ بِدْعَتَانِ: قَدَرِيٌّ، شِيْعِيٌّ.
وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: رَأَيْتُ دَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ يَضرِبُ عَوْفاً، وَيَقُوْلُ: وَيْلَكَ يَا قَدَرِيُّ.
وَقَالَ بُنْدَارٌ: كَانَ قَدَرِيّاً، رَافِضِيّاً.
قُلْتُ: لَكِنَّهُ ثِقَةٌ، مُكْثِرٌ.
النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ.
وَقَعَ فِي (القَطِيْعِيَّاتِ (2)) مِنْ عَوَالِيْهِ.
__________
= 2 / 85، الجرح والتعديل 7 / 15، مشاهير علماء الأمصار 151، تهذيب الكمال 1066، تذهيب التهذيب 3 / 119 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 137، ميزان الاعتدال 3 / 305، تهذيب التهذيب: 1 / 166 - 168، خلاصة تذهيب الكمال 298، شذرات الذهب: 1 / 166 - 168.
(1) وهي موقعة " دير الجماجم " انظر الطبري، والكامل، والبداية والنهاية - حوادث سنة (82) للهجرة.
(2) وهي خمسة أجزاء من الحديث لأحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب بن
عبد الله القطيعي، محدث من أهل بغداد، كان يسكن " قطيعة الدقيق " فنسب إليها، وهو مترجم في تاريخ بغداد 4 / 73 - 74، ولسان الميزان 1 / 145 - 146.

(6/384)


162 - عُمَرُ بنُ ذَرِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ زُرَارَةَ الهَمْدَانِيُّ * (خَ، د، ت، س)
الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، أَبُو ذَرٍّ الهَمْدَانِيُّ، ثُمَّ المُرْهِبِيُّ، الكُوْفِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي بنُ المُؤَيَّدِ، أَنْبَأَنَا زَيْدُ بنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ قَفَرْجَلَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ (ح).
وَقَرَأْتُ بِالثَّغْرِ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي القَاسِمِ الصِّقِلِّيِّ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ المُعْطِي، وَابْنُ رَوَاجٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ يَحْيَى، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا ابْنُ رَوَاحَةَ، وَأَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ، وَأَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ النَّحْوِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ رَوَاجٍ، قَالُوا جَمِيْعاً:
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الوَاسِطِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاذَرَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ البَطِّيِّ، وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ البَطِّيِّ، وَأَنْبَأَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَطِيْعِيُّ، أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ البَاذَرَائِيُّ، وَأَنْبَأَنَا الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَنْبَأَنَا مُرْتَضَى بنُ حَاتِمٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سِلَفَةَ الحَافِظُ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ القَارِّيُّ، قَالَ هُوَ وَابْنُ أَبِي عُثْمَانَ:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ البَيِّعِ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كُنَاسَةَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ ذَرٍّ، عَنْ يَزِيْدَ الفَقِيْرِ:
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا غَشِيَهُ الصُّبحُ وَهُوَ مُسَافِرٌ يُنَادِي: سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ
__________
(*) طبقات خليفة (168)، تاريخ البخاري 6 / 154، التاريخ الصغير 2 / 122، الجرح والتعديل 6 / 107، حلية الأولياء 5 / 108 - 122، الكامل في التاريخ 5 / 442 - 594، تهذيب الكمال 1009، تذهيب التهذيب 3 / 83 / 1 - 2، ميزان الاعتدال 3 / 193، تهذيب التهذيب 7 / 444 - 445، خلاصة تذهيب الكمال 282، شذرات الذهب 1 / 240.

(6/385)


عَلَيْنَا، وَحُسْنِ بَلاَئِه عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ صَاحِبْنَا فَأَفْضِلْ عَلَيْنَا، عَائِذاً بِاللهِ مِنْ جَهَنَّمَ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
هَذَا مَوْقُوْفٌ (1) ، تَفَرَّدَ بِهِ: عُمَرُ بنُ ذَرٍّ.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمُعَاذَةَ العَدَويَّةِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أُمَيَّةَ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَيُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَالخُرَيْبِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَالفِرْيَابِيُّ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَحَجَّاجٌ الأَعْوَرُ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَخَلْقٌ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَنِيْفَةَ - مَعَ تَقَدُّمِهِ -.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُكْثِراً مِنَ الرِّوَايَةِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ: قَالَ جَدِّي:
هُوَ ثِقَةٌ، لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ حَدِيْثُه لِرَأْيٍ أَخْطَأَ فِيْهِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَكَذَا وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ رَأْساً فِي الإِرْجَاءِ، ذَهَبَ بَصَرُه.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: عُمَرُ بنُ ذَرٍّ القَاصُّ كَانَ ثِقَةً، بَلِيغاً، يَرَى الإِرْجَاءَ، وَكَانَ لَيِّنَ القَوْلِ فِيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، مُرْجِئٌ، لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ، وَهُوَ مِثْلُ يُوْنُسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: كَانَ رَجُلاً، صَالِحاً، مَحَلُّهُ الصِّدْقُ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: ثِقَةٌ، مُرْجِئٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: كُوْفِيٌّ، صَدُوْقٌ، مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، وَكَانَ مُرجِئاً.
__________
(1) وأخرجه مسلم مرفوعا (2718)، وأبو داود (5086) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: " سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذ بالله من النار ".

(6/386)


وَقَالَ أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَةَ القَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، قَالَ:
قُلْتُ لِيَحْيَى القَطَّانِ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَنَا أَترُكُ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ كُلَّ رَأْسٍ فِي بِدعَةٍ.
فَضَحِكَ يَحْيَى، وَقَالَ: كَيْفَ تَصْنَع بِقَتَادَةَ؟ كَيْفَ تَصْنَعُ بِعُمَرَ بنِ ذَرٍّ؟ كَيْفَ تَصْنَعُ بِابْنِ أَبِي رَوَّادٍ؟
وَعَدَّ يَحْيَى قَوْماً أَمْسكتُ عَنْ ذِكرِهِم.
ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: إِنْ تَرَكَ هَذَا الضَّرْبَ، تَرَكَ حَدِيْثاً كَثِيْراً.
قَالَ رِبْعِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: حَدَّثَنِي جَارٌ لَنَا، يُقَالَ لَهُ عُمَرُ:
إِنَّ بَعْضَ الخُلَفَاءِ سَألَ عُمَرَ بنَ ذَرٍّ عَنِ القَدَرِ، فَقَالَ: هَا هُنَا مَا يُشغِلُ عَنِ القَدَرِ.
قَالَ: مَا هُوَ؟
قَالَ: لَيْلَةٌ صَبِيْحَتُهَا يَوْم القِيَامَةِ.
فَبَكَى، وَبَكَى مَعَهُ.
ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ الرِّفَاعِيِّ، سَمِعْتُ عَمِّي يَقُوْلُ:
خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بنِ ذَرٍّ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا لَبَّى، لَمْ يُلَبِّ أَحَدٌ مِنْ حُسْنِ صَوْتِه، فَلَمَّا أَتَى الحَرَمَ، قَالَ:
مَا زِلْنَا نَهبطُ حُفرَةً، وَنَصعَدُ أَكَمَةً، وَنَعْلُو شَرَفاً، وَيَبدُو لَنَا عَلَمٌ حَتَّى أَتَيْنَاكَ بِهَا، نَقِبَةً أَخْفَافُهَا، دَبِرَةً ظُهُوْرُهَا، ذَبِلَةً أَسْنَامُهَا، فَلَيْسَ أَعْظَمَ المُؤنَةِ عَلَيْنَا إِتْعَابُ أَبْدَانِنَا، وَلاَ إِنفَاقُ أَمْوَالِنَا، وَلَكِنْ أَعْظَمُ المُؤنَةِ أَنْ نَرجِعَ بِالخُسرَانِ، يَا خَيْرَ مَنْ نَزَلَ النَّازِلُوْنَ بِفِنَائِهِ.
فَحَدَّثَنِي عَمِّي كَثِيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ ذَرٍّ يَقُوْلُ:
اللَّهُمَّ إِنَّا قَدْ أَطَعنَاكَ فِي أَحَبِّ الأَشْيَاءِ إِلَيْكَ أَنْ تُطَاعَ فِيْهِ: الإِيْمَانُ بِكَ، وَالإِقرَارُ بِكَ، وَلَمْ نَعصِكَ فِي أَبغَضِ الأَشْيَاءِ أَنْ تُعصَى فِيْهِ: الكُفْرُ، وَالجَحْدُ بِكَ، اللَّهُمَّ فَاغفِرْ لَنَا بَيْنَهمَا، وَأَنْتَ قُلْتَ: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِم لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوْتُ} [النَّمْلُ: 39] وَنَحْنُ نُقْسِمُ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِنَا: لَتَبْعَثَنَّ مَنْ يَمُوْتُ، أَفَتُرَاكَ تَجْمَعُ بَيْنَ أَهْلِ القَسَمَيْنِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ؟
قَالَ شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ: قَالَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ: يَا أَهْل مَعَاصِي اللهِ، لاَ تَغتَرُّوا بِطُوْلِ

(6/387)


حِلمِ اللهِ عَنْكُم، وَاحْذَرُوا أَسَفَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: {فَلَمَّا آسَفُوْنَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزُّخْرُفُ: 56].
وَعَنْ عُمَرَ بنِ ذَرٍّ، قَالَ: كُلُّ حُزنٍ يَبلَى، إِلاَّ حُزنَ التَّائِبِ عَنْ ذُنُوْبِه.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ:
كَانَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ إِذَا قَرَأَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّيْنِ}، قَالَ: يَا لَكَ مِنْ يَوْمٍ! مَا أَمْلأَ ذِكْرَكَ لِقُلُوْبِ الصَّادِقِيْنَ!
حَامِدُ بنُ يَحْيَى: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ:
لَمَّا مَاتَ ذَرُّ بنُ عُمَرَ، قَعَدَ عُمَرُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِه، وَهُوَ يَقُوْلُ: يَا بُنَيَّ، شَغَلَنِي الحُزْنُ لَكَ عَنِ الحُزنِ عَلَيْكَ، فَلَيْتَ شِعرِي، مَا قُلتَ؟ وَمَا قِيْلَ لَكَ؟
اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرتَه بِطَاعَتِكَ وَبِبِرِّي، فَقَدْ وَهَبتُ لَهُ مَا قَصَّرَ فِيْهِ مِنْ حَقَّي، فَهَبْ لَهُ مَا قَصَّرَ فِيْهِ مِنْ حقِّكَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: انْطلَقْنَا وَتَرَكنَاكَ، وَلَوْ أَقَمنَا مَا نَفَعْنَاكَ، فَنَستَودِعُكَ أَرحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ:
تُوُفِّيَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ مُرْجِئاً، فَمَاتَ، فَلَمْ يَشهَدْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَلاَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ.
وَكَانَ ثِقَةً - إِنْ شَاءَ اللهُ - كَثِيْرَ الحَدِيْثِ.
وَفِيْهَا: أَرَّخَهُ مُطَيَّنٌ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: مَاتَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَأَمَّا إِسْحَاقُ بنُ يَسَارٍ النَّصِيْبِيُّ، فَرَوَى عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَفَاتَه سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَأَمَّا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ، فَرَوَوْا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَفَاتَه سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، فَهَذَا أَصَحُّ.
وَكَذَلِكَ قَالَ: الفَلاَّسُ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
احْتَجَّ بِهِ: البُخَارِيُّ دُوْنَ مُسْلِمٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ

(6/388)


يَقُوْلُ:
كَانَ ابْنُ عَيَّاشٍ المَنْتُوْفَ يَقعُ فِي عُمَرَ بنِ ذَرٍّ، وَيَشتُمُهُ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ، فَقَالَ:
يَا هَذَا! لاَ تُفْرِطْ فِي شَتْمِنَا، وَأَبقِ لِلصُّلحِ مَوْضِعاً، فَإِنَّا لاَ نُكَافِئُ مَنْ عَصَى اللهَ فِيْنَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ نُطِيْعَ اللهَ فِيْهِ.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ قَاضِي الكُوْفَةِ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَبِيْحٍ، قَالَ:
سَأَلْتُ عُمَرَ بنَ ذَرٍّ: أَيُّهَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ لِلْخَائِفِيْنَ: طُوْلُ الكَمَدِ، أَوْ إِسْبَالُ الدَّمعَةِ؟
فَقَالَ: أَمَّا عَلِمتَ أَنَّهُ إِذَا رَقَّ فَذَرَى، شُفِيَ وَسَلاَ، وَإِذَا كَمِدَ، غُصَّ فَشَجَى، فَالكَمدُ أَعْجَبُ إِلَيَّ لَهُم.
وَعَنْ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ إِذَا وَعَظَ قَالَ: أَعِيْرُوْنِي دُمُوْعَكم.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ ذَرٍّ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِجِبْرِيْلَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُوْرَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُوْرُنَا؟
فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ (1) } [مَرْيَمُ: 65].
ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: أَنَّهُ جَمَعَ فِي عُمَرَ بنِ ذَرٍّ.
قَرَأْتُ عَلَى عِيْسَى بنِ يَحْيَى، أَخْبَرَكُمُ الحَسَنُ بنُ دِيْنَارٍ، أَنْبَأَنَا السِّلَفِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا
__________
(1) " حلية الأولياء " 5 / 116، وأخرجه البخاري (2318) في بدء الخلق، و(4731) في التفسير، و(7455) في التوحيد، والترمذي (3157)، وأحمد 1 / 231، و233 و234 من طرق: عن عمر بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس..

(6/389)


عُمَرُ بنُ ذَرٍّ، أَخْبَرَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيْثٍ ذَكَرَهُ: (وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوْراً أَيْنَمَا كُنْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدِ المَاءَ، تَيَمَّمْتُ بِالصَّعِيْدِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ، وَكَانَتْ لِي مَسْجِداً وَطَهُوْراً، وَلَمْ يُفْعَلْ ذَلَكَ بِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي).
خَالِدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيُّ: وَاهٍ (1).

163 - أَبُو حَنِيْفَةَ النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتِ التَّيْمِيُّ * (ت، س)
الإِمَامُ، فَقِيْهُ المِلَّةِ، عَالِمُ العِرَاقِ، أَبُو حَنِيْفَةَ النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتِ بنِ زُوْطَى التَّيْمِيُّ، الكُوْفِيُّ، مَوْلَى بَنِي تَيْمِ اللهِ بنِ ثَعْلَبَةَ.
يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ أَبْنَاءِ الفُرسِ.
__________
(1) وقال في " التقريب ": متروك، لكن متن الحديث بنحوه ثابت عند مسلم (523) من حديث أبي هريرة، وعند البخاري ومسلم من حديث جابر، وعند مسلم (522) من حديث حذيفة.
(*) طبقات خليفة (167 - 327)، تاريخ البخاري: 8 / 81، التاريخ الصغير: 2 / 43، الجرح والتعديل 8 / 449 - 450، كتاب المجروحين 3 / 61، تاريخ بغداد 13 / 323، 424، الكامل في التاريخ 5 / 585، 549، وفيات الأعيان 5 / 415 - 423، تهذيب الكمال 1414، 1417، تذهيب التهذيب 4 / 98 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 168، ميزان الاعتدال 4 / 265، العبر 1 / 314، مرآة الجنان 1 / 309، البداية والنهاية 10 / 107، تهذيب التهذيب 10 / 449 - 452، النجوم الزاهرة 2 / 12، الجواهر المضيئة 1 / 26 - 32، خلاصة تذهيب الكمال 401، شذرات الذهب 1 / 227 - 229.
وجاء في المطبوع من " ميزان الاعتدال " 4 / 265، بتحقيق علي محمد البجاوي مانصه: النعمان بن ثابت، بن زوطى، أبو حنيفة الكوفي إمام أهل الرأي، ضعفه من جهة حفظه النسائي، وابن عدي وآخرون، وترجم له الخطيب في فصلين من تاريخه، واستوفى الفريقين معدليه ومنصفيه.
وقد أوسع العلامة اللكنوي القول جدا في التدليل على دس هذه الترجمة في " الميزان " في كتابه " غيث الغمام على حواشي الكلام " ص 146، وذكر وجوها كثيرة في تعزيز نفيها من الميزان.
ومما قاله رحمه الله،: إن هذه العبارة ليست لها أثر في بعض النسخ المعتبرة، على ما رأيتها بعيني، ويؤيده قول العراقي في " شرح ألفيته " 3 / 260 لكنه أي: ابن عدي ذكر في كتاب " الكامل " كل من تكلم فيه وإن كان ثقة. وتبعه =

(6/390)


وُلدَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، فِي حَيَاةِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
وَرَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمُ الكُوْفَةَ، وَلَمْ يَثبُتْ لَهُ حَرفٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُم.
وَرَوَى عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ، وَأَفْضَلُهُم - عَلَى مَا قَالَ -.
وَعَنِ: الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ: طَاوُوْسٍ - وَلَمْ يَصِحَّ -.
وَعَنْ: جَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ، وَعَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، وَعِكْرِمَةَ - وَفِي لُقِيِّهِ لَهُ نَظَرٌ - وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بنِ نَافِعٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقَتَادَةَ، وَقَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، وَمُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَالحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، وَعَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، وَعَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَعَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِهِ تَفَقَّهَ - وَزِيَادِ
__________
= على ذلك الذهبي في " الميزان " إلا أنه لم يذكر أحدا من الصحابة والأئمة المتبوعين.
وقول السخاوي في " شرح الالفية " ص 477: مع أنه: أي الذهبي، تبع ابن عدي في إيراد كل من تكلم فيه ولو كان ثقة، لكنه التزم ألا يذكر أحدا من الصحابة، ولا الأئمة المتبوعين.
وقول السيوطي في " تدريب الراوي " ص 519 إلا أنه - أي الذهبي - لم يذكر أحدا من الصحابة ولا الأئمة المتبوعين.
فهذه العبارات، من هؤلاء الثقات، الذين قد مرت أنظارهم على نسخ الميزان الصحيحة مرات تنادي بأعلى الصوت على أنه ليس في حرف النون من الميزان أثر لترجمة أبي حنيفة النعمان فلعلها من زيادات بعض الناسخين والناقلين في بعض نسخ الميزان بل قد صرح الذهبي في مقدمة الميزان 1 / 3 فقال: وكذا لا أذكر في كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحدا لجلالتهم في الإسلام وعظمتهم في النفوس مثل أبي حنيفة، والشافعي، والبخاري، فإن ذكرت أحدا منهم، فأذكره على الإنصاف، وما يضره ذلك عند الله، ولا عند الناس.
وجاءت في المطبوعة من الميزان ترجمة أبي حنيفة في سطرين ليس فيها دفاع عن أبي حنيفة إطلاقا.
وإنما تحط على جرحه وتضعيفه وكلام الذهبي في المقدمة ينفي وجودها على تلك الصفة، لأنها تحمل القدح لا الإنصاف.
وقد روجع المجلد الثالث من ميزان الاعتدال المحفوظ في ظاهرية دمشق، وهو بخط الحافظ: شرف الدين عبد الله بن محمد الداني الدمشقي، المتوفى سنة 749 تلميذ مؤلفه الذهبي، وقد قرئ عليه ثلاث مرات، مع المقابلة بأصل الذهبي، فلم توجد فيه ترجمة

(6/391)


بنِ عِلاَقَةَ، وَسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَمُسْلِمٍ البَطِيْنِ، وَيَزِيْدَ بنِ صُهَيْبٍ الفَقِيْرِ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَأَبِي حَصِيْنٍ الأَسَدِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَنَاصِحٍ المُحَلِّمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
حَتَّى إِنَّهُ رَوَى عَنْ: شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ - وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ - وَعَنْ: مَالِكِ بنِ أَنَسٍ - وَهُوَ كَذَلِكَ -.
وَعُنِيَ بِطَلَبِ الآثَارِ، وَارْتَحَلَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الفِقْهُ وَالتَّدْقِيْقُ فِي الرَّأْيِ وَغوَامِضِهِ، فَإِلَيْهِ المُنْتَهَى، وَالنَّاسُ عَلَيْهِ عِيَالٌ فِي ذَلِكَ.
__________
= للإمام أبي حنيفة في حرف النون ولا في الكنى، وكذلك رجع بعضهم إلى نسخة من الميزان موجودة في الخزانة العامة في مدينة الرباط، ولم يجد فيها أيضا ترجمة للامام أبي حنيفة رحمه الله، وقد وصفت هذه النسخة بالجودة، والندرة، لأنه قرأها على المؤلف غير واحد من الأعلام.
وأما ما يؤثر عن النسائي، وابن عدي من تضعيفهم لأبي حنيفة من جهة حفظه، فهو مردود لا يعتد به، في جنب توثيق أئمة الجرح والتعديل من أمثال: علي بن المديني، ويحيى بن معين، وشعبة وإسرائيل بن يونس، ويحيى بن آدم، وابن داود الخريبي، والحسن بن صالح، وغيرهم.
فهؤلاء كلهم معاصرون لأبي حنيفة أو قريبو العهد به.
وهم أعلم الناس به.
وأعلم من النسائي، وابن عدي.
وأمثالهما من المتأخرين عن أبي حنيفة بكثير، كالدارقطني الذي ولد بعد مئتي سنة من وفاة أبي حنيفة، فقول هؤلاء الأئمة الاقرب والاعلم، أحرى بالقبول، وقول المتأخر زمانا أجدر بالرمي في حضيض الخمول.
وقد نقل الشيخ ابن حجر المكي في " الخيرات الحسان " ص 34 قول شعبة بن الحجاج في أبي حنيفة: " كان والله حسن الفهم، جيد الحفظ " وهذا نص صريح في قوة حفظه، صادر عمن هو مشهود له بالامامة وبالتدين، والتشدد في نقد الرجال.
وبهذا القول الرشيد يسقط كل ما ادعاه المتعصبون، والحاقدون، من متقدم ومتأخر، من ضعف حفظ هذا الامام العظيم.

(6/392)


حَدَّثَ عَنْهُ: خَلْقٌ كَثِيْرٌ، ذَكَرَ مِنْهُم شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ فِي (تَهْذِيْبِهِ) هَؤُلاَءِ عَلَى المُعْجَمِ:
إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ - عَالِمُ خُرَاسَانَ - وَأَبْيَضُ بنُ الأَغَرِّ بنِ الصَّبَّاحِ المِنْقَرِيُّ، وَأَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَأَسَدُ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى الصَّيْرَفِيُّ، وَأَيُّوْبُ بنُ هَانِئ.
وَالجَارُوْدُ بنُ يَزِيْدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ.
وَالحَارِثُ بنُ نَبْهَانَ، وَحَيَّانُ بنُ عَلِيٍّ العَنَزِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ فُرَاتٍ القَزَّازُ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ العَوْفِيُّ، وَحَفْصُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَاضِي، وَحَكَّامُ بنُ سَلْمٍ، وَأَبُو مُطِيْعٍ الحَكَمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَابْنُهُ؛ حَمَّادُ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ - وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ -.
وَخَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ.
وَزُفَرُ بنُ الهُذَيْلِ التَّمِيْمِيُّ الفَقِيْهُ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ.
وَسَابِقٌ الرَّقِّيُّ، وَسَعْدُ بنُ الصَّلْتِ القَاضِي، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي الجَهْمِ القَابُوْسِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ سَلاَّمٍ العَطَّارُ، وَسَلْمُ بنُ سَالِمٍ البَلْخِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَمْرٍو النَّخَعِيُّ، وَسَهْلُ بنُ مُزَاحِمٍ.
وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، وَالصَّبَّاحُ بنُ مُحَارِبٍ، وَالصَّلْتُ بنُ الحَجَّاجِ.
وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَعَامِرُ بنُ الفُرَاتِ، وَعَائِذُ بنُ حَبِيْبٍ، وَعَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ المُقْرِئُ، وَأَبُو يَحْيَى عَبْدُ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ خَالِدٍ - تِرْمِذِيٌّ - وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الجُرْجَانِيُّ، وَعَبْدُ المَجِيْدِ بنُ أَبِي رَوَّادٍ، وَعَبْدُ الوَارِثِ التَّنُّوْرِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ القُرَشِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَعَتَّابُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيُّ بنُ ظَبْيَانَ القَاضِي، وَعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ القَاضِي، وَعَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ العَنْقَزِيُّ، وَأَبُو قُطْنٍ عَمْرُو بنُ الهَيْثَمِ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ.
وَالفَضْلُ بنُ مُوْسَى، وَالقَاسِمُ بنُ الحَكَمِ العُرَنِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ مَعْنٍ، وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ.
وَمُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ العَنْبَرِيُّ - كُوْفِيٌّ - وَمُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَتَشَ، وَمُحَمَّدُ

(6/393)


بنُ الحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الوَهْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ عَطِيَّةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الأَسَدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْرُوْقٍ الكُوْفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الوَاسِطِيُّ، وَمَرْوَانُ بنُ سَالِمٍ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَمَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ.
وَنَصْرُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ البَلْخِيُّ الصَّيْقَلُ، وَنَصْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ العَتَكِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ النَّضْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، وَالنَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَالنُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الأَصْبَهَانِيُّ، وَنُوْحُ بنُ دَرَّاجٍ القَاضِي، وَنُوْحُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ الجَامِعُ، وَهُشَيْمٌ، وَهَوْذَةُ، وَهَيَّاجُ بنُ بِسْطَامَ، وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المِصْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ نَصْرِ بنِ حَاجِبٍ، وَيَحْيَى بنُ يَمَانٍ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَيُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّاغَانِيُّ، وَأَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ، وَأَبُو مُقَاتِلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو يُوْسُفَ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: أَبُو حَنِيْفَةَ: تَيْمِيٌّ، مِنْ رَهطِ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، كَانَ خَزَّازاً يَبِيْعُ الخَزَّ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ: أَمَّا زُوْطَى: فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ كَابُلَ، وَوُلِدَ ثَابِتٌ عَلَى الإِسْلاَمِ.
وَكَانَ زُوْطَى مَمْلُوْكاً لِبَنِي تَيْمِ اللهِ بنِ ثَعْلَبَةَ، فَأُعتِقَ، فَوَلاَؤُهُ لَهُم، ثُمَّ لِبَنِي قَفْلٍ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ خَزَّازاً، وَدُكَّانُه مَعْرُوْفٌ فِي دَارِ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ.
وَقَالَ النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ النَّضْرِ، قَالَ: كَانَ وَالِدُ أَبِي حَنِيْفَةَ مِنْ نَسَا.
وَرَوَى: سُلَيْمَانُ بنُ الرَّبِيْعِ، عَنِ الحَارِثِ بنِ إِدْرِيْسَ، قَالَ: أَبُو حَنِيْفَةَ أَصلُهُ مِنْ تِرْمِذَ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِي: أَبُو حَنِيْفَةَ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ.

(6/394)


وَرَوَى: أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ البُهْلُوْلِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: ثَابِتٌ وَالِدُ أَبِي حَنِيْفَةَ مِنْ أَهْلِ الأَنْبَارِ.
مُكْرَمُ بنُ أَحْمَدَ القَاضِي: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ المَرْوَزِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ:
أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ النُّعْمَانِ بنِ ثَابِتِ بنِ المَرْزُبَانِ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسٍ الأَحرَارِ، وَاللهِ مَا وَقَعَ عَلَيْنَا رِقٌّ قَطُّ.
وُلدَ جَدِّي فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ، وَذَهَبَ ثَابِتٌ إِلَى عَلِيٍّ وَهُوَ صَغِيْرٌ، فَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ فِيْهِ وَفِي ذُرِّيَتِه، وَنَحْنُ نَرْجُو مِنَ اللهِ أَنْ يَكُوْنَ اسْتَجَابَ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيْنَا.
قَالَ: وَالنُّعْمَانُ بنُ المَرْزُبَانِ وَالِدُ ثَابِتٍ هُوَ الَّذِي أَهْدَى لِعَلِيٍّ الفَالُوْذَجَ فِي يَوْمِ النَّيْرُوْزِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: نَوْرِزُوْنَا كُلَّ يَوْمٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ ذَلِكَ فِي المَهرجَانِ، فَقَالَ: مَهْرِجُوْنَا كُلَّ يَوْمٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ ثِقَةً، لاَ يُحَدِّثُ بِالحَدِيْثِ إِلاَّ بِمَا يَحْفَظُه، وَلاَ يُحَدِّثُ بِمَا لاَ يَحْفَظُ.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بن مُحْرِزٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، وَلَمْ يُتَّهَمْ بِالكَذِبِ، وَلَقَدْ ضَرَبَه ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى القَضَاءِ، فَأَبَى أَنْ يَكُوْنَ قَاضِياً.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَلاَّنَ كِتَابَةً، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَنْبَأَنَا القَزَّازُ، أَنْبَأَنَا الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا الخَلاَّلُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عَمْرٍو الحَرِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَاسٍ النَّخَعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ الصَّيْدَنَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعِ بنِ الثَّلْجِيِّ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ:
قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: لَمَّا أَرَدْتُ طَلَبَ العِلْمِ، جَعَلتُ أَتَخَيَّرُ العُلُوْمَ، وَأَسْأَلُ عَنْ عَوَاقِبِهَا. فَقِيْلَ: تَعَلَّمِ

(6/395)


القُرْآنَ.
فَقُلْتُ: إِذَا حَفِظتُه فَمَا يَكُوْنَ آخِرُهُ؟
قَالُوا: تَجْلِسُ فِي المَسْجِدِ، فَيَقرَأُ عَلَيْكَ الصِّبْيَانُ وَالأَحدَاثُ، ثُمَّ لاَ يَلْبَثُ أَنْ يَخْرُجَ فِيْهِم مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْكَ، أَوْ مُسَاوِيكَ، فَتَذهَبُ رِئَاسَتُكَ.
قُلْتُ: مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِلرِّئَاسَةِ قَدْ يُفِكِّرُ فِي هَذَا، وَإِلاَّ فَقَدْ ثَبَتَ قَوْلُ المُصْطَفَى - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ -: (أَفْضَلُكُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ (1)).
يَا سُبْحَانَ اللهِ! وَهَلْ مَحَلٌّ أَفْضَلُ مِنَ المَسْجِدِ؟ وَهَلْ نَشْرٌ لِعِلمٍ يُقَارِبُ تَعْلِيْمَ القُرْآنِ؟ كَلاَّ وَاللهِ، وَهَلْ طَلَبَةٌ خَيْرٌ مِنَ الصِّبْيَانِ الَّذِيْنَ لَمْ يَعْمَلُوا الذُّنُوبَ؟!
وَأَحسِبُ هَذِهِ الحِكَايَةَ مَوْضُوْعَةً، فَفِي إِسْنَادِهَا مَنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ.
تَتِمَّةُ الحِكَايَةِ: قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ سَمِعْتُ الحَدِيْثَ وَكَتَبتُه حَتَّى لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا أَحْفَظُ مِنِّي؟
قَالُوا: إِذَا كَبِرتَ وَضَعُفْتَ، حَدَّثتَ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْكَ هَؤُلاَءِ الأَحْدَاثُ وَالصِّبْيَانُ، ثُمَّ لَمْ تَأمَنْ أَنْ تَغلَطَ، فَيَرمُوكَ بِالكَذِبِ، فَيَصِيْرُ عَاراً عَلَيْكَ فِي عَقِبِكَ.
فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي هَذَا.
قُلْتُ: الآنَ كَمَا جَزَمتُ بِأَنَّهَا حِكَايَةٌ مُختَلَقَةٌ، فَإِنَّ الإِمَامَ أَبَا حَنِيْفَةَ طَلَبَ الحَدِيْثَ، وَأَكْثَرَ مِنْهُ فِي سَنَةِ مائَةٍ وَبَعدَهَا، وَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ الصِّبْيَانُ، هَذَا اصْطِلاَحٌ وُجِدَ بَعْدَ ثَلاَثِ مائَةِ سَنَةٍ، بَلْ كَانَ يَطْلُبُه كِبَارُ العُلَمَاءِ، بَلْ لَمْ يَكُنْ لِلْفُقَهَاءِ عِلْمٌ بَعْدَ القُرْآنِ سِوَاهُ، وَلاَ كَانَتْ قَدْ دُوِّنَتْ كُتُبُ الفِقْهِ أَصلاً.
ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: أَتَعَلَّمُ النَّحْوَ.
فَقُلْتُ: إِذَا حَفِظتُ النَّحْوَ وَالعَرَبِيَّةَ، مَا يَكُوْنَ
__________
(1) أخرجه البخاري (5027) و(5028) في فضائل القرآن باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وأبو داود (1452) في الوتر، باب ثواب قراءة القرآن، والترمذي (2099) في ثواب القرآن، باب: ما جاء في تعلم القرآن.
وابن ماجه (211) في المقدمة، باب: فضل من تعلم القرآن وعلمه، وأحمد 1 / 57، 58، 69، والدارمي 2 / 437 في فضائل القرآن، باب: خياركم من تعلم القرآن وعلمه.
من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

(6/396)


آخِرُ أَمْرِي؟
قَالُوا: تَقعُدُ مُعَلِّماً، فَأَكْثَرُ رِزْقِكَ دِيْنَارَانِ إِلَى ثَلاَثَةٍ.
قُلْتُ: وَهَذَا لاَ عَاقِبَةَ لَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ نَظَرتُ فِي الشِّعرِ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشعَرُ مِنِّي؟
قَالُوا: تَمدَحُ هَذَا فَيَهَبُ لَكَ، أَوْ يَخلَعُ عَلَيْكَ، وَإِنْ حَرَمَكَ هَجَوتَه.
قُلْتُ: لاَ حَاجَةَ فِيْهِ.
قُلْتُ: فَإِنْ نَظَرتُ فِي الكَلاَمِ، مَا يَكُوْنُ آخِرُ أَمرِهِ؟
قَالُوا: لاَ يَسْلَمُ مَنْ نَظَرَ فِي الكَلاَمِ مِنْ مُشَنَّعَاتِ الكَلاَمِ، فَيُرمَى بِالزَّنْدَقَةِ، فَيُقتَلُ، أَوْ يَسلَمُ مَذْمُوْماً.
قُلْتُ: قَاتَلَ اللهُ مَنْ وَضَعَ هَذِهِ الخُرَافَةَ، وَهَلْ كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ وُجِدَ عِلْمُ الكَلاَمِ؟!!
قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ تَعَلَّمتُ الفِقْهَ؟
قَالُوا: تُسْأَلُ، وَتُفتِي النَّاسَ، وَتُطلَبُ لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ كُنْتَ شَابّاً.
قُلْتُ: لَيْسَ فِي العُلُوْمِ شَيْءٌ أَنفَعُ مِنْ هَذَا، فَلَزِمتُ الفِقْهَ، وَتَعَلَّمْتُهُ.
وَبِهِ: إِلَى ابْنِ كَاسٍ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ حَمَّادٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ زُفَرَ بنِ الهُذَيْلِ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَنظُرُ فِي الكَلاَمِ حَتَّى بَلَغتُ فِيْهِ مَبْلَغاً يُشَارُ إِلَيَّ فِيْهِ بِالأَصَابِعِ، وَكُنَّا نَجلِسُ بِالقُرْبِ مِنْ حَلْقَةِ حَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، فَجَاءتْنِي امْرَأَةٌ يَوْماً، فَقَالَتْ لِي: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ أَمَةٌ، أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ، كَمْ يُطَلَّقُهَا؟
فَلَمْ أَدرِ مَا أَقُوْلُ، فَأَمَرتُهَا أَنْ تَسْأَلَ حَمَّاداً، ثُمَّ تَرْجِعَ تُخْبِرَنِي.
فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: يُطَلِّقُهَا وَهِيَ طَاهِرٌ مِنَ الحَيْضِ وَالجِمَاعِ تَطْلِيقَةً، ثُمَّ يَترُكُهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ، فَإِذَا اغْتَسَلتْ، فَقَدْ حَلَّتْ لِلأَزْوَاجِ.
فَرَجَعَتْ، فَأَخْبَرَتْنِي.
فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي الكَلاَمِ، وَأَخَذتُ نَعْلِي، فَجَلَستُ إِلَى حَمَّادٍ، فَكُنْتُ أَسْمَعُ مَسَائِلَه، فَأَحْفَظُ قَوْلَه، ثُمَّ يُعِيْدُهَا مِنَ الغَدِ، فَأَحْفَظُهَا، وَيُخْطِئُ أَصْحَابُه.
فَقَالَ: لاَ يَجْلِسْ فِي صَدْرِ الحَلْقَةِ بِحِذَائِي غَيْرُ أَبِي حَنِيْفَةَ.
فَصَحِبتُه عَشْرَ سِنِيْنَ، ثُمَّ نَازَعَتنِي نَفْسِي الطَّلَبَ لِلرِّئَاسَةِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعتَزِلَه وَأَجلِسَ فِي حَلْقَةٍ لِنَفْسِي، فَخَرَجتُ يَوْماً

(6/397)


بِالعَشِيِّ وَعَزمِي أَنْ أَفْعَلَ، فَلَمَّا رَأَيْتُه، لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَعتَزِلَه.
فَجَاءهُ تِلْكَ اللَّيلَةَ نَعْيُ قَرَابَةٍ لَهُ قَدْ مَاتَ بِالبَصْرَةِ، وَتَرَكَ مَالاً، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَجلِسَ مَكَانَه.
فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ خَرَجَ حَتَّى وَرَدَتْ عَلَيَّ مَسَائِلُ لَمْ أَسْمَعْهَا مِنْهُ، فَكُنْتُ أُجِيْبُ وَأَكتُبُ جَوَابِي، فَغَابَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ قَدِمَ.
فَعَرَضتُ عَلَيْهِ المَسَائِلَ، وَكَانَتْ نَحْواً مِنْ سِتِّيْنَ مَسْأَلَةً، فَوَافَقَنِي فِي أَرْبَعِيْنَ، وَخَالَفَنِي فِي عِشْرِيْنَ، فَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَلاَّ أُفَارِقَه حَتَّى يَمُوْتَ.
وَهَذِهِ أَيْضاً اللهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا، وَمَا عَلِمْنَا أَنَّ الكَلاَمَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ كَانَ لَهُ وَجُوْدٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: قَدِمْتُ البَصْرَةَ، فَظَنَنْتُ أَنِّي لاَ أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَجَبتُ فِيْهِ، فَسَأَلُونِي عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي فِيْهَا جَوَابٌ، فَجَعَلتُ عَلَى نَفْسِي أَلاَّ أُفَارِقَ حَمَّاداً حَتَّى يَمُوْتَ، فَصَحِبتُه ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً.
شُعَيْبُ بنُ أَيُّوْبَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ رُؤْيَا أَفزَعَتْنِي، رَأَيْتُ كَأَنِّي أَنبُشُ قَبْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُ البَصْرَةَ، فَأَمَرتُ رَجُلاً يَسْأَلُ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ.
فَسَأَلَه، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ يَنبُشُ أَخْبَارَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
المُحَدِّثُ مَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحِمٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
لَوْلاَ أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي بِأَبِي حَنِيْفَةَ وَسُفْيَانَ، كُنْتُ كَسَائِرِ النَّاسِ.
أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ، حَدَّثَنِي حُجْرُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، قَالَ:
قِيْلَ لِلْقَاسِمِ بنِ مَعْنٍ: تَرضَى أَنْ تَكُوْنَ مِنْ غِلمَانِ أَبِي حَنِيْفَةَ؟
قَالَ: مَا جَلَسَ النَّاسُ إِلَى أَحَدٍ أَنْفَعَ مِنْ مُجَالَسَةِ أَبِي حَنِيْفَةَ.
وَقَالَ لَهُ القَاسِمُ: تَعَالَ مَعِي

(6/398)


إِلَيْهِ.
فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ، لَزِمَه، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا.
مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ الضَّرِيْسِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الصَّبَّاحِ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ قَالَ:
قِيْلَ لِمَالِكٍ: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا حَنِيْفَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ رَجُلاً لَوْ كُلَّمَكَ فِي هَذِهِ السَّارِيَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا ذَهَباً، لَقَامَ بِحُجَّتِه.
وَعَنْ أَسَدِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- صَلَّى العِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِوُضُوْءِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَرَوَى: بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ، عَنِ القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ:
بَيْنَمَا أَنَا أَمشِي مَعَ أَبِي حَنِيْفَةَ، إِذْ سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ لآخَرَ: هَذَا أَبُو حَنِيْفَةَ لاَ يَنَامُ اللَّيلَ.
فَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: وَاللهِ لاَ يُتَحَدَّثُ عَنِّي بِمَا لَمْ أَفْعَلْ، فَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلاَةً، وَتَضَرُّعاً، وَدُعَاءً.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ قَرَأَ القُرْآنَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُغِيْرَةِ: رَأَيْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ شَيْخاً يُفْتِي النَّاسَ بِمَسْجِدِ الكُوْفَةِ، عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةٌ سَوْدَاءُ طَوِيْلَةٌ.
وَعَنِ النَّضْرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ جَمِيْلَ الوَجْهِ، سَرِيَّ الثَّوْبِ، عَطِرَ الرِّيحِ، أَتَيْتُهُ فِي حَاجَةٍ، وَعَلَيَّ كِسَاءٌ قرمسِيٌّ، فَأَمَرَ بِإِسرَاجِ بَغلِه، وَقَالَ: أَعْطِنِي كِسَاءكَ، وَخُذْ كِسَائِي.
فَفَعَلتُ، فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ: يَا نَضْرُ! خَجلْتَنِي بِكِسَائِكَ، هُوَ غَلِيْظٌ.
قَالَ: وَكُنْتُ أَخَذْتُهُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيْرَ، ثُمَّ إِنِّي رَأَيْتُه وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ قَوَّمْتُهُ ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً.
وَعَنْ أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ رَبْعَةً، مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صُوْرَةً، وَأَبلَغِهِم نُطْقاً، وَأَعذَبِهِم نَغمَةً، وَأَبْيَنِهِم عَمَّا فِي نَفْسِهِ.
وَعَنْ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ:
كَانَ أَبِي جَمِيْلاً، تَعلُوْهُ سُمْرَةٌ، حَسَنَ

(6/399)


الهَيْئَةِ، كَثِيْرَ التَّعَطُّرِ، هَيُوْباً، لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ جَوَاباً، وَلاَ يَخُوضُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِيْمَا لاَ يَعْنِيْهِ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَوقَرَ فِي مَجْلِسِهِ، وَلاَ أَحْسَنَ سَمتاً وَحِلماً مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: عَنِ المُثَنَّى بنِ رَجَاءٍ، قَالَ:
جَعَلَ أَبُو حَنِيْفَةَ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ حَلَفَ بِاللهِ صَادِقاً أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِيْنَارٍ، وَكَانَ إِذَا أَنفَقَ عَلَى عِيَالِهِ نَفَقَةً، تَصَدَّقَ بِمِثْلِهَا.
وَرَوَى: جُبَارَةُ بنُ المُغَلِّسِ، عَنْ قَيْسِ بنِ الرَّبِيْعِ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ وَرِعاً، تَقِيّاً، مُفْضِلاً عَلَى إِخْوَانِه.
قَالَ الخُرَيْبِيُّ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيْفَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنِّي وَضَعتُ كِتَاباً عَلَى خَطِّكَ إِلَى فُلاَنٍ، فَوَهَبَ لِي أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: إِنْ كُنْتُم تَنْتَفِعُوْنَ بِهَذَا، فَافْعَلُوْهُ.
وَعَنْ شَرِيْكٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ طَوِيْلَ الصَّمْتِ، كَثِيْرَ العَقْلِ.
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يُسَمَّى الوَتِدَ؛ لِكَثْرَةِ صَلاَتِه.
وَرَوَى: ابْنُ إِسْحَاقَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، عَنِ القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يَخْتِمُ القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَكْعَةٍ.
يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهُ صَحِبَ أَبَا حَنِيْفَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ: فَمَا رَأَيْتُه صَلَّى الغَدَاةَ إِلاَّ بِوُضُوْءِ عِشَاءِ الآخِرَةِ، وَكَانَ يَخْتِمُ كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَ السَّحَرِ.
وَعَنْ زَيْدِ بنِ كُمَيْتٍ، سَمِعَ رَجُلاً يَقُوْلُ لأَبِي حَنِيْفَةَ: اتَّقِ اللهَ.
فَانْتَفَضَ، وَاصفَرَّ، وَأَطرَقَ، وَقَالَ: جَزَاكَ اللهَ خَيْراً، مَا أَحوَجَ النَّاسَ كُلَّ وَقْتٍ إِلَى مَنْ يَقُوْلُ لَهُم مِثْلَ هَذَا.
وَيُرْوَى: أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ خَتَمَ القُرْآنَ سَبْعَةَ آلاَفِ مَرَّةٍ.

(6/400)


قَالَ مِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ: رَأَيْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ قَرَأَ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ.
ابْنُ سَمَاعَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مَعْنٍ:
أَنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ قَامَ لَيْلَةً يُرَدِّدُ قَوْلَه تَعَالَى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القَمَرُ: 46]، وَيَبْكِي، وَيَتَضَرَّعُ إِلَى الفَجْرِ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّ الإِمَامَ أَبَا حَنِيْفَةَ ضُرِبَ غَيْرَ مَرَّةٍ عَلَى أَنْ يَلِيَ القَضَاءَ، فَلَمْ يُجِبْ.
قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ.
وَعَنِ الحَسَنِ بنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: إِذَا ارْتَشَى القَاضِي، فَهُوَ مَعْزُوْلٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ.
وَرَوَى: نُوْحٌ الجَامِعُ، عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ، أَنَّهُ قَالَ:
مَا جَاءَ عَنِ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ، وَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ، اخْتَرْنَا، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَهُم رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ.
قَالَ وَكِيْعٌ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ يَقُوْلُ: البَوْلُ فِي المَسْجِدِ أَحْسَنُ مِنْ بَعْضِ القِيَاسِ.
وَقَالَ أَبُو يُوْسُفَ: قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ:
لاَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُحَدِّثَ إِلاَّ بِمَا يَحْفَظُه مِنْ وَقْتِ مَا سَمِعَهُ.
وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، قَالَ: حُبُّ أَبِي حَنِيْفَةَ مِنَ السُّنَّةِ.
قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ بِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ، قَالَ:
طَلَبَ المَنْصُوْرُ أَبَا حَنِيْفَةَ، فَأَرَادَه عَلَى القَضَاءِ، وَحَلَفَ لَيَلِيَنَّ، فَأَبَى، وَحَلَفَ: إِنِّي لاَ أَفْعَلُ.
فَقَالَ الرَّبِيْعُ الحَاجِبُ: تَرَى أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَحلِفُ وَأَنْتَ تَحلِفُ؟
قَالَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى كَفَّارَةِ يَمِيْنِه أَقْدَرُ مِنِّي.
فَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ، فَمَاتَ فِيْهِ بِبَغْدَادَ.
وَقِيْلَ: دَفَعَهُ أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى صَاحِبِ شُرطَتِه حُمَيْدٍ الطُّوْسِيِّ، فَقَالَ: يَا شَيْخُ!

(6/401)


إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَدفَعُ إِلَيَّ الرَّجُلَ، فَيَقُوْلُ لِي: اقْتُلْه، أَوِ اقْطَعْه، أَوِ اضْرِبْه، وَلاَ أَعْلَمُ بِقِصَّتِه، فَمَاذَا أَفْعَلُ؟
فَقَالَ: هَلْ يَأمُرُكُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِأَمرٍ قَدْ وَجَبَ، أَوْ بِأَمرٍ لَمْ يَجِبْ؟
قَالَ: بَلْ بِمَا قَدْ وَجَبَ.
قَالَ: فَبَادِرْ إِلَى الوَاجِبِ.
وَعَنْ مُغِيْثِ بنِ بُدَيْلٍ، قَالَ: دَعَا المَنْصُوْرُ أَبَا حَنِيْفَةَ إِلَى القَضَاءِ، فَامْتَنَعَ، فَقَالَ: أَتَرغَبُ عَمَّا نَحْنُ فِيْهِ؟
فَقَالَ: لاَ أَصْلُحُ.
قَالَ: كَذَبتَ.
قَالَ: فَقَدْ حَكَمَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيَّ أَنِّي لاَ أَصْلُحُ، فَإِنْ كُنْتُ كَاذِباً، فَلاَ أَصلُحُ، وَإِنْ كُنْتُ صَادِقاً، فَقَدْ أَخْبَرتُكُم أَنِّي لاَ أَصلُحُ.
فَحَبَسَهُ.
وَرَوَى نَحْوَهَا: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنِ الرَّبِيْعِ الحَاجِبِ، وَفِيْهَا:
قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: وَاللهِ مَا أَنَا بِمَأْمُوْنِ الرِّضَى، فَكَيْفَ أَكُوْنُ مَأْمُوْنَ الغَضَبِ، فَلاَ أَصلُحُ لِذَلِكَ.
قَالَ المَنْصُوْرُ: كَذَبتَ، بَلْ تَصلُحُ.
فَقَالَ: كَيْفَ يَحِلُّ أَنْ تُوَلِّيَ مَنْ يَكْذِبُ؟
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا حَنِيْفَةَ وَلِيَ لَهُ، فَقَضَى قَضِيَّةً وَاحِدَةً، وَبَقِيَ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ اشْتَكَى سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَتُوُفِّيَ.
وَقَالَ الفَقِيْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّيْمَرِيُّ: لَمْ يَقْبَلِ العَهْدَ بِالقَضَاءِ، فَضُرِبَ، وَحُبِسَ، وَمَاتَ فِي السِّجْنِ.
وَرَوَى: حَيَّانُ بنُ مُوْسَى المَرْوَزِيُّ، قَالَ:
سُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَالِكٌ أَفْقَهُ، أَوْ أَبُو حَنِيْفَةَ؟
قَالَ: أَبُو حَنِيْفَةَ.
وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: مَا يَقَعُ فِي أَبِي حَنِيْفَةَ إِلاَّ حَاسِدٌ (1) ، أَوْ جَاهِلٌ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: لاَ نَكذِبُ اللهَ، مَا سَمِعنَا أَحْسَنَ مِنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَقَدْ أَخَذنَا بِأَكْثَرِ أَقْوَالِه.
__________
(1) في الأصل " حاسدا ".

(6/402)


وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ: لَوْ وُزِنَ عِلْمُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ بِعِلْمِ أَهْلِ زَمَانِهِ، لَرَجَحَ عَلَيْهِم.
وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: كَلاَمُ أَبِي حَنِيْفَةَ فِي الفِقْهِ، أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ، لاَ يَعِيبُه إِلاَّ جَاهِلٌ.
وَرُوِيَ عَنِ الأَعْمَشُ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ:
إِنَّمَا يُحسِنُ هَذَا النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتٍ الخَزَّازُ، وَأَظُنُّه بُورِكَ لَهُ فِي عِلْمِهِ.
وَقَالَ جَرِيْرٌ: قَالَ لِي مُغِيْرَةُ: جَالِسْ أَبَا حَنِيْفَةَ، تَفْقَهْ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيَّ لَوْ كَانَ حَيّاً، لَجَالَسَه.
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: أَبُو حَنِيْفَةَ أَفْقَهُ النَّاسِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّاسُ فِي الفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيْفَةَ.
قُلْتُ: الإِمَامَةُ فِي الفِقْهِ وَدَقَائِقِه مُسَلَّمَةٌ إِلَى هَذَا الإِمَامِ، وَهَذَا أَمرٌ لاَ شَكَّ فِيْهِ.
وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ ... إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيْلِ
وَسِيْرَتُه تَحْتَمِلُ أَنْ تُفرَدَ فِي مُجَلَّدَيْنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَرَحِمَهُ -.
تُوُفِّيَ: شَهِيْداً، مَسْقِيّاً، فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً، وَعَلَيْهِ قُبَّةٌ عَظِيْمَةٌ، وَمَشْهَدٌ فَاخِرٌ بِبَغْدَادَ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَابْنُهُ الفَقِيْهُ حَمَّادُ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ، كَانَ ذَا عِلْمٍ، وَدِيْنٍ، وَصَلاَحٍ، وَوَرَعٍ تَامٍّ.
لَمَّا تُوُفِّيَ وَالِدُه، كَانَ عِنْدَه وَدَائِعُ كَثِيْرَةٌ، وَأَهْلُهَا غَائِبُوْنَ، فَنَقَلَهَا حَمَّادٌ إِلَى الحَاكِمِ لِيَتَسَلَّمَهَا، فَقَالَ: بَلْ دَعْهَا عِنْدَك، فَإِنَّكَ أَهْلٌ.
فَقَالَ: زِنْهَا، وَاقْبِضْهَا حَتَّى تَبرَأَ مِنْهَا ذِمَّةُ الوَالِدِ، ثُمَّ افعَلْ مَا تَرَى.
فَفَعَلَ القَاضِي ذَلِكَ، وَبَقِيَ فِي وَزْنِهَا وَحِسَابِهَا أَيَّاماً، وَاسْتَتَرَ حَمَّادٌ، فَمَا ظَهَرَ حَتَّى أَوْدَعَهَا القَاضِي عِنْدَ أَمِيْنٍ.
تُوُفِّيَ حَمَّادٌ: سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، كَهْلاً.
لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ: أَبِيْهِ، وَغَيْرِه.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ الإِمَامُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادٍ، قَاضِي البَصْرَةِ.

(6/403)


164 - رَوْحُ بنُ القَاسِمِ أَبُو غِيَاثٍ التَّمِيْمِيُّ *(خَ، م، د، س، ق)
الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو غِيَاثٍ التَّمِيْمِيُّ، ثُمَّ العَنْبَرِيُّ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَقَتَادَةَ بنِ دِعَامَةَ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَابْنِ طَاوُوْسٍ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: تِلْمِيْذُه؛ يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ - مَعَ كَوْنِه أَكْبَرَ مِنْهُ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَوَاءٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَمَاتَ كَهْلاً.
لَهُ نَحْوٌ مِنْ مائَةٍ وَخَمْسِيْنَ حَدِيْثاً.
وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّاسُ.
مَاتَ - فِيْمَا يُخَالُ إِلَيَّ -: قَبْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، فِي خِلاَفَةِ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ، نَحْواً مِنْ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.

165 - حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحِ بنِ صَفْوَانَ التُّجِيْبِيُّ ** (ع)
الإِمَامُ، الرَّبَّانِيُّ، الفَقِيْهُ، شَيْخُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، أَبُو زُرْعَةَ التُّجِيْبِيُّ، المِصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: رَبِيْعَةَ القَصِيْرِ، وَعُقْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي يُوْنُسَ سُلَيْمِ بنِ جُبَيْرٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعِدَّةٍ.
__________
(*) تاريخ خليفة 325، تاريخ البخاري 3 / 309، الجرح والتعديل 3 / 495، مشاهير علماء الأمصار 156، تهذيب الكمال 423، تذكرة الحفاظ 1 / 188، تهذيب التهذيب 3 / 298، 299، خلاصة تذهيب الكمال: 118.
(* *) طبقات خليفة 296، تاريخ البخاري 3 / 120، التاريخ الصغير 2 / 96، الجرح والتعديل 3 / 306 - 307، مشاهير علماء الأمصار 187 - 189، الكامل في التاريخ 6 / 35، وفيات الأعيان 3 / 37، تهذيب الكمال 351، تذهيب التهذيب 1 / 183 / 1، تذكرة الحفاظ 1 / 185، تذهيب التهذيب 3 / 69 - 70، خلاصة تذهيب الكمال 96، شذرات الذهب 1 / 243.

(6/404)


حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَالمُقْرِئُ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَهَانِئُ بنُ المُتَوَكِّلِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى البُرُلُّسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشَدَّ اسْتِخفَاءً بِعَمَلِهِ مِنْ حَيْوَةَ، وَكَانَ يُعْرَفُ بِالإِجَابَةِ -يَعْنِي: فِي الدُّعَاءِ-.
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: وُصِفَ لِي حَيْوَةُ، فَكَانَتْ رُؤْيتُه أَكْثَرَ مِنْ صِفَتِه.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كَانَ حَيْوَةُ يَأْخُذُ عَطَاءهُ فِي السَّنَةِ سِتِّيْنَ دِيْنَاراً، فَلَمْ يَطْلعْ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِهَا، ثُمَّ يَجِيْءَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيَجِدَهَا تَحْتَ فِرَاشِه.
وَبَلغَ ذَلِكَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، فَأَخَذَ عَطَاءهُ، فَتَصَدَّقَ بِهِ كُلَّهِ، وَجَاءَ إِلَى تَحْتِ فِرَاشِه، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئاً.
فَشَكَا إِلَى حَيْوَةَ، فَقَالَ: أَنَا أَعْطَيْتُ رَبِّي بِيَقِيْنٍ، وَأَنْتَ أَعْطَيْتَه تَجرِبَةً.
وَكُنَّا نَجلِسُ إِلَى حَيْوَةَ فِي الفِقْهِ، فَيَقُوْلُ: أَبدَلَنِي اللهُ بِكُم عَمُوداً أَقُومُ وَرَاءهُ أُصَلِّي، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ.
أَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ الأُرْدُنِيُّ: عَنْ خَالِدٍ الفَزْرِ، قَالَ:
كَانَ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ مِنَ البَكَّائِينَ، وَكَانَ ضَيِّقَ الحَالِ جِدّاً -يَعْنِي: فَقِيْراً مِسْكِيْناً-.
فَجَلَستُ وَهُوَ مُتَخَلٍّ يَدْعُو، فَقُلْتُ: لَوْ دَعَوتَ اللهَ أَنْ يُوْسِعَ عَلَيْكَ؟!
فَالْتَفَتَ يَمِيْناً وَشِمَالاً، فَلَمْ يَرَ أَحَداً، فَأَخَذَ حَصَاةً، فَرَمَى بِهَا إِلَيَّ، فَإِذَا هِيَ تِبرَةٌ فِي كَفِّي، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهَا، وَقَالَ: مَا خَيْرٌ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ لِلآخِرَةِ.
ثُمَّ قَالَ: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا يُصلِحُ عِبَادَه.
فَقُلْتُ: مَا أَصْنَعُ بِهَذِهِ؟
قَالَ: اسْتَنْفِقْهَا.
فَهِبْتُهُ -وَاللهِ- أَنْ أَرُدَّهَا.
وَقَالَ حَيْوَةُ مَرَّةً لبَعْضِ نُوَّابِ مِصْرَ: يَا هَذَا! لاَ تُخْلِيَنَّ بِلاَدَنَا مِنَ السِّلاَحِ، فَنَحْنُ بَيْنَ قِبْطِيٍّ لاَ نَدْرِي مَتَى يَنْقَضُّ، وَبَيْنَ حَبَشِيٍّ لاَ نَدْرِي مَتَى يَغْشَانَا، وَبَيْنَ رُوْمِيٍّ لاَ نَدْرِي مَتَى يَحُلُّ بِسَاحَتِنَا، وَبَرْبَرِيٍّ لاَ نَدْرِي مَتَى يَثُوْرُ.
تُوُفِّيَ هَذَا السَّيِّدُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ.
وَسَائِرُ المِصْرِيِّينَ الصُّلَحَاءِ لَمْ يُوْرِدْهُم صَاحِبُ (الحِلْيَةِ)، وَلاَ عَرَفَهُم.

(6/405)


وَمَاتَ مَعَهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ الحِمْصِيُّ، وَأَفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُوْرُ، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ.

166 - أَبُو سِنَانٍ البُرْجُمِيُّ سَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ * (د، ت، ق)
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، المُحَدِّثُ، أَبُو سِنَانٍ سَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ البُرْجُمِيُّ، الشَّيْبَانِيُّ، شَيْخٌ كُوْفِيٌّ، سَكَنَ الرَّيَّ، وَكَانَ يَحُجُّ كُلَّ عَامٍ.
حَدَّثَ عَنْ: الضَّحَّاكِ، وَطَاوُوْسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: إِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَزَيْدُ بنُ الحُبَابِ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَبَكْرُ بنُ بَكَّارٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو حَاتِمٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، مِنْ رُفَعَاءِ النَّاسِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ عَابِداً، فَاضِلاً.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: صَالِحٌ، لَمْ يَكُنْ يُقِيْمُ الحَدِيْثَ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: لاَ يُتَابَعُ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْ حَدِيْثِهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ:
مَنْ أَبُو سِنَانٍ؟ -يَعْنِي: سَعِيْدَ بنَ سِنَانٍ- لَوْ كَانَ لِي عَلَيْهِ سُلْطَانٌ، لَحَبَستُه، وَأَدَّبْتُه.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كُوْفِيٌّ، سَكَنَ الرَّيَّ، وَكَانَ سَيِّئَ الخُلُقِ، وَكَانَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ، وَغَيْرُهُ: سَكَنَ قَزْوِيْنَ أَيْضاً.
أَمَّا سَعِيْدُ بنُ سِنَانٍ أَبُو مَهْدِيٍّ: فَحِمْصِيٌّ مَعْرُوْفٌ.
__________
(*) تاريخ البخاري 3 / 477، الجرح والتعديل 4 / 27 - 28، تهذيب الكمال 496، تذهيب التهذيب 2 / 21 / 1، ميزان الاعتدال 2 / 143، تهذيب التهذيب 4 / 45 - 46، خلاصة تهذيب الكمال 139.

(6/406)


167 - أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ بنِ عَمَّارِ بنِ العُرْيَانِ التَّمِيْمِيُّ *
ثُمَّ المَازِنِيُّ، البَصْرِيُّ، شَيْخُ القُرَّاءِ وَالعَرَبِيَّةِ.
وَأُمُّهُ: مِنْ بَنِي حَنِيْفَةَ.
اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَشهَرُهَا: زَبَّانُ.
وَقِيْلَ: العُرْيَانُ.
اسْتَوفَيْنَا مِنْ أَخْبَارِه فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ).
مَوْلِدُه: فِي نَحْوِ سَنَةِ سَبْعِيْنَ.
حَدَّثَ بِاليَسِيْرِ عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَيَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَأَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيِّ، وَنَافِعٍ العُمَرِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنِ شِهَابٍ.
وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَيَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، وَعِكْرِمَةَ، وَابْنِ كَثِيْرٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَوَردَ: أَنَّهُ تَلاَ عَلَى أَبِي العَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، وَقَدْ كَانَ مَعَهُ بِالبَصْرَةِ.
بَرَّزَ فِي الحُرُوْفِ، وَفِي النَّحوِ، وَتَصَدَّرَ لِلإِفَادَةِ مُدَّةً، وَاشتُهِرَ بِالفَصَاحَةِ، وَالصِّدْقِ، وَسَعَةِ العِلْمِ.
تَلاَ عَلَيْهِ: يَحْيَى اليَزِيْدِيُّ، وَالعَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ، وَعَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ، وَشُجَاعٌ البَلْخِيُّ، وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَيُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ النَّحْوِيُّ، وَسَهْلُ بنُ يُوْسُفَ، وَأَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ سَعِيْدُ بنُ أَوْسٍ، وَسَلاَمٌ الطَّوِيْلُ، وَعِدَّةٌ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَشَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ اللُّغَوِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَانْتَصَبَ لِلإِقْرَاءِ فِي
__________
(*) تاريخ البخاري 9 / 55، طبقات الزبيدي 28 - 126، مراتب النحويين 13، نزهة الالباء 15، وفيات الأعيان 3 / 466، تهذيب الكمال: 1629 تذهيب التهذيب 4 / 225، تاريخ الإسلام 6 / 322، عبر الذهبي 1 / 223، فوات الوفيات 1 / 231، تهذيب التهذيب 12 / 178 أخبار النحويين البصريين 22، بغية الوعاة 367. طبقات القراء لابن الجزري 1 / 288.

(6/407)


أَيَّامِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالقِرَاءاتِ، وَالعَرَبِيَّةِ، وَالشِّعرِ، وَأَيَّامِ العَرَبِ، وَكَانَتْ دَفَاتِرُه مِلْءَ بَيْتٍ إِلَى السَّقفِ، ثُمَّ تَنَسَّكَ، فَأَحرَقَهَا.
وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ، مَدَحَه الفَرَزْدَقُ وَغَيْرُه.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَبِي عَمْرٍو.
رَوَى: أَبُو العَيْنَاءِ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ:
قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: لَوْ تَهَيَّأَ أَنْ أُفْرِغَ مَا فِي صَدْرِي مِنَ العِلْمِ فِي صَدْرِكَ، لَفَعلْتُ، وَلَقَدْ حَفِظتُ فِي عِلْمِ القُرْآنِ أَشْيَاءَ، لَوْ كَتَبتُ، مَا قَدَرَ الأَعْمَشُ عَلَى حَمْلِهَا، وَلَوْلاَ أَنْ لَيْسَ لِي أَنْ أَقرَأَ إِلاَّ بِمَا قُرِئَ، لَقَرَأْتُ حَرْفَ كَذَا...، وَذَكَرَ حُرُوْفاً (1) .
قَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ:
انْظُرْ مَا يَقْرَأُ بِهِ أَبُو عَمْرٍو مِمَّا يَختَارُه، فَاكتُبْهُ، فَإِنَّهُ سَيَصِيْرُ لِلنَّاسِ أُسْتَاذاً.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَغَيْرُهُ: كَانَ أَبُو عَمْرٍو مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
قَالَ اليَزِيْدِيُّ، وَآخَرُ: تَكَلَّمَ عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ فِي الوَعِيْدِ سَنَةً، فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو:
إِنَّكَ لأَلْكَنُ الفَهمِ، إِذْ صَيَّرتَ الوَعِيْدَ الَّذِي فِي أَعْظَمِ شَيْءٍ، مِثْلَهُ فِي أَصْغَرِ
__________
(1) وهذا من الأدلة الواضحة، على أن القراءة سنة متبعة لا يسع المسلم الخروج عليها، إذا ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما يؤيد هذا الحديث الصحيح " أنزل القرآن على سبعة أحرف " أي أن القراءات المختلفة هي مما أنزل الله، وليس للبشر إلا التلقي والقراءة بها كما أنزلت.
وليكن معلوما أن القراءات السبع المشهورة، أو العشر، ليست هي المقصودة بالحديث المذكور.
" انظر الابانة عن معاني القراءات " لمكي بن أبي طالب القيسي.

(6/408)


شَيْءٍ، فَاعْلَمْ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّغَيْرِ وَالكَبِيْرِ لَيْسَا سَوَاءً، وَإِنَّمَا نَهَى اللهُ عَنْهُمَا لِتَتمَّ حُجَّتُه عَلَى خَلقِه، وَلِئَلاَّ يَعدِلَ عَنْ أَمرِه، وَوَرَاءَ وَعِيْدِه عَفْوُه وَكَرَمُه.
ثُمَّ أَنْشَدَ:
وَلاَ يَرْهَبُ ابْنُ العَمِّ - مَا عِشْتُ - صَوْلَتِي ... وَلاَ أَخْتَتِي مِنْ صَوْلَةِ المُتَهَدِّدِ
وَإِنِّي - وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ وَوَعَدْتُهُ * - ... لَمُخْلِفُ إِيْعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي (1)
فَقَالَ عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ: صَدَقتَ، إِنَّ العَرَبَ تَتَمَدَّحُ بِالوَفَاءِ بِالوَعدِ وَالوَعِيْدِ، وَقَدْ يُمتدَحُ بِهِمَا المَرْءُ، تَسَمَّعْ إِلَى قَوْلِهِم؟!
لاَ يُخْلِفُ الوَعْدَ وَالوَعِيْدَ وَلاَ ... يَبِيْتُ مِنْ ثَأْرِهِ عَلَى فَوْتِ
فَقَدْ وَافقَ هَذَا قَوْلَه تَعَالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ: أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً؟ قَالُوا: نَعَمْ}.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: قَدْ وَافَقَ الأَوَّلُ أَخْبَارَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالحَدِيْثُ يُفَسِّرُ القُرْآنَ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو:
كُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنَ الكَرِيْمِ إِذَا أَهَنْتَه، وَمِنَ اللَّئِيمِ إِذَا أَكْرَمْتَه، وَمِنَ العَاقِلِ إِذَا أَحْرَجْتَه، وَمِنَ الأَحْمَقِ إِذَا مَازَحْتَه، وَمِنَ الفَاجِرِ إِذَا عَاشَرْتَه، وَلَيْسَ مِنَ الأَدَبِ أَنْ تُجِيْبَ مَنْ لاَ يَسْأَلُكَ، أَوْ تَسْأَلَ مَنْ لاَ يُجِيْبُكَ، أَوْ تُحِدِّثَ مَنْ لاَ يُنْصِتُ لَكَ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو: مَا اسْمُكَ؟
قَالَ: زَبَّانُ.
وَرُوِيَ عَنِ: الأَصْمَعِيِّ أَيْضاً، قَالَ: لاَ اسْمَ لأَبِي عَمْرٍو.
وَأَمَّا يَحْيَى اليَزِيْدِيُّ فَعَنْهُ: أَنَّ اسْمَ أَبِي عَمْرٍو: العُرْيَانُ.
وَرِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْهُ: أَنَّ اسْمَه يَحْيَى.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُه يَقُوْلُ: كُنْتُ رَأْساً، وَالحَسَنُ حَيٌّ.
أَبُو حَاتِمٍ: عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ:
أَنَا زِدتُ هَذَا البَيْتَ فِي قَصِيدَةِ الأَعْشَى، وَأَستَغفِرُ اللهَ مِنْهُ:
__________
(1) البيتان لعامر بن الطفيل ديوانه: 58.
ولا أختتي: أي لا أستتر خوفا.

(6/409)


وَأَنْكَرَتْنِي وَمَا كَانَ الَّذِي نَكِرَتْ ... مِنَ الحَوَادِثِ إِلاَّ الشَّيْبَ وَالصَّلَعَا (1)
وَعَنِ الطَّيِّبِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ:
شَهِدْتُ ابْنَ أَبِي العَتَاهِيَةِ وَقَدْ كَتَبَ عَنِ اليَزِيْدِيِّ قَرِيْباً مِنْ أَلْفِ جِلْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ خَاصَّةً.
قَالَ: وَيَكُوْنُ ذَلِكَ عَشْرَةُ آلاَفِ وَرَقَةٍ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو بنَ العَلاَءِ يَتَكَلَّمُ، ظَنَنْتُه لاَ يَعْرِفُ شَيْئاً، كَانَ يَتَكَلَّمُ كَلاَماً سَهلاً.
قَالَ اليَزِيْدِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو يَقُوْلُ:
سَمِعَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ قِرَاءتِي، فَقَالَ: الزَمْ قِرَاءتَكَ هَذِهِ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: كَانَ لأَبِي عَمْرٍو كُلَّ يَوْمٍ يُشْتَرَى كُوزٌ وَرَيْحَانٌ بِفِلْسَيْنِ، فَإِذَا أَمْسَى، تَصَدَّقَ بِالكُوزِ، وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: جَفِّفِي الرَّيْحَانَ، وَدُقِّيْهِ فِي الأَشنَانِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ: أَنَّ أَبَا عَمْرٍو قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ.
وَزَادَ بَعْضُهُم: وَعَلَى سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ.
وَرَوَيْنَا: أَنَّ أَبَا عَمْرٍو وَأَبَاهُ هَرَبَا مِنَ الحَجَّاجِ، وَمِنْ عَسْفِهِ، وَحَدِيْثُه قَلِيْلٌ.
ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ وَفَاتَه كَانَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: عَاشَ أَبُو عَمْرٍو سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ وَحْدَهُ: مَاتَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو سُفْيَانَ ابْنَا العَلاَءِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.

168 - أَبُو شُجَاعٍ القِتْبَانِيُّ سَعِيْدُ بنُ يَزِيْدَ * (م، د، ت، س)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، بَرَكَةُ الوَقْتِ، أَبُو شُجَاعٍ سَعِيْدُ بنُ يَزِيْدَ الحِمْيَرِيُّ، الإِسْكَنْدَرِيُّ.
__________
(1) هو ثاني أبيات قصيدته التي قالها في مدح: هوذة بن علي الحنفي ومطلعها:
بانت سعاد، وأمسى حبلها انقطعا * واحتلت الغمر، فالجدين، فالفرعا
(*) تاريخ البخاري: 3 / 521، الجرح والتعديل 4 / 73، مشاهير علماء الأمصار 189، تهذيب الكمال 512، تذهيب التهذيب 2 / 31 / 1، تهذيب التهذيب 4 / 101 - 102، خلاصة تذهيب الكمال 144، حسن المحاضرة 1 / 274.

(6/410)


حَدَّثَ عَنْ: الأَعْرَجِ، وَالحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ، وَدَرَّاجٍ الوَاعِظِ، وَخَالِدِ بنِ أَبِي عِمْرَانَ، وَغَيْرِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بنُ مُطَرِّفٍ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو زُرَارَةَ لَيْثُ بنُ عَاصِمٍ القِتْبَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ المُفْتِيْنَ.
وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ لَهُ شَأْنٌ.
وَقَالَ لَيْثُ بنُ عَاصِمٍ: رَأَيْتُهُ إِذَا أَصْبَحَ، عَصَبَ سَاقَه بِمُشَاقَةٍ (1) ، وَبِزْرِ كَتَّانٍ مِنْ طُوْلِ التَّهَجُّدِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ مِنَ العُبَّادِ المُجْتَهِدِيْنَ.
تُوُفِّيَ: بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، سنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَفِيْهَا: تُوُفِّيَ أَبُو عُمَرَ بنُ العَلاَءِ، وَجَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَالحَكَمُ بنُ أَبَانٍ، وَسَعِيْدُ بنُ يَزِيْدَ القِتْبَانِيُّ.

169 - الإِفْرِيْقِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زِيَادِ بنِ أَنْعُمَ * (د، ت، ق)
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو أَيُّوْبَ الشَّعْبَانِيُّ، الإِفْرِيْقِيُّ، قَاضِي إِفْرِيْقِيَةَ، وَعَالِمُهَا، وَمُحَدِّثُهَا، عَلَى سُوءٍ فِي حِفْظِه.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَبَكْرِ بنِ سَوَادَةَ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ رَافِعٍ التَّنُوْخِيِّ صَاحِبٍ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَأَبِي عُثْمَانَ المِصْرِيِّ صَاحِبٍ لأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ، وَزِيَادِ بنِ نُعَيْمٍ، وَعِدَّةٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ.
وَعَنْهُ: ابْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَجَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
(1) المشاقة من الكتان والقطن: ما خلص منه.
(*) طبقات خليفة (296)، تاريخ البخاري 5 / 283، التاريخ الصغير 2 / 123، الجرح والتعديل 5 / 224 - 225 الكامل في التاريخ 5 / 315، تهذيب الكمال 788، تذهيب التهذيب 2 / 209 / 2، ميزان الاعتدال 2 / 151 تهذيب التهذيب 6 / 173 - 176 خلاصة تذهيب الكمال 227.

(6/411)


وَفَدَ عَلَى المَنْصُوْرِ بِالكُوْفَةِ، فَوَعَظَهُ، وَصَدَعَه بِالحَقِّ.
وَقِيْلَ: كَانَ أَوَّلَ مَوْلُوْدٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ بِإِفْرِيْقِيَةَ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: وَلِيَ السَّفَّاحُ، فَظَهرَ جَورٌ بِإِفْرِيْقِيَةَ، فَوَفَدَ ابْنُ أَنْعُمَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُشتَكِياً، ثُمَّ قَالَ:
جِئْتُ لأُعْلِمَكَ بِالجَوْرِ بِبَلَدِنَا، فَإِذَا هُوَ يَخْرُجُ مِنْ دَارِكَ!
فَغَضِبَ، وَهَمَّ بِهِ.
وَقِيْلَ: قَالَ لَهُ: كَيْفَ لِي بِأَعوَانٍ؟
قَالَ: أَفَلَيْسَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ كَانَ يَقُوْلُ: الوَالِي بِمَنْزِلَةِ السُّوْقِ، يُجلَبُ إِلَيْهِ مَا يَنْفُقُ فِيْهِ؟
فَأَطرَقَ طَوِيْلاً، فَأَومَأَ إِلَيَّ الرَّبِيْعُ الحَاجِبُ بِالخُرُوْجِ.
وَرَوَى: جَارُوْدُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الإِفْرِيْقِيُّ، قَالَ: كُنْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ مَعَ المَنْصُوْرِ.
وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: وَلِيَ قَضَاءَ إِفْرِيْقِيَةَ لِمَرْوَانَ الحِمَارِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ ضَعِيْفٌ، وَلاَ يَسْقُطُ حَدِيْثُهُ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُعَظِّمُه جِدّاً.
قِيْلَ: أَسَرَتْهُ الرُّوْمُ، فَقُدِّمَ لِيُقتَلَ بَعْدَ قَتْلِ طَائِفَةٍ.
قَالَ: فَحَرَّكْتُ شَفَتِي، وَقُلْتُ: اللهُ اللهُ رَبِّي، لاَ أُشرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَلاَ أَتَّخِذُ مِنْ دُوْنِه وَلِيّاً.
فَأَبصَرَ الطَّاغِيَةُ فِعْلِي، فَقَالَ: قَدِّمُوا شَمَّاسَ العَرَبَ، لَعَلَّكَ قُلْتَ: اللهُ اللهُ رَبِّي، لاَ أُشرِكُ بِهِ شَيْئاً؟!
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَه؟
قُلْتُ: نَبِيُّنَا أَمَرَنَا بِهِ.
فَقَالَ لِي: وَعِيْسَى أَمَرَنَا بِهِ فِي الإِنْجِيْلِ.
فَأَطلَقَنِي وَمَنْ مَعِيَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِالقَيْرَوَانِ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.

(6/412)