محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب

الباب الثامن والأربعون: ملاحظته لعماله ووصيته إياهم
...
الباب الثامن والأربعون: في ملاحظته لعماله ووصيته إياهم
في الصحيح عن زيد بن أسلم عن أبي / [72 / ب] أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعى هُنَيّاً1 على الحِمى، فقال: "يا هُنَيّ اضْمُمْ جناحك على المسلمين، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل ربَّ الصّرَيْمَة2 وربَّ الغنيمة، وإياي، ونعم ابن عوف، ونعم ابن عفان، فإنهمها إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى زرع، ونخل، وإن ربّ الصريمة، ورب الغنيمة، إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين3، أفتاركهم أنا لا أبا لك؟، فالماء، والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق، وأيم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله، ما حميت عليهم من بلادهم شبراً"4.
وفي الصحيح أيضاً عن عبد الله بن عامر5، أن عمر استعمل قدامة ابن مظعون6 على البحرين، وكان شهد بدراً، وهو خال عبد الله بن عمر وحفصة7.
__________
1 هني - بالتصغير - مولى عمر، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم واستعمله عمر على الحِمى. (الإصابة 6/303).
2 الصريمة - بالكسر -: القطعة من الإبل ما بين العشرين إلى الثلاثين. . وقيل: غير ذلك. (القاموس ص 1458).
3 قوله: "يا أمير المؤمنين"، غير مكرر في الصحيح.
4 البخاري: الصحيح، كتاب الجهاد 3/1113، رقم: 2894.
5 ابن ربيعة العنْزي.
6 الجمحي.
7 البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/1473، رقم: 2788.

(2/509)


وعن يحيى بن معين، قال: "كان شريح قاضي عمر بن الخطاب، وكان عبد الله بن مسعود على بيت المال"1.
قال نافع: "استعمل عمر زيداً على القضاء، وفرض له رزقاً"2.
ذكر ابن الجوزي عن عمرو بن ميمون، قال: "رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بالمدينة، وقف على حذيفة بن اليمان، وعثمان ابن حنيف، فقال: "كيف فعلتما أتخافان أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق؟"، قالا: "لا"، فقال عمر: "لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً". فما أتت عليه رَابِعةٌ حتى أصيب"3
وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت4 - رحمه الله -، قال: "كان عمر بن الخطاب - رحمه الله - إذا استعمل عاملاً كتب عليه كتاباً، وأشهد عليه رهطاً من الأنصار: أن لا يركب برذوناً5، ولا يأكل نقيّاً، ولا يلبس رقيقاً، ولا يغلق بابه دون حاجات6 المسلمين، ثم يقول: "اللهم اشهد".
__________
1 سبق تخريجه ص 596.
2 سبق تخريجه ص 596.
3 ابن الجوزي: مناقب ص 114، والحديث أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1353، رقم: 3497.
4 الأوسي، ثقة، توفي سنة خمس مئة. (التقريب ص 409).
5 البرذون: الدابة، والبرذون من الخيل: ما كان من غير نتاج العراب. (لسان العرب 13/51).
6 الطبري: التاريخ 4/207، ابن الجوزي: مناقب ص 114، وهو ضعيف لانقطاعه، وفي إسناد الطبري: عاصم بن بهدلة، قال الحافظ عنه: "صدوق له أوهام". (التقريب ص 285)، وعبد الرزاق: المصنف 11/324، عن عاصم بن أبي النجود.

(2/510)


وعن عمرو بن مرّة1 [قال]2: "كان عمر رضي الله عنه يكتب إلى أمراء الأمصار بأن لكم معشر الولاة حقاً على الرعية، ولهم مثل ذلك، فإنه ليس من حكم3 أحب إلى الله تعالى ولا أعم نفعاً من حكم4 إمام ورفقه، وإنه ليس جهل أبغض إلى الله ولا أعم ضراً من جهل إمام وخرقه، وإنه من يطلب العافية فيمن هو بين ظهرانيه، ينزل الله عليه العافية من فوقه"5.
وعن ابن سعد، قال: "كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل النعمان6 على ميسان7 وكان يقول الشعر، فقال:
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ... بميسان يُسقي في زجاج وحَنْتَم8
إذا شئت غنتني دهَاقين9 قريةٍ ... ورقاصة تجثوا10 على كل مَنْسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر11اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلم
__________
1 الجملي ، المرادي ، ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء ، توفي سنة ثماني عشرة ومئة ( التقريب ص 426 ) .
2 سقط من الأصل.
3 في الزهد والمناقب: (حلم).
4 في الزهد والمناقب: (حلم).
5 هناد: الزهد 2/602، ابن الجوزي: مناقب ص 114، وهو ضعيف لانقطاعه، عمرو بن مرة لم يدرك عمر، وفي إسناد هناد: واصل بن ثوبان لم أجد له ترجمة.
6 النعمان بن عدي بن نضلة العدوي. (الإصابة 6/243).
7 ميسان - بالفتح ثم السكون، وسين مهملة، وآخره نون، -: اسم كورة واسعة كثيرة القرى والنخل يبن البصرة وواسط قصبتها ميسان. (معجم البلدان 5/242).
8 الحَنْتَمُ: الجرّة الخضراء. (القاموس ص 1419).
9 الدّهقان-بالكسر والضم-: زعيم فلاحي العَجَم، ورئيس الإقليم. (القاموس ص1546).
10 في الأصل: (تحذوا).
11 في الأصل: (فالأكبر)، وهو تحريف.

(2/511)


لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا بالجوسق1 المتهدم
فلما بلغ عمر قوله، قال: "نعم إنه والله ليسوءني: من لقيه فليخبره أني قد عزلته"، فقدم عليه رجل / [73 / أ] من قومه فأخبره بعزله، فقال: "والله ما صنعت شيئاً مما قلت، ولكني كنت امرأً شاعراً، فوجدت فضلاً من قول، فقلت فيه الشعر"، فقال عمر: "والله لا تعمل لي على عمل ما بقيتُ، وقد قلتَ ما قلتَ"2.
وعن عثمان الحِزامي3 عن أبيه4 قال: "لما بلغ عمر بن الخطاب هذا الشعر، كتب إلى النعمان بن نضلة5: بسم الله الرحمن الرحيم {حم. تَنْزِيْلُ الكِتَابِ مِنَ الله العَزِيْزِ العَلِيم غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيْدِ العِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المَصِيْرُ} ، [غافر: 1-3].
أما بعد: فقد بلغني قولك:
لعل أمير المؤمنين يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم
وأيم الله إنه ليسوءني "وعزله، فلما قدم على عمر بكَّته6 بهذا الشعر، فقال: "يا أمير المؤمنين، ما شربتها قط، وما ذاك الشعر إلا شيء فطح على اللسان"، فقال عمر: "أظن ذلك، ولكن لا تعمل
__________
1 الجوسق: القصر. (القاموس ص 1125).
2 ابن سعد: الطبقات 4/140، وفيه الواقدي، وابن الجوزي: مناقب ص 115، وابن حجر: الإصابة 6/243.
3 عثمان بن الضحاك المدني، يقال هو: الحزامي، ضعيف، من السابعة. (التقريب ص384).
4 الضحاك بن عثمان الحزامي، المدني، صدوق يهم من السابعة. (التقريب ص 79).
5 النعمان بن عدي بن نضلة العدوي. (الإصابة 6/243).
6 التبكيت: التقريع والتوبيخ. (لسان العرب 2/11).

(2/512)


لي عملاً أبداً"1.
قال ابن الجوزي: "جاء في الشعر: تجثو2، وتجذو، والصحيح: [تجذو]3 ومعناه: ينتصب4. والمَنْسِم: استعارة، وهو من البعير بمنزلة الظفر من الإنسان5. والجوسق: فارسي معرب، وهو تصغير قصر كوشك، أي: صغير67.
وعن محمّد بن عبد الغفار8 قال: "استعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً من قريش فبلغه أنه قال:
اسقني شربة ألذ عليها
واسق بالله مثلها ابن هشام
فأشخص9 إليه وذُكِرَ إنما أشخص10 إليه من أجل البيت، فضم إليه آخر، فلما قدم عليه، قال: "ألست القائل:
اسقني شربة ألذ عليها ... واسق بالله مثلها ابن هشام
__________
1 ابن الجوزي: مناقب ص 116، وهو ضعيف لانقطاعه، وفيه عثمان بن الضحاك الحزامي، قال الحافظ: "ضعيف". (التقريب ص 384)، وأورده بنحوه ابن عبد البر: الاستيعاب 4/1502).
2 في الأصل: (تجدوا)، وهو تحريف.
3 سقط من الأصل.
4 في لسان العرب 14/136، 137: "جذا الشيء يجذو جذواً وجُذوّاً وأجذى لغتان كلاهما: ثبت قائماً، وقيل: الجاذي كالجاثي، قال أبو عمرو: "جذا وجثا لغتان، وأجذى وجذا بمعنى إذا ثبت قائماً".
5 انظر: ابن منظور: لسان العرب 12/574.
6 انظر: ابن منظور: لسان العرب 12/35.
7 ابن الجوزي: مناقب ص 116.
8 لم أعثر له على ترجمة في المصادر الأخرى.
9 في مناقب عمر: (فأشخصه).
10 في مناقب عمر: (فأشخصه).

(2/513)


قال:
عسلاً بارداً بماء سحاب ... إنني لا أحب شرب المدام
فقال: الله، الله، قال: ارجع إلى عملك"1.
وعن ابن المسيب2، عن عمر رضي الله عنه قال: "أيما عاملٍ لي ظلم أحداً، وبلغتني فلم أغيرها فأنا ظلمته"3.
وعن عياض الأشعري4، قال: "قدم على عمر فتح من الشام، فقال لأبي موسى: "ادع كاتبك يقرأه على الناس في المسجد"، قال أبو موسى: "إنه نصراني لا يدخل المسجد"، قال عمر: "ولِمَ استكتبت نصرانياً؟"5.
وعن أُسِّقَ6، قال: "كنت عبداً نصرانياً لعمر، فقال: "أسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين، لأنه لا ينبغي لنا أن نستعين علىأمورهم بمن ليس منهم"، فأعتقني، وقال: "اذهب حيث شئت"7.
__________
1 ابن الجوزي: مناقب ص 116.
2 سعيد بن المسيب.
3 ابن سعد: الطبقات 3/305، وفيه الواقدي، وابن الجوزي: مناقب ص 116، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/659، ونسبه لابن سعد.
4 عياض بن عمرو الأشعري، صحابي له حديث، وجزم أبو حاتم بأن حديثه مرسل، وأنه رأى أبا عبيدة بن الجراح، فيكون مخضرماً. (التقريب ص 4379).
5 ابن الجوزي: مناقب ص116، وبنحوه ابن قتيبة: عيون الأخبار1/43، وإسناده حسن.
6 ذكره ابن حجر: الإصابة 1/107 باسم أسبق، ووضعه في القسم الثالث من كتابه، أي: أنه أدرك الجاهلية ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم فهو مخضرم".
7 ابن سعد: الطبقات 6/158، أبو عبيد: الأموال ص: 39، ابن زنجويه: الأموال: 1/145، وأشار إليه البخاري: التاريخ 8/268، وأورده ابن كثير: التفسير 1/459، ونسه لابن أبي حاتم، والسيوطي: الدر المنثور 1/330، ونسبه لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، ومدار الحديث على شريك بن عبد الله النخعي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً. (التقريب ص 266).

(2/514)


وعن الأحنف بن قيس، قال: "قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاحتبسني عنده حولاً، فقال: "يا أحنف قد بلوتك وخبرتك، فرأيت أن علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك على مثل علانيتك، وإن كنا لنُحَدّث بما يُهلك هذه الأمة كل منافق عليم"1.
وعن الأحنف بن قيس: أنّه قدم على عمر رضي الله عنه فاحتبسه حولاً / [73 / ب] ثم قال: "أتدري لِمَ احتبستك؟"، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفنا من كلّ منافق عليم اللسان، ولست منهم"2.
وعن عبد الرحمن بن أبي عطية3، قال: "كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن مَترَس بالفارسية، هو الأمان، فمن قلتم له ذلك ممن لا يفقهلسانكم فقد أمنتموه"4.
وعن عبد الرحمن بن سابط5، قال: "بلغ عمر رضي الله عنه أن عمالاً من عماله اشتكوا، فأمرهم أن يوافوه فلما أتوه، قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيتها الرعية، إن لنا عليكم حقّاً، النصيحة بالغيب، والمعاونة على
__________
1 الذهبي: سير أعلام النبلاء (4/88، وإسناده ضعيف، فيه علي بن زيد بن جدعان، قال الحافظ: "ضعيف". (التقريب ص 400).
2 الذهبي: سير أعلام النبلاء (4/88، وأخرج أحمد نحوه عن أبي عثمان النهدي: المسند 1/217، وصحّحه أحمد شاكر في تعليقه على أحاديث المسند رقم: 143، وقال: "إسناده ضعيف".
3 في سنن سعيد، ومصنف ابن أبي شيبة: (عن أبي عطية)، وهو أبو عطية الهمداني اسمه: مالك بن عامر، وقيل: غير ذلك، توفي في حدود السبعين. (التقريب ص 658).
4 ابن أبي شيبة: المصنف 12/455، وفي سنده انقطاع، وسعيد: السنن 2/233، وإسناده صحيح، وابن الجوزي: مناقب ص 117.
5 عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، الجمحي، ثقة كثير الإرسال، توفي سنة ثماني عشرة ومئة. (التقريب ص 340).

(2/515)


الخير، أيتها الرعاة إن للرعية عليكم حقّاً، اعلموا أنه لا حلم إلى الله، أحب، ولا أعم نفعاً من حلم إمام ورفقه1، وأنه ليس جهل أبغض إلى الله، ولا أعم من جهل إمام وخرقه، اعلموا أنه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهرانيه، يرزق العافية فيمن هو دونه"2.
وعن قيس3 قال: "بعث عمر جريراً4 على الجيش، فسقطت رِجلُ رَجلٍ من المسلمين من البرد، فبلغ ذلك عمر، فأرسل جريراً مسمعاً، إنه من يُسمع، يُسمَعِ الله به يعني إنك خرجت في البرد لكي يقال: قد غزا في البرد"5.
وعن مُحارب بن دثار6، عن عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل قاضي: "من أنت؟"، قال: "قاضي دمشق". قال: "كيف تقضي؟"، قال: "أقضي بكتاب الله"، قال: "فإذا جاءك ما ليس [في كتاب الله؟"، قال: "أقضي بسنة رسول الله"، قال: "فإذا جاءك ما ليس في]7 سنة رسول الله؟"، قال: "أجتهد رأيي وأوامر جلسائي"، قال: "أحسنت". قال: وإذا جلست فقل: إني أسألك أن أفتي بعلم، وأن أقضي بحلم، وأسألك العدل في الغضب والرضى". قال: فسار الرجل ما شاء أن يسير، ثم رجع إلى عمر، فقال: "ما أرجعك؟"، قال: "رأيت الشمس والقمر يقتتلان، مع كل واحد
__________
1 في الأصل: (وفقه)، وهو تحريف.
2 ابن شبه: تاريخ المدينة2/774، وهو ضعيف، لانقطاعه، وقد سبق عن عمرو بن مرة، ص 480.
3 ابن أبي حازم.
4 جرير بن عبد الله البجلي.
5 وكيع: الزهد 2/585، وإسناده صحيح، أحمد: الزهد ص 44، هناد: 2/441، وابن الجوزي: مناقب ص 117.
6 السدوسي، الكوفي، ثقة إمام زاهد، توفي سنة ست عشرة ومئة. (التقريب ص 521).
7 سقط من الأصل.

(2/516)


منهما جنود من الكواكب"، فقال: "مع أيهما كنت؟"، قال: "مع القمر"، قال: "يقول الله عزوجل: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12]، لاتل [لي]1 عملاً"2.
وعن الحسن3، قال: "قال عمر: "أعياني أهل الكوفة، إن استعملت وجدت رجلاً قوياً، أميناً مسلماً، أستعمله عليهم"، فقال رجل: "يا أمير المؤمنين، أنا والله أدلك على الرجل القوي الأمين المسلم"، فأثنى عليه عمر، وقال: "من هو؟"، قال: "عبد الله بن عمر"، قال عمر: "قاتلك الله، والله ما أردت4 الله بها"5.
وعن الحسن6، قال: "قال عمر رضي الله عنه: "هانَ شيء أُصْلِح به قوماً، أُبدّلهم أميراً مكان أمير"7.
وعن عبد الملك8، : "أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
__________
1 سقط من الأصل.
2 ابن الجوزي: مناقب ص 117، 118، وهو ضعيف لانقطاعه، محارب بن دثار لم يدرك عمر، والمتقي الهندي: كنْز العمال 5/809، ونسبه لابن أبي الدنيا وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة: المصنف 11/74، عن عطاء بن السائب وهو منقطع أيضاً، وابن عبد البر: الاستيعاب 1/279، ابن حجر: الإصابة 1/285، قال: "ونقل بعض أهل العلم بالأخبار..".
3 البصري.
4 في الأصل: (ماردت)، وهو تحريف.
5 ابن الجوزي: مناقب ص 118، وهو ضعيف لانقطاعه.
6 البصري.
7 ابن سعد: الطبقات 3/284، ابن شبه: تاريخ المدينة 3/805، ابن الجوزي: مناقب ص 118، وهو ضعيف لانقطاعه.
8 عبد الملك بن عمير اللخمي.

(2/517)


أن شاور طليحة الأسدي، وعمرو بن معدي كرب، في أمر حربك، ولا تولهما من الأمر شيئاً، فإن كل صانع هو أعلم بصنعته"1.
وعن عاصم بن بَهْدَلة2، قال: "كان عمر رضي الله عنه جالساً مع أصحابه، فمرّ به رجل فقال له: "ويل لك، يا عمر من النار"، فقال رجل: "يا أمير المؤمنين، ألا ضربته؟"، فقال رجل أظنه عليّاً: "ألا سألته؟"، فقال عمر: "عليّ بالرجل عليه3 فقال له: "لِمَ؟"، قال: "تستعمل"، العامل وتشترط عليه شروطاً ولا تنظر في / [74 / أ] شروطه".
قال: "وما ذاك؟"، قال: "عاملك على مصر اشترطت عليه شروطاً فترك ما أمرته به وانتهك ما نهيته عنه"، وكان عمر رضي الله عنه إذا استعمل عاملاً شرط عليه أن لا يركب دابة، ولا يلبس رقيقاً، ولا يأكل نقيّاً، ولا يغلق بابه دون الناس وحوائجهم، وما يصلحهم، قال: فأرسل إليه رجلين، فقال: "سلا عنه، فإن كان كذب عليه فأعلماني، وإن كان صدق فلا تملكاه من أمره شيئاً حتى تأتياني به".
فسألا عنه فوجداه قد صدق عليه، فاستأذنا ببابه، فقال: "إنه ليس عليه آذن"، فقالا: "ليخرجن إلينا أو لنحرقن بابه"، وجاء أحدهما بشعلة من نار، فلما رأى ذلك آذنه أخبره، فخرج إليهما، فقالا: "إنا رسولا عمر، لتأتينه"، قال: "إن لي حاجة تزود"، قالا: "ما أنت4 بالذي5 تأتي أهلك"، فاحتملاه فأتيا به عمر رضي الله عنه
__________
1 ابن أبي شيبة: المصنف 13/15، وهو ضعيف لانقطاعه، ابن عبد البر: الاستيعاب 3/1205، ابن الجوزي: مناقب ص 118.
2 ابن أبي النجود الأسدي.
3 في الأصل: (الرجل).
4 مطموس في الأصل، سوى: (أنت).
5 مطموس في الأصل، سوى: (الذي).

(2/518)


فقال: "من أنت ويلك؟"، قال: "عاملك على مصر"، وكان رجلاً بدوياً، فلما أصاب من ريف مصر ابيضّ وسمن، فقال: "استعملتك وشرطت عليك شروطاً، فتركت ما أمرتك به، وانتهكت ما نهيتك عنه، أما والله لأعاقبنك عقوبة أبلغ إليك فيها، إيتوا بدرّاعة1 من كساء، وعصا وثلاث مئة شاة من شياه الصدقة، فقال: "ألبس هذه الدّارعة، فقد رأيت أباك وهذه خير من دُرّاعته، وهذه خير من عصاه، اذهب بهذه الشاء فارعها2 في مكان كذا وكذا - وذلك في يوم صائف - فلا تمنع السائل من ألبانها شيئاً وأعلم أنا آل عمر لم نصب من شاء الصدقة، ومن ألبانها ولحومها شيئاً، فلما أمعن رده، فقال: "أفهمت ما قلت لك؟"، ورد عليه الكلام ثلاثاً فلما كان في الثالثة ضرب بنفسه الأرض بين يديه، وقال: "ما أستطيع ذلك، فإن شئت فاضرب عنقي"، قال: "فإن رددتك فأي رجل تكون؟"، قال: "لا ترى إلا ما تحب فرده فكان خير عامل"3.
وعن المنصفق4: أن عمر رضي الله عنه كتب لرجل عهداً، وجاء بعض ولده فأقعده في حجره، فقال الرجل: "ما أخذت ولداً لي قط"، قال: "فما ذنبي إن كان الله عزوجل نزع الرحمة من قلبك؟، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء". ثم انتزع العهد من يده"5.
__________
1 الدراعة: ثوب من صوف. (القاموس ص 923).
2 في الأصل: (فارعاها).
3 ابن الجوزي: مناقب ص 119، 120، والطبري: التاريخ 4/207، مختصراً، وهو ضعيف لانقطاعه، وفيه عاصم وهو صدوق له أوهام. .
4 في مناقب عمر: (المصفق)، ولم أجد له ترجمة.
5 ابن الجوزي: مناقب ص 120، وأخرجه بنحوه أحمد بن مروان: الجزء الثاني من التاسع عشر من المجالسة ق 125 / ب عن محمّد بن سليم مرسلاً، وكيع: الزهد 2/814، عن إبراهيم النخعي مرسلاً.

(2/519)


وعن أبي عثمان1 قال: "استعمل عمر رضي الله عنه رجلاً من بني أسد على عمل فدخل ليسلم عليه، فأتى عمر بعض ولده فقبله، فقال الأسدي: "أتقبل هذا يا أمير المؤمنين؟، والله ما قبلت ولداً قط"، فقال عمر: "فأنت والله بالناس أقل رحمة لا تعمل لي عملاً أبداً، فرد عهده"2.
وعن الشعبي، قال: "قال عمر: "لا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته أربعين"3.
قال: "وكان عمر إذا بعث عاملاً كتب ماله"4.
وعن ابن سيرين5، قال: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله لأنزعن [عن]6 القضاء فلاناً، ولأستعملن على القضاء رجلاً / [74 / ب] إذا رأه الفاجر فرقه"7.
__________
1 النهدي.
2 ابن الجوزي: مناقب ص 120، البخاري بنحوه: الأدب المفرد ص 48، قال الألباني: "حسن الإسناد". (صحيح الأدب المفرد ص 64).
3 ابن الجوزي: مناقب ص 120، وهو ضعيف لانقطاعه، الشعبي لم يدرك عمر، وأخرجه بنحوه أحمد: فضائل الصحابة 1/200، وأروده ابن تيمية في الصارم المسلول ص 585، ونسبه لأحمد وصحح إسناده.
4 ابن سعد: الطبقات 3/307، وفيه الواقدي، وابن الجوزي: مناقب ص 120، والسيوطي: تاريخ الخلفاء ص 141.
5 محمّد بن سيرين الأنصاري.
6 سقط من الأصل.
7 ابن الجوزي: مناقب ص 120، وهو ضعيف، لانقطاعه، وكيع: أخبار القضاة 1/274 عن أنس بن الحسن.

(2/520)


وعن زيد بن وهب1، قال: "خرج جيش في زمن عمر رضي الله عنه نحو الجبل، فانتهوا إلى نهر ليس عليه جسر، فقال أمير ذلك [الجيش]2 لرجل من أصحابه: "انزل وانظر في مخاضة نجوز فيها"، في يوم شديد البرد، فقال ذلك الرجل: إني أخاف إن دخلت الماء أن أموت"، فأكرهه فدخل فقال: "يا عمراه يا عمراه"، ثم لم يلبث أن هلك، فبلغ ذلك عمر وهو في سوق المدينة، فقال: "يا لبيكاه"، وبعث إلى أمير ذلك الجيش فنزعه، وقال: "لولا أن يكون سنة بعدي لأقدت منك، لا تعمل لي عملاً أبداً"3.
وعن الحسن4، قال: "قال عمر رضي الله عنه: "لئن عشت إن شاء الله تعالى لأسيرن في الرعية حولاً، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع عني، أما هم فلا يصلون إليّ، وأما عمّالهم فلا يرفعونها إليّ، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين"5.
وروى ابن شبه: أن عمر رضي الله عنه عتب على بعض عماله، فكلم
__________
1 الجهني.
2 سقط من الأصل.
3 ابن شبه: تاريخ المدينة 3/812، البيهقي: السنن: 8/323، ومداره على الأعمش، وهو مدلس وقد عنعن، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 120، والمتقي الهندي: كنْز العمال 15/81، ونسبه للبيهقي، والأعمش من المرتبة الثانية التي تحمل الأئمة تدليسهم.
4 البصري.
5 ابن شبه: تاريخ المدينة 3/821، الطبري: التاريخ 4/201، 202، ابن الجوزي: مناقب ص 121، وهو مرسل من مراسيل الحسن ضعيفة.

(2/521)


امرأة عمر، فقالت له: "يا أمير المؤمنين فيم وجدت عليه؟"، فقال: "يا عدوة الله، وفيم أنت وهذا؟"، إنما أنت لعبة يلعب بك ثم تتركين"1.
وكان عمر يقول: "أشكوا إلى الله جلد الخائن وعجز الثقة"2.
وروى أبو القاسم الأصفهاني بسنده إلى عمير بن سلمة الديلي3، أنه خرج مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو أخبره من كان مع عمر، قال: "أتينا عمر نصف النهار، وهو قائل في ظل شجرة، إذ جاءت أعرابية فتوسمت الناس فجاءته، فقالت: "إني امرأة مسكينة ولي بنون، وإن أمير المؤمنين كان بعث محمّد بن مسلمة ساعياً فلم يعطنا4، فلعلك - يرحمك الله - أن تشفع لنا إليه، قال: فصاح يا يرفأ ادع لي محمّد بن مسلمة، فقالت: "إنّه أنجح لحاجتي أن تقوم معي إليه، قال: "إنه سيفعل إن شاء الله"، فجاءه يرفأ فقال: "أجب"، فجاء فقال: "السلام عليك يا أمير المؤمنين"، فاستحيت المرأة، فقال عمر رضي الله عنه: "والله ما آلو أن أختار5 خياركم، فكيف أنت قائل إذا سألك الله عن هذه؟"، فدمعت عينا محمّد / [75/أ] ثم قال عمر: "إن الله بعث إلينا نبيه محمّداً صلى الله عليه وسلم فصدقناه، واتبعناه، فعمل بما أمره الله، فجعل الصدقة لأهلها من المساكين حتى قبضه الله على ذلك، ثم
__________
1 ابن شبه: تاريخ المدينة 3/818، بأطول و إسناده منقطع، ثابت البناني لم يدرك هلال بن أمية، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 121.
2 ابن الجوزي: مناقب ص 121.
3 عمير بن سلمة البكري، روى عن عمر بن الخطاب، وروى عنه أبو الأسود يتيم عروة. (الجرح والتعديل 6/376).
4 في الأصل: (يعطينا)، وهو تحريف.
5 في الأصل: (أختاركم)، وهو تحريف.

(2/522)


استخلف الله أبا بكر، فعمل بسنته حتى قبضه الله، ثم استخلفني فلم آل أن أختار خياركم، فأدّ إليها صدقة العام، وعام الأوّل، وما أدري لعلي لا أبعثك"، ثم دعا لها بجمل وأعطاها دقيقاً، وزيتاً، وقال: خذي هذا حتى تلحقينا بخيبر، فإنا نريدها". فأتت بخيبر فدعا بجملين آخرين، فقال: "خذي هذا فإن فيه بلاغاً حتى يأتيكم محمّد، فقد أمرته أن يعطيك حقك للعام، وعام أوّل"1.
وفي الصحيح عن جابر بن سمرة2، قال: "شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر فعزله، واستعمل عليهم عماراً فشكوا حتى ذكروا أنه لا تحسن تصلي"، فأرسل إليه فقال: "يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي"، فقال: "أما أنا - والله - فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أَخْرم عنها، أصلي صلاة العشاء، فأركد3 في الأوّليين وأحذف4 - أو قال: - وأخفّ في الأخريين". قال: "ذاك ظني بك5 يا أبا إسحاق أو ذلك الظن بك يا أبا إسحاق"، فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة، يسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه، ويثنون معروفاً، حتى دخل مسجداً لبني عبس6 فقام
__________
1 أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص180، 181، أبو عبيد: الأموال ص 591، وإسنادهما ضعيف فيه ابن لهيعة، صدوق خلط بعد احتراق كتبه. (التقريب ص319).
2 جابر بن سمرة السوائي، صحابي ابن صحابي، نزل الكوفة ومات بها بعد سنة سبعين. (التقريب ص 136).
3 أركد: أي: أسكن وأطيل القيام في الركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية. (لسان العرب 3/184).
4 مسلم: الصّحيح، كتاب الصلاة 1/334، رقم: 453.
5 مسلم: الصّحيح، كتاب الصلاة 1/335، رقم: 453.
6 عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر، وهي القبيلة المشهورة، التي ينسب إليها العبسيون بالكوفة، ولهم بها مسجد وفيهم كثرة. (الأنساب للسمعاني 4/1309).

(2/523)


رجل منهم يقال له: أسامة ابن قتادة1، يُكنى أبا سعدة، قال: "أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية"، فقال سعد: "أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً، قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن"، وكان بعدُ إذا سئل يقول: "شيخ كبير مفتون، أصابتني، أو قال: أصابته دعوة سعد"، قال عبد الملك2: "فأنا رأيته بعدُ، قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزهن3، 4.
ورواه الإمام أحمد عن جابر بن سمرة، قال: "شكا أهل الكوفة سعداً، إلى عمر، فقالوا: "لا يحسن يصلي"، فذكر عمر له فقال: أما صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كنت أصلي بهم، أركد في الأوليين، وأحذف في الأخريين"، قال: "ذاك الظن بك يا أبا إسحاق"5.
وفيه عن عَباية بن رفاعة6، قال: "بلغ عمر أن سعداً لما بنى القصر قال: "انقطع الصُوَيت"، فبعث إليه محمّد بن مسلمة، فلما قدم أخرج زَنْده، وأورى7 ناره،
__________
1 أسامة بن قتادة العبسي، ذكره ابن حجر في القسم الثال: وهم الذين أدركوا الجاهلية ولم يثبت أنّهم لقوا النبي صلى الله عليه وسلم. (الإصابة 1/106).
2 عبد الملك بن عمير اللخمي.
3 غمزه بيده يغمزه: شبه نخسه، وبالعين والجفن والحاجب: أشار. (القاموس ص 668).
4 البخاري: الصحيح، كتاب صفة الصلاة 1/262، رقم: 722، مسلم: الصّحيح، كتاب الصلاة 1/334، رقم: 453.
5 أحمد: المسند3/79، قال أحمد شاكر في تعليقه على أحاديث المسند رقم: 1557: "إسناده صحيح".
6 ابن رافع بن خَديج الأنصاري الزرقي، ثقة من الثالثة. (التقريب ص 294).
7 ورى الزند: خرجت ناره. (لسان العرب 15/388).

(2/524)


وابتاع حطباً بدرهم، وقيل لسعد: "إن رجلاً فعل كذا وكذا"، فقال: "ذاك محمّد بن مسلمة"، فخرج إليه، فحلف بالله ما قاله، فقال: "نؤدّي عنك الذي تقول، ونفعل لما أمرنا به"، فأحرق الباب، ثم أقبل يعرض عليه / [75 / ب] أن يزوّده، فأبى، فخرج فقدم على عمر فهَجَّر1 إليه فسار ذهابه ورجوعه تسع عشرة فقال: "لولا حسن الظن بك لرأينا أنك لم تؤد عنا"، قال: "بلى، وأرسل يقرأ السلام ويعتذر، ويحلف بالله ما قاله"، قال: "فهل زوّدك شيئا؟"، قال: "لا"، قال: "فما منعك أن تزودني أنت؟"، قال: "إني كرهت أن أمر لك فيكون لك البارد، ولي الحار، وحولي أهل المدينة قد قتلهم الجوع، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يشبع الرجل دون جاره" 2.
وفيه عن ابن الساعدي3، أنه قال: "استعملني عمر بن الخطاب على الصدقة فلما فرغت منها، وأديتها إليه أمر لي بعمالة، فقلت له: إني عملت لله عزوجل وأجري على الله، فقال: "خذ ما أعطيت، فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعَمِّلني4، فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأل فكل وتصدق" 5.
__________
1 التهجير: التبكير في كل شيء والمبادرة إليه. (لسان العرب 5/255).
2 أحمد: المسند 1/321، وضعّفه أحمد شاكر في تعليقه على أحاديث المسند رقم: 390، وقال: "إسناده ضعيف لانقطاعه".
3 ابن الساعدي، هو: عبد الله بن السعدي القرشي العامري، واسم أبيه: وقدان، وقيل: غير ذلك، صحابي، يقال: توفي في خلافة عمر، وقيل: عاش إلى خلافة معاوية. (تهذيب التهذيب 5/207، التقريب ص 305).
4 فعمِّلني: أي: أعطاني عُمالتي وأجرة عملي. (لسان العرب 11/476).
5 أحمد: المسند 1/313، وصحّحه أحمد شاكر في تعليقه على أحاديث المسند رقم: 371، وقال: "إسناده صحيح". والحديث أخرجه مسلم: الصّحيح، كتاب الزكاة 2/723، رقم: 1045.

(2/525)


وعن هشام بن عروة1 عن أبيه: أن هشام بن حكيم بن حزام2 أتى على عامل لعمر بن الخطاب بالشام، وقد أمر برجال فحبسوا في الشمس من أجل الجزية، فدخل عليه فقال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عزوجل يعذب يوم القيامة من يعذب الناس في الدنيا، فأرسلهم "3.
قال: فكان عمر إذا رفع إليه الأمر يكرهه، قال: أما ما كنت أنا وهشام على وجه الأرض، فإن هذا شيء لا يكون4. قال: وكان إذا رأى شيئاً يكرهه لم يقره، فمات هشام، قال: وولدت أنا فسماني أبي باسمه".
__________
1 ابن الزبير.
2 الأسدي القرشي، صحابي ابن صحابي، توفي قبل أبيه، ووهم من زعم أنه استشهد بأجنادين. (التقريب ص 572).
3 أخرجه بنحوه أحمد: المسند 3/404، مسلم: الصّحيح، كتاب البر والصلة والآداب 4/2017، رقم: 2613.
4 ابن عبد البر: الاستيعاب 4/1538، عن مالك مرسلاً، والذهبي: سير أعلام النبلاء 3/52، عن الزهري مرسلاً.

(2/526)


الباب التاسع والأربعون: حذره من الإبتداع وتحذيره منه
...
الباب التاسع والأربعون: في حذره من الابتداع وتحذيره منه
في الصحيح عن المسور بن مخرمة1، وعبد الرحمن بن عبدٍ القاري أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: "سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره2 في الصلاة، فانتظرته حتى سلم، فلببته3، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟"، قال: "أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقلت له: "كذبت، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك"، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده، فقلت: "يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وإنك أقرأتني سورة الفرقان"، قال: "يا هشام اقرأها" ، فقرأها القراءة التي سمعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت" ، ثم قال: "اقرأ يا عمر" ، فقرأت القراءة التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت" ، ثم قال رسول الله: "إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه" 4
وذكره ابن الجوزي من طريق المسور أن عمر رضي الله عنه / [76 / أ] قال:
__________
1 الزهري له ولأبيه صحبة، توفي سنة أربع وستين. (التقريب ص 532).
2 ساوره مساورة وسواراً: واثبه. (لسان العرب 4385).
3 لبّبه تليبباً: جمع ثيابه عند نحره في الخصومة، ثم جره. (القاموس ص 171).
4 البخاري: الصحيح، كتاب فضائل القرآن 4/1923، رقم: 4754، مسلم: الصّحيح، كتاب صلاة المسافرين وقصرها 1/560، رقم: 818.

(2/527)


"سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان، فقرأ فيها حروفاً لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فأردت أن أساوره وأنا في الصلاة، فلما فرغت قلت: من أقرأك هذه القراءة؟، فقال: "رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقلت: كذبت، والله ما أقرأك هكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده أقوده، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنك أقرأتني سورة الفرقان، إني سمعت هذا يقرأ فيها حروفاً لم تكن أقرأتنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ يا هشام" ، فقرأ كما كان قرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت" ، ثم قال: "اقرأ يا عمر" ، فقرأت، فقال: "هكذا أنزلت" ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن القرآن أنزل على سبعة أحرف" 1.
وعن عابس بن ربيعة2، قال: "رأيت عمر نظر إلى الحجر، وقال: "أما والله لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبّلتك، ثم قبّله"3.
وعن عبد الله بن سَرْجس4، قال: "كان الأصلع - يعني عمر - إذا استلم الحجر قال: "إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك"5.
__________
1 ابن الجوزي: مناقب ص 121، والحديث أخرجه أحمد: المسند 1/224، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على أحاديث المسند رقم: 158، وقال: "إسناده صحيح".
2 النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من الثانية. (التقريب ص 285).
3 أخرجه بنحوه البخاري: الصحيح، كتاب الحج 2/579 رقم: 1520، ومسلم: الصّحيح، كتاب الحج 2/925، رقم: 1270.
4 عبد الله بن سرجس المزني حليف بني مخزوم، صحابي سكن البصرة. (التقريب ص305).
5 مسلم: الصّحيح، كتاب الحج 2/925، رقم: 1270.

(2/528)


وعن أبي سعيد الخدري، قال: "حججنا مع عمر رضي الله عنه أوّل حجة حجها من إمارته، فلما دخل المسجد الحرام، دنا من الحجر الأسود فقبّله، واستلمه، وقال: "أعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبّلك واستلمك، ما قبّلتك ولا استلمتك"، فقال له عليّ رضي الله عنه بلى يا أمير المؤمنين، إنه ليضر وينفع، ولو علمت تأويل ذلك من كتاب الله، لعلمت أن الذي أقول لك، [كما]1 أقول، قال الله عزوجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]، فلما أقروا أنه الربّ عزوجل وأنهم العبيد، كتب ميثاقهم في رقّ ثم ألقمه الحجر، وله عينان، ولسان، وشفتان، يشهد [لمن]2 وافاه بالموافاة، فهو أمين الله في هذا المكان". فقال عمر رضي الله عنه: "لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن"3.
قال أسامة بن مرشد: "إنما قال عمر رضي الله عنه في الحجر ما قال، لأنهم كانوا قد أنسوا بلمس الحجارة في الجاهلية، وعبادتها، فأخبر عمر أنه إنما يمس هذا الحجر ويقبّله؛ لأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسه، ويقبّله، ولولا ذلك لم يفعل ذلك"4.
وقال نافع5: "كان الناس يأتون الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
1 مطموس في الأصل.
2 سقط من الأصل.
3 الحاكم: المستدرك 1/457، وفي إسناده أبو هارون العبدي، قال الحافظ: "متروك ومتهم من كذبه شيعي". (التقريب ص 408)، وابن الجوزي: مناقب ص 122، وابن حجر: الإصابة3/262وقال: "وفي إسناده أبو هارون العبدي وهوضعيف جداً".
4 أسامة بن مرشد: مختصر مناقب عمر ص 122.
5 مولى ابن عمر.

(2/529)


تحتها بيعة الرضوان، فيصلون عندها، فبلغ ذلك عمر فأوعدهم فيها، وأمر بها فقطعت"1.
وعن [سعيد بن]2 المسيب - رحمه الله - قال: "قضى عمر رضي الله عنه بقضاء في الأصابع ثم أخبر بكتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لابن حزم3، فأخذ به، وترك أمره الأول"4.
وعن المعرور بن سويد5، قال خرجنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها، قال: فقرأ بنا في الفجر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بأَصْحَابِ الفِيْلِ}، [الفيل: 1]، / [76 / ب] و {لإِيلاَفِ قُريشٍ} [قريش: 1]، فلما انصرف، رأى6 الناس مسجداً فبادروه، فقال: "ما هذا؟"، فقالوا: "هذا مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم"، فقال: "هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً من عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له صلاة فليمض"7.
__________
1 ابن سعد: الطبقات 2/100، ابن الجوزي: مناقب ص 122، ابن حجر: فتح الباري، وقال: "إسناده صحيح".
2 سقط من الأصل.
3 عمرو بن حزم الأنصاري، صحابي مشهور، شهد الخندق فما بعدها، وكان عامل البني صلى الله عليه وسلم على نجران، توفي بعد الخمسين. (التقريب ص 420).
4 البيهقي: السنن: 8/93، وإسناده حسن فيه جعفر بن عون، قال الحافظ: "صدوق". (التقريب ص 141)، الخطيب: الفقيه والمتفقه ص 139، ابن الجوزي: مناقب ص 123.
5 الأسدي، ثقة، من الثانية، عاش مئة وعشرين سنة. (التقريب ص 540).
6 في الأصل: (فرأى).
7 عبد الرزاق: المصنف 2/118، 119، ابن أبي شيبة: المصنف 2/376، وفي إسناده الأعمش وهو مدلس وقد عنعن، وابن وضاح: البدع والنهي عنها ص 41، وابن تيمية: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 203، واقتضاء الصراط المستقيم 2/744، وعزاه لسعيد بن منصور، وابن حجر: فتح الباري 1/569.

(2/530)


وعن عبد الملك بن هارون بن عنترة12، عن أبيه3 عن جده4، قال: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر: "ألا إن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فأفتوا برأيهم، فضلوا وأضلوا، ألا وإنا نقتدي، ولا نبتدي، ونتبع، ولا نبتدع، ما نضل ما تمسكنا بالأثر"5.
وعن عمرو6 بن ميمون7 عن أبيه8 قال: "أتى عمر بن الخطاب رجل فقال: "يا أمير المؤمنين، إنا لما فتحنا المدائن أصبنا كتاباً فيه كلام معجب، قال: "أمن كتاب الله؟"، قال: "لا". فدعا بالدّرّة فجعل يضربه بها وجعل يقرأ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِيْنِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرْبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، إلى قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِيْنَ} [يوسف: 1-3]، ثم قال: "إنما هلك من كان قبلكم أنهم أقبلوا على كتب علمائهم، وأساقفتهم، وتركوا التوراة والإنجيل، حتى درسا9 وذهب ما فيهما من العلم"10.
__________
1 في الأصل: (عنيزة)، وهو تحريف.
2 عبد الملك بن هارون روى عن أبيه، قال أحمد: "ضعيف الحديث"، وقال يحيى بن معين: "كذاب"، وقال أبو حاتم: "متروك الحديث ذاهب الحديث". (الجرح والتعديل 5/374، الميزان 2/666).
3 هارون بن عنترة الشيباني، الكوفي لا بأس به، توفي سنة اثنتين وأربعين ومئة. (التقريب ص 56).
4 عنترة بن عبد الرحمن الكوفي، ثقة، من الثالثة، وهم من زعم أن له صحبة وهو جد عبد الملك بن هارون. (التقريب ص 433).
5 الخطيب: الفقيه والمتفقه ص 181، وفي إسناده عبد الملك، وهو متروك، وابن الجوزي: مناقب ص 123.
6 في الأصل: (عمر)، وهو تحريف.
7 عمرو بن ميمون الجزري، ثقة فاضل، توفي سنة سبع وأربعين، وقيل: غير ذلك. (التقريب ص 427).
8 ميمون بن مهران.
9 دَرَسَ الشيء: عفا. (لسان العرب 6/79).
10 ابن الضريس: فضائل القرآن ق 76 / ب، وأبي نصر المقدسي: الحجة على ترك المحجة، رقم: 661، وابن الجوزي: مناقب ص 123، وإسناده ضعيف، لانقطاعه، ميمون بن مهران لم يدرك عمر.

(2/531)


وعن ابن عون1 عن إبراهيم2: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن رجلاً كتب كتاب دانيال، وقال فكتب إليه يرتفع إليّ، فلما قدم عليه جعل عمر رضي الله عنه يضرب بطن كفه بيده، ويقول: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِيْنِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرْبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ} [يوسف 1-3]، فقال عمر: أقصص أحسن من كتاب الله؟ فقال: "يا أمير المؤمنين، اعفني، فوالله لأمحونه"3.
وعن أسلم قال: "سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "فيمَ4 الرّمَلان5 الآن والكشف عن المناكب، وقد أطّأ6 الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"7.
وعن السائب بن يزيد أنه قال: "أتى رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: "يا أمير المؤمنين، إنا لقينا رجلاً يسأل عن تأويل القرآن"، فقال: "اللهم أمكني
__________
1 عبد الله بن عون.
2 النخعي.
3 عبد الرزاق: المصنف 6/114، وإسناده حسن إلى إبراهيم، البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر) ص 273، ابن الضريس: فضائل القرآن ق 76 / أ، الخطيب: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/223، ابن الجوزي: مناقب ص 124، السيوطي: الدر المنثور 4/497.
4 في الأصل: (ما في)، وهو تحريف.
5 الرّملان: الرّمل، والسعي، الرّمل: أن يهزّ منكبيه ويُسرع في المشي. (لسان العرب 11/295).
6 في الأصل: (أطال)، وهو تحريف. ومعنى أطّأ: ثبته، وأرساه. (النهاية 1/53).
7 أحمد: المسند 1/293، وعنه أبو داود: السنن 2/178، وصحّحه أحمد شاكر في تخريجه لأحاديث المسند رقم: 317، وأخرجه بنحوه البخاري: الصحيح، 2/582، رقم: 1528.

(2/532)


منه"، فبينا عمر ذات يوم جالساً، يغدي الناس، إذ جاءه، وعليه ثياب وعمامه، حتى إذ فرغ، قال: "يا أمير الممؤنين، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً فَالحَامِلاَتِ وِقْراً} [الذاريات: 1-2]، فقال عمر رضي الله عنه: "أنت هو؟"، فقام إليه وحسر1 عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، فقال: "والذي نفس عمر بيده، لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك، ألبسوه ثيابه، واحملوه على قِتْب2، ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده، ثم ليقم خطيباً ثم ليقل: "إن صبيغاً3 ابتغى العلم فأخطأه".
فلم يزل وضيعاً4 في قومه حتى هلك5.
وعن أبي عثمان النهدي، عن صبيغ، أنه سأل عمر عن المرسلات، والذاريات، والنازعات، فقال له عمر: "[ضع]6 ما على رأسك فإذا / [77 / أ] له ظفران7، قال: "لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك"، ثم كتب إلى أهل البصرة: أن لا تجالسوه، قال أبو عثمان:
__________
1 حسر عن ذراعيه: أي: أخرجهما من كميه. (لسان العرب 4/187).
2 القِتْب، والقَتْب: إكاف البعير. (لسان العرب 1/660).
3 صَبِيغ - بوزن عظيم - ابن عسل، ويقال: ابن عسيل الحنظلي، سأل عمر عن متشابه القرآن، واتهمه عمر برأي الخوارج، توفي في خلافة معاوية. (الإصابة 3/258، تاريخ دمشق 8/233).
4 في الأصل: (ضيعاً).
5 اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/634، 635، ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 8 ق 232، ابن الجوزي: مناقب ص 124، ابن حجر: الإصابة 3/258، وعزاها إلى (ابن الأنباري)، وصحح إسنادها.
6 سقط من الأصل.
7 في المناقب: (ظفيرتان).

(2/533)


"فكان لو أتانا، ونحن مئة لتفرقنا عنه"1.
وعن إبراهيم التيمي2، قال: "جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يقال له: "صبيغ"، فسأل عن: النازعات، والمرسلات، وأشباههما، وعليه برنس، فقال عمر بقضيبه فرفع البرنس فإذا شعر، فقال لو كنت محلوقاً لضربت عنقك ثم كتب إلى أهل البصرة: لا تجالسوه ولا تبايعوه، قال: فمكث حولاً حتى أصابه الجهد، فقام إلى أسطوانة3 من أساطين المسجد فاستغاث، وروجع عمر رضي الله عنه فكتب: أن لا تخالطوه، وكونوا منه على حذر"4.
وعن قيس بن أبي حازم، قال: "جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يسأله، قال: "جئت أطلب العلم"، قال: "بل جئت تبتغي الضلالة"، ثم كشف عن رأسه فوجده ذا شعر، فقال: "لو كنت محلوقاً لضربت عنقك"5.
وعن سعيد بن المسيب، قال: "جاء صَبيغ التميمي إلى عمر فقال: "يا أمير المؤمنين، أخبرني عن {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات: 1]، قال: هي الريح، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: أخبرني عن {فَالحَامِلاَتِ وِقْراً} [الذاريات: 2]، قال: "السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته"، قال: "فأخبرني عن {فَالمُقَسِّمَاتِ أمْراً} [الذاريات: 5]، قال: "وهي الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته"، قال: "فأمر به
__________
1 ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 8 / ق 233، ابن الجوزي: مناقب ص 125، ابن حجر: الإصابة 3/258، وعزاه للخطيب وابن عساكر.
2 إبراهيم بن يزيد التيمي.
3 الأسطوانة - بالضم -: السارية. (القاموس ص 1555).
4 ابن الجوزي: مناقب ص 125، وهو ضعيف لانقطاعه بين إبراهيم التيمي وعمر.
5 ابن الجوزي: مناقب ص 125، بدون إسناد.

(2/534)


عمر فضرب مئة، وجعل في بيت فإذا برأ دُعي فضرب مئة أخرى، ثم حمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى الأشعري حرم على الناس1 مجالسته2، فلم يزل كذلك، حتى أتى أبا موسى، فحلف له بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه، مما كان شيئاً، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب إليه: ما أخاله إلا قد صدق، فخلّ بينه وبين مجالس الناس".
عن الزهري، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلد صبيغاً التميمي عن مساءلته عن حروف القرآن، حتى اضطربت الدماء في ظهره"3.
__________
1 في تاريخ ابن عساكر والمناقب وعقيدة السلف: (مجالسة).
2 البزار كما في تفسير ابن كثير 7/391، الصابوني: عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 51، 52، ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 8 ق 231، الأصفهاني: سير السلف ص 179، ابن الجوزي: مناقب ص 125، الهيثمي: مجمع الزوائد 7/112، 113، وقال: "رواها البزار وفيه أبو بكر بن أبي سبرة وهو متروك". ابن حجر: الإصابة 3/258، وعزاها إلى الدارقطني في الإفراد وأعلها بأبي بكر بن أبي سيرة، وقال: "وهو ضعيف، والراوي عنه أضعف منه". وقال ابن كثير: "قال البزار: "وأبو بكر ابن أبي سيرة لين، وسعيد بن سلام ليس من أصحاب الحديث". وقال ابن كثير: "هذا الحديث ضعيف رفعه، وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر، فإن قصة صبيغ ابن عسل مشهورة مع عمر، وإنما ضربه لأنه ظهر من أمره فيما يسأل تعنتاً وعناداً، والله أعلم". تفسير ابن كثير 7/391). وقال الآجري في الشريعة ص 74: "فإن قال قائل: فمن سأل عن تفسير: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً. فَالحَامِلاَتِ وِقْراً} ، استحق الضرب والتنكيل به والهجر، قيل له: لم يكن ضرب عمر رضي الله عنه له بسبب هذه المسألة، ولكن لما بلغ عمر رضي الله عنه ما كان يسأل عنه من متشابه القرآن من قبل أن يراه، علم أنه مفتون قد شغل نفسه بما لا يعود عليه نفعه، وعلم أن اشتغاله بطلب علم الواجبات من علم الحلال والحرام أولى به، وتطلب علم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى به، فلما علم أنه مقبل على ما لا ينفعه، سأل عمر رضي الله عنه ربّه أن يمكّنه حتى ينكل به، وحتى يحذر غيره، لأنه راعٍ يجب تفقد رعيته، في هذا وفي غيره، فأمكنه الله عزوجل منه". اهـ.
3 تاريخ دمشق 8/232، عن الزهري عن أنس، ابن الجوزي: مناقب ص 126، وابن حجر في الإصابة 3/258، ونسبه للخطيب وابن عساكر.

(2/535)


وعن الحسن1 أن عمران بن حصين أحرم من البصرة فقدم على عمر فأغلظ له ونهاه عن ذلك، فقال: "يتحدث الناس أن رجلاً من أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم أحرم من مصرٍ من الأمصار"2.
وعن نافع3 أن عمر رضي الله عنه رأى على طلحة بن عبيد الله4 ثوبين ممشقين5، فقال: "ما هذا؟"، فقال: "إنما هو طين"، فقال: "إنكم أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم يقتدى بكم وينظر إليكم"6.
وذكر أبو القاسم الأصفهاني، عن أبي وائل7، قال: كنت جالساً على كرسي شيبة بن عثمان8 في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر، فقال: "لقد هممت أن لا أدع فيه صفراء ولا بيضاء [إلا قسمتها"، فقلت: "ما كنت لتفعل"، قال:
__________
1 البصري.
2 ابن قدامة: المغني 5/67، وعزاه لسعيد بن منصور، ابن الجوزي: مناقب ص 126، والهيثمي: مجمع الزوائد 3/216، 217، وقال: "رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح، إلا أن الحسن لم يسمع من عمر".
3 مولى ابن عمر.
4 في الأصل: (عبد الله)، وهو تحريف.
5 المِشْق، والمَشْق: طين يصبغ به الثوب، يقال: ثوب مُمَشّق. (لسان العرب10/345).
6 ابن سعد: الطبقات 3/219، 220، وأورده بإسنادين: الأوّل فيه فليح بن سليمان صدوق كثير الخطأ، والثاني فيه محمّد بن إسحاق عنعن وهو مدلس. (التقريب رقم: 5443، 4752)، وابن الجوزي: مناقب ص 126.
7 شقيق بن سلمة.
8 شيبة بن عثمان بن أبي طلحة القرشي العبدي، حاجب الكعبة، توفي سنة تسع وخمسين. وقيل: في خلافة يزيد بن معاوية. (الإصابة 3/218).

(2/536)


"ولِمَ؟"، قلت: "إن صاحبيك لم يفعلا"، قال: "هما المرآن أقتدي بهما"]12.
__________
1 ما بين المعقوفتين مطموس في الأصل، والتصويب من سير السلف.
2 أبو القاسم: سير السلف ص 158، وأحمد: المسند 3/410، وإسناده صحيح، والطبراني في: المعجم الكبير 7/300.

(2/537)