محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب

الباب الثاني والخمسون: زهده
...
الباب الثاني والخمسون: في ذكر زهده
عن مجاهد1 قال: قال عمر رضي الله عنه: "وجدنا خير عيشنا الصبر"2، 3.
وعن الأحوص بن حكيم4 عن أبيه5 قال: "أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلحم فيه سمن، فأبى أن يأكلهما، وقال: "كل واحد منهما أدم"6.
قال ابن سعد: "قال ابن عمر: "كان أبي لا يتزوج النساء لشهوة إلا طلب الولد"7.
وعن الحسن8 قال: "ما ادَّهنَ عمر رضي الله عنه حتى قتل إلا بسمن أو إهالة9 وزيت"10، يريد أنه لم يَدَّهِن بطيب11.
__________
1 ابن جبر.
2 في صحيح البخاري، والزهد لابن المبارك ووكيع: " بالصبر".
3 ابن المبارك: الزهد ص 222، وكيع: الزهد 2/449، أحمد: الزهد ص 117، وإسناده صحيح إلى مجاهد، لكنه منقطع، وأبو نعيم: الحلية 1/50، البخاري معلقاً جازماً الصحاح كتاب الرقاق 5/2375، وابن حجر: فتح الباري 11/303، وعزاه لأحمد في الزهد وقال: "بسند صحيح". والحاكم كما في فتح الباري 11/202، من رواية مجاهد عن سعيد بن المسيب.
4 العنْسي، أو الهمداني، ضعيف الحفظ، من الخامسة. وكان عابداً. (التقريب ص 96).
5 حكيم بن عمير، الحمصي، صدوق يهم من الثالثة. التقريب ص 177).
6 ابن سعد: الطبقات 3/319، وابن الجوزي: مناقب ص 136، وهو ضعيف لانقطاعه، وفيه الأحوص بن حكيم ضعيف.
7 ابن سعد: الطبقات 3/324، 325، وفي إسناده الواقدي، وابن الجوزي: مناقب ص 126.
8 الحسن البصري.
9 الإهالة: للشحم، أو ما أذيب منه أو الزّيت وكلِّ ما ائتُدم به. (القاموس ص1245).
10 في المصنف والطبقات: (أو زيت مقتت).
11 ابن أبي شيبة: المصنف 13/269، وابن سعد: الطبقات 3/319، وإسنادهما حسن إلى الحسن، والحسن لم يدرك عمر، فيهما جفعر بن سليمان، ومالك بن دينار، وهما صدوقان. (التقريب رقم: 942، 6435)، وابن الجوزي: مناقب ص 136.

(2/561)


وعن حبيب1 بن أبي ثابت عن عمر رضي الله عنه قال: "قدم علينا ناس من أهل العراق منهم جرير بن عبد الله2، قال: فأتاهم بجفنة3 قد صنعت بخبز وزيت، "فأخذوا أخذاً ضعيفاً، فقال لهم: "قد أرى ما تقرمون4، فأي شيء تريدون؟، أحلواً أو حامضاً أو بارداً5، ثم قذفاً في البطون"6.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى7 قال: "قدم على عمر رضي الله عنه ناس من قراء العراق، فرأى كأنهم يأكلون تعذيراً، فقال: "ما هذا يا أهل العراق؟ ولو شئت أن نُدُهْمَقَ8 لكم لفعلت، ولكنا نستقبِي من دنيانا ما نجده لآخرتنا أما سمعتم قول الله تعالى: {أَذْهَبْتُم طيِّبَاتِكُم فِي حَيَاتِكُمُ
__________
1 حبيب بن أبي ثابت الأسدي مولاهم، ثقة فقيه جليل وكان كثير الإرسال والتدليس، من الثالثة، توفي سنة تسع عشرة ومئة. (التقريب ص 150).
2 البجلي.
3 الجفنة: القصعة. (القاموس ص 1531).
4 القرم: الأكل ما كان، وقال ابن السكيت: "قرم يقرم قرماً: إذا أكل أكلاً ضعيفاً". (لسان العرب 12/474).
5 في الأصل: (لحواً وحامضاً وحاراً أو بارداً)، والتصويب من الزهد.
6 ابن أبي شيبة: المصنف 13/75، وهناد: الزهد 2/360، أبو نعيم: الحلية 1/49، ابن الجوزي: مناقب ص 136، والحديث ضعيف إسناده منقطع، حبيب بن ثابت لم يدرك عمر، وفيه الأعمش مدلس، وقد عنعن، وفي إسناد الزهد والحلية مجهول.
7 الأنصاري، ثقة، اختلف في سماعه من عمر، توفي بوقعة الجحاجم سنة ثلاث وثمانين، وقيل: إنه غرق. (التقريب ص 349).
8 دهمق الطعام: طيّبه ورقّقه ولينه. (القاموس ص 1142).

(2/562)


الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20]. الآية1.
وعن سالم بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب كان يقول: "والله ما نعبأ بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى أن تسمط2 لنا، ونأمر بلبابه3 الخبر فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسعان45 حتى إذا صار مثل عين اليعقوب6 أكلنا هذا وشربنا هذا، ولكنا نريد أن نستبقي طيّباتنا؛ لأنا سمعنا الله يقول: {أَذْهَبْتُم طيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} ، [الأحقاف: 20]. الآية7.
وعن الحسن8 - رحمه الله - أن عمر - رضوان الله عليه - قال: "والله إني لو شئت كنت ألينكم طعاماً وأرقّكم عيشاً، إني والله ما أجهل عن كُرَاكِرَ وأَسْنِمة9، وعن صلاء10، وصناب11، وصلائق12، ولكني
__________
1 ابن أبي شيبة: المصنف 13/273، وإسناده صحيح، ومن طريقه أبو نعيم: الحلية 1/49، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 136، 137.
2 سمط الجدي، يَسْمِطُه، ويَسْمُطه: نتف صوفه بالماء الحار. (القاموس ص 867).
3 اللباب: الخالص من كل شيء. (النهاية 4/223).
4 في الأصل: (الأسعار)، وهو تحريف.
5 الأسعان: جمع سعن، والسُّعْن: قربة تقطع من نصفها وينتبذ فيها، وقد يستقى بها. (القاموس ص 1555).
6 اليعقوب: الحجل. (القاموس ص 149).
7 أبو نعيم الحلية1/49، وإسناده ضعيف لانقطاعه، سالم لم يدرك عمر بن الخطاب، وفيه موسى بن سعد بن زيد لم يوثّقه غير ابن حبان. (تهذيب التهذيب 10/307)، وابن الجوزي: مناقب ص 137.
8 البصري.
9 ما أجهل عن كراكر وأسنمة: يريد إحضارها للأكل، فإنها من أطايب ما يؤكل من الإبل. (النهاية 4/166). وكراكر: واحدتها: كركرة: الصدر من ذي خف. (المعجم الوسيط 2/790).
10 الصلاء - بالمد والكسر -: الشواء. (النهاية 3/51).
11 الصناب: الخردل المعمول بالزيت، وهو صباغ يؤتدم به. (النهاية 3/55، ولسان العرب 1/531).
12 الصلائق: الرقاق، واحدتها: صليقة. وقيل: هي الحملان المشوية. (النهاية 3/48، ولسان العرب 10/206).

(2/563)


سمعت الله1 عيّر قوماً بأمر فعلوه [فقال]2: {أَذْهَبْتُم طيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20]3.
وعن خلف بن حوشب4، أن عمر رضي الله عنه قال: "نظرت في هذا الأمر، فجعلت إن أردت5 الدنيا، أضرّ بالآخرة، وإن أردت الآخرة، أضرّ بالدنيا، فإن كان الأمر هكذا، فأضرّ بالفانية"6.
وعن الحسن7 قال: "خطب عمر الناس، وهو خليفة، وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة"8.
وعن أنس9 رضي الله عنه قال: "نظرت في قميص عمر رضي الله عنه
__________
1 في الأصل: (سمعت الله يقول عير)، وهو تحريف.
2 سقط من الأصل.
3 ابن سعد: الطبقات 3/279، وإسناده صحيح إلى الحسن، لكنه منقطع، وبنحوه ابن المبارك: الزهد ص 204، أبو نعيم: الحلية 1/49، وابن عساكر: تاريخ دمشق ج 13 / 106، وابن الجوزي: مناقب ص 137، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/622، عن أبي موسى وعزاه لابن المبارك وابن سعد وابن عساكر.
4 خلف بن حوشب الكوفي، ثقة، من السادسة. توفي بعد الأربعين ومئة. (التقريب ص194).
5 في الأصل: (نظرت)، وهو تحريف.
6 أبو نعيم: الحلية 1/50، وهو ضعيف لانقطاعه بين خلف وعمر، وابن الجوزي: مناقب ص 137.
7 البصري.
8 أحمد: الزهد ص 124، وإسناده صحيح إلى الحسن، وابن عساكر: تاريخ دمشق ج 13/ق109، وهوضعيف لانقطاعه بين الحسن وعمر، وابن الجوزي: مناقب ص137، لكنه يتقوى بماجاء موصولاًمن حديث أبي عثمان النهدي وأنس بن مالك، ص533.
9 ابن مالك.

(2/564)


فإذا بين كتفيه أربع رقاع لا يشبه بعضها بعضاً"1.
وعن أنس2 قال: "كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعليه قميص فيه أربع رقاع، فقرأ: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس: 31]، ثم قال: ما الأبّ؟3، ثم قال: إن هذا لهو التكلف، وما عليك أن لا تدري ما الأبّ"4.
وعن أبي عثمان النهدي، قال: "رأيت عمر قد رقع / [81 / ب] إزاره بقطعة من أدمٍ"5.
وعنه قال: "رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطوف بالبيت، وعليه إزار، عليه6 اثنتا عشرة رقعة، إحداهن بأدم أحمر"7.
قال عبد العزيز بن أبي جميلة8: "أبطأ عمر رضي الله عنه جمعة بالصلاة، فخرج فلما صعد المنبر، اعتذر إلى الناس، قال: "إنما حبسني قميصي هذا، لم يكن لي قميص غيره". كان يخاط [له]9 أبيض سُنْبلاني10 لا يجاوزكمه
__________
1 الخبر بنحوه في ابن المبارك: الزهد ص 208، ابن أبي شيبة: المصنف 13/265، هناد: الزهد2/367، وأسانيدهم صحيحة. ابن عساكر: تاريخ دمشق ج13/ق 108.
2 ابن مالك.
3 الأبّ: الكلأ. (لسان العرب 1/204، القاموس ص 74).
4 ابن سعد: الطبقات 3/327، وإسناده صحيح، وابن الجوزي: مناقب ص 138.
5 ابن سعد: الطبقات 3/328، وفيه عليّ بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، لكن تابعه سعيد الجريري بسند صحيح كما يأتي بعده. انظر: الأثر الذي بعده.
6 في الطبقات، والمناقب: (فيه).
7 ابن سعد: الطبقات 3/328، وإسناده صحيح، وابن الجوزي: مناقب ص 138.
8 الأنصاري، يروي عن أنس بن مالك، روي عنه سلام بن مسكين. (الثقات5/124).
9 سقط من الأصل.
10 قميص سُنبلاني - بالضم -: سابغ الطول، منسوب إلى بلد بالروم. (القاموس ص 1314).

(2/565)


رسغ1 كفيه"2.
وعن قتادة3، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبطأ على الناس يوم الجمعة، قال: ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه، وقال: "إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل، ولم يكن لي ثوب غيره"4.
وعن زيد بن وهب قال: "رأيت عمر بن الخطاب خرج إلى السوق، وبيده الدّرّة، وعليه إزار فيه أربع عشرة رقعة بعضها من أدم"5.
وعن عبد الله بن عمر أنه رأى عمر - رضي الله عنهما - يرمي الجمرة، وعليه إزار، فيه اثنتا عشرة رقعة، بعضها من أدم، وإن منها ما قد خيط بعضه على بعض، إذا قعد ثم قام، انتخل منه التراب"6.
وعن أبي محصن الطائي7، قال: "صلى بنا عمر رضي الله عنه وعليه
__________
1 في الأصل: (رصغ)، وهو تحريف. والرُّسْغ - بالضم -: مفصِل ما بين الساعِد والكفّ. (القاموس: 1010).
2 ابن سعد: الطبقات 3/329، ابن الجوزي: مناقب ص 138، وهو ضعيف لانقطاعه، عبد العزيز أبي جميلة لم يدرك عمر، ولم يوثّقه غير ابن حبان.
3 ابن دعامة السدوسي.
4 أحمد: الزهد ص 124، ابن الجوزي: مناقب ص 138، وإسناده ضعيف لانقطاعه، قتادة لم يدرك عمر.
5 ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 13 / ق 109، وفيه الأعمش مدلّس وقد عنعن. وابن الجوزي: مناقب ص 138.
6 ابن أبي الدنيا: إصلاح المال ص 325، وفيه عليّ بن محمّد لم أعثر له على ترجمة، ابن شبه: تاريخ المدينة 3/804، وهو ضعيف جداً، فيه يوسف بن عطية الصفار وهو متروك. (التقريب رقم: 7873)، وابن الجوزي: مناقب ص 138.
7 لم أجد من ترجم له، ولعلّه أبو محشي الطائي حليف بني أسد، من المهاجرين الأوّلين وممن شهد بدراً. (الإصابة 7/173).

(2/566)


إزار فيه رقاع بعضاً من أدم وهو أمير المؤمنين"1.
وعن نافع قال: "سمعت ابن عمر يقول: "والله ما شمل النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، ولا خارج بيته ثلاثة أثواب، ولا شمل أبو بكر في بيته ثلاثة أثواب، غير أني كنت أرى كساهم إذا أحرموا كان لكل واحد منهم ميرز مشتمل، لعلها كلها بثمن درع أحدكم، والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، ورأيت أبا بكر تخلل بالعباء، ورأيت عمر يرقع جبته برقاع من أدم، وهو أمير المؤمنين، وإني أعرف في وقتي من يجيز بالمئة ولو شئت قلت: ألفاً".
وعن أسلم قال: "أصاب الناس سنة غلا فيها السمن، فكان عمر رضي الله عنه يأكل الزيت، فتقَرْقِر2 بطنه، فيقول: "قرقر3 ما شئت، فوالله لا تأكل السمن حتى يأكله الناس، ثم قال: اكسر عني حره بالنار"، فكنت أطبخه له فيأكله"4.
وعن أنس5 قال: "تقرقر بطن عمر عام الرّمادة، فكان يأكل الزيت، وكان قد حرّم على نفسه السمن، قال: "فنقر بطنه بإصبعه، وقال: تقرقر إنه ليس عندنا غيره حتى يحيى الناس"6.
__________
1 ابن سعد: الطبقات 3/328، وهناد: الزهد 2/367، ومداره على أبي محصن الطائي ولم أجد له ترجمة.
2 تقرقر بطنه: صوّت. (لسان العرب 5/90).
3 في الأصل: (قر).
4 أحمد: الزهد ص 120، ابن سعد: الطبقات 3/313، وإسنادهما صحيح. وابن الجوزي: مناقب ص 139.
5 ابن مالك.
6 ابن سعد: الطبقات 3/313، وإسناده صحيح. وعبد الله بن أحمد في زوائده على الزهد لأحمد ص 117، وابن الجوزي: مناقب ص 139، أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 191.

(2/567)


وعن الحسن1 قال: قال عمر رضي الله عنه: "والله لا تنخل الدقيق"2.
وعن يسار بن نمير3 قال: "والله ما نخلت لعمر الدقيق قط إلا وأنا له عاص"4.
وعن أبي أمامة5 قال: "بينا عمر رضي الله عنه في أصحابه إذ أتى بقيمص له
/ [82 / أ] كرابيس6 فلبسه فما جاوز تراقيه7 حتى قال: "الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي". ثم أقبل على القوم، فقال: "هل تدرون لم قلت: هؤلاء الكلمات؟"، قالوا: "لا، إلا أن تخبرنا"، قال: "فإني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وقد أتي بثياب له جدد فلبسها، ثم قال: "الحمد لله الذي كساني ما أواري عورتي، وأتجمل به في حياتي" ، ثم قال: "والذي بعثني بالحق ما من عبد مسلم كساه الله ثياباً جدداً فعمد إلى شيء من أخلاق ثيابه8، وكساه عبداً مسلماً مسكيناً،
__________
1 في الأصل: (الحسين)، وهو تحريف. والحسن هو البصري.
2 ابن المبارك: الزهد ص 206، ابن الجوزي: مناقب ص 139، وهو ضعيف لانقطاعه بين الحسن وعمر، وفيه مبارك بن فضلاة صدوق يدلس وقد عنعن. (التقريب ص 6464).
3 المدني، مولى عمر، ثقة، نزل الكوفة، من الثانية. (التقريب ص 607).
4 ابن المبارك: الزهد ص 206، ابن أبي شيبة: المصنف 13/268، ابن سعد: الطبقات 3/319، وهناد: الزهد 2/362، وأسانيدهم صحيحة، إلا أن مداره على الأعمش وهو مدلس وقد عنعن. لكن عنعنته عن أبي وائل شقيق، وأمثاله محمولة على السماع. وابن سعد: الطبقات 3/319، وفي إسناده أبو عاصم الغطفاني ولم أجد له ترجمة.
5 صُدي بن عجلان الباهلي.
6 الكِرْباس - بالكسر -: ثوبٌ من القطن الأبيض، معرب. (القاموس ص 735).
7 التَّرْقُوة ولا تضم تاؤه: العظيم بين ثُغر النحر والعاتق. (القاموس ص 1124).
8 خَلَقَ الثوبُ: بلي، وثوب أخْلاقٌ: إذا كانت الخلوقة في كله. (القاموس ص 1137).

(2/568)


لا يكسوه إلا لله عزوجل إلا كان في جوار الله، وفي ضمان الله، ما كان عليه منها سلك حيّاً وميّتاً حيّاً وميّتاً" .
قال: ثم مدّ عمر كمّ قميصه فوجد فيه فضلاً عن أصابعه، فقال لعبد الله بن عمر: "أي بني هات الشَّفْرَة أو المدية"1، فقام فجاء بها فمدّ عمر كم قميصه، فنظر ما فضل عن أصابعه، فقدّه، قال أبو أمامة قلنا: يا أمير المؤمنين، ألا نأتي بخياط فيكفّ هدبه؟، قال: "لا". قال أبو أمامة: فلقد رأيت عمر بعد ذلك وإن هدب ذلك القميص لمنتشر على أصابعه، ما يكفه"2.
وعن [عبد الله بن]3 عامر بن ربيعة4، قال: "خرجت مع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حاجاً من المدينة إلى مكّة، إلى أن رجعنا، فما ضرب له فسطاطاً5، ولا خباء، كان يلقي الكساء6 والنطع7 على الشجرة فيستظل تحته"8.
__________
1 الشَّفرة: السكين العظيم، وما عرض من الحديد. والمُدْيَة: الشَّفْرة. (القاموس ص 536، 1719).
2 هناد: الزهد ص 350، وإسناده ضعيف، فيه عبيد الله بن زَحْر صدوق يخطئ، ومطروح بن يزيد ضعيف. (التقريب رقم: 4290، 6704)، وابن الجوزي: مناقب ص 140، وأخرجه مختصراً من طريق آخر، أحمد: المسند 1/286، الترمذي: السنن 5/558، رقم: 356، وقال: "هذا حديث غريب"، ابن ماجه: السنن 2/1178، عبد بن حميد: المسند 1/57، ومدار الحديث على أبي العلاء الشامي وهو مجهول. (التقريب رقم: 8288)، وقال أحمد شاكر في تخريجه لأحاديث المسند رقم: 305: "إسناده ضعيف". وضعّفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص466، رقم: 713.
3 سقط من الأصل.
4 العنْزي.
5 الفسطاط: بيت من شعر. (لسان العرب 7/371).
6 في الطبقات والمناقب: (أو النطع).
7 النّطْعُ - بالكسر وبالفتح والتحريك -: بساط من الأديم. (القاموس ص 991).
8 ابن سعد: الطبقات3/279، وإسناده صحيح، وابن عساكر: تاريخ دمشق ج 13/ ق 109، 110، ابن الجوزي: مناقب ص 140.

(2/569)


وعن عبد الله بن عمر قال: "لبس عمر قميصاً جديداً ثم دعاني بشفرة فقال: "مدّ يا بني كم قميصي، وألصق يديك بأطراف أصابعي، ثم اقطع ما فضل عنها". قال: فقطعت الكمين من جانبيه جميعاً، فصار فم الكم بعضه فوق بعض، فقلت1: يا أبت لو سويته بالمقص، قال: "دعه، هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل". فما زال عليه حتى تقطع، وكان ربما رأيت الخيوط تساقط على قدميه"2.
وعن العلاء بن أبي عائشة3، أن عمر رضي الله عنه دعا حلاقاً فحلقه بموس - يعني جسده - فاستشر له الناس، فقال: "إن هذا ليس من السنة، ولكن النورة4 من النعيم، فكرهتها"5.
وعن الحسن6: أن عمر رضي الله عنه أتي بشربة عسل، فذاقها، فإذا ماء وعسل، فقال: "اعزلوا عني حسابها، اعزلوا عني مؤنتها"7.
__________
1 في الأصل: (فقالت)، وهو تحريف.
2 أبو نعيم: الحلية 1/45، وفي إسناده أبو سلمة بن عبيد الله، لم أعثر على ترجمته. وابن الجوزي: مناقب ص 140.
3 الجزري، يروي عن عمر بن الخطاب، روي عنه محمّد بن قيس الأسدي وحصين بن عبد الرحمن. (الثقات لابن حبان 5/247).
4 النّورة - بالضم -: الهناء: وتنّور تطلّى بها. (القاموس ص 628).
5 ابن سعد: الطبقات 3/391، وإسناده رجاله ثقات ما عدا العلاء فإنه لم يوثّقه غير ابن حبان. ابن الجوزي: مناقب ص 141.
6 البصري.
7 أحمد: الزهد ص 119، وإسناده ضعيف لانقطاعه بين الحسن وعمر، وفيه سيار العنْزي صدوق له أوهام. (التقريب رقم: 2714). ابن الجوزي: مناقب ص 141.

(2/570)


وعن حميد بن هلال1 قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والذي نفسي بيده لولا تنقص حسناتي لخالطتكم في لين عيشكم"2.
وعن يحيى بن وَثَّاب3 قال: "أمر عمر رضي الله عنه غلاماً4 له أن يعمل عَصِيدَة5 بزيت، وقال: "أنضج كيْ تذهب حرارة الزيت، فإن ناساً تعجلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا"6.
وعن الحسن7 قال: "ما أكل عمر رضي الله عنه إلا معلوثاً8 بشعير حتى لحق الله عزوجل وكان بطنه ربما قرقر فيضربه بيده ويقول: "اصبر فوالله ما عندي إلا ما ترى حتى تلحق بالله"9.
وعن أبي عمران الجوني - رحمه الله - قال: "قال عمر بن الخطاب: لنحن أعلم بلين الطعام / [82 / ب] من كثير من آكيله، ولكنا ندعه ليوم {يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كلُّ مُرْضِعَةٍ عمَّا أَرْضَعَتْ وتَضَعُ كلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحجّ: 2]، قال أبو
__________
1 العدوي، البصري، ثقة عالم، من الثالثة. (التقريب ص 182).
2 الخبر بأطول في ابن سعد: الطبقات 3/280، وهو ضعيف لانقطاعه، حُميد لم يدرك عمر، ابن الجوزي: مناقب ص 141، والمتقي الهندي: كنْز العمال12/624، وعزه لابن سعد، وعبد بن حميد.
3 الأسدي، مولاهم، المقرئ ثقةعابد، من الرابعة. توفي سنةثلاث ومئة(التقريب ص598).
4 في الأصل: (عالا)، وهو تحريف.
5 العصيدة: دقيق يُلتُ بالسمن ويطبخ. (لسان العرب 3/291).
6 ابن الجوزي: مناقب ص 141، وهو ضعيف لانقطاعه، يحيى بن وثاب لم يدرك عمر. وأحمد: الزهد ص 119، وهناد: الزهد 2/363، من قول ابن عمر وإسنادهما صحيح.
7 البصري.
8 المعلوث - بالعين -: المخلوط، وفلان يأكل العَليثَ، - بالعين والغين - إذا كان يأكل خبزاً من شعير وحنطة. (الصحاح 1/287، لسان العرب 2/168).
9 ابن الجوزي: مناقب ص 141.

(2/571)


عمران: والله ما كان يصيب من الطعام هو وأهله إلا تقوتاً"1.
وعن عاصم بن محمّد العُمري2 عن أبيه3 قال: "دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد أصابه الغُرَثُ، فقال: "عندكم شيء؟"، فقالت امرأته: "تحت السّرير"، فتناول قناعاً فيه تمر، فأكل ثم شرب الماء، ثم مسح بطنه، ثم قال: "ويح لمن أدخله بطنه النار".
الغَرَثُ: الجوعُ4. قال حسان5:
حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَانُ بِرِيبَةٍ ... وتُصْبحُ غَرْثى من لُحوم الغَوافِل6
أي: جائعه7.
وعن عمرو8 بن البختري9، قال: قال عمر رضي الله عنه لأصحابه: "لولا مخافة الحساب غداً؛ لأمرت بحمل10 يشوي لنا في التّنور"11.
وعن نافع12 عن ابن عباس - وكان يحضر طعام عمر - قال: "كانت له
__________
1 ابن الجوزي: مناقب ص141، وهوضعيف لانقطاعه، أبو عمران الجوني لم يدرك عمر.
2 ابن زيد المدني، ثقة، من السابعة. (التقريب ص 286).
3 محمّد بن زيد بن عبد الله بن عمر، ثقة، من الثالثة. (التقريب ص 479).
4 انظر: الصحاح 1/289، ولسان العرب 2/172.
5 ابن ثابت الأنصاري، الخزرجي، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي سنة أربع وخمسين. (التقريب ص 157).
6 ديوان حسان ص 377.
7 ابن الجوزي: مناقب ص 142، وهو ضعيف لانقطاعه، محمّد بن زيد لم يدرك عمر.
8 في مناقب عمر: (معن).
9 لم أجد له ترجمة.
10 الحَمَل: الخروف، وقيل: هو من ولد الضأن فما دونه. (لسان العرب 11/181).
11 ابن الجوزي: مناقب ص 142.
12 مولى ابن عمر.

(2/572)


كلّ يوم إحدى عشرة لقمة، إلى مثلها من الغد"1.
وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: قالت حفصة بنت عمر لعمر: "يا أمير المؤمنين [لو لبست]2 ثوباً هو ألين من ثوبك هذا3، وأكلت طعاماً هو ألين وأطيب من طعامك، فقد وسع الله من الرزق، وأكثر من الخير"، فقال: "إني سأخاصمك إلى نفسك، أما تذكرين ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى من العيش؟"، فما زال يذكرها حتى أبكاها، فقال لها: "أما والله إن قلت ذاك لمكاني، والله إن استطعت لأشاركنهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك معها عيشهما الرخي"4.
وعن الحسن5 أنّ ناساً كلموا حفصة فقالوا لها: "لو كلمت أباك في أن يلين
__________
1 ابن أبي الدنيا: إصلاح المال ص 312، ابن الجوزي: مناقب ص 142، ورجال إسناده ابن أبي الدنيا ثقات ما عدا أبو ساسان، ذكره ابن عدي، ولم يذكر شيئاً يدل على لينه. (الميزان 4/527).
2 سقط من الأصل.
3 في الأصل: (من هذا ثوبك).
4 أحمد: الزهد ص 125، ابن سعد: الطبقات 3/277، وهناد: الزهد 2/360، أبو نعيم: الحلية 1/48، من طريق أحمد، وإسنادهم صحيح، إن كان مصعب سمعه من حفصة وإسحاق كما في المطالب العالية 3/156، وقال الشيخ الأعظمي: "وفي المسندة: رواه (س) - أي: النسائي - في السنن الكبرى، عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن إسماعيل فإن كان مصعب سمعه من حفصة فهو صحيح، وإلا فهو مرسل صحيح الإسناد". وابن أبي شيبة: المصنف 13/227، الفسوي: المعرفة والتاريخ 2/188، من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أخيه عن مصعب بن سعد عن حفصة، وإسماعيل له إخوة أربعة، ولم يتبين أيهم ولعلّه نعمان كما صرح به في بعض الروايات. وهو مجهول. (الجرح والتعديل 8/447)، وعند بن حميد: المسند 1/79، أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 175، عن إسماعيل عن أخيه نعمان. ونعمان هذا مجهول.
5 البصري.

(2/573)


من عيشه"، فجاءته فقالت: "يا أبتاه1، [أ]2 ويا أمير المؤمنين، إن ناساً من قومك، كلّموني في أن أكلمك في أن تلين من عيشك"، فقال لها: "يا بنية غششت أباك ونصحت لقومك"3.
وعن سالم بن عبد الله4 قال: "لما ولّي عمر رضي الله عنه قعد على رزق أبي بكر رضي الله عنه الذي كانوا فرضوا له، كان بذلك فاشتدت حاجته، فاجتمع نفرٌ من المهاجرين فيهم عثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير - رضي الله عنهم - فقالوا: "لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه".
فقال عليّ: "وددْنا أنه فعل ذلك، فانطلقوا بنا"، فقال عثمان: "إنه عمر فهلموا فنسبر5 ما عنده من وراء وراء، نأتي حفصة فنكلمها ونستكتمها أسماءنا". فدخلوا عليها وسألوها أن تخبر بالخبر عن نفرٍ، ولا تسمى أحداً إلا أن يقبل، وخرجوا من عندها، فلقيت عمر رضي الله عنه في ذلك، فعرفت6 الغضب في وجهه، فقال: "من هؤلاء؟"، / [83 / أ] قالت: "لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم ما رأيك؟"، فقال: لو علمت من هم لسودت وجوههم، أنت بيني وبينهم، أناشدكِ بالله ما أفضل ما اقتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتكِ من الملبس؟"، قالت: "ثوبين مُمَشَّقَين كان يلبسُهما للوفد ويخطب فيهما للجُمَعِ".
__________
1 قوله: " يا أبتاه"، تكرر في الأصل.
2 سقط من الأصل.
3 ابن سعد: الطبقات 3/278، وهو مرسل حسن، الحسن لم يسمع من عمر، فهو ضعيف لانقطاعه. وابن الجوزي: مناقب ص 142.
4 ابن عمر بن الخطاب.
5 السّبْر: امتحان غور الجُرْح وغيره. (القاموس ص 517).
6 في الأصل: (فلقيت)، وهو تحريف.

(2/574)


قال: "فأي طعام ناله عندكِ أرفع؟"، قالت: "خبزنا خبزة شعير فصببنا عليها وهي حارة أسفل عكة لنا، فجعلناها هشة1 دسماءَ حلوةً، فأكل منها، وتطعِم منها2 استطابة لها. قال: "فأي مبسط عندك كان أوطأ؟"، قالت: "كساءٌُ لنا ثخينٌ كنا نربعه في الصيف فنجعله ثخيناً، فإذا كان الشتاء ابتسطنا نصفه، وتدثرنا نصفه".
قال: "يا حفصة، فأبلغيهم عني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّر فوضع الفضول مواضِعها، وتبلغ بالتزجية3، وإنما مثلي، ومثل صاحبي كثلاثة نفر سلكوا طريقاً فمضى الأوّل، وقد تزود زاداً فبلغ، ثم تبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه، ثم تبعهما الثالث فإن لزِم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما، وكان معهما، وإن سلك غير طريقهما لم يجامعهما أبداً"4.
وعن الربيع بن زياد قال: "قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وفد من العراق، فأمر لكل رجل منا بعباء عباء، فأرسلت إليه حفصة - رضي الله عنها - فقالت: "يا أمير المؤمنين، أتاك ألباب5 العراق، ووجوه الناس، فأحسن كرامتهم"، فقال: "ما أزيدهم على العباء، يا حفصة أخبريني بألين فراشٍ فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأطيب طعام أكل عندكِ"، فقالت: "كان لنا كساء، من هذه الملبدة، أصبناه يوم خيبر، فكنت أفرشه لرسول الله صلى الله عليه وسلم [كلّ]6 ليلة
__________
1 في كنْز العمال: (حَيْسة).
2 كذا في تاريخ دمشق وكنْز العمال.
3 التزجية: دفعُ الشيء كما تزجي البقرة ولدها، أي: تَسُوقه. (لسان العرب 14/354).
4 ابن عساكر: تاريخ دمشق د 13 / ق 92، وهو ضعيف لانقطاعه، وفيه سيف بن عمر وهو متروك.
5 لبّ كلّ شيء، ولبابه: خالصه، وخياره. (لسان العرب 1/729).
6 سقط من الأصل.

(2/575)


وينام عليه، وإني ربعته ذات ليلة، فلما أصبح قال: "ياحفصة أعيديه لمرته الأولى، فإنه منعتني وطأته البارحة من الصلاة" ، قال: "وكان لي صاع من سلت - يعني: من حنطة رديئة1 - وإني نخلته ذات يوم، وطحنته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لنا قعب2 من سمن فصببت عليه، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل إذ دخل أبو الدّرداء3، فقال: إني أرى سمنكم قليلاً، وعندنا قعب من سمن".
فأرسل إليه أبو الدرداء، فصبّ عليه، فأكلا، فقالت حفصة: "فهذا ألين فراش فرشته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أطيب طعام أكله". فأرسل عمر عينيه بالبكاء، وقال: "والله لا أزيدهم على العباء شيئاً، وهذا طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا فراشه"4.
وعن حذيفة5 رضي الله عنه قال: "أقبلت فإذا الناس بين أيديهم القصاع6، فدعاني عمر رضي الله عنه فأتيته فدعا بخبز غليظ، وزيت، فقلت له: "أمنعتني أن آكل الخبز واللحم، ودعوتني على هذا؟"، قال: "إنما دعوتك على طعامي، فأما هذا فطعام المسلمين"7.
__________
1 انظر: الجوهري: الصحاح 1/253، ولسان العرب 2/45.
2 القَعْب: القدح الضّخم، الغليط، الجافي. (لسان العرب 1/683).
3 عُويمر بن زيد الأنصاري، أوّل مشاهده أحد، وكان عابداً، توفي في آخر خلافة عثمان. (التقريب ص 434).
4 ابن الجوزي: مناقب ص 143، بدون إسناد.
5 ابن اليمان .
6 القصعة: الصَّحْفَة. (القاموس ص 971).
7 أحمد: الزهد ص 121، وإسناده صحيح. وابن أبي شيبة: المصنف 12/326، ابن الجوزي: مناقب ص 144.

(2/576)


وعن أبي أمامة1 رضي الله عنه قال: بينا نحن عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يجول في سكك المدينة، ومعنا الأشعث بن قيس2، فأدرك عمر الأعياء، فقعد، وقعد إلى جنبه الأشعث بن قيس، وقد أتي عمر بِمِرْجَلٍ3 فيه / [/ 83 / ب] لحم، فجعل يأخذ منه فينهشه فينضح على الأشعث بن قيس، فقال الأشعث: "يا أمير المؤمنين، لو أمرت بشيء من سمن فصُب على هذا اللحم، ثم طبخ حتى يبلغ أناته، كان ألين له"، فرفع عمر يده فضرب بها صدر الأشعث بن قيس، ثم قال: "أدمان في أدم؟ كلا! إني لقيت صحابي، وصحبته، فأخاف إن خالفتهما يخالف بي عنهما، فلا أُنْزل معهما حيث يُنْزلان"4.
وعن ثابت5 قال: "اشتهى عمر رضي الله عنه الشّراب فأتي بشربة من عسل، فجعل يدير الأناء في كفّه فيقول: "أشربها وتذهب حلاوتها، وتبقى مراراتها"، ثم دفعها إلى رجل من القوم فشربها"6.
وعن الأحنف بن قيس، قال: "خرجنا مع أبي موسى الأشعري وفوداً إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان لعمر ثلاث خبزات يأدمهن يوماً بلبن وسمن، ويوماً بلحم، ويوماً بزيت، فجعل القوم يعذرون، فقال عمر: "والله
__________
1 الباهلي.
2 الكندي، صحابي، نزل الكوفة، توفي سنة أربعين. (التقريب ص 113).
3 المِرْجَل: القِدر من الحجارة والنحاس. (لسان العرب 11/274).
4 ابن أبي الدنيا: إصلاح المال ص 318، وفي إسناده عليّ بن محمّد لم أعثر له على ترجمة. وابن الجوزي: مناقب ص 144، 145.
5 البناني .
6 ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 13 / ق 104، وهو ضعيف لانقطاعه، ثابت لم يدرك عمر، ابن الجوزي: مناقب ص 145، والمتقي الهندي: كنْز العمال12/632، وعزاه لابن المبارك.

(2/577)


إني لأرى تعذيركم وإني لأعلمكم بالعيش، ولو شئت لجعلت كرَاكرَ، وأَسْنِمة وصَلاء، وصنابٍ، وصَلائِق، ولكني أستبقي حسناتي، إن الله عزوجل ذكر قوماً فقال: {أَذْهَبْتُم طَيِّبَاتِكُم فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنيَا واسْتَمْتَعْتُم بهَا} [الأحقاف: 20] الآية1.
وعن محمّد بن قيس2 قال: "دخل ناس على حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما - فقالوا: "إن أمير المؤمنين قد بدا عِلباءُ3 رقبته من الهزال، فلو كَلَّمتِهِ أن يأكل طعاماً هو ألين من طعامه، ويلبس ثياباً ألين من ثيابه، فقد رأينا إزاره مرقعاً برقع غير ثوبه، ويتخذ فراشاً ألين من فراشه، فقد أوسع الله على المسلمين فيكون ذلك أقوى على أمرهم"، فبعثوا إليه حفصة فذكرت ذلك له، فقال: "أخبريني بألين فراش فرشته لرسول الله قط"، قالت: "عباه كنا نثنيها4 له باثنين، فلما غلظت عليه جعلتها له بأربعة"، قال: "فأخبريني بأجود ثوب لبسه؟"، قالت: "نَمِرَةٌ5 صبغناها له، فرآها إنسان، فقال: أكسنيها يا رسول الله فأعطاه إياه"، فقال: "ايتوني بمِقناع6 من تمر"، فأمرهم فنَزعوا نواه، ثم قال: "انزعوا تفاريقه"، ففعلوا ثم أكله كله، فقال: "تروني لا أشتهي الطعام إني لآكل السمن، وعندي
__________
1 ابن الجوزي: مناقب ص 145، وقد سبق تخريجه ص 564، عن الحسن البصري.
2 محمّد بن قيس شيخ لأبي معشر، من الرّابعة، ضعيف، ووهم من خلطه بالذي قبله. (ميزان الاعتدال 4/16، التقريب ص 503).
3 العِلباء: عَصَبُ العُنُق، وهما عِلباوان يميناً وشمالاً بينهما منبت العنق. (لسان العرب 1/627).
4 في الأصل: (نثا)، وهو تحريف.
5 النَّمْرَة: الحِيَرَة، وشَمْلةٌ فيها خطوط بيض وسود، أو بُردَةٌ من صوف تلبَسُها الأعراب. (القاموس ص 627).
6 القِنْع والقِناعُ: الطبقُ الذي يؤكل عليه الطعام. (لسان العرب 8/301).

(2/578)


اللحم، وآكل الزيت وعندي السمن، وآكل الملح وعندي الزيت، وآكل البحث1 وعندي الملح، ولكن صاحباي سلكا طريقاً فأخاف أن أخالفهما فيخالف بيَ"2.
قال سفيان3: "كان عمر رضي الله عنه يشتهي الشيء لعلّه يكون ثمن درهم فيؤخره سنة"4.
وعن العُتْبيّ5: "بُعث إلى عمر رضي الله عنه بحلل فقسمها6 فأصاب كل رجل منا7 ثوب ثم صعد المنبر وعليه حلة والحلة ثوبان فقال: "أيها الناس ألا تستمعون؟"، فقال سلمان8 رضي الله عنه: "لا نسمع". فقال عمر: "ولِمَ يا أبا عبد الله؟"، قال: "إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك حلة"، فقال: "لا تعجل يا أبا عبد الله، ثم نادى عبد الله فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد الله بن عمر"، فقال: "لبيك يا أمير المؤمنين"، قال: الثوب الذي اتزرت9 به هو ثوبك؟" قال: "اللهم نعم". فقال سلمان: "الآن فقل نسمع"10.
__________
1 البحُثُ: كلّ ما أُكِلَ وحده، مما يُؤدَم. (لسان العرب 2/9).
2 ابن شبه: تاريخ المدينة 3/802، بنحوه، ابن الجوزي: مناقب ص 145، 146، وهو ضعيف لانقطاعه بين محمّد بن قيس وعمر، ومحمّد بن قيس ضعيف، وفي إسناد ابن شبه أبو معشر السندي، وهو ضعيف. (التقريب رقم: 7100).
3 ابن عيينة الهلالي، ثقة حافظ ففيه إمام حجة، إلا أنه تغير حفظه بأخَرَه، وكان ربما دلس لكن عن الثقات، توفي سنة ثمان وتسعين ومئة. (التقريب ص 245).
4 ابن شبه: تاريخ المدينة 3/805، بنحوه: ابن الجوزي: مناقب ص 146، وهو ضعيف لإعضاله.
5 محمّد بن عبيد الله الأموي البصري، توفي سنة ثمان وعشرين ومئتين. (المعارف ص 538، سير أعلام النبلاء (11/96).
6 في الأصل: (فقسمتها).
7 هكذا في الأصل، وابن الجوزي.
8 الفارسي.
9 كذا في الأصل، وفي القاموس ص 437: "وائتزر به وتأزر به، ولا تقل اتزر وقد جاء في بعض الأحاديث ولعله من تحريف الرواة". وفي النهاية 1/44: "إنه خطأ لأن الهمزة لا تدغم في التاء".
10 ابن قتينة: عيون الأخبار 1/55، وابن الجوزي: مناقب ص 146.

(2/579)


وعن أبي عثمان1، قال: "لما قدم عتبة بن فرقد أذربيجان أتي بالخبِيصِ2، فلما أكله وجد شيئاً حلواً طيباً فقال "واللّه لو صنعت لأمير المؤمنين من هذا" فجعل له سفطين عظيمين3، ثم حملهما على بعير مع رجلين، فسرح / [84 / أ] بهما إلى عمر رضي الله عنه فلما قدما عليه فتحهما، قال: "أي شيء هذا"؟ قالوا: "خبيص" فذاقه فإذا شيء حلو، فقال للرسول: "أَكُلُّ المسلمين4 شبع من هذا في رحالهم"؟ قال: "لا" قال: "أما لا، فارددهما" ثم كتب إليه أما بعد: فإنه ليس من كدّك ولا كدّ أمك أشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك"5.
قال عتبة بن فرقد: "قدمت على عمر رضي الله عنه بسلال خبيص عظام، ما آلو6 أن أحسن وأجيد، فقال: "ما هذه"؟ قلت: طعام أتيتك به، لأنك تقضى حاجات الناس أول النهار، فأحببت إذا رجعت أن ترجع إلى طعام فتصيب منه، فيقويك، قال: فكشف عن سلة منها، فقال: "عزمت عليك يا عتبة إذا رجعت إلا رزقت كل رجل من المسلمين منه" فقلت7: والذي يصلحك يا أمير
__________
1 النهدي.
2 الخَبِيص: المعمُول من التَّمر والسَّمن. (القاموس ص 795).
3 السَّفَط: واحد الأسفاط. وهو كالجوالق. (لسان العرب 7/315).
4 في الأصل: (المسلمون)، ولعله سهو من المؤلف.
5 ابن أبي شيبة: المصنف 12/325، هناد: الزهد 2/365، وإسنادهما صحيح. ابن الجوزي: مناقب ص 146، 147، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/627، 628، وأصله في مسلم: الصّحيح 3/1642 رقم: 2069.
6 في الأصل: (ألون)، وهو تحريف.
7 في الأصل: (قال)، وهو تحريف.

(2/580)


المؤمنين لو أنفقت مال قيس1 كلها ما وسع ذلك، قال: "فلا حاجة لي منه" ثم دعا بقصعة من خبر جريش، ولحم غليظ، وهو يأكل معي أكلاً شهياً2، فجعلت أهوى إلى البضعة3 البيضاء أحسبها سناما فإذا هي عصبة، والبضعة من اللحم أمضغها فلا أسيغها فإذا غفل عني جعلتها بين الخوان4 والقصعة، ثم دعا بعس من نبيذ قد كاد يكون خلا، فقال: "اشرب" فأخذته وما أكاد أسيغه ثم أخذه فشرب، ثم قال: "اسمع يا عتبة إننا ننحر كل يوم جزورا فأما ودكها، وأطايبها فلمن حضرنا من آفاق المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر نأكل هذا اللحم الغليظ، ونشرب هذا النبيذ الشديد، يقطعه5 في بطوننا أن يؤذينا"6.
وعن عتبة بن فرقد السلمي قال: "قدمت على عمر رضي الله عنه وكان ينحر جزورا كل يوم، أطيبها للمسلمين وأمهات المؤمنين، ويأمر بالعنق والعلباء فيأكله هو، وأهله، فدعا بطعام فأتى به فإذا خبز خشن، وكسور من لحم غليظ، فجعل يقول: "كل" فجعلت آخذ البضعة فألوكها فلا أسيغها، فنظرت فإذا بضعة بيضاء ظننتها من السنام، فأخذتها فإذا هي من علباء العنق،
__________
1 يريد: قيس بن عيلان بن مضر، جد سليم بن منصور القبيلة التي ينتمي إليها عتبة. (جمهرة أنساب العرب ص 261).
2 في الأصل: (شيها)، وهو تحريف.
3 في هامش الأصل: (لعله: القطعة)، وفي القاموس ص 909، البَضْعَة وقد تكسر: القِطعَة من اللحم.
4 الخوان، - كغراب -: ما يؤكل عليه الطعام. (القاموس ص 1452).
5 في الأصل: (قطعه)، والتصويب من الزهد.
6 ابن أبي شيبة: المصنف 12/326، هناد: الزهد 2/364، وإسنادهما صحيح، ابن الجوزي: مناقب ص 147، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/627.

(2/581)


وإني إن سلكت غير طريقهما سلك بيَ غير طريقهما، وإني / [84 / ب]، والله لأشركنهما في مثل عيشهما الشديد، لعلّي أدرك معهما عيشهما الرخي.
يعني بصاحبيه1: النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه"2.
وعن أشياخ من الأنصار، قالوا: "أتانا عمر بن الخطاب بقباء، فأُتي بشربة من عسل، فقال: "إيتني بشربة هي أهون عليّ في المسألة من هذه يوم القيامة"3.
وعن أنس4 قال: "صليت إلى جنب عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام الرّمادة؛ وكان عام قحط، فتقرقر بطنه، فقال لبطنه: اسكن فوالله ما لك عندنا غير هذا، حتى يحيى الناس، وكان يأكل الزيت"5.
قال ابن أبي نجيح6: "كان لعمر كل شهر ثلاثة دراهم لحم"7.
وعن الأشهب8 عمن9 ذكره قال: "مرّ عمر رضي الله عنه على مزبلة فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذوا بها، فقال: "هذه دنياكم التي تحرصون عليها، وتبكون عليها"10.
__________
1 في الأصل: (لصاحبيه)، وهو تحريف.
2 أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 157، والأثر تقدم تخريجه ص 681.
3 أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 187، بدون إسناد وقد مضى بنحوه عن ثابت البناني، والحسن ص 566، 577.
4 ابن مالك.
5 سبق تخريجه ص 675.
6 عبد الله بن أبي نجيح المكي، ثقة، رمي بالقدر، ربما دلس، توفي سنة إحدى وثلاثين ومئة. (التقريب ص 326).
7 أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 191، بدون إسناد.
8 جعفر بن حيّان السعدي.
9 في الأصل: (عن ذ)، وهو تحريف.
10 أحمد: الزهد ص 118، عن أبي الأشهب عن الحسن، ومن طريقه أبو نعيم: الحلية 1/48، وإسناده صحيح إلى الحسن، وأبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 191.

(2/583)


وفي (مسند) الإمام أحمد عن عليّ رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله، من نؤمر بعدك؟"، قال: "إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً، زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويّاً أميناً زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، وإن تؤمروا عثمان تجدوه قويّاً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا عليّاً ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم"1.
قال ابن الجوزي: "نبذ الدنيا من وراء ظهره، فتخفف من الأثقال لأجل السباق، كان يخطب وفي إزاره ثنتا عشرة رقعة، كفّ كفّه عن المال زاهداً فيه، حتى أَمْلَقَ أهلُه. رأى يوماً صبية تمشي في السُّوق، والريحُ تلقيها لضعفها، فقال: "من يعرف هذه؟"، فقال ابنه عبد الله: "هذه إحدى بناتك"، قال: "أي بناتي؟"، قال: "بنت عبد الله بن عمر"، قال: "فما بلغ بها ما أرى؟"، قال: "إمساكك ما عندك"، قال: "إمساكي ما عندي يمنعك أن تطلب لبناتك ما يطلب الناس، أما والله ما لك عندي إلا سَهْمك مع المسلمين وَسِعك أو عجزَ عنك، بيني وبينكم كتاب الله"2.
وقد أنشد فيه:
عفَّ عن الدّنيا وقد تزخرفت ... مُمْكنةً وعافَها وقد قدر
__________
1 أحمد: المسند 2/157، وإسناده صحيح وصحّحه أحمد شاكر في تعليقه على أحاديث المسند رقم: 859 والبزار كما في كشف الأستار 3/225، والهيثمي: مجمع الزوائد 5/176، وقال: "رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط ورجال البزار ثقات". قال أحمد شاكر: "فيظهر لي أن الهيثمي لم يعرف عبد الحميد بن أبي جعفر، ورأى إسناد البزار معروفاً له فوثّق رجاله".
2 سبق تخريجه ص 584.

(2/584)


مُحَكَّم في النّاس يقضي بينهم ... بمحكم الآي ومَنْصوص السُّوَر
حدَّثْت عنه مثلَ ما تحدّثت عن ... كرم1 الأغصان حَلْوَاءُ الثّمر2/ [85 / أ].
__________
1 في الأصل: (فن الزم)، وهو تحريف.
2 ابن الجوزي: التبصرة 1/426، 427.

(2/585)


الباب الثالث والخمسون: تواضعه
...
الباب الثالث والخمسون: في ذكر تواضعه
ذكر ابن الجوزي عن جبير بن نُفير1، أن نفراً قالوا لعمر بن الخطاب: "ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط، ولا أقولَ بالحقّ ولا أشدّ على المنافقين منك يا أمير2 المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله، فقال عوف بن مالك3: "كذتم - والله - لقد رأينا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فقال: "من هو؟"، فقال: "أبو بكر"]4 فقال عمر: "صدق عوف، وكذبتم، والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي"، - يعني: قبل أن يسلم -، لأن أبا بكر أسلم قبله بست سنين"5.
وعن مُجالد بن سعيد قال: "لما أتى عمر رضي الله عنه [الخبر]6 بنزول رستم القادسية، كان يستخبر الركبان عن أهل القادسية منذ حين يُصبح إلى انتصاف النهار، ثم يرجع إلى أهله، فلما لقيه البشير، سأله من أين جاء؟ فأخبره، فقال: "يا عبد الله حدّثني"، قال: "هزم الله العدوّ"، وعمر رضي الله عنه يخُبّ7 معه
__________
1 الحضرمي، ثقة جليل، من الثانية، مخضرم، ولأبيه صحبة، توفي سنة ثمانين. (التقريب ص 138).
2 مطموس في الأصل، سوى: (أمير).
3 الأشجعي، صحابي مشهور، من مسلمة الفتح، وسكن دمشق، توفي سنة ثلاث وسبعين. (التقريب ص 433).
4 سقط من الأصل.
5 ابن الجوزي: مناقب ص 148، أبو نعيم: تثبيت الإمامة ص 104، ابن عساكر: تاريخ دمشق 9/704، 705، وأورده والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/497، وعزاه لأبي نعيم في فضائل الصحابة، وقال ابن كثير: "إسناده صحيح".
6 سقط من الأصل.
7 الخَبَبُ: ضربٌ من العدوّ. (القاموس ص 99).

(2/586)


ويستخبره، والآخر يسير على ناقته ولا يعرفه حتى1 دخل المدينة فإذا الناس يسلّمون عليه بإمرة المؤمنين، فقال الرجل: "فهلاّ أخبرتي - رحمك الله - أنك أمير المؤمنين، وجعل عمر يقول: "لا عليك يا أخي"2.
وعن عبد الله بن مصعب3 قال: "قال عمر رضي الله عنه: "لا تزيدوا مهور النساء على أربعين أوقية4، وإن كانت بنت ذي الغُصّة - يعني: يزيد بن الحصين الحارثي5 - فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال، فقالت امرأة من صفّ النساء طويلة، في أنفها فَطْسٌ6: "ما ذاك لك"، قال: "ولم؟" قالت: "لأن الله تعالى يقول: {وآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذوا منه شَيئاً أَتَأْخُذًُونَه بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً}" [النساء: 20]، فقال عمر رضي الله عنه: "امرأة أصابت ورجل أخطأ"7.
وعن مسروق8 بن الأجدع9 قال: "ركب عمر
__________
1 مطموس في الأصل، سوى: (تى).
2 الطبري: التاريخ 3/583، ابن الجوزي: مناقب ص 148، 149، ابن الأثير: التاريخ 2/484، والخبر ضعيف لانقطاعه بين مجالد وعمر، ومجالد ضعيف، وفي إسناده سيف بن عمر ضعيف. (التقريب رقم: 2724، 6478).
3 ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير، يروي عن أبي حازم، روى عنه إبراهيم بن خالد الصنعاني مؤذن مسجد صنعاء. (الثقات 7/569).
4 الأوقية - بالضم - سبعة مثاقيل. (القاموس ص 1731).
5 كذا في الأصل، وفي الإصابة 2/23: "حصين بن يزيد بن شداد الحارثي ذو الغصة، لقب بذلك لأنه كان في حلقه شبه الحوصلة، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم.
6 الفَطْس: تطامن قصبة الأنف وانتشارها. (القاموس ص 726).
7 ابن الجوزي: مناقب ص 149، ابن كثير: التفسير 2/213، وعزاه للزبير بن بكار، وقال: "فيه انقطاع".
8 مطموس في الأصل، سوى (سروق).
9 الهمداني الكوفي، ثقة عابد مخضرم، من الثانية توفي سنة اثنتين وستين. (التقريب ص 528).

(2/587)


رضي الله عنه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال: "أيها الناس ما إكثاركم في صَدُقات النساء فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه [يقللون]1 وإنما الصَّدقُات ما بين أربع مئة درهم فما دون، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى، أو تكرمة لم تسبقوهم إليها، فلا أعرفَنْ ما زاد رجل في صداق امرأة على أربع مئة درهم".
ثم نزل، فاعترضته امرأة من قريش، فقالت: "يا أمير المؤمنين، أنهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مئة درهم؟"، قال2: "وما ذاك؟". قالت: "أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟"، قال: "وأي ذلك؟"، قالت: "أو ما سمعت الله يقول: {وآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذوا منه شَيئاً أَتَأْخُذًُونَه بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً}" [النساء: 20]، فقال: "اللهم غفراً كل إنسان أفقه من عمر"، ثم رجع فركب المنبر، فقال: "أيا الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مئة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحبّ وطابت به نفسه فليفعل"3.
وعن أبي الغالية الشامي4 قال: "قدم عمر رضي الله عنه الجابية على جمل أورق5، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة، تصطفق6 رجلاه
__________
1 سقط من الأصل.
2 في الأصل: (قلت)، والتصويب من الهامش.
3 أبو يعلى كما في المطالب العالية 2/4، 5، ابن الجوزي: مناقب ص 149، ابن كثير: التفسير 2/212، وعزاه لأبي يعلى وقال: "إسناده جيد"، والهيثمي: مجمع الزوائد 4/283، 284، وقال: "رواه أبو يعلى في الكبير وفيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف وقد وثّق".
4 لم أجد له ترجمة.
5 الأوْرق: ما في لونه بياض إلى سواد. (القاموس ص 1198).
6 كذا في تاريخ المدينة، وتاريخ ابن كثير. وفي الأصل: (تصفق).

(2/588)


بين شعبتي رحله بلا ركاب، وطاؤه كساء انبجاني ذو صوف، هو وطاؤه إذا ركب وفراشه إذا نزل، حقيبته نمرة أو شملة محشوة ليفاً، هي حقيبته إذا ركب، ووسادته إذا نزل، عليه قميص من كرابيس1، قد دسم وتخرق جبيه، / [85 / ب] فقال: "ادعوا لي رأس القرية"، فدعوا له الجلموس2، فقال: "غاسلوا قميصي وخيطوه وأعيروني قميصاً، أو ثوباً". فأتي بمقيص كتان3، فقال: "ما هذا؟"، قالوا: "كتان"، قال: "وما الكتّان؟"، فأخبروه، فنزع قميصه فغُسل، ورقع، وأتي به، فنزع قميصهم ولبس قميصه، فقال له الجلموس: "أنت ملك العرب، وهذه بلاد لا تصلح بها الإبل". فأتي ببرذون فطرح عليه قطيفة، [لا سرج]4 ولا رحل وركبه، فقال: "احبسوا احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشياطين قبل هذا"، فأتي بجملة فركبه"5.
وعن هشام بن عروة عن أبيه،6 قال: "قدم عمر رضي الله عنه الشام، فتلقاه أمراء الأجناد، وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: "أين أخي؟"، قالوا: "من؟"، قال: "أبو عبيدة بن الجراح"، قالوا: "يأتيك الآن"، فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه، فسأله، ثم قال للناس: "انصرفوا عنا"، فسار معه
__________
1 كرابيس: جمع كِرْباس، وهو القُطْن. (لسان العرب 6/195).
2 في تاريخ ابن كثير: " الجلوس".
3 الكتّان: ثياب مُعتدلة في الحرّ والبرد واليبوسة، ولا تلزق بالبدن، ويقلّ قمله. (القاموس ص 1583).
4 سقط من الأصل.
5 ابن شبه: تاريخ المدينة 3/824، 825، ابن الجوزي: مناقب ص 151، ابن كثير: التاريخ 4/61، وعزاه لابن أبي الدنيا، والخبر ضعيف فيه عبد الله بن مسلم بن هرمز، ضعيف. (التقريب رقم: 3616).
وأبو الغالية الشامي لم أجد له ترجمة.
6 ابن الزبير .

(2/589)


حتى منزله، فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه، وترسه، ورحله، قال له عمر: "لو اتخذت متاعاً؟"، أو قال: "شيئاً؟"، فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين، إن هذا سيبلغنا المقيل"1.
وعن طارق بن شهاب قال: "لما قدم عمر رضي الله عنه الشام عرضَت له مخاضة، فنزل عن بعيره، وقلع موقيه فأمسكهما بيده، فخاض عمر الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: "قد صنعت صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض كذا وكذا"، قال: فصك في صدره، وقال: "أوهْ2 لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذلّ الناس، وأحقر الناس، وأقلَّ الناس، فأعزَّكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزّةَ بغير الله يذلكم الله"3.
وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن طارق4 بن شهاب قال: "قدم عمر الشام فتلقته الجنود، وعليه إزار وخفان وعمامة، وهو آخذ برأس5 راحلته، فقالوا: "يا أمير المؤمنين، تلقاك الجنود، والبطارقة وأنت على حالك هذه؟!"، فقال: "إنا قوم أعزّنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزّة بغيره"6.
__________
1 ابن المبارك: الزهد ص 208، وإسناده صحيح إلى عروة.
2 أوه: كلمة تقال عند الشكاية أو التّوجع. (القاموس ص 1604).
3 ابن المبارك: الزهد ص 208، وإسناده صحيح، الحاكم: المستدرك 3/82، أبو أو نعيم: الحلية 1/47، ابن الجوزي: مناقب ص 150، 151، ابن كثير: التاريخ 4/61، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/618، وعزاه لابن المبارك وهناد والحاكم والحلية والبيهقي في شعب الإيمان. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين لاحتجاجهما جميعاً بأيوب بن عائذ الطائي وسائر رواته ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. (المستدرك 1/62).
4 في الأصل: (صارى)، وهو تحريف.
5 في الأصل: (بروس)، وهو تحريف.
6 أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 186، وابن أبي شيبة: المصنف 13/41، الحاكم: المستدرك 1/62، وفي إسناده الأعمش مدلس وقد عنعن.
والأثر ثابت من طريق آخر، كما مرّ. قال الحاكم: "وله شاهد من حديث الأعمش عن قيس بن مسلم". (المستدرك 1/62، الحلية 1/47).
والأعمش من المرتبة الثانية الذين احتمل الأئمة تدليسهم واحتجوا بحديثهم.

(2/590)


وعن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أنه كان مع عمر رضي الله عنه وهو يريد الشام، حتى إذا دنا من الشام، أناخ عمر، وذهب لحاجة له، قال أسلم: "فطرحت فروتي بين شعبتي رحلي، فلما خرج عمر عمد إلى بعير أسلم فركبه على الفور، وركب بعير عمر فخرجا يسيران، حتى لقيهما أهل الأرض، قال أسلم: فلما دنوا منا أشرت لهم إلى عمر، فجعلوا يتحدّثون بينهم، فقال عمر: "تطمح أبصارهم إلى1 مراكب من لا خلاق له، كأن عمر [يريد]2 مراكب العجم"3.
وعن إسماعيل4 عن5 قيس6 قال: "لما قدم عمر الشام ا ستقبله الناس وهو على بعيره فقالوا: "يا أمير المؤمنين لو ركبت برذوناً يلقاك عظماء الناس ووجوههم؟"، فقال: "لا أراكم7 ههنا، [إنما الأمر من ههنا]8". وأشار بيده
__________
1 في الأصل: (إلا)، وهو تحريف.
2 سقط من الأصل.
3 ابن المبارك: الزهد ص 207، وإسناده صحيح. وابن أبي شيبة: المصنف 13/39، ابن شبه: تاريخ المدينة 3/821، 822، ابن الجوزي: مناقب ص 151، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/653، وعزاه لابن المبارك وابن عساكر.
4 ابن أبي خالد.
5 في الأصل: (ابن)، وهو تحريف.
6 ابن أبي حازم.
7 في الأصل: (ألا راكم)، وهو تحريف.
8 سقط من الأصل.

(2/591)


إلى السماء، خلّوا جملي"1.
وعن عبيد الله بن عباس2 قال: "كان للعبّاس ميزاب على طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة، وقد كان ذبح للعباس فرخان، فلما وافى الميزاب، صُبَّ ماءٌ بدم الفرخين، فأصاب / [86 / أ] عمر، فأمر عمر بقلعه، ثم رجع عمر رضي الله عنه فطرح ثيابه ثم لبس ثياباً غير ثيابه، ثم جاء فصلى بالناس فأتاه العباس، فقال: "والله إنه لَلمضوْضِعُ3 الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقال عمر: "فأنا أعزم عليك لما صعدت عليّ4 حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلمففعل ذلك العباس رضي الله عنه"5.
وعن محمّد بن سعد يرفعه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لقد رأيتني ومالي من أكال6 يأكله الناس إلا أن لي خالاتٍ من بني مخروم كنت استعذب لهن الماء فيقبضن لي القبضات من الزبيب". ثم نزل، فقيل له: "ما أردت إلى هذا يا أمير المؤمنين؟"، قال: "إني وجدت من نفسي شيئاً فأردت أن
__________
1 وابن أبي شيبة: المصنف 13/40، وإسناده صحيح، وأبو نعيم: الحلية 1/47، من طريق ابن أبي شيبة، ابن شبه: تاريخ المدينة3/831، ابن الجوزي: مناقب ص151.
2 ابن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم من صغار الصحابة، توفي بالمدينة سنة سبع وثمانين. (التقريب ص 371).
3 في الأصل: (الموضع)، والمثبت من المسند والطبقات.
4 قوله: " عليّ"، غير واضح في الأصل.
5 أحمد: المسند 3/224، ابن سعد: الطبقات 4/20، وإسنادهما ضعيف لانقطاعه، وقال أحمد شاكر في تعليقه على أحديث المسند رقم: 1790: "إسناده ضعيف لانقطاعه، هشام بن سعد صدوق، ولكنّه لا يروي إلا عن التابعين، توفي سنة ستين ومئة. وعبيد الله بن عباس من صغار الصحابة". وأورده ابن الجوزي: مناقب ص151.
6 الأكال: يقال: ما ذقت أكالاً - بالفتح -، أي: طعاما. (الصحاح 4/1625).

(2/592)


أطأطئ1 منها"2.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته يقول وبيني وبينه جدار، وهو في جوف الحائط: عمر أمير المؤمنين بَخْ بَخْ والله بُنيّ3 الخطاب لتتقين الله، أو ليعذبنك"4.
وقال أبو إسحاق الفزاري5: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "إن أحب الناس إليّ من أهدى إليّ عيوبي"6.
وعن عبد الرحمن بن حفصة7 قال: "قدمنا على عمر رضي الله عنه في وفد من بني صبة8، وأنا غلام فقضوا حوائجهم وتركوني فمرّ عمر رضي الله عنه في السوق على ناقة فوثبت9 وثبة فإذا أنا خلفه، فضرب بين
__________
1 في الأصل: (طأطئ).
2 ابن سعد: الطبقات 3/293، وإسناده ضعيف لإبهام أحد رجال السند. وابن الجوزي: مناقب ص 152.
3 في الأصل: (وبُني)، وهو تحريف.
4 مالك: الموطّأ ص 542، ومن طريقه ابن سعد: الطبقات 3/292، وإسناده صحيح، أبو نعيم: المعرفة 1/216، أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 154، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 152، المحب الطبري: الرياض النضرة 1/376، وعزاه لابن أبي الدنيا في محاسبة النفس، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/618.
5 إبراهيم بن محمّد الفزاري الإمام، ثقة، حافظ له تصانيف، توفي سنة خمس وثمانين ومئة. (التقريب ص 92).
6 ابن الجوزي: مناقب ص 152، وهو ضعيف لإعضاله، وبنحوه في ابن سعد: الطبقات 3/293، عن سفيان بن عيينة.
7 لم أجد له ترجمة.
8 في مناقب عمر: (منبه).
9 في الأصل: (فوثب).

(2/593)


كتفي وقال: "ممن أنت؟"، فقلت1: ضَبِّي، قال: "جسور"، قلت: على العدو، وقال: "وعلى الصديق، حاجتك؟"، فقضى حاجتي، ثم قال: "فرغ لنا ظهر راحلتنا"2.
وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: "خرجنا مع عمر رضي الله عنه إلى حجّ أو عمرة، حتى مرّ بشعاب ضَجنَان3 فالتفت إليها فقال: "لقد رأيتني في هذه4 الشعاب، في إبل الخطاب وكان فظاً غليظاً، أحتطب مرّة، وأختبط عليها أخرى، ثم أصبحت اليوم فضرب الناس بجنباتي ليس فوقي أحد، ثم قال:
لا شيء فيما ترى إلا بشاشته ... يبقي الإلهُ ويودي المالُ والولد5
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: "نادى عمر في الناس الصلاة جامعة، ثم جلس على المنبر فما تكّلم حتى امتلأ المسجد ثم قام، فقال: "الحمد لله لقد رأيتني أوجز6 نفسي بطعام ثم أصبحت على ما ترون،
__________
1 قوله: " فقلت"، في الأصل فوق السطر.
2 ابن الجوزي: مناقب ص 152.
3 ضجِنان: حرة مستطيلة من الشرق إلى الغرب ينقسم عنها سيل وادي الهدَة. ويمر بها الطريق من مكّة إلى المدينة بنفصها الغربي على أربع وخمسين كيلاً من مكّة. ويعرف هذا النصف اليوم بخشم المحسنية. (معجم البلدان 3/453، معجم معالم الحجاز 5/189).
4 كذا في مناقب عمر، وفي الأصل: (هذا).
5 أبو عبيد: غريب الحديث 3/392، 393، وإسناده حسن. وابن عساكر: تاريخ دمشق ج 13 / ق 144، ابن الجوزي: مناقب ص 153، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/652، وعزاه لأبي عبيد في الغريب، وابن سعد، وابن عساكر.
6 في سير السلف ومناقب عمر: (أواجر).

(2/594)


فلما نزل قيل له: " [ما]1 حملك على ذلك؟"، قال: "إظهار الشّكر"2.
وعن محارب بن دِثار عن ابن عمر قال: "صعد عمر المنبر فجلس، ونودي الصلاة جامعة، فما زالوا يردون حتى امتلأ المسجد، فقام عمر فقال: "أحمد الله إليكم، إني كنت أوجز نفسي ثم أصبحت يضرب الناس بجنبتي ليس فوقي أحد". ونزل فقال له ابن عمر: "يا أمير المؤمنين ما دعاك إلى ما قلت؟"، قال: "إن أباك أعجبته نفسه فأحبّ أن يضعها"3.
وعن الحسن4: "أن رجلاً أثنى على عمر فقال: "أتهلكني وتهلك نفسك؟"5.
[وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنها - قال: "نادى عمر الصلاة جامعة، ثم جلس على المنبر فما تكلَّم حتى امتلأ المسجد ثم قام فقال: "الحمد لله لقد]6 رأيتني أواجر نفسي بطعام بطني، ثم أصبحت على ما ترون"، فقيل له: "ما حملك على ما تقول؟"، قال: "إظهار الشّكر"7.
وعن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن حزم8 عن رجل من جهينة
__________
1 سقط من الأصل.
2 أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 186، ابن الجوزي: مناقب ص 153، بدون إسناد.
3 ابن الجوزي: مناقب ص 153، وهو ضعيف لانقطاعه بين محارب بن دثار وعمر.
4 البصري.
5 ابن الجوزي: مناقب ص 153.
6 مطموس في الأصل، والتصويب من سير السلف.
7 سبق تخريجه.
8 لم أجد له ترجمة. ولعلّه: عبد الرحمن بن محمّد بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم الأنصاري، مقبول، من السابعة. (الطبقات الكبرى القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ص 463، التقريب ص 349).

(2/595)


قال: "بعثني أبي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجداءٍ1 أبيعهن بالمدينة، فلما كنت يوماً من المدينة/ [86 / ب] إذا أنا برجل عامد إلى المدينة، وقد مال حِمْلُ حماري فقلت: "يا عبد الله أعني على حِمْل حماري، حتى أعدله"، قال: "نعم، يا بني". فقام معي حتى عدله، ثم قال لي: "من أنت؟"، فقلت: "أنا فلان بن فلان الجهني"، فقال: "إذا أتيت أباك فقل له: "إن أمير المؤمنين يقول لك: إياك وذبح الجداية، فإن2 ودك3 العتود4 خير من أنفحه الجدي". قلت: "من أنت - يرحمك الله -؟"، قال: "أنا عمر أمير المؤمنين"5.
وعن عبد الجبار بن عبد الواحد التنوخي67، قال: "قال عمر رضي الله عنه وهو على المنبر: "أنشدكم الله لا يعلم رجل مني عيباً إلا عابه"، فقال: رجل: "نعم، يا أمير المؤمنين، فيك عيبان"، قال: "وما هما؟"، قال: "تديل بين البردين، وتجمع بين الأدمين، ولا يسع ذاك الناس"، قال: "فما دال8 بين بردين، ولا جمع بين أدمين، حتى لقي الله عزوجل".
__________
1 الجَدْيُ من أولاد المعز: ذكرُها الذي لم يبلغ سنة. (لسان العرب 14/135، القاموس ص 1638).
2 في الأصل: (كل)، وهو تحريف.
3 الوَدَك: الدَّسَم. (القاموس ص 1235).
4 العَتُود: الحَوْليُّ من أولاد المعز. (القاموس ص 379).
5 ابن أبي الدنيا: إصلاح المال ص 218، وهو ضيعف لإبهام أحد رجال السند. وابن الجوزي: مناقب ص 153، 154.
6 في الأصل: (التنوخي) بالهامش.
7 لم أجد له ترجمة.
8 في الأصل: (دان)، وهو تحريف.

(2/596)


قوله: "تديل بين البردين: أي: تلبس قميصاً، وتخليه وتلبس غيره"12.
وقال سالم الأفطس3: "جاءت وفود فارس إلى عمر رضي الله عنه يطلبونه فلم يجدوه في منزله، فقيل لهم: هو في المسجد. يشير إلى أنه لم يكن له موضع للحكم"4
وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن تميم بن سلمة5 قال: "لما قدم عمر رضي الله عنه الشام تلقاه أبو عبيدة بن الجراح فخاض إليه عمر الماء في خفيه، فقال له أبو عبيدة: "يا أمير المؤمنين إنك بإزاء العدوّ"، فقال: "دعنا منك، فإنّ الله أعزّنا بالإسلام"، قال: وقبل أبو عبيدة يده، ثم خلوا فجعلا يبكيان"6.
__________
1 انظر: ابن منظور: لسان العرب 11/252.
2 ابن أبي الدنيا: إصلاح المال ص 37، ابن الجوزي: مناقب ص 154، وهو ضعيف في إسناد ابن أبي الدنيا من لم أجد له ترجمة.
3 سالم بن عجلان الأفطس، الأموي مولاهم، ثقة رمي بالإرجاء، توفي سنة اثنتين وثلاثين ومئة. (التقريب ص 227).
4 ابن شبه: تاريخ المدينة 2/692، وابن الجوزي: مناقب ص 154، وهو ضعيف لانقطاعه بين سالم وعمر بن الخطاب، وهو في ابن سعد: الطبقات 3/293، وإسناده صحيح، وابن عساكر: تاريخ دمشق ج 13 / ق 116، بإسناد آخر.
5 السلمي، ثقة، توفي سنة مئة. (التقريب ص 130).
6 أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 166، 167، وهو منقطع بين تميم وعمر ابن الخطاب.

(2/597)


الباب الرابع والخمسون: حلمه
...
الباب الرابع والخمسون: في ذكر حلمه
في الصحيح عن أبي الدّرداء1 قال: "كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه2، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما صاحبكم فقد غامر" 3، فسلم، وقال: "إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك"، فقال: "يغفر الله لك يا أبا بكر" ، ثلاثاً. ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمَّ أبو بكر؟ قالوا: "لا". فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر4 حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: "يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت5، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟" مرتين، فما أوذي بعدها"6.
ومن طريق آخر: "كان بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عمر عنه مغضباً، فاتّبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، - فقال أبو الدّرداء:
__________
1 عويمر بن زيد الأنصاري.
2 في صحيح البخاري: (ركبته).
3 غامر: أي: خاصم غير. (لسان العرب 5/30).
4 تمعر: تغير وعلته صُفرة. (لسان العرب 5/181).
5 في صحيح البخاري: (صدق).
6 البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1339، رقم: 3461.

(2/598)


ونحن عنده - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما صاحبكم هذا فقد غامر" ، قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقصّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، قال أبو الدّرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول: "والله يا رسول الله، لأنا كنت أظلم"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركوا لي صاحبي، هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ إني قلت: يا أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعاً، فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدقت" 1.
وفي الصحيح عن ابن عباس، قال: "قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس2، وكان من النفر الذي يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولاً كانوا أو شُباناً، فقال عيينة لابن أخيه: "يابن أخي هل لك أو قال: لك وجه عند الأمير، فاستأذن لي عليه". قال: "سأستأذن لك عليه"، قال ابن عباس: فاستأذن / [87 / أ] الحرُ لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: "إيهْ، أو هِيْ3 يابن الخطاب، فوالله ما تعطينا
__________
1 البخاري: الصحيح، كتاب التفسير 4/1701، رقم: 4364.
2 الفزاري، صحابي، أسلم مع وفد فزارة. (الإصابة 2/5).
3 إيه - بكسر الهمزة والهاء، وفتحها وَتُنَوَّن المكسورة -: كلمة استزادةٍ واستنطاقٍ، وإيه، بإسكان الهاء: زجرٌ بمعنى: حسبك. كما يقال: "إيه عنا أي: كفّ"، وهِيْ، بكسر ثم سكون، وفي بعضها، هيه - بكسر الهاء من بينهما تحتية ساكنة - قال النووي بعد أن ضبطها: "هكذا هي كلمة تقال في الاستزادة"، وقال ابن الملقن: "هِيْ يا ابن الخطاب، بمعنى: التهديد له"، وقال الزركشي: "هي يا ابن الخطاب - بكسر الهاء وآخره همزة مفتوحة - تقول للرجل إذا استزدته "هيه وإيه"، قال ابن حجر: "وقوله: وآخره همزة مفتوحة لا وجه له، ولعله من الناسخ، أو سقط من كلامه شيء، والذي يقتضيه السياق أنه أراد بهذه الكلمة الزجر وطلب الكفّ لا الازدياد". (الصحاح 6/2226، لسان العرب 13/474، القاموس ص 1604، فتح الباري 13/258، 259).

(2/599)


الجزل1 ولا تحكم فينا بالعدل". فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال له الحرّ: "يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه: {خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين". والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله"2.
ورواه ابن الجوزي عن ابن عباس بلفظه إلا أن فيه: "وكان القراء أصحاب مجلس عمر"3، وهي في بعض طرق الصحيح4.
وعن إبراهيم بن حمزة5، قال: "أُتي عمر رضي الله عنه ببرود فقسمها بين المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - وكان فيها برد فاضل لها، فقال: "إن أعطيته واحداً منهم غضب أصحابه ورأوا أني فضلته عليهم، فدلّوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة أعطيه إياه". فسمّوا له المسور ابن مخرمة، فدفعه إليه، فنظر إليه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: "تكسوني هذا البرد وتكسوا ابن أخي مسوراً أفضل منه؟"، قال: "يا أبا إسحاق، إني كرهت أن أعطيه واحداً منكم فيغضب أصحابه، فأعطيته فتى نشأ نشأة حسنة لا يتوهم فيه أني أفضله عليكم"، فقال سعد: "إني قد حلفت لأضربن بالبرد الذي أعطيه رأسك"، فخضع له عمر رأسه وقال: "عندك يا أبا إسحاق وليرفق الشيخ بالشيخ".
__________
1 الجزيل: العظيم. وأجزلت له من العطاء، أي: أكثرت. (لسان العرب 11/109).
2 البخاري: الصحيح، كتاب الاعتصام 6/2657، رقم: 6856، 4366.
3 ابن الجوزي: مناقب ص 154.
4 البخاري: الصحيح، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة 6/2657، رقم: 6856.
5 ابن محمّد بن حمزة بن مصعب الزُّبيري، المدني، صدوق، من العاشرة، توفي سنة ثلاثين ومئتين. التقريب ص 89).

(2/600)


فضرب رأسه بالبرد"1.
وعن الحسن2 قال: "كان بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبين رجل كلام في شيء، فقال له رجل: "اتّق الله يا أمير المؤمنين"، فقال له رجل من القوم: "أتقول لأمير المؤمنين: اتّق الله؟"، فقال له عمر رضي الله عنه: "دعه فليقلها لي، نعم، ما قال، ثم قال عمر: لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نقبلها منكم"3.
وعن عليّ بن رباح عن ناشرة4، قال: "سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول يوم الجابية، وهو يخطب الناس: "إن الله جعلني خازناً لهذا وقاسماً له، ثم قال: بل الله يقسمه وأنا بادئ بأهل النبي صلى الله عليه وسلم"، ففرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، عشرة آلاف، إلا جويرية وصفية وميمونة، فقالت عائشة - رضي الله عنها -: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدل بيننا"، فعدل بينهن عمر رضي الله عنه، ثم قال: "إني بادئ بي وأصحابي المهاجرين الأوّلين فإنا أخرجنا من ديارنا ظلماً وعدواناً ثم أشرفهم"، ففرض لأصحاب بدر منهم، خمسة آلاف، خمسة آلاف، ولمن شهد بدراً من الأنصار، أربعة آلاف، أربعة آلاف، وفرض لمن شهد الحديبية، ثلاثة آلاف، ثلاثة آلاف، وقال: "من أسرع بالهجرة أسرع به العطاء ومن أبطأ في الهجرة أبطأ به العطاء، فلا يلومن
__________
1 ابن الجوزي: مناقب ص 155، الفارسي: العقد الثمين 7/199، وعزاه للزبير بن بكار بدون إسناد.
2 البصري.
3 ابن شبه: تاريخ المدينة 2/773، وهو ضعيف لانقطاعه بين الحسن وعمر، وفيه مبارك بن فضالة مدلس وقد عنعن. (التقريب رقم: 6464)، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 155.
4 ابن سمّي اليَزَني.

(2/601)


رجل إلا مناخ راحلته، وإني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد فإني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطى ذا البأس، وذا الشرف، وذا اللسان فنزعته / [87 / ب] وأمرت أبا عبيدة بن الجراح". فقام أبو عمرو بن حفص بن المغيرة1، فقال: "والله ما اعتذرت يا عمر، ولقد [نزعت] عاملاً استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغمدت سيفاً سله رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعت امرأ2 نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطعت رحماً، وحسدت ابن العم". فقال عمر رضي الله عنه: "إنك قريب القرابة، حديث السن، تغضب في ابن عمك"3.
وعن أصبغ بن نُباتة4، قال: "خرجت أنا وأبي من زَرُوْد5 حتى ننتهي إلى المدينة في غلس6، والناس في الصلاة فانصرف الناس من صلاتهم وخرج الناس إلى أسواقهم، فدخل إلينا رجل معه درّه، فقال: "يا أعرابي أتبيع؟"، فلم يظل يساوم أبي7 حتى أرضاه على ثمن، وإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجعل يطوف في السوق، ويأمرهم بتقوى الله يقبل فيه ويدبر، ثم مرّ على أبي، فقال: "حبستني ليس هذا وعدتني"، ثم مرّ الثانية، فقال له مثل ذلك، فردّ عليه عمر: "لا أريم حتى أوفيك"، ثم مرّ به الثالثة فوثب أبي مغضباً
__________
1 المخزومي، ويقال فيه: أبو حفص بن عمرو بن المغيرة. (الإصابة7/136، التقريب ص 660).
2 في مسند: (لواء).
3 سبق تخريجه ص 590.
4 التميمي الحنظلي، الكوفي، متروك، رمي بالرّفض من الثالثة. (التقريب ص 113).
5 زَرُوْدُ: من أشهر منازل الحاجّ العراقي بعد الثّعلبية وقبل الأجفر للمتجه إلى مكّة، ويبعد عن الإجفر 58 كيلاً، وعن مدينة حائل بنحو 170 كيلاً، وهي لبني مجاشع من تميم، والآن مياه قبيلة شمر. (المناسك ص 299، المعجم الجغرافي (شمال المملكة) 2/632-637).
6 الغَلَس: ظلمة آخر الليل. (القاموس ص 723).
7 في الأصل: (أفيك).

(2/602)


فأخذ ثياب عمر، فقال له: "كذبتني وظلمتني"، ولهزه1، فوثب المسلمون إليه: يا عدوّ الله، لهزت أمير المؤمنين، فأخذ عمر رضي الله عنه ثياب أبي فجره لا يملك من نفسه شيئاً وكان شديداً فانتهى إلى قصاب، فقال: "عزمت عليك أو أقسمت عليك لتعطين هذا حقّه، وأهبك ربحي"، وكان عمر باع الغنم منه، فقال: "يا أمير المؤمنين لا، ولكن أعطي هذا حقّه، وأهبك ربحك"، فأخرج حقّه، فأعطاه، فقال له عمر: "استوفيت؟"، فقال: "نعم"، فقال عمر رضي الله عنه "بقي حقنا عليك لهزتك التي لهزتني، قد تركتها لله عزوجل ولك"، قال أصبغ: فكأني أنظر إلى عمر أخذ ربحه لحماً فعلقه في يده، وفي يده اليمنى الدّرّة يدور في الأسواق حتى دخل رحله"2.
وعن الحسن3 رضي الله عنه قال: "خرج عمر رضي الله عنه في يوم حار واضعاً رداءه على رأسه، فمرّ به غلامٌ على حمار، فقال: "يا غلام احمِلني معك"، قال: "فوثب الغلام عن الحمار فقال: "اركب يا أمير المؤمنين"، فقال: "لا أركب، وأركب خلفك، تريد أن تحملني على المكان الخشن، وتركب على المكان الموطأ4، ولكن اركب أنت، وأكون أنا خلفك". قال: فدخل المدينة وهو خلفه،
__________
1 لَهَزَهُ: ضربه بجُمعه في لهازمه ورقبته. (لسان العرب 5/407).
2 ابن أبي الدنيا: إصلاح المال ص 250، وابن الجوزي: مناقب ص 156، وفيه أصبغ ابن نباتة وهو متروك.
3 البصري.
4 في تاريخ دمشق وكنْز العمال: " تريد أن تحملني على المكان الواطي وتركب أنت على الموضع الخشن".

(2/603)


والناس ينظرون إليه"1.
وفي مسند الإمام أحمد، عن أبي ظبيان2: أن عمر أُتي بامرأة قد زنت، فأمر برجمها فذهبوا بها ليرجموها، فلقيهم عليّ رضي الله عنه فقال: "ما هذه؟"، قالوا: "زنت فأمر عمر برجمها"، فانتزعها عليّ من أيديهم وردّهم، فرجعوا إلى عمر، فقال: "ما ردّكم؟"، قالوا: "ردنا عليّ"، فقال: "ما فعل هذا إلا لشيء قد علمه"، فأرسل إلى عليّ فجاء هو شبيه المغضب، فقال: "ما لك رددت هؤلاء؟"، فقال: "أما سمعت [النبي صلى الله عليه وسلم] يقول: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستييقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل". قال عليّ: "هذه مُبتلاة بني فلان، فعلّه3 أتاها وهو بها". فقال عمر: "لا أدري". قال: "وأنا لا أدري"، فلم يرجمها"4. / [88 / أ].
وفي أمالي الجوهري5 عن عبد الله [بن]6 صبعة العبدي7، عن أبيه8،
__________
1 ابن عساكر: تاريخ دمشق ج 13 / ق 116، ابن الجوزي: مناقب ص 157، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/654، وعزاه للدنيوري، وهو ضعيف لانقطاعه بين الحسن وعمر بن الخطاب.
2 حُصَين بن جندب الجُنْبي، الكوفي، ثقة من الثانية، توفي سنة تسعين. (التقريب ص169).
3 في المسند: (فلعله).
4 أحمد: المسند 2/335، وإسناده صحيح، وصحّحه أحمد شاكر في تخريجه لأحاديث المسند رقم: 1327.
5 الحسن بن عليّ الشيرازي ثم البغدادي، المحدّث الصدوق، كان من بحور الرواية روى الكثير، وأملى عدة مجالس، وكان ثقة أميناً، توفي سنة أربع وخمسين وأربع مئة. (تاريخ بغداد 7/393، سير أعلام النبلاء (18/68).
6 سقط من الأصل.
7 لم أجد له ترجمة.
8 لم أجد له ترجمة.

(2/604)


عن جده1، قال: "أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلان سألاه عن طلاق الأمة، فقام معهما يمشي حتى أتى حلقة في المسجد فيها رجل أصلع، فقال: "أيها الأصلع، ما ترى في طلاق الأمة؟"، فرفع رأسه إليه ثم أومأ إليه بإصبعيه السبابة والوسطى، فقال لهما عمر: "تطليقتان)، فقال أحدهما: "سبحان الله جئناك وأنت أمير المؤمنين فمشيت معنا حتى وقفت على هذا الرجل فسألته فرضيت منه أن أومأ إليك؟!" فقال لهما: "ما تدريان من هذا؟، هذا عليّ بن أبي طالب، أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعته وهو يقول: "إن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعتا في كفّة، ووضع إيمان عليّ في كفّة ميزان لرجّح إيمان عليّ" 2.
__________
1 لم أجد له ترجمة.
2 لم أجده.

(2/605)