الثقات للعجلي ط
الباز بسم الله الرحمن الرحيم
التقدمة وترجمة المؤلف:
النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها. بيان أن
الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات.
درجات التوثيق في ميزان الذهبي. رأي ابن أبي حاتم الرازي،
وابن الصلاح في درجات التوثيق. ألفاظ التعديل ومراتبه عن
السخاوي. اهتمام الحفاظ بالجرح والتعديل. الكتب المؤلفة في
الجرح والتعديل ومسالكها. الكتب الجامعة بين الثقات
والضعفاء. كتب الثقات. كتب الضعفاء. كتب المدلسين.
المصنفات في رجال كتب مخصوصة. كتاب "الثقات" للعجلي. ترجمة
العجلي وبيان أن منزلته تعادل منزلة الإمام أحمد، ويحيى بن
معين. لِمَ لَمْ يرو الأحاديث. المحنة بخلق القرآن وموقفه
منها. روايته أخبار الصالحين وحكايات الزهاد فقط. شهادة
العلماء الثقات له. تحريه ودقته في توثيقه. درجة توثيقه.
نسخة الكتاب الخطية. نسخة الحافظ ابن حجر. الفرق بين
النسختين. خطة المقابلة بينهما. المقابلة على التاريح
الكبير للبخاري، وتاريخ يحيى بن معين، وثقات ابن حبان.
طريقة العجلي وترتيب الهيثمي. هل استوعب العجلي كل الثقات.
والد العجلي وترجمته. اعتماد الحافظ الهيثمي على أصلين لدى
ترتيبه ثقات العجلي. نبذة عن الحافظ الهيثمي مرتب الثقات.
النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، أنه قال: "سيكون في آخر أمتي أناس
يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم. فإياكم وإياهم".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان
دجالون كذابون. يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم
ولا آباؤكم. فإياكم وإياهم. لا يضلونكم ولا يفتنونكم".
(1/3)
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص في الخبر
الذي رواه مسلم في أول صحيحه "1: 12": إن الشيطان ليتمثل
في صورة الرجل, فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب,
فيتفرقون, فيقول الرجل منهم: سمعت رجلًا أعرف وجهه، ولا
أدري ما اسمه، يحدث. ثم أردف قائلًا: إن في البحر شياطين
مسجونة أوثقها سليمان, يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس
قرآنًا.
وجاء بشير بن كعب إلى ابن عباس -رضي الله عنه- فجعل يحدثه.
فقال له ابن عباس: عد لحديث كذا وكذا, فعاد له, ثم حدثه,
فقال له: عد لحديث كذا وكذا, فعاد له, فقال له: ما أدري،
أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا؟ أم أنكرت حديثي كله وعرفت
هذا؟ فقال له ابن عباس: إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذ لم يكن يُكذب عليه, فلما ركب الناس
الصعب والذلول، تركنا الحديث عنه.
وقال عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- إنما كنا نحفظ
الحديث. والحديث يُحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم,
فأما إذ ركبتم كل صعب وذلول فهيهات.
وقال مجاهد: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس, فجعل يحدث
ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس
لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه. فقال: يابن عباس! ما لي لا
أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا تسمع. فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلًا
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا,
وأصغينا إليه بآذاننا, فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم
نأخذ من الناس إلا ما نعرف.
(1/4)
وقال الإمام مسلم في صحيحه "1: 13-14":
حدثنا داود بن عمرو الضبي, حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي
مليكة؛ قال: كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتابًا
ويخفي عني, فقال: ولد ناصح. أنا أختار له الأمور اختيارًا
وأخفي عنه, قال فدعا بقضاء عليٍّ. فجعل يكتب منه أشياء,
ويمر به الشيء فيقول: والله ما قضى بهذا عليٌّ إلا أن يكون
ضل.
حدثنا عمرو الناقد, حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن
حجير، عن طاوس؛ قال: أُتي ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي رضي
الله عنه فمحاه إلا قدر1. وأشار سفيان بن عيينة بذراعه.
حدثنا حسن بن علي الحلواني, حدثنا يحيى بن آدم عن ابن
إدريس، عن الأعمش، عن أبي إسحاق؛ قال: لما أحدثوا تلك
الأشياء بعد علي رضي الله عنه؛ قال رجل من أصحاب علي:
قاتلهم الله أي علم أفسدوا.
حدثنا علي بن خشرم, أخبرنا أبو بكر، يعني ابن عياش. قال:
سمعت المغيرة يقول: لم يكن يصدق2 على علي رضي الله عنه في
الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود.
__________
1 "إلا قدر": منصوب غير منون، معناه: محاه إلا قدر ذراع.
2 "يصدق" ضبط على وجهين: "أحدهما": بفتح الياء وإسكان
الصاد وضم الدال. "والثاني": بضم الياء، وفتح الصاد،
والدال المشددة.
(1/5)
بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا
تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل
واجب، وأنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذب عن الشريعة
المكرمة:
قال الإمام مسلم في صحيحه "1: 14":
حدثنا حسن بن الربيع, حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب وهشام،
عن محمد، وحدثنا فضيل، عن هشام. قال: وحدثنا مخلد بن حسين،
عن هشام, عن محمد بن سيرين؛ قال: إن هذا العلم دين.
فانظروا عمن تأخذون دينكم.
حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح، حدثنا إسماعيل بن زكريا،
عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين؛ قال: لم يكونوا يسألون عن
الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم, فينظر
إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم, وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ
حديثهم.
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي, أخبرنا عيسى، وهو ابن
يونس, حدثنا الأوزاعي، عن سليمان بن موسى؛ قال: لقيت
طاوسًا فقلت: حدثني فلان كيت وكيت1. قال: إن كان صاحبك
مليًا2 فخذ عنه.
حدثنا محمد بن أبي عمر المكي, حدثنا سفيان. ح وحدثني أبو
بكر بن خلاد الباهلي, واللفظ له؛ قال: سمعت سفيان بن
عيينة، عن مسعر. قال:
__________
1 "كيتَِ وكيتَِ" هما بفتح التاء وكسرها. لغتان نقلهما
الجوهري في صحاحه عن أبي عبيدة.
2 "مليا" يعني ثقة ضابطًا متقنًا يوثق بدينه ومعرفته،
يعتمد عليه كما يعتمد على الملي بالمال ثقة بذمته.
(1/6)
سمعت سعد بن إبراهيم يقول: لا يحدث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقات1.
وحدثني محمد بن عبد الله بن قهراذ من أهل مرو. قال: سمعت
عبدان بن عثمان يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول:
الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وقال محمد بن عبد الله: حدثني العباس بن أبي رزمة؛ قال:
سمعت عبد الله يقول: بيننا وبين القوم القوائم2. يعني
الإسناد.
وقال محمد: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني؛
قال: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن! الحديث
الذي جاء "إن من البر بعد البر: أن تصلي لأبويك مع صلاتك,
وتصوم لهما مع صومك", قال: فقال عبد الله: يا أبا إسحاق
عمن هذا؟ قال: قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش. فقال:
ثقة, عمن؟ قال: قلت: عن الحجاج بن دينار. قال: ثقة، عمن؟
قال: قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يا أبا
إسحاق! إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه
وسلم مفاوز3، تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة
اختلاف4.
__________
1 "لا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقات"
معناه لا يقبل إلا من الثقات.
2 "بيننا وبين القوم القوائم" معنى هذا الكلام: إن جاء
بإسناد صحيح قبلنا حديثه، وإلا تركناه. فجعل الحديث
كالحيوان لا يقوم بغير إسناد. كما لا يقوم الحيوان بغير
قوائم.
3 "مفاوز" جمع مفازة. وهي الأرض القفر البعيدة عن العمارة
وعن الماء، التي يخاف الهلاك فيها.
4 "ليس في الصدقة اختلاف" معناه أن هذا الحديث لا يحتج به.
ولكن من أراد بر والديه فليتصدق عنهما, فإن الصدقة تصل إلى
الميت وينتفع بها، بلا خلاف بين المسلمين.
(1/7)
وقال محمد: سمعت علي بن شفيق يقول: سمعت
عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو
بن ثابت فإنه كان يسب السلف.
وحدثني أبو بكر بن النضر بن أبي النضر، قال: حدثني أبو
النضر هاشم بن القاسم، حدثنا أبو عقيل صاحب بهية. قال: كنت
جالسًا عند القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد. فقال يحيى
للقاسم: يا أبا محمد! إنه قبيح على مثلك، عظيم أن تُسأل عن
شيء من أمر هذا الدين، فلا يوجد عندك منه علم, ولا فرج. أو
علم ولا مخرج, فقال له القاسم: وعم ذاك؟ قال: لإنك ابن
إمامي هدى: ابن أبي بكر وعمر. قال يقول له القاسم: أقبح من
ذاك عند من عقل عن الله، أن أقول بغير علم أو آخذ عن غير
ثقة. قال فسكت فما أجابه.
وحدثني بشر بن الحكم العبدي، قال: سمعت سفيان بن عيينة
يقول: أخبروني عن أبي عقيل صاحب بهية أن أبناء لعبد الله
بن عمر سألوه عن شيء لم يكن عنده فيه علم فقال له يحيى بن
سعيد: والله إني لأعظم أن يكون مثلك، وأنت ابن إمامي الهدى
-يعني عمرَ وابن عمرَ- تُسأل عن أمر ليس عندك فيه علم.
فقال: أعظم من ذلك، والله، عند الله، وعند من عقل من الله،
أن أقول بغير علم أو أخبر عن غير ثقة. قال: وشهدهما أبو
عقيل يحيى بن المتوكل حين قالا ذلك.
وحدثنا عمرو بن علي، أبو حفص. قال: سمعت يحيى بن سعيد.
قال: سألت سفيان الثوري وشعبة ومالكًا وابن عيينة، عن
الرجل لا يكون ثبتًا في الحديث فيأتيني الرجل فيسألني عنه.
قالوا: أخبر عنه أنه ليس بثبت.
(1/8)
وحدثنا عبيد الله بن سعيد قال: سمعت النضر
يقول: سئل ابن عون عن حديث لشهر وهو قائم على أسكفة
الباب1. فقال: إن شهرًا نزكوه إن شهرًا نزكوه2.
قال مسلم رحمه الله: يقول: أخذته ألسنة الناس. تكلموا فيه.
وقال مسلم: حدثني الفضل بن سهل. قال: حدثنا يزيد بن هارون
قال: أخبرني خليفة بن موسى قال: دخلت على غالب بن عبيد
الله. فجعل يملي عليّ: حدثني مكحول. حدثني مكحول فأخذه
البول3 فقام فنظرت في الكراسة4 فإذا فيها حدثني أبان، عن
أنس، وأبان عن فلان، فتركته وقمت.
قال: وسمعت الحسن بن علي الحلواني يقول: رأيت في كتاب عفان
حديث هشام أبي المقدام، حديث عمر بن عبد العزيز. قال هشام:
حدثني رجل يقال له يحيى بن فلان، عن محمد بن كعب، قال: قلت
لعفان: إنهم يقولون: هشام سمعه من محمد بن كعب فقال: إنما
ابتلي من قبل هذا الحديث. كان يقول: حدثني يحيى عن محمد,
ثم ادعى بعد، أنه سمعه من محمد.
حدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ. قال: سمعت عبد الله بن
عثمان بن جبلة يقول: قلت لعبد الله بن المبارك: من هذا
الرجل الذي رويت عنه
__________
1 "أسكفة الباب" هي العتبة السفلى التي توطأ.
2 "نزكوه" معناه طعنوا فيه وتكلموا بجرحه. فكأنه يقول:
طعنوه بالنيزك، وهو رمح قصير.
3 "أخذه البول" معناه ضغطه وأزعجه واحتاج إلى إخراجه.
4 "الكراسة" قال أبو جعفر النحاس في كتاب "صناعة الكتاب":
الكراسة معناه الكتبة المضموم بعضها إلى بعض. والورق الذي
قد ألصق بعضه إلى بعض، مشتق من قولهم: رسم مكرس، إذا ألصقت
الريح التراب به. وقال أقضى القضاة الماوردي: أصل الكرسي
العلم، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب: كراسة.
(1/9)
حديث عبد الله بن عمرو "يوم الفطر يوم
الجوائز" قال: سليمان بن الحجاج. انظر ما وضعت في يدك منه.
قال ابن قهزاذ: وسمعت وهب بن زمعة يذكر عن سفيان بن عبد
الملك، قال: قال عبد الله، يعني ابن المبارك: رأيت روح بن
غطيف، صاحب الدم قدر الدرهم1، وجلست إليه مجلسًا, فجعلت
أستحيي من أصحابي أن يروني جالسًا معه. كُره حديثه2.
حدثني ابن قهزاذ قال: سمعت وهبًا يقول عن سفيان، عن ابن
المبارك؛ قال: بقية صدوق اللسان ولكنه يأخذ عمن أقبل
وأدبر3.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي؛
قال: حدثني الحارث الأعور الهمداني، وكان كذابًا.
حدثنا أبو عامر عبد الله بن براد الأشعري, حدثنا أبو
أسامة، عن مفضل، عن مغيرة؛ قال: سمعت الشعبي يقول: حدثني
الحارث الأعور، وهو يشهد أنه أحد الكاذبين.
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم؛
قال: قال علقمة: قرأت القرآن في سنتين فقال الحارث: القرآن
هين. الوحي أشد.
وحدثني حجاج بن الشاعر, حدثنا أحمد، يعني ابن يونس، حدثنا
زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم؛ أن الحارث قال: تعلمت
القرآن في ثلاث سنين والوحي في سنتين. أو قال: الوحي في
ثلاث سنين. والقرآن في سنتين.
__________
1 "صاحب الدم قدر الدرهم" يريد وصفه وتعريفه بالحديث الذي
رواه روح هذا عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة يرفعه
"تعاد الصلاة من قدر الدرهم" يعني من الدم.
2 "كره حديثه" أي كراهية له.
3 "ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر" يعني عن الثقات والضعفاء.
(1/10)
وحدثني حجاج قال: حدثني أحمد، وهو ابن
يونس, حدثنا زائدة، عن منصور والمغيرة، عن إبراهيم؛ أن
الحارث اتهم.
وحدثنا قتيبة بن سعيد, حدثنا جرير، عن حمزة الزيات. قال:
سمع مرة الهمداني من الحارث شيئًا. فقال له: اقعد بالباب.
قال، فدخل مرة وأخذ سيفه. قال، وأحس الحارث بالشر، فذهب.
وحدثني عبيد الله بن سعيد, حدثنا عبد الرحمن، يعني ابن
مهدي, حدثنا حماد بن زيد، عن ابن عون؛ قال: قال لنا
إبراهيم: إياكم والمغيرة بن سعيد، وأبا عبد الرحمن فإنهما
كذابان.
حدثنا أبو كامل الجحدري, حدثنا حماد، وهو ابن زيد، قال:
حدثنا عاصم، قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ونحن
غلمة أيفاع، فكان يقول لنا: لا تجالسوا القصاص غير أبي
الأحوص، وإياكم وشقيقًا، قال وكان شقيق هذا يرى رأي
الخوارج، وليس بأبي وائل.
حدثنا أبو غسان، محمد بن عمر والرازي، قال: سمعت جريرًا
يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه. كان يؤمن
بالرجعة1.
حدثنا الحسن الحلواني, حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا مسعر.
قال: حدثنا جابر بن يزيد، قبل أن يحدث ما أحدث.
__________
1 "كان يؤمن بالرجعة" معنى إيمانه بالرجعة هو ما تقوله
الرافضة وتعتقده بزعمها الباطل أن عليًّا كرم الله وجهه في
السحاب. فلا نخرج، يعني مع من يخرج من ولده حتى ينادى من
السماء أن اخرجوا معه.
(1/11)
وحدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحميدي، حدثنا
سفيان. قال: كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما
أظهر, فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه, وتركه بعض
الناس. فقيل له: وما أظهر؟ قال: الإيمان بالرجعة.
وحدثنا حسن الحلواني, حدثنا أبو يحيى الحماني, حدثنا قبيصة
وأخوه, أنهما سمعًا الجراح بن مليح يقول: سمعت جابرًا
يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر، عن النبي صلى الله
عليه وسلم، كلها.
وحدثني حجاج بن الشاعر, حدثنا أحمد بن يونس. قال: سمعت
زهيرًا يقول: قال جابرٌ، أو سمعت جابرًا يقول: إن عندي
لخمسين ألف حديث, ما حدثت منها بشيء, قال ثم حدث يومًا
بحديث فقال: هذا من الخمسين ألفًا.
وحدثني إبراهيم بن خالد اليشكري قال: سمعت أبا الوليد
يقول: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: سمعت جابرًا الجعفي
يقول: عندي خمسون ألف حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحدثني سلمة بن شبيب, حدثنا الحميدي, حدثنا سفيان. قال:
سمعت رجلًا سأل جابرًا عن قوله عز وجل: {فَلَنْ أَبْرَحَ
الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ
اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} . فقال جابر: لم
يجئ تأويل هذه. قال سفيان: وكذب, فقلنا لسفيان: وما أراد
بهذا؟ فقال: إن الرافضة تقول: إن عليا في السحاب فلا تخرج
مع من خرج من ولده، حتى ينادي مناد من السماء يريد عليًّا
أنه ينادي: اخرجوا مع فلان. يقول جابر: فذا تأويل هذه
الآية وكذب. كانت في إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم.
(1/12)
وحدثني سلمة, حدثنا الحميدي, حدثنا سفيان.
قال: سمعت جابرًا يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث. ما أستحل
أن أذكر منها شيئًا، وأن لي كذا وكذا.
قال مسلم: وسمعت أبا غسان، محمد بن عمرٍو الرازي قال: سألت
جرير بن عبد الحميد, فقلت: الحارث بن حصيرة لقيته؟ قال:
نعم. شيخٌ طويلُ السكوتِ, يُصر على أمر عظيم.
حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي. قال: حدثني عبد الرحمن بن
مهدي, عن حماد بن زيد, قال: ذكر أيوب رجلًا يومًا فقال: لم
يكن بمستقيم اللسان, وذكر آخر فقال: هو يزيد في الرقم.
حدثني حجاج بن الشاعر, حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا حماد بن
زيد, قال: قال أيوب: إن لي جارًا, ثم ذكر من فضله ولو شهد
عندي على تمرتين ما رأيت شهادته جائزة.
وحدثني محمد بن رافع, وحجاج بن الشاعر. قالا: حدثنا عبد
الرزاق قال: قال معمر: ما رأيت أيوب اغتاب أحدا قط إلا عبد
الكريم. يعني أبا أمية. فإنه ذكره فقال: رحمه الله كان غير
ثقة, لقد سألني عن حديث لعكرمة، ثم قال: سمعت عكرمة.
حدثني الفضل بن سهل، قال: حدثنا عفان بن مسلم, حدثنا همام,
قال: قدم علينا أبو داود الأعمى فجعل يقول: حدثنا البراء.
قال: وحدثنا زيد بن أرقم
(1/13)
فذكرنا ذلك لقتادة, فقال: كذب ما سمع منهم1
إنما كان ذلك سائلا يتكفف الناس2 زمن طاعون الجارف3.
وحدثني حسن بن علي الحلواني قال: حدثنا يزيد بن هارون,
أخبرنا همام, قال: دخل أبو داود الأعمى على قتادة فلما قام
قالوا: إن هذا يزعم أنه لقي ثمانية عشر بدريًّا, فقال
قتادة: هذا كان سائلا قبل الجارف لا يعرض في شيء من هذا4,
ولا يتكلم فيه, فوالله ما حدثنا الحسن عن بدري مشافهة. ولا
حدثنا سعيد بن المسيب عن بدري مشافهة، إلا عن سعد بن مالك.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة, حدثنا جرير، عن رقبة؛ أن أبا
جعفر الهاشمي المدني كان يضع أحاديث كلام حق5, وليست من
أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم, وكان يرويها عن النبي
صلى الله عليه وسلم.
حدثنا الحسن الحلواني قال: حدثنا نعيم بن حماد, قال أبو
إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان, وحدثنا محمد بن يحيى,
قال: حدثنا نعيم بن حماد, حدثنا أبو داود الطيالسي، عن
شعبة، عن يونس بن عبيد قال: كان عمرو بن عبيد يكذب في
الحديث.
__________
1 "ما سمع منهم" يعني البراء وزيدًا وغيرهما ممن زعم أنه
روى عنهم. فإنه زعم أنه رأى ثمانية عشر بدريًّا.
2 "يتكفف الناس" معناه يسألهم في كفه أو بكفه.
3 "طاعون الجارف" سمي بذلك لكثرة من مات فيه من الناس وسمي
الموت جارفًا لاجترافه الناس, وسمي السيل جارفًا لاجترافه
ما على الأرض, والجرف الغرف من فوق الأرض وكسح ما عليها,
وأما الطاعون فوباء معروف, وهو بثر وورم مؤلم جدًا يخرج مع
لهب ويسود ما حوله أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة,
ويحصل معه خفقان القلب والقيء.
4 "لا يعرض لشيء من هذا" أي لا يعتني بالحديث.
5 "كلام حق" بنصب كلام، وهو بدل من أحاديث, ومعناه كلام
صحيح المعنى وحكمة من الحكم ولكنه كذب. فنسبه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم وليس هو من كلامه صلى الله عليه وسلم.
(1/14)
حدثني عمرو بن علي، أبو حفص. قال: سمعت
معاذ بن معاذ يقول: قلت لعوف بن أبي جميلة: إن عمرو بن
عبيد حدثنا عن الحسن؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا" 1 قال: كذب، والله!
عمرو ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث2.
وحدثنا عبيد الله بن عمرو القواريري. حدثنا حماد بن زيد.
قال: كان رجل قد لزم أيوب وسمع منه ففقده أيوب, فقالوا: يا
أبا بكر إنه قد لزم عمرو بن عبيد. قال: حماد: فبينا أنا
يومًا مع أيوب وقد بكرنا إلى السوق فاستقبله الرجل فسلم
عليه أيوب وسأله ثم قال له أيوب: بلغني أنك لزمت ذاك
الرجل. قال حماد: سماه، يعني عمرًا. قال: نعم يا أبا بكر
إنه يجيئنا بأشياء غرائب. قال: يقول له أيوب: إنما نفر أو
نفرق3 من تلك الغرائب.
وحدثني حجاج بن الشاعر, حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا ابن
زيد، يعني حمادًا, قال: قيل لأيوب: إن عمرو بن عبيد روى عن
الحسن قال: لا يجلد السكران من النبيذ، فقال: كذب. أنا
سمعت الحسن يقول: يجلد السكران من النبيذ.
__________
1 "من حمل علينا السلام فليس منا" , صحيح مروي من طرق, وقد
ذكرها مسلم رحمه الله, ومعناه عند أهل العلم أنه ليس ممن
اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا؛ كما يقول
الرجل لولده، إذ لم يرض فعله: لست مني.
ومراد مسلم رحمه الله بإدخال هذا الحديث هنا بيان أن عوفًا
جرح عمرو بن عبيد وقال: كذاب. وإنما كذبه، مع أن الحديث
صحيح لكونه نسبه إلى الحسن. وكان عوف من كبار أصحاب الحسن
والعارفين بأحاديثه. فقال: كذب في نسبته إلى الحسن, فلم
يرو الحسن هذا، أو لم يسمعه هذا من الحسن.
2 "أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث" معناه كذب بهذه
الرواية ليعضد بها مذهبه الباطل الرديء، وهو الاعتزال,
فإنهم يزعمون أن ارتكاب المعاصي يخرج صاحبه عن الإيمان
ويخلده في النار، ولا يسمونه كافرًا، بل فاسقًا مخلدًا في
النار.
3 "نفرّ أو نفرَق" شك من الراوي في إحداهما, معناه: إنما
نهرب أو نخاف من هذه الغرائب.
(1/15)
وحدثني حجاج, حدثنا سليمان بن حرب قال:
سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: بلغ أيوب أني آتي عمرًا فأقبل
عليّ يومًا فقال: أرأيت رجلًا لا تأمنه على دينه، كيف
تأمنه على الحديث؟
وحدثني سلمة بن شبيب, حدثنا الحميدي, حدثنا سفيان, قال:
سمعت أبا موسى يقول: حدثنا عمرو بن عبيد قبل أن يحدث1.
حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري, حدثنا أبي. قال: كتبت
إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط, فكتب إليّ: لا تكتب
عنه شيئًا ومزق كتابي.
وحدثنا الحلواني قال: سمعت عفان قال: حدثت حماد بن سلمة عن
صالح المري بحديث عن ثابت. فقال: كذب. وحدثت همامًا عن
صالح المري بحديث، فقال: كذب.
وحدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود. قال: قال لي شعبة:
ايْتِ جرير بن حازم فقل له: لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن
عمارة؛ فإنه يكذب. قال أبو داود: قلت لشعبة: وكيف ذاك؟
فقال: حدثنا عن الحكم بأشياء لم أجد لها أصلًا. قال: قلت
له: بأي شيء؟ قال: قلت للحكم: أصلى النبي صلى الله عليه
وسلم على قتلى أحد؟ فقال: لم يصل عليهم. فقال الحسن بن
عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس؛ إن النبي صلى الله
عليه وسلم صلى عليهم ودفنهم. قلت للحكم: ما تقول في أولاد
الزنا؟ قال: يصلى عليهم. قلت: من حديث مَن يُروى؟ قال:
يُروى عن الحسن البصري. فقال الحسن بن عمارة: حدثنا الحكم
عن يحيى بن الجزار عن علي.
__________
1 "يحدث" يعني قبل أن يصير معتزلا قدريًّا.
(1/16)
وحدثنا الحسن الحلواني. قال: سمعت يزيد بن
هارون، وذكر زياد بن ميمون، فقال: حلفت ألا أروي عنه
شيئًا, ولا عن خالد بن محدوج. وقال: لقيت زياد بن ميمون,
فسألته عن حديث, فحدثني به عن بكر المزني، ثم عدت إليه,
فحدثني به عن مورق, ثم عدت إليه, فحدثني به عن الحسن وكان
ينسبهما إلى الكذب.
قال الحلواني: سمعت عبد الصمد، وذكرت عنده زياد بن ميمون،
فنسبة إلى الكذب.
وحدثنا محمود بن غيلان. قال قلت لأبي داود الطيالسي: قد
أكثرت عن عباد بن منصور. فمالك لم تسمع منه حديث العطارة1
الذي روى لنا النضر بن شميل؟ قال لي: اسكت فأنا لقيت زياد
بن ميمون، وعبد الرحمن بن مهدي2 فسألناه فقلنا له: هذه
الأحاديث التي ترويها عن أنس؟ فقال: أرأيتما رجل يذنب
فيتوب أليس يتوب الله عليه؟ قال قلنا: نعم. قال: ما سمعت
من أنس، من ذا قليلا ولا كثيرًا إن كان لا يعلم الناس
فأنتما لا تعلمان3 أني لم ألق أنسًا.
قال أبو داود: فبلغنا، بعد، أنه يروي. فأتيناه أنا وعبد
الرحمن فقال: أتوب ثم كان بعدُ يحدث، فتركناه.
__________
1 "حديث العطارة" قال القاضي عياض رحمه الله: هو حديث رواه
زياد بن ميمون هذا عن أنس: أن امرأة يقال لها: الحولاء،
عطارة كانت بالمدينة, فدخلت على عائشة رضي الله عنها وذكرت
خبرها مع زوجها, وأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لها فضل
الزوج, وهو حديث طويل غير صحيح.
2 "وعبد الرحمن بن مهدي" مرفوع معطوف على الضمير في قوله
لقيت.
3 "فأنتما لا تعلمان" هكذا وقع في الأصول, ومعناه: فأنتما
تعلمان. فيجوز أن تكون لا زائدة, معناه: أفأنتما لا
تعلمان؟ ويكون استفهام تقرير، وحذف همزة الاستفهام.
(1/17)
حدثنا حسن الحلواني قال: سمعت شبابة1 قال:
كان عبد القدوس يحدثنا فيقول: سويد بن عقلة. قال شبابة:
وسمعت عبد القدوس يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يتخذ الروح عرضًا. قال: فقيل له: أي شيء هذا؟ قال: يعني
تتخذ كوة في حائط ليدخل عليه الروح2.
قال مسلم: وسمعت عبيد الله بن عمر القواريري يقول: سمعت
حماد بن زيد يقول لرجل، بعدما جلس مهدي بن هلال بأيام: ما
هذه العين المالحة3 التي نبعت قِبَلكم؟ قال: نعم يا أبا
إسماعيل.
وحدثنا الحسن الحلواني، قال: سمعت عفان، قال: سمعت أبا
عوانة, قال: ما بلغني عن الحسن حديث4، إلا أتيت به أبان بن
أبي عياش، فقرأه عليَّ.
وحدثنا سويد بن سعيد. حدثنا علي بن مسهر, قال: سمعت أنا،
وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش نحوًا من ألف حديث.
قال عليٌّ: فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبي صلى الله
عليه وسلم في المنام, فعرض عليه ما سمع من أبان, فما عرف
منها إلا شيئًا يسيرًا خمسة أو ستة.
__________
1 "سمعت شبابة ... إلخ" المراد بهذا المذكور بيان تصحيف
عبد القدوس وغباوته واختلال ضبطه وحصول الوهم في إسناده
ومتنه. فأما الإسناد فإنه قال: سويد بن عقلة, وهو تصحيف
ظاهر وخطأ بيّن, وإنما هو غفلة, وأما المتن، فقال: الروح
وعرضًا, وهو تصحيف قبيح وخطأ صريح، وصوابه الروح، وغرضًا,
ومعناه نهى أن يتخذ الحيوان الذي فيه الروح غرضًا، أي
هدفًا للرمي, فيرمى إليه بالنشاب وشبهه.
2 "الروح" أي النسيم.
3 "العين المالحة" كناية عن ضعفه وجرحه.
4 "ما بلغني عن الحسن حديث" معنى هذا الكلام أنه كان يحدث
عن الحسين بكل ما يسأل عنه، وهو كاذب في ذلك.
(1/18)
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي,
أخبرنا زكرياء بن عدي. قال: قال لي أبو إسحاق الفزاري:
اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين, ولا تكتب عنه ما روى عن
غير المعروفين, ولا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن
المعروفين، ولا عن غيرهم.
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: سمعت بعض أصحاب عبد
الله قال: قال ابن المبارك: نعم الرجل بقية, لولا أنه كان
يكني الأسامي ويسمي الكنى1. كان دهرًا يحدثنا عن أبي سعيد
الوحاظي, فنظرنا فإذا هو عبد القدوس.
وحدثني أحمد بن يوسف الأزدي قال: سمعت عبد الرزاق يقول: ما
رأيت ابن المبارك يفصح بقوله: كذاب إلا لعبد القدوس, فإني
سمعته يقول له: كذاب.
وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال: سمعت أبا
نعيم, وذكر المعلى بن عرفان, فقال: قال: حدثنا أبو وائل
قال: خرج علينا ابن مسعود بصفين. فقال أبو نعيم: أتراه بعث
بعد الموت؟ 2.
حدثني عمرو بن علي وحسن الحلواني؛ كلاهما عن عفان بن مسلم
قال: كنا عند إسماعيل بن علية, فحدث رجل عن رجل, فقلت: إن
هذا ليس بثبت. قال: فقال الرجل: اغتبته. قال إسماعيل: ما
اغتابه ولكنه حكم: أنه ليس بثبت.
__________
1 "كان يكني الأسامي ويسمي الكنى", معناه: أنه إذا روى عن
إنسان معروف باسمه كناه ولم يسمه, وإذا روى عن إنسان معروف
بكنيته سماه ولم يكنه, وهذا نوع من التدليس، وهو قبيح
مذموم.
2 "أتُراه", معناه: أتظنه.
(1/19)
وحدثنا أبو جعفر الدارمي. حدثنا بشر بن عمر
قال: سألت مالك بن أنس، عن محمد بن عبد الرحمن الذي يروي
عن سعيد بن المسيب. فقال: ليس بثقة, وسألته عن صالح مولى
التوأمة. فقال: ليس بثقة. وسألته عن أبي الحويرث. فقال:
ليس بثقة. وسألته عن شعبة الذي روى عنه ابن أبي ذئب. فقال:
ليس بثقة. وسألته عن حرام بن عثمان. فقال: ليس بثقة. وسألت
مالكًا عن هؤلاء الخمسة. فقال: ليسوا بثقة في حديثهم.
وسألته عن رجل آخر نسيت اسمه. فقال: هل رأيته في كتبي.
قلت: لا. قال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي.
وحدثني الفضل بن سهل, قال: حدثني يحيى بن معين، حدثنا
حجاج, حدثنا ابن أبي ذئب عن شرحبيل بن سعد، وكان متهمًا.
وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ. قال: سمعت أبا إسحاق
الطالقاني يقول: سمعت ابن المبارك يقول: لو خيرت بين أن
أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرر، لاخترت أن
ألقاه ثم أدخل الجنة. فلما رأيته، كانت بعره أحب إليّ منه.
وحدثني الفضل بن سهل, حدثنا وليد بن صالح قال: قال عبيد
الله بن عمرو: قال زيد، يعني ابن أبي أنيسة: لا تأخذوا عن
أخي.
حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثني عبد السلام
الوابصي. قال: حدثني عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله
بن عمرو؛ قال: كان يحيى بن أبي أنيسة كذابًا.
حدثني أحمد بن إبراهيم قال: حدثني سليمان بن حرب، عن حماد
بن زيد قال: ذكر فرقد عند أيوب. فقال: إن فرقدًا ليس صاحب
حديث.
(1/20)
وحدثني عبد الرحمن بن بشر العبدي قال: سمعت
يحيى بن سعيد القطان، ذكر عنده محمد بن عبد الله بن عبيد
بن عمير الليثي، فضعفه جدًّا1، فقيل ليحيى: أضعف من يعقوب
بن عطاء؟ قال: نعم. ثم قال: ما كنت أرى أن أحدًا يروي عن
محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير.
حدثني بشر بن الحكم، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان، ضعف
حكيم بن جبير وعبد الأعلى، وضعف يحيى بن موسى بن دينار،
قال: حديثه ريح، وضعف موسى بن دهقان، وعيسى بن أبي عيسى
المدني، قال: وسمعت الحسن بن عيسى يقول: قال لي ابن
المبارك: إذا قدمت على جرير فاكتب علمه كله إلا حديث
ثلاثة، لا تكتب حديث عبيدة بن معتب، والسري بن إسماعيل،
ومحمد بن سالم.
قال مسلم: وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمي
رواة الحديث وإخبارهم عن معايبهم كثير، يطول الكتاب بذكره
على استقصائه, وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهم وعقل مذهب القوم
فيما قالوا من ذلك وبينوا.
وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث, وناقلي
الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا، لما فيه من عظيم الخطر،
إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل، أو تحريم، أو
أمر، أو نهي، أو ترغيب، أو ترهيب، فإذا كان الراوي لها ليس
بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه
ولم يبين ما فيه لغيره، ممن جهل معرفته، كان آثمًا بفعله
ذلك، غاشًّا لعوام المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع
تلك الأخبار أن يستعملها، أو يستعمل بعضها، ولعلها أو
أكثرها أكاذيب لا أصل لها مع أن الأخبار الصحاح من رواية
__________
1 "جدًّا" هو بكسر الجيم. وهو مصدر جدّ يجدّ جدًّا. ومعناه
تضعيفًا بليغًا.
(1/21)
الثقات وأهل القناعة1 أكثر من أن يضطر إلى
نقل من ليس بثقة ولا مقنع2.
ولا أحسب كثيرًا ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه
الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتد بروايتها بعد
معرفته بما فيها، من التوهن والضعف, إلا أن الذي يحمله على
روايتها، والاعتداد بها، إرادة التكثر بذلك عند العوام،
ولأن يقال: ما أكثر ما جمع فلان من الحديث، وألف من العدد.
ومن ذهب في العلم هذا المذهب، وسلك هذا الطريق فلا نصيب له
فيه، وكان بأن يسمى جاهلا، أولى من أن ينسب إلى علم.
وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح
الأسانيد وتقسيمها بقول، لو ضربنا3 عن حكايته وذكر فساده
صفحًا لكان رأيًا متينًا، ومذهبًا صحيحًا.
إذ الإعراض عن القول المطرح، أحرى لإماتته وإخمال ذكر
قائله4 وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهًا للجهال عليه، غير أنا
لما تخوفنا من شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات
الأمور، وإسراعهم إلى اعتقاد خطا المخطئين، والأقوال
الساقطة عند العلماء، رأينا الكشف عن فساد قوله، ورد
مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى5 على الأنام، وأحمد
للعاقبة إن شاء الله.
__________
1 "أهل القناعة" أي الذين يقنع بحديثهم لكمال حفظهم
وعدالتهم.
2 "مقنع" مثل جعفر, أي يقنع به, ويستعمل بلفظ واحد مطلقًا.
3 "لو ضربنا ... إلخ" أي لو أعرضنا عن ذلك إعراضًا. فصفحا
مصدر من غير لفظه, وفي التنزيل الجليل: {أَفَنَضْرِبُ
عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} .
4 "إخمال ذكر قائله" أي إسقاطه.
5 "أجدى" أنفع.
(1/22)
وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على
الحكاية عن قوله، والإخبار عن سوء رويَّته1، أن كل إسناد
لحديث فيه فلان عن فلان، وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في
عصر واحد، وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى
عنه قد سمعه منه وشافهه به، غير أنه لا نعلم له منه سماعًا
ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط، أو تشافها
بحديث. أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء، حتى
يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدًا،
أو تشافها بالحديث بينهما, أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما،
وتلاقيهما، مرة من دهرهما فما فوقها، فإن لم يكن عنده علم
ذلك، ولم تأت رواية صحيحة تخبر أن هذا الراوي عن صاحبه قد
لقيه مرة، وسمع منه شيئًا لم يكن في نقله الخبر عمن روى
عنه ذلك، والأمر كما وصفنا، حجة وكان الخبر عنده موقوفًا
حتى يرد عليه سماعه منه لشيء من الحديث قل أو كثر في رواية
مثل ما ورد. ا. هـ.
من هذه المقتطفات التي توسعت في نقلها من مقدمة الإمام
مسلم يتبين كيف أن موضوع التوثيق والثقات قد شغل حيزًا
واسعًا في دائرة الأبحاث الحديثية، إذ عليها العمدة في أخذ
الرواية أو تركها، وقد وضع العلماء -تبعًا لذلك- درجات
للتوثيق نجعلها فيما يلي:
درجات التوثيق:
قال الذهبي في الميزان "1: 4":
إن أعلى العبارات في الرواة: ثبت حجة، وثبت حافظ، وثقة
متقن، وثقة ثقة, ثم: صدوق، ولا بأس به، وليس به بأس.
__________
1 "رويته": فكره.
(1/23)
ثم: محله الصدق، وجيد الحديث، وصالح
الحديث، وشيخ وسط، وشيخ حسن الحديث، وصدوق إن شاء الله،
وصُوَيْلحٌ، ونحو ذلك.
أما العراقي في شرح الألفية فقد قال "2: 3":
مراتب التعديل على أربع أو خمس طبقات:
فالمرتبة الأولى: العليا من ألفاظ التعديل -ولم يذكرها ابن
أبي حاتم، ولا ابن الصلاح- هي: إذا كرر لفظ التوثيق، إما
مع تباين اللفظين كقولهم: ثبت حجة، أو ثبت حافظ، أو ثقة
ثبت، أو ثقة متقن، أو نحو ذلك. وإما مع إعادة اللفظ الأول،
كقولهم: ثقة ثقة، ونحوها.
المرتبة الثانية: هي التي جعلها ابن أبي حاتم، وابن الصلاح
الأولى, فقال ابن أبي حاتم "1: 37": وجدت الألفاظ في الجرح
والتعديل على مراتب شتى، فإذا قيل للواحد: إنه ثقة، أو
متقن، فهو ممن يحتج بحديثه، وقال ابن الصلاح في "مقدمته":
وكذا إذا قيل في العدل: إنه ضابط أو حافظ، فهو ممن يحتج
به.
وقال الخطيب: أرفع العبارات أن يقال: حجة أو ثقة.
المرتبة الثالثة: قولهم: ليس به بأس، أو لا بأس به أو
صدوق، أو مأمون، أو خيار, وجعل ابن أبي حاتم، وابن الصلاح
هذه ثانية. وأدخلا فيها قولهم: محله الصدق، وصدوق.
المرتبة الرابعة: قولهم: محله الصدق، أو: رووا عنه، أو:
إلى الصدق ما هو، أو شيخ وسط، أو وسط، أو شيخ، أو صالح
الحديث، أو مقارب الحديث "بفتح الراء وكسرها" أو جيد
الحديث، أو حسن الحديث، أو صويلح، أو صدوق إن شاء الله، أو
أرجو أنه ليس به بأس.
(1/24)
واقتصر ابن أبي حاتم في الثالثة على قولهم:
شيخ، وقال: هو بالمنزلة التي قبلها، يكتب حديثه، وينظر فيه
إلا أنه دونهما. واقتصر في الرابعة على قولهم: صالح
الحديث.
ثم ذكر ابن الصلاح من ألفاظهم على غير ترتيب قولهم: فلان
روى عنه الناس، فلان وسط، فلان مقارب الحديث، فلان ما أعلم
به بأسًا. قال: وهو دون قولهم: لا بأس به. ا. هـ.
وذكر السخاوي في "شرح الألفية" "156-160"، والسندي في "شرح
النخبة" في هذا المقام تفصيلًا حسنًا، وجعلا لألفاظ
التزكية ست مراتب، وبيناها بيانًا مستحسنًا، ومحصله أن
ألفاظ التعديل على ست مراتب:
1- أرفعها عند المحدثين الوصف بما دل على المبالغة، أو عبر
عنه بأفعل كأوثق الناس، وأضبط الناس، وإليه المنتهى في
التثبت، ويلحق به: لا أعرف له نظيرًا في الدنيا.
2- ثم ما يليه، كقولهم: فلان لا يسأل عنه.
3- ثم ما تأكد بصفة من الصفات الدالة على التوثيق، كثقة
ثقة، وثبت ثبت. وأكثر ما وجد فيه قول ابن عيينة: حدثنا
عمرو بن دينار، وكان ثقة ثقة ثقة ... إلى أن قاله تسع
مرات, ومن هذه المرتبة قول ابن سعد في شعبة: ثقة مأمون ثبت
حجة صاحب حديث.
4- ثم ما انفرد فيه بصيغة دالة على التوثيق، كثقة، أو ثبت،
أو كأنه مصحف، أو حجة، أو إمام، أو ضابط، أو حافظ، والحجة
أقوى من الثقة.
5- ثم قولهم: ليس به بأس، أو لا بأس به، عند غير ابن معين،
أو صدوق، أو مأمون، أو خيار الخلق.
(1/25)
6- ثم ما أشعر بالقرب من التجريح وهو أدنى
المراتب كقولهم: ليس ببعيد من الصواب، أو شيخ، أو يروى
حديثه، أو يعتبر به، أو شيخ وسط، أو روى الناس عنه، أو
صالح الحديث، أو يكتب حديثه، أو مقارب الحديث، أو صويلح،
أو صدوق إن شاء الله، وأرجو أن لا بأس به، ونحو ذلك.
ثم إن الحكم في أهل هذه المراتب: الاحتجاج بالأربعة الأولى
منها، وأما التي بعدها فإنه لا يحتج بأحد من أهلها، لكون
ألفاظها لا تشعر بشريطة الضبط، بل يكتب حديثهم ويختبر,
وأما السادسة فالحكم في أهلها دون أهل التي قبلها، وفي
بعضهم من يكتب حديثه للاعتبار دون اختيار ضبطهم لوضوح
أمرهم فيه. ا. هـ.
وقد اهتم الحفاظ في الجرح والتعديل فألفوا فيه مصنفات جمة
ما بين اختصار وتطويل، وكان أول من جمع كلامه في ذلك
الإمام الذي قال فيه أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثل:
يحيى بن سعد القطان، وتكلم في ذلك بعد تلامذته: يحيى بن
معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي
الفلاس، وأبو خيثمة، وتلامذتهم كأبي زرعة، وأبي حاتم،
والبخاري، ومسلم، وأبي إسحاق الجوزجاني، وخلق من بعدهم
مثل: النسائي، وابن خزيمة، والترمذي, والدولابي، والعقيلي،
وابن حبان، وابن عدي، والأزدي، والدارقطني، والحاكم.
وتفصيل كتب الجرح والتعديل كما يلي:
الكتب المؤلفة في الجرح والتعديل ذات مسالك مختلفة فمنها
خاص بالثقات أو الضعفاء أو المدلسين، ومنها جامع لكل
أولئك, ثم منها ما لا يتقيد برجال كتاب معين أو كتب مخصوصة
ومنها ما يتقيد بذلك ونحن ذاكرون من كل نوع كتبه المشهورة
بتوفيق الله وإرشاده.
(1/26)
1- الكتب الجامعة بين الثقات والضعفاء: من
الكتب المشتملة على الثقات والضعفاء جميعًا: طبقات محمد بن
سعد الزهري البصري "320" وهو من أعظم ما صنف, يقع في خمسة
عشر مجلدًا, جمع فيه الصحابة والتابعين فمن بعدهم, وقد
اختصره السيوطي في كتابه: إنجاز الوعد المنتقى من طبقات
ابن سعد، وكذلك طبقات خليفة بن خياط "240", ومسلم بن
الحجاج "261", وتاريخ ابن أبي خيثمة "279", وهو كثير
الفوائد، وتواريخ البخاري "251", وهي ثلاثة: كبير وهو على
حروف المعجم وابتدأه بمن اسمه محمد, وأوسط وهو على السنين,
وصغير، ولمسلمة بن قاسم ذيل على الكبير وهو في مجلد، ولابن
أبي حاتم "327" جزء كبير انتقد فيه على البخاري، وله الجرح
والتعديل مشى فيه خلف البخاري، وللحسين بن إدريس الأنصاري
الهروي "301" -ويعرف بابن خرّم- تاريخ على نحو التاريخ
الكبير للبخاري، ولعلي بن المديني "234" تاريخ في عشرة
أجزاء حديثية, ولابن حبان "354" كتاب في أوهام أصحاب
التواريخ في عشرة أجزاء أيضًا.
ولأبي محمد بن عبد الله بن علي بن الجارود كتاب في الجرح
والتعديل، ولمسلم رواه الاعتبار، وللنسائي التمييز، ولأبي
يعلى الخليلي "446" الإرشاد، وللعماد ابن كثير "التكميل في
معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل" جمع فيه بين تهذيب المزي
وميزان الذهبي مع زيادات وتحرير في العبارات, وهو أنفع شيء
للمحدث والفقيه التالي لأثره، ومنها تاريخ الذهبي، وطبقات
المحدثين لعمر بن علي بن الملقن "804" ذكر فيها المحدثين
إلى زمنه، والكمال في معرفة الرجال له.
2- كتب الثقات: منها كتاب الثقات للعجلي "261" وهو هذا
الكتاب, وكتاب الثقات لخليل بن شاهين، والثقات لأبي حاتم
بن حبان البستي،
(1/27)
وكتاب الثقات الذين لم تذكر أسماؤهم في
الكتب الستة لزين الدين قاسم بن قطلوبغا "879", وهو كبير
في أربعة مجلدات.
ومن هذا النوع الكتب المبينة لطبقات الحفاظ وقد ألف فيها
جمع فمنهم الذهبي وابن الدباغ "546", وابن المفضل وابن حجر
العسقلاني والسيوطي -ذيل على تأليف الذهبي- وتقي الدين بن
فهد، وذيل مؤلفه محمد بن محمد الهاشمي "890".
3- كتب الضعفاء, منها: كتاب الضعفاء للبخاري، والضعفاء
والمتروكين للنسائي، ولأبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
"597" وكتابه كبير وقد اختصره الذهبي ثم ذيله كما ذيله
علاء الدين مغلطاي "762"، والضعفاء لمحمد بن عمرو العقيلي
"322" وكتابه مفيد، وللإمام حسن بن محمد الصنعاني ومحمد بن
حبان البستي وكتابه كبير.
ولأبي أحمد بن عدي كتاب الكامل, وهو أكمل الكتب في ذلك
وأجلها وعليه اعتماد الأئمة وله ذيل يقال له: الحافل لأبي
العباس أحمد بن محمد الأشبيلي المعروف بابن الرومية "637",
والضعفاء للدارقطني وللحاكم ولعلاء الدين المارديني "750",
وميزان الاعتدال للحافظ الذهبي وهو أجمع ما جمع, طبع في
الهند ثم بمصر, وقد ذيل عليه الحافظ زين الدين العراقي في
مجلدين, وقد التقط منه الحافظ ابن حجر مَن ليس في تهذيب
الكمال, وضم إليه ما فاته في الرواة وتراجم مستقلة في
كتابه المسمى لسان الميزان وله كتابان آخران وهما تقويم
اللسان وتحرير الميزان ويوجد عدا ذلك كتب كثيرة.
4- كتب المدلسين: أول من أفرد المدلسين بالتصنيف الإمام
حسين بن علي الكرابيسي "248" صاحب الشافعي, ثم صنف فيه
النسائي, ثم الدارقطني
(1/28)
ونظم الذهبي في ذلك أرجوزة، وتبعه تلميذه
أحمد بن إبراهيم المقدسي، فزاد عليه من جامع التحصيل
للعلائي شيئًا كثيرًا مما فاته، ثم ذيل الحافظ زين الدين
العراقي "806", في هوامش كتاب العلائي أسماء وقعت له
زائدة, ثم ضمها ولده ولي الدين إلى من ذكره العلائي وجعله
تصنيفًا مستقلا, وزاد فيه من تتبعه شيئًا يسيرًا, وصنف
إبراهيم بن محمد الحلبي "841" كتابه التبيين في أسماء
المدلسين زاد فيه عليهم قليلا، وجميع ما في كتاب العلائي
ثمان وستون نفسًا زاد عليهم ابن العراقي ثلاثة عشر نفسًا,
وزاد عليه الحلبي اثنتين وثلاثين نفسًا, وابن حجر
العسقلاني تسعًا وثلاثين نفسًا, فجملة ما فيه اثنتان
وخمسون نفسًا ومائة. وللسيوطي رسالة في أسماء المدلسين.
5- المصنفات في رجال كتب مخصوصة: منها رجال البخاري لأحمد
بن محمد الكلاباذي "398", ورجاله أيضًا لمحمد بن داود
الكردي "925", ورجال مسلم لأحمد بن علي المعروف بابن
منجويه "428", ورجاله أيضًا لأحمد بن علي الأصبهاني "269",
وممن جمع بين رجالهما محمد بن طاهر المقدسي "507" جمع بين
كتابي ابن منجويه والكلاباذي, وأحسن في ترتيبه على الحروف,
واستدرك عليهما, وكذلك جمع بينهما هبة الله المعروف
باللالكائي "418", وممن أفرد رجال السنن لأبي داود حسين بن
محمد الحباني "498", وجمع رجال الموطأ السيوطي، ورجال
المشكاة لصاحبها محمد بن عبد الله الخطيب، ورجال الأربعة:
موطأ مالك ومسند الشافعي ومسند أحمد ومسند أبي حنيفة لابن
حجر العسقلاني، ورجال السنن الأربع: سنن الترمذي والنسائي
وأبي داود وابن ماجه لأحمد بن أحمد الكردي "743". وممن جمع
رجال الكتب الستة أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن
سرور المقدسي "600" في كتاب الكمال في معرفة الرجال
وتهذيبه لجمال الدين يوسف بن الزكي المزي "742", وهو كتاب
كبير يقع في ثلاثة عشر مجلدًا لم يؤلف مثله، وإكمال
التهذيب لعمر بن علي الملقن "804", وزوائد الرجال
(1/29)
على تهذيب الكمال للسيوطي, وللتهذيب
مختصرات كثيرة منها الكاشف للحافظ الذهبي قال فيه: هذا
مختصر في رجال الكتب الستة الصحيحين والسنن الأربع مقتضب
من تهذيب الكمال للمزي, اقتصر فيه على ذكر من له رواية في
الكتب الستة دون من عداهم مما في كتاب المزي, ومنها تهذيب
التهذيب لابن حجر وهو أكمل من كاشف الذهبي, وقد أضاف إليه
ابن حجر بعض التراجم التي عثر عليها كما اختصره في كتابه
تقريب التهذيب وتهذيب التهذيب وتقريبه وكلاهما مطبوع في
الهند, وقد جمع الحافظ أبو المحاسن الدمشقي "765" في كتابه
التذكرة رجال العشرة.
عودة إلى كتاب ترتيب ثقات العجلي:
هذا الكتاب يقع في "67" لوحة من نسخة وحيدة بمكتبة شهيد
علي، وهو ضمن مجموعة في أسمال الرجال، وغيره، حيث شملت هذه
المجموعة كما هو واضح في أول صفحاتها:
1- ترتيب ثقات العجلي لعلي الهيثمي.
2- كتاب الإشارات إلى بيان أسماء المبهمات للنووي.
3- كتاب الإشارة إلى سيرة المصطفى ومن بعده من الخلفاء
لعلاء الدين مغلطاي.
4- نظم الدرر السنية في السيرة الزكية لعبد الرحيم
العراقي.
5- الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث لإبراهيم بن محمد
الشهير بسبط ابن العجمي الحلبي, وهو كاتب هذه المجموعة،
كما هو ثابت في اللوحة الأولى من المخطوطة.
ويرجع تاريخ نسخها إلى سنة "809"، وعدد أوراقها "67" كما
قلنا، وقياسها "19×14" سم، وعدد سطور كل صفحة "22" سطرًا
تقريبًا، وقد
(1/30)
مُيِّزَت أسماء الأعلام فيها بخط كبير
مميز، أما الشرح فهو بخط نسخي سريع غير واضح المعالم في
بعض الأحيان مع ضبط جد بسيط، وتصحيحات على الهامش بين
الفَينَة والأخرى، وثابت أن النسخة وقف الوزير الشهيد علي
باشا -رحمه الله تعالى- بشرط ألا تخرج من خزانته، بختم
واضح كبير، وقد أضاف الهيثمي في مقدمة الكتاب ترجمة عن
حياة مصنفة: العجلي، وقد سجل الناسخ في آخره الجملة
التالية:
"تم الكتاب، علقه إبراهيم بن محمد بن خليل سبط ابن العجمي
الحلبي في مدة آخرها سلخ جمادى الآخرة من سنة تسع
وثمانمائة بالمدرسة الشرقية بحلب، وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم".
كتاب العجلي ودرجة توثيقه:
مصنف الكتاب هو أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم أبو
الحسن العجلي الإمام الحافظ القدوة، من أئمة أصحاب الحديث
الحفاظ المتقنين، ومن ذوي الورع والزهد والذي لم يكن له
شبيه ولا نظير في زمانه، في معرفته بالحديث وإتقانه وزهده،
وكان يعد مثل الإمام أحمد بن حنبل، والناقد يحيى بن معين،
لا بل كانا كلاهما يأخذان عنه، ذكره الخطيب في "تاريخه"
"4: 215".
كان مولده بالكوفة سنة "182"، وقال عن نفسه: طلبت الحديث
سنة "197"، فغادر بلد مولده الكوفة إلى البصرة وبغداد،
وحدث عن: والده، وشبابة بن سوار، ومحمد بن جعفر "غندر"،
والحسين بن علي الجعفي، وأبي داود الحفري، وأبي عامر
العقدي، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وأخيه يعلى بن عبيد
الطنافسي، ومحمد بن يوسف الفريابي.
(1/31)
لا توحيد لمن لم يقر بأن القرآن مخلوق، ...
ثم كتب إليه ثانيًا أن يرسل إليه سبعة من كبار المحدثين
وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلم مستملي يزيد بن
هارون، ويحيى بن معين، وزهير بن حرب "أبو خيثمة"، وإسماعيل
بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن إبراهيم
الدورقي، وهم في وجوه المحدثين في بغداد، وممن شنعوا على
المأمون بالقول بخلق القرآن، ومن رؤوس الذين يقولون بقدمه.
ثم امتحن غيرهم من العلماء كجعفر بن عيسى، وعبد الرحمن بن
إسحاق القاضي والإمام أحمد بن حنبل.
واستمرت المحنة بخلق القرآن بعد المأمون الذي توفي في سنة
"218" في زمن المعتصم، والواثق الذي توفي "232", فبويع
للمتوكل الذي لم يتحمس للقول بخلق القرآن، ونهى عن القول
بذلك، وكتب إلى الآفاق، وتوفر دعاء الخلق له وبالغوا في
الثناء عليه.
مع اشتداد الحملة بخلق القرآن فر العجلي بدينه إلى طرابلس
المغرب، وبذلك انتقل من مركز كان يموج بالعلماء والمحدثين
إلى صقع ناء، الحركة العلمية فيه ضعيفة، ناهيك قلة العلماء
الموجودين فيه.
وسبب آخر نقف عنده هنيهة أن العجلي كان زاهدًا صالحًا
متقشفًا، وكان يتحرج في روايته للحديث، لذلك فقد انشغل
برواية أخبار وحكايات عن الصالحين، هذه الحكايات تراها
متناثرة في كتابه "الثقات" هذا، كلما ترجم لمحدث زاهد، أو
قاض عادل لا يخاف في الحق لومة سلطان، لا بل أفرد له
الحكايات بابًا ختم به كتابه.
(1/32)
روى عنه ابنه أبو مسلم صالح، وذكر أنه سمع
منه سنة "257"، كما روى عنه سعيد بن عثمان، وعثمان بن حديد
الألبيرى، وسعيد بن إسحاق، ومحمد بن فطيس الغافقي مسند
الأندلس.
أثناء ذلك حدثت المحنة بخلق القرآن أيام المعتزلة وتبنى
الخليفة العباسي المأمون فكرتها والدعوة لها وحمل العلماء
والمشايخ على الإقرار بها والدعوة لها، وكانت محنة شديدة
على العلماء الأجلاء فخرج العجلي هربًا بعقيدته إلى بلد
المغرب بعيدًا عن سلطة المعتزلة، واستقر بطرابلس الغرب،
وكان ينشر حديثه هناك، وصار له تلاميذ وأتباع، وردًا على
سلطان المعتزلة فقد اشتهر عنه قوله: "من قال: القرآن
مخلوق، فهو كافر"، وجريا على عادته في الاعتدال في كل شيء،
وسيره على السنة والجماعة، رد كذلك على الشيعة فاشتهر
قوله: "ومن آمن برجعة علي فهو كافر".
لماذا لم يرو العجلي أحاديث مع أن عصره كان عصر التدوين
الحديثي الشامل وفيه جمع البخاري ومسلم صحيحيهما؟ وقد
عاصرهما العجلي؟
قال الذهبي في التذكرة "ص561": "ما علمت وقع لنا من حديثه
شيء، وما أظنه روى سوى حكايات".
كانت سن العجلي "36" سنة عندما بدأ المأمون في سنة "218"
بإرسال كتاب إلى والي بغداد "إسحاق بن إبراهيم بن مصعب"
وهو كتاب مطول رواه الطبري في "تاريخه"، وطيفور في "تاريخ
بغداد" وأمره فيه بجمع القضاة، وقراءة كتابه عليهم،
وامتحانهم فيما يقولون، وتكشيفهم عما يعتقدون في خلق الله
القرآن وإحداثه، وإعلامهم أن أمير المؤمنين غير مستعين في
عمله، ولا واثق فيما قلده الله واستحفظه من أمور رعيته بمن
لا يوثق بدينه، وخلوص توحيده ويقينه وأنه
(1/33)
شهادة العلماء الثقات الكبار له:
أبو الحسن العجلي هو أقدم في طلب الحديث، وأعلى إسنادًا،
وأجل عند أهل المغرب -في القديم والحديث ورعًا وزهدًا- من
محمد بن إسماعيل البخاري، ولما سئل يحيى بن معين عنه، قال:
"هو ثقة ابن ثقة ابن ثقة"، وقيل في تفسير ذلك: إن يحيى بن
معين قال هذه التزكية لأنه عرفه بالعراق قبل خروجه إلى
المغرب، وكان نظيره في الحفظ إلا أنه دونه في السن.
وقال عباس الدوري: "كنا نعده مثل أحمد، ويحيى بن معين".
وقال علي ابن أحمد الأطرابلسي: "ثقة ابن ثقة ابن ثقة".
وقال ابن ناصر الدين: "كان إمامًا حافظًا قدوة من
المتقنين، وكان يعد كأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وكتابه
في الجرح والتعديل يدل على سعة حفظه، وقوة باعه الطويل".
وقال اليافعي في مرآة الجنان "2/ 173" في وفيات سنة إحدى
وستين ومائتين: فيها توفي الحافظ أحمد بن عبد الله بن صالح
العجلي، الكوفي، نزيل طرابلس المغرب، صاحب "التاريخ"،
و"الجرح والتعديل"1.
__________
1 ترجمته في:
1- تاريخ بغداد "4: 214".
2- تذكرة الحفاظ "ص560".
3- مرآة الجنان لليافعي "2: 173".
4- شذرات الذهب "2: 141".
5- معجم المؤلفين "1: 294".
6- كشف الظنون "ص582".
7- الوافي بالوفيات للصفدي.
8- تاريخ التراث العربي.
(1/34)
رجل في منزلة الإمام أحمد، ويحيى بن معين:
حافظ متقن ثقة ابن ثقة، نزه عن الشبهات، ورع في دينه، قدوة
في عبادته وأخلاقه، عدل صدوق له أن يقدم لنا هذا المصنف
الفريد فيمن ثبت لديه توثيقه وعدالته؛ ونلحظ من كتابه أن
توثيقه من أجود درجات التوثيق، وتحريه من أعلى درجات
الدقة، فليس في كتابه مغالاة وتطرف، لا بل هو إلى الاعتدال
أقرب، وانظر إلى توثيقه "أبان بن إسحاق المدني" مع إسراف
غيره في جرحه.
هذه الدقة وتحري الصدق دعت المؤلفين في كتب الرجال اعتماد
كتابه، فمن وثقهم لا خلاف عليهم، وقد ضمن الحافظ ابن حجر
كتابه "الثقات" في "تهذيب التهذيب" واستشهد بكثير من
كلامه، وتراه متناثرًا في كتاب التهذيب، كما نقل عنه "ابن
خلفون".
من هنا، ولعدم وجود نسخة خطية أخرى، فقد اعتبرنا أن كتاب
"تهذيب التهذيب" هو نسختنا الثانية، فعارضنا النسخة
المخطوطة على كتاب التهذيب، فما وافقه قابلناه، وما زاد
عليه الحافظ ابن حجر بألفاظ: قال العجلي، وثقه العجلي، قال
صالح بن أحمد، أشرنا إلى تضمينه إياه بعبارة "تضمينات
الحافظ ابن حجر"، حيث إنه يبدو أن النسخة التي اعتمدها
الحافظ ابن حجر بها زيادات عن النسخة التي بأيدينا، فقد
وثق من لم يرد بالكتاب، ولم يوثق بعض من ورد بالكتاب، مثل:
الضحاك بن شرحبيل لم يوثقه ابن حجر، وهو موثق عند العجلي،
وهكذا، كان بإمكاني جدولة تضمينات الحافظ ابن حجر وإلحاقها
في نهاية الكتاب، بيد أني اعتمدت الرأي الأول لسهولة الكشف
عن المطلوب، وحتى لا يصبح الكتاب عسر التناول، وميزت
تضمينات الحافظ ابن حجر بنجمة خاصة.
كما أنني -بعد ذلك- قابلت الكتاب كله على الكتب التالية:
1- التاريخ الكبير للبخاري.
(1/35)
2- "الثقات" لابن حبان البستي.
3- تاريخ يحيى بن معين.
أما الرواة الذين لم أجدهم في هذه الكتب، فعندها أبحث عنهم
في الجرح والتعديل، ولسان الميزان، وغيرهما.
كيف صنف العجلي كتابه؟ وما الطريقة التي اعتمدها؟
يبدو لي أن العجلي قد صنف كتابه على الطبقات، كتصنيف ابن
حبان البستي للثقات، وقد جاء الهيثمي فرتب ثقات العجلي
أبجديًّا، كما رتب أيضًا ثقات ابن حبان في ثلاثة مجلدات
كبار، وذلك لسهولة البحث عن اسم بذاته، ويسر الوصول إلى
الغاية.
هل استوعب مصنف العجلي كل الثقات؟
بالطبع لا، إنما سجل كل من حفظ أثناء طلبه العلم أنه ثقة،
أما حصر "الثقات" كلهم في مصنف واحد، واستيعابهم، فهذا
يمكن فقط بجمع كتب الثقات كلها في سفر واحد.
وميزة أخرى للكتاب، فقد كشف لنا عن أسماء لم ترد في كثير
من كتب الرجال، ترجم لها، وأسهب في سرد حكايات عن بعضها،
وبه نصوص، وأخبار، وحكايات لم ترد في كثير من المراجع.
يعزي العجلي كثيرًا من الأخبار لأبيه: عبد الله بن صالح
العجلي، فيقول: حدثني أبي عبد الله، قال عبد الله ... إلخ.
وقد وردت ترجمة أبيه في "تاريخ بغداد" "9: 477"، ونعلم
منها أنه كان كوفيًّا مقرئًا، قرأ على حمزة الزيات، وسمع
إسرائيل بن يونس، وزهير بن
(1/36)
معاوية، وروى عنه: عمرو الناقد، وأحمد بن
إبراهيم الدورقي، وجعفر بن محمد الصائغ، ثم نزل مدينة أبي
جعفر المنصور وحدث بها.
وقد أخرج له البخاري في الصحيح، يقول: حدثنا عبد الله بن
صالح المقري، وذكره "محمد بن إبراهيم الكناني" في تاريخه
في باب القضاة، قال: سألت أبا حاتم الرازي، عن عبد الله بن
صالح بن مسلم العجلي الكوفي، فقال: كان قاضيًا.
وقد ولي القضاء بشيراز، وبناحية شيراز، وكانت ولادته سنة
"141"، ووفاته "211".
وترجمه الحافظ ابن حجر في التهذيب "5: 261"، فقال: "عبد
الله بن صالح بن مسلم بن صالح أبو صالح العجلي الكوفي
المقرئ والد أحمد صاحب التاريخ ... روى عنه البخاري، وابنه
أحمد، وعمرو الناقد، وهارون بن إسحاق الهمداني، والفضل بن
سهل، ومحمد بن عبد الرحمن البزار، وأبو زرعة, وأبو حاتم
... وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وكذا قال ابن خراش، وقال
أبو حاتم: صدوق, وقال الوليد بن بكر الأندلسي: "وأما عبد
الله بن صالح فمن ثقات أئمة أهل الكوفة، صاحب قرآن وسنة,
وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: "مستقيم الحديث". ا.
هـ.
الحافظ الهيثمي مرتب الثقات:
كتاب "ترتيب ثقات العجلي" بهذا العنوان، هو من صُنع الحافظ
الهيثمي، وقد أفاد من ناحيتين:
1- حفظ لنا الكتاب الذي فقدت نُسخه الأصلية.
(1/37)
2- ترتيبه أبجديًّا ليسهل الكشف به.
وقد اعتمد في ترتيبه على نسختين كما صرح بذلك في اللوحة
"44أ" من الكتاب عند ترجمة عمير بن أبي إسحاق الزهري، قتل
يوم بدر، قال الهيثمي: قلت: "هكذا وجدته في الأصلين".
أما الحافظ الهيثمي1 فهو:
علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح نور
الدين أبو الحسن الهيثمي القاهري الشافعي الحافظ ويعرف
بالهيثمي. كان أبوه صاحب حانوت بالصحراء فولد له هذا في
رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ونشأ فقرأ القرآن ثم صحب
الزين العراقي وهو بالغ ولم يفارقه سفرًا وحضرًا حتى مات
بحيث حج معه جميع حجاته, ورحل معه سائر رحلاته, ورفقه في
جميع مسموعه بمصر والقاهرة والحرمين وبيت المقدس ودمشق
وبعلبك وحلب وحماه وطرابلس وغيرها، وربما سمع الزين2
بقراءته. ولم ينفرد عنه الزين بغير ابن البابا والتقي
السبكي وابن شاهد الجيش, كما أن صاحب الترجمة لم ينفرد عنه
بغير صحيح مسلم على ابن عبد الهادي.
وممن سمع عليه سوى ابن عبد الهادي: الميدومي, ومحمد بن
إسماعيل بن الملوك, ومحمد بن عبد الله النعماني, وأحمد بن
الرصدي, وابن القطرواني, والعرضي, ومظفر الدين محمد بن
محمد بن يحيى العطار, وابن الخباز, وابن الحموي, وابن قيم
الضيائية, وأحمد بن عبد الرحمن المرداوي. فمما سمعه على
المظفر: صحيح البخاري، وعلى ابن الخباز: صحيح مسلم، وعليه
وعلى العرضي: مسند أحمد، وعلى العرضي
__________
1 ترجمته في الضوء اللامع، وشذرات الذهب، وذيول تذكرة
الحفاظ، ونقلناه عن تقدمة مجمع الزوائد التي كتبها
الأستاذ: حسام الدين القدسي رحمه الله.
2 أي حافظ عصره: زين الدين العراقي.
(1/38)
والميدومي: سنن أبي داود، وعلى الميدومي
وابن الخباز: جزء ابن عرفة.
وهو مكثر سماعًا وشيوخًا، ولم يكن الزين يعتمد في شيء من
أموره إلا عليه, حتى إنه أرسله مع ولده الولي1 لما ارتحل
بنفسه إلى دمشق، وزوجه ابنته خديجة ورزق منها عدة أولاد.
وكتب الكثير من تصانيف الشيخ بل قرأ عليه أكثرها, وتخرج به
في الحديث، بل دربه في إفراد زوائد كتب: كالمعاجم الثلاثة
للطبراني2 والمسانيد لأحمد3 والبزار4 وأبي يعلى5 على الكتب
الستة, وابتدأ أولا بزوائد أحمد فجاء في مجلدين, وكل واحد
من الخمسة الباقية في تصنيف مستقل، إلا الطبراني الأوسط
والصغير فهما في تصنيف، ثم جمع الجميع في كتاب واحد محذوف
الأسانيد سماه: "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد", وكذا أفرد
زوائد صحيح ابن حبان على الصحيحين6، ورتب أحاديث الحلية
لأبي نعيم على الأبواب, ومات عنه مسودة فبيضه وأكمله
شيخنا7 في مجلدين، وأحاديث الغيلانيات والخلعيات، وفوائد
أبي تمام، والأفراد للدارقطني أيضًا على الأبواب، ومات عنه
مسودة فبيضه وأكمله شيخنا في مجلدين، ورتب كلا من ثقات ابن
حبان وثقات العجلي على الحروف.
وأعانه8 بكتبه ثم بالمرور عليها وتحريرها وعمل خطبها ونحو
ذلك، وعادت
__________
1 أي الحافظ ولي الدين أبو زرعة.
2 وسمي زوائد المعجمين الوسط والصغير: "مجمع البحرين في
زوائد المعجمين", وزوائد المعجم الكبير: "البدر المنير في
زوائد المعجم الكبير".
3 وسماه "غاية المقصد في زوائد أحمد".
4 وأسماه "البحر الزخار في زوائد البزار" وطبع حديثًا.
5 واسمه "المقصد الأعلى في زوائد أبي يعلى".
6 اسمه "موارد الظمآن لزوائد ابن حبان", وله أيضًا: "بغية
الباحث عن زوائد الحارث".
7 أي الحافظ ابن حجر.
8 أي الزين العراقي.
(1/39)
بركة الزين عليه في ذلك وفي غيره.
كما أن الزين استروح بعد بما عمله سيما المجمع.
وكان عجبًا في الدين والتقوى والزهد والإقبال على العلم
والعبادة والأوراد وخدمة الشيخ وعدم مخالطة الناس في شيء
من الأمور، والمحبة في الحديث وأهله, وحدث بالكثير رفيقًا
للزين, بل قل أن حدث الزين بشيء إلا وهو معه وكذلك قل أن
حدث هو بمفرده، لكنهم بعد وفاة الشيخ أكثروا عنه، ومع ذلك
فلم يغير حاله ولا تصدر ولا تمشيخ، وكان مع كونه شريكًا
للشيخ يكتب عند الأمالي بحيث كتب عنه جميعها وربما استملى
عليه، ويحدث بذلك عن الشيخ لا عن نفسه إلا لمن ضايقه.
ولم يزل على طريقته حتى مات في ليلة الثلاثاء تاسع عشري
رمضان سنة سبع بالقاهرة ودفن من الغد خارج باب البرقية
منها رحمه الله وإيانا.
وقد ترجمه ابن خطيب الناصرية في حلب، والتقي الفاسي في ذيل
التقييد، وشيخنا في معجمه1 وأنبائه، ومشيخة البرهان
الحلبي، والغرس خليل الأقفهسي في معجم ابن ظهيرة، والتقي
بن فهد في معجمه وذيل الحفاظ، وخلق كالمقريزي في عقوده.
قال شيخنا في معجمه: وكان خيرًا ساكنًا لينًا سليم الفطرة,
شديد الإنكار للمنكر, كثير الاحتمال لشيخنا ولأولاده,
محبًا في الحديث وأهله، ثم أشار لما سمعه منه وقرأه عليه
إلى أثناء الحج من مجمع الزوائد سوى المجلس الأول منه,
ومواضع يسيرة من أثنائه، ومن أول زوائد مسند أحمد إلى قدر
الربع منه، قال وكان يودني كثيرًا ويعينني عند الشيخ،
وبلغه أنني تتبعت أوهامه في مجمع الزوائد فعاتبني
__________
1 أي معجم شيوخه.
(1/40)
وتركت ذلك إلى الآن1, واستمر على المحبة
والمودة، قال وكان كثير الاستحضار للمتون يسرع الجواب
بحضرة الشيخ فيعجب الشيخ ذلك، وقد عاشرتهما مدة فلم أرهما
يتركان قيام الليل ورأيت من خدمته لشيخنا وتأدبه معه من
غير تكلف لذلك ما لم أره لغيره ولا أظن أحدًا يقوى عليه.
وقال في أنبائه أنه صار كثير الاستحضار للمتون جدًّا لكثرة
الممارسة، وكان هينًا دينًا خيرًا محبًا في أهل الخير, لا
يسأم ولا يضجر من خدمة الشيخ وكتابة الحديث, سليم الفطرة,
كثير الخير والاحتمال للأذى خصوصًا من جماعة الشيخ، وقد
شهد لي بالتقدم في الفن جزاه الله عني خيرًا، قال: وكنت قد
تتبعت أوهامه في كتابه المجمع, فبلغني أن ذلك شق عليه,
فتركته رعاية له.
قلت: وكأن مشقته لكونه لم يعلمه هو, بل أعلم غيره وإلا
فصلاحه ينبو عن مطلق المشقة، أو لكونها غير ضرورية بحيث
ساغ لشيخنا الإعراض عنها، والأعمال بالنيات.
وقال البرهان الحلبي: إنه كان من محاسن القاهرة ومن أهل
الخير، غالب نهاره في اشتغال وكتابة مع ملازمة خدمة الشيخ
في أمر وضوئه وثيابه ولا يخاطبه إلا بسيدي حتى كان في أمر
خدمته كالعبد، مع محبته للطلبة والغرباء وأهل الخير وكثرة
الاستحضار جدًّا.
وقال التقي الفاسي: كان كثير الحفظ للمتون والآثار صالحًا
خيرًا.
وقال الأقفهسي: كان إمامًا عالمًا حافظًا زاهدًا متواضعًا
متوددًا إلى الناس ذا عبادة وورع، انتهى.
__________
1 سيأتي كلام السخاوي في الدفاع عن الهيثمي في ذلك، مع أن
مذهب السخاوي في نشر الأغلاط مشهور.
(1/41)
والثناء على دينه وزهده وورعه ونحو ذلك
كثير جدًّا بل هو في ذلك كلمة اتفاق, وأما في الحديث فالحق
ما قاله شيخنا: إنه كان يدري منه فنًّا واحدًا -يعني الذي
دربه فيه شيخهما العراقي- قال وقد كان من لا يدري يظن
لسرعة جوابه بحضرة الشيخ أنه أحفظ وليس كذلك بل الحفظ
المعرفة, رحمه الله وإيانا.
دكتور: عبد المعطي أمين قلعجي
القاهرة فجر الثلاثاء 26 من المحرم 1404هـ
المصادف أو تشرين الثاني 1983م
(1/42)
ترتيب ثقات العجلي:
لشيخنا الإمام الحافظ الصالح نور الدين أبي الحسن علي بن
أبي بكر بن سليمان الهيثمي، تلميذ شيخنا حافظ الإسلام زين
الدين العراقي ورفيقه رحمهما الله تعالى.
الحمد لله.
العجلي صاحب كتاب "الثقات" هو الإمام الحافظ القدوة أبو
الحسن: أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي نزيل طرابلس
المغرب، سمع والده، وحسين بن علي الجعفي، وشبابة، ومحمد بن
يوسف الفريابي، ويعلى بن عبيد وطبقتهم.
حدث عنه ولده صالح بمصنفه في الجرح والتعديل وهو كتاب مفيد
يدل على سعة حفظه، وروى عنه أيضًا سعيد بن عثمان, وعثمان
بن جديد الألبيري، وسعيد بن إسحاق، ومسند الأندلس: محمد بن
فطيس الغافقي ذكره عباس الدوري فقال: كنا نعده مثل يحيى بن
معين.
ومن كلامه قال: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومن آمن
برجعة علي فهو كافر، وقيل: إنه فر إلى المغرب أيام محنة
القرآن وسكنها.
مولده سنة اثنتين وثمانين ومائة، ومات باطرابلس سنة إحدى
وستين ومائتين رحمه الله تعالى.
من كلام ابن عبد الهادي في طبقات الحافظ.
(1/43)
ووالد صاحب الثقات هو عبد الله بن صالح
العجلي الكوفي المقرئ المحدث، قرأ القرآن على: حمزة
الزيات، وحدث عن أبي بكر النهشلي، وفضل بن مرزوق، وشبيب بن
شيبة، وحماد بن سلمة، وعبد العزيز الماجشون، وخلق, وعنه:
ابنه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وإبراهيم الحربي، وتمام، وبشر
بن موسى، وغيرهم ولم يسمع منه "البخاري"1.
وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن حبان:
مستقيم الحديث.
وفي تفسير الفتح من البخاري: "حدثنا عبد الله، حدثنا عبد
العزيز بن أبي سلمة، فقال غير واحد: هو عبد الله بن صالح
العجلي، وقال أبو علي بن السكن: هو القعنبي، وقال" أبو
مسعود في الأطراف هو ابن رجاء وقال أبو علي الغساني وغيره
هو كاتب الليث, وهو الصحيح لوجوه مذكورة في غير هذا
الموضع, فقال توفي العجلي سنة إحدى عشرة ومائتين، وقيل سنة
إحدى وعشرين, والله أعلم "في هذا. ابن عبد القادر"2 وله
ترجمة في تهذيب المزي وفروعه.
__________
1 كذا بالأصل، وثابت أن البخاري قد أخرج له في الصحيح،
يقول: حدثنا عبد الله بن صالح المقرئ، وانظر صفحة 37.
2 جملة غير واضحة بالأصل.
(1/44)
قال الشيخ الإمام الحافظ نور الدين أبو
الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي رحمه الله: الحمد
لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله رب السماوات
والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد المرسلين صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛ قال سيدي وشيخي وقدوتي أحسن الله إليّ وإليه بعد
في الدارين، وجعلنا في الدنيا والآخرة من خير الفريقين،
وهو الشيخ العلامة شيخ الإسلام ورحلة الأنام، وحافظ عصره،
ووحيد دهره: زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم ابن الشيخ بدر
الدين حسين بن عبد الرحمن بن العراقي، أشار إلي في ترتيب
ثقات أبي الحسن بن عبد الله بن صالح العجلي لكي يسهل الكشف
منها لطالب العلم؛ فأجبته إلى ذلك امتثالا لأمره، ورجاء
البركة في طاعته، وأسأل الله أن ينفع به إنه سميع مجيب.
وقد رتبته على حروف المعجم وبدأت بمن اسمه أحمد تبركًا
بالنبي صلى الله عليه وسلم.
(1/45)
|