الرياض النضرة في مناقب العشرة

القسم الأول: في مناقب الاعداد
الباب الأول: فيما جاء متضنًا ذكر العشرة وغيرهم
مدخل
...
القسم الأول: في مناقب الاعداد وفيه أبواب
الباب الأول: فيما جاء متضمناً ذكر العشرة وغيرهم
ذكر ما جاء متضمناً فضل جملة الصحابة والدعاء لهم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه" 1 وأخرجه أبو بكر البرقاني على شرطهما وفيه "لا تسبوا أصحابي دعوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق كل يوم مثل أحد ذهباً لم يبلغ مد أحدهم".
شرح: -أحد: جبل معروف بالمدينة -والنصيف- والنصف بمعنى كالعشير والعشر وعن ابن عمر قال "لا تسبوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره" أخرجه علي بن حرب الطائي وخيثمة بن سليمان وعن عبد الرحمن بن سالم بن عبد الله بن عويمر بن ساعدة عن أبيه عن جده قال قال -صلى الله عليه وسلم- "إن الله اختارني واختار لي أصحاباً فجعل لي منهم وزراء وأصهاراً وأنصاراً فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً" أخرجه المخلص الذهبي وعن بريدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "من مات من أصحابي بأرض كان نورهم وقائدهم
__________
1 أي البخاري ومسلم وهذا هو المراد بلفظ أخرجاه: كلما ذكر هنا في هذا الكتاب.

(1/17)


يوم القيامة". وعن الحسن قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أصحابي في الناس كمثل الملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح" قال ثم يقول الحسن هيهات ذهب ملح القوم وعن ابن عباس في قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} 1 قال أصحاب محمد اصطفاهم لله لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- خرجهن خيثمة بن سليمان وعن أبي صالح في قوله عز وجل: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ} 2 قال محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه خرجه ابن السرى وعن مسروق قال: قال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك لو قدمت رفعت فوقنا فلم نرك قال فأنزل الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} 3 وعن سعيد بن المسيب عن عمر قال: قال رسو الله -صلى الله عليه وسلم- "سألت ربي عز وجل فيما أختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضها أضوا من بعض فمن أخذ بشيء فيما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على عهدي" خرجه نظام الملك في أماليه وفيه دلالة على أن لكل مجته نصيبًا وعن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ال تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني؛ والله لا تزالون بخير ما دام فيكمن من رأى من رأى من رآاني وصاحبني" خرجه الحافظ السلفي في السداسيات وعن أبي برزة الأسلمي أنه دخل على زيادة فقال إن من شر الرعاء الحطمة قال فه أسكت فإنك من نخالة أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا للمسلمين وهل كان لأصحاب محمد نخلة بل كانوا لبابا كلهم والله لا أدخل عليك ما كان في روح خرجه أبو الحسن علي
__________
1 سورة النمل الآية: 59.
2 سورة الحج الآية: 41.
3 سورة النساء الآية: 69.

(1/18)


بن الجعد. شرح: الحطمة التي تأتي على كل شيء ومنه سميت النار الحطمة ومعنى شر الرعاء الحطمة أي الذي يكون عنيفاً برعية المال يحطمها يلقي بعضها على بعض ومنه قول الشاعر:
"قد لفها الليل بسواق حطم"
وقد يستعار لأولي الأمر وهو المراد ههنا والنخالة حثالة الدقيق واللباب خالصه وعن سعد بن أبي وقاص حديث مرضه وعيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له وفيه "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم" أخرجاه وعن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه عن جده قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً" أخرجه ابن المهتدي في مشيخته.

(1/19)


ذكر ما جاء في فضل أهل بدر والحديبية:
عن علي بن أبي طالب قال بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والزبير وطلحة والمقداد فقال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن فيها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها" فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتيننا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا فيه من حاطب ابن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يا حاطب ما هذا" فقال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون قرابتهم وأهليهم ولم يكن لي قرابة أحمي بها أهلي فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي وأهلي والله يا رسول الله ما فعلت ذلك ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد السلام فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إنه قد صدقكم"
__________
1 لا شك أن الإسلام دين السلام.

(1/19)


فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق, فقال: "إنه شهد بدرا, وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا, فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" هذا تمام, وعن سهل بن مالك عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس, إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية" أخرجه الخلعي والحافظ الدمشقي في معجمه, وعن أم مبشر قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت حفصة: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها" قالت: بلى يا رسول الله, فانتهرها, قالت حفصة: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "إنه قال الله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} 1 " أخرجه مسلم, وعن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر في قصة حاطب بن أبي بلتعة: "وما يدريك لعل الله اطلع على هذه العصابة من أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم, فقد غفر لكم" تفرد مسلم بإخراجه وسيأتي في مناقب عمر, وعن جابر أن عبدا لحاطب جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشكو حاطبا فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كذبت لا يدخلها؛ فقد شهد بدرا والحديبية" وعن ابن عباس قال: أتى جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد من أفضل أصحابك عندكم؟ فقال: "الذين شهدوا بدرًا" قال: كذلك الملائكة الذين في السموات, أفضلهم عندنا الذين شهدوا بدرًا, أخرجه ابن بشران, وعن رفاعة بن رافع قال: جاء جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: "من أفضل المسلمين" أو كلمة نحوها قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة, أخرجه الملاء في سيرته, وعن جابر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة" أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح وأخرجه الملاء في سيرته وزاد يعني بالحديبية: "ولا تمس النار أحدًا ممن رآني أو رأى من رآني
__________
1 سورة مريم الآية: 72.

(1/20)


ممن آمن بي" وجملة العشرة داخلون في حكم البدريين من حضر ومن لم يحضر, فإن من لم يحضر أعطي حكم الحاضر في الأجر والسهم على ما سنقرره في أبوابه, وكذلك من غاب عن بيعة الشجرة وهو عثمان بايع عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال: "هذه لعثمان".
ذكر ما جاء في الحث على حبهم, والإحسان إليهم بالاستغفار لهم, والكف عما شجر1 بينهم:
عن عبد الله بن مسعود قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحب قوما ولما لحق بهم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب" أخرجاه, وعن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "وما أعددت لها؟ " قال: حب الله ورسوله قال: "فإنك مع من أحببت" قال: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "فإنك مع من أحببت" قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر, وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم, أخرجه مسلم. وعن أنس بن مالك أن رجلا من الأعراب أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "وما أعددت لها؟ " قال: ما أعددت لها من كثير أحمد عليه نفسي, إلا أني أحب الله ورسوله فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "فإنك مع من أحببت" أخرجه مسلم. وعن جابر بن سمرة قال: جاءنا عمر بالجابية فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام في مثل مقامي هذا فقال: "أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم" أخرجه المخلص الذهبي وأخرجه الحافظ ابن ناصر السلامي وقال: حديث صحيح رجاله ثقات مخرج عنهم في الصحيحين. وهذه توصية من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه والإحسان إليهم بحبهم والاستغفار لهم والترحم عليهم والكف عما شجر بينهم, وعن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب
__________
1 اختلف بينهم واختلط.

(1/21)


خطبهم بالجابية وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أكرموا أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" أخرجه أبو عمر بن السماك, وإكرامهم بما تقدم من الإحسان إليهم. وعن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من أحسن القول في أصحابي فقد برئ من النفاق, ومن أساء القول في أصحابي كان مخالفا لسنتي ومأواه النار وبئس المصير" أخرجه في شرف النبوة أبو سعد وفي رواية: "من أحسن القول في أصحابي, فهو مؤمن" رواها ابن غيلان, وعن عائشة قالت: أُمروا أن يستغفروا لأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فسبوهم, أخرجه مسلم وأبو معاوية وهذا يؤيد ما تقدم في تأويل إكرامهم والإحسان إليهم, وعن سهل بن مالك عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس احفظوني في أختاني وأصهاري وأصحابي لا يطالبنكم الله بمظلمة أحد منهم, فإنها ليست مما يوهب, يا أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين, وإذا مات الرجل فلا تقفوا فيه إلا خيرا" أخرجه الخلعي والحافظ الدمشقي في معجمه, وعن عبد الرحيم بن زيد العمي قال: أخبرني أبي قال: أدركت أربعين شيخا من التابعين كلهم حدثونا عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحب جميع أصحابي وتولاهم واستغفر لهم, جعله الله يوم القيامة معهم في الجنة" أخرجه ابن عرفة العبدي, وعن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من أحب أصحابي وأزواجي وأهل بيتي ولم يطعن في أحد منهم وخرج من الدنيا على محبتهم, كان معي في درجتي يوم القيامة" أخرجه الملاء في سيرته, وعن عبد الله بن معقل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الله الله في أصحابي, لا تتخذوهم غرضا من بعدي, من أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني, ومن آذاهم فقد آذاني, ومن آذاني فقد آذى الله, ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه" أخرجه المخلص الذهبي وأخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في معجمه وقال: "من أحبهم فبحبي أحبهم, ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم" وذكر ما قبله وما بعده بمثل لفظه, وهو من حديث نبيط بن شريط الأشجعي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو رواية ابن معقل من رواية الحافظ الدمشقي.

(1/22)


ذكر ما جاء في التحزير من الخوض فيما شجر بينهم والنهي عن سبهم
...
"ذكر ما جاء في التحذير من الخوض فيما شجر بينهم, والنهي عن سبهم":
قد تقدم في الفصل الأول طرف من النهي عن سبهم وفي الثالث طرف في النهي عن الخوض فيهم؛ عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "تكون لأصحابي من بعدي زلة يغفرها الله -عز وجل- لهم بسابقتهم معي, يعمل بها قوم من بعدهم يكبهم الله -عز وجل- في النار على مناخرهم" أخرجه تمام الرازي في فوائده, قوله: "يعمل بها قوم من بعدهم" يجوز أن يريد: يعملون بمثلها في الصورة, فيخرجون عن الإمام بأدنى خيال يتصورونه ويعتمدون في ذلك مثل ما وقع بين الصحابة أولا وآخرا, فأبطل صلى الله عليه وسلم هذا القياس وبين الفرق بينهم وبين من بعدهم وحذر من ذلك ليكون العامل به على بصيرة من أمره؛ لئلا يعتقد الحجة بذلك, ويجوز أن يريد: يعملون بمقتضاها فيما جرت به عوائدهم من الوقوع فيمن يعتقدون خطأه والأخذ في عرضه, فبين -صلى الله عليه وسلم- أن الله قد غفر لهم وتجاوز عنهم, ومن كان كذلك لم يبق له ما يوجب الوقوع فيه, فويل لمن ضل سبيل الرشد بالوقوع فيهم بما يوجب له ما يشهد به لسان النبوة, فله الحمد أن أعاذنا من ذلك ونسأله دوام نعمته وإتمامها. وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا ذُكر القَدَر فأمسكوا, وإذا ذُكر أصحابي فأمسكوا" وعن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من سب أصحابي وآذاهم فقد آذاني" وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من سب أحدا من أصحابي فاجلدوه" أخرجهن خيثمة بن سليمان وأخرج الثالث ابن السماك في الموافقة. وعن علي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من سب نبيا من الأنبياء فاقتلوه, ومن سب أحدا من

(1/23)


أصحابي فاجلدوه" أخرجه تمام في فوائده. وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئًا, فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر" قال عبد الله: وأنى إليّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بمال فقسمه النبي -صلى الله عليه وسلم- فانتهيت إلى رجلين جالسين وهما يقولان: ما أراد محمد بقسمته التي قسمها وجه الله ولا الدار الآخرة, فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فاحمرّ وجهه وقال: "دعني عنك, فقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر" أخرجه الترمذي أيضا, وذكر أحاديث تتضمن جملتها مؤاخاته -صلى الله عليه وسلم- بين العشرة وغيرهم من المهاجرين والأنصار وذكر اسمه على بعضهم, عن زيد بن أبي أوفى قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسجده فقال: "أين فلان ابن فلان؟ " فجعل ينظر في وجوه أصحابه ويتفقدهم ويبعث إليهم حتى إذا توافوا عنده حمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إني محدثكم حديثا فاحفظوه وعوه, وحدثوا به من بعدكم: إن الله -عز وجل- اصطفى من خلقه خلقا ثم تلا: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} 1 خلقا يدخلهم الجنة, وإني أصطفي منكم من أحب أن أصطفيه ومؤاخ بينكم كما آخى الله -عز وجل- بين ملائكته, فقم يا أبا بكر فاجث بين يدي فإن لك عندي يدا الله يجزيك بها, فلو كنت متخذا خليلا لاتخذتك خليلا, فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي" ثم تنحى أبو بكر ثم قال: "ادن يا عمر" فدنا منه فقال: "لقد كنت شديد الشغب علينا أبا حفص, فدعوت الله أن يعز الإسلام بك أو بأبي جهل بن هشام, ففعل الله ذلك بك وكنت أحبهما إلى الله, فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة" ثم تنحى عمر ثم آخى بينه وبين أبي بكر ثم دعا عثمان فقال: "ادن يا أبا عمرو, ادن يا أبا عمرو" فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبتيه بركبتيه, فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء قال: "سبحان الله العظيم" ثلاث مرات ثم نظر إلى عثمان وكانت أزراره محلولة, فزررها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده ثم قال: "اجمع عطفي ردائك على نحرك" ثم قال: "إن لك لسانا في أهل السماء
__________
1 سورة الحج الآية: 75.

(1/24)


أنت ممن يرد على حوضي وأوداجك تشخب دما, فأقول لك: من فعل بك هذا؟ فتقول: فلان وفلان" وذلك كلام جبريل إذا هاتف يهتف من السماء فقال: ألا إن عثمان أمير على كل مخذول ثم تنحى عثمان ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: "ادن يا أمين الله, أنت أمين الله وتسمى في السماء الأمين, يسلطك الله على مالك بالحق, أما إن لك عندي دعوة وعدتكها وقد أخرتها" قال: خر لي يا رسول الله قال: "حملتني يا عبد الرحمن أمانة" ثم قال: "إن لك شأنا يا عبد الرحمن, أما إنه أكثر الله مالك" وجعل يقول بيده هكذا وهكذا ووصفه لنا حسين بن محمد جعل يحثو بيده, ثم تنحى عبد الرحمن ثم آخى بينه وبين عثمان ثم دعا طلحة والزبير ثم قال لهما: "ادنوا مني" فدنوا منه فقال لهما: "أنتما حواري كحواري عيسى ابن مريم" ثم آخى بينهما, ثم دعا عمار بن ياسر وسعدا وقال: "يا عمار تقتلك الفئة الباغية" ثم دعا عويمر بن زين أبا الدرداء وسلمان الفارسي وقال: "يا سلمان أنت منا أهل البيت, وقد آتاك الله العلم الأول والآخر والكتاب الأول والكتاب الآخر" ثم قال: "ألا أرشدك يا أبا الدرداء؟ " قال: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال: "إن تفتقدتهم يفتقدوك وإن تركتهم لا يتركوك وإن تهرب منهم يدركوك, فأقرضهم عرضك ليوم فقرك, واعلم أن الجزاء أمامك" ثم آخى بينه وبين سلمان, ثم نظر في وجوه أصحابه فقال: "أبشروا وقروا عينا, أنتم أول من يرد علي الحوض, وأنتم في أعلى الغرف" ثم نظر إلى عبد الله بن عمر فقال: "الحمد لله, يهدي من الضلالة من يحب" فقال علي: لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت بغيري, فإن كان هذا من سخط علي فلك العتبى1 والكرامة فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي, وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي" قال: وما أرث منك يا نبي الله؟ قال: "ما ورثت الأنبياء من قبلي" قال: وما ورثت
__________
1 الرضا.

(1/25)


الأنبياء من قبلك؟ قال: "كتاب ربهم وسنة نبيهم, وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي" ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم: " {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} 1 المتحابون في الله ينظر بعضهم إلى بعض" أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأربعين الطوال.
وخرج الإمام أحمد بن حنبل في كتاب مناقب علي بن أبي طالب معنى حديث المؤاخاة مختصرا وقال: لما آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه قال علي كذا وكذا إلى آخره, وأخرجه أبو سعد في شرف النبوة أوعب من هذا عن عقبة بن عامر الجهني بتغيير بعض لفظه ولم يذكر قصة علي ولفظه, قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر وعمر أمرت أن أؤاخي بينكما, أنتما أخوان في الدنيا والآخرة, فليسلم كل منكما على الآخر وليصافحه" فأخذ أبو بكر بيد عمر, ثم قال: "يا زبير ويا طلحة, تعاليا أؤاخي بينكما, أنتما أخوان في الدنيا والآخرة فليسلم كل منكما على صاحبه وليصافحه" ففعلا ثم قال: "يا عبد الرحمن ويا عثمان, تعاليا أمرت أن أؤاخي بينكما فأنتما أخوان في الدنيا والآخرة, فليسلم كل واحد منكما على صاحبه وليصافحه" ففعلا ثم قال لأبي بن كعب وابن مسعود مثل ذلك ففعلا, ثم قال لأبي عبيدة بن الجراح وسالم مولي أبي حذيفة مثل ذلك ففعلا, ثم قال لأبي الدرداء وسلمان مثل ذلك ففعلا, ثم قال لسعد بن أبي وقاص وصهيب مثل ذلك ففعلا, ثم قال لأبي أيوب الأنصاري ولبلال مثل ذلك ففعلا, ثم آخى بين أسامة بن زيد وبين أبي هند الحجام فقال لهما مثل ذلك ففعلا, ثم قال: "أمرت أن أؤاخي بين فاطمة وأم سليم هنيئًا لأم سليم, وأمرت أن أؤاخي بين عائشة وامرأة أبي أيوب, ألا جزى الله آل أبي طلحة وآل أبي أيوب عن رسول الله خيرًا".
وخرج ابن إسحاق ذكر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فقال: قال
__________
1 سورة الحجر الآية: 47.

(1/26)


رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فيما بلغنا: "تآخوا في الله أخوين أخوين" ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيد علي فقال: "هذا أخي" فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلي أخوين, وكان حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخوين, وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخو بني سلمة أخوين, وأبو بكر وخارجة بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج أخوين, وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخو بني سالم بن عوف أخوين, وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل أخوين, وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخو بني الحارث بن الخزرج أخوين, والزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش أخو بني عبد الأشهل أخوين".
ويقال: بل الزبير وعبد الله بن مسعود حليف بني زهرة أخوين, وعثمان بن عفان وأويس بن ثابت بن المنذر أخو بني النجار أخوين, وطلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك أخو بني سلمة أخوين, وسعيد بن زيد وأبي بن كعب أخو بني النجار أخوين, ومصعب بن عمير وأبو أيوب خالد بن زيد أخو بني النجار أخوين, وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعباد بن بشر بن وقش أخو بني عبد الأشهل أخوين, وعمار بن ياسر حليف بني مخزوم وحذيفة بن اليمان أخو بني عبس حليف بني عبد الأشهل أخوين.
ويقال: بل عمار وثابت بن قيس بن شماس أخو بني الحارث بن الخزرج خطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخوين, وأبو ذر وهو برين بن جنادة الغفاري والمنذر بن عمرو أخو بني ساعدة بن كعب بن الخزرج أخوين.
قال ابن هشام: وسمعت غير واحد من العلماء يقول: أبو ذر جندب بن جنادة, قال ابن إسحاق: وكان حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى وعريم بن ساعدة أخو بني عمرو بن عوف أخوين, وسلمان الفارسي وأبو الدرداء عويمر بن ثعلبة أخو بني الحارث بن الخزرج وبلال

(1/27)


مؤذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي ثم أحد الفرع أخوين.
قال ابن إسحاق: فهؤلاء من سمي لنا ممن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخى بينهم من أصحابه, وحديث ابن إسحاق تضمن العشرة إلا سعدًا وهي المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار ليذهب عن المهاجرين وحشة الغربة ويؤنسهم بهم ليشد بعضهم أزر بعض, وحديث عقبة بن عامر قبله تضمن العشرة إلا سعيد بن زيد فحصلت المؤاخاة للعشرة, وهذه المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين تأنيسا وشد أزر بعض لبعض.
وخرج ابن إسحاق مؤاخاة المهاجرين مختصرة فقال: آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أبي بكر وعمر, وبين عثمان وعبد الرحمن, وبين طلحة والزبير, وبين أبي ذر والمقداد, وبين معاوية بن أبي سفيان والحتات المجاشعي, واختلاف هذا السياق يدل على تكرر المرات والله أعلم.
وعن علي قال: آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أبي بكر وعمر, وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة, وبين عبد الله بن مسعود وبين الزبير بن العوام, وبين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن مالك, وبيني وبين نفسه, أخرجه الخلعي.
قال أبو عمر بن عبد البر: آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين, ثم آخى بين المهاجرين والأنصار وقال في كل واحدة منهما لعلي: "أنت أخي في الدنيا والآخرة" وآخى بينه وبين نفسه.
وأخرج الطبراني في معجمه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخى بين علي وعثمان, ولعل ذلك بعد إخائه -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين نفسه في إحدى المرتين أو في وقت آخر, واختلاف الروايات في المؤاخاة يدل على تكررها حتى يكون الواحد أخًا لاثنين وثلاثة. شرح: قوله في الحديث الأول: "شديد الشغب" هو بتسكين

(1/28)


الغين المعجمة: تهيج الشر وهو شغب الجند، ولا يقال: شغب بالتحريك, تقول: شغبت عليهم وبهم وشغبتهم بمعنًى, والأوداج جمع ودج بالتحريك وهو عرق في العنق, وهما ودجان فأطلق لفظ الجمع عليهما وذلك سائغ في الكلام, يشخب دما استعارة من: شخب الضرع اللبن, تقول منه: شخب يشخب ويشخب شخبا, والاسم الشخب بالضم والله أعلم1.
__________
1 بل لا علم إلا منه تعالى, وفي القرآن الكريم حكاية لقول الملائكة: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} .

(1/29)