الرياض النضرة
في مناقب العشرة الفصل الثاني: في
اسمه وكنيته
لم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام عمر, وكناه رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- أبا حفص وكان ذلك يوم بدر، وذكره ابن
إسحاق وسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفاروق.
عن ابن عباس قال: سألت عمر: لأي شيء سميت الفاروق؟ فقال:
أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للإسلام,
فقلت: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض
نسمة هي أحب إلي من نسمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم،
فقلت: أين رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ قالت أختي: هو
في دار الأرقم بن أبي الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة
في أصحابه جلوسا في الدار ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-
في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما
لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب قال: فخرج رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- فأخذ بمجامع ثيابه ثم نتره نترة, فما تمالك أن
وقع على ركبتيه، فقال: "ما أنت بمنتهٍ يا عمر؟ " قال: قلت:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنك
محمدًا1 عبده ورسوله، قال: فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها
أهل المسجد، قال: فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن
متنا وإن حيينا؟ قال: "بلى, والذي نفسي بيده إنكم على الحق
إن متم وإن حييتم" قلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق
لنخرجن, فأخرجناه -صلى الله عليه وسلم- في صفين حمزة في
أحدهما وأنا في الآخر ولي كديد ككديد الطحين حتى دخلنا
المسجد، قال: فنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم
يصبهم مثلها، فسماني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ
الفاروق، فرق الله بي بين الحق والباطل، خرجه صاحب الصفوة
والرازي.
وعن الشعبي أن رجلًا من المنافقين ويهوديًّا اختصما فقال
اليهودي: ننطلق إلى محمد بن عبد الله، وقال المنافق: إلى
كعب بن الأشرف فأبى
__________
1 بالنصب بفعل محذوف تقديره: أعني، أو نحوه.
(2/272)
اليهودي وأتى النبي -صلى الله عليه وسلم-
فقضى لليهودي، فلما خرج قال المنافق: ننطلق إلى عمر بن
الخطاب فأقبلا إليه فقصا عليه القصة فقال: رويدًا حتى أخرج
إليكما، فدخل البيت واشتمل على السيف ثم خرج وضرب عنق
المنافق, وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء النبي -صلى
الله عليه وسلم- فنزل جبريل فقال: إن عمر فرق بين الحق
والباطل, فسمي الفاروق. خرجه الواحدي وأبو الفرج.
وعن النزال بن سبرة قال: وافقنا من علي يومًا أطيب نفسًا
ومزاجًا فقلنا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمر بن الخطاب
قال: ذاك امرؤ سماه الله الفاروق, فرق به بين الحق
والباطل. خرجه ابن السمان في الموافقة.
وعن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينا
أنا جالس في مسجدي أتحدث مع جبريل, إذ دخل عمر بن الخطاب
فقال: أليس هذا أخاك عمر بن الخطاب؟ فقلت: بلى يا أخي، أله
اسم في السماء كما له اسم في الأرض? فقال: والذي بعثك
بالحق, إن اسمه في السماء أشهر من اسمه في الأرض, اسمه في
السماء فاروق وفي الأرض عمر". خرجه في الفضائل.
وعنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ذكر موقفه يوم
القيامة وموقف أبي بكر قال: "ثم ينادي منادٍ: أين الفاروق
عمر? فيؤتى به فيقول الله تعالى: مرحبًا يا أبا حفص، هذا
كتابك فإن شئت فاقرأه وإن شئت فلا, فقد غفرت لك" خرجه في
الفضائل. وقد روي أن اسمه في السماء فاروق, وفي الإنجيل
كافٍ، وفي التوراة منطق الحق، وفي الجنة سراج، وسيأتي في
غضون الأحاديث.
وعن عبد الله بن عمرو قال: الفاروق قرن من حديد أصبتم
اسمه, خرجه الضحاك.
(2/273)
|