مناقب الشافعي للأبري

مناقب الإمام الشافعي

تأليف
الحافظ أبي الحسن محمد بن الحسين إبراهيم الأبري السجستاني
المتوفى سنة 363 هـ

من خلال قطعتين مخطوطين ونصوص مبثوثة في الكتب

دراسة وتحقيق
د/ جمال عزون

الدار الأثرية

الطبعة الأولى
1430 هـ - 2009 م

(/)


بسم الله الرحمن الرحيم
1- سمعت (1) الخليل بن أحمد ينشد في الجهاد يوماً:
يجود بالنفس إذ ضن الجواد بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
__________
(1) من هنا تبدأ القطعة المخطوطة المحفوظة في مكتبة جار الله ولي الدين أفندي بتركيا.

(1/65)


2- قال: وقال يحيى بن خالد بن برمك البرمكي:
((نظرنا في أمور الناس فوجدنا الشريف إذا تقوى تواضع، ووجدنا الدنيء إذا تقوى تجبر)) .

(1/65)


3- وفيما حكي لنا عن بعض مشايخنا عن داود بن علي أنه قال: حكي لنا عن الشافعي أنه قال:
((لا تقدم على أمر لا يعنيك، ولا تتكلف ما قد كفيت، ولا تتبسط إلى من لا يعرفك، ولا تخاصم من هو دونك، وما اشتبه عليك فدعه إلى غيره، ومن أكرمك فزده إكراماً، [و] من لم يكن نفسه على محبتك فتعده إلى غيره)) .

(1/65)


4- وسمعت بعض أصحابنا ينشد لبعض السلف:
رأيت الناس يشكون الزمانا ... وما لزماننا عيبٌ سوانا
نعيب زماننا والعيب فينا ... ولو نطق الزمان به رمانا

(1/65)


5- سمعت ابن أبي داود ببغداد يقول: سمعت ابن زغبة يقول: [ص:66] سمعت الليث بن سعد يقول لأصحاب الحديث:
((يا هذا أنتم إلى الأدب أحوج منكم إلى الحديث)) .

(1/65)


6- وحدثنا ابن أبي داود إملاءً ببغداذ في الرصافة، وحدثنا محمد بن مصفى، حدثنا بقية، عن الزبيدي -وهو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي- حدثنا مكحول، عن عبادة بن الصامت قال:
((سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تقرؤون معي من القرآن شيئاً؟ قال: قلنا: نعم والله يا رسول الله، نهذه هذاً وندرسه درساً. قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن سراً في أنفسكم)) .

(1/66)


7- وحدثنا محمد بن إسحاق الثقفي بنيسابور، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي، قال: حدثنا مالك، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع وإذ رفع من الركوع، ولا يفعل ذلك بين السجدتين)) .
قال أبو الحسن رضي الله عنه: المعنى واحدٌ واللفظ قريبٌ.

(1/66)


8- سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت محمد بن يحيى يحكي عن علي بن عبد الله -يعني المديني- قال: قال سفيان:
((هذا مثل هذه الأسطوانة)) .

(1/66)


9- وسمعت من سمع أبا يعقوب -رحمه الله- يقول حين أملى هذا الحديث عن سفيان، عن الزهري فقال: ((كأنك تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا [ص:67] الإسناد)) .

(1/66)


10- أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى بن آدم المصري فيما قرأناه عليه بالفسطاط, قال: أخبرنا محمد -يعني ابن عبد الله بن عبد الحكم- قال: حدثنا الشافعي قال:
((قال لي محمد بن الحسن: بم حكم عمر بن الخطاب بالدية باثني عشر ألف على وزن ستة؟ قال: قلت: فإذا كان على وزن ستة فهذه عشرة آلاف ونيف وأنت تقول: عشرة آلاف. قال: لم يكونوا يحسنون يحسبون. قال: قلت: فيحكم عمر بما يأخذ من أموال الناس بما لم يتعين حسابه ولا معرفته!)) .

(1/67)


11- قال لنا محمد بن يحيى بن آدم: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: ((على وزن ستة)) يريدون العشرة دراهم ستة دنانير وزنها.

(1/67)


12- أخبرني محمد بن يحيى خادم المزني بمصر, قال: أخبرنا محمد -يعني ابن عبد الله بن عبد الحكم- قرئ عليه, قال: أخبرنا الشافعي قال:
((ناظرت محمد بن الحسن في الدية فقال: نحن أعلم بالدية منكم. قال: فكيف؟ قال: لأنا أهل الورق وعلينا حكم؟ قال: قلت: لا ما هو كذلك. قال: فكيف؟ قال: قلت: الحاكم منا وتكونوا أنتم أعلم منا!)) .

(1/67)


13- أخبرني محمد بن يحيى المصري, قال: أخبرنا ابن عبد الحكم, قال: سمعت الشافعي يقول:
((قال لي محمد بن الحسن: روى أصحابكم في العارية شيئاً لم تعرفوا ما هو. قال النبي صلى الله عليه وسلم في العارية: هي علينا ضمانه. ليس بأن الضمان في أصل العارية. قال الشافعي: فقلت له: فما تقول فيمن قال -فيما لا يضمن-: هو علي ضمانه, أيضمن أم لا؟ قال محمد بن الحسن [ص:68] لا يضمن. قال الشافعي: فقلت له: إنما تخدع هؤلاء)) .

(1/67)


14- قرأت على أبي عبيد الله محمد بن الربيع بن سليمان بمصر, وعلى أبي عبد الله محمد بن يوسف بن النضر الهروي بدمشق, وعلى محمد بن يحيى بن آدم بالفسطاط, أن ابن عبد الحكم أخبرهم قال: سمعت الشافعي يقول:
((قال لي محمد بن الحسن: لو علمت أن سيف بن سليمان يروي حديث اليمين مع الشاهد لأفسدته. قال: فقلت له: يا أبا عبد الله إذا أفسدته فسد)) .

(1/68)


15- أخبرنا محمد بن يحيى خادم المزني, قال: أخبرنا ابن عبد الحكم, قال: أخبرنا الشافعي قال:
((ناظر ابن.. .. (1) محمد بن الحسن فقال له: اترك القياس واستحسن. قال: فقال له: يا أبا عبد الله أما علمت أنك كشفت عورتك لبني آدم أنت تقول: إن القياس لا يكون إلا على الكتاب والسنة, ثم تقول: دع القياس واستحسن)) .
__________
(1) في الأصل ابن البنا، ويبدو أنه مصحف، ولم أقف على مصدر للخبر يكشف رسم هذا الاسم.

(1/68)


16- أخبرني أبو بكر عبد الرحمن بن العباس الشافعي بمصر، عن محمد بن إسماعيل البخاري، قال: حدثني مصعب الزبيري قال:
((قدم الشافعي المدينة وأقدمه رجلٌ طالبيٌ وكان موافقاً للقوم، فكان يجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينشد أشعار الشعراء، وكان حسن اللفظ به، فصيح القول، عالماً بمعانيه. قال: فجلس عند أبي أياماً ثم قال له يوماً: ترضى في قرشيتك ما أنت فيه أن تكون شاعراً! قال: فقال: فما أصنع يا عم؟ قال: تتفقه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يرد الله به خيراً [ص:69] يفقهه في الدين. قال: وأنى لي ذلك؟ قال: مالك بن أنس سيد المسلمين. فقال: قم بنا إليه. قال: فأتينا مالكاً فجلس عند مالك، وأخبر أبي مالكاً بشرفه وأمره. قال: فقربه مالكٌ وأدناه. قال: وجعل يسمع من مالك. فلما كان بعد أيام قال: أيش يقول مالك: أمرنا الذي عليه أهل بلدنا، والذي عليه أئمة المسلمين الراشدين المهديين؟ فقال له: إن أولهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان الذين توفوا بالمدينة. قال: فترك مذهبه وما كان فيه، وسمع الموطأ من مالك وسر به مالك. فأقصاه العلوي واشتد به الحال. قال: فأتى أبي العلوي فقال: أقدمت ابن عمك محمد بن إدريس ثم جفيته! قال: إنه ليستحكم ويصد الناس عن مذهبنا وقال بمقالته. فقال: وما يكون الناس يستمعون وينتقلون من رأي إلى رأي. فقال له: صدقت قد أخطأت. ثم وصله بثلاث مئة دينار. وكان الشافعي في خلال ذلك ربما جالس إبراهيم بن أبي يحيى فربما يقول: ما أجهله. ثم خرج إلى مكة فكتب عن سفيان بن عيينة، وعن مسلم بن خالد. ثم خرج بعد ذلك إلى اليمن فافتتن به أهل اليمن، فكتب السلطان الذي كان باليمن إلى هارون: إن قبلي رجلٌ من ولد شافع قد افتتن اليمن عن آخرها، لو أراد أن يخرج معه عن آخرهم لفعلوا. قال: فكتب إليه أن يحمله مغصوباً إليه. قال: فحمل فوافى به الرقة ولم يتركه أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره. فلما وافى الرقة لقي محمد بن الحسن وكان معه ستون ديناراً، فاعتذر إليه ودفعها إلى كاتبه فقال: اكتب لي كتبه. قال: فكتب له. قال: فجلس محمد بن الحسن يوماً في مسجد الرقة وجعل يزري بأهل الحجاز ويقول: أيش يحسنوا، وهل فيهم أحدٌ يحسن مسألةً؟ قال: وكان الشافعي في ناحية، فبلغه فجاء فسلم عليه، وإن شاربه ليدخل [ص:70] فمه، والفضل بن الربيع حاضرٌ. فقال الشافعي لابن الحسن: أما أصحابك فأعلم الناس بما لم يكن أبداً وأجهلهم بالسنن. فناظره فقال له: قد أكثرت -والفضل يكتب ما يجري بينهما- فقال الشافعي يومئذ: ما تقول في صلاة الخوف كيف يصليها الرجل؟ فقال محمد بن الحسن: منسوخ قال الله عز وجل: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم لم تجب عليهم صلاة الخوف. فقال الشافعي: قال الله عز وجل: {خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم} ، فلما خرج رسول الله من بين أظهرهم لم تجب عليهم! قال ابن الحسن: كلا بل تجب عليهم. فقال الشافعي: وكلا بل تجب عليهم)) .

(1/68)


17- وحدثني أبو الفرج سلامة بن أحمد بن الفضل النصيبي إملاءً علي في جامع نصيبين من كتابه، قال: حدثنا شجاع بن الهيثم بن موسى الرازي, قال: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي, قال: حدثني خالي عمارة بن زيد قال:
((كنت صديقاً لمحمد بن الحسن فدخلت معه على الرشيد, فسأله [ص:71] عن أحواله فقال: في حبرة يا أمير المؤمنين. ثم تسارا فسمعت محمد بن الحسن يقول: يا أمير المؤمنين إن محمد بن إدريس الشافعي يزعم أنه للخلافة أهلٌ. قال: فغضب الرشيد فقال: علي به. فأتي به وأجثي بين يديه, فكره الرشيد أن يعجل عليه من غير امتحان فقال: هيه. فقال: فما هيه يا أمير المؤمنين؟ أنت الداعي وأنا المدعو, وأنت السائل وأنا المجيب. قال: كيف علمك بكتاب الله فإنه أولى أن يبتدأ به؟ قال: جمعه الله في صدري وجعل دفتيه جنبي، فقال: كيف علمك به؟ قال: أي علم تريد يا أمير المؤمنين, علم تأويله, أم علم تنزيله, مكيه أم مدنيه, ليليه أم نهاريه, أم سفريه أم حضريه, أم إنسيه أم وحشيه, أم نسقه وصفته, أم تسمية سوره؟ قال: فأعجب الرشيد ذلك فقال: لقد ادعيت من القرآن أمراً عظيماً فكيف علمك بالفرائض؟ قال: إني لأفرض الصلب, وأعرف اختلافهم في الجد. قال: فكيف علمك بالأحكام؟ قال: في عتاق أم طلاق, أم في قضاء, أم في الأشربة, أم في المتاجرات. قال: فكيف علمك بالطب؟ قال: أعرف منه ما قالت الروم وبابل وبقراط وساهمور وأرسطو طاليس وجالينوس. قال: فكيف علمك بالنجوم؟ قال: أعرف منه القطب الدائر والمائي والناري, والمذكر والمؤنث, وما يهتدى به في البر والبحر. قال: فكيف علمك بالشعر؟ قال: أعرف الشاذ منه وما [ص:72] نبه للمكارم. قال: فكيف علمك بأنساب العرب؟ قال: أعرف منه نسب الكرام وفيهم نسب أمير المؤمنين ونسبي. فقال: لقد ادعيت من العلوم أمراً عظيماً تطول به المحنة فعظ أمير المؤمنين بموعظة -قد جرى ذكرها في الحكاية الأولى- قال: ثم التفت إلى محمد بن الحسن فقال: ناظره بين يدي حتى أكون فاصلاً بينكما. قال: فالتفت محمد بن الحسن إلى محمد بن إدريس فقال: ما تقول يا شافعي في رجل تزوج بامرأة ودخل بها, وتزوج ثانية ولم يدخل بها, وتزوج ثالثة ودخل بها, وتزوج رابعة ولم يدخل بها, أصاب الثانية أم الأولى والرابعة عمة الثالثة؟ قال الشافعي: ينزل عن الثانية والرابعة من غير أن يلزمه شيءٌ, ويتمسك بالأولى والثالثة. قال محمد: ما حجتك؟ قال: أما الثانية فإن الله عز وجل يقول: {فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} , وأما الرابعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها. ما تقول أنت يا محمد بن الحسن كيف استقبل النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر وكبر؟ قال: فتعتع محمد بن الحسن. قال عبد الله بن محمد البلوي: ولو سأله كيف فعل أبو حنيفة لأخبره. فقال الشافعي: يا أمير المؤمنين سألني عن الأحكام فأجبته, وسألته عن سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إليها الصادر والوارد فلا يجيبني, أمن الإنصاف هذا؟ فتبسم الرشيد وأمر له بعشرة آلاف درهم. فخرج الشافعي ففرقها على باب داره, وانصرف مكرماً)) .
[ص:73]
قال أبو الحسن -رضي الله عنه-:
في هذه الحكاية زيادة ونقصان عن الحكاية الأولى, ويشبه -والله أعلم- أنه كان للشافعي مناظرات واجتماعات مع محمد بن الحسن بين يدي هارون غير مرة والله أعلم.

(1/70)


18- أخبرني أبو بكر عبد الرحمن بن أحمد بن العباس الشافعي -رحمه الله- قراءةً عليه في جامع الفسطاط, قال: حدثني يحيى بن زكريا النيسابوري, قال: حدثني أبو سعيد الفريابي, قال: سمعت محمد بن إدريس وراق الحميدي يقول: سمعت الحميدي يقول: سمعت الشافعي يقول:
كنت أطلب الشعر وأنا صغيرٌ وأكتب, فبينا أنا أمشي بمكة أو في ناحية من مكة إذ سمعت صائحاً يقول: يا محمد بن إدريس عليك بطلب العلم. فالتفت فلم أر أحداً, فرجعت فكنت أطلب العلم وأكتبه على الخزف, وأطرحه في زير حتى امتلأ. وكنت يتيماً ولم يكن لأبي شيءٌ. قال: فولي عم لي بناحية اليمن على القضاء فخرجت معه, فلما قدمت من اليمن أتيت مسلم بن خالد الزنجي, فسلمت عليه فلم يرد علي السلام وقال: أحدهم يجيئنا حتى ظننت أنه صلح أفسد نفسه. قال: فصرت إلى سفيان بن عيينة فسلمت عليه, فرد علي السلام وقال: بلغني يا أبا عبد الله ما كنت فيه وما بلغني إلا خيرٌ فلا تعد. قال: ثم خرجت إلى المدينة فقرأت الموطأ على مالك. ثم خرجت إلى العراق فصرت إلى محمد بن الحسن, فكنت أتناظر مع أصحابه. قال: فشكوني إلى محمد بن الحسن في ذلك, وقالوا له: إن هذا الحجازي يعيب علينا قولنا ويخطئنا. قال: فذكر محمد بن الحسن لي ذلك. فقلت له: إنا كنا لا نعرف إلا التقليد فلما قدمنا عليكم سمعناكم تقولون: لا تقلدوا واطلبوا الحق والحجاج. فقال: ناظرني. فقلت: أناظر بعض أصحابك وأنت تسمع. فقال: لا إلا أنا. فقلت: فذاك. قال: تسأل أو أسأل؟ قلت: ما شئت. قال: فما تقول في رجل غصب من رجل عموداً فبنى عليه قصراً ثم جاء مستحق فاستحق؟ قلت: يخير بين العمود وبين قيمته؛ فإن اختار العمود هدم القصر وأخرج [ص:74] العمود فيرد على صاحبه. قال: فما تقول في رجل غصب خشبةً فبنى عليها سفينة, ثم لجج بها في البحر ثم جاء صاحبه فاستحقه؟ قلت: يقدم إلى أقرب مرسى فيخير بين قيمته وبين الخشبة, فإن أخذ قيمته وإلا نقض السفينة, وترد الخشبة إلى صاحبها. قال: فما تقول في رجل غصب من رجل خيط إبريسم فخاط به جرحه ثم جاء صاحبه فاستحقه؟ قلت: له قيمته. قال: فكبر وكبر أصحابه وقالوا: تركت قولك يا حجازي. قال: قلت له: على رسلك أرأيت لو أن صاحب الدار أراد أن يهدم قصره ويرد العمود إلى صاحبه ولا يعطيه قيمته, أكان للسلطان أن يمنعه من ذلك؟ قال: لا. فقلت: أرأيت صاحب السفينة لو أراد أن ينقض السفينة ويرد الخشبة إلى صاحبها أكان للسلطان أن يمنعه؟ قال: لا. فقلت: أرأيت الخيط الذي خاط به الجرح [لو] أراد أن ينقض جرحه أكان للسلطان أن يمنعه؟ فقال: نعم. قلت: فكيف تقيس ما هو محظورٌ بما هو مباحٌ؟)) .

(1/73)


19- أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن يحيى الفقيه العسكري فيما قرأت عليه بطرسوس, قال: حدثنا أبو سعيد محمد بن عقيل الفريابي, عن ابن عبد الحكم, قال: سمعت الشافعي يقول: قال أبو يوسف:
((لأروحن الليلة إلى أمير المؤمنين على المدنيين في اليمن مع الشاهد بقاصمة الظهر. قال: فقال له رجلٌ: فيقول: ماذا قالوا؟ قال: أقول: لا يقضى إلا بشاهدين؛ لأن الله قد أبى إلا الشاهدين وتلا الآية في الدين. فقال له رجلٌ: فإن قالوا لك: فمن الشاهدان اللذان أمر الله أن يقبلا وأن لا يحكم إلا بهما؟ قال: أقول: مسلمين عدلين. قال: فقلت: فإن قالوا لك: فلم أجزت شهادة النصراني في الحقوق وقد قال الله [ص:75] عز وجل: {من رجالكم} ، وقال: {ممن ترضون من الشهداء} ، قال: فتفكر ساعةً وقال: هم أحمق من أن يهتدوا لهذا. قال: فقلت: فإنما يحتج بقولك على ضعفاء الناس)) .

(1/74)


20- أخبرني أبو بكر عبد الرحمن بن العباس الشافعي، قال: سمعت يحيى بن زكريا النيسابوري يقول: سمعت ابن عبد الحكم يقول: قال لي الشافعي:
((ناظرت محمد بن الحسن في الدور فما وجدته بها ملياً. قال الشافعي: والدور إنما وضعه لهم يهوديٌ من أهل الحيرة)) .

(1/75)


21- أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن الربيع بن سليمان بمصر، وأبو عبد الله محمد بن يوسف بن النضر الهروي بدمشق، ومحمد بن يحيى بن آدم المصري خادم المزني بمصر وهذا لفظه، قرأت عليه قال: أخبرنا ابن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول:
((قال محمد بن الحسن: أقمت على مالك بن أنس ثلاث سنين وكسر. وكان يقول: إنه سمع منه لفظاً أكثر سبع مئة حديث. قال: وكان إذا حدثهم عن مالك امتلأ منزله، وكثر الناس حتى يضيق عليهم الموضع، وإذا حدثهم عن غير مالك لم يجئه إلا اليسير، فكان يقول: ما أعلم أحداً أسوأ ثناءً على أصحابكم منكم؛ إذا حدثتكم عن مالك [ص:76] امتلأتم على الموضع، وإذا حدثتكم عن أصحابكم إنما تأتوني متكارهين)) .

(1/75)


22- أخبرني محمد بن يحيى المصري خادم المزني، أن الربيع بن سليمان أخبرهم، قال: سمعت الشافعي يقول:
((حملت عن محمد بن الحسن [حمل] بختي ليس عليه إلا سماعي)) .

(1/76)


23- أخبرني الزبير بن عبد الواحد بحمص، قال: حدثني يوسف بن عبد الأحد القمني، قال: حدثني بعض أصحابنا قال: قال الشافعي:
((كان لمحمد بن الحسن عندي يدٌ فما قدرت أن أكافئه بها إلا بكتابتي عنه)) .

(1/76)


24- وقرئ على مكحول بساحل الشام بمدينة بيروت وأنا أسمع، أنه سمع إبراهيم بن خرزاذ أخا عثمان بن خرزاذ أظن أنه قال: سمعت حرملة يقول: سمعت الشافعي يقول:
((كتبت عن محمد بن الحسن وقر حمل)) .

(1/76)


25- وقرأت فيما حكي عن البويطي قال: قال الشافعي -رحمه الله-:
[ص:77]
((كتب هارون البربري إلى هارون الرشيد: إن كانت لك حاجةٌ قبلنا فاحذر محمد بن إدريس الشافعي فإنه قد غلب على ما قبلي، فحملت إليه فألزمت الباب, فاجتمع أصحاب الحديث علي أن أضع على أبي حنيفة كتاباً. فقلت: لا أعرف قوله ولا يمكنني حتى أنظر في كتبهم. فأمرت فكتبت لي كتب محمد بن الحسن, فنظرت فيها سنةً فحفظتها, ثم وضعت عليهم الكتاب البغدادي)) .

(1/76)


26- وقرأت عن ابن بنت الشافعي قال:
((لما أدخل الشافعي على هارون فسمع كلامه قال: أكثر الله في أهلي مثلك)) .

(1/77)


27- حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي بحمص, قال: حدثنا الحسين بن علي بن أبي مروان, قال: حدثنا الربيع بن سليمان, قال: قال لي الشافعي:
((سألت محمد بن الحسن كتاباً فدافعني به, فكتبت إليه بهذه الأبيات:
قل لمن لم تر عين ... من رآه مثله
ومن [كأن من] رآه ... قد رأى من قبله
العلم ينهى أهله ... أن يمنعوه أهله
لعله يبذله ... لأهله لعله

(1/77)


قال: فحمل محمدٌ الكتاب في كمه, وجاءني به معتذراً من حبسه)) .
28- أخبرني أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي بجرجان, ومحمد بن يحيى بن آدم خادم المزني بمصر, عن الربيع بن سليمان, قال: سمعت الشافعي يقول:
((ما رأيت أحداً يسئل مسألةً فيها نظر إلا رأيت الكراهة في وجهه إلا محمد بن الحسن)) .

(1/78)


29- وقرأت في بعض أخبار الشافعي, عن الربيع بن سليمان, قال: سمعت الشافعي يقول غير مرة:
((ما رأيت رجلاً كمحمد بن الحسن ينطق عن الحكمة, ويسمع ما لا يحب فيحتمل)) .

(1/78)


30- خبرني الزبير بن عبد الواحد بحمص, قال: حدثني أبو عمارة بمصر, قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول:
((لو أشاء أن أقول: نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن من فصاحته)) .

(1/78)


31- حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر بالشام, قال: حدثني أحمد بن علي المدائني بمصر, قال: حدثنا الربيع بن سليمان, قال: سمعت الشافعي يقول:
((ما تكلم أحدٌ في الرأي إلا وهو عيالٌ على أهل العراق, وما رأيت مثل محمد بن الحسن)) .

(1/78)


32- قال أبو الحسن -رضي الله عنه-:
الشافعي -رحمه الله- رأى مالك بن أنس وسفيان بن عيينة [ص:79] ومسلم بن خالد الزنجي وغيرهم من أجلة العلماء، وإنما عنى بقوله: ((ما رأيت مثل محمد بن الحسن)) يعني في أهل الرأي.

(1/78)


33- أخبرني الزبير بن عبد الواحد بحمص، قال: حدثني أبو بكر أحمد بن مروان بن محمد المالكي، قال: حدثنا إبراهيم بن حبيب، قال: سمعت قتيبة بن سعيد البغلاني يقول:
((رأيت الشافعي يناظر محمد بن الحسن، فكان محمد في يده مثل الأكرة يديرها كيف يشاء)) .

(1/79)


يتلوه في الجزء الذي يليه:
34- قرأت عن الحسن بن إدريس الحلواني، قال: سمعت الشافعي يقول:
((ما أفلح سمينٌ قطٌ (1)) .
وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين وسلم تسليماً، ورحم الله كاتبه وصاحبه ولمن قال: آمين رب العالمين، وحسبي الله وحده.
__________
(1) تمامه إلا أن يكون محمد بن الحسن.. .. .

(1/79)