الإبانة لابن
بطة فضائل الصحابة #35#
باب خلافة عثمان بن عفان أمير
المؤمنين رضي الله عنه
و عثمان بن عفان رحمة الله عليه وعلى جميع الصحابة أحد
الصحابة السابقين الأولين من قرابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم الأجلين ممن استجاب لله وللرسول في أول دعوته
فسبق بإسلامه ونصح لله ولرسوله #36# في إيمانه فحسن في
الإسلام ولاؤه، وعظم فيه غناؤه وتقدمت هجرته #37# وقربت
قرابته صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنتيه،
وخليفته بعد خليفتيه أحد الخلفاء الراشدين، والأئمة
المهديين، الذين وعدهم بالاستخلاف لهم في الأرض، والتمكين
لهم فيها بالحق والدين، الذي ارتضاه لهم، ويبدلهم من بعد
خوفهم أمنا، حتى يعبدوا الله وحده، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا
الزكاة، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وكذلك وعدهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الخلافة ثلاثون سنة،
فكانت #38# خلافة عثمان منها اثنتي عشرة سنة، فنجز وعد
الله، وتمت كلمة الله، #39# وصدق رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ودحضت حجة من كفر بالله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله جعل الحق على
لسان عمر وقلبه".
(1/35)
#40##41#
وقال علي رضي الله عنه: "إن عمر كان رشيد الأمر، وإنه ناصح
الله فنصحه".
(1/41)
#42#
فكان من رشاد عمر ونصحه لله ولرسوله ولجماعة المسلمين،
وذلك بتوفيق الله له: أن جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر
من المهاجرين الأولين ممن شهد الله لهم بالرضى عنهم،
فشهدوا بيعة الرضوان، ومن شهد لهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالجنة، أصحاب #44# حراء وأهل #45# بدر والحديبية
ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وأخرج
#46# ولده وعصبته منها، وقال لهم: "إذا أجمعتم على واحد
منكم فهو #47# الخليفة عليكم"، وكانوا ستة رهط: عثمان،
وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبدالرحمن، فاجتمعوا ثلاثة
أيام متوالية لا يألون جهدا والأمة نصحا، فرضوا أجمعون
بعثمان بن عفان رضي الله عنه، فكان أول من بايعه علي بن
أبي طالب وبقية الرهط، ثم على أثرهم جميع الصحابة من
المهاجرين والأنصار وهم به #48# وبخلافته راضون، لم يختلف
فيه اثنان، ولم تفترق فيه فئتان، وذلك لما عرفوا من فضله،
وسبق إسلامه وتقديم رسول الله له، وما كان من عظيم عنائه
في الإسلام، وحسن بلائه، وكثرة مناقبه وسوابقه، والمآثر
التي كانت منه في مصالح المسلمين وتأييد الإسلام، حتى شاعت
وذاعت وكثرت فشهرت، لا يشكك فيها أحد تذوق طعم الإيمان،
ولا أحد تنشق روائح الإسلام، ولا ينكرها ويأبى قبولها إلا
عبد شقي يغمص الإسلام وأهله، قد غل صدره #50# ونغل قلبه
وحُرِم التوفيق، وعُدِل به عن الرشاد، وغلبه الهوى، فحل به
الشقاء.
(1/42)
وسأذكر من موجبات خلافته، وما دل على صحته
إمامته ومن مناقبه وسوابقه، وفضائله وشرفه وما فضله الله
به وأعلاه، وأكرمه به وحباه ما إذا سمعه المؤمن الكيس
العاقل كان ذلك زيادة في إيمانه، وقوة في بصيرته، وإن سمعه
جاهل قد غَشِي بصره وزاغ قلبه، #51# فأحب الله به خيراً،
رده عن جهالته ونجاه من صبوته فاستخلصه من يد شيطانه، فرجع
عن قبيح مذهبه إلى طريقة أهل البصيرة والهدى، وإن أبى إلا
الإقامة في غلوائه، والإصرار على عماه، كان ذلك زيادة في
الحجة عليه، والله حسيبه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فأما ما دل على خلافته، ووضحت به إمامته، فقد قدمت من ذكره
في هذا الكتاب من نص التنزيل، وإخبار الرسول صلى الله عليه
وسلم في خلافة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين،
وهم أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم.
(1/50)
#52##54#
وعثمان رحمه الله أخذ من ذلك بأكمل حظ وأوفر نصيب ونذكر في
هذا الموضع من فضائله، وما اختص به في ذات نفسه من الفضائل
الرفيعة، والمناقب الشريفة، وما جعله الله أهلاً له، ما في
بعضه كفاية لأهل الدراية.
فأول ذلك تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبقه إلى
الإيمان، ودخوله في جملة السابقين الأولين، وقرابته
القريبة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتزويج رسول الله
صلى الله عليه وسلم له بابنتيه وذلك بوحي من الله، وأمر
منه له بذلك، وما كان قط من بَدْوِ الدنيا إلى انقضائها
رجل صاهر نبياً على ابنتيه، وتزوج بابنتي نبي إلا عثمان بن
عفان، #55# وبذلك سُمي ذا النورين فهو من خير الأصهار لخير
الأحماء، وتحته خير الأزواج قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إن الله أمرني أن أزوج كريمتيّ عثمان بن عفان"،
فزوجه رقية فلما ماتت قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا
عثمان، إن هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل
صداق رقية على مثل صحبتها".
(1/54)
#56##57#
1- حدثنا أبو بكر أحمد بن هشام الأنماطي بالبصرة قال:
حدثنا أحمد بن أبي العوام الرياحي #58# قال حدثنا أبي قال:
حدثنا عبدالله بن عبد الرحمن الثغري قال: حدثنا عَطَاء
الخرساني عن أبي هريرة #59# رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى أوحى إلي
أن أزوج كريمتي عثمان بن عفان رضي الله عنه".
قال الشيخ: وصدق صلى الله عليه وسلم، بذلك أخبرنا الله
تعالى عنه حيث يقول: {وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي
يوحى}. فأخبرنا الله تعالى أنه كان معصوما من الهوى، فلا
يقول ولا يفعل، ولا يأمر ولا ينهى إلا بوحي الله وأمره
وإذنه.
(1/57)
#60##62#
2- حدثنا أبو محمد عبدالله بن جعفر الكفي قال: حدثنا الحسن
بن عرفة قال: حدثني مرحوم العطار عن داود بن عبد الرحمن عن
عبدالله بن #63# الحر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ألا أبو أيِّم ألا أخو أيم ألا ولي أيم يزوج عثمان
فإني زوجته بنتي ولو كانت عندي ثالثة لزوجته وما زوجته إلا
بوحي من السماء
(1/62)
#64##66#
3- حدثنا أبو القاسم عبدالله بن محمد بن عبد العزيز قال:
حدثني الخليل بن عمرو البغوي قال: حدثنا محمد بن #67# سلمة
الحراني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة #68# عن
محمد بن عبدالله عن المطلب عن أبي هريرة رضي الله عنه #69#
قال دخلت على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة
عثمان وفي يدها مشط فقالت خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم من عندي آنفا رجلت رأسه فقال لي كيف تجدين أبا
عبدالله قلت كخير الرجال قال أكرميه فإنه من أشبه أصحابي
بي خلقا
(1/66)
#70##72#
4- حدثنا أبو القاسم قال: حدثنا طالوت بن عباد قال: حدثنا
أبو هلال عن قتادة عن عبدالله #73# بن شقيق عن مرة البهزي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال #74# إنها ستكون فتن
كأنها صياصي بقر فمر بنا رجل متقنع فقال هذا وأصحابه على
الحق فذهبت فنظرت إليه فإذا هو عثمان بن عفان رحمه الله
(1/72)
#75##80#
5- حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن زيد العسكري قال: حدثنا
أبو حفص عمرو بن علي حدثنا المنهال بن بحر وكان ثقة قال:
حدثنا حماد بن #81# سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
#82# رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد
يوما ألما فأرسل إلى عثمان بن عفان فسمعته يقول إن الله
سيقمصك بقميص فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه قيل لها فأين
كنت لم تذكري هذا قالت نسيته.
قال الشيخ: فلم تكن بيعته رضي الله عنه إلا بعد اجتهاد رأي
الصحابة، من المهاجرين والأنصار، من السابقين الأولين،
وغيرهم من الآخرين، واجتماع كلمتهم واتفاقهم كلهم على فضله
وإمامته واستخلافه. قال عبدالله بن مسعود رحمه الله حين
قتل عمر #83# رحمه الله: "أمّرْنَا خَيْر من بقي ولم
نألُ".
(1/80)
#84##85#
6- حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن الفرج الأنباري بالبصرة
قال: حدثنا الحارث بن محمد التميمي قال: حدثنا سعيد بن
عامر عن #86# شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن
سبرة أن عبدالله قال لما قتل عمر أمرنا خير من #87# بقي
ولم نأل
(1/85)
#88#
7- حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار النحوي قال:
حدثنا محمد بن أحمد بن النضر قال: حدثنا معاوية بن عمرو
قال: حدثنا #89# زائدة عن الأعمش عن شقيق قال لما قتل عمر
#90# سار عبدالله من المدينة إلى الكوفة سبعا ثم خطبنا
فقال إن أمير المؤمنين طعنه أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة
وهو في صلاة الصبح فقتله ثم بكا وبكا الناس وقال ثم
اجتمعنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأمَّرنا خيرنا ذا
فوق يعني عثمان
(1/88)
قال أبوبكر، قال أهل اللغة: "خيرنا ذا فوق"
معناه، #91# خيرنا سهماً في الخير والفضل والسابقة في
الإسلام، والفوق الموضع الذي يقع في الوتر من السهم.
قال أبوبكر: وأنشدنا، أحمد بن يحيى للأحوص #92# ابن محمد:
ومن ذا يردُّ السهم بعد مضائه... على فوقه إن عاد من نزع
نابل
(1/90)
#93#
8- حدثنا أبو محمد عبدالله بن جعفر الكفي قال: حدثنا الحسن
بن عرفة قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال: حدثنا عاصم بن
بهدلة عن المسيب بن رافع قال #94# سار إلينا عبدالله بن
مسعود رضي الله عنه سبعا من المدينة فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال إن غلام المغيرة أبا لؤلؤة قتل أمير المؤمنين فضج
الناس وبكوا واشتد بكاؤهم ثم قال إنا اجتمعنا أصحاب محمد
فأمرنا علينا عثمان بن عفان ولم نأل عن خيرنا ذا فوق
(1/93)
#95#
9- حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود, وحدثني أبو
صالح قال: حدثنا أبو الأحوص #96# قالا حدثنا موسى بن
إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا عاصم بن
بهدلة عن أبي وائل أن عبدالله بن مسعود سار من المدينة إلى
الكوفة ثمانيا حين قتل عمر رحمه الله فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال أيها الناس إن أمير المؤمنين قد مات فلم ير يوما
أكثر #97# نشيجا من ذلك اليوم ثم إنا اجتمعنا أصحاب محمد
فلم نأل عن خيرنا ذا فوق فبايعنا عثمان بن عفان فبايعوه
فبايعه الناس
(1/95)
#98##99#
10- حدثنا أبو بكر عبدالله بن محمد بن زياد النيسابوري
قال: حدثنا الميموني, وحدثني أبو صالح محمد بن أحمد قال:
حدثنا أبو الأحوص قالا سمعنا أبا سلمة موسى بن #100#
إسماعيل التبوذكي يقول كان عثمان خيرهم يوم استخلفوه وكان
يوم قتل خيرا منه يوم استخلفوه وكان في جمعه القرآن
#101##102# كأبي بكر في الردة
(1/99)
#103#
11- حدثنا أبو حفص بن رجاء قال: حدثنا أحمد بن شهاب قال:
حدثنا الأثرم قال حدثنا طلق بن غنام عن حفص بن غياث عن
#104# شريك قال من زعم أنه كان في أصحاب الشورى #105# يوم
قدم عثمان أفضل من عثمان فقد خون أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم
(1/103)
#106##107#
12- حدثني أبو عيسى موسى بن محمد قال: حدثنا يحيى بن أبي
طالب قال: حدثنا شبابة بن سوار قال: حدثنا إسرائيل عن أبي
#108# إسحاق عن حارثة بن مضرب قال حججت مع عمر فسمعت
الحادي يحدوا إن الأمير بعده ابن عفان
(1/107)
#109##110#
13- و حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم النحوي قال: حدثنا
محمد بن أحمد بن النضر قال: حدثنا معاوية بن عمرو قال:
حدثنا زائدة عن عبد الملك بن عمير #111# وحدثنا أبو محمد
يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا علي بن داود قال: حدثنا
عمرو بن خالد قال: حدثنا عبيدالله بن #112# عمرو عن عبد
الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال بينما أنا مع
عمر أسير عشية عرفة ونحن ننتظر أن تغرب الشمس فنفيض فلما
رأى تكبير الناس وما يصنعون أعجبه ذلك وقال يا ابن اليمان
كم ترى هذا تاما #113# للناس قال قلت حتى يكسر باب أو يفتح
قال وما يكسر باب أو يفتح قال قلت يقتل رجل أو يموت قال ثم
قال يا حذيفة فمن ترى قومك مؤمِّرين بعدي قلت رأيت الناس
أسندوا أمرهم إلى عثمان بن عفان
وهذا لفظ حديث ابن صاعد
(1/110)
#114#
14- حدثنا القاضي المحاملي قال: حدثنا يعقوب الدورقي قال:
حدثنا علي بن ثابت قال: أخبرنا #115# عبدالله قال: أخبرني
عبدالله بن محرر عن قتادة عن أنس أن عثمان أحد الحواريين
حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1/114)
#116#
15- حدثني أبو صالح قال: حدثنا أبو الأحوص وحدثني أبو محمد
عبدالله بن جعفر الكفي قال: حدثنا الحسن بن عرفة قالا
حدثني موسى بن داود قال: حدثنا الفرج بن فضالة عن محمد بن
الوليد #117# الزبيدي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يا عائشة لو كان
عندنا من يحدثنا فقلت ألا أبعث إلى أبي بكر قالت فسكت ثم
قال يا عائشة لو كان عندنا من يحدثنا فقلت ألا أبعث إلى
عمر فسكت ثم دعا وصيفا بين يديه فساره فذهب فجاء عثمان
يستأذن فلما دخل البيت #118# ناجاه النبي صلى الله عليه
وسلم ثم قال له يا عثمان إن الله مقمصك قميصا فإن أرادك
المنافقون على أن تخلعه لهم فلا تخلعه لهم ولا كرامة
يقولها مرتين أو ثلاثا
(1/116)
#119#
16- حدثنا أبو القاسم عمر بن أحمد بن محمد العطار العسكري
في بئر المني قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن عبدوس الحافظ
قال: حدثنا الحسن بن الحكم قال: #120# حدثنا حميد بن إسحاق
الحذاء عن عبد العزيز بن محمد الدمشقي عن ليث بن سعد عن
يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: قال
رسول الله #121# صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة ليلة أسري
بي فإذا أنا بتفاحة تفلقت عن حوراء كأن أشفار عينيها
مقاديم أجنحة النسور فقلت لمن أنت فقالت للخليفة يقتل
مظلوما عثمان بن عفان رضي الله عنه
(1/119)
#122##127#
17- حدثنا أبو بكر الأدمي المقرئ أحمد بن محمد بن إسماعيل
وإسماعيل بن محمد الصفار قالا حدثنا الحسن بن عرفة قال:
حدثنا شبابة بن سوار عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون
عن زيد بن #128# أسلم عن أبيه كتب عثمان بن عفان عهد
الخليفة من بعد أبي بكر فأمره أن لا يسمي أحدا وترك اسم
الرجل قال فأغمي على أبي بكر إغماءة فأخذ عثمان العهد فكتب
فيه اسم عمر قال فأفاق أبو بكر فقال أرنا العهد فإذا فيه
اسم عمر فقال من كتب هذا فقال عثمان أنا فقال رحمك الله
#129# وجزاك خيرا فوالله لو كتبت نفسك لكنت لذلك أهلا
(1/127)
#130#
18- حدثنا القافلائي قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني
قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا #131# ليث بن سعد
قال: حدثني أسامة بن زيد عمن حدثه أن عبد الرحمن في ليلة
اجتمع أهل الشورى كان كلما دعا رجلا منهم تلك الليلة بدأ
يذكر مناقبه كلها فإذا فرغ #132# منها قال إنك لها لأهل
فإن أخطأتك فمن فيقول إن أخطأتني فعثمان
(1/130)
#133#
19- حدثنا أبو محمد عبدالله بن سليمان الفامي قال: حدثنا
محمد بن عبد الملك الدقيقي قال: حدثنا يزيد بن هارون قال
أخبرنا #134# أبو المعالي الجزري عن ميمون بن مهران عن ابن
عمر أن عبد الرحمن بن عوف قال لأهل الشورى هل لكم أن أختار
لكم وأتفصى منها فقال له علي رضي الله عنه أنا أول من رضي
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنت أمين في
أهل السماء #135# وأمين في أهل الأرض
(1/133)
#136#
20- و حدثني محمد بن أحمد القطان قال: حدثنا محمد بن أحمد
بن يعقوب حدثني يعقوب بن شيبة قال: حدثنا الخليل بن جعفر
قال: حدثنا فرات بن السائب #137# عن ميمون بن مهران عن ابن
عمر أن عبد الرحمن بن عوف قال لأهل الشورى هل لكم في خير
قالوا ما هو قال أتفصى منها وأختار منكم قال علي أنا أول
من أجابك إلى هذا إن رضي أصحابي فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يذكر أنك أمين في السماء وأمين في الأرض
(1/136)
#138#
21- و حدثني أبو بكر قال: حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا
أيو يوسف يعقوب بن شيبة قال: حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد
قال: حدثنا أبي عن #139# يونس قال وقال ابن شهاب كان عبد
الملك يحدث عن أبي بحرية الكندي أنه أخبره أن عمر بن
الخطاب خرج ذات يوم فإذا هو بمجلس فيه عثمان بن عفان رضي
الله عنه وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وطلحة
والزبير رضي الله عنهم فقال لهم عمر أكلكم يحدث نفسه
بالإمارة فسكتوا ثم قال لهم عمر أكلكم يحدث نفسه بالإمارة
بعدي قال الزبير كلنا يحدث #140# نفسه بالإمارة بعدك
ويراها له أهلا فقال عمر أفلا أحدثكم عنكم فسكتوا فقال ألا
أحدثكم عنكم قال الزبير بلى فحدثنا ولو سكتنا حدثتنا فقال
أما أنت يا زبير فإنك وإنك وأما أنت يا فلان فسماهم واحدا
واحدا وذكر ما هم عاملون حتى سماهم كلهم وإن منكم لرجلا لو
قسم إيمانه بين جند من الأجناد لوسعهم يعني عثمان بن عفان
رضي الله عنه
قال الشيخ: وأنا اختصرت الكلام من هذا الحديث
(1/138)
#141#
22- حدثنا أبو بكر أحمد بن سليمان العباداني قال حدثنا
محمد بن عبد الملك الدقيقي قال: حدثنا يزيد بن هارون قال:
أخبرنا عبد العزيز يعني ابن عبدالله بن أبي سلمة عن عمر بن
حسين عن عبدالله بن أبي #142# سلمة عن المسور بن مخرمة
فيما يعلم عبد العزيز قال بايع عبد الرحمن بن عوف عثمان بن
عفان على كتاب الله وسنة نبيه وما عمل به صاحباك قبلك
(1/141)
#143#
23- حدثنا أبو ذر أحمد بن محمد بن سليمان الباغندي قال:
حدثنا أحمد بن يحيى السوسي قال: حدثنا زيد بن الحباب #144#
عن ابن لهيعة قال: أخبرني الحارث بن يزيد الحضرمي وكان قد
أدرك زمان عثمان بن عفان عن أبي ثور #145# الفهمي قال دخلت
على عثمان وهو محصور فقلت إن فلانا يقول كذا وكذا فقال لي
رحمه الله لقد اختبأت عند الله تبارك وتعالى عشرا لقد
زوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته ثم ابنته وإني
لرابع الإسلام ولقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيميني فما مسست بها ذكري ولا تغنيت ولا تمنيت ولا شربت
خمرا في الجاهلية ولا في الإسلام ولقد قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم من يزيد هذه #146# الزنقة في المسجد وله
بيت في الجنة فاشتريتها فزدتها في المسجد
(1/143)
#147##148#
24- حدثنا أبو الحسين محمد بن صفوان البرذعي قال: حدثنا
أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي قال: حدثنا علي بن
معبد المصري قال: حدثنا عبيدالله بن #149# عمرو عن زيد بن
أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن خيثمة بن عبد الرحمن قال لما
حضر عمر الموت أمَّر ستة #150# نفر بالشورى وكان أحدهم
غائبا وهو طلحة بن عبيدالله فأمر صهيبا يصلي بالناس ثلاثة
أيام حتى يستقيم أمرهم وقال عمر: إِنِ اسْتَقَامَ
أَمْرُكُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدِمَ طَلْحَةُ فَامْضُوا عَلَى
مَا اسْتَقَامَ أَمْرُكُمْ عَلَيْهِ, وَإِنْ قَدِمَ
طَلْحَةُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِيمَ أَمْرُكُمْ فأدخلوه
معكم, فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ, فَلَمَّا
اجْتَمَعُوا خَمْسَة, إذا لكل رجل منهم هوى, وإِذَا
أَمْرُهُمْ لاَ يَسْتَقِيمُ على أمر واحد, فَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لاَ تَسْتَقِيمُونَ عَلَى أَمْرٍ
واحد وَأَنْتُمْ خَمْسَةٌ, فَلْيُعَادِ كُلُّ رَجُلٍ
مِنْكُمْ رجلا, وليوله أمره, وَأَنَا عَدِيدُ الْغَائِبِ,
فَتَعَادَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ, وَتَعَادَ عُثْمَانُ
وَسَعْدٌ, فَوَلَّى الزُّبَيْرُ عَلِيًّا أمره, وَوَلَّى
سَعْدٌ عُثْمَانَ أَمْرَهُ, فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
لِلزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ: وَلَّيْتُمَا أَمْرَكُمَا عَلِيًّا
وَعُثْمَانَ, فَاعْتَزِلاَ, قال: وَخَلاَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ, فَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ لِعَلِيٍّ وَعُثْمَانَ: أَنْتُمَا بَنُو
عَبْدِ مَنَافٍ: اختارا إِمَّا أَنْ تَبْرَءَا مِنَ
الأَمْرِ, وَأُوَلِّيَكُمَا ذَلِكَ, #151# وَإِمَّا أَنْ
تُوَلِّيَانِي أمركما فَاخْتَارَا, وَتَبَرَّأَ منها, فمكث
ثلاثة أيام يأتيهم رجلا رجلا, ثم دَعَا رَبَّهُ سَاعَةً,
وَرَفَعَ يَدَيْهِ, ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ:
آللَّه عَلَيْكَ إِنْ أَنَا بَايَعْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ فِي
أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَلَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ وَإِنْ أَنَا
لَمْ أُبَايِعْكَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنِّ لِمَنْ
بَايَعْتُ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ, ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ
عُثْمَانَ فَقَالَ له: آللَّه عَلَيْكَ إِنْ أَنَا
بَايَعْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ،
وَلَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ, وإِنْ أَنَا بَايَعْتُ
غَيْرَكَ, لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ الله؟ فَقَالَ
عُثْمَانُ: نَعَمْ, فَصَفَّقَ عَلَى يَدِ عُثْمَانَ
فبايعه.
(1/148)
#152#
25- و حدثني أبو صالح قال: حدثنا أبو الأحوص قال: حدثنا
أبو النعمان محمد بن الفضل وحدثنا أبو محمد عبدالله بن
سليمان قال: حدثنا #153# أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا
موسى بن إسماعيل قالا حدثنا أبو عوانة عن حصين عن #154#
عمرو بن ميمون وذكر مقتل عمر قال فقالوا له أوص يا أمير
المؤمنين استخلف فقال ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء
النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن
بن عوف وسعد بن مالك وذكر القصة قال فقال عبد الرحمن بن
عوف اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم قال الزبير قد جعلت أمري
إلى علي وقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد قد
جعلت أمري إلى عبد الرحمن فقال عبد الرحمن يعني لعلي
وعثمان أيكما يبرأ من هذا الأمر ونجعله إليه والله عليه
والإسلام لينظرن #155# في نفسه وليحرصن على إصلاح الأمة
قال فسكت الشيخان علي وعثمان فقال عبد الرحمن أفتجعلونه
إلي والله علي أن لا آلو عن أفضلكما قالا نعم فأخذ بيد
أحدهما فقال لك من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقدم في الإسلام ما قد علمت فلله عليك إن أنا أمرتك لتعدلن
وإن أنا أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن قال نعم ثم خلى عنه
فأخذ بيد عثمان فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال يا
عثمان ابسط يدك فبايع له وبايع له علي وولج أهل الدار
فبايعوه
(1/152)
#156#
26- حدثنا أبو محمد عبدالله بن جعفر الكفي قال: حدثنا
الحسن بن عرفة قال: حدثني شبابة بن سوار الفزاري عن خارجة
بن مصعب عن عبدالله الحميري #157# عن أبيه قال كنت فيمن
حضر عثمان فأشرف علينا ذات يوم فقال هاهنا طلحة ؟ قال نعم
قال نشدتك الله أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
جاء ذات يوم ونحن جلوس فوقف علينا ثم سلم فقال ليأخذ كل
رجل منكم بيد جليسه ووليه في الدنيا والآخرة فأخذت أنت بيد
فلان وفلان بيد فلان وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيدي فقال هذا جليسي ووليي في الدنيا والآخرة قال طلحة
اللهم نعم فقال للحميري فعلى ما تقاتل رجلا قد قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم #158# هذا فيه فانصرف في سبعمئة
من قومه
(1/156)
#159##161#
27- حدثنا أبو بكر محمد بن العباس بن مهدي الصايغ قال:
حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: حدثنا أبو داود الحفري
قال: حدثنا بدر بن عثمان عن #162# عبدالله بن مروان قال:
حدثني أبو عائشة وكان رجل صدق قال خرج علينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذات غداة فقال رأيت قبل الغداة كأنما أعطيت
المقاليد والموازين أما المقاليد فهي المفاتيح وأما
الموازين فهذه التي تزِنون بها #163# فوضعت في إحدى
الكفتين ووضعت أمتي في الأخرى فوزنت فرجحتهم ثم جيء بأبي
بكر فوزن فرجحهم ثم جيء بعمر فوزن فوزنهم ثم جيء بعثمان
فوزن فوزنهم ثم استيقظت ورفعت
(1/161)
#164##165#
28- حدثنا القافلائي قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني
وحدثنا نهشل بن دارم قال: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي
قالا حدثنا شاذان قال: أخبرنا خالد الزيات عن زرعة بن عمرو
مولى #166# الخباب عن أبيه قال لما قدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لأصحابه انطلقوا بنا إلى أهل قباء نسلم
عليهم قال فلما أتاهم قال يا أهل قباء اجمعوا لنا حجارة
الحرة قال فجمعوا قال ثم خط لهم قبلتهم ثم أخذ النبي صلى
الله عليه وسلم حجرا من تلك #167# الحجارة فجعله على الخط
ثم قال لأبي بكر خذ حجرا فاجعله على الخط فأخذ أبو بكر
حجرا فجعله إلى جنب حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم
قال: يا عمر خذ حجرا فضعه إلى جنب حجر أبي بكر, ثم قال
لعثمان: خذ حجرا فضعه إلى جنب حجر عمر قال فأخذ عثمان حجرا
فوضعه ثم التفت إلى الناس بعد فقال من أحب أن يضع فليضع
حجره حيث شاء على الخط
(1/165)
#168#
29- حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد قال: حدثنا عبد الرحمن بن
الحارث قال: حدثنا بقية قال: حدثنا #169##170# الزبيدي عن
الزهري عن عمرو بن عثمان بن أبان عن جابر بن عبدالله أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أري الليلة رجل صالح أن
أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم ونيط عمر بأبي
بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم قلنا أما الرجل الصالح فرسول الله صلى
الله عليه وسلم وأما ما ذكر من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة
هذا الأمر الذي #171# بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم
(1/168)
#172##179#
30- وحدثنا أبو عبدالله الحسين بن محمد بن سعيد قال: حدثنا
عبد الرحمن قال: حدثنا بقية قال: حدثنا محمد بن الوليد
قال: حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب أن رجلا توفي من
الأنصار فلما كفن وأتاه القوم ليحملوه تكلم فقال محمد رسول
الله حقا أبو بكر #180# الصديق الضعيف في العين القوي في
أمر الله عمر بن الخطاب القوي الأمين عثمان بن عفان على
منهاجهم
(1/179)
#181##183#
31- حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شهاب وأبو بكر أحمد بن
جعفر القطيعي قالا حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال:
حدثنا محمد بن عوف #184# الحمصي قال: حدثنا سالم الخواص عن
سليمان بن #185# حيان أبي خالد الأحمر عن إسماعيل بن أبي
خالد عن قيس بن أبي حازم عن سهل بن أبي حثمة قال: #186#
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعرابي إذا أنا مت وأبو
بكر وعمر وعثمان فإن استطعت أن تموت فموت
(1/183)
#187##188#
32- حدثني محمد بن أحمد الرقام قال: حدثنا محمد بن أحمد بن
يعقوب قال: حدثني جدي قال: حدثنا بكر بن خداش قال: حدثنا
حبان بن علي العنزي #189# قال: حدثنا مجالد بن سعيد
الهمداني أحسبه عن الشعبي عن طحرب العجلي قال قال الحسن بن
علي #190# عليهما السلام ما كنت لأقاتل بعد رؤيا رأيتها
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يده على العرش
ورأيت أبا بكر واضعا يده على منكب النبي صلى الله عليه
وسلم ورأيت عمر واضعا يده على منكب أبي بكر ورأيت عثمان
واضعا يده على منكب عمر ورأيت دما دونهم فقلت ما هذا الدم
قالوا دم عثمان يطلب الله به
(1/188)
#191##192#
33- حدثنا أبو الحسن أحمد بن سالم المخرمي قال: حدثنا
الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا يزيد بن هارون قال:
أخبرنا مهدي بن ميمون عن محمد بن عبيدالله بن أبي يعقوب عن
بشر بن #193# شغاف عن عبدالله بن سلام قال بينما أمير
المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه يخطب ذات يوم فقام
رجل فنال منه فوذأته فاتذأ فقال رجل لا يمنعك مكانة ابن
سلام أن تسب نعثلا فإنه من شيعته فقلت له لقد قلت القول
العظيم في يوم القيامة للخليفة من بعد نوح
.
(1/192)
قال الشيخ: قال جماعة من أهل العلم: معنى
قوله: "فوذأته فاتأذ" يعني زجرته وقمعته فازدجر، وقوله:
يسبّ نعثلاً "أن عثمان كان يُشبّه برجل من أهل مصر اسمه
نعثل، #194# وكان طويل اللحية، ولو وَجد عائبوه عيباً غير
هذا لقالوه.
وأما قول ابن سلام: "الخليفة من بعد نوح" فقد اختلف الناس
في ذلك، فقال بعض أهل العلم: أراد بقوله "نوح" عمر بن
الخطاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه بذلك حين
استشاره، واستشار أبا بكر في أسارى بدر، فأشار أبوبكر
بالمنّ عليهم، وأشار عمر بقتلهم، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم لأبي بكر: "إن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم حين قال:
"فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم"، وعيسى حين
قال: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز
الحكيم"، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح حين قال: "رب لا تذر
على الأرض من الكافرين ديارا"، " فشبه النبي #195# صلى
الله عليه وسلم عمر في شدته وفظاظته وغلظته في ذات الله
وأمره بنوح عليه السلام، فأراد ابن السلام أن عثمان كان
الخليفة بعد نوح، #196# يعني عمر بتشبيه النبي صلى الله
عليه وسلم له بنوح.
وقوله: "يوم القيامة" يريد يوم الجمعة؛ لأن القيامة فيه
تقوم كما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكقول كعب،
#197# حين رأى رجلاً يخاصم رجلاً يوم الجمعة، فقال: ويحك
تكلم رجلاً يوم القيامة.
وقيل في الخليفة من بعد نوح تفسير آخر، وأن ابن سلام ما
أراد إلا نوحا النبي نفسه؛ لأن الناس كانوا في وقته في
عافية وأمن وطمأنينة، فلما أبوا إلا عصيانه دعا عليهم فكان
هلاكهم في دعوته، فأراد أن الناس في زمن عثمان في عافية
وسلام، وان في قتله سلّ السيف والفتن إلى يوم القيامة.
(1/193)
#198##199#
34- حدثني محمد بن أحمد الرقام قال: حدثنا محمد بن أحمد بن
يعقوب قال: حدثنا يعقوب بن شيبة قال: حدثنا محمد بن عبد
الأعلى بن كناسة قال: حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد
بن العاص عن أبيه قال بلغني أن عن عائشة رضي الله عنها
قالت ما استمعت على النبي صلى الله عليه وسلم حديثه قط إلا
مرة فإن عثمان جاءه في نحر #200# الظهيرة فسمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول إن الله ملبسك قميصا يريدك أمتي
على خلعه فلا تخلعه فلما رأيت عثمان يبذل لهم كل شيء سألوه
إلا خلعه علمت أنه عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1/199)
قال الشيخ: فقد ذكرت في هذا الموضع من
أخبار عثمان ومناقبه وفضائله ما دلّ العقلاء وأهل السلامة
من المؤمنين على وجوب إمامته وصحة خلافته، وعلى جلالة
قدره، وعلو رتبته، وقديم سابقته، وما هو له أهل من محل
الشرف وكثرة المناقب، ونأتي إن شاء الله في أبواب فضائله
وأخباره حسب الذي يحتمل هذا الكتاب، وما سيسرُّ اللهُ به
قلوب المؤمنين، ومن في قلبه بقية #201# من هذا الدين،
ونقتصر من ذلك على ما فيه كفاية، ونعدل عن الإكثار، ونسأل
الله التوفيق لما يحبه ويرضاه.
(1/200)
|