الإبانة لابن بطة فضائل الصحابة

#617##619#
باب ما ذكر من هجرة أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول من هاجر معه وصحبه
162- حدثنا أبو إسحاق نهشل بن دارم قال: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال قال الزهري قال عروة قالت عائشة رضي الله عنها بينما نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة إذ قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل في ساعة لم يكن يأتي فيها فقال أبو بكر فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة لأمر فاستأذن فأذن له فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم #620# لأبي بكر حين دخل أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر فالصحابة بأبي أنت يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم فقال أبو بكر فخذ بأبي أنت إحدى راحلتي هاتين قالت فجهزناهما أحث الجهاز فصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها فأوكت به الجراب فلذلك كانت #621# تسمى ذات النطاق ثم لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور

(2/619)


#622#
163- وحدثني أبو صالح, قال: حدثنا أبو الأحوص قال: حدثنا أحمد بن حنبل وحدثنا محمد بن أحمد بن إسحاق قال: حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال وقال الزهري وأخبرني عروة بن الزبير أن عن عائشة رضي الله عنها قالت لقد خرج أبو بكر مهاجرا قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد #623# لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال ابن الدغنة أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي تبارك وتعالى قال ابن الدغنة فإن مثلك يا أبا بكر لا يَخْرج ولا يُخْرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتقرئ الضيف وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف ابن الدغنة في كفار قريش فقال: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل #624# ويقرئ الضيف، ويعين على نوائب الحق، فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وأمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ما شاء، وليقرأ بما شاء, ولا يؤذينا، ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره، قال ففعل ثم بدا لأبي بكر فبنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ فينقصف عليه نساء المشركين وأبناءهم يعجبون منه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا: إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه قد جاوز ذلك وابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة، والقراءة وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك #625# فاسأله أن يرد عليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال: يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني خفرت في عقد رجل عقدت له، فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان فهاجر #626# من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجع إلى المدينة بعض من هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين، وتجهز أبو بكر رضي الله عنه مهاجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي، فقال أبو بكر: أترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر.
وسياقة الحديث لأبي الأحوص

(2/622)


#627#
164- حدثنا أبو القاسم إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الحسين الهمداني الكوفي بالكوفة قال: حدثنا أبو محمد القاسم بن محمد الدلال النهمي قال: حدثنا مخول بن إبراهيم النهدي قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: اشترى أبو بكر من عازب رحلا بثلاثة #628# عشر درهما، فقال أبو بكر للبراء: مر عازبا فليحمل إلي رحلي، فقال له عازب: ألا تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما والمشركون يطلبونكما. فقال: أدلجنا من مكة، فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا، وقام قائم ظهيرة، فرميت بصري هل أرى من ظل فآوي إليه، فإذا أنا بصخرة، فانتهيت إليها، فإذا فيها ظل لها، قال فنظرت بقية ظلها سويته، ثم فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فروة، ثم قلت له: اضطجع يا رسول الله، فاضطجع، ثم ذهبت أنفض ما حولي هل أرى من الطلب أحدا، فإذا أنا براع يسوق غنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أريد ـ يعني الظل ـ، فسألته قلت: لمن أنت يا غلام ؟ قال: لرجل من قريش، سماه، فعرفته, قلت: هل في غنمك من لبن ؟ فقال: نعم، فقلت: هل أنت حالب لي ؟ قال: نعم، فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض #629# ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فحلب لي كثبة من لبن، وقد بردت معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة، قال فصببت على اللبن حتى برد أسفله، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت ثم قلت: قد أتى الرحيل يا رسول الله، قال فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم، على فرس له، فقلت: هذا الطلب يا رسول الله، فقال: لا تحزن إن الله معنا فدنا منا فكان بيننا وبينه قدر رمحين أو ثلاثة قلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله وبكيت.
فقال ما يبكيك ؟ فقلت: أما والله، ما على نفسي أبكي يا رسول الله، ولكن إنما أبكي عليك، قال: فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اكفنيه بما شئت، قال: فساخ به فرسه في الأرض إلى بطنها، ووثب عنها، ثم قال: يا محمد، قد #630# علمت أن هذا عملك، ادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب، وهذه كنانتي، خذ سهما منها، فإنك ستمر على إبلي وغنمي في مكان كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حاجة لي في إبلك، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق راجعا إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلا، فناداه القوم، أيهم ينزل عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أنزل الليلة على بني النجار، أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك، وخرج الناس حتى دخلنا المدينة في الطريق على البيوت والغلمان والخدم: جاء محمد، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله أكبر جاء محمد رسول الله, فلما أصبح انطلق حتى نزل حيث أمر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو البيت المقدس سبعة عشر أو ستة عشر شهرا, وذكر الحديث بطوله.

(2/627)


#631##632#
165- حدثني أبو صالح, قال: حدثنا أبو الأحوص قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب وأبو بكر رديفه، وكان أبو بكر يعرف في الطريق لاختلافه إلى الشام، فكانوا يمرون بالقوم فيقولون: من هذا بين يديك ؟ فيقول: هاد يهديني. فلما دنوا من المدينة بعثا إلى القوم الذين أسلموا من الأنصار إلى أبي أمامة وأصحابه، فخرجوا إليهما فقالوا: ادخلا آمنين مطاعين، قال: فدخلا قال أنس: فما رأيت يوما قط أنور، ولا أحسن من يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر المدينة، وشهدت وفاته، فما رأيت يوما قط أظلم، ولا أقبح من اليوم الذي #633# توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه

(2/632)


#634#
166- حدثني أبي وأبو صالح رحمهما الله قالا حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح قال: حدثنا مسروق بن المرزبان قال: حدثنا ابن أبي زائدة قال قال ابن إسحاق فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عبد الرحمن بن عبدالله بن حصين عن عروة بن #635# الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار مهاجرا إلى الله ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مردفه أبو بكر خلفه عبد الله بن أريقط الدؤلي فسلك بهما أسفل مكة ثم مضى بهما يهبط بهما على الساحل أسفل من عسفان ثم ذكر طريقهما حتى دخل المدينة في الحديث بطوله

(2/634)