الاكتفاء
بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة
الخلفاء [المقدمة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ترجمة المصنف «1»
هو أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم بن حسان بن سليمان بن أحمد بن عبد
السلام الحميري الكلاعي البلنسي الأندلسي المالكي المعروف بابن سالم.
ولد سنة خمس وستين وخمسمائة (565 هـ) ، ونشأ ببلنسية، وتلقى العلوم في
رحلته إلى إشبيلية وشاطبة وغرناطة والإسكندرية.
توفي شهيدا سنة أربع وثلاثين وستمائة للهجرة (634 هـ) في موقعة أنيشة حاملا
اللواء بنفسه.
من مؤلفاته:
1- أحاديث مصافحة أبي بكر ابن العربي الإمامين.
2- أحاديث مصافحة أبي علي الإمامين.
3- أربعون السباعية من الحديث.
4- الأربعون حديثا عن أربعين شيخا لأربعين من الصحابة في أربعين معنى.
5- الإعلام بأخبار البخاري الإمام ومن بلغت روايته عنه من الأغفال
والأعلام.
__________
(1) انظر ترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي (وفيات سنة 634) ، وتذكرة الحفاظ
(4/ 1417) ، وسير أعلام النبلاء (23/ 134) ، والعبر للذهبي (5/ 137) ،
والوافي (15/ 432) ، ومرآة الجنان (5/ 85) ، وشذرات الذهب (5/ 164) ، وهدية
العارفين (1/ 399) .
(المقدمة/1)
6- الاكتفاء؛ وهو الكتاب الذي بين أيدينا.
7- الامتثال لمثال المبهج في ابتداع الحكم واختراع الأمثال.
8- برنامج مروياته.
9- تحفة الرواد في العوالي البلدية الإسناد.
10- جنى الرطب في سني الخطب.
11- جهد النصيح في معارضة المعري في خطبة الفصيح.
12- حلية الأمالي في الواقعات والعوالي.
13- ديوان الرسائل.
14- ديوان شعره.
15- الصحف المبشرة في القطع المعشرة.
16- مجازفة اللحن للاحن الممتحن.
17- المسلسلات والإنشادات.
18- مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام.
19- المعجم فيمن وافقت كنيته زوجته.
20- مفاوضة القلب والعليل في منابذة الأمل الطويل بطريقة المعري وملقى
السبيل.
21- ميدان السابقين وحلبة الصادقين المصدقين.
22- نتيجة الحب الصميم وزكاة النثير والنظيم.
23- نكتة الأمثال ونفثة السحر الحلال. بنى فيه الكلام على التوشيح بما
تضمنه كتاب أبي عبيد من أمثال العرب واضطرار الكلام إليها.
(المقدمة/2)
عملنا في التحقيق
1- قمنا بنسخ المخطوط من النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية بمكتبة طلعت
تحت رقم 2074، وهي نسخة جيدة كتبت بخط مشرقي دقيق، ثم قمنا بضبطها
بالاستعانة بالنسخة المطبوعة بالقاهرة.
2- قمنا بتخريج آيات القرآن الكريم وإثبات التخريج عقب الآية بين معقوفتين.
3- قمنا بتخريج الأحاديث المذكورة بالكتاب.
4- ترجمنا لبعض الأعلام وإن كان قليلا.
5- قمنا بالتعليق على بعض المواضع بالكتاب، وشرح بعض الألفاظ الغريبة.
6- قمنا بتخريج بعض الأبيات الشعرية.
7- قمنا بعمل عجالة للتعريف بالمؤلف.
والله سبحانه المسؤول أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به، إنه
بعباده رؤوف رحيم.
(المقدمة/3)
الجزء الأول
صورة الصفحة الأولى من الخطوط
(1/1)
صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط
(1/2)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مقدمة المصنف
قال الشيخ الفقيه الخطيب المحدث الثبت الشهيد أبو الربيع، سليمان بن موسى
بن سالم، الكلاعى، البلنسى، كرم الله مثواه، وجعل الجنة مستقره ومأواه:
الحمد لله الذى منّ علينا بالإسلام، وأكرمنا بنبيه محمد عليه أفضل الصلوات
والسلام، وجعل آثاره الكريمة ضالتنا المنشودة، والاقتداء بهديه الأهدى،
ونوره الأوضح الأبدى غايتنا المقصودة وأمنيتنا المودودة، وأنعم على قلوبنا
بالارتياح والاهتزاز عند سماع مصدره أو إليه منتماه.
وإنه لأثر رجاء فى هذه القلوب البطالة وأثاره خير يرجى، أن يذودها عن مشارع
الجهالة ومنازع الضلالة، فإن الارتياح للذكر شهادة الحب وأمارة المحب.
وقد روى عنه صلوات الله عليه نقلة السنة أن من أحبه كان معه فى الجنة.
فنسأل الله أن يكتبنا فى محبيه حقيقة، ويسلك بنا من الوقوف عند مقتضيات
أوامره ونواهيه طريقة بالسعادة خليفة.
فما نزال طالبين ذلك من أكرم مطلوب لديه، راغبين فيه إلى خير مرغوب إليه.
وإن لم نكن أهلا للإسعاف بتقصيرنا فى الأعمال، فإنه جل جلاله أهل الجود
والإفضال.
ونصلى قبل وبعد على هذا النبى المبارك الكريم، صلى الله عليه وعلى آله
الطاهرين وصحبه المنتخبين، خير صحب وخير آل.
وهذا كتاب ذهبت فيه إلى إيقاع الإقناع، وإمتاع النفوس والأسماع، باتساق
الخبر عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر نسبه ومولده وصفته
ومبعثه، وكثير من خصائصه، وأعلام نبوته ومغازيه، وأيامه من لدن مولده إلى
أن استأثر به وقبض روحه الطيبة إليه، صلوات الله وبركاته عليه.
مقدما لذلك ما يجب تقديمه، ومتمما من ذكر أوليته المباركة بلدا ومحتدا، بما
يحسن علمه وتعليمه، ملخصا جميعه من كتب أئمة هذا الشأن الذين صرفوا إليه
اعتناءهم،
(1/3)
واستنفذوا فى آناءهم، ككتاب محمد بن إسحاق،
الذى تولى عبد الملك بن هشام تهذيبه واختصاره، وكتاب موسى بن عقبة، الذى
استحسن الأئمة اقتصاده واقتصاره، وغيرهما من المجموعات التى لا يديم
الإنصاف قصد جماعها ولا يذم الاختبار اختياره.
ولكنه عظم المعول بحكم الخاطر الأول على كتاب ابن إسحاق، إياه أردت وتجريده
من اللغات وكثير من الأنساب والأشعار قصدت، وعلى ترتيبه غالبا جريت، ومنزعه
فى أكثر ما يخص المغازى تحريت.
فإنه الذى شرب ماء هذا الشأن فأنقع، ووقع كتابه من نفوس الخاص والعام أجل
موقع.
إلا أنه يتخلله، كما أشرنا إليه قبل، أشياء من غير المغازى تقدح عند
الجمهور فى إمتاعه، وتقطع بالخواطر المستجمعة لسماعه.
وإن كانت تلك القواطع عريقة فى نسب العلم، وحقيقة بالتقييد والنظم. فسعى أن
يكون لها مكان هو بإيرادها أخص، إذ لكل مقام لا يحسن فى غيره الإيراد له
والنص.
ولذلك نويت فيه أن أحذف ما تخلله من مشبع الأنساب التى ليس احتياج كل الناس
إليها بالضرورى الحثيث، ونفيس اللغات المعوق اعتراضها اتصال الأحاديث، حتى
لا يبقى إلا الأخبار المجردة، وخلاصة المغازى التى هى فى هذا المجموع
المقصودة المعتمدة.
ظنا منى أنه إذا أذن الله فى تمامه، وتكفل تعالى بتيسير محاولته وفق
المأمول وتقريب مرامه، استأنفت النفوس له قبولا وعليه إقبالا، ولم يزده هذا
النقص لدى جمهورهم إلا كمالا.
ثم بدا لى أن أزيد على هذا المقدار ما يحسن فى هذا المضمار، وأعوض مما حذفت
منه من اللغات والأنساب والأشعار، بما يكون له إن شاء الله مزية الاختيار،
ويروق عليه رونق الإيثار، منتقيا ذلك من الدواوين التى طار بها فى الناس
طائر الاشتهار، ومتخيرا له من الأماكن التى لا يستقل بحصر فوائدها وانتقاء
فرائدها كل مختار.
ككتاب ابن عقبة، وقد سميته، فإنه وإن اختصره جدا فقد أحسن العبارة، وأتى
مواضع من المغازى حذاها بسطه وحماها اختصاره.
وسأضع على كثير منها ميسمه وأرسمها فى هذا المختصر على نحو ما رسمه.
(1/4)
وقد وقفت على كتاب محمد بن عمر الواقدى فى
المغازى، ولم يحضرنى الآن، لكنى رأيته كثيرا ما يجرى مع ابن إسحاق،
فاستغنيت عنه به لفضل فصاحة ابن إسحاق فى الإيراد، وحسن بيانه الذى لا يفقد
معه استحسان الحديث المعاد.
وللواقدى أيضا كتاب المبعث، وهو مشبع فى بابه، ممتع باستيفائه واستيعابه،
قد نقلت هنا منه جملا، تناسب الغرض المسطور، وتصد المعترض أن يجور.
وكذلك كتاب الزبير بن أبى بكر القاضى رحمه الله فى أنساب قريش، وهو كما
سمعت شيخنا الخطيب أبا القاسم ابن حبيش رحمه الله يحكى عن شيخه أبى الحسن
ابن مغيث أنه كان يقول فيه: هو كتاب عجب لا كتاب نسب.
التقطت أيضا من درره نفائس معجبة، وتخيرت من فوائده نخبا لمتخيرها موجبة.
ومثله التاريخ الكبير لأبى بكر ابن أبى خيثمة، وناهيك به من بحر لا تكدره
الدلاء، وغمر لا ينفذه الأخذ الدراك ولا يستنزفه الورد الولاء.
وكم شىء أستحسنه من غير هذه الكتب المسماة فأنظمه فى هذا النظام، وأضطر إلى
الإفادة به مساق الكلام. إما متمما لحديث سابق، وإما مفيدا بغرض لما تقدمه
مطابق.
فإن لم يكن بينهم فى الأحاديث اختلاف يشعر بنقض، فكثيرا ما أدخل حديث بعضهم
فى حديث بعض، ليكون المساق أبين والاتساق أحسن.
وإن عرض عارض خلاف فالفصل حينئذ أرفع للإشكال وأدفع للمقال.
وربما فصلت بين بعض أحاديثهم وإن اشتبهت معانيها، بحسب ما تدعو إليه ضرورة
الموضع، أو تحمل على إعادته حلاوة الموقع.
وكل ذلك يشهد الله أن المراد فيه بالقصد الأول وجهه الكريم، وإحسانه
العميم، ورحمته التى منها شق لنفسه أنه الرحمن الرحيم.
ثم القصد الثانى متوفر على إيثار الرغبة فى إيناس الناس بأخبار نبيهم صلى
الله عليه وسلم، وعمارة خواطرهم بما يكون لهم فى العاجل والآجل أنفع وأسلم.
وقد عم عليه الصلاة والسلام ببركة دعائه سامع حديثه ومبلغه، وقال صلى الله
عليه وسلم: «ما أفاد المسلم أفضل من حديث حسن بلغه فبلغه» .
ولا أحسن بعد كتاب الله الذى هو أحسن القصص وأصدق القصص، وأفضل
(1/5)
الحصص، وأجلى الأشياء للغصص من أخبار رسول
الله صلى الله عليه وسلم التى بالوقوف عليها توجد حلاوة الإسلام، ويعرف كيف
تمهدت السبل إلى دار السلام.
فإنه لا يخلو الحاضرون لهذا الكتاب من أن يسمعوا ما صنع الله لرسوله فى
أعداء تنزيله، فيستجزلوا ثواب الفرح بنصر الله، أو يستمعوا ما امتحنه الله
به من المحن التى لا يطيق احتمالها إلا نفوس أنبياء الله بتأييد الله،
فيعتبروا بعظيم ما لقيه من شدائد الخطوب، ويصطبروا لعوارض الكروب، تأدبا
بآدابه، وجريا فى الصبر على ما يصيبهم والاحتساب لما ينوبهم على طريقة صبره
واحتسابه.
وتلك غايات لن نبلغ عفوها بجهدنا، ولن نصل أدانيها بنهاية ركضنا وشدنا،
وإنما علينا بذل الجهد فى قصد الاهتداء، وعلى الله سبحانه المعونة فى
الغاية والابتداء.
وإذا استوفيت بفضل الله طلق هذا المعنى كما نويت، وبلغت حاجة نفسى منه
وقضيت، فلى نية، إن ساعدت المشيئة عليها، فى أن أصل هذا الغرض المتقدم، من
ذكر مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذكر مغازى الخلفاء الثلاثة
الأول، رضى الله عنهم، منتحلا على رجاء معونة الله أسبابها، ومنتخلا من
كتاب شيخنا الخطيب أبى القاسم، رحمه الله، ومن غيره مما هو فى نحو معناه،
صفوها ولبابها، لتنتظم الفائدتان معا، ويكون الخبر عن مغازى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ومغازى خلفائه، الذين بهديهم الائتمام، فى مكان واحد
مجتمعا.
وأرجو بحول الله الذى له الطول وبيده القوة والحول، أن يكون هذا المجموع
كافيا فى البابين، وافيا بالغرضين المنتابين، ولذلك ترجمته بكتاب: الاكتفاء
بما تضمنه من مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازى الخلفاء.
وفضله جل جلاله نعم الكفيل أن يجزى به خير الجزاء، ويجعله من عددنا النافعة
يوم اللقاء، فهو عز وجهه الملجأ والمعول، وبه أستعين وعليه أتوكل، لا إله
إلا هو سبحانه، هو حسبى وإليه أنيب.
(1/6)
|