الروض الأنف ت السلامي

قصة عمرو بن لحي وذكر أصنام العرب
حديث جر عمرو قصبه في النار
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال حدثت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار فسألته عمن بيني وبينه من الناس فقال هلكوا".
ـــــــ
وذكر حديث عمرو بن لحي2 بن قمعة بن إلياس وقد تقدم في نسب خزاعة وأسلم أنهما ابنا حارثة بن ثعلبة وأن ربيعة بن حارثة هو أبو خزاعة من بني أبي حارثة بن عامر لا من حارثة وسيأتي ذلك. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسلم "ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا" وهو معارض لحديث أكثم بن الجون في الظاهر إلا أن بعض أهل النسب ذكر أن عمرو بن لحي كان حارثة قد خلف على أمه بعد أن آمت من قمعة ولحي صغير.
ولحي هو ربيعة، فتبناه حارثة وانتسب إليه فيكون النسب صحيحا بالوجهين جميعا: إلى حارثة بالتبني، وإلى قمعة بالولادة وكذلك أسلم بن أفصى بن حارثة فإنه أخو خزاعة، والقول فيه كالقول في خزاعة،
ـــــــ
1 في "صبح الأعشى": أنها تسمية العرب العاربة من بني قحطان وجرهم الأولى.
2 في "البخاري": نسبه عمرو بن عامر بن لحي، وفي "نسب قريش": عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف.

(1/207)


قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة - قال ابن هشام: واسم أبي هريرة. عبد الله بن عامر، ويقال اسمه عبد الرحمن بن صخر - يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي "يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه. فقال أكثم عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ قال لا، إنك مؤمن وهو كافر إنه كان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي" .
__________
وقيل في أسلم بن أفصى: إنهم من بني أبي حارثة بن عامر لا من بني حارثة، فعلى هذا لا يكون في الحديث حجة لمن نسب قحطان إلى إسماعيل والله أعلم.
ومن حجة من نسب خزاعة إلى قمعة مع الحديث المذكور في ذلك قول المعطل [الهذلي] يخاطب قوما من خزاعة:
لعلكم من أسرة قمعية ... إذا حضروا لا يشهدون المعرفا1
وقوله في حديث أكثم الذي يرويه أبو هريرة. اسم أبي هريرة عبد الله بن عمرو، وقيل عبد الرحمن بن صخر وقيل هو الذي ذكره ابن هشام. وقال البخاري اسمه عبد شمس بن عبد نهم وقيل اسمه عبد غنم ويحتمل أن يكون هذا اسمه في الجاهلية فبدله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما بدل كثيرا من الأسماء وقد قيل اسمه يزيد بن عشرقة وقيل كردوس وقيل سكين. قاله النفسوي، [لعله البغوي أو النفوسي] وقيل غير هذا. وكناه أبا هريرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهرة رآها معه وقد ذكر أن الهرة كانت وحشية2.
ـــــــ
1 المعرفا: الموقف بعرفة.
2 روى الترمذي أن أهله الذين كنوه بهذا، وقد استوفى ما قيل في نسبه ابن حجر في "الإصابة" وفي اسمه أربعة وأربعون قولاً.

(1/208)


جلب الأصنام من الشام إلى مكة:
قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم:
أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدم مآب من
ـــــــ
وأما أكثم الذي ذكره فقد صرح في حديثه بنسب عمرو والد خزاعة، وذكره لقوة الشبه بين أكثم وبينه يدل على أنه نسب ولادة - كما تقدم ولا سيما على رواية الزبير فإن فيها أنه قال "رأيت عمرو بن لحي والد خزاعة يجر قصبه في النار" وقوله لأكثم "إنك مؤمن وهو كافر "1 قد روى الحديث الحارث بن أبي أسامة في مسنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هذه المقالة في حديث الدجال لعبد العزى بن س، وأن عبد العزى قال "أيضرني شبهي به يا رسول الله؟ يعني: الدجال فقال كما قال لأكثم إنك مؤمن وهو كافر" وأحسب هذا وهما في الحديث والله أعلم كما ذكره البخاري عن الزهري. قال ابن قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية ولأكثم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان. أحدهما خير الرفقاء أربعة وقد تكلمنا على معناه في كتاب التعريف والإعلام. والآخر اغز مع غير قومك، تحسن خلقك، قال الإسكاف في كتاب فوائد الأخبار معنى هذا لأن الرجل إذا غزا مع غير قومه تحفظ ولم يسترسل وتكلف من رياضة نفسه ما لا يتكلفه في صحبة من يثق باحتماله لنظرهم إليه بعين الرضى، ولصحة إدلاله فلذلك تحسن خلقه لرياضة نفسه على الصبر والاحتمال فهذا حسن من التأويل غير أن الحديث مختلف في لفظه فقد روي فيه سافر مع قومك، وذكر الروايتين أبو عمر رحمه الله.
قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية ولأكثم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان. أحدهما "خير الرفقاء أربعة" وقد تكلمنا على معناه في كتاب التعريف والإعلام. والآخر "اغز مع غير قومك، تحسن خلقك" قال الإسكاف في كتاب فوائد الأخبار معنى هذا لأن الرجل إذا غزا مع غير قومه تحفظ ولم يسترسل وتكلف من رياضة نفسه ما لا يتكلفه في صحبة من يثق باحتماله لنظرهم إليه بعين الرضى، ولصحة إدلاله فلذلك تحسن خلقه لرياضة نفسه على الصبر والاحتمال فهذا حسن من التأويل غير أن الحديث مختلف في لفظه فقد روي فيه سافر مع قومك، وذكر الروايتين أبو عمر2 رحمه الله.
وذكر في الحديث عمرو بن لحي، وأنه أول من بحر البحيرة وقد روي أيضا أن أول من بحر البحيرة رجل من بني مدلج كانت له ناقتان فجدع آذانهما، وحرم ألبانهما. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "فرأيته في النار يخبطانه بأخفافهما، ويعضانه بأفواههما" .
ـــــــ
1 وقيل عن أكثم إنه ابن أبي الجون، واسمه: عبد العزى بن منقذ بن ربيعة بن أحرم.
2 في حديثه أبو سلمة المعاملي، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول عنه: متروك الحديث باطل.

(1/209)


أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عملاق. ويقال: عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له هذه أصنام نعبدها، فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم أفلا تعطونني منها صنما، فأسير به إلى أرض العرب، فيعبدوه؟ فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة، فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.
قال ابن إسحاق: ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى سلخ ذلك1 بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم حتى خلف الخلوف2 ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها: من تعظيم البيت، والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة، وهدي البدن والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه.
فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه
ـــــــ
وقال عليه السلام: "قد عرفت أول من سيب السائبة ونصب النصب. عمرو بن لحي رأيته يؤذي أهل النار بريح قصبه" . رواه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر مرسلا، ولم يقع في رواية البكائي عنه.
أصل عبادة الأوثان:
يقال لكل صنم من حجر أو غيره صنم ولا يقال وثن إلا لما كان من غير
ـــــــ
1 سلخ بهم: خرج بهم.
2 الخلوف: جمع خلف "بالفتح"، وهو القرن بعد القرن.

(1/210)


وما ملك". فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده. يقول الله تبارك وتعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم – {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف 106] أي ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي.
أصنام عند قوم نوح:
وقد كانت لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها، قص الله - تبارك وتعالى - خبرها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} [نوح: 23 - 24]
__________
صخرة كالنحاس ونحوه وكان عمرو بن لحي حين غلبت خزاعة على البيت، ونفت جرهم عن مكة، قد جعلته العرب ربا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة لأنه كان يطعم الناس ويكسو في الموسم فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة وكسا عشرة آلاف حلة حتى [قيل] إنه اللاتي الذي، يلت السويق1 للحجيج على صخرة معروفة تسمى: صخرة اللاتي، ويقال إن الذي يلت كان من ثقيف، فلما مات قال لهم عمرو: إنه لم يمت ولكن دخل في الصخرة ثم أمرهم بعبادتها، وأن يبنوا عليها بيتا يسمى: اللاتي، ويقال دام أمره وأمر ولده على هذا بمكة ثلاثمائة سنة فلما هلك سميت تلك الصخرة اللاتي مخففة التاء واتخذ صنما يعبد وقد ذكر ابن إسحاق، أنه أول من أدخل الأصنام الحرم، وحمل الناس على عبادتها، وسيأتي ذكر إساف ونائلة وما كان منه في أمرهما.
وذكر أبو الوليد الأزرقي في أخبار مكة أن عمرو بن لحي فقأ أعين عشرين بعيرا، وكانوا يفقئون عين الفحل إذا بلغت الإبل ألفا، فإذا بلغت ألفين فقئوا العين الأخرى قال الراجز:
وكان شكر القوم عند المنن ... كي الصحيحات وفقأ الأعين
وكانت التلبية من عهد إبراهيم: لبيك لا شريك لك لبيك حتى كان
ـــــــ
1 طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير.

(1/211)


القبائل وأصنامها، وشيء عنها:
فكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغيرهم وسموا بأسمائهم حين فارقوا دين إسماعيل هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، اتخذوا سواعا، فكان لهم برهاط. وكلب بن وبرة من قضاعة، اتخذوا ودا بدومة الجندل.
ـــــــ
عمرو بن لحي، فبينما هو يلبي تمثل له الشيطان في صورة شيخ يلبي معه1 فقال عمرو: لبيك لا شريك لك، فقال الشيخ إلا شريكا هو لك، فأنكر ذلك عمرو، وقال ما هذا؟ فقال الشيخ قل تملكه وما ملك فإنه لا بأس بهذا، فقالها عمرو، فدانت بها العرب2.
وذكر ابن إسحاق ما كان في قوم نوح ومن قبلهم من عبادة الأصنام وتلك هي الجاهلية الأولى التي ذكر الله في القرآن في قوله {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] وكان بدء ذلك في عهد مهلايل بن قينان فيما ذكروا، وقد ذكر البخاري عن ابن عباس قال: "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد وهي أسماء قوم صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسونها أنصابا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنوسخ العلم عبدت". وذكر الطبري هذا المعنى وزاد أن سواعا كان ابن شيث وأن يغوث كان ابن سواع وكذلك يعوق ونسر كلما هلك الأول صورت صورته وعظمت لموضعه من الدين ولما عهدوا في دعائه من الإجابة فلم يزالوا هكذا حتى خلفت الخلوف وقالوا: ما عظم هؤلاء آباؤنا إلا لأنها ترزق وتنفع وتضر، واتخذوها آلهة وهذه أسماء سريانية وقعت إلى الهند، فسموا بها أصنامهم التي زعموا أنها صور الدراري السبعة وربما كلمتهم الجن من
ـــــــ
1 هو شيطان مثل عمرو بن لحي.
2 في "الصحيحين" إن هذه كانت تلبية المشركين، وفي "صحيح مسلم" أنهم كانوا إذا قالوا: لبيك لا شريك لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قد أي حسب حسب.

(1/212)


قال ابن إسحاق: وقال كعب بن مالك الأنصاري
وننسى اللات والعزى وودا ... ونسلبها القلائد والشنوفا
رأي ابن هشام في نسب كلب بن وبرة:
قال ابن هشام: وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله.
قال ابن هشام: وكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
يغوث وعبدته:
قال ابن إسحاق: وأنعم من طيئ، وأهل جرش من مذحج اتخذوا يغوث بجرش.
رأي ابن هشام في أنعم، وفي نسب طيئ:
قال ابن هشام: ويقال أنعم. وطيئ بن أدد بن مالك ومالك مذحج بن أدد ويقال طيئ بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ.
يوق وعبدته:
قال ابن إسحاق: وخيوان بطن من همدان، اتخذوا يعوق بأرض همدان من أرض اليمن. قال ابن هشام: وقال مالك بن نمط الهمداني:
ـــــــ
جوفها ففتنتهم ثم أدخلها إلى العرب عمرو بن لحي كما ذكر أو غيره1 وعلمهم تلك الأسماء وألقاها الشيطان على ألسنتهم موافقة لما كانوا في عهد نوح.
وذكر ابن إسحاق أن كلب بن وبرة من قضاعة. وبرة بسكون الباء تقيد في
ـــــــ
1 في "البخاري" عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود: فكانت لكلب،وأما سواع: فكانت لهذيل، وأما يغوث: فكانت لمراد، وأما يعوق: فكانت لهمدان، وأما نسر: فكانت لحمير، وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام.

(1/213)


يريش الله في الدنيا ويبري ... ولا يبري يعوق ولا يريش
وهذا البيت في أبيات له.
همدان ونسبه:
قال ابن هشام: اسم همدان: أوسلة بن مالك بن زيد بن ربيعة بن أوسلة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، ويقال أوسلة بن زيد بن أوسلة بن الخيار. ويقال همدان بن أوسلة بن ربيعة بن مالك بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.
ـــــــ
نسخة الشيخ وهي الأنثى من الوبر اتخذوا ودا في دومة الجندل، ودومة هذه - بضم الدال ذكروا أنها سميت بدومى بني إسماعيل كان نزلها، ودومة أخرى بضم الدال عند الكوفة، ودومة - بفتح الدال - أخرى مذكورة في أخبار الردة كذا وجدته للبكري [في معجم ما استعجم] مقيدا في أسماء هذه المواضع.
وذكر طيء بن أدد أو ابن مالك بن أدد على الخلاف ومالك هو مذحج، وسموا مذحجا بأكمة نزلوا إليها. [وطي] من الطاءة1 وهي بعد الذهاب في الأرض. قاله ابن جني، ولم يرض قول القتبي إنه أول من طوى المناهل لأن طيئا مهموز وطويت غير مهموز.
وذكر جرش في مذحج. والمعروف أنهم في حمير، وأن مذحج من كهلان بن سبأ، ويقال إن الملك كان لكهلان بعد حمير، وأن ملكه دام ثلاثمائة سنة ثم عاد في بني حمير، قاله المسعودي2. وذكر الدارقطني أن جرش وحرش بالحاء أخوان وأنهما ابنا عليم بن جناب الكلبي، فهما قبيلان من كلب - والله أعلم.
وذكر مالك بن نمط الهمداني [الخارفي]، وهو أبو ثور يلقب ذا المشعار
ـــــــ
1 في "الاشتقاق" أنهم سموا بهذا الاسم أكمة ولدت عليها أمهم، ومذحج من الذحج وهو: الدلك، والطاءة –كالطاعة- الإبعاد في المرعى.
2 "مروج الذهب": 2/74

(1/214)


نسر وعبدته:
قال ابن إسحاق: وذو الكلاع من حمير، اتخذوا نسرا بأرض حمير1.
عميانس وعبدته:
وكان لخولان صنم يقال له عميانس بأرض خولان، يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسما بينه وبين الله بزعمهم فما دخل في حق عميانس من حق الله تعالى الذي سموه له تركوه له وما دخل في حق الله تعالى من حق عميانس ردوه عليه وهم بطن من خولان، يقال لهم الأديم وفيهم أنزل الله - تبارك وتعالى - فيما يذكرون {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136].
نسب خولان:
قال ابن هشام: خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، ويقال خولان بن عمرو بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، ويقال خولان بن عمرو بن سعد العشيرة بن مذحج.
ـــــــ
وهو من بني خارف، وقد قيل. إنه من يام بن أصي، وكلاهما من همدان وقوله:
يريش الله في الدنيا ويبري
هو من رشت السهم وبريته، استعير في النفع والضر. قال سويد:
فرشني بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبرى2
ـــــــ
1 كان هذا الصنم بأرض يقال لها: بلخع، موضع من أرض سبأ, ولم تزل تعبده حمير ومنوالاهم حتى هودهم ذو نواس.
2 نسبه "اللسان" إلى حمير بن حباب، ورشت فلاناً: إذا قويته وأعنته على معاشه وأصلحت حاله، والبرى خلافه.

(1/215)


سعد وعبدته:
قال ابن إسحاق: وكان لبني ملكان بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر صنم يقال له سعد صخرة بفلاة من أرضهم طويلة فأقبل رجل من بني ملكان بإبل له مؤبلة ليقفها عليه التماس بركته - فيما يزعم - فلما رأته الإبل وكانت مرعية لا تركب وكان يهراق عليه الدماء نفرت منه فذهبت في كل وجه وغضب ربها الملكاني، فأخذ حجرا فرماه به ثم قال لا بارك الله فيك، نفرت علي إبلي، ثم خرج في طلبها حتى جمعها، فلما اجتمعت له قال:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ... فشتتنا سعد فلا نحن من سعد
وهل سعد إلا صخرة بتنوفة ... من الأرض لا تدعو لغي ولا رشد
صنم دوس:
وكان في دوس صنم لعمرو بن حممة الدوسي.
قال ابن هشام: سأذكر حديثه في موضعه إن شاء الله.
__________
وذكر حديث الملكاني وقوله:
فشتتنا سعد فلا نحن من سعد
ويمتنع في العربية دخول لا على الابتداء المعرفة والخبر إلا مع تكرار لا، مثل أن تقول لا زيد في الدار ولا عمرو، وذكر سيبويه قولهم لا نولك أن تفعل وقال إنما جاز هذا ; لأن معناه معنى الفعل أي لا ينبغي لك أن تفعل1 وكذلك ينبغي أن يقال في بيت الملكاني أي لم يقلها على جهة الخبر، ولكن على قصد التبري منه فكان معنى الكلام فلا نتولى سعدا، ولا ندين به فهذا المعنى حسن دخول لا على الابتداء كما حسن لا نولك.
ـــــــ
1 ومثلها: نوالك ومنوالك، وقد قال سيبويه: أما نول: فتقول: نولك أن تفعل كذا، أي ينبغي لك فعل كذا.

(1/216)


نسب دوس:
ودوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث. ويقال: دوس بن عبد الله بن زهران بن الأسد بن الغوث.
هبل:
قال ابن إسحاق وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له هبل.
قال ابن هشام: سأذكر حديثه إن شاء الله في موضعه.
ـــــــ
وقوله إلا صخرة بتنوفة. التنوفة القفر1 وجمعها: تنائف بالهمز ووزنها: فعولة ولو كانت تفعلة من النوف وهو الارتفاع لجمعت تناوف ولكنه لا يجوز أن تكون تفعلة إلا أن تحرك الواو بالضم لئلا يشبه بناء الفعل ولو قيل فيها: تنوفة بضم التاء لاحتمل حينئذ أن تكون فعولة أو تفعلة على مثال تنفلة إذ ليس في الأفعال تفعل بالضم وهذا من دقيق علم التصريف.
وأما ملكان بن كنانة فبكسر الميم. قال أبو جعفر بن حبيب النسابة كل شيء في العرب فهو ملكان بكسر الميم ساكن اللام غير ملكان في قضاعة، وملكان في السكون، فإنهما بفتح الميم واللام فملكان قضاعة هو ابن جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وملكان السكون هو ابن عباد بن عياض بن عقبة بن السكون بن أشرس من كندة، وكذلك قال الهمداني في ملكان بن جرم، وقال مثل غطفان، وقال ابن حبيب مشايخ خزاعة يقولون ملكان بفتح اللام قال أبو الوليد يعني ابن حبيب ملكان بن أفصى بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، وذكر أبو علي القالي في "أماليه" عن أبي بكر بن الأنباري عن أبيه عن
ـــــــ
1 ولها معان أخر، وقد جعلها "اللسان" في مادة: تنف.

(1/217)


إساف ونائلة، وحديث عائشة عنهما:
قال ابن إسحاق: واتخذوا إسافا ونائلة على موضع زمزم1 ينحرون عندهما، وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم - هو إساف بن بغي ونائلة بنت ديك - فوقع إساف على نائلة في الكعبة، فمسخهما الله حجرين.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها قالت:
سمعت عائشة - رضي الله عنها – تقول "ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم، أحدثا في الكعبة، فمسخهما الله تعالى حجرين" والله أعلم.
قال ابن إسحاق: وقال أبو طالب:
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم ... بمفضى السيول من إساف ونائل
قال ابن هشام: وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى.
ما كان يفعله العرب مع الأصنام:
قال ابن إسحاق: واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره، وإذا
ـــــــ
أشياخه: أن كل ملكان في العرب فهو ملكان بكسر الميم إلا ملكان في جرم بن زبان2.
قال المؤلف: وابن حبيب النسابة مصروف اسم أبيه ورأيت لابن المغربي قال إنما هو ابن حبيب بفتح الباء غير مجرى، لأنها أمه وأنكر ذلك عليه غيره،
ـــــــ
1 وكان أحد هذين الصنمين أولا بلصق الكعبة، والآخر في موضع زمزم، فنقلت قريش الذي كان بلصق الكعبة إلى الآخر، فكانا في موضعهما هذا.
2 في "اللسان": كل ما في العرب ملكان بكير الميم وسكون اللام إلا ملكان بفتح فسكون ابن جرم بن زبان.

(1/218)


....................................................
ـــــــ
وقالوا: هو حبيب بن المحبر معروف غير منكر وإنما ذكرناه هاهنا لما حكينا قوله في ملكان.
فصل:
وذكر إسافا ونائلة وأنهما رجل وامرأة من جرهم، وأن إسافا وقع عليها في الكعبة فمسخا، وأخرجه رزين في فضائل مكة عن بعض السلف ما أمهلهما الله إلى أن يفجرا فيها، ولكنه قبلها، فمسخا1 حجرين فأخرجا إلى الصفا والمروة، فنصبا عليهما، ليكونا عبرة وموعظة فلما كان عمرو بن لحي نقلهما إلى الكعبة، ونصبهما على زمزم، فطاف الناس بالكعبة وبهما، حتى عبدا من دون الله.
وأما هبل فإن عمرو بن لحي جاء به من هيت2، وهي من أرض الجزيرة حتى وضعه في الكعبة. وذكر الواقدي أن نائلة حين كسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح خرجت منها سوداء شمطاء تخمش وجهها، وتنادي بالويل والثبور وذكر باقي الحديث.
وقول عائشة "أحدثا في الكعبة" أرادت الحدث الذي هو الفجور كما قال - عليه السلام – "من أحدث [فيها] حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله [والملائكة والناس أجمعين]" . وقال عمر حين كانت الزلزلة بالمدينة: "أحدثتم. والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم".
وقول أبي طالب: من إساف ونائل وهو ترخيم في غير النداء للضرورة كما قال أمال بن حنظل. وذكر قول الشاعر:
ـــــــ
1 ذكر المسعودي رأيا مفاده: أن إسافاً ونائلة حجران نحتا ومثلا بالفاجرين إساف ونائلة. انظر: "مروج الذهب" 2/50.
2 سميت باسم بانيها هيت بن البندي، وهي بلدة على الفرات فوق الأنبار على جهة البرية غربي الفرات.

(1/219)


قدم من سفره تمسح به فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله فلما بعث الله رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد قالت قريش : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5] وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجاب وتهدي لها كما تهدي للكعبة وتطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها، وهي تعرف فضل الكعبة عليها ; لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم الخليل ومسجده.
العزى وسدنتها:
فكانت لقريش وبني كنانة: العزى بنخلة1، وكان سدنتها وحجابها بنو شيبان من سليم، حلفاء بني هاشم.
قال ابن هشام: حلفاء بني أبي طالب خاصة وسليم سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان.
قال ابن إسحاق: فقال شاعر من العرب:
لقد أنكحت أسماء رأس بقيرة ... من الأدم أهداها امرئ من بني غنم
رأى قدعا في عينها إذ يسوقها ... إلى غبغب العزى فوسع في القسم
ـــــــ
رأى قدعا في عينها. والقدع: ضعف البصر من إدمان النظر.
وقوله في الغبغب: وهو المنحر2 ومراق الدم كانه سمي بحكاية صوت الدم عند انبعاثه ويجوز أن يكون مقلوبا من قولهم بئر بغبغ وبغيبغ إذا كانت كثيرة الماء. قال الراجز بغيبغ قصيرة الرشاء. ومنه قيل لعين أبي نيزر البغيبغة. ومعنى هذا البيت الذم وتشبيه هذا المهجو برأس بقرة قد قربت أن يذهب بصرها، فلا تصلح إلا للذبح والقسم.
ـــــــ
1 هي نخلة الشامية، وكانت العزى بواد منها، يقال لها الحرض، وقد حمت قريش العزى شعباً من واد الحراض، يقال له: سقام, يضاهون به حرم مكة.
2 قيل: كان لمتعب بن قيس بيت كانوا يحجون إليه يقال له: الغبغب.

(1/220)


وكذلك كانوا يصنعون إذا نحروا هديا قسموه في من حضرهم. والغبغب المنحر ومهراق الدماء.
قال ابن هشام: وهذان البيتان لأبي خراش الهذلي1 واسمه خويلد بن مرة في أبيات له.
معنى السدنة:
والسدنة: الذين يقومون بأمر الكعبة. قال رؤبة بن العجاج:
فلا ورب الآمنات القطن2 ... بمحبس الهدي وبيت المسدن
وهذان البيتان في أرجوزة له وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه.
اللآت وسدنتها:
قال ابن إسحاق: وكانت اللات لثقيف بالطائف، وكان سدنتها وحجابها بنو معتب من ثقيف.
قال ابن هشام: وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه.
مناة وسدنتها وهدمها:
قال ابن إسحاق: وكانت مناة للأوس والخزرج، ومن دان بدينهم من أهل يثرب، على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد.
قال ابن هشام: وقال الكميت بن زيد أحد بني أسد بن مدركة:
وقد آلت قبائل لا تولي ... مناة ظهورها متحرفينا
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن هشام: فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها أبا سفيان بن حرب فهدمها، ويقال: علي بن أبي طالب.
ـــــــ
1 قال أبو خراش هذا الشعر يهجو به رجلا تزوج امرأة جميلة يقال لها أسماء.
2 يريد حمام مكة، لأنه آمن في حرمه، والأرجوزة في ديوانه.

(1/221)


ذو الخصلة وسدنته وهدمه:
قال ابن إسحاق: وكان ذو الخلصة1 لدوس وخثعم وبجيلة، ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة.
قال ابن هشام: ويقال: ذو الخلصة. قال رجل من العرب:
لو كنت يا ذا الخلص الموتورا ... مثلي وكان شيخك المقبورا
لم تنه عن قتل العداة زورا
قال وكان أبوه قتل فأراد الطلب بثأره فأتى ذا الخلصة فاستقسم عنده بالأزلام فخرج السهم بنهيه عن ذلك فقال هذه الأبيات. ومن الناس من ينحلها امرأ القيس بن حجر الكندي، فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرير بن عبد الله البجلي، فهدمه.
ـــــــ
وذكر فلسا في بلاد طيئ بين أجأ وسلمى. ويذكر عن ابن الكلبي أو غيره أن أجأ اسم رجل بعينه وهو أجأ بن عبد الحي وكان فجر بسلمى بنت حام، أو اتهم بذلك فصلبا في ذينك الجبلين وعندهما جبل يقال له العوجاء، وكانت العوجاء حاضنة سلمى - فيما ذكر - وكانت السفير بينها وبين أجأ، فصلبت في الجبل الثالث فسمي بها.
وذكر ذا الخلصة وهو بيت دوس. والخلص في اللغة نبات طيب الريح يتعلق بالشجر له حب كعنب الثعلب. وجمع الخلصة خلص. وأن الذي استقسم بالأزلام هو امرؤ القيس بن حجر. ووقع في كتاب أبي الفرج أن امرأ القيس بن حجر حين وترته بنو أسد بقتل أبيه استقسم عند ذي الخلصة بثلاثة أزلام وهي الزاجر والآمر والمتربص فخرج له الزاجر فسب الصنم ورماه بالحجارة وقال له اعضض ببظر أمك، وقال الرجز الذي ذكره ابن إسحاق: لو كنت يا ذا الخلص
ـــــــ
1 وكان ذو الخلصة مروة بيضاء منقوشة عليها كهيئة التاج، وكان سدنتها بنو أمامة من باهلة ابن أعصر.

(1/222)


....................................................
ـــــــ
الموتورا. إلى آخره ولم يستقسم أحد عند ذي الخلصة بعد حتى جاء الإسلام وموضعه اليوم مسجد جامع لبلدة يقال لها: العبلات من أرض خثعم. ذكره المبرد عن أبي عبيدة. واسم امرئ القيس حندج والحندج بقلة تنبت في الرمل. والقيس الشدة والنجدة. قال الشاعر:
وأنت على الأعداء قيس ونجدة ... وأنت على الأدنى هشام ونوفل1
والنسب إليه مرقسي، وإلى كل امرئ القيس سواه امرئي2. وقد قيل إن حندجا اسم امرئ القيس بن عابس وله صحبة وهو كندي مثل الأول فوقع الغلط من ههنا.
وقوله لم تنه عن قتل العداة زورا. نصب: زورا على الحال من المصدر الذي هو النهي. أراد نهيا زورا. وانتصاب المصدر على هذه الصورة إنما هو حال أو مفعول مطلق فإذا حذفت المصدر وأقمت الصفة مقامه لم تكن إلا حالا، والدليل على ذلك أنك تقول ساروا شديدا، وساروا رويدا، فإن رددته إلى ما لم يسم فاعله لم يجز رفعه لأنه حال ولو لفظت بالمصدر فقلت: ساروا سيرا رويدا لجاز أن تقول فيما لم يسم فاعله سير عليه سير رويد هذا كله معنى قول سيبويه، فدل على أن حكمه إذا لفظ به غير حكمه إذا حذف والسر في ذلك أن الصفة لا تقوم مقام المفعول إذا حذف. لا تقول كلمت شديدا، ولا ضربت طويلا، يقبح ذلك إذا كانت الصفة عامة والحال ليست كذلك لأنها تجري مجرى الظرف وإن كانت صفة فموصوفها معها، وهو الاسم الذي هي حال له ومن هذا الباب قوله تعالى : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون: 115].
وذكر بعث جرير البجلي إلى هدم ذي الخلصة وذلك قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -
ـــــــ
1 حندح أيضاً: الكثيب من الرمل الصغير، وهو مركب من مراكب النساء انظر: "الاشتقاق".
2 النسب إلى المركب-كما قال أبو حيان في "الارتشاف"- يكون إلى صدره.

(1/223)


فلس وسدنته وهدمه:
قال ابن إسحاق: وكانت فلس الطيئ ومن يليها بجبلي طيئ يعني سلمى وأجأ.
قال ابن هشام: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إليها علي بن أبي طالب فهدمها، فوجد فيها سيفين يقال لأحدهما: الرسوب، وللآخر المخذم. فأتى بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوهبهما له فهما سيفا علي رضي الله عنه.
قال ابن إسحاق: وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له رئام.
قال ابن هشام: قد ذكرت حديثه فيما مضى.
رضاء وسدنته:
قال ابن إسحاق: وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام:
ولقد شددت على رضاء شدة ... فتركتها قفرا بقاع أسحما1
ـــــــ
بشهرين أو نحوهما، قال جرير: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مائة وخمسين راكبا من أحمس إلى الخلصة فقلت: يا رسول الله إني لا أثبت على الخيل فدعا لي، وقال: "اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا" وفي "كتاب مسلم" في هذا الحديث "وكان يقال له الكعبة اليمانية والشآمية"، وهذا مشكل ومعناه كان يقال الكعبة اليمانية والشامية2 يعنون بالشآمية البيت الحرام، فزيادة له سهو وبإسقاطه يصح
ـــــــ
1 القاع: المنخفض من الأرض، ورواية هذا الشطر في "الأصنام":
فتركتها تلاً تنازع أسحما
2 في "البخاري" أو الشآمية، وفي "مسلم" رواية أخرى: "كان يدعى كعبة اليمانية" فقط.

(1/224)


قال ابن هشام: قوله:
فتركتها قفرا بقاع أسحما
عن رجل من بني سعد.
المستوغل وعمره:
ويقال: إن المستوغر عمر ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وكان أطول مضر كلها عمرا، وهو الذي يقول:
ـــــــ
المعنى. قاله بعض المحدثين1 والحديث في جامع البخاري بزيادة له كما في صحيح مسلم، وليس هذا عندي بسهو وإنما معناه كان يقال له أي يقال من أجله الكعبة الشآمية للكعبة وهو الكعبة اليمانية، وله بمعنى من أجله لا تنكر كما قال ابن أبي ربيعة:
وقمير من آخر الليل قد لا ... ح له قالت الفتاتان قوما
وذو الخلصة بضم الخاء واللام في قول ابن إسحاق، وبفتحهما في قول ابن هشام، هو صنم سيعبد في آخر الزمان ثبت في الحديث أنه "لا تقوم الساعة حتى تصطفق أليات نساء دوس وخثعم حول ذي الخلصة" .
فصل: وذكر المستوغر بن ربيعة، واسمه كعب. قال ابن دريد سمي مستوغرا بقوله:
ينش الماء في الربلات منه ... نشيش الرضف في اللبن الوغير
والوغير فعيل من وغرة الحر وهي شدته وذكر القتبي أن المستوغر حضر سوق عكاظ، ومعه ابن ابنه وقد هرم والجد يقوده فقال له رجل ارفق بهذا الشيخ فقد طال ما رفق بك، فقال ومن تراه؟ فقال هو أبوك أو جدك، فقال ما
ـــــــ
1 قال الكرماني: الضمير في له: راجع إلى البيت،والمراد: بيت الصنم.

(1/225)


ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وعمرت من عدد السنين مئينا
مائة حدتها بعدها مئتان لي ... وازددت من عدد الشهور سنينا
هل ما بقي إلا كما قد فاتنا ... يوم يمر، وليلة تحدونا
وبعض الناس يروي هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي.
ذو الكعبات وسدنته:
قال ابن إسحاق: وكان ذو الكعباتلبكر وتغلب ابني وائل وإياد بسنداد وله يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة.
ـــــــ
هو إلا ابن ابني فقال ما رأيت كاليوم ولا المستوغر بن ربيعة فقال أنا المستوغر. والأبيات التي أنشدها له:
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وعمرت من عدد السنين مئينا
إلى آخره. ذكر أنها تروى لزهير بن جناب الكلبي وهو زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن غذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة. وزهير هذا من المعمرين1 وهو الذي يقول:
أبني إن أهلك فإني ... قد بنيت لكم بنيه
وتركتكم أولاد سادا ... ت زنادهم وريه
من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه2
ـــــــ
1 قيل: إنه عاش عشرين ومائتي عام.
2 رواها المرتضى في "أماليه" هكذا:
وتركتكم أرباب سادات ... زنادكم ورية

(1/226)


بين الخورنق والسدير وبارق ... والبيت ذي الكعبات من سنداد
قال ابن هشام: وهذا البيت للأسود بن يعفر النهشلي نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم في قصيدة له وأنشدنيه أبو محرز خلف الأحمر:
أهل الخورنق والسدير وبارق ... والبيت ذي الشرفات من سنداد
__________
يريد بالتحية البقاء وقيل الملك وأعقب هو وإخوته قبائل في كلب وهم زهير وعدي وحارثة ومالك ويعرف مالك هذا بالأصم لقوله:
أصم عن الخنا إن قيل يوما ... وفي غير الخنا ألفى سميعا1
وأخوه حارثة بن جناب وعليم بن جناب ومن بني عليم بنو زيد غير مصروف. عرفوا بأمهم زيد بنت مالك وهم بنو كعب بن عليم منهم الرباب بنت امرئ القيس2 امرأة الحسين بن علي وفيها يقول:
أحب لحبها زيدا جميعا ... ونثلة كلها، وبني الرباب
وأخرى لأنها من آل لأم ... أحبهم وطر بني جناب
فمن المعمرين من العرب سوى المستوغر مما زادوا على المائتين والثلاثمائة: زهير هذا، وعبيد بن شرية ودغفل بن حنظلة النسابة والربيع بن ضبع الفزاري، وذو الإصبع [حرثان بن محرث] العدواني، ونصر بن دهمان بن أشجع بن ريث بن غطفان، وكان قد اسود رأسه بعد ابيضاضه وتقوم ظهره بعد انحنائه وفيه يقول القائل:
لنصر بن دهمان الهنيدة عاشها ... وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا
ـــــــ
1 الخنا: الفاحشة.
2 هي أم ولديه: عبد الله الذي قتل صغيراً مع أبيه، وسكينة. والرباب: أمهما وهي بنت امرئ القيس.

(1/227)


....................................................
ـــــــ
وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه ... ولكنه من بعد ذلك قد ماتا
وأمره عند العرب من أعجب العجب ومن أطول المعمرين عمرا: ذويد واسمه زيد بن نهد من قضاعة1، وأبوه نهد إليه ينسب الحي المعروفون من قضاعة: بنو نهد بن زيد عاش ذويد أربعمائة عام - فيما ذكروا - وكان له آثار في العرب، ووقائع وغارات فلما جاء الموت قال:
اليوم يبنى لذويد بيته ... ومغنم يوم الوغى حويته
ومعصم موشم لويته ... لو كان للدهر بلى أبليته
أو كان قرني واحدا كفيته
وقول المستوغر:
ولقد شددت على رضاء شدة ... فتركتها قفرا بقاع أسحما
يريد تركتها سحماء من آثار النار وبعده:
وأعان عبد الله في مكروهها ... وبمثل عبد الله أغشى المحرما
ذكر ذا الكعبات بيت وائل وأنشد للأسود بن يعفر:
أرض الخورنق والسدير ودارم ... والبيت ذي الشرفات من سنداد2
والخورنق: قصر بناه النعمان الأكبر ملك الحيرة لسابور ليكون ولده فيه عنده وبناه بنيانا عجميا لم تر العرب مثله واسم الذي بناه له سنمار وهو الذي ردي من أعلاه حتى قالت العرب: جزاني جزاء سنمار وذلك أنه لما تم الخورنق، وعجب الناس من حسنه قال سنمار أما والله لو شئت حين بنيته جعلته يدور مع
ـــــــ
1 الهنيدة :اسم لكل مائة من الإبل، وقيل: هي المائتان, وانصات المنحنى: استوت قامته.
2 البيت مخالف بعض المخالفة لما في "السيرة".

(1/228)


....................................................
ـــــــ
الشمس حيث دارت فقال له الملك أإنك لتحسن أن تبني أجمل من هذا؟ وغارت نفسه أن يبتنى لغيره مثله وأمر به فطرح من أعلاه وكان بناه في عشرين سنة قال الشاعر [عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي]:
جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
سوى رصه البنيان عشرين حجة ... يعلى عليه بالقرامد والسكب
فلما انتهى البنيان يوما تمامه ... وآض كمثل الطود والباذخ الصعب
وظن سنمار به كل حبوة ... وفاز لديه بالمودة والقرب
رمى بسنمار على حاق رأسه ... وذاك لعمر الله من أقبح الخطب1
ذكر هذا الشعر الجاحظ في كتاب الحيوان والسنمار من أسماء القمر وأول شعر الأسود:
ذهب الرقاد فما أحس رقادي.
وفيها يقول:
ولقد عمرت وإن تطاول في المدى ... إن السبيل سبيل ذي الأعواد
قيل يريد بالأعواد النعش وقيل أراد عامر بن الظرب الذي قرعت له العصا بالعود من الهرم والخرف وفيها يقول:
ماذا أؤمل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إياد
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد
أرض الخورنق والسدير وبارق ... والبيت ذي الكعبات من سنداد
جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعاد
ـــــــ
1 القصيدة لعبد العزى بن امرئ القيس الكلبي، والقراميد: مفرده: قرمد، وهو الآخر. والسكب: النحاس أو الرصاص، وآض الشيء: تحول. انظر "الطبري" 2/65. و"الحيوان" 1/12.

(1/229)


ـــــــ
وأرى النعيم وكل ما يلهى به ... يوما يصير إلى بلى ونفاد
ومعنى السدير بالفارسية بيت الملك. يقولون له "سهدلي" أي له ثلاث شعب وقال البكري: سمي السدير ; لأن الأعراب كانوا يرفعون أبصارهم إليه فتسدر من علوه يقال سدر بصره إذا تحير.

(1/230)