الروض
الأنف ت الوكيل (غَرِيبُ حَدِيثِ تُبّعٍ) ذَكَرَ فِيهِ:
فَجَدّ عَذْق الْمَلِكِ. الْعَذْقُ: النّخْلَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ،
وَالْعِذْق بِالْكَسْرَةِ: الْكِبَاسَةُ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ التّمْرِ،
وَذَكَرَ فِي نَسَبِ قُرَيْظَةَ وَالنّضِيرِ عَمْرًا، وَهُوَ هَدَلٌ
بِفَتْحِ الدّالّ، وَالْهَاءُ، كَأَنّهُ مَصْدَرُ هَدَلَ هَدْلًا إذَا
استرخت
(1/166)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شَفَتُهُ، وَذَكَرَهُ الْأَمِيرُ ابْنُ مَاكُولَا عَنْ أَبِي عَبْدَةَ
النّسّابَةِ فَقَالَ فِيهِ: هَدْلٌ بِسُكُونِ الدّالِ.
وذكر فيه بن التّوْمَانِ عَلَى وَزْنِ فَعَلَانِ، كَأَنّهُ مِنْ لَفْظِ
التّوَمِ «1» ، وَهُوَ الدّرّ أَوْ نَحْوُهُ.
وَفِيهِ ابْنُ السّبْطِ بِكَسْرِ السّينِ، وَفِيهِ ابْنُ تَنْحوم بِفَتْحِ
التّاءِ وَسُكُونِ النّونِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ عِبْرَانِيّ،
وَكَذَلِكَ عازَر وَعِزْرَى بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ عِزْري.
وقاهث، وَبِالتّاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِاثْنَتَيْنِ. وَهَكَذَا وَقَعَ فِي
نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ.
وَفِي غَيْرِهَا بِالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ، وَكُلّهَا عِبْرَانِيّةٌ.
وَكَذَلِكَ إسْرَائِيلُ، وَتَفْصِيلُهُ بِالْعَرَبِيّةِ:
سَرِيّ اللهِ.
وَقَوْلُهُ فِي شِعْرِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: أَصَحَا أَمْ قَدْ
نَهَى ذُكَرَه «2» . الذّكر:
__________
(1) مفردة: تومة بضم التاء وفتح الميم، والجمع توم، بضم التاء وسكون الواو
أو فتحها.
(2) الذكر بكسر الذال، والذكرى والذكر بضم الذال ضد النسيان، وفى الشافية
عن جمع ما آخره ألف التأنيث: «وتكسيره على ضربين. الأول: أن يجمع الجمع
الأقصى وذلك إذا اعتد بالألف، فيقال فى المقصورة فعال: وفعالى- بفتح الفاء-
فى الاسم كدعاو ودعاوى، وفى الصفة: فعالى- بفتح الفاء واللام- بالألف لا
غير كحبالى وخناثى: والثانى أن يجمع على فعال- بكسر الفاء- كإناث وعطاش
وبطاح وعشار فى أنثى وعطشى وبطحاء وعشراء- بضم العين وفتح الشين-، وإنما
يجئ هذا الجمع فيما لا يجئ فيه الجمع الأقصى، فلما قالوا: إناث لم يقولوا:
أناثى. ولما قالوا: خناثى لم يقولوا: خناث «ورد فى اللسان والقاموس: أناثى
وخناث» وكان الأصل فى هذا الباب الجمع الأقصى اعتدادا بألف التأنيث
للزومها، فتجعل كلام الكلمة، -
(1/167)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جَمْعُ ذِكْرَةٍ. كَمَا تَقُولُ: بُكْرَةٌ وَبُكَر، وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي
هَذَا الْمَعْنَى ذِكْرَى بِالْأَلْفِ، وَقَلّمَا يُجْمَعُ فِعْلى عَلَى
فُعَل، وَإِنّمَا يُجْمَعُ عَلَى فِعَالٍ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ فِي هَذَا
الْبَيْتِ جَمْعَ: ذِكْرَى، وَشَبّهَ أَلِفَ التّأْنِيثِ بِهَاءِ
التّأْنِيثِ، فَلَهُ وجه:
قد يحملون الشئ على الشئ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ: ذِكْرُك الشّبَابَ أَوْ عُصُرَهْ، أَرَادَ: أَوْ عُصُرَهْ.
وَالْعَصْرُ وَالْعُصُر لُغَتَانِ. وَحُرّكَ الصّادَ بِالضّمّ «1» قَالَ
ابْنُ جِنّي: ليس شئ عَلَى وَزْنِ فِعْلٍ بِسُكُونِ الْعَيْنِ، يَمْتَنِعُ
فِيهِ فُعُل.
وَقَوْلُهُ: إنّهَا حَرْبٌ رَبَاعِيَةٌ. مَثَلٌ. أَيْ: ليست بصغيرة ولا
جذعة «2» .
__________
- وأما حذفها فى الجمع على فعال، فنظرا إلى كون الألف علامة للتأنيث، فيكون
كالتاء، فيجمع الكلمة بعد إسقاطه، كما فى التاء، فيجعل نحو: عطشى وبطحاء
وأنثى كقصعة وبرمة، فيكون عطاش وبطاح وإناث كقصاع وبرام» ص 158 وما بعدها ج
2 شرح الشافية.
(1) العصر مثلثة العين وبضمتين: الدهر، وجمعها: أعصار وعصور وأعصر وعصر
بضمتين. ويقول ابن مالك فى كتابه «الإعلام بمثلث الكلام»
والقزّ ذو تقزّزّ والدهر ... يقال فيه عصر أو عصر
والعصر مروىّ كذاك العصر ... ثم الصّوان محفظ الثياب
(2) الجذعة قبل الثنىّ، والثنى التى ألقت ثنيّتها فى السنة الثالثة إذا
كانت من ذات الظلف والحافر، وفى السنة السادسة إذا كانت من ذات الخف.
والعوان: النصف فى سنها من كل شئ، والعوان من الحرب: التى قوتل فيها مرة
بعد مرة كأنهم جعلوا الأولى بكرا.
(1/168)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَلْ: هِيَ فَوْقَ ذَلِكَ، وَضُرِبَ سِنّ الرّبَاعِيَةِ مَثَلًا، كَمَا
يُقَالُ: حَرْبٌ عَوَانٌ لِأَنّ الْعَوَانَ أَقْوَى مِنْ الْفِتْيَةِ
وَأَدْرَبُ.
وَقَوْلُهُ: عَدْوًا مَعَ الزّهَرَهْ. يُرِيدُ: صَبّحَهُمْ بِغَلَسِ قَبْلَ
مَغِيبِ الزّهَرَةِ «1» وَقَوْلُهُ: أَبْدَانُهَا ذَفِرَهْ، يَعْنِي:
الدّرُوعَ. وَذَفِرَةٌ مِنْ الذّفَرِ. وَهِيَ. سُطُوعُ الرّائِحَةِ
طَيّبَةً كَانَتْ، أَوْ كَرِيهَةً «2» وَأَمّا الدّفْرُ، بِالدّالِ
الْمُهْمَلَةِ، فَإِنّمَا هُوَ فيما كره من الروائخ، وَمِنْهُ قِيلَ
لِلدّنْيَا: أُمّ دَفْرٍ، وَذَكَرَهُ الْقَالِيّ فِي الْأَمَالِي
بِتَحْرِيكِ الْفَاءِ، وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ، وَالدّفْرُ بِالسّكُونِ
أَيْضًا: الدّفْعُ «3» .
وَقَوْلُهُ: أَمّ النّجِرَةِ. جَمْعُ نَاجِرٍ، وَالنّاجِرُ وَالنّجّارُ:
بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَهَذَا كَمَا قِيلَ:
الْمَنَاذِرَة فِي بَنِي الْمُنْذِرِ وَالنّجّارُ، وَهُمْ: تَيْمُ اللهِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ، وَسُمّيَ النّجّارَ؛
لِأَنّهُ نَجَرَ وَجْهَ رَجُلٌ بِقَدّومِ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ
النّسَبِ «4» .
__________
(1) الغلس بفتحتين: ظلمة آخر الليل، والزهرة بضم الزاى وفتح الهاء كوكب
شديد اللمعان.
(2) ومن معانى الذفر أيضا بالذال مع فتح الفاء: الصّنان، رجل ذفر بكسر
الفاء أى: له صنان- بضم الصاد وفتح النون- وخبث ريح.
(3) وبالتحريك: وقوع الدود فى الطعام والدّلّ والنّتن. ويقال للدنيا: أم
دفار أيضا.
(4) فى الاشتقاق لابن دريد «من قبائل الخزرج: تيم الله بن ثعلبة وهو النجار
سمى النجار؛ لأنه ضرب رجلا فنجره أى: قطعه. فمن بنى النجار المنذر بن حرام
ابن عمرو الذى تحاكمت إليه الأوس والخزرج فى حربهم، وهو جد حسان بن ثابت بن
المنذر» ص 448 وما بعدها، وفى الإنباه لابن عبد البر: «وأما الخزرج فمن
بطونهم: النجار، واسمه: تَيْمُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الخزرج، وفى النجار بطون كثيرة» ص 110 وما بعدها.
(1/169)
بَلْ بَنِي النّجّارِ إنّ لَنَا ...
فِيهِمْ قَتْلَى، وَإِنّ تِرَه
فَتَلَقّتْهُمْ مُسَايِفَةٌ ... مُدّهَا كالغَبْية النّثِره
فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ طَلّةَ ... مَلّى الْإِلَهُ قَوْمَهُ عُمُرَهْ
سَيْدٌ سَامِي الْمُلُوكِ وَمَنْ ... رَامَ عَمْرًا لا يكن قدره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: فِيهِمْ قَتْلَى وَإِنّ تِرَه. أَظَهَرَ إنّ بَعْدَ الْوَاوِ.
أَرَادَ: إنّ لَنَا قَتْلَى وَتِرَةٌ، وَالتّرَةُ: الْوِتْرُ، فَأَظْهَرَ
الْمُضْمَرَ، وَهَذَا الْبَيْتُ شَاهِدٌ عَلَى أَنّ حُرُوفَ الْعَطْفَ
يُضْمَرُ بَعْدَهَا الْعَامِلُ الْمُتَقَدّمُ نَحْوُ قَوْلِك: إنّ زَيْدًا
وَعَمْرًا فِي الدّارِ، فَالتّقْدِيرُ:
إنّ زَيْدًا، وَإِنّ عَمْرًا فِي الدّارِ، وَدَلّتْ الْوَاوُ عَلَى مَا
أَرَدْت، وَإِنْ احْتَجْت إلَى الْإِظْهَارِ أُظْهِرَتْ؛ كَمَا فِي هَذَا
الْبَيْتِ إلّا أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ الْجَامِعَةُ فِي نَحْوِ اخْتَصَمَ
زَيْدٌ وَعَمْرٌو، فَلَيْسَ ثَمّ إضْمَارٌ لِقِيَامِ الْوَاوِ مَقَامَ
صِيغَةِ التّثْنِيَةِ، كَأَنّك قُلْت: اخْتَصَمَ هَذَانِ، وَعَلَى هَذَا
تَقُولُ: طَلَعَ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَتُغَلّبُ الْمُذَكّرَ، كَأَنّك
قُلْت: طَلَعَ هَذَانِ النّيرَانِ، فَإِنْ جَعَلْت الْوَاوَ، هِيَ الّتِي
تُضْمَرُ بَعْدَهَا الْفِعْلُ، قُلْت: طَلَعَتْ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ،
وَتَقُولُ فى نفى المسئلة الأولى: ما طلع الشمس والقمر، ونفى المسئلة
الثّانِيَةِ: مَا طَلَعَتْ الشّمْسُ، وَلَا الْقَمَرُ تُعِيدُ حَرْفَ
النّفْيِ. لِيَنْتَفِيَ بِهِ الْفِعْلُ الْمُضْمَرُ. وَيَتَفَرّعُ مِنْ
هَذَا الْأَصْلِ فِي النّحْوِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ، لَا نُطَوّلُ
بِذِكْرِهَا.
وَقَوْلُهُ: فَتَلَقّتْهُمْ مُسَايِفَةٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ أَيْ كَتِيبَةٌ
مُسَايِفَةٌ. وَلَوْ فَتَحْت الْيَاءَ، فَقُلْت: مُسَايَفَةٌ لَكَانَ
حَالًا مِنْ الْمَصْدَرِ الّتِي تَكُونُ أَحْوَالًا مِثْلَ: كَلّمْته
مُشَافَهَةً، وَلَعَلّ هَذِهِ الْحَالُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ذِكْرٌ فِي
الْكِتَابِ، فَنَكْشِفُ عَنْ سِرّهَا، وَنُبَيّنُ مَا خَفِيَ عَلَى النّاسِ
مِنْ أَمْرِهَا، وَفِي غَيْرِ نُسْخَةٍ الشّيْخُ: فتلقّتهم
(1/170)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُسَابَقَةً بِالْبَاءِ وَالْقَافِ. وَالْغَبْيَةُ: الدّفْعَةُ مِنْ
الْمَطَرِ «1» .
وَقَوْلُهُ: النّثِرَةِ أَيْ: الْمُنْتَثِرَةِ، وَهِيَ الّتِي لَا تُمْسِكُ
مَاءً. وَقَوْلُهُ: [مَلّى] الْإِلَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَمَلّيْت حَيْنًا
أَيْ: عِشْت مَعَهُ حَيْنًا، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَلَاوَةِ
وَالْمَلَوَيْنِ «2» قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
أَلَا يَا دِيَارَ الْحَيّ بِالسّبُعَانِ ... أَمَلّ عَلَيْهَا بِالْبِلَى
الْمَلَوَانِ
أَلَا يَا دِيَارَ الْحَيّ لَا هَجْرَ بَيْنَنَا ... وَلَا كُنّ رَوْعَاتٍ
مِنْ الْحَدَثَانِ
نَهَارٌ وَلَيْلٌ دَائِبٌ مَلَوَاهُمَا ... عَلَى كُلّ حَالِ الناس يختلفان
«3»
__________
(1) وأيضا: الصب، الكثير من الماء والسياط، ومن التراب ما سطح من غباره
كالغباء ومسايفة بكسر الياء قوم يتقاتلون بالسيوف، ومسايفة بفتحها فمعناه:
مقاتلة يعنى المصدر «الخشنى» .
(2) ملاه الله العيش وأملاه، وملّاك الله حبيبك: أمتعك به وأعاشك معه
طويلا، وتملى عمره: استمتع فيه، وتملى إخوانه: متع بهم، وتملى العيش أمهل
له وطول. والملاوة مثلثة الميم: مدة العيش. والملوان: الليل والنهار أو
طرفاهما الواحد: ملا. وتنسب الأبيات إلى ابن مقبل.
(3) السبعان لم يأت على فعلان سواها، وهى موضع فى ديار بكر أو ديار قيس،
وأمل: دأب ولازم. الحدثان: الليل والنهار ونوائب الدهر وحوادثه. هذا
والقصيدة التى شرحها السهيلى توجد فى ص 106 ج 2 من الطبرى طبع المعارف،
وبينها وبين ما فى سيرة ابن هشام اختلاف. ففى البيت الأول مثلا: انتهى فى
الطبرى بدلا من قد نهى. والبيت الرابع هكذا فى الطبرى.
فسلا عمران أو فسلا ... أسدا إذ يغدو مع الزهرة
والبيت التاسع فى السيرة غير موجود فى الطبرى. إلخ
(1/171)
وَهَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ
يَزْعُمُونَ أَنّهُ إنّمَا كَانَ حَنَقُ تُبّعٍ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ
يَهُودَ الّذِينَ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَإِنّمَا أَرَادَ
هَلَاكَهُمْ، فَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ، حَتّى انْصَرَفَ عَنْهُمْ، وَلِذَلِكَ
قَالَ فِي شِعْرِهِ:
حَنَقًا عَلَى سِبْطَيْنِ حَلّا يَثْرِبَا ... أَوْلَى لَهُمْ بِعِقَابِ
يَوْمٍ مُفْسِد
قَالَ ابن هشام: الشعر الذى فيه هَذَا الْبَيْتِ مَصْنُوعٌ، فَذَلِكَ
الّذِي مَنَعَنَا مِنْ إثباته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَعْنَى قَوْلِ الشّاعِرِ: دَائِبٌ مَلَوَاهُمَا. وَالْمَلَوَانِ: اللّيْلُ
والنهار. وهو مشكل؛ لأن الشئ لَا يُضَافُ إلَى نَفْسِهِ. لَكِنّهُ جَازَ
هَهُنَا لِأَنّ الْمَلَا هُوَ:
الْمُتّسَعُ مِنْ الزّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَسُمّيَ اللّيْلُ وَالنّهَارُ:
مَلَوَيْنِ، لِانْفِسَاحِهِمَا، فَكَأَنّهُ وَصْفٌ لَهُمَا، لَا عِبَارَةَ
عَنْ ذَاتَيْهِمَا؛ وَلِذَلِكَ جَازَتْ إضَافَتُهُ إلَيْهَا، فَقَالَ:
دَائِبٌ مَلَوَاهُمَا أَيْ: مُدّاهُمَا وَانْفِسَاحُهُمَا. وَقَدْ رَأَيْت
مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَيْتِ بِعَيْنِهِ لِأَبِي عَلِيّ
الفسوري فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ الشّيرَازِيّةِ.
وَقَوْلُهُ: لَا يَكُنْ قَدَرُهُ. دُعَاءُ عَلَيْهِ: وَالْهَاءُ عَائِدَةٌ
عَلَى عَمْرٍو. أَرَادَ لَا يَكُنْ قَدَرٌ عَلَيْهِ. وَحُذِفَ حَرْفُ
الْجَرّ، فَتَعَدّى الْفِعْلُ، فَنَصَبَ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ
الْجَرّ فِي كُلّ فِعْلٍ، وَإِنّمَا جَازَ فِي هَذَا، لِأَنّهُ فِي
مَعْنَى: اسْتَطَاعَهُ، أَوْ أَطَاعَهُ، فَحَمَلَ عَلَى مَا هُوَ فِي
مَعْنَاهُ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ، وَالْبَيْتُ الّذِي أَنْشَدَهُ:
لَيْتَ حَظّي مِنْ أَبِي كَرِبٍ «1» ... أَنْ يَسُدّ خيره خبله
__________
(1) هو ابن ملك كرب يهأ من الذى كان على اليمن سنة 378 للميلاد، وقد تولى
أبو كرب الملك من سنة 400 بعد الميلاد حتى حوالى سنة 415 أو 420-
(1/172)
[تبان يعتنق
النصرانية ويدعوا قومه إليها:]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ تُبّعٌ وَقَوْمُهُ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ
يَعْبُدُونَهَا، فَتَوَجّهَ إلَى مَكّةَ، وَهِيَ طَرِيقُهُ إلَى الْيَمَنِ،
حَتّى إذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفان، وأمج، أتاه نفر من هُذَيْلٍ بْنِ
مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ، فَقَالُوا
لَهُ: أَيّهَا الملك، ألاندلك على بيت مال دائر، أَغَفَلَتْهُ الْمُلُوكُ
قَبْلَك، فِيهِ اللّؤْلُؤُ وَالزّبَرْجَدُ وَالْيَاقُوتُ وَالذّهَبُ
وَالْفِضّةُ؟ قَالَ: بَلَى، قَالُوا: بَيْتٌ بِمَكّةَ يَعْبُدُهُ أَهْلُهُ،
وَيُصَلّونَ عِنْدَهُ.
وَإِنّمَا أَرَادَ الْهُذَلِيّونَ هَلَاكَهُ بِذَلِكَ، لِمَا عَرَفُوا مِنْ
هَلَاكِ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ الْمُلُوكِ وَبَغَى عِنْدَهُ. فَلَمّا
أَجْمَعَ لِمَا قَالُوا، أَرْسَلَ إلَى الْحَبْرَيْنِ، فَسَأَلَهُمَا عَنْ
ذلك، فقالا له:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ الْبَرْقِيّ: نُسِبَ هَذَا الْبَيْتُ إلَى الْأَعْشَى، وَلَمْ يَصِحّ
قَالَ: وَإِنّمَا هُوَ لِعَجُوزِ مِنْ بَنِي سَالِمٍ. أَحَبّهُ قَالَ فِي
اسْمِهَا: جَمِيلَةُ، قَالَتْهُ حِينَ جَاءَ مَالِكُ بْنُ الْعَجْلَانِ
بِخَبَرِ تبّع، فدخل سرا، فقال لقومه: قذ جَاءَ تُبّعٌ، فَقَالَتْ
الْعَجُوزُ الْبَيْتَ.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ تُبّعٍ: وَقَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنّ حَنَقَهُ إنّمَا
كَانَ عَلَى هَذَيْنِ السّبْطَيْنِ مِنْ يَهُودَ يُقَوّي مَا ذَكَرْنَاهُ
قَبْلَ هَذَا عَنْهُ.
وَالشّعْرُ الّذِي زَعَمَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّهُ مَصْنُوعٌ قَدْ ذَكَرَهُ
فِي كِتَابِ التّيجَانِ، وَهُوَ قَصِيدٌ مُطَوّلٌ أَوّلُهُ:
مَا بَالُ عَيْنِك لَا تَنَامُ، كَأَنّمَا ... كُحِلَتْ مآقيها بسّم الأسود
__________
- ويظهر أن عقيدة التوحيد كانت معروفة فى عهده، وفى عهد من جاءوا بعده، فقد
ورد فى بعض النصوص أن أباه ملك كرب وابنيه «أبو كرب أسعد و «ورا أمر أيمن»
قد أقاموا معبدا للاله «ذو سموى» أى إله السماء فى سنة 378 م انظر ج 3 ص
152 تاريخ العرب قبل الإسلام.
(1/173)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَنَقًا عَلَى سِبْطَيْنِ حَلّا يَثْرِبَا ... أَوْلَى لَهُمْ بِعِقَابِ
يَوْمٍ مُفْسِدِ
وَذَكَرَ فِي الْقَصِيدَةِ ذَا الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ الصّعْبُ بْنُ ذِي
مَرَاثِدَ، فَقَالَ فِيهِ:
وَلَقَدْ أَذَلّ الصّعْبُ صَعْبَ زَمَانِهِ ... وَأَنَاطَ عُرْوَةَ عِزّهُ
بِالْفَرْقَدِ
لَمْ يَدْفَعْ الْمَقْدُورَ عَنْهُ قُوّةً ... عِنْدَ الْمَنُونِ، وَلَا
سُمُوّ الْمَحْتِدِ
وَالصّنْعَةُ بَادِيَةٌ فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَفِي أَكْثَرِ شِعْرِهِ،
وَفِيهِ يَقُولُ:
فَأَتَى مَغَارَ الشّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِهَا ... فِي عَيْنِ ذِي خُلُبٍ
وَثَأْطَ حَرْمَدِ «1»
وَالْخُلُبُ: الطّينُ، وَالثّأَطُ الْحَرْمَدُ: وَهُوَ الْحَمَأُ
الْأَسْوَدُ، وَرَوَى نَقَلَةُ الْأَخْبَارِ أَنّ تُبّعًا لَمّا عَمِدَ
إلَى الْبَيْتِ يُرِيدُ إخْرَابَهُ رُمِيَ بِدَاءِ تَمَخّضَ مِنْهُ
رَأْسُهُ قَيْحًا وَصَدِيدًا يَثُجّ ثَجّا، وَأَنْتَنَ، حَتّى لَا
يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ قَيْدَ الرّمْحِ، وَقِيلَ:
بَلْ أُرْسِلَتْ عَلَيْهِ رِيحٌ كَتّعَتْ مِنْهُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ،
وَأَصَابَتْهُمْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ حَتّى دَفّتْ خَيْلُهُمْ «2» ،
فَسُمّيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ: الدّفّ، فَدَعَا بِالْحُزَاةِ «3»
وَالْأَطِبّاءِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ دَائِهِ، فَهَالَهُمْ مَا رَأَوْا
مِنْهُ، وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ فَرَجًا. فَعِنْدَ ذلك قال له الحبران:
لعلك هممت بشئ فِي أَمْرِ هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالَ: نَعَمْ أَرَدْت هدمه.
__________
(1) القصيدة بطولها فى الطبرى ص 109 ج 2 المعارف وليس فيها «ولقد أذل
الصعب» وما بعده. وهى ثلاثة وعشرون بيتا
(2) دف الشئ نسفه واستأصله.
(3) جمع حازى وهو الكاهن أو الذى ينظر فى النجوم ويقضى بها.
(1/174)
مَا أَرَادَ الْقَوْمُ إلّا هَلَاكَك
وَهَلَاكَ جُنْدِك. مَا نَعْلَمُ بَيْتًا لِلّهِ اتّخَذَهُ فِي الْأَرْضِ
لِنَفْسِهِ غَيْرَهُ، وَلَئِنْ فَعَلْت مَا دَعَوْك إلَيْهِ، لَتَهْلَكَن،
وَلَيَهْلَكَن مَنْ مَعَك جَمِيعًا، قَالَ: فَمَاذَا تَأْمُرَانِنِي أَنْ
أَصْنَعَ إذَا أَنَا قَدِمْت عَلَيْهِ؟ قَالَا: تَصْنَعُ عِنْدَهُ مَا
يَصْنَعُ أَهْلُهُ: تَطُوفُ بِهِ وَتُعَظّمُهُ وَتُكْرِمُهُ، وَتَحْلِقُ
رَأْسَك عِنْدَهُ وَتَذِلّ لَهُ، حَتّى تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ:
فَمَا يمنعكما أنتما من ذلك؟ قالا: أَمَا وَاَللهِ إنّهُ لَبَيْتُ أَبِينَا
إبْرَاهِيمَ، وَإِنّهُ لَكَمَا أَخْبَرْنَاك، وَلَكِنّ أَهْلَهُ حَالُوا
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بالأوثان التى نصبوها حوله، وبالدماء التى يهريقون
عِنْدَهُ، وَهُمْ نَجَسٌ أَهْلُ شِرْكٍ- أَوْ كَمَا قَالَا لَهُ- فَعَرَفَ
نُصْحَهُمَا وَصِدْقَ حَدِيثِهِمَا فَقَرّبَ النّفَرَ مِنْ هُذَيْلٍ،
فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمّ مَضَى حَتّى قَدِمَ مَكّةَ،
فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَنَحَرَ عِنْدَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَأَقَامَ
بِمَكّةَ سِتّةَ أَيّامٍ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- يَنْحَرُ بِهَا لِلنّاسِ،
وَيُطْعِمُ أَهْلَهَا، وَيَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ، وَأُرَى فِي الْمَنَامِ
أَنْ يَكْسُوَ البيت، فكساه الخصف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَقَالَا لَهُ: تُبْ إلَى اللهِ مِمّا نَوَيْت فَإِنّهُ بَيْتُ اللهِ
وَحَرَمُهُ، وَأَمَرَاهُ بِتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ فَفَعَلَ فَبَرِئَ مِنْ
دَائِهِ، وَصَحّ مِنْ وَجَعِهِ. وَأَخْلِقْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ
صَحِيحًا فَإِنّ اللهَ- سُبْحَانَهُ- يَقُولُ: «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ» الْحَجّ: 25. أَيْ:
وَمَنْ يُسْهِمُ فِيهِ بِظُلْمِ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِظُلْمِ تَدُلّ
عَلَى صِحّةِ الْمَعْنَى، وَأَنّ مَنْ هَمّ فِيهِ بِالظّلْمِ- وَإِنْ لَمْ
يَفْعَلْ- عُذّبَ تَشْدِيدًا فِي حَقّهِ وَتَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ،
وَكَمَا فَعَلَ اللهُ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَهْلَكَهُمْ قَبْلَ الْوُصُولِ
إلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: فَكَسَا الْبَيْتَ الْخَصَفَ. جَمَعَ: خَصَفَةً، وَهِيَ شئ
يُنْسَجُ مِنْ الْخَوْصِ وَاللّيفِ، وَالْخَصَفُ أَيْضًا: ثِيَابٌ غُلَاظٌ.
وَالْخَصَفُ لُغَةٌ فِي الْخَزَفِ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ. وَالْخُصْفُ
بِضَمّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الصّاد هُوَ: الْجَوْزُ.
وَيُرْوَى أَنّ تُبّعًا لَمّا كَسَا الْبَيْتَ الْمُسُوحَ وَالْأَنْطَاعَ.
انْتَفَضَ الْبَيْتَ فَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَفَعَلَ ذَلِكَ حِينَ كَسَاهُ
الْخَصَفَ، فَلَمّا كَسَاهُ الملاء والوصائل قبلها.
(1/175)
ثُمّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ
ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمَعَافِرَ، ثُمّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ
ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمُلَاءَ وَالْوَصَائِلَ، فَكَانَ تُبّعٌ- فيما
يزعمون- أَوّلَ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ، وَأَوْصَى بِهِ وُلَاتَهُ مِنْ
جُرْهُمٍ، وَأَمَرَهُمْ بِتَطْهِيرِهِ وَأَلّا يُقَرّبُوهُ دَمًا، ولا
ميتة، ولا مئلات، وَهِيَ الْمَحَايِضُ، وَجَعَلَ لَهُ بَابًا وَمِفْتَاحًا،
وَقَالَتْ سُبَيعة بِنْتُ الْأَحَبّ، بْنِ زَبِينة، بْنِ جَذِيمَةَ، بن
عوف، بْنِ مُعَاوِيَةَ، بْنِ بَكْرِ، بْنِ هَوَازِنَ، بْنِ مَنْصُورِ، بْنِ
عِكْرِمَةَ، بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسٍ بْنِ عَيْلَانَ وَكَانَتْ عِنْدَ
عَبْدِ مَنَافِ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ سَعْدِ، بْنِ تَيْمِ، بْنِ مُرّةَ، بْنِ
كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ
النّضْرِ، بْنِ كِنَانَةَ، لِابْنِ لَهَا مِنْهُ يُقَالُ لَهُ: خَالِدٌ:
تُعَظّمُ عَلَيْهِ حُرْمَةَ مَكّةَ، وَتَنْهَاهُ عَنْ الْبَغْيِ فِيهَا،
وَتَذْكُرُ تُبّعًا وَتَذَلّلَهُ لَهَا، وَمَا صَنَعَ بِهَا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمِمّنْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ: قَاسِمٌ فِي الدّلَائِلِ. وَأَمّا
الْوَصَائِلُ فَثِيَابٌ مُوَصّلَةٌ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ. واحدتها: وصيلة
«1» .
__________
(1) لا ريب فى أن ما تقدم حديث خرافة. وقد تحدث عن هذا الخزف الأزرقى وصاحب
مثير الغرام، وقد روى أحاديث كسوة الكعبة غير من تقدم الواقدى وسعيد بن
منصور، وهى أحاديث واهية، ولكن أخرج مالك عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه
كان يجلل بدنه القباطىّ والأنماط والحلل، ثم يبعث بها إلى الكعبة، القباطى
جمع قبطيةّ «وهو ثوب رقيق أبيض من ثياب مصر كأنه منسوب إلى قبط بكسر القاف،
والضم من تغيير التسب» والأنماط مفردها: نمط: ضرب من البسط، والوصائل: ثياب
حمر مخططة يمانية يوصل بعضها إلى بعض والمسوح: جمع مسح بكسر الميم: الكساء
من شعر والأنطاع: جمع نطع بكسر النون وفتحها وبتسكين الطاء وفتحها: بساط من
الجلد. والمعافر بفتح الميم اسم بلد، «واسم أبى حى من همدان وإلى أحدهما
تنسب الثياب المعافرية، والملاء: -
(1/176)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: وَلَا تَقْرَبُوهُ بِمِئْلَاتٍ، وَهِيَ: الْمَحَائِضُ. لَمْ
يُرِدْ النّسَاءَ الْحُيّضَ؛ لِأَنّ حَائِضًا لَا يُجْمَعُ عَلَى مَحَائِضٍ
«1» ، وَإِنّمَا هِيَ جَمْعُ مَحِيضَة، وَهِيَ خِرْقَةُ الْمَحِيضِ،
وَيُقَالُ لِلْخِرْقَةِ أَيْضًا: مِئْلَاةٌ، وَجَمْعُهَا: الْمَآلِي قَالَ
الشّاعِرُ:
كَأَنّ مُصَفّحَاتٍ فِي ذُرَاهُ ... وَأَنْوَاحًا عَلَيْهِنّ الْمَآلِي «2»
وَهِيَ هُنَا خِرَقٌ تُمْسِكُهُنّ النّوّاحَاتُ بِأَيْدِيهِنّ، فَكَانَ
الْمِئْلَاتُ كُلّ خِرْقَةٍ دَنِسَةٍ لِحَيْضِ كَانَتْ، أَوْ لِغَيْرِهِ
وَزْنُهَا مِفْعَلَة مِنْ أَلَوْت: إذَا قَصّرْت وَضَيّعْت، وَجَعَلَهَا
صَاحِبُ الْعَيْنِ فِي بَابِ الْإِلْيَةِ وَالْأَلِيّةِ، فَلَامُ الْفِعْلِ
عِنْدَهُ يَاءٌ عَلَى هَذَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيُرْوَى فِي هَذَا
الْمَوْضِعِ: مِئْلَاثًا بِثَاءِ مُثَلّثَةٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ حين كسا
البيت:
__________
- الرّيطة ذات لفقين، أو الملحفة على أنه ورد أن الكعبة كانت تكسى فى
الجاهلية كسى شتى من البرود المخططة، ومن عصب اليمن، وهى برود يمنية، وقيل
إن نتيلة بِنْتُ جَنَابٍ أُمّ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ كستها
الحرير والديباج، وكان المأمون يكسوها ثلاث مراث، فيكسوها الديباج يوم
التروية، والقباطى يوم إهلال رجب، والديباج الأبيض فى اليوم السابع
والعشرين من رمضان وذلك سنة 206، وليت من يقيمون كسوتها يقيمون مناسك الله
سبحانه.
(1) فى القاموس المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهى حائض وحائضة وجمها:
حوائض، وحيض بضم الحاء وتشديد الياء مع فتح والحيضة الخرقة، وكذلك المحيضة.
(2) البيت للبيد يصف سحابا. والمصفحات: السيوف، ومن رواها بكسر الفاء، فهى
النساء. شبه لمع البرق بتصفيح النساء إذا صفقن بأيديهن.
(1/177)
أَبُنَيّ: لَا تَظْلِمْ بِمَكّةَ لَا
الصّغِيرَ وَلَا الكبير ... واحفظ محارمها بنىّ وَلَا يَغُرّنك الغَرورْ
أَبُنَيّ: مَنْ يَظْلِمْ بِمَكّةَ يَلْقَ أَطْرَاف الشّرورْ ... أَبُنَيّ:
يُضْرَبْ وَجْهُهُ وَيَلُحْ بِخَدّيْهِ السّعيرْ
أَبُنَيّ: قَدْ جَرّبْتهَا فَوَجَدْتُ ظَالِمهَا يَبُورْ ... اللهُ
أَمّنَهَا، وَمَا بُنِيَتْ بِعَرْصَتِهَا قُصورْ
وَلَقَدْ غَزَاهَا تُبّعٌ فَكَسَا بَنِيّتَهَا الْحَبِير ... وَأَذَلّ
رَبّي مُلْكَهُ فِيهَا فَأَوْفَى بالنّذُورْ
يَمْشِي إلَيْهَا- حافيا بفنائها- ألفا بعير ... يَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ
الْمُصَفّى وَالرّحِيضَ مِنْ الشعيرْ
وَالْفِيل أُهْلِكَ جَيْشُهُ يُرْمَوْنَ فِيهَا بِالصّخُورْ ... وَالْمُلْك
فِي أقصى البلاد وفى الأعاجم والخزير
فَاسْمَعْ إذَا حُدّثْتَ، وَافْهَمْ كَيْفَ عَاقِبَةُ الأمورْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَسَوْنَا الْبَيْتَ الّذِي حَرّمَ اللهُ ... مُلَاءً مُعَضّدًا
وَبُرُودَا
فَأَقَمْنَا بِهِ مِنْ الشّهْرِ عَشْرًا ... وَجَعَلْنَا لُبَابَهُ
إقْلِيدًا
وَنَحَرْنَا بِالشّعْبِ سِتّةَ أَلْفٍ ... فَتَرَى النّاسَ نَحْوَهُنّ
وُرُودَا
ثُمّ سِرْنَا عَنْهُ نَؤُمّ سهيلا ... فرفعنا لواءنا معقودا «1»
__________
(1) هو من الشعر المنحول، ولهذا أضرب عن ذكره ابن هشام. والملاء المعضّد:
الذى له علامة فى موضع العضد. وقد تقرأ منضد، أى: بعضه. فوق بعض منسقا.
والبرود: نوع من الثياب المخططة. والإقليد: المفتاح. والشعب بكسر-
(1/178)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ الْقُتَبِيّ، كَانَتْ قِصّةُ تُبّعٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ
بِسَبْعِمِائَةِ عَامٍ «1» .
وَقَوْلُهُ بِنْت الْأَحَبّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ابْنُ زَبِينَةَ:
بِالزّايِ وَالْبَاءِ وَالنّونِ: فَعِيلَة مِنْ الزّبْنِ «2» ، وَالنّسَبُ
إلَيْهِ زَبَانِيّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَلَوْ سُمّيَ بِهِ رَجُلٌ
لَقِيلَ فِي النّسَبِ إلَيْهِ. زَبْنِيّ عَلَى الْقِيَاسِ. قَالَ
سِيبَوَيْهِ: الْأَحَبّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. يَقُولُهُ أَهْلُ
النّسَبِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُهُ بِالْجِيمِ، وَإِنّمَا قَالَتْ
بِنْتُ الْأَحَبّ هَذَا الشّعْرَ فِي حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ بَنِي
السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، وَبَيْنَ بَنِي عَلِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ
تَمِيمٍ حَتّى تَفَانَوْا.
وَلَحِقَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي السّبّاقِ بِعَكّ. فَهُمْ فِيهِمْ. قَالَ:
وَهُوَ أَوّلُ بَغْيٍ كَانَ فِي قُرَيْشٍ. وَقَدْ قِيلَ: أَوّلُ بَغْيٍ
كَانَ فِي قُرَيْشٍ «3» بَغْيُ الْأَقَايِشِ، وَهُمْ بَنُو أُقَيْشٍ مِنْ
بَنِي سَهْمٍ، بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلَمّا كَثُرَ بَغْيُهُمْ
على الناس أرسل الله
__________
- الشين: الطريق فى الجبل، أو ما انفرج بين جبلين، وهو اسم لماء بين العقبة
والقاع فى طريق مكة على ثلاثة أميال.
(1) كان قبله بأقل من ذلك بكثير كما سبق بيانه ملحوظة: نذكر هنا معانى بعض
كلمات قصيدة سبيعة: يبور: يهلك. عرصة: ساحة الدار، والبقعة الواسعة بين
الدور لا بناء فيها. العصم جمع أعصم، وهو فى الأصل كل حيوان فى ذراعيه، أو
أحدهما بياض وسائره أسود أو أحمر. ويعنى الظباء والوعول. ثبير: جبل بمكة.
بنية: تعنى الكعبة. المهارى: نوع جيد من الإبل نسبة إلى مهرة بن حيدان.
والجزور ما يصلح لأن يذبح من الإبل. الرحيض: المنقى المصفى: الخزير هى أمة
من العجم يقال لهم: الخزر. وكلمة ذمرهم التى فى حديث تبع: حضهم وشجعهم
(2) الدفع.
(3) فى الاشتقاق: وكان بنو السباق أول من بغى بمكة فأهلكوا.
(1/179)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُوقَفُ عَلَى
قَوَافِيهَا لَا تعرب
«أصل اليهودية باليمن» :
ثُمّ خَرَجَ مِنْهَا مُتَوَجّهًا إلَى الْيَمَنِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ
جُنُودِهِ وَبِالْحَبْرَيْنِ حَتّى إذَا دَخَلَ الْيَمَنَ دَعَا قَوْمَهُ
إلَى الدّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، حَتّى
يُحَاكِمُوهُ إلَى النّارِ الّتِي كَانَتْ بِالْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي أَبُو مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي
مَالِكِ القُرَظيّ، قَالَ:
سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ طلحه بن عبيد الله يُحَدّثُ: أَنّ
تُبّعًا لَمّا دَنَا مِنْ الْيَمَنِ لِيَدْخُلَهَا حَالَتْ حِمْيَرُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: لا تدخلها علينا، وقد فارقت ديننا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليهم فأرة تحمل فتيلة، فأحرقت الدّارَ الّتِي كَانَتْ فِيهَا
مَسَاكِنُهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ عَقِبٌ.
كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ:
وَقَوْلُهَا: وَكَسَا بَنِيّتَهَا الْحَبِيرُ. تُرِيدُ: الْحَبِرَاتِ «1»
وَالرّحِيضُ مِنْ الشّعِيرِ أَيْ الْمُنَقّى وَالْمُصَفّى مِنْهُ، وَقَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: أَوّلُ مَنْ كَسَا
الْكَعْبَةَ الديباح: الْحَجّاجُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً سِوَاهُ مِنْهُمْ
الدّارَقُطْنِيّ. فُتَيْلَةُ بِنْتُ جَنَابٍ أُمّ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ. كَانَتْ قَدْ أَضَلّتْ الْعَبّاسَ صَغِيرًا، فَنَزَرَتْ: إنْ
وَجَدَتْهُ أَنْ تَكْسُو الْكَعْبَةَ الدّيبَاجَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ حِينَ
وَجَدَتْهُ. وَكَانَتْ مِنْ بَيْتِ مَمْلَكَةٍ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ
نَسَبِهَا فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ.
__________
(1) جمع حبرة بكسر ففتح ما كان من البرود مخططا.
(1/180)
دِينَنَا، فَدَعَاهُمْ إلَى دِينِهِ
وَقَالَ: إنّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، فَقَالُوا: فَحَاكِمْنَا إلَى
النّارِ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ- فِيمَا يَزْعُمُ
أَهْلُ الْيَمَنِ- نَارٌ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ،
تَأْكُلُ الظّالِمَ وَلَا تَضُرّ الْمَظْلُومَ، فَخَرَجَ قَوْمُهُ
بِأَوْثَانِهِمْ وَمَا يَتَقَرّبُونَ بِهِ فِي دِينِهِمْ، وَخَرَجَ
الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا مُتَقَلّدَيْهَا، حَتّى
قَعَدُوا لِلنّارِ عِنْدَ مَخْرَجِهَا الّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ، فَخَرَجَتْ
النّارُ إلَيْهِمْ، فَلَمّا أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ حَادُوا عَنْهَا
وَهَابُوهَا، فَذَمَرَهُمْ مَنْ حَضَرَهُمْ مِنْ النّاسِ، وَأَمَرُوهُمْ
بِالصّبْرِ لَهَا، فَصَبَرُوا حَتّى غَشِيَتْهُمْ، فَأَكَلَتْ الْأَوْثَانَ
وَمَا قَرّبُوا مَعَهَا، وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ مِنْ رِجَالِ حِمْيَرَ،
وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا تعرق جباههما
لم تضرّهما، فأصفقت عند ذاك حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِ، فَمِنْ هُنَالِكَ،
وَعَنْ ذَلِكَ كَانَ أَصْلُ الْيَهُودِيّةِ بِالْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَدّثٌ أَنّ الْحَبْرَيْنِ،
وَمَنْ خَرَجَ مِنْ حِمْيَرَ، إنّمَا اتّبَعُوا النّارَ، لِيَرُدّوهَا،
وَقَالُوا: مَنْ رَدّهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَقّ، فَدَنَا مِنْهَا
رِجَالٌ مِنْ حِمْيَرَ بِأَوْثَانِهِمْ، لِيَرُدّوهَا فَدَنَتْ مِنْهُمْ
لِتَأْكُلَهُمْ، فَحَادُوا عَنْهَا وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا رَدّهَا، وَدَنَا
مِنْهَا الْحَبْرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَعَلَا يَتْلُوَانِ التّوْرَاةَ
وَتَنْكُصُ عَنْهُمَا، حَتّى رَدّاهَا إلَى مَخْرَجِهَا الّذِي خَرَجَتْ
مِنْهُ، فَأُصْفِقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دينهما.
والله أعلم أىّ ذلك كان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ الزّبَيْرُ النّسّابَةُ: بَلْ أَوّلُ مَنْ كَسَاهَا الدّيباج عبد
الله بن الزّبير «1» .
__________
(1) وذكر الواقدى أن أول من كساها الديباج هو يزيد بن معاوية، واتبع ابن
الزبير أثره، وكان يبعث إلى مصعب بن الزبير بالكسوة كل سنة، فكان يكسو يوم
عاشوراء.
(1/181)
[ «مصير رئام» :]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِئَامٌ بَيْتًا لَهُمْ يعظّمونه، وينحرون
عنده، ويكلّمون منه، إذ كَانُوا عَلَى شِرْكِهِمْ، فَقَالَ الْحَبْرَانِ
لِتُبّعِ: إنّمَا هُوَ شَيْطَانٌ يَفْتِنُهُمْ بِذَلِكَ فَخَلّ بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَشَأْنُكُمَا بِهِ، فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ- فِيمَا
يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- كَلْبًا أَسْوَدَ فَذَبَحَاهُ، ثُمّ هَدَمَا
ذَلِكَ الْبَيْتَ، فَبَقَايَاهُ الْيَوْمَ- كَمَا ذُكِرَ لِي- بِهَا آثَارُ
الدّمَاءِ الّتِي كَانَتْ تُهْرَاق عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رِئَامٌ:
وَذَكَرَ الْبَيْتَ الّذِي كَانَ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: رِئَامٌ، وَهُوَ
فِعَالٌ مِنْ رَئِمَتْ الْأُنْثَى وَلَدَهَا تَرْأَمهُ رِئْمًا وَرِئَامًا:
إذَا عَطَفَتْ عَلَيْهِ وَرَحِمَتْهُ. فَاشْتَقّوا لِهَذَا الْبَيْتِ
اسْمًا لِمَوْضِعِ الرّحْمَةِ الّتِي كَانُوا يَلْتَمِسُونَ فِي
عِبَادَتِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ رِئَامًا كَانَ فِيهِ
شَيْطَانٌ، وَكَانُوا يَمْلَئُونَ لَهُ حِيَاضًا مِنْ دِمَاءِ
الْقُرْبَانِ، فَيَخْرَجُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيُكَلّمُهُمْ، وَكَانُوا
يَعْبُدُونَهُ، فَلَمّا جَاءَ الْحَبْرَانِ مَعَ تُبّعٍ نَشَرَا
التّوْرَاةَ عِنْدَهُ، وَجَعَلَا يَقْرَآنِهَا؛ فَطَارَ ذلك الشيطان حتى
وقع فى البحر «1» .
__________
(1) فى اللسان والقاموس: مصدر رئم هو رأم بوزن ضرب ورأمان، ورئمان بكسر
فسكون، ومرة أخرى: يردد حديث خرافة ولا أدرى كيف كانت تجوز على السهيلى
وأمثاله. على أن هذا البيت كان مخصصا لإله قبيلة همدان المعروف بتالب حتى
عرف «تألب ريام» ويقول البكرى فى معجمه أنه سمى برئام بن نهقان بن تبع بن
زيد بن عمرو بن همدان وأحب أن أشير هنا إلى الخطأ الفاحش الذى يتردى فيه
الكاتبون عن الأديان؛ فاليهودية ليست دينا إلهيا، إنما هى دين-
(1/182)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لُغَةً وَنَحْوُ: وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو أَخِي حَسّانَ وَهُوَ
الّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ:
مَوْثَبَانُ «1» وَقَدْ تَقَدّمَ: لِمَ لُقّبَ بِذَلِكَ. وَقَوْلُ ذِي
رُعَيْن لَهُ فِي الْبَيْتَيْنِ:
أَلَا مَنْ يَشْتَرِي سَهَرًا بِنَوْمِ ... سَعِيدٌ مِنْ يَبِيتُ قَرِيرَ
عَيْنٍ «2»
مَعْنَاهُ: أَمَنْ يَشْتَرِي، وَحَسُنَ حَذْفُ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ ههنا
لِتَقَدّمِ هَمْزَةِ أَلَا.
كَمَا حَسُنَ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: أَحَارِ تَرَى بَرْقًا أُرِيك
وَمِيضَهُ. أَرَادَ: أَتَرَى وَفِي الْبَيْتِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: بَلْ
مَنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَيْنٍ هُوَ السّعِيدُ. فَحَذَفَ الْخَبَرَ
لِدَلَالَةِ أَوّلِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ دُرَيْدٍ:
سَعِيدٌ أَمْ يَبِيتُ بِحَذْفِ مَنْ، وَهَذَا مِنْ بَابِ حَذْفِ
الْمَوْصُوفِ، وَإِقَامَةِ الصّفّةِ مقامه؛ لأن من ههنا نَكِرَةٌ
مَوْصُوفَةٌ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الرّاجِزِ:
لَوْ قُلْت مَا فِي قَوْمِهَا لَمْ تَأْثَمْ ... يَفْضُلُهَا فِي حَسَبٍ
وَمِيسَمِ
أَيْ: مَنْ يَفْضُلُهَا، وَهَذَا، إنّمَا يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ إذَا
كَانَ الْفِعْلُ مُضَارِعًا لا ماضيا، قاله ابن السراج وغيره.
__________
- وضعى افترى أكثره أحبار اليهود، ومزجوه ببعض شرع الله المنزل فى التوراة،
أما دين موسى فهو الإسلام، ومن تاريخ اليهود فى اليمن يبدو أنهم كانوا ذوى
مال وفير سيطروا به على الحياة الاقتصادية فى اليمن على المواضع الحساسة فى
جسم الدولة، وعلى الملوك ص 143 ج 3 تاريخ العرب قبل الإسلام.
(1) فى الطبرى: لأنه وثب على أخيه حسان بفرضة نعم. فقتله- قال: وفرضة نعم:
رحبة طوق بن مالك، وكانت نعم سرية تبع حسان بن أسعد. ص 117 ج 2 الطبرى.
(2) البيتان فى الاشتقاق ص 525 وفى الطبرى أيضا ح 2 ص 116.
(1/183)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذُو رُعَيْن تَصْغِيرُ رَعْنٍ، وَالرّعْنُ: أَنْفُ الْجَبَلِ، وَرُعَيْن
جَبَلٌ بِالْيَمَنِ «1» قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ
ذُو رُعَيْن.
وَقَوْلُهُ فِي الْأَبْيَاتِ بَعْدَ هَذَا: لَاهِ مَنْ رَأَى مِثْلَ
حَسّانَ «2» أَرَادَ لِلّهِ وَحَذَفَ لَامَ الْجَرّ وَاللّامّ الْأُخْرَى
مَعَ أَلِفِ الْوَصْلِ، وَهَذَا حَذْفٌ كَثِيرٌ. وَلَكِنّهُ جَازَ فِي
هَذَا الِاسْمِ خَاصّةً لِكَثْرَةِ دَوْرِهِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ. مِثْلُ
قَوْلِ الْفَرّاءِ: لِهَنّكَ مِنْ بَرَقٍ عَلَيّ كَرِيمٌ «3» . أَرَادَ:
وَاَللهِ إنّك. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أراد لأنّك وأبدل الهمزة
__________
(1) فى الاشتقاق: والرّعن: أنف الجيل النادر حتى يستطيل فى الأرض، وفى
المراصد، أنها تصغير لرعن بضم الراء، وهى مخلاف من مخاليف اليمن، واسم قصر
عظيم باليمن، وجبل بها فيه حصن سمى ذور عين.
(2) فى الطبرى: إن لله من رأى مثل حسان الخ. وقتلته الأقيال من خشية الجيش
وقالوا له: لباب لباب، وبقية الخبر فى الطبرى أن عمرو بن تبان سعد قتل أكثر
الذين أمروه بقتل أخيه حسان ونسب إليه قصيدة مطولة ص 116 ج 2. وفى جمهرة
أنساب العرب ص 406 أن اسم ذى رعين: يريم بن زيد بن سهل بن عمل بن فتس.
(3) ومنه قول ذى الإصبع العدوانى وهو حرثان بن الحارث بن محرث:
لاه ابن عمّك لا أفضلت فى حسب ... عنى، ولا أنت ديانى فتخزونى
معناه: لله ابن عمك. فإنه مثلك فى الحسب ورفعة الأصل ومالك من فضل تفخر به
عليه ولست وليا لأمره مدبرا لشئونه، حتى تقوم بإذلاله. وأصل لاه: لله جار
ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وابن مبتدأ مؤخر. وفى الخصائص لابن جنى أنه
روى بيت عن محمد بن سلمة عن أبى العباس المبرد:
ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنّك من برق علىّ كريم-
(1/184)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَاءً. وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنّ اللّامّ لَا تُجْمَعُ مَعَ إنّ، إلّا أَنْ
تُؤَخّرَ اللّامّ إلَى الْخَبَرِ، لِأَنّهُمَا حَرْفَانِ مُؤَكّدَانِ،
وَلَيْسَ انْقِلَابُ الْهَمْزَةِ هَاءً بِمُزِيلِ الْعِلّةِ الْمَانِعَةِ
مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا.
الْمَقَاوِلُ:
وَقَوْلُهُ: قَتَلَتْهُ الْمَقَاوِلُ: يُرِيدُ الْأَقْيَالَ، وَهُمْ
الّذِينَ دُونَ التّبَابِعَةِ «1» وَاحِدُهُمْ: قَيّلٌ مِثْلُ سَيّدٍ، ثُمّ
خُفّفَ وَاسْتُعْمِلَ بِالْيَاءِ فِي إفْرَادِهِ وَجَمْعِهِ، وَإِنْ كَانَ
أَصْلُهُ الْوَاوَ، لِأَنّ مَعْنَاهُ: الّذِي يَقُولُ وَيَسْمَعُ قَوْلَهُ،
وَلَكِنّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يَقُولُوا: أَقْوَالُ، فَيَلْتَبِسُ بِجَمْعِ
قَوْلٍ، كَمَا قَالُوا: عِيدٌ وَأَعْيَادٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَ
يَعُودُ لَكِنْ أَمَاتُوا الْوَاوَ فِيهِ إمَاتَةً، كَيْ لَا يُشْبِهُ
جَمْعَ الْعَوْدِ، وَإِذَا أَرَادُوا إحْيَاءَ الْوَاوِ فِي جَمْعِ قَيّلٌ،
قَالُوا: مَقَاوِلُ كَأَنّهُ جَمْعُ مِقْوَلٍ، أَوْ جَمْعُ: مَقَالٍ
وَمَقَالَةٍ، فَلَمْ يَبْعُدُوا مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَأَمِنُوا
اللّبْسَ، وَقَدْ قَالُوا: مُحَاسِنُ وَمُذَاكِرُ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ
لَفْظِهَا، وَكَأَنّهُمْ ذَهَبُوا أَيْضًا فِي مُقَاوِلٍ مَذْهَبَ
الْمَرَازِبِ، وَهُمْ مُلُوكُ العجم، والله أعلم.
__________
- ومثله قول عروة الرحال:
ثمانين حولا لا أرى منك راحة ... لهنّك فى الدنيا لباقية العمر
وقد تكلمت عن لهنك فى موضع آخر «انظر ص 315 ج 1 الخصائص لابن جنى ط 2. وضبط
لهنك بكسر اللام وفتح الهاء
(1) يروى الطبرى عن ابن عباس أن أهل اليمن يسمون القائد قيلا ص 491 ج 1 طبع
المعارف، وفى القاموس: المقول كمنبر اللسان والملك أو من ملوك حمير يقول ما
يشاء، فينفذ، كالقيل أو هو دون الملك الأعلى، وأصله قيل كفيعل سمى؛ لأنه
يقول ما يشاء فينفذ، جمعه: أقوال وأقيال ومقاول ومقاولة، وفى ابن دريد ص
480 القيل: ما كان دون الملك نفسه كأنه بعد الملك وقد سبق.
(1/185)
|