الروض الأنف ت الوكيل

[إسْلَامُ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ]
وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَصَدّقَتْ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللهِ، وَوَازَرَتْهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَتْ أَوّلَ مَنْ آمَنْ بِاَللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَصَدّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ، فَخَفّفَ اللهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، لَا يَسْمَعُ شَيْئًا مِمّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ، فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إلّا فَرّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبّتُهُ، وَتُخَفّفُ عَلَيْهِ، وَتُصَدّقُهُ وَتُهَوّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ الناس، رحمها الله تعالى.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أُبَشّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبٍ فِيهِ وَلَا نَصَبٌ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقَصَبُ هَهُنَا: اللّؤْلُؤُ المجوّف.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: أقرىء خَدِيجَةَ السّلَامَ مِنْ رَبّهَا، فَقَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(2/416)


رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خَدِيجَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُك السّلَامَ مِنْ رَبّك، فَقَالَتْ خَدِيجَةَ: اللهُ السّلَامُ، وَمِنْهُ السّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلَ السلام.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ فَتَرَ الْوَحْيِ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَتْرَةً مِنْ ذَلِكَ، حَتّى شَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَأَحْزَنَهُ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ بِسُورَةِ الضّحَى، يُقْسِمُ لَهُ رَبّهُ، وَهُوَ الّذِي أَكْرَمَهُ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ، مَا وَدّعَهُ وَمَا قَلَاهُ، فَقَالَ تَعَالَى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى.
يَقُولُ: مَا صَرَمَكَ فَتَرَكَك، وَمَا أَبْغَضَكَ مُنْذُ أَحَبّكَ. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى: أَيْ: لِمَا عِنْدِي مِنْ مَرْجِعِك إلَيّ، خَيْرٌ لَك مِمّا عَجّلْت لَك مِنْ الْكَرَامَةِ فِي الدّنْيَا. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى مِنْ الْفُلْجِ فِي الدّنْيَا، وَالثّوَابِ فِي الْآخِرَةِ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى. وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى يُعَرّفُهُ الله مَا ابْتَدَأَهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ فِي عَاجِلِ أَمْرِهِ، وَمَنّهِ عَلَيْهِ فِي يُتْمِهِ وعيلته وضلالته، واستقاذه من ذلك كله برحمته.
قال ابن هشام: سجى: سكن. قَالَ أُمّيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ الثّقَفِيّ:
إذْ أنى مَوْهِنَا وَقَدْ نَامَ صَحْبِي ... وَسَجَا اللّيْلُ بِالظّلَامِ الْبَهِيمِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَيُقَالُ لِلْعَيْنِ إذَا سَكَنَ طَرَفُهَا: سَاجِيَةٌ، وَسَجَا طَرَفُهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(2/417)


قَالَ جَرِيرُ بْنُ الْخَطَفَى:
وَلَقَدْ رَمَيْنَك- حِينَ رُحْن- بأعين ... يَقْتُلْنَ مِنْ خَلَلِ السّتُورِ سُوَاجِي
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْعَائِلُ: الْفَقِيرُ: قَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ:
إلَى بَيْتِهِ يَأْوِي الضّرِيكُ إذَا شَتَا ... ومستنبح بالي الدريسين عائل
وَجَمْعُهُ: عَالَةٌ وَعَيْلٌ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له، سأذكرها في موضعها- إن شاء الله، وَالْعَائِلُ أَيْضًا: الّذِي يَعُولُ الْعِيَالَ. وَالْعَائِلُ أَيْضًا: الْخَائِفُ.
وَفِي كِتَابِ الله تَعَالَى: ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا النساء: 3. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:
بِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يُخِسّ شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا- إنْ شَاءَ اللهُ- فِي مَوْضِعِهَا.
وَالْعَائِلُ أَيْضًا: الشّيْءُ المثقل المعيى. يَقُولُ الرّجُلُ: قَدْ عَالَنِي هَذَا الْأَمْرُ: أَيْ أثقلنى وأعيانى، قال الْفَرَزْدَقِ:
تَرَى الْغُرّ الْجَحَاجِحَ مِنْ قُرَيْشٍ ... إذَا مَا الْأَمْرُ فِي الْحَدَثَانِ عَالَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ: أَيْ لَا تَكُنْ جَبّارًا وَلَا مُتَكَبّرًا، وَلَا فَحّاشًا فَظّا عَلَى الضّعَفَاءِ مِنْ عِبَادِ اللهِ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ: أَيْ: بِمَا جَاءَك مِنْ اللهِ مِنْ نِعْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ مِنْ النّبُوّةِ فَحَدّثْ، أَيْ اُذْكُرْهَا، وَادْعُ إلَيْهَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْعِبَادِ بِهِ مِنْ النّبُوّةِ سِرّا إلَى من يطمئنّ إليه من أهله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(2/418)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَتَى نَزَلَ الْقُرْآنُ؟
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ الْبَقَرَةُ: 185. إلَى آخِرِ الْآيَةِ، مُسْتَشْهِدًا بِذَلِكَ عَلَى أَنّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَهَذَا يَحْمِلُ تَأْوِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بَدْءَ النّزُولِ وَأَوّلَهُ؛ لِأَنّ الْقُرْآنَ نَزَلَ فِي أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، وَالثّانِي: مَا قَالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ: أَنّهُ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً إلَى سَمَاءِ الدّنْيَا، فَجَعَلَ فِي بَيْتِ الْعِزّةِ مَكْنُونًا فِي الصّحُفِ الْمُكَرّمَةِ، الْمَرْفُوعَةِ الْمُطَهّرَةِ، ثُمّ نَزَلَتْ مِنْهُ الْآيَةُ بَعْدَ الْآيَةِ، وَالسّورَةُ بَعْدَ السّورَةِ فِي أَجْوِبَةِ السّائِلِينَ، وَالنّوَازِلِ الْحَادِثَةِ إلَى أَنْ تُوُفّيَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذَا التّأْوِيلُ أَشْبَهُ بِالظّاهِرِ، وَأَصَحّ فِي النّقْلِ وَاَللهُ أَعْلَمُ «1» .
__________
(1) نزول القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة، أو إلى سماء الدنيا: كلام لا سند له. والصحيح وحده هنا هو ماورد فى القرآن: «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» . «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» ، «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ» وآيات القرآن فى وضوح جميل جليل يفقهها ذو الفطرة السليمة التى لم يفسدها جدل الكلام وسفسطته. وهى تؤكد أنه بدأ نزول القرآن فى رمضان فى ليلة القدر منه. وقوله تعالى: «وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ» يشير إلى أن تاريخ ليلة القدر هو تاريخ ليلة بدر. وبدر كما يقال كانت فى السابع عشر من رمضان. ولهذا يقال إن ابتداء نزول القرآن كان فى السابع عشر من رمضان. وإذا رجعنا إلى الأحاديث نستخبرها نبأ ليلة القدر التى فيها نزل القرآن، فإننا سنجد ما يأتى: قيل: وإنها فى الوتر من العشر الأواخر من رمضان «البخارى» فى السبع

(2/419)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَوْلُ إضَافَةِ شَهْرٍ إلَى رَمَضَانَ:
فَصْلٌ: وَفِي قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ فَذَكَرَ الشّهْرَ مُضَافًا إلَى رَمَضَانَ، وَاخْتَارَ الْكُتّابُ وَالْمُوَثّقُونَ النّطْقَ بِهِ بِهَذَا اللّفْظِ دُونَ أَنْ يَقُولُوا:
كُتِبَ فِي رَمَضَانَ، وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ وَالنّسَوِيّ «1» عَلَى جَوَازِ اللّفْظَيْنِ جَمِيعًا وَأَوْرَدَا حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَامَ رمضان، وإذا
__________
- الأواخر من رمضان «متفق عليه» فى تاسعة تبقى من العشر الأواخر أو فى سابعة، أو فى خامسة «البخارى» فى الليلة الحادية والعشرين من رمضان «البخارى» فى الليلة الثالثة والعشرين «مسلم» فى الليلة السابعة والعشرين «مسلم وأحمد وأبو داود والترمذى» فى التاسعة أو السابعة أو الخامسة «البخارى» بل ما من ليلة من ليالى رمضان سوى قلة قليلة إلا ورد فيها ما يفيد أنها ليلة القدر، ولهذا اختلف العلماء فى شأنها على أقوال كثيرة، ذكر منها فى فتح البارى ما لم يذكر غيره، وقد ذكرها الشوكانى باختصار فى نيل الأوطار، فكانت خمسة وأربعين قولا، منها: أنها رفعت وهو قول الشيعة والفاكهانى من الحنفية، ومنها: أنها خاصة بسنة واحدة، وقعت فى زمنه صلى الله عليه وسلم، ومنها أنها خاصة بهذه الأمة، ومنها أنها ممكنة فى جميع السنة، وهو المشهور عن الحنفية وجماعة من السلف، ومنها أنها فى ليلة معينة مبهمة، ومنها: أنها أول ليلة من رمضان حكى عن أبى رزين، ومنها أنها ليلة النصف من شعبان، أو النصف من رمضان، أو ليلة سبع عشرة من رمضان الخ ... انظر ص 272 ح 4 نيل الأوطار ط عثمان خليفة. وحير ما يقول البغوى: «أبهم الله تعالى هذه الليلة على الأمة، ليجتهدوا فى العبادة ليالى شهر رمضان طمعا فى إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة فى يوم الجمعة، وأخفى الصلاة الوسطى فى الصلوات الخمس» تفسير الخازن والبغوى لسورة القدر
(1) هو أبو العباس الحسن بن سفيان النسوى، وله مسند مشهور.

(2/420)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جَاءَ رَمَضَانُ، وَلَمْ يَقُلْ: شَهْرَ رَمَضَانَ، وَقَدْ بَيّنْت أَنّ لِكُلّ مَقَامٍ مَقَامُهُ، وَلَا بُدّ مِنْ ذِكْرِ شَهْرٍ فِي مَقَامٍ، وَمَنْ حَذَفَهُ فِي مَقَامٍ آخَرَ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِهِ إذَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ، وَالْحِكْمَةُ أَيْضًا فِي حَذْفِهِ إذَا حُذِفَ مِنْ اللّفْظِ، وَأَيْنَ يَصْلُحُ الْحَذْفُ، وَيَكُونُ أَبْلَغَ مِنْ الذّكْرِ، كُلّ هَذَا مُبَيّنٌ فِي كِتَابِ «نَتَائِجِ الْفِكْرِ» ، فَهُنَاكَ أَوْرَدْنَا فِيهِ فَوَائِدَ تَعْجِزُ عَنْهَا هِمَمُ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ. أَدْنَاهَا تُسَاوِي رِخْلَةً عِنْدَ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهَا، غَيْرَ أَنّا نُشِيرُ إلَى بَعْضِهَا، فَنَقُولُ: قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَمِمّا لَا يَكُونُ الْعَمَلُ إلّا فِيهِ كُلّهِ:
الْمُحَرّمُ وَصَفَرٌ، يُرِيدُ أَنّ الِاسْمَ الْعَلَمَ يَتَنَاوَلُ اللّفْظَ كُلّهُ، وَذَلِكَ إذَا قُلْت: الْأَحَدُ أَوْ الِاثْنَيْنِ، فَإِنْ قُلْت يَوْمَ الْأَحَدِ أَوْ شَهْرُ الْمُحَرّمِ كَانَ ظَرْفًا، وَلَمْ يَجْرِ مَجْرَى الْمَفْعُولَاتِ، وَزَالَ الْعُمُومُ مِنْ اللّفْظِ، لِأَنّك تُرِيدُ: فِي الشّهْرِ وَفِي الْيَوْمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَقُلْ شَهْرَ رَمَضَانَ؛ لِيَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ كُلّهِ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى بَعْضِ تِلْكَ الْفَوَائِدِ الّتِي أَحَكَمْنَاهَا فِي غير هذا الكتاب.
حب الرسول «ص» وَطَنَهُ:
بَقِيّةٌ مِنْ حَدِيثِ وَرَقَةَ، وَذَلِكَ أَنّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَتُكَذّبَنّهْ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، ثُمّ قَالَ: وَلَتُؤْذَيَنّهْ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا، ثُمّ قَالَ: وَلَتُخْرَجَنّهْ، فَقَالَ: أو مخرحىّ هُمْ؟ فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبّ الْوَطَنِ وَشِدّةِ مُفَارَقَتِهِ عَلَى النّفْسِ، وَأَيْضًا فَإِنّهُ حَرَمُ اللهِ وَجِوَارُ بَيْتِهِ، وَبَلْدَةُ أَبِيهِ إسْمَاعِيلَ، فَلِذَلِكَ تحركت نفسه عند ذكر لخروج منه مالم تتحرك قبل ذلك، فقال: أو مخرجىّ هُمْ؟ وَالْمَوْضِعُ الدّالّ عَلَى تَحَرّكِ النّفْسِ وَتَحَرّقِهَا إدْخَالُ الْوَاوِ بَعْدَ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ اخْتِصَاصِ الْإِخْرَاجِ بِالسّؤَالِ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنّ الْوَاوَ

(2/421)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تُرَدّ إلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدّمِ، وَتُشْعِرُ الْمُخَاطَبَ بِأَنّ الِاسْتِفْهَامَ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ، أَوْ التّفَجّعِ لِكَلَامِهِ أَوْ التّأَلّمِ مِنْهُ.
ذِكْرُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَسَنٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَوْلُهُ: حَدّثَتْنِي أُمّي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ أَنّ خَدِيجَةَ أَدَخَلَتْهُ بَيْنَ ثَوْبِهَا.
الْحَدِيثَ «1» عَبْدُ اللهِ هَذَا هُوَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمّهُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ أُخْتُ سُكَيْنَةَ، وَاسْمُهَا: آمِنَةُ، وَسُكَيْنَةُ لَقَبٌ لَهَا الّتِي كَانَتْ ذَاتَ دُعَابَةٍ وَمَزْحٍ، وَفِي سُكَيْنَةَ وَأُمّهَا الرّبَابِ يَقُولُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ:
كَأَنّ اللّيْلَ مَوْصُولٌ بِلَيْلِ ... إذَا زَارَتْ سُكَيْنَةُ وَالرّبَابُ «2»
أى: زادت قَوْمُهَا، وَهُمْ: بَنُو عُلَيْمِ بْنِ جَنَابٍ مِنْ كلب، ثم من بنى
__________
(1) رواه الطبرانى فى الأوسط.
(2) من قصيدة تنسب إلى الحسين فى سكينة ابنته وأمها الرباب زوجته، منها:
لعمرك إننى لأحب دارا ... تضيفها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل بعد مالى ... وليس للائمى فيها عتاب
ولست لهم وإن عتبوا مطيعا ... حياتى، أو يغيا بنى التراب
وهى فى الأغانى، ومقاتل الطالبيين، وفى نسب قريش «انظر ص 59 نسب قريش ط 1»

(2/422)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَعْبِ بْنِ عُلَيْمٍ «1» ، وَيُعْرَفُ بَنُو كَعْبِ بْنِ عُلَيْمٍ بِبَنِي زَيْدَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ؛ لِأَنّهُ اسْمُ أُمّهِمْ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ حَسَنٍ هُوَ وَالِدُ الطّالِبِيّيْنِ الْقَائِمَيْنِ عَلَى بَنِي الْعَبّاسِ، وَهُمْ: مُحَمّدٌ وَيَحْيَى وَإِدْرِيسُ «2» مَاتَ إدْرِيسُ بِإِفْرِيقِيّةَ فَارّا مِنْ الرّشِيدِ، وَمَاتَ مَسْمُومًا فِي دُلَاعَةٍ «3» أَكَلَهَا، وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الزّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ آدَمُ عَلَيْهِ السّلَامُ: مِمّا فَضَلّ بِهِ عَلِيّ ابْنَيْ صَاحِبِ الْبَعِيرِ أَنّ زَوْجَهُ كَانَتْ عَوْنًا لَهُ عَلَى تَبْلِيغِ أَمْرِ اللهِ، وَأَنّ زَوْجِي كَانَتْ عَوْنًا لِي عَلَى الْمَعْصِيَةِ «4» .
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ خَدِيجَةَ:
فَصْلٌ: وَذِكْرُ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَنّ يُبَشّرُ خَدِيجَةَ بِبَيْتِ مِنْ قصب، لا صخب
__________
(1) والرباب أم سكينة هى بنت امرىء القيس بن عدى بن أوس بن جابر ابن كعب بن عليم بن جناب.
(2) خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن على أبى جعفر المنصور بالمدينة، وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة، فقتلهما عيسى بن موسى، أما أخوهما موسى، فاختفى بالبصرة، فعثر عليه، فعفا عنه المنصور، أما سليمان أخوهم فقتل بفخ فى خلافة موسى، أما أخوهم إدريس فقام بالمغرب، وبه مات، أما يحيى فقام بالديلم، ولكل منهم عقب سوى عيسى، ومن أولاد عبد الله بن حسن: فاطمة وزينب ورقية. انظر ص 53 نسب قريش ط 1 وجمهرة ابن حزم ص 39 ط 1.
(3) ضرب من محار البحر.
(4) من أين جاء بهذا؟.

(2/423)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِيهِ، وَلَا نَصَبٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ «1» ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُتّصِلًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا غِرْت عَلَى أَحَدٍ مَا غِرْت عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ هَلَكْت قَبْلَ أَنْ يَتَزَوّجَنِي رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَقَدْ أَمَرَ أَنْ يُبَشّرُهَا بِبَيْتِ مِنْ قَصَبٍ فِي الْجَنّةِ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ حَمْرَاءَ الشّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَك اللهُ خَيْرًا مِنْهَا، فَغَضِبَ، وَقَالَ: وَاَللهِ مَا أَبْدَلَنِي اللهُ خَيْرًا مِنْهَا؛ آمَنَتْ بِي حِينَ كَذّبَنِي النّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا حِينَ حَرَمَنِي النّاسُ، وَرُزِقْت الْوَلَدَ مِنْهَا، وَحُرِمْته مِنْ غَيْرِهَا، وَرَوَى يُونُسُ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابن أيمن المخزومى، قال: حدثنا أبو تجيح قَالَ: أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزُورٌ أَوْ لَحْمٌ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَظْمًا مِنْهَا، فَنَاوَلَهُ الرّسُولُ بِيَدِهِ؛ فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا إلَى فُلَانَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ غَمَرْت «2» يَدَك؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُغْضَبًا: إنّ خَدِيجَةَ أَوْصَتْنِي بِهَا، فَغَارَتْ عَائِشَةُ، وَقَالَتْ: لَكَأَنّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ امْرَأَةٌ إلّا خَدِيجَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُغْضَبًا، فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللهُ ثُمّ رَجَعَ، فَإِذَا أُمّ رُومَانَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ: مَا لَك وَلِعَائِشَةَ؟! إنّهَا حَدَثَةٌ، وَإِنّك أَحَقّ مَنْ تَجَاوَزَ عَنْهَا، فَأَخَذَ بِشِدْقِ عَائِشَةَ، وَقَالَ: أَلَسْت الْقَائِلَةَ: كَأَنّمَا لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ امْرَأَةٌ إلّا
__________
(1) رواه أحمد وأبو يعلى والطبرانى ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد وردت البشارة فى حديث رواه الشيخان والترمذى.. ويقول ابن الأثير: «لم يتقدمها رجل ولا امرأة بإجماع المسلمين» ص 237 ح 1 مواهب.
(2) الغمر بالتحريك: زنخ اللحم، وما يعلق باليد من دسمه.

(2/424)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خَدِيجَةُ، وَاَللهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إذْ كَفَرَ قَوْمُك، وَرُزِقْت مِنّي الْوَلَدُ وَحُرِمْتُمُوهُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: خَيْرُ نِسَائِهَا: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا: خَدِيجَةُ، وَالْهَاءُ فِي نِسَائِهَا حِينَ ذَكَرَ مَرْيَمَ عَائِدَةً عَلَى السّمَاءِ، وَالْهَاءُ فِي نِسَائِهَا حِينَ ذَكَرَ خَدِيجَةَ عَائِدَةٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَذَلِكَ أَنّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ وَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ فِي آخَرَيْنِ، وَأَشَارَ وَكِيعٌ مِنْ بَيْنَهُمْ حِينَ حَدّثَ بِالْحَدِيثِ بِإِصْبَعِهِ إلَى السّمَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ مَرْيَمَ، وَإِلَى الْأَرْضِ عِنْدَ ذِكْرِ خَدِيجَةَ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ لَيْسَتْ مِنْ رَأْيِهِ، وإنما هى زيادة فى حَدِيثِهِ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى إشَارَتِهِ إلَى السّمَاءِ وَالْأَرْضِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا، أَيْ: هُمَا خَيْرُ نِسَاءٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهَذَا أَثْبَتُ عِنْدِي بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَلَعَلّنَا أَنْ نَذْكُرَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي التّفْضِيلِ بَيْنَ مَرْيَمَ وَخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُنّ- وَأَزْوَاجِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا نَزَعَ بِهِ كُلّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ.
حَوْلَ مَا بُشّرَتْ بِهِ خَدِيجَةُ:
وأما قوله: ببيت من قصب، فقدرواه الْخَطّابِيّ مُفَسّرًا، وَقَالَ فِيهِ:
قَالَتْ خَدِيجَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ فِي الْجَنّةِ قَصَبٌ؟ فَقَالَ: إنّهُ قَصَبٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ مُجَبّى. قَالَ الْخَطّابِيّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مُجَوّبًا مِنْ قَوْلِك: جُبْت الثّوْبَ إذَا خَرَقْته، فَيَكُونُ مِنْ الْمَقْلُوبِ، ويجوز أن يكون الأصل محبّبا بِبَاءَيْنِ مِنْ الْجُبّ وَهُوَ الْقَطْعُ أَيْ: قُطِعَ دَاخِلُهُ «1» ، وَقُلِبَتْ الْبَاءُ يَاءً، كَمَا قَالُوا: تَظَنّيْتُ من
__________
(1) هو فى السيرة: مجوف. وفى النهاية لابن الأثير: وقيل: هو من الجوب وهو نقير يجمع فيه الماء.

(2/425)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الظّنّ، وَتَقَصّيْت أَظْفَارِي، وَتَكَلّمَ أَصْحَابُ الْمَعَانِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالُوا:
كَيْفَ لَمْ يُبَشّرْهَا إلّا بِبَيْتِ، وَأَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يُعْطَى مَسِيرَةَ أَلْفِ عَامٍ فِي الْجَنّةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ، وَكَيْفَ لَمْ يُنْعِتْ هَذَا الْبَيْتَ بِشَيْءِ مِنْ أَوْصَافِ النّعِيمِ وَالْبَهْجَةِ أَكْثَرَ مِنْ نَفْيِ الصّخَبِ وَهُوَ: رَفْعُ الصّوْتِ، فَأَمّا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ، فَقَالَ فِي كِتَابِ فَوَائِدِ الْأَخْبَارِ لَهُ: مَعْنَى الْحَدِيثِ:
أَنّهُ بُشّرَتْ بِبَيْتِ زَائِدٍ عَلَى مَا أَعَدّ اللهُ لَهَا مِمّا هُوَ ثَوَابٌ لِإِيمَانِهَا وَعَمَلِهَا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ، أَيْ: لَمْ تَنْصِبْ فِيهِ، وَلَمْ تَصْخَبْ. أَيْ: إنّمَا أَعْطَيْته زِيَادَةً عَلَى جَمِيعِ الْعَمَلِ الّذِي نَصَبَتْ فِيهِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا التّأْوِيلُ، وَلَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَلَا يُوجَدُ شَاهِدٌ يُعَضّدُهُ، وَأَمّا الْخَطّابِيّ، فَقَالَ: الْبَيْتُ هَاهُنَا عِبَارَةٌ عَنْ قَصْرٍ، وَقَدْ يُقَالُ لِمَنْزِلِ الرّجُلِ: بَيْتُهُ، وَاَلّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ، يُقَالُ فِي الْقَوْمِ: هُمْ أَهْلُ بَيْتِ شَرَفٍ وَبَيْتِ عِزّ، وَفِي التّنْزِيلِ: (غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ولكن لذكر البيت ههنا بِهَذَا اللّفْظِ وَلِقَوْلِهِ: بِبَيْتِ، وَلَمْ يَقُلْ: بِقِصَرِ مَعْنًى لَائِقٍ بِصُورَةِ الْحَالِ، وَذَلِكَ أَنّهَا كَانَتْ رَبّةَ بَيْتِ إسْلَامٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ بَيْتُ إسْلَامٍ إلّا بَيْتَهَا حِينَ آمَنَتْ، وَأَيْضًا فَإِنّهَا أَوّلُ مَنْ بَنَى بَيْتًا فِي الْإِسْلَامِ بِتَزْوِيجِهَا رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَغْبَتِهَا فِيهِ، وَجَزَاءُ الْفِعْلِ يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ أَشْرَفَ مِنْهُ لِمَا جَاءَ:
«مَنْ كَسَا مُسْلِمًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنّةِ، وَمَنْ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإِ سَقَاهُ اللهُ مِنْ الرّحِيق «1» ، وَمِنْ هَذَا الْبَابُ قوله عليه السلام: من نبىّ لله
__________
(1) روايته: أنما مسلم كسا مسلما ثوبا على عرى كساء الله تعالى من خضر-

(2/426)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَسْجِدًا بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنّةِ «1» لَمْ يَرِدْ مِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ مَسْجِدًا، وَلَا فِي صِفّتِهِ وَلَكِنْ قَابِلٌ الْبُنْيَانِ بِالْبُنْيَانِ، أَيْ كما بنى يا بنى لَهُ، كَمَا قَابِلُ الْكِسْوَةِ بِالْكِسْوَةِ وَالسّقْيَا، بِالسّقْيَا، فَهَاهُنَا وَقَعَتْ الْمُمَاثَلَةُ، لَا فِي ذَاتِ الْمَبْنِيّ أو المكسوّ، وإذا ثبت هذا، فمن ههنا اقْتَضَتْ الْفَصَاحَةُ أَنْ يُعَبّرَ لَهَا عَمّا بُشّرَتْ بِهِ بِلَفْظِ الْبَيْتِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا لَا عَيْنَ رَأَتْهُ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْهُ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَمِنْ تَسْمِيَةِ الْجَزَاءِ عَلَى الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ فِي عَكْسِ مَا ذَكَرْنَاهُ قوله تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ) «2» .
__________
- الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله تعالى يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق المختوم» ويقول المنذرى عنه: رواه أبو داود من رواية أبى خالد بن يزيد بن عبد الرحمن الدلانى، وحديثه حسن، والترمذى: بتقديم وتأخير، وقال: حديث غريب، وقد روى موقوفا على أبى سعيد، وهو أصح وأشبه، ورواه ابن أبى الدنيا فى كتاب اصطناع المعروف موقوفا على ابن مسعود.
(1) البخارى ومسلم وأحمد والترمذى وابن ماجة عن عثمان، وفيه: «يبتغى به وجه الله» .
(2) يقول الذين يؤولون الصفات التى ورد بها القرآن عن الايات التى جاء فيها نسبة الكيد والاستهزاء والنسيان إلى الله ما يأتى: «هذا كله إنما يحسن على وجه المقابلة، ويحسن أن يضاف إلى الله تعالى ابتداء، فيقال: إنه يمكر ويكيد ويخادع وينسى، ولو كان حقيقة لصلح إطلاقه مفردا عن مقابله كما يصح أن يقال: يسمع ويرى ويعلم ويقدر» ويزد ابن القيم ردا طيبا فى الصواعق المرسلة، فيقول: «الصواب أن معانيها- أى الكيد وخلافه- تنقسم إلى محمود ومذموم، فالمذموم منها يرجع إلى الظلم والكذب ... فما كان منها متضمنا للكذب والظلم، فهو

(2/427)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا قَوْلُهُ: لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَبَ، فَإِنّهُ أَيْضًا مِنْ بَابِ مَا كُنّا بِسَبِيلِهِ،
__________
مذموم، وما كان منها بحق وعدل ومجازاة على القبيح، فهو حسن محمود، فإن المخادع إذا خادع بباطل وظلم حسن من المجازى له أن يخدعه بحق وعدل، وكذلك إذا مكر واستهزأ ظالما متعديا، كان المكربه والاستهزاء عدلا حسنا، كما فعله الصحابة بكعب بن الأشرف، وابن أبى الحقيق، وأبى رافع وغيرهم ممن كان يعادى رسول الله «ص» فخادعوه حتى كفوا شره وأذاه بالقتل، وكان هذا الخداع والمكر نصرة لله ورسوله.. وجزاء المسىء بمثل إساءته جائز فى جميع الملل مستحسن فى جميع العقول؛ ولهذا كاد سبحانه ليوسف حين أظهر لإخواته ما أبطن خلافه جزاء لهم على كيدهم له مع أبيه، حيث أظهروا أمرا وأبطنوا خلافه، ثم قرر أن هذه الأفعال لا يجوز ذمها على الإطلاق، ولا مدحها على الإطلاق، كما لا يجوز أن يشتق منها أسماء وصفات لله سبحانه؛ لأن الله لا يوصف إلا بالأنواع المحمودة على الإطلاق، ولهذا لم يرد فى أسمائه الحسنى: المريد أو المتكلم أو الفاعل أو الصانع؛ لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، فلا يجوز مطلقا اشتقاق الماكر والمخادع والمستهزىء مما ورد فى الايات، وتسمية الله بها، لأنه سبحانه لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق.. فلا يكون الاستهزاء والمكر والخداع منه قبيحا البتة، فلا يمتنع وصفه به ابتداء لا على سبيل المقابلة.. فإطلاق ذلك عليه سبحانه على حقيقته دون مجازاة؛ إذ الموجب للمجاز منتف» وأقول: كل مسلم يتدبر القرآن لا يشعر أبدا بمثل ما يفتريه المعطلة والجهمية ولا يخر على آياته أصم أعمى، ويغمر قلبه اليقين بأن الله الذى من علينا فعلمنا البيان يستحيل أن تحكم عليه بأنه أخطأ فى البيان عن صفاته وأسمائه وأفعاله، أو أراد أن يضللنا بألفاظ لا يراد بها معانيها التى لها فى لغة القرآن، فلنصف الله بما وصف به نفسه، ولنسمه بما سمى به نفسه، ولننسب إليه ما نسبه هو إلى نفسه جل جلاله دون تأويل أو تحريف أو تمثيل أو تشبيه أو تعطيل لشىء من هذا كله فإننا نؤمن بأن قوله- سبحانه- هو الحق، وأنه ليس كمثله شىء.

(2/428)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأَنّهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- دَعَاهَا إلَى الْإِيمَانِ، فَأَجَابَتْهُ عَفْوًا، لَمْ تُحْوِجْهُ إلَى أَنْ يَصْخَبَ كَمَا يَصْخَبُ الْبَعْلُ إذَا تَعَصّتْ عَلَيْهِ حَلِيلَتُهُ، وَلَا أَنْ يَنْصِبَ، بَلْ أَزَالَتْ عَنْهُ كُلّ نَصَبٍ، وَآنَسَتْهُ مِنْ كُلّ وَحْشَةٍ، وَهَوّنَتْ عَلَيْهِ كُلّ مَكْرُوهٍ، وَأَرَاحَتْهُ بِمَا لَهَا مِنْ كُلّ كَدّ وَنَصَبٍ، فَوَصَفَ مَنْزِلَهَا الّذِي بُشّرَتْ بِهِ بِالصّفّةِ الْمُقَابِلَةِ لِفَعَالِهَا وَصُورَتِهِ.
وَأَمّا قَوْلُهُ: مِنْ قَصَبٍ، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا، وَلَكِنْ فِي اخْتِصَاصِهِ هَذَا اللّفْظِ مِنْ الْمُشَاكَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُقَابِلَةِ بِلَفْظِ الْجَزَاءِ لِلَفْظِ الْعَمَلِ أَنّهَا- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- كَانَتْ قَدْ أَحْرَزَتْ قَصَبَ السّبْقِ إلَى الْإِيمَانِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الرّجَالِ وَالنّسْوَانِ. وَالْعَرَبُ تُسَمّي السّابِقَ مُحْرِزًا لِلْقَصْبِ.
قَالَ الشّاعِرُ:
مَشَى ابْنُ الزّبَيْرِ الْقَهْقَرَى، وَتَقَدّمَتْ ... أُمَيّةُ حَتّى أَحْرَزُوا الْقَصَبَاتِ
فَاقْتَضَتْ الْبَلَاغَةُ أَنْ يَعْبُرَ بِالْعِبَارَةِ الْمُشَاكِلَةِ لِعَمَلِهَا فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الحديث فتأمله
الموازنة بين خديجة وعائشة:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَدِيجَةَ: هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُك السّلَامَ مِنْ رَبّك. الْحَدِيثُ «1» يُذْكَرُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بن داود أنه
__________
(1) فى الحديث المتفق عليه عن أبى هريرة: «أتى جبريل النبى «ص» فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى، وبشرها ببيت فى الجنة مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبٍ فِيهِ وَلَا نَصَبٍ» .

(2/429)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سُئِلَ: أَعَائِشَةُ أَفَضْلُ، أَمْ خَدِيجَةَ؟ فَقَالَ: عَائِشَةُ أَقْرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّلَامَ مِنْ جِبْرِيلَ «1» ، وَخَدِيجَةُ أَقْرَأَهَا جِبْرِيلُ السّلَامَ مِنْ رَبّهَا عَلَى لِسَانِ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهِيَ أَفَضْلُ، قِيلَ لَهُ: فَمَنْ أَفْضَلُ، أَخَدِيجَةُ أَمْ فَاطِمَةُ؟ فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- قال: إن فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنّي «2» فَلَا أَعْدِلُ بِبَضْعَةِ مِنْ رَسُولِ اللهِ أَحَدًا، وَهَذَا اسْتِقْرَاءٌ حَسَنٌ، وَيَشْهَدُ لِصِحّةِ هَذَا الِاسْتِقْرَاءِ أَنّ أَبَا لُبَابَةَ حِينَ ارْتَبَطَ نَفْسُهُ، وَحَلَفَ أَلّا يَحِلّهُ إلّا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ لِتَحِلّهُ، فَأَبَى مِنْ أَجْلِ قَسَمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّمَا فَاطِمَةُ مُضْغَةٌ مِنّي، فَحَلّتْهُ وَسَنَذْكُرُ الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِي مَوْضِعِهِ، إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَيَدُلّ أَيْضًا عَلَى تَفْضِيلِ فَاطِمَةَ قَوْلُهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- لَهَا: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ «3» إلّا مَرْيَمَ؟ فَدَخَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أُمّهَا وَأَخَوَاتُهَا، وَقَدْ تَكَلّمَ النّاسُ فِي الْمَعْنَى الّذِي سَادَتْ بِهِ فَاطِمَةُ غَيْرَهَا دُونَ أَخَوَاتِهَا، فَقِيلَ: إنّهَا وَلَدَتْ سَيّدَ هَذِهِ الْأُمّةِ، وَهُوَ الْحَسَنُ الّذِي يَقُولُ فِيهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم:
__________
(1) عن أبى سلمة أن عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: يا عائش: هذا جبريل يقرئك السلام. قالت: وعليه السلام ورحمة الله. قالت: وهو يرى ما لا أرى» متفق عليه.
(2) عن المسور بن مخرمة أن رسول الله «ص» قال: «فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبنى» وفى رواية: «يريا بنى ما أرابها، ويؤذينى ما آذها» متفق عليه.
(3) فى حديث متفق عليه عن عائشة «ألا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ، أو نساء المؤمنين» ولم يأت لمريم فيه ذكر.

(2/430)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إنّ ابْنِي هَذَا سَيّدٌ «1» ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ، بَعْلُهَا خَلِيفَةٌ أَيْضًا، وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ: مَنْ قَالَ: سَادَتْ أَخَوَاتُهَا وَأُمّهَا، لِأَنّهُنّ مُتْنَ فِي حَيَاةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكُنّ فِي صَحِيفَتِهِ، وَمَاتَ أَبُوهَا وَهُوَ سَيّدُ الْعَالَمِينَ، فَكَانَ رُزْؤُهُ فِي صَحِيفَتِهَا وَمِيزَانِهَا، وَقَدْ رَوَى الْبَزّارُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أَنّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِفَاطِمَةَ: هِيَ خَيْرُ بَنَاتِي؛ إنّهَا أُصِيبَتْ بِي، فَحَقّ لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ أَنْ يَسُودَ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَنّةِ، وَهَذَا حَسَنٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ سُؤْدُدِهَا أَيْضًا أَنّ الْمَهْدِيّ الْمُبَشّرَ بِهِ آخِرَ الزّمَانِ مِنْ ذُرّيّتِهَا، فَهِيَ مَخْصُوصَةٌ بِهَذَا كُلّهِ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي أَمْرِ الْمَهْدِيّ كَثِيرَةٌ «2» ، وَقَدْ جَمَعَهَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ فَأَكْثَرَ، وَمِنْ أَغْرَبِهَا إسنادا ما ذكره أبوبكر الْإِسْكَافُ فِي فَوَائِدِ الْأَخْبَارِ مُسْنَدًا إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَذّبَ بِالدّجّالِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ كَذّبَ بِالْمَهْدِيّ فَقَدْ كَفَرَ «3» ، وَقَالَ: فِي طُلُوعِ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا مِثْلَ ذَلِكَ فِيمَا أحسب «4» .
__________
(1) من حديث رواه البخارى عن أبى بكرة قال: رأيت رسول الله «ص» على المنبر والحسن بن على إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى، ويقول: «إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ونحن المسلمين لا يصح الان أن نخوض فى مثل هذا، فقد أفضت كل واحدة منهن إلى الله سبحانه
(2) استغل هذه الأسطورة أعداء الله، فظهر عشرات الدجاجلة يزعم كل منهم أنه هو المهدى، ولم يخرج البخارى ولا مسلم شيئا عن المهدى، وجميع الأحاديث الواردة فيه لا تخلو من نقد، واقرأ فى هذا مقدمة ابن خلدون تحت عنوان «فصل فى أمر الفاطمى»
(3) لا يشهد لصحة هذا عقل ودلاد بن
(4) نقل ابن خلدون عن السهيلى هذا فى مقدمته ص 272 طبع عبد الرحمن محمد وقال: وحسبك هذا غلوا. على أن أبابكر الإسكاف عندهم متهم وضاع.

(2/431)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللهُ السّلَامُ:
وَقَوْلُ خَدِيجَةَ: اللهُ السّلَامُ، وَمِنْهُ السّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلَ السّلَامُ، عَلِمَتْ بِفِقْهِهَا أَنّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ السّلَامُ، كَمَا يَرِدُ عَلَى الْمَخْلُوقِ؛ لِأَنّ السّلَامَ دُعَاءٌ بِالسّلَامَةِ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهَا: اللهُ السّلَامُ، فَكَيْفَ أَقُولُ عليه السلام، والسلام منه يسئل، وَمِنْهُ يَأْتِي؟ وَلَكِنْ عَلَى جِبْرِيلَ السّلَامُ، فَاَلّذِي يَحْصُلُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْفِقْهِ أَنّهُ لا يليق بالله سبحانه إلا الثّناء نمليه، فَجَعَلَتْ مَكَانَ رَدّ التّحِيّةِ عَلَى اللهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ، كَمَا عَمِلُوا فِي التّشَهّدِ حِينَ قَالُوا: السّلَامُ عَلَى اللهِ مِنْ عِبَادِهِ، السّلَامُ عَلَى فُلَانٍ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَا تَقُولُوا هَذَا، وَلَكِنْ قُولُوا: التّحِيّاتُ لِلّهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ فَوَائِدَ جَمّةً فِي مَعْنَى التّحِيّاتِ إلَى آخِرِ التّشَهّدِ. وَقَوْلُهَا: وَمِنْهُ السّلَامُ، إنْ كانت أرادت السلام التحية، فهو خبر يرادبه التّشَكّرُ، كَمَا تَقُولُ: هَذِهِ النّعْمَةُ مِنْ اللهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرَادَتْ السّلَامَ بِالسّلَامَةِ مِنْ سُوءٍ، فهو حبر يراد به المسئلة، كما تقول:
منه يسئل الْخَيْرُ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ اللّغَةِ إلَى أَنّ السّلَامَ وَالسّلَامَةَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ كَالرّضَاعِ وَالرّضَاعَةِ، وَلَوْ تَأَمّلُوا كَلَامَ الْعَرَبِ وَمَا تُعْطِيهِ هَاءُ التّأْنِيثِ مِنْ التّحْدِيدِ لَرَأَوْا أَنّ بَيْنَهُمَا فُرْقَانًا عَظِيمًا، وَأَنّ الْجَلَالَ أَعَمّ مِنْ الْجَلَالَةِ بِكَثِيرِ، وَأَنّ اللّذَاذَ أَبْلَغُ مِنْ اللّذَاذَةِ، وَأَنّ الرّضَاعَةَ تَقَعُ عَلَى الرّضْعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَالرّضَاعُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ السّلَامُ، وَالسّلَامَةُ، وَقِسْ عَلَى هَذَا: تَمْرَةً وَتَمْرًا، وَلَقَاةً وَلَقًى، وَضَرْبَةً وَضَرْبًا، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَسَمّى سُبْحَانَهُ بِالسّلَامِ لِمَا شَمِلَ جَمِيعَ الْخَلِيقَةِ، وَعَمّهُمْ مِنْ السّلَامَةِ مِنْ الِاخْتِلَالِ وَالتّفَاوُتِ إذْ الْكُلّ جَارٍ عَلَى نِظَامِ الْحِكْمَةِ، كَذَلِكَ سليم الثّقَلَانِ مِنْ جَوْرٍ وَظُلْمٍ أَنْ يَأْتِيَهُمْ مِنْ قِبَلِهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنّمَا الْكُلّ مُدَبّرٌ بِفَضْلِ أَوْ عَدْلٍ، أَمّا الْكَافِرُ فَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ إلّا عَدْلُهُ، وَأَمّا الْمُؤْمِنُ

(2/432)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَيَغْمُرُهُ فَضْلُهُ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ سَلَامٌ، لَا حَيْفَ وَلَا ظُلْمَ، وَلَا تَفَاوُتَ وَلَا اخْتِلَالَ، وَمَنْ زَعَمَ مِنْ الْمُفَسّرِينَ لِهَذَا الِاسْمِ أَنّهُ تَسَمّى بِهِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْآفَاتِ وَالْعُيُوبِ، فَقَدْ أَتَى بِشَنِيعِ مِنْ الْقَوْلِ، إنّمَا السّلَامُ مَنْ سُلِمَ مِنْهُ، وَالسّالِمُ مَنْ سَلِمَ مِنْ غَيْرِهِ، وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) وإلى قوله: (سَلامٌ هِيَ) وَلَا يُقَالُ فِي الْحَائِطِ: سَالِمٌ مِنْ الْعَمَى، وَلَا فِي الْحَجَرِ أَنّهُ سَالِمٌ مِنْ الزّكَامِ، أَوْ مِنْ السّعَالِ إنّمَا يُقَالُ: سَالِمٌ فِيمَنْ تَجُوزُ عَلَيْهِ الْآفَةُ، وَيَتَوَقّعُهَا ثُمّ يَسْلَمُ مِنْهَا، وَالْقُدّوسُ سُبْحَانَهُ مُتَعَالٍ عَنْ تَوَقّعِ الْآفَاتِ مُتَنَزّهٍ عَنْ جَوَازِ النّقَائِصِ، وَمِنْ هَذِهِ صِفّتُهُ لَا يُقَالُ: سَلِمَ، وَلَا يَتَسَمّى بِسَالِمِ، وَهُمْ قَدْ جَعَلُوا سَلَامًا بِمَعْنَى سَالِمٍ، وَاَلّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوّلَ، هُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَكْثَرِ السّلَفِ وَالسّلَامَةُ: خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ خِصَالِ السّلَامِ «1» :
فَتْرَةَ الْوَحْيِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ فَتْرَةَ الْوَحْيِ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَ مُدّةِ الْفَتْرَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُسْنَدَةِ أَنّهَا كَانَتْ سَنَتَيْنِ وَنِصْفِ سَنَةٍ، فَمِنْ هُنَا يَتّفِقُ مَا قَالَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ مُكْثَهُ بِمَكّةَ كَانَ عَشَرَ سِنِينَ، وَقَوْلُ ابْنِ عباس: ثلاث عشرة سنة، وكان قد ابتدىء بِالرّؤْيَا الصّادِقَةِ سِتّةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ عَدّ مُدّةَ الْفَتْرَةِ، وَأَضَافَ إلَيْهَا الْأَشْهُرَ السّتّةَ، كَانَتْ كَمَا قال
__________
(1) فى النهاية لابن الأثير عن السلام: «سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء والسلام فى الأصل: السلامة» : وعند الراغب فى مفرداته: «وصف بذلك من حيث لا يلحقه العيوب والافات التى تلحق الخلق» وانظر ص 135 ج 2 بدائع الفوائد.

(2/433)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابْنُ عَبّاسٍ، وَمَنْ عَدّهَا مِنْ حِينِ حَمِيَ الْوَحْيِ وَتَتَابَعَ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَانَتْ عَشْرَ سِنِينَ. وَوَجْهٌ آخَرُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنّ الشّعْبِيّ قَالَ:
وَكّلَ إسْرَافِيلَ بِنُبُوّةِ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمّ جَاءَهُ بِالْقُرْآنِ جِبْرِيلُ «1» وَقَدْ قَدّمْنَا هَذَا الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ، وَإِذَا صَحّ فَهُوَ أَيْضًا وَجْهٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
شَرْحُ شِعْرِ الْهُذَلِيّ وَالْفَرَزْدَقِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَ أَبِي خِرَاشٍ خُوَيْلِدِ بْنِ مُرّةَ الْهُذَلِيّ
إلَى بَيْتِهِ يَأْوِي الضّرِيكُ إذَا شَتَا ... وَمُسْتَنْبَحٌ بَالِي الدّرِيسَيْنِ عَائِلُ
الضّرِيكُ: الضّعِيفُ الْمُضْطَرّ «2» وَالْمُسْتَنْبَحُ الّذِي يَضِلّ عَنْ الطّرِيقِ فِي ظُلْمَةِ اللّيْلِ، فَيَنْبَحُ لِيَسْمَعَ نُبَاحَ كَلْبٍ «3» وَالدّرِيسُ: الثّوْبُ الْخَلَقُ، وقول الفرزدق:
__________
(1) فى فتح البارى: (هذا الذى اعتمده السهيلى من الاحتجاج بمرسل الشعبى لا يثبت، وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أياما» ص 31 ج 1 الحلبى وقال مغلطاى: «يخدش فيه- أى فى كلام السهيلى- ما فى تفسير ابن عباس أنها كانت أربعين يوما، وفى تفسير ابن الجوزى ومعانى الزجاج: خمسة عشر، وفى تفسير مقاتل: ثلاثة أيام، ولعل هذا هو الأشبه بحاله عند ربه لا ما ذكره السهيلى، وجنح لصحته» ص 236 شرح المواهب ح 1
(2) الضريك أيضا: النسر الذكر والأحمق والزّمن- بكسر الميم- والضرير.
(3) عبر عنها الخشنى بتعبير أوضح فقال: «المستنبح الذى يصل بالليل، فينبح نباح الكلاب، لتسمعه الكلاب فتجاوبه، فيعلم موضع البيوت، فيقصدها» . ويقول الخشنى عن تثنية الدريس: «وثناه لأنه أراد به الإزار، والرداء، وهو أقل ما يكون للرجال من اللباس» ص 77.

(2/434)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَرَى الْغُرّ الْجَحَاجِحَ «1» مِنْ قُرَيْشٍ ... إذَا مَا الْأَمْرُ فِي الْحَدَثَانِ عَالَا
قِيَامًا يَنْظُرُونَ إلَى سَعِيدٍ ... كَأَنّهُمْ يَرَوْنَ بِهِ هِلَالًا
يَعْنِي: سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِي بْنِ أُمَيّةَ، وَيُقَال: إنّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ حِينَ سَمِعَ الْفَرَزْدَقَ يُنْشِدُ هَذَا الْبَيْتَ حَسَدَهُ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ: قُعُودًا يَنْظُرُونَ إلَى سَعِيدٍ يَا أَبَا فِرَاسٍ. فَقَالَ لَهُ الْفَرَزْدَقُ: وَاَللهِ يَا أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ: إلّا قِيَامًا عَلَى الْأَقْدَامِ «2» .
وَذَكَرَ سَبَبَ نُزُولِ سُورَةِ الضّحَى، وَأَنّ ذَلِكَ لِفَتْرَةِ الْوَحْيِ عَنْهُ، وَخَرّجَ الْبُخَارِيّ مِنْ طَرِيقِ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ «3» أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَكَى، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: إنّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُك قَدْ تركك، فأنزل الله تعالى سورة الضحى «4» .
__________
(1) غر: ربها هكذا جمع أغر: المشهور، وأصله الأبيض. والجحاجح: جمع جحجح وجحجاح: السيد، وأيضا: الفسل من الرجال، ومن جمعه: جحاجيج، وجحاجحة.
(2) مدح الفرزدق سعيدا بهذا، وكان حينئذ أمير المدينة من قبل معاوية رحمه الله، وكان يوليه معاوية سنة، ويولى مروان سنة أخرى، ويقال إن الفرزدق قال لمروان: لا أقول إلا قياما، وإنك يا أبا عبد الملك لصافن من بينهم، وصفن الرجل إذا رفع إحدى قدميه، ووقف على الأخرى «الخشنى ص 78
(3) سفيان: جده، وأبوه: عبد الله. وهو ينسب إلى أبيه وإلى جده.
(4) وأخرجه مسلم ومالك وأحمد والترمذى والنسائى وابن أبى حاتم وابن جرير وقيل: إن هذه المرأة هى أم جميل امرأة أبى لهب.

(2/435)


تمّ بحمد الله الجزء الثّانى ويليه الجزء الثّالث إن شاء الله وأوله: فرض الصّلاة

(2/437)


ملحوظات تكلم السهيلى عن بئار مكة فى ص 123- ح 2 وما بعدها، وقد زاد البلاذرى فى كتابه فتوح البلدان عما ذكره السهيلى، ففيما يتعلق بالعجول زاد بعد الشطرة الأولى:
قبل صدور الحاج من كل أفق
وزاد فى سجلة بعد الشطرة الأولى:
فى تربة ذات غداة سهلة
وزاد فى شعر صفية المذكور فى ص 125
فيها الجراد والذر ... وقذر لا يذكر
وعن بذر ورد:
ليست كبذر النذور الجماد
وبهذا استقام المعنى فقد كانت البرور فى الروض.
ملحوظات عن الجزء الأول
فى ص 336 ح 1 ورد فى السطر الحادى عشر نصف بيت من الشعر اهتديت إلى تمامه، فقد أنشده اللسان فى مادة أوب وهو:
رَبّاءُ شَمّاءُ لَا يَأْوِي لِقُلّتِهَا ... إلّا السّحَابُ وإلا الأوب السّبل
والأوب اسم جمع ومعناه: النحل، والسبل: المطر هذا وقد ندت عن العين بعض أخطاء يسيرة جدا نرجو أن نتداركها بعد إن شاء الله.

(2/439)


محتويات الكتاب
رقم الموضوع
6 أمهات الرسول «ص» «س «1» »
7 أمر جرهم ودفن زمزم «س»
7 مولد النبى «ص»
9 زمزم
10 استيلاء كنانة وخزاعة على البيت
ونفى جرهم «س»
11 شعر الحارث بن مضاض «س»
12 شعر عمرو بن الحارث «س»
13 حول زمزم
13 لم نزلت هاجر وإسماعيل مكة
15 قطورا وجرهم والسميدع
16 جياد وقعيقعان
17 جرهم تسرق مال الكعبة
18 بين جرهم وخزاعة
19 غربة الحارث بن مضاص
20 من شرح شعر ابن مضاض
21 واسط وعامر وجرهم
22 مكة وأسماؤها
24 ما وجد مكتوبا فى الأحجار
27 استبداد قوم من خزاعة بولاية
رقم الموضوع البيت «س»
28 قصى وزواجه وتوليه أمر البيت «س»
29 ولاية الغوث إجازة الحج «س»
31 عدوان والإفاضة «س»
32 قصى وخزاعة وولاية البيت
33 نشأة قصى
34 الغوث بن مر وصوفة
34 لم سمى قصى قصيا؟ «س»
37 بنو سعد وزيد مناة
38 اشتقاق المزدلفة
39 ذو الإصبع وآل ظرب
41 أبو سيارة
42 حول لاهمّ «ن. ل» «س»
43 لهنّك «ش» «ن. ل»
44 أمر عامر بن ظرب
45 غلب قصى على أمر مكة
50 الرفادة «س»
51 الحكم بالأمارات
52 يعمر الشداخ
__________
(1) «س» رمز عن السيرة، و «ن. ل» رمز عن النحو واللغة، و «ش» رمز عن الشرح، أما الروض فبدون رمز.

(2/441)


رقم موضوع
53 ولاية قصى البيت « «1» »
53 رباع مكة
55 دار الندوة
55 من تفسير شعر رزاح
58 شعر قصى والعذرتان
59 حوتكة وأسلم
61 الاختلاف بعد قصى وحلف المطيبين «س»
63 حلف الفضول «س»
65 هاشم ونسله «س»
66 شعر مطرود فى بكاء بنى عبد مناف «س»
67 حلف المطيبين
68 السناد والإقوء
70 حلف الفضول
71 حرب الفجار
73 القتول ونبيه بن الحجاج
75 الحلف وابن جدعان
75 هل حضر النبى حرب الفجار؟ «س»
76 صكّه عمىّ «ن. ل» .
77 طعام ابن جدعان «ش»
78 ابن جدعان أسطورة
81 موقف الإسلام من الحلف
83 عن أولاد عبد مناف
84 طعام هاشم
84 ابن الزبعرى يمدح بنى عبد مناف
87 عبد المطلب وابن ذى يزن
88 نسب أحيحة
89 الليلة القسية والدرهم القسى «ن. ل»
90 شعر الصلتان أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله
90 «ن. ل»
91 جمع يراد به المفرد «ن. ل»
91 الحكم للبعض بحكم الكل «ن. ل»
93 شعر مطرود من عبد المطلب «س»
95 حفر زمزم «س»
100 بئار قريش «س»
103 ويل الشجى من فى الخلى «ن. ل»
104 شرح شعر مطرود
106 تصريف موماة ومرمر «ن. ل»
107 قلق وسلس «ن. ل»
109 حديث زمزم
110 الاستسقاء س»
112 أسماء زمزم تأويل العلامات التى رآها
113 عبد المطلب
116 من صفات زمزم
119 نبع الماء من بين أصابعه «ص»
120 اشتقاق مفازة «ن. ل»
__________
(1) الموضوع قد يذكر فى السيرة وفى الروض ولهذا يتكرر ذكره فى الفهرس.

(2/442)


رقم الموضوع 121 الجمع واسم الجمع (ن. ل)
123 بئار قريش بمكة
128 من شرح شعر مسافر «1»
130 هراق وأراق «س»
131 نذر عبد المطلب ذبح ولده «س» المرأة التى تعرضت لنكاح
135 عبد الله «س»
137 ما قيل لامنة عند حملها «س»
137 نذر عبد المطلب
139 تزويج عبد الله
140 حول أمهاته صلى الله عليه وسلم
141 المرأة التى دعت عبد الله
143 ولادة الرسول ص «س»
144 رضاعته وحضانته (س)
145 قصة حليمة السعدية (س)
149 فصل فى المولد
150 لم يولد صلى الله عليه وسلم مختونا
151 تسميته (ص)
150 اسم محمد وأحمد
157 تعويذ عبد المطلب
158 متى ولد وأين ولد النبى «ص»
160 تحقيق وفاة أبيه «ص»
160 أبوه من الرضاعة
162 قصية أو فصية والثيماء
163 شرح حديث الرضاع
164 يغذيه أو يغديه
رقم الموضوع 166 التماس الأجر على الرضاع
167 لم كانت قريش تلتمس المراضع
168 شق الصدر
170 لم يكن النبى يعرف أنه نبى قبل البعثة «س»
170 تضارب ما قيل عن الخاتم النبوى
172 حديث السكينة
172 عن شق الصدر مرة أخرى
175 لم اختير طست من ذهب
178 الحكمة فى ختم النبوة
179 رد حليمة للنبى «ص»
179 تأويل النور الذى رأته- آمنة-
180 عود إلى حديث ابن إسحاق عن الرضاع «س»
181 وفاة آمنة «س»
182 رعية الغنم
183 فى كفالة العم
184 حوت آمنة وزياته لها حول
185 أحاديث عن حكم أبويه
188 وفاة عبد المطلب ورشاؤه «س»
189 قصيدة صفية «س»
190 قصيدة برة وعاتكة وأم حكيم «س»
191 قصيدة أميمة وأروى «س»
192 قصيدة حذيفة بن غانم «س»
195 قصيدة مطرود الخزاعى «س»
195 ولاية العباس السقاية «س»
__________
(1) تقدم هذا العنوان قبل موضعه بأربعة أسطر.

(2/443)


رقم الموضوع 196 الرسول «ص» فى كفالة أبى طالب «س»
197 شرح شعر رثاء عبد المطلب
202 أبو جهم
203 شرح شعر حذيفة بن غانم
204 تهام وشام «ن. ل»
206 حذف الياء من هاء الكتابة
209 من شرح شعر حذيفة
210 رأى النحاة فى زيد أفضل إخوته
211 من شرح شعر مطرود
212 من شعر مهلهل عن زواج ابنته
214 النطف
215 اللهبى العائف
216 قصة بحيرى «س»
220 شرح قصة بحيرى فى الروض
221 من صفات خاتم النبوة
224 رواية الترمذى عن رحلة الشام
226 نقد رواية الترمذى
228 حفظ النبى «ص» فى صغره
229 حرب الفجار «س»
231 حديث تزوج خديجة «س»
133 قصة الفجار فى الروض
234 منع تنوين العلم
235 من تفسير شعر البراض
235 آخر أمر الفجار
236 شرح قول الراهب: ما نزل تحت
رقم الموضوع هذه الشجرة إلا نبى
237 تحقيق معنى الوسط
238 من الذى زوج خديجة؟
241 أولاده ص «س»
241 تنبؤ ورقة «س»
242 أولاده من خديجة
244 بين خديجة وبحيرى ونسبها
245 من تزوجتهم خديجة قبل الرسول «ص»
246 مارية وإبراهيم
248 ترجمة ورقة
252 مثنى يقصد به المفرد «ن. ل»
255 النور والضيا. «ن. ل»
256 نون الوقاية فى إن أخواتها (ن. ل)
256 حول تقدم صلة المصدر عليه (ن. ل)
257 متى يجوز تقديم معمول المصدر «ن. ل
259 بنيان لكعبة فى السيرة
264 بنيان الكعبة فى الروض
266 تجديد ابن الزبير لبنائها
268 أساطير حول بناء الكعبة
273 العهد الذى أخذ على ذرية آدم «ش»
276 حول بناء المسجد الحرام
277 كنز الكعبة والنجار القبطى
278 الحية والدابة
278 تفسير: لم ترع
279 حول حديث أبى لهب
280 الحجر الذى كان متكوبا عليه

(2/444)


رقم الموضوع
281 الحجر الأسود وقواعد البيت
282 شعر الزبير فى بناء الكعبة
283 حديث الخمس فى السيرة
287 حديث الخمس فى الروض
289 يوم جبلة وعدس والحلة والطلس
290 اللقى يروى
290 رجز المرأة الطائفة
291 قرزل وطفيل
292 الهامة. شعر لجرير
293 ما نزل من القرآن فى شأن الحمس
294 وقوف النبى بعرفة قبل النبوة
294 موقف قريش فى الحج فى جاهليتها «س. ش»
295 الإخبار بمبعث نبى «س»
295 منع الجن من استراق السمع «ص»
297 أول فزع للرمى بالنجوم «س»
298 كيف يسترق الجن السمع «ص»
299 حديث الغيطلة الكاهنة فى السيرة والروض
299 حديث كاهن جنب «س»
301 فصل فى الكهانة
302 رمى الشياطين
203 الجن الذين ذكروا فى القرآن
305 ابن علاط والجن
305 قصة نصر بن حجاج «س»
307 أحاديث حول استماع الجن «س»
رقم الموضوع
310 انقطاع الكهانة
311 قصة صاف بن صياد
312 حديث الغيطلة الكاهنة وفى الروض
313 كاهن ثقيف ولهب
316 أيش والأحائم «ن. ل»
317 حى جنب
318 حول حديث عمر وسواد بْنِ قَارِبِ
323 سَوَادٌ وَدَوْسٌ عِنْدَ وَفَاةِ الرّسُولِ «ص»
324 كاهنة قريش
326 إنذار يهود بالرسول ص «س»
328 ابن الهيبان
329 حديث سلمة وبنى سعيد
331 إسلام سعنة الحبر
332 حديث إسلام سلمان «س»
340 معنى إصبهان وشرح الروض لحديث سلمان
341 أسماء النخلة
342 حكم الصدقة للنبى «ص» ومصدر مال سليمان
344 أول من مات بعد الهجرة
345 أسطورة نزول عيسى قبل البعثة
348 ورقة وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ وَعُثْمَانَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «س»
349 زيد بن عمرو بن نفيل

(2/445)


رقم الموضوع
355 حديث ورقة فى الروض
356 الزواج من امرأة الأب فى الجاهلية
358 معنى: فقح الجرو
358 من قصة ابن الحويرث
359 اعْتِزَالُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْأَوْثَانَ وتركه أكل ما ذبح على النصب
363 زيد وصعصعة والموؤدة
364 شرح شعر زيد
366 إعراب نعت النكرة المتقدم «نحو»
367 من معانى شعر زيد
368 تفسير حنانيك وحول اسم الله «ن. ل»
369 حذف المنادى مع بقاء الياء «ن. ل»
370 تصريف اطمأنت وأشياء «ن. ل»
371 الدعموص والخرم فى الشعر
372 لغويات ونحويات
375 صفة الرسول «ص» من الإنجيل «س»
376 بشارة إنجيل يوحنا «س»
377 من صفات النبى عند الأحبار «س»
380 حديث الوحى «س»
384 كتاب المبعث
385 إعراب لما آتيتكم (ن. ل)
378 النبوءة وأولو العزم
رقم الموضوع
388 أول بدىء به من النبوة
390 مدلول تفعل «ن. ل»
391 حول المجاورة فى حراء
392 كيفية الوحى
396 من تفسير حديث الوحى
397 معنى اقرأ باسم ربك
397 حول بسم الله
399 الغط
400 العفريت الذى تفلت فى الصلاة
401 ما أنا بقارىء
402 رؤية جبريل ومعنى اسمه
402 معنى إل وخرافة الرهبان
404 معنى الناموس
404 لم ذكر ورقة موسى ولم يذكر عيسى؟
405 حول هاء السكت والفعل تدرك «ن. ل
406 شرح أو مخرجى؟ «ن. ل»
407 يافوخ «ن. ل»
407 الذهاب إلى ورقة
409 لقد خشيت على نفسى
410 المختار من أحاديث الوحى وشرحها «س»
412 كيفية الوحى «ش»
412 مدة المجاورة فى حراء «ش»
413 تفسير مفردات حديث الوحى «ش»

(2/446)


رقم الموضوع 415 ابتداء تنزيل: القرآن «س»
416 إسلام خديجة «س»
417 فترة الوحى «س»
417 من تفسير سورة والضحى «س»
419 متى نزل القرآن
419 دعوى نزول القرآن جملة واحدة «ش»
429 إضافه الشهر إلى رمضان
421 حب الرسول «ص» وطنه
422 ذكر عبد الله بن حسن
رقم الموضوع
423 أحاديث عن فضل خديجة
425 تفسير القصب
426 حول جزاء خديجة
427 حول المكر والنسيان «ش»
429 الموازنة بين خديجة وعائشة
430 فضل فاطمة
431 الله السلام
432 فترة الوحى
434 شرح شعر للهذلى والفرزدق ملحوظات
حمد وثناء أحمد الله أن أعان ومن بالقدرة على عمل أجهد اليد والفكر والسمع والبصر إجهادا لولا فضل الله ما تحملته. فالذى اتصلت أسبابه المتينة بكتاب الروض الأنف يعلم أى فضل عظيم من الله من علىّ به، ولا أزعم أنى أديت كل ما يجب، وإنما أزعم أنى حاولت بصدق. وأعلن هنا شكرى للأخ أحمد حمدى أحمد شعبان صاحب المطبعة، وإخوتى عمالها على أوفى جهد، وأكرم تجاوب نبيل؟
عبد الرحمن الوكيل

(2/447)