الروض
الأنف ت الوكيل [نُبَذٌ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ]
[ابن أبى وابن صيفى]
قال ابن إسحاق: وقدم رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ-
كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ- وَسَيّدُ أَهْلِهَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ الْعَوْفِيّ ثُمّ أَحَدُ بَنِي
الْحُبْلَى، لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ فِي شرفه اثْنَانِ، لَمْ تَجْتَمِعْ
الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحَدِ
الْفَرِيقَيْنِ، حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، غَيّرَهُ، وَمَعَهُ فِي
الْأَوْسِ رَجُلٌ، هُوَ فِي قَوْمِهِ مِنْ الْأَوْسِ شَرِيفٌ مُطَاعٌ،
أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ النّعْمَانِ، أَحَدُ
بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ أبو حنظلة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/21)
الغسيل يوم أحد، وَكَانَ قَدْ تَرَهّبَ فِي
الْجَاهِلِيّةِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الرّاهِبُ.
فَشَقِيَا بِشَرَفِهِمَا وَضَرّهُمَا.
[إسْلَامُ ابْنِ أُبَيّ]
فَأَمّا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ فَكَانَ قَوْمُهُ قَدْ نَظَمُوا لَهُ
الْخَرَزَ ليتوّجوه، ثم يملّكوه عليهم، فجاءهم اللهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمّا انْصَرَفَ
قَوْمُهُ عَنْهُ إلَى الْإِسْلَامِ ضَغِنَ، وَرَأَى أَنّ رَسُولَ اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَلَبَهُ مُلْكًا. فَلَمّا رَأَى
قَوْمَهُ قَدْ أَبَوْا إلّا الْإِسْلَامِ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا مُصِرّا
عَلَى نِفَاقٍ وَضِغْنٍ.
[إصْرَارُ ابْنِ صَيْفِيّ عَلَى كُفْرِهِ]
وَأَمّا أَبُو عَامِرٍ فَأَبَى إلّا الْكُفْرَ وَالْفِرَاقَ لِقَوْمِهِ
حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ إلَى مَكّةَ
بِبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مُفَارِقًا لِلْإِسْلَامِ وَلِرَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ
بَعْضِ آلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ: لَا تَقُولُوا الرّاهِبَ
وَلَكِنْ قُولُوا: الْفَاسِقَ.
[مَا نَالَ ابْنَ صَيْفِيّ جَزَاءَ تَعْرِيضِهِ بِالرّسُولِ صلى الله عليه
وسلم]
قال ابن إسحاق: وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الحكيم،
وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ، وَكَانَ رَاوِيَةً: أَنّ أَبَا عَامِرٍ
أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكّةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا
الدّينُ الّذِي جِئْتَ بِهِ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/22)
فَقَالَ: جِئْتُ بِالْحَنِيفِيّةِ دِينِ
إبْرَاهِيمَ، قَالَ: فَأَنَا عَلَيْهَا؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: إنّك لَسْتَ عَلَيْهَا؛ قَالَ: بَلَى، قَالَ:
إنّك أَدَخَلْتَ يَا مُحَمّدُ فِي الْحَنِيفِيّةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا،
قَالَ: مَا فَعَلْتُ، وَلَكِنّي جِئْت بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيّةً؛ قَالَ:
الْكَاذِبُ أَمَاتَهُ اللهُ طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا- يُعَرّض بِرَسُولِ
اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَيْ أَنّك جِئْتَ بِهَا كَذَلِكَ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ، فَمَنْ
كَذَبَ فَفَعَلَ اللهُ تعالى ذلك به. فَكَانَ هُوَ ذَلِكَ عَدُوّ اللهِ،
خَرَجَ إلَى مَكّةَ، فَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ خَرَجَ إلَى الطّائِفِ. فَلَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ
الطّائِفِ لَحِقَ بِالشّامِ. فَمَاتَ بِهَا طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا.
[الِاحْتِكَامُ إلَى قَيْصَرَ فِي مِيرَاثِهِ]
وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ
الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، وَكِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل
بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّ، فَلَمّا مَاتَ اخْتَصَمَا فِي
مِيرَاثِهِ إلَى قَيْصَرَ، صَاحِبِ الرّومِ. فَقَالَ قَيْصَرُ: يَرِثُ
أَهْلُ الْمَدَرِ أَهْلَ الْمَدَرِ، وَيَرِثُ أَهْلُ الْوَبَرِ أَهْلَ
الوبر، فورثه كنانة بن عبديا ليل بِالْمَدَرِ دُونَ عَلْقَمَةَ.
[هِجَاءُ كَعْبٍ لِابْنِ صَيْفِيّ]
فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لِأَبِي عَامِرٍ فِيمَا صَنَعَ:
مَعَاذَ اللهِ مِنْ عَمَلٍ خَبِيثٍ ... كَسَعْيِك فِي الْعَشِيرَةِ عَبْدَ
عَمْرٍو
فَإِمّا قُلْتَ لِي شَرَفٌ وَنَخْلٌ ... فَقِدْمًا بِعْتَ إيمَانًا
بِكُفْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/23)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
فَإِمّا قُلْت لِي شَرَفٌ وَمَالٌ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا عَبْدُ الله بن أبىّ فأفام عَلَى شَرَفِهِ
فِي قَوْمِهِ مُتَرَدّدًا، حَتّى غَلَبَهُ الْإِسْلَامُ، فَدَخَلَ فِيهِ
كَارِهًا.
[خُرُوجُ قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ عَلَيْهِ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ،
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ، حِبّ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ:
رَكِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ
مِنْ شَكْوٍ أَصَابَهُ على حمار عليه إكاف، فوقه قَطِيفَةٌ فَدَكِيّةٌ
مُخْتَطِمَةٌ بِحَبْلِ مِنْ لِيفٍ، وَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلْفَهُ قال: فمرّ بعبد الله بن أبىّ، وَهُوَ
(فِي) ظِلّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُزَاحِمٌ: اسْمُ الْأُطُمِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَوْلَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ. فَلَمّا رَآهُ
رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَذَمّمَ مِنْ أَنْ
يُجَاوِزَهُ حَتّى يَنْزِلَ فَنَزَلَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ قَلِيلًا
فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَذَكّرَ بِاَللهِ
وَحَذّرَ، وَبَشّرَ وَأَنْذَرَ قَالَ:
وَهُوَ زَامّ لَا يَتَكَلّمُ، حَتّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَقَالَتِهِ، قَالَ: يَا هَذَا، إنّهُ لَا أَحْسَنُ
مِنْ حَدِيثِك هَذَا إنْ كَانَ حَقّا فَاجْلِسْ فِي بَيْتِك فَمَنْ جَاءَك
لَهُ فَحَدّثْهُ إياه، (و) من لم يأتك فلا تغتّه بِهِ، وَلَا تَأْتِهِ فِي
مَجْلِسِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/24)
بِمَا يَكْرَهُ مِنْهُ. قَالَ: فَقَالَ
عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ كَانُوا عِنْدَهُ مِنْ المسلمين:
بلى، فاغشنا به، وائتنا فى، مجالسنا ودورنا وبيتنا، فَهُوَ وَاَللهِ مِمّا
نُحِبّ وَمِمّا أَكْرَمَنَا اللهُ بِهِ وَهَدَانَا لَهُ، فَقَالَ عَبْدُ
اللهِ بْنُ أُبَيّ حِينَ رَأَى مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ مَا رَأَى:
مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمُك لَا تَزَلْ ... تَذِلّ وَيَصْرَعْك
الّذِينَ تُصَارِعُ
وَهَلْ يَنْهَضُ الْبَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِهِ ... وَإِنْ جُذّ يَوْمًا
رِيشُهُ فَهُوَ وَاقِعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبَيْتُ الثّانِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
[غَضَبُ الرّسُولِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ
أُبَيّ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: وَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَفِي وَجْهِهِ
مَا قَالَ عَدُوّ اللهِ ابْنُ أُبَيّ، فَقَالَ: وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ
إنّي لَأَرَى فِي وَجْهِك شَيْئًا، لَكَأَنّك سَمِعْتَ شَيْئًا تَكْرَهُهُ؛
قَالَ: أَجَلْ ثُمّ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ: فَقَالَ سَعْدٌ:
يَا رَسُولَ اللهِ، اُرْفُقْ بِهِ، فو الله لَقَدْ جَاءَنَا اللهُ بِك،
وَإِنّا لَنَنْظِمُ لَهُ الخرز لنتوّجه، فو الله إنّهُ لَيَرَى أَنْ قَدْ
سَلَبْته مُلْكًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/25)
|