(1/264)
484 - نا الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْأَعْوَرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ:
" لَمَّا أَتَى مُوسَى قَرْيَةَ الْجَبَّارِينَ أَمَرَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ
رَجُلًا يَأْتُونَهَا فَيَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، فَانْطَلَقُوا
فَدَخَلُوا بُسْتَانًا، وَدَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ،
فَتَخَبَّئُوا مِنْهُ فِي الشَّجَرِ، فَأَتْبَعَهُمْ حَتَّى أَخَذَهُمْ
فَجَاءَ بِهِمْ فِي كُمِّهِ، وَجَاءَ مِنَ الشَّجَرِ، ثُمَّ انْطَلَقَ
حَتَّى أَتَى مَلِكَهُمْ فَطَرَحَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُمْ
حَقَرَهُمْ وَقَالَ: اذْهَبُوا فَاجْهَدُوا عَلَيَّ جَهْدَكُمْ، فَخَرَجُوا
وَأَتَوْا مُوسَى فَأَخْبَرُوهُ , فَقَالَ: اكْفُفُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ
مِنْهُمْ يُخْبِرُ حَمِيمَهُ، فَيُخْبِرُ حَمِيمُهُ الرَّجُلَ، فَفَشَا
ذَلِكَ فِي الْعَسْكَرِ غَيْرَ كولاب وَيُوشَعُ فَإِنَّهُمَا كَتَمَا،
فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ
لَكُمْ} ثُمَّ قَرَأَ إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ
الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ مِنْ
مُوسَى طِيَرَةٌ، قَوْلُهُ: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ
الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25] فَقَالَ اللَّهُ: {فَلَا تَأْسَ عَلَى
الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26] لَا تَأْسَ عَلَى مَنْ سَمَّيْتُ
فَاسِقًا [ص:266] قَالَ: كولاب وَيُوشَعُ هُمَا الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ
قَالَ اللَّهُ: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} [المائدة: 23] قَالَ:
فَتَاهُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً فَهَلَكَ مُوسَى وَهَارُونُ وَكُلُّ مَنْ
كَانَ مَعَهُ فِي التِّيهِ جَاوَزَ عِشْرِينَ أَوْ بَلَغَ عِشْرِينَ
سَنَةً، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً نَاهَضَهُمْ يُوشَعُ
بِمَنْ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَكَادَ أَنْ يَظْفَرَ
بِهِمْ وَنَزَلَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ وَخَشِيَ أَنْ تَغْرُبَ فَلَا
يُقَاتِلَ لَيْلَةَ السَّبْتِ نَادَاهَا: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَإِنِّي
مَأْمُورٌ، فَرَكَدَتْ حَتَّى ظَفَرَ بِهِمْ، فَدَخَلَهَا يُوشَعُ وَمَنْ
مَعَهُ، وَأَصَابُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، وَكَانَتِ الْغَنَائِمُ لَا
تَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ، إِنَّمَا يَجْمَعُونَهَا فَتَنْزِلُ
نَارٌ فَتَأْكُلُهَا فَجَمَعُوا غَنَائِمَ فَلَمْ تَنْزِلِ النَّارُ،
فَقَالَ يُوشَعُ لِأَصْحَابِ الْأَسْبَاطِ: مَا هَذَا إِلَّا مِنْ غُلُولٍ
فِيكُمْ فَبَايِعُونِي، فَبَايَعُوهُ، فَلَزِقَتْ يَدُهُ بِيَدِ رَجُلٍ
مِنْهُمْ، فَقَالَ يُوشَعُ: الْغُلُولُ فِي سِبْطِكَ اذْهَبْ فَبَايِعْ
أَصْحَابَكَ، فَمَنِ الْتَزَقَتْ يَدُهُ بِيَدِكَ فَهُوَ صَاحِبُ
الْغُلُولِ، فَذَهَبَ فَبَايَعَهُمْ، فَالْتَزَقَتْ يَدُهُ بِيَدِ رَجُلٍ
مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَخْرِجْ مَا عِنْدَكَ، فَأَخْرَجَ رَأْسَ ثَوْرٍ مِنْ
ذَهَبٍ، عَيْنَاهُ مِنْ يَاقُوتٍ، وَأَسْنَانُهُ مِنْ دُرٍّ، قَالَ:
فَنَزَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّهَا مَدِينَةُ
أَرِيحَا، وَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ مِنْ حَدِيدٍ
(1/265)
485 - نا الْفَزَارِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الْغَسَّانِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ [ص:267]
مَالِكِ، قَالَ: أُتِيَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِرَجُلٍ قَدْ غَلَّ،
وَكَانَ أَوَّلُ غُلُولٍ، أُرَاهُ الشَّامَ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ،
وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: إِيَّاكُمْ وَمَا لَا كَفَّارَةَ لَهُ مِنَ
الذُّنُوبِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَزْنِي ثُمَّ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ
عَلَيْهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْرِقُ ثُمَّ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ
عَلَيْهِ، وَإِنَّهُمَا ذَنْبَانِ لَا كَفَّارَةَ لَهُمَا: الْغُلُولُ
وَالرِّبَا، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] فَلَا كَفَّارَةَ لِصَاحِبِ
الْغُلُولِ، حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ
عَلَى ظَهْرِهِ، وَإِنَّ آكِلَ الرِّبَا يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مَجْنُونًا يُخْنَقُ "
(1/266)
486 - نا الْفَزَارِيُّ، عَنْ أَبِي
حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: فَقَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَذَكَرَ
الْغُلُولَ، فَعَظَّمَ أَمْرَهُ ثُمَّ قَالَ: " لَا أُلْفِيَنَّ يَجِيئُنِي
أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ
يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ
شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُكَ، لَا أَلْفَيَنَّ يَجِيءُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ [ص:268] يَقُولُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، أَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ، لَا أُلْفِيَنَّ يَجِيءُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بِرِقَاعٍ تَخْفِقُ يَقُولُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَغِثْنِي أَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ
لَا أُلْفِيَنَّ يَجِيءُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ
صَامِتٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، أَقُولُ: لَا أَمْلِكُ
لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ يَجِيءُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَقُولُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، أَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ يَجِيءُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى رَأْسِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَغِثْنِي، أَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ "
(1/267)
487 - نا الْفَزَارِيُّ، عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَأَعْرِفَنَّ رَجُلًا يَجِيءُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ أَوْ
شَاةٍ لَهَا ثُغَاءٌ، أَوْ عَبْدٍ لَهُ صِيَاحٌ، أَوْ فَرَسٍ لَهَا
حَمْحَمَةٌ، أَوْ بَغْلٍ لَهُ شَحْجٌ قَدْ غَلَّهُ»
(1/268)
488 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِيَّايَ وَرِبَا الْغُلُولِ» قِيلَ: وَمَا رِبَا
الْغُلُولِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنَّ «النِّسَاءَ وَهُنَّ
حَوَامِلُ، أَوْ تُرْكَبُ الدَّابَّةُ حَتَّى [ص:269] تُخْسِرَ، قَبْلَ
أَنَّ تُؤَدَّى إِلَى الْمَقْسَمِ، أَوْ يُلْبَسَ الثَّوْبُ حَتَّى
يَخْلَقَ، قَبْلَ أَنْ يُؤَدَّى إِلَى الْمَقْسَمِ» . [ص:270]
أُلحق بالنص ما يلي:
489 -[البحر البسيط]
489 - مَا بَالُ دِينِكَ تَرْضَى أَنْ تُدَنِّسَهُ ... وَثَوْبُكَ
الدَّهْرَ مَغْسُولٌ مِنَ الدَّنَسِ
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا ... إِنَّ السَّفِينَةَ
لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ
(1/268)
490 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
مُعَاوِيَةَ الْأَسَدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ
الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي يَعْفُورَ، عَنِ
الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ:
[ص:271] «يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذِ
النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنَهَارِهِ إِذِ النَّاسُ يَفْرُطُونَ،
وَبِحُزْنِهِ إِذِ النَّاسُ فَرِحُونَ، وَبُكَائِهِ إِذِ النَّاسُ
يَضْحَكُونَ، وَبِصَمْتِهِ إِذِ النَّاسُ يَخْلِطُونَ، وَبِخُشُوعِهِ إِذِ
النَّاسُ يَخْتَالُونَ، وَيَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ
مَحْزُونًا، حَكِيمًا عَلِيمًا، وَلَا يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ
يَكُونَ جَافِيًا وَلَا غَافِلًا، وَلَا صَيَّاحًا حَدِيدًا»
(1/270)
491 - وَأُخْبِرْنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
بِشْرٍ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، أَخُو
مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الصُّبْحِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ، عَنْ مَكْحُولٍ
الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: عَرَضَ رَسُولُ
اللَّهِ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا
مَرَّتَيْنِ فَقَالَ: " يَا أُبَيُّ، إِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي أَنْ
أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ وَهُوَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ فَقَالَ
أُبَيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَقَدْ ذُكِرْتُ فِي الْمَلَأِ
الْأَعْلَى؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» فَارْتَعَشَ
أُبَيٌّ لِذَلِكَ فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ
احْتَضَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَسَكَّنَهُ، فَهَدَأَ أُبَيٌّ وَسَكَنَ،
فَقَرَأَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَرَأَ وَفَرَغَ، قَالَ أُبَيٌّ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ كَمَا كَانَتْ لِي خَاصَّةً لِقِرَاءَتِكَ الْقُرْآنَ عَلَيَّ،
فَخُصَّنِي بِعِلْمِ ثَوَابِ الْقُرْآنِ مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ
وَأَطْلَعَكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «نَعَمْ يَا أُبَيُّ، مَا
مِنْ مُسْلِمٍ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَآمَنَ بِهِ، وَقَبِلَهُ بِقُبُولِهِ
إِلَّا أَعْطَاهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مَنْطِقُ
الْأَلْسُنِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ» فَقَالَ أُبَيٌّ: قَدْ عَلِمْنَا
قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانَ بِهِ، فَمَا قَوْلُكَ فِيمَنْ قَبِلَهُ
[ص:272] بِقُبُولِهِ؟ قَالَ: يُحِلُّ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمُ حَرَامَهُ،
وَيَقَفُ عِنْدَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، لَا يُمَارِي فِيمَنْ يُمَارِي،
وَلَا يَجْهَلُ فِيمَنْ يَجْهَلُ، يَقُولُ الْحَقَّ، وَيَعْمَلُ بِهِ،
وَيَأْمُرُ بِالْحَقِّ وَيَفْعَلُهُ لَا يُخَالِفُ قَوْلُهُ فِعْلَهُ،
وَلَا سَرِيرَتُهُ عَلَانِيَتَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْخُذُ أَصْحَابَ
الْقُرْآنِ بِمَا يَأْخُذُ بِهِ الرُّسُلَ وَيَسْأَلُهُمْ عَمَّا يَسْأَلُ
عَنْهُ الرُّسُلَ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَالْأَخْذِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ، فَكَمَا وَجَبَ لِلَّهِ عَلَى الرُّسُلِ
تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى أَصْحَابِ الْقُرْآنِ
النَّصِيحَةُ لَعِبَادِ اللَّهِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ
عَنِ الْمُنْكَرِ، فِي قَصْدٍ وَرِفْقٍ وَرَحْمَةٍ وَوَقَارٍ وَسَكِينَةٍ
وَتَؤُدَّةٍ، لَا يَحْمِلُهُ قَوْلُهُ أَنْ يُعَنِّفَ عَلَيْهِمْ، وَلَا
يَرْفَعُ مَا فِيهِ وَضَيَّعُوا مِنْ حَقِّ اللَّهِ بِذِكْرِهِمْ
وَعِيدَهُ، وَتَخَوُّفَهُمْ آيَاتِهِ، وَيُحَذِّرُهُمْ نَفْسَهُ
وَعَذَابَهُ، وَيُذَكِّرُهُمْ أَيَّامَ اللَّهِ وَنِعَمَهُ عَلَيْهِمْ
وَحُسْنَ ثَوَابِهِ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ، فَكَذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، فَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ
ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ، وَقَبِلَهُ بِقُبُولِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ
الثَّوَابِ مَا يُعْطِي الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ أُبَيٌّ: بِأَبِي أَنْتَ
وَأُمِّي، أَيْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ لِمَا
صَبَرَ عَلَيْهِ، وَرَجَا ثَوَابَهُ؟ قُلْتُ: فَمَنْ يَصْبِرُ عَلَيْهِ
وَيَرْجُو ثَوَابَهُ؟ قَالَ: مَنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ وَعَظُمَتْ
رَغْبَتُهُ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ رَبِّهِ، جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ
السَّدَادُ، وَالتَّوْفِيقُ وَحُسْنُ الْمَعُونَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَضَى
أَنَّهُ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ
(1/271)
492 - ابْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّيَ، يَقُولُ: اللَّهُ الَّذِي لَا
إِلَهَ هُوَ، مَا هَذَا الثَّوَابُ إِلَّا مِنْ عَمَلِي
(1/272)
493 - قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: كَانَ
مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ: «إِنَّ فَرَحَكَ بِالدُّنْيَا لِلدُّنْيَا
يَذْهَبُ بِحَلَاوَةِ الْعِبَادَةِ مِنْ قَبْلِكَ، وَإِنَّ حُزْنَكَ
لِلدُّنْيَا عَلَى الدُّنْيَا يَذْهَبُ مِنْ قَبْلِكَ، وَإِنَّ الْقَلْبَ
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَزْنٌ خَرِبَ، كَمَا أَنَّ الْبَيْتَ إِذَا لَمْ
يَكُنْ فِيهِ سَاكِنٌ خَرِبَ، وَإِنَّ قُلُوبَ الْأَبْرَارِ تَغْلِي
بِالْحُزْنِ، وَإِنَّ قُلُوبَ الْفُجَّارِ تَغْلِي بِالْفُجُورِ»
(1/273)
باب ما يتفا؟ من الزاد
494 - نا الْفَزَارِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ: «شَغَلَنِي
الْجِهَادُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ»
(1/276)