السيرة
النبوية لابن كثير بَاب بَيَان أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ
يَحُجَّ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً
وَأَنَّهُ اعْتَمَرَ قَبْلَهَا ثَلَاثَ عُمَرٍ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ عَنْ هُدْبَةَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي فِي
حَجَّتِهِ.
الْحَدِيثَ وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مثله.
وَقَالَ سعد بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اعْتَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عُمَرٍ: عُمْرَةٌ فِي
شَوَّالٍ، وَعُمْرَتَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ.
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرٍ
كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدثنَا أَبُو النَّضر، حَدثنَا دَاوُدُ - يَعْنِي
الْعَطَّارَ - عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ
اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَرْبَعَ عُمَرٍ: عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ
وَعُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَالثَّالِثَةُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ وَالرَّابِعَةُ
الَّتِي مَعَ حِجَّتِهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
دَاوُدَ الْعَطَّارِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(4/212)
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْفَصْلُ عِنْدَ
عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ.
وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام حَجَّ
قَارِنًا وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
فَالْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْعُمَرِ: عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي
صُدَّ عَنْهَا.
ثُمَّ بعْدهَا عمْرَة الْقَضَاء وَيُقَال بل عُمْرَةُ الْقِصَاصِ،
وَيُقَالُ عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ.
ثُمَّ بَعْدَهَا عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ مَرْجِعَهُ مِنَ الطَّائِفِ،
حِينَ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَوَاضِعِهِ.
وَالرَّابِعَةُ عُمْرَتُهُ مَعَ حَجَّتِهِ.
وَسَنُبَيِّنُ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي عُمْرَتِهِ هَذِهِ مَعَ الْحَجَّةِ،
هَلْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، بِأَنْ أَوْقَعَ الْعُمْرَةَ قَبْلَ الْحَجَّةِ
وَحَلَّ مِنْهَا، أَوْ مَنَعَهُ مِنَ الْإِحْلَالِ مِنْهَا سَوْقُهُ
الْهَدْيَ، أَوْ كَانَ قَارِنًا لَهَا مَعَ الْحَجَّةِ.
كَمَا نَذْكُرُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ كَانَ
مُفْرِدًا لَهَا عَنِ الْحَجَّةِ، بِأَن أوقعهَا بعد قَضَاء الْحجَّة.
قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ بِالْإِفْرَادِ كَمَا
هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا عِنْدَ ذِكْرِنَا إِحْرَامَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ كَانَ مُفردا أَو مُتَمَتِّعا أَو قَارنا.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا
زُهَيْر، حَدثنَا أَبُو إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ
غَزْوَة، وَأَنه حج بعد مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ
حَدِيثِ شُعْبَةَ.
زَادَ الْبُخَارِيُّ وَإِسْرَائِيلَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الله السبيعى، عَن زيد بِهِ.
وَهَذَا الذى قَالَ أَبُو إِسْحَاق من أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حج بِمَكَّة
حجَّة أُخْرَى، إِن أَرَادَ أَنه
(4/213)
لَمْ يَقَعْ مِنْهُ بِمَكَّةَ إِلَّا
حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ، فَهُوَ بَعِيدٌ.
فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ بَعْدَ الرِّسَالَةِ يَحْضُرُ
مَوَاسِمَ الْحَجِّ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى اللَّهِ وَيَقُولُ: " مَنْ
رَجُلٌ يُؤْوِينِي حَتَّى أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي، فَإِنَّ قُرَيْشًا
قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ ربى عزوجل ".
حَتَّى قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ جَمَاعَةَ الْأَنْصَارِ يَلْقَوْنَهُ لَيْلَةَ
الْعَقَبَةِ، أَيْ عَشِيَّةَ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ
ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَتَالِيَاتٍ، حَتَّى إِذَا كَانُوا آخِرَ سَنَةٍ
بَايَعُوهُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ، وهى ثَالِث اجْتِمَاعهم
بِهِ، ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَهَا الْهِجْرَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ.
كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ
لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَاجْتَمَعَ
بِالْمَدِينَةِ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ
لِأَرْبَعٍ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ صَلَّى ثُمَّ اسْتَوَى
عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا أَخَذَتْ بِهِ فِي الْبَيْدَاءِ لَبَّى
وَأَهْلَلْنَا لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ.
وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِطُولِهِ.
وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهَذَا لَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيق
أَحْمد بن حَنْبَل، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّد بِهِ.
(4/214)
|