أَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ.
فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ.
ثُمَّ انْطَلَقُوا فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ
نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا، فَسَأَلَ عَنْهُ،
فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ: فَذَكَرَ نَحْوَ مَا
تَقَدَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الزُّبَيْرِ بَعْدِ عَلِيٍّ.
فَاللَّهُ أعلم.
وَقد رَوَاهُ الامام أَحْمد بن حَنْبَل عَنِ الثِّقَةِ عَنْ وُهَيْبٍ
مُخْتَصَرًا.
وَقَدْ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنِ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي
نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
فدكر نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ
الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بن نطعة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ سَعْدِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيِّ.
وَفِيهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ، وَهِيَ مُبَايَعَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، إِمَّا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ فِي الْيَوْمِ
الثَّانِي مِنَ الْوَفَاةِ.
وَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يُفَارِقِ
الصِّدِّيقَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي
صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ خَلْفَهُ.
كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَخَرَجَ مَعَهُ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ لَمَّا
خَرَجَ الصِّدِّيقُ شَاهِرًا سَيْفَهُ يُرِيدُ قِتَالَ أهل الرِّدَّة.
وَلَكِنْ لَمَّا حَصَلَ مِنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَتْبٌ
عَلَى الصِّدِّيقِ، بِسَبَبِ مَا كَانَتْ مُتَوَهِّمَةً مِنْ أَنَّهَا
تَسْتَحِقُّ مِيرَاثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلِمَ تَعْلَمْ بِمَا أخْبرهَا بِهِ أَبُو بكر الصِّدِّيقُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا
فَهُوَ صَدَقَةٌ " فَحَجَبَهَا وَغَيْرَهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ وَعَمَّهُ
عَنِ الْمِيرَاثِ بِهَذَا النَّصِّ الصَّرِيح، كَمَا سنبينه فِي
مَوْضِعه، فَسَأَلته أَن ينظر على فِي صَدَقَةِ الْأَرْضِ الَّتِي
بِخَيْبَرَ وَفَدَكَ فَلَمْ يُجِبْهَا إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ رَأَى
أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَن يقوم فِي جَمِيع ماكان يَتَوَلَّاهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ
الْبَارُّ الرَّاشِدُ التَّابِعُ لِلْحَقِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
فَحَصَلَ لَهَا - وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنَ الْبشر لَيست براجية
الْعِصْمَةِ - عَتْبٌ وَتَغَضُّبٌ، وَلَمْ تُكَلِّمِ الصِّدِّيقَ
حَتَّى مَاتَت، وَاحْتَاجَ على أَن يُرَاعى خاطرها بعض الشئ، فَلَمَّا
مَاتَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَفَاةِ أَبِيهَا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلِيٌّ أَن يجدد
(4/495)
الْبَيْعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ الْبَيْعَةِ قَبْلَ
دَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيَزِيدُ ذَلِكَ صِحَّةً قَوْلُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ
عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّ أَبَاهُ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَ عُمَرَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ
بْنَ مَسْلَمَةَ كَسَرَ سَيْفَ الزُّبَيْرِ.
ثُمَّ خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ وَاعْتَذَرَ إِلَى النَّاسِ وَقَالَ: مَا
كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى الْإِمَارَةِ يَوْمًا وَلَا لَيْلَة وَلَا
سَأَلتهَا فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ.
فَقَبِلَ الْمُهَاجِرُونَ مَقَالَتَهُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ: مَا غَضِبْنَا إِلَّا لِأَنَّا
أُخِّرْنَا عَنِ الْمَشُورَةِ، وَإِنَّا نَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ
أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا، إِنَّهُ لَصَاحِبُ الْغَارِ وَإِنَّا
لَنَعَرِفُ شَرَفَهُ وَخَيْرَهُ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يصلى بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ.
إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ والْمنَّة.
فَصْلٌ وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ إِجْمَاعُ
الصَّحَابَةِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ وَالْأَنْصَارِ عَلَى تَقْدِيمِ
أَبى بكر، وَظهر برهَان قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " يَأْبَى اللَّهُ
وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ".
وَظَهَرَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافَةِ عَيْنًا لِأَحَدٍ مِنَ
النَّاسِ، لَا لِأَبِي بَكْرٍ، كَمَا قَدْ زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ
أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا لَعَلِّي كَمَا تَقوله طَائِفَة من
الرَّافِضَةِ.
وَلَكِنْ أَشَارَ إِشَارَةً قَوِيَّةً يَفْهَمُهَا كُلُّ ذِي لُبٍّ
وَعَقْلٍ إِلَى الصِّدِّيقِ كَمَا قَدَّمْنَا وسنذكره وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ.
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ
(4/496)
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا طُعِنَ
قِيلَ لَهُ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ:
إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي.
- يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ
خَيْرٌ مِنِّي، - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَعَرَفْتُ حِينَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْريّ عَن عَمْرو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: لما ظهر على على النَّاس قَالَ، يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي هَذِهِ الْإِمَارَةِ شَيْئًا، حَتَّى
رَأَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ أَنْ نَسْتَخْلِفَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَقَامَ
وَاسْتَقَامَ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ
رَأَى مِنَ الرَّأْيِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ، فَأَقَامَ
وَاسْتَقَامَ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ - أَوْ قَالَ حَتَّى ضَرَبَ
الدِّينُ بجرانه (1) - إِلَى آخِره.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
شَرِيكٌ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ،
قَالَ: خَطَبَ رَجُلٌ يَوْمَ الْبَصْرَةِ حِينَ ظَهَرَ عَلِيٌّ فَقَالَ
عَلِيٌّ: هَذَا الْخَطِيبُ
السجسج (2) - سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَصَلَّى (3) أَبُو بَكْرٍ وَثَلَّثَ عُمَرُ، ثُمَّ
خَبَطَتْنَا فِتْنَةٌ بَعْدَهُمْ يَصْنَعُ اللَّهُ فِيهَا مَا يَشَاءُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الزكي
بمرو، حَدثنَا عبد الله بن روح الْمَدَائِنِي، حَدثنَا شَبابَة بن
سوار، حَدثنَا شُعَيْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قِيلَ
لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ:
مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم
__________
(1) الجران: مقدم عنق الْبَعِير، وَالْمرَاد، قوى وَاشْتَدَّ أمره.
(2) السجسج: الارض الَّتِى لَيست يصلبة وَلَا لينَة.
(3) صلى: جَاءَ تاليا.
(*)
(4/497)
فَأَسْتَخْلِفَ، وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ
اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا فَسَيَجْمَعُهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ
كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ.
إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ
الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَبَّاسًا وَعَلِيًّا لَمَّا خَرَجَا مِنْ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
رَجُلٌ: كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا.
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِنَّك وَالله عبد الْعَصَا بعد ثَلَاث! إِنِّي
لَأَعْرِفُ فِي وُجُوهِ بَنِي هَاشِمٍ الْمَوْتَ، وإنى لارى فِي وَجه
رَسُول الله الْمَوْتَ فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ فَنَسْأَلُهُ فَيَمَنْ
هَذَا الْأَمْرُ؟ فَإِنْ كَانَ فِينَا عَرَفْنَاهُ وَإِنْ كَانَ فِي
غَيْرِنَا أَمَرْنَاهُ فَوَصَّاهُ بِنَا.
فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي لَا أَسْأَلُهُ ذَلِكَ وَاللَّهِ إِنْ
مَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ أَبَدًا.
وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ
فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ فِيهِ: فدخلا عَلَيْهِ يَوْم قبض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ قُلْتُ: فَهَذَا
يَكُونُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ يَوْمِ الْوَفَاةِ، فَدَلَّ عَلَى
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ فِي
الْإِمَارَةِ (1) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ
الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ الْكتاب.
وَقد قدمنَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ طَلَبَ أَنْ يَكْتُبَ
لَهُمْ كِتَابًا لَنْ يضلوا بعده،
__________
(1) ت: الامامة.
(*)
(4/498)
فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ
وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَهُ قَالَ: " قُومُوا عَنِّي، فَمَا أَنَا فِيهِ
خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ".
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: " يَأْبَى اللَّهُ
وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ".
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَن
إِبْرَاهِيم التيمى، عَنِ الْأَسْوَدِ.
قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ.
فَقَالَتْ: بِمَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ؟ لَقَدْ دَعَا بِطَسْتٍ
لِيَبُولَ فِيهَا وَأَنَا مسندته إِلَى صَدْرِي فانحنف (1) فَمَاتَ
وَمَا شَعَرْتُ، فِيمَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ إِنَّهُ أَوْصَى إِلَى
عَلِيٍّ؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ،
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
أَبِي أَوْفَى، هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا.
قُلْتُ: فَلِمَ أُمِرْنَا بِالْوَصِيَّةِ؟ قَالَ: أوصى بِكِتَاب الله
عزوجل.
قَالَ طَلْحَة بن مصرف: وَقَالَ هُذَيْل بْنُ شُرَحْبِيلَ: أَبُو
بَكْرٍ يَتَأَمَّرُ عَلَى وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وَدَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ عَهْدًا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرم أَنفه بخرامة!
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
خَطَبَنَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ:
من زعم أَن عندنَا شَيْئا نقرأه لَيْسَ فِي كِتَابَ اللَّهِ وَهَذِهِ
الصَّحِيفَةَ - لِصَحِيفَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي سَيْفِهِ فِيهَا أَسْنَانُ
الْإِبِلِ وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ فقد كذب.
وفيهَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ (2)
مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ
مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا (3) ، وَمَنِ
ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَو انْتَمَى إِلَى غير
__________
(1) انحنف: مَال.
(2) عير: جبل بِالْمَدِينَةِ.
وثور جبل بِالْمَدِينَةِ خلف أحد.
(3) الصّرْف: التَّوْبَة.
وَالْعدْل: الْفِدْيَة.
(*)
(4/499)
مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ
وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنَّ أَخَفَرَ مُسْلِمًا
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا
عَدْلًا ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرُدُّ عَلَى فِرْقَةِ الرَّافِضَةِ
فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَوْصَى إِلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ
كَمَا زَعَمُوا لَمَا رَدَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَة فَإِنَّهُم
كَانُوا أطوع لله وَلِرَسُولِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْ
أَنْ يَفْتَاتُوا عَلَيْهِ فَيُقَدِّمُوا غَيْرَ مَنْ قَدَّمَهُ
وَيُؤَخِّرُوا مَنْ قدمه بنصه، حاشا وكلا وَلم؟ وَمَنْ ظَنَّ
بِالصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فقد نسبهم بأجمعهم
إِلَى الْفُجُور والتواطؤ عَلَى مُعَانَدَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومضادته فِي حُكْمِهِ وَنَصِّهِ، وَمَنْ وَصَلَ
مِنَ النَّاسِ إِلَى هَذَا الْمَقَامِ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ
الْإِسْلَامِ وَكَفَرَ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَكَانَ
إِرَاقَةُ دَمِهِ أَحَلَّ مِنْ إِرَاقَةِ الْمُدَامِ! ثُمَّ لَوْ كَانَ
مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصٌّ فَلِمَ
لَا كَانَ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى الصَّحَابَةِ
عَلَى إِثْبَاتِ إِمَارَتِهِ عَلَيْهِمْ وَإِمَامَتِهِ لَهُمْ؟ فَإِنْ
لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَنْفِيذِ مَا مَعَهُ مِنَ النَّصِّ فَهُوَ
عَاجِزٌ، وَالْعَاجِزُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ
يَقْدِرُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَهُوَ خَائِنٌ، وَالْخَائِنُ الْفَاسِقُ
مَسْلُوبٌ مَعْزُولٌ عَنِ الْإِمَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ
بِوُجُودِ النَّصِّ فَهُوَ جَاهِلٌ.
ثُمَّ وَقَدْ عَرَفَهُ وَعَلِمَهُ مَنْ بَعْدَهُ! هَذَا مُحَالٌ
وَافْتِرَاءٌ وَجَهْلٌ وَضَلَالٌ.
وَإِنَّمَا يَحْسُنُ هَذَا فِي أَذْهَانِ الْجَهَلَةِ الطَّغَامِ
وَالْمُغْتَرِّينَ مِنَ الْأَنَامِ، يُزَيِّنُهُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ التَّحَكُّمِ
وَالْهَذَيَانِ وَالْإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ.
عِيَاذًا بِاللَّهِ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ التَّخْلِيطِ
وَالْخِذْلَانِ وَالتَّخْبِيطِ وَالْكُفْرَانِ، وَمَلَاذًا
(4/500)
بِاللَّهِ بِالتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ
وَالْقُرْآنِ وَالْوَفَاةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ،
وَالْمُوَافَاةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالْإِيقَانِ وَتَثْقِيلِ
الْمِيزَانِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ النِّيرَانِ وَالْفَوْزِ بِالْجِنَانِ
إِنَّهُ كَرِيمٌ مَنَّانٌ رَحِيمٌ رَحْمَنٌ.
* * * وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عَلِيٍّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ رَدٌّ عَلَى مُتَقَوِّلَةِ كَثِيرٍ مِنَ
الطَّرْقِيَّةِ وَالْقُصَّاصِ الْجَهَلَةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ
بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ يَسُوقُونَهَا مُطَوَّلَةً: يَا عَلِيُّ افْعَلْ
كَذَا، يَا عَلِيُّ لَا تَفْعَلْ كَذَا، يَا عَلِيُّ مَنْ فَعَلَ كَذَا
كَانَ كَذَا وَكَذَا.
بِأَلْفَاظ ركيكة وَمَعَان أَكْثَرهَا سخيفة، وَكثير مِنْهَا صحفية لَا
تُسَاوِي تَسْوِيدَ الصَّحِيفَةِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
عَمْرو النصيبى - وَهُوَ أحد الْكَذَّابين الصواغين - عَنِ السَّرِيِّ
بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ ابْن أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: يَا على أوصيك بِوَصِيَّة احفظها فَإِنَّكَ لَا تَزَالُ
بِخَيْرٍ مَا حَفِظْتَهَا، يَا عَلِيُّ إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثَ
عَلَامَاتٍ: الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالزَّكَاةَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي الرَّغَائِبِ
وَالْآدَابِ.
وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ.
وَقَدْ شَرَطْتُ فِي أول الْكتاب أَلا أُخَرِّجَ فِيهِ حَدِيثًا
أَعْلَمُهُ مَوْضُوعًا.
ثُمَّ رَوَى من طَرِيق حَمَّاد بن عمر، وَهَذَا عَنْ زَيْدِ بْنِ
رَفِيعٍ، عَنْ مَكْحُولٍ الشَّامِيِّ، قَالَ: هَذَا مَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ حِينَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ
سُورَةُ النَّصْرِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي الْفِتْنَةِ
وَهُوَ أَيْضًا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، وَفِي
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كِفَايَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا تَرْجَمَةَ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو بن أَبِي
إِسْمَاعِيلَ النَّصِيبِيِّ: رَوَى عَنِ الْأَعْمَشِ
(4/501)
وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُوسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ وَمُوسَى بْنُ أَيُّوبَ
وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ مِمَّنْ يَكْذِبُ وَيَضَعُ
الْحَدِيثَ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ
الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ جِدًّا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ: كَانَ
يَكْذِبُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَضَعُ الْحَدِيثَ وَضْعًا.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ حَدِيثِهِ مِمَّا لَا يُتَابِعُهُ
أَحَدٌ مِنَ الثِّقَاتِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَرْوِي عَنِ الثِّقَاتِ
أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، وَهُوَ سَاقِطٌ بِمَرَّةٍ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَقِبِيُّ
بِبَغْدَاد، حَدثنَا عبد الله بن روح الْمَدَائِنِي، حَدثنَا سَلام بن
سُلَيْمَان الْمَدَائِنِي، حَدثنَا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ الطَّوِيلُ،
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْحسن المقبرى، عَنِ
الْأَشْعَثِ بْنِ طَلِيقٍ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعْنَا فِي بَيْتِ عَائِشَةَ
فَنَظَرَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: قَدْ دَنَا الْفِرَاقُ.
وَنَعَى إِلَيْنَا نَفْسَهُ، ثُمَّ قَالَ:
مَرْحَبًا بِكُمْ حَيَّاكُمُ اللَّهُ، هَدَاكُمُ اللَّهُ، نَصَرَكُمُ
اللَّهُ، نَفَعَكُمُ اللَّهُ، وَفَّقَكُمُ اللَّهُ، سَدَّدَكُمُ
اللَّهُ، وَقَاكُمُ اللَّهُ، أَعَانَكُمُ اللَّهُ، قَبِلَكُمُ اللَّهُ.
أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأُوصِي اللَّهَ بِكُمْ
وَأَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ، إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير مُبين أَلا
تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ.
فَإِنَّ الله قَالَ لِي وَلَكُمْ: " تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ
نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا
فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " (1) وَقَالَ: " أَلَيْسَ فِي
جَهَنَّم مثوى للمتكبرين " (2) .
قُلْنَا: فَمَتَى أَجَلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَدْ دَنَا
الْأَجَلُ، وَالْمُنْقَلَبُ إِلَى اللَّهِ وَالسِّدْرَةُ الْمُنْتَهى
__________
(1) سُورَة الْقَصَص.
(2) سُورَة الزمر.
(*)
(4/502)
وَالْكَأْسُ الْأَوْفَى وَالْفُرُشُ
الْأَعْلَى.
قُلْنَا: فَمَنْ يُغَسِّلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: رِجَالُ
أَهْلِ بَيْتِي الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى، مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ
يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ.
قُلْنَا: فَفِيمَ نُكَفِّنُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فِي
ثِيَابِي هَذِهِ إِنْ شِئْتُمْ أَوْ فِي يَمَنِيَّةٍ أَوْ فِي بَيَاضِ
مصر.
قُلْنَا: فَمن يصل عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَبَكَى وَبَكَيْنَا.
وَقَالَ: مَهْلًا غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ وَجَزَاكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ
خَيْرًا، إِذَا غَسَّلْتُمُونِي وَحَنَّطْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي
فَضَعُونِي عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً.
فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ خَلِيلَايَ وَجَلِيسَايَ
جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ ثُمَّ إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ
مَعَ جُنُودٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَلْيَبْدَأْ
بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي ثُمَّ نِسَاؤُهُمْ ثُمَّ
ادْخُلُوا عَلَيَّ أَفْوَاجًا وَفُرَادَى ; وَلَا تُؤْذُونِي
بِبَاكِيَةٍ وَلَا بِرَنَّةِ وَلَا بِصَيْحَةٍ، وَمَنْ كَانَ غَائِبًا
مِنْ أَصْحَابِي فَأَبْلِغُوهُ عَنِّي السَّلَامَ، وَأُشْهِدُكُمْ
بِأَنِّي قَدْ سَلَّمْتُ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ
تَابَعَنِي فِي دِينِي هَذَا مُنْذُ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ.
قُلْنَا: فَمَنْ يُدْخِلُكَ قَبْرَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مَعَ مَلَائِكَةٍ
كَثِيرَةٍ يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ
سَلَّامٍ الطَّوِيلِ، وَتَفَرَّدَ بِهِ سَلَّامٌ الطَّوِيلُ.
قُلْتُ: وَهُوَ سَلَّامُ بْنُ سَلْمٍ، وَيُقَالُ ابْنُ سُلَيْمٍ،
وَيُقَالُ ابْنُ سُلَيْمَانَ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ الطَّوِيلُ.
يُرْوَى عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَزَيْدٍ
الْعَمِّيِّ وَجَمَاعَةٍ.
وَعنهُ جمَاعَة مِنْهُمْ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ،
وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى، وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، وَعَلِيُّ
بْنُ الْجَعْدِ، وَقَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ.
وَقَدْ ضَعَّفَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو
زُرْعَةَ وَالْجُوزَجَانِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ،
وَكَذَّبَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَتَرَكَهُ آخَرُونَ.
(4/503)
لَكِنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا
السِّيَاقِ بِطُولِهِ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ مِنْ غَيْرِ
طَرِيقِ سَلَّامٍ هَذَا فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ الاحمسي، حَدثنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَى هَذَا عَنْ مُرَّةَ مِنْ غَيْرِ
وَجه بأسانيد مُتَقَارِبَة وَعبد الرَّحْمَن ابْن الْأَصْبَهَانِيِّ
لَمْ يَسْمَعْ هَذَا مِنْ مُرَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ
عَنْ مُرَّةَ، وَلَا أَعْلَمُ أحدا رَوَاهُ عَن عبد الله عَن مرّة.
(4/504)
فُصْلٌ فِي ذِكْرِ الْوَقْتِ الَّذِي
تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَبْلَغِ سنه حَال وَفَاته وفى كَيْفيَّة غسله عَلَيْهِ السَّلَام
وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ وَمَوْضِعِ قَبْرِهِ
صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَام تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وُلِدَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَنُبِّئَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَمَاتَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: أَيَّ يَوْمٍ
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ:
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
فَقَالَ: إِنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ أَمُوتَ فِيهِ.
فَمَاتَ فِيهِ.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ،
حَدَّثَنَا هُرَيْمٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَغَازِيهِ وَمُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ أَرْسَلَتْ عَائِشَةُ
إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْسَلَتْ حَفْصَة
(4/505)
إِلَى عُمَرَ، وَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ
إِلَى عَلِيٍّ، فَلَمْ يَجْتَمِعُوا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي صَدْرِ عَائِشَةَ وَفِي
يَوْمِهَا ; يَوْمِ الِاثْنَيْنِ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ لِهِلَالِ
ربيع الاول.
وَقد قَالَ أَبُو يعلى: حَدثنَا أَبُو خَيْثَمَة، حَدثنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: آخر نظرة نظرتها
إِلَى رَسُول الله يَوْم يَوْم الِاثْنَيْنِ، كشف الستارة وَالنَّاس
خلف السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَنَظَرْتُ إِلَى
وَجْهِهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، فَأَرَادَ النَّاسُ أَنْ
يَنْحَرِفُوا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ امْكُثُوا: وَأَلْقَى
السَّجْفَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْوَفَاةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ
بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَنْ
صَفْوَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، جَمِيعًا عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قَبْلَ أَنْ
يَنْتَصِفَ النَّهَارُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنبأَنَا أَحْمد بن كَامِل (1) ، حَدثنَا الْحُسَيْن بن على
الْبَزَّار، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الاعلى، حَدثنَا الْمُعْتَمِرُ
بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ سُلَيْمَانُ ابْن طَرْخَانَ
التَّيْمِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، قَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ لِاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ
لَيْلَةً مِنْ صَفَرٍ، وَبَدَأَهُ وَجَعُهُ عِنْدَ وَلِيدَةٍ لَهُ
يُقَالُ لَهَا رَيْحَانَةُ كَانَتْ مِنْ سَبْيِ الْيَهُودِ، وَكَانَ
أَوَّلَ يَوْمٍ مَرِضَ يَوْم السبت، وَكَانَت وَفَاته عَلَيْهِ
السَّلَام يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ
رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِتَمَامِ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ عَلَيْهِ
السَّلَام الْمَدِينَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
قَيْسٍ، قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ
مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى عشرَة
__________
(1) المطبوعة: ابْن حَنْبَل (*)
(4/506)
فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ شَكْوَى
شَدِيدَةً، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ نِسَاؤُهُ كُلُّهُنَّ، فَاشْتَكَى
ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْم، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى
عَشْرَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَالُوا: بُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ
بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ
عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَهَذَا جَزَمَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُهُ، وَزَادَ:
وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي الْأَبْيَضِ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
رَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدِئَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ،
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ:
اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ
عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ إِذَا وَجَدَ
خِفَّةً صَلَّى وَإِذَا ثَقُلَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ
شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ
الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا، وَاسْتَكْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجْرَتِهِ عَشْرَ سِنِينَ كَوَامِلَ.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: وَهُوَ الْمُثبت عِنْدَنَا.
وَجَزَمَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ
اللَّيْثِ، أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَفِيهِ
قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى رَأْسِ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ.
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِتَمَامِ عَشْرِ
سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ.
(4/507)
رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
قَيْسٍ مِثْلَهُ سَوَاءً.
وَقَالَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ أَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مُسْتَهَلَّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ
إِحْدَى عشرَة من مقدمه الْمَدِينَة، وَرَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ
أَيْضًا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ عُرْوَةَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ
وَالزُّهْرِيِّ مِثْلَهُ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَن مغازيهما فَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيِّ.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ الله
عَنْهُمَا فَقَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ
طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن
عبد الله عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَا: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ
حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ - وَزَادَ:
وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ.
وَرَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
الْعَرْزَمِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: لَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ارْتَحَلَ فَأَتَى الْمَدِينَةَ
فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا،
وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ.
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ.
وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ، إِلَّا
أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي أَوَّلِهِ: لِأَيَّامٍ مَضَيْنَ
مِنْهُ.
وَقَالَتْ عَائِشَة: بَعْدَمَا مَضَى أَيَّامٌ مِنْهُ.
(4/508)
فَائِدَةٌ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ
السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ مَا مَضْمُونُهُ: لَا يُتَصَوَّرُ
وُقُوعُ وَفَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ
عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سنة إِحْدَى عشرَة.
وَذَلِكَ لانه عَلَيْهِ السَّلَام وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
سَنَةَ عَشْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ; فَكَانَ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ
يَوْمُ الْخَمِيسِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُحْسَبَ الشُّهُورُ
تَامَّةً أَوْ نَاقِصَةً أَوْ بَعْضُهَا تَامٌّ وَبَعْضُهَا نَاقِصٌ،
لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ
رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا الْإِيرَادُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَقَدْ حَاوَلَ جَمَاعَةٌ الْجَوَابَ عَنْهُ.
وَلَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ إِلَّا بِمَسْلَكٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ
اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ، بِأَنْ يَكُونَ أَهْلُ مَكَّةَ رَأَوْا
هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ، وَأَمَّا أَهْلُ
الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَرَوْهُ إِلَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا: خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي
الْقَعْدَةِ - يَعْنِي مِنَ الْمَدِينَةِ - إِلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وَيَتَعَيَّنُ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ،
وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ
الْخَمِيسِ، لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ أَكثر من خمس بلاشك، وَلَا جَائِزٌ
أَنْ يَكُونَ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، لِأَنَّ أَنَسًا قَالَ:
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ
بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
رَكْعَتَيْنِ.
فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ لِخَمْسٍ بَقِينَ.
فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَأَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ هِلَالَ ذِي
الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَإِذَا كَانَ أَوَّلَ ذِي
الْحِجَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْجُمُعَةُ وَحُسِبَتِ
الشُّهُورُ بَعْدَهُ كَوَامِلُ يَكُونُ أَوَّلَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ
يَوْمُ الْخَمِيسِ، فَيَكُونُ ثَانِيَ عَشْرِهِ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ
بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
(4/509)
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ
الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ
وَلَا بِالْآدَمِ وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ (1) ،
بَعَثَهُ اللَّهُ عزوجل عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ
بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِين وبالمدينة عشر سِنِين، وتوفاه الله عَلَيْهِ
رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ
شَعْرَةً بَيْضَاءَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَن عُرْوَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن
أنس، وَعَن قُرَّة بن رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: حَدِيثُ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ
غَرِيبٌ.
وَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ فَرَوَاهَا عَنْهُ
جَمَاعَةٌ كَذَلِكَ.
ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ (2) عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الْبَرْبَرِيِّ وَنَافِعُ بْنُ أَبِي
نُعَيْمٍ، عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
قَالَ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ سِتُّونَ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ
وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمِسْعَرٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَأَنَسِ بْنِ
بِلَالٍ، وَأَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ وَالدَّرَاوَرْدِيِّ
وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَدَنِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنبأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ
إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو،
حَدثنَا عبد الوراث، حَدثنَا أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ:
قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالك: ابْن أَي الرِّجَال رَسُول الله إِذْ بعث؟
__________
(1) الامهق: الابيض لَا تخالطه حمرَة.
والآدم: الاسمر.
والقطط: الشَّديد جعودة الشّعْر، والسبط: نقيض الْجَعْد.
(2) ا: وَزَمعَة.
(*)
(4/510)
قَالَ: كَانَ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
قَالَ: ثُمَّ كَانَ مَاذَا؟ قَالَ: كَانَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ
وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ فَتَمَّتْ لَهُ سِتُّونَ سَنَةً يَوْم
قَبضه الله عزوجل وَهُوَ كَأَشَدِّ الرِّجَالِ وَأَحْسَنِهِ
وَأَجْمَلِهِ وَأَلْحَمِهِ.
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ
الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو
الرَّازِيِّ الملقب بربيح، عَنْ حَكَّامِ بْنِ سَلْمٍ، عَنْ عُثْمَانَ
بْنِ زَائِدَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ: قُبِضَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ، وَقُبِضَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ
كَثِيرًا مَا تَحْذِفُ الْكَسْرَ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ
مِثْلَهُ.
وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَعُقَيْلٌ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ
وَابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مِثْلَ
ذَلِك.
وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو نعيم، حَدثنَا شَيْبَانُ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
وَابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَكَثَ بِمَكَّة عشر سِنِين يتنزل عَلَيْهِ الْقُرْآنُ،
وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا.
لَمْ يُخَرِّجْهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ
(4/511)
سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قُبِضَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ،
وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَعُمَرُ وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ،
وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهِ دُونَ الْبُخَارِيِّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ،
وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَرِيرٍ
عَنْ مُعَاوِيَةَ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بن شرَاحِيل، عَن الشَّعْبِيِّ، عَنْ
جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ
فَذَكَرَهُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاضِي أَبِي
يُوسُفَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: تَذَاكَرَ رَسُول الله
وَأَبُو بَكْرٍ مِيلَادَهُمَا عِنْدِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
أَكْبَرَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ
ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَهُوَ ابْنُ
ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: توفى رَسُول الله وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمْ
بَنُو ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ حَنْبَل: حَدثنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أُنْزِلَ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَأَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا.
وَهَذَا غَرِيبٌ عَنْهُ وَصَحِيحٌ إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي
هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: نبئ
(4/512)
رَسُول الله وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ
سَنَةً، فَمَكَثَ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ بُعِثَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ
بِالرِّسَالَةِ ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ
هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقُبِضَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ
سَنَةً.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل:
الثَّابِت (1) عندنَا ثَلَاث وَسِتُّونَ.
قُلْتُ: وَهَكَذَا رَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَرَوِيَ مِنْ
حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ
زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ سَنَةً.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ
أَيْضًا، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، ثُمَّ
أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ
وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، كُلُّهُمْ عَنْ
هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ.
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ سُفْيَان (2) ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ.
فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
جَمْرَة، عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول
__________
(1) ا: الثبت.
(2) ح ا: شَقِيق.
(*)
(4/513)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ يُوحَى إِلَيْهِ.
وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ
سَنَةً.
وَقَدْ أَسْنَدَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُسلم بْنِ
جُنَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَشْهَرُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.
وَقَالَ الامام أَحْمد: حَدثنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ، حَدَّثَنِي عَمَّارٌ مَوْلَى بنى هَاشم، سَمِعْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ يَقُولُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحذاء بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ سَلمَة، عَن عمَارَة بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ
بِمَكَّة خمس عشرَة سنة، ثمانى
سِنِينَ أَوْ سَبْعًا، يَرَى الضَّوْءَ وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ،
وَثَمَانِية أَوْ سَبْعًا يُوحَى إِلَيْهِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ
عَشْرًا.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمد أَيْضا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ،
قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمْ أَتَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ؟ قَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى
مِثْلَكَ فِي قَوْمِهِ يَخْفَى عَلَيْك ذَلِكَ.
قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ فَاخْتُلِفَ على فحببت أَنْ
أَعْلَمَ قَوْلَكَ فِيهِ.
قَالَ: أَتَحْسُبُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: أَمْسِكْ أَرْبَعِينَ بُعِثَ
لَهَا، وَخَمْسَ عَشْرَةَ أَقَامَ بِمَكَّةَ يَأْمَنُ وَيَخَافُ،
وَعَشْرًا مُهَاجَرُهُ (1) بِالْمَدِينَةِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ
وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، كِلَاهُمَا عَنْ يُونُس
__________
(1) غير ا: " مُهَاجرا ".
(*)
(4/514)
ابْن عُبَيْدٍ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا
الْعَلَاء بن صَالح، حَدثنَا الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أُنْزِلَ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرًا بِمَكَّةَ
وَعَشْرًا بِالْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ؟ لَقَدْ
أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَبِالْمَدِينَةِ
عَشْرًا، خَمْسًا وَسِتِّينَ وَأَكْثَرَ.
وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ أَحْمد إِسْنَادًا ومتنا.
وَقَالَ الامام أَحْمد: حَدثنَا هشيم، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ،
عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قُبِضَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ
وَسِتِّينَ سَنَةً.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الشَّمَائِلِ وَأَبُو يَعْلَى
الْمَوْصِلِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنِ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ دَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ الشَّيْبَانِيِّ
النَّسَّابَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قُبِضَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ.
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: دَغْفَلٌ لَا نَعْرِف لَهُ سَمَاعا عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ فِي
زَمَانِهِ رَجُلًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ عَمَّارٍ وَمَنْ
تَابَعَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ
أَصَحُّ، فَهُمْ أَوْثَقُ وَأَكْثَرُ وَرِوَايَتُهُمْ تُوَافِقُ
الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَإِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَنَسٍ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْ
مُعَاوِيَةَ.
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ
وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قلت: وَعبد الله بن عقبَة وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِ
وَاحِدٍ.
* * *
(4/515)
وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْغَرِيبَةِ مَا
رَوَاهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ،
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ
وَسِتِّينَ سَنَةً.
وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ.
وَرَوَاهُ زَيْدٌ الْعَمِّيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَنَسٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن عَامر، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
حُمَيْدٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْغَسَّانِيِّ، عَنْ
مَكْحُولٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ الله وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ
وَسِتِّينَ سَنَةً وَأَشْهَرٍ.
وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ
بَكَّارٍ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ
الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ
سَنَةً وَنِصْفٍ.
وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ
رَوْحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَ سِنِينَ
بِمَكَّةَ وَعَشْرًا بَعْدَ مَا هَاجَرَ (2) .
فَإِنْ كَانَ الْحَسَنُ مِمَّنْ يَقُولُ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَعُمُرُهُ
أَرْبَعُونَ سَنَةً فَقَدْ ذهب إِلَى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام عَاشَ
ثَمَانِيًا وَخَمْسِينَ سَنَةً.
وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
لَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ،
عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً.
وَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ
أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بعث رَسُول الله وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ
وَأَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا وَبِالْمَدِينَةِ
ثَمَانِيًا وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
__________
(1) ا: دحار.
(2) ا: وَعشرا وَقد هَاجر.
(*)
(4/516)
وَهَذَا بِهَذَا الصّفة غَرِيب جدا وَالله
أعلم.
صفة غسله عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ اشْتَغَلُوا بِبَيْعَةِ الصِّدِّيقِ بَقِيَّةَ يَوْمِ
الِاثْنَيْنِ وَبَعْضَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ، فَلَمَّا تَمَهَّدَتْ
وَتَوَطَّدَتْ وَتَمَّتْ شَرَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَجْهِيزِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْتَدِينَ فِي كُلِّ مَا
أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَقْبَلَ
النَّاسُ عَلَى جِهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ
رَسُول الله تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ لَيْلَةَ
الْأَرْبِعَاءِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَة، حَدثنَا أَبُو بردة، عَن عَلْقَمَة بن
يزِيد، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا
أَخَذُوا فِي غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ الدَّاخِلِ: أَلا تُجَرِّدُوا عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ - وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ التَّمِيمِيُّ كُوفِيٌّ -
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ
عَائِشَةَ تَقُولُ: لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ
مَوْتَانَا، أَمْ نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ.
فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ حَتَّى
مامنهم أحد إِلَّا وَذَقَنُهُ فِي صَدْرِهِ.
ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ
مَنْ هُوَ: أَنْ غَسِّلُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ.
(4/517)
فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ.
يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ فَيُدَلِّكُونَهُ بِالْقَمِيصِ
دُونَ أَيْدِيهِمْ.
فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا
اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَلَا نِسَاؤُهُ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي،
عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ (1) الْقَوْمُ
لِغَسْلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ
فِي الْبَيْتِ إِلَّا أَهْلُهُ، عَمُّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ
وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ
وَصَالِحٌ مَوْلَاهُ.
فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِغَسْلِهِ نَادَى من وَرَاء النَّاس أَوْسُ بْنُ
خَوْلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ (2) بَنِي
عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ - وَكَانَ بَدْرِيًّا - عَلِيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ ننشدك (3) اللَّهَ وَحَظَّنَا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: ادْخُلْ.
فَدَخَلَ فَحَضَرَ غَسْلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلِمَ يَلِ مِنْ غَسْلِهِ شَيْئًا.
فَأَسْنَدَهُ عَلِيٌّ إِلَى صَدْرِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ، وَكَانَ
الْعَبَّاسُ وَفَضْلٌ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ
أُسَامَةُ بن زيد وَصَالح مَوْلَاهُ هما يَصُبَّانِ الْمَاءَ، وَجَعَلَ
عَلِيٌّ يَغْسِلُهُ وَلَمْ يَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئا مِمَّا يرى (4) مِنَ الْمَيِّتِ، وَهُوَ
يَقُولُ: بِأَبِي وَأُمِّي! مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا.
حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ غسل رَسُول الله، - وَكَانَ يُغَسَّلُ
بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ - جَفَّفُوهُ ثُمَّ صُنِعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ
(5) بِالْمَيِّتِ.
ثُمَّ أُدْرِجَ فِي ثَلَاثَة أَثوَاب: ثَوْبَيْنِ أبيضين وَبرد حبرَة.
__________
(1) مُسْند أَحْمد: لما اجْتمع.
حَدِيث 2358 (2) الْمسند: ثمَّ أحد.
(3) الْمسند: نشدتك.
(4) ا: مِمَّا يرَاهُ (5) ا: مِمَّا يصنع.
(*)
(4/518)
قَالَ: ثُمَّ دَعَا الْعَبَّاسُ
رَجُلَيْنِ، فَقَالَ: لِيَذْهَبْ أَحَدُكُمَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ
بْنِ الْجَرَّاحِ - وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَضْرُحُ لِأَهْلِ
مَكَّةَ.
وَلْيَذْهَبِ الْآخَرُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ
الْأَنْصَارِيِّ - وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَلْحَدُ لِأَهْلِ
الْمَدِينَةِ.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ الْعَبَّاسُ حِينَ سَرَّحَهُمَا: اللَّهُمَّ خِرْ
لِرَسُولِكَ! قَالَ: فَذَهَبَا فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ
أَبَا عُبَيْدَةَ، وَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَة
فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَن الْمُنْذر بن ثَعْلَبَة، عَن
الصَّلْت، عَنِ الْعِلْبَاءِ بْنِ أَحْمَرَ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ
وَالْفضل يغسلان رَسُول الله، فَنُودِيَ عَلِيٌّ: ارْفَعْ طَرْفَكَ
إِلَى السَّمَاءِ،
وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُ أَهْلِ السُّنَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَهُ: " يَا عَلِيُّ لَا تَبِدْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى
فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ ".
وَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَمْرِهِ لَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
* * * وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوب، حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى، حَدثنَا ضَمرَة، حَدثنَا
عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، حَدثنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: غَسَّلْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ مَا
يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا
وَمَيِّتًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ وَابْنُ مَاجَهْ من
حَدِيث معمر.
زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمسيب:
وَقد ولى دَفنه عَلَيْهِ السَّلَام أَرْبَعَة.
(4/519)
عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ
وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
لَحَدَوَا لَهُ لَحْدًا وَنَصَبُوا عَلَيْهِ اللَّبِنَ نَصْبًا.
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ
مِنْهُمْ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ
يَطُولُ بَسْطُهَا هَاهُنَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَى أَبُو عَمْرٍو كَيْسَانُ، عَنْ يَزِيدَ
بْنِ بِلَالٍ، سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ
غَيْرِي، فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ
عَيْنَاهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ الْعَبَّاسُ وَأُسَامَةُ يُنَاوِلَانِي
الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا تَنَاوَلْتُ عُضْوًا إِلَّا كَأَنَّهُ
يُقَلِّبُهُ مَعِي ثَلَاثُونَ رَجُلًا، حَتَّى فَرَغْتُ مِنْ غَسْلِهِ.
وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ
فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الرَّحِيم،
حَدثنَا عبد الصَّمد بن النُّعْمَان، حَدثنَا كَيْسَانُ أَبُو عَمْرٍو،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: قَالَ على بن أَبى طَالب:
أَوْصَانِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ
غَيْرِي، فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ
عَيْنَاهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ الْعَبَّاسُ وَأُسَامَةُ يُنَاوِلَانِي
الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ.
قلت: وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ
الْفَضْلِ، حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس الاصم، حَدثنَا أسيد بن عَاصِم،
حَدثنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَبَا
جَعْفَرٍ قَالَ: غُسِّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالسِّدْرِ ثَلَاثًا، وَغُسِّلَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ، وَغسل من بِئْر
كَانَ يُقَال لَهَا الْغَرْسُ بِقُبَاءٍ كَانَتْ لِسَعْدِ بْنِ
خَيْثَمَةَ، وَكَانَ رَسُول الله يشرب مِنْهَا، وَولى غسله على
وَالْفضل يحتضنه، وَالْعَبَّاسُ يَصُبُّ الْمَاءَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ
يَقُولُ: أَرِحْنِي قَطَعْتَ وَتِينِي، إِنِّي لِأَجِدُ شَيْئًا
يَتَرَطَّلُ عَلَيَّ (1) .
__________
(1) الوتين: عرق فِي الْقلب إِذا انْقَطع مَاتَ صَاحبه.
ويترطل: يسترخى ويسترسل.
(*)
(4/520)
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: حَدثنَا عَاصِمُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ،
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
نِعْمَ الْبِئْرُ بِئْرُ غَرْسٍ هِيَ مِنْ عُيُونِ الْجَنَّةِ
وَمَاؤُهَا أَطْيَبُ الْمِيَاهِ ".
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُسْتَعْذَبُ لَهُ مِنْهَا وَغُسِّلَ مِنْ
بِئْرِ غَرْسٍ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عمر، عَن مُحَمَّد بن عدى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ; قَالَ: لَمَّا فُرِغَ مِنَ الْقَبْرِ وَصَلَّى
النَّاسُ الظُّهْرَ، أَخَذَ الْعَبَّاسُ فِي غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ كِلَّةً (1)
مِنْ ثِيَابٍ يَمَانِيَةٍ صِفَاقٍ فِي جَوْفِ الْبَيْتِ، فَدَخَلَ
الْكِلَّةَ وَدَعَا عَلِيًّا وَالْفَضْلَ، فَكَانَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى
الْمَاءِ لِيُعَاطِيَهُمَا دَعَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ
فَأَدْخَلَهُ، وَرِجَالٌ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ وَرَاءِ الْكِلَّةِ، وَمَنْ أُدْخِلَ مِنَ
الْأَنْصَارِ حَيْثُ نَاشَدُوا أَبِي وَسَأَلُوهُ، مِنْهُمْ أَوْسُ
بْنُ خَوْلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
ثُمَّ قَالَ سَيْفٌ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ يَرْبُوعٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ
مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ ضَرَبَ
الْكِلَّةِ وَأَنَّ الْعَبَّاسَ أَدْخَلَ فِيهَا عَلِيًّا وَالْفَضْلَ
وَأَبَا سُفْيَانَ وَأُسَامَةَ، وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ
وَرَاءِ الْكِلَّةِ فِي الْبَيْتِ، فَذَكَرَ أَنَّهُمْ أُلْقِيَ
عَلَيْهِمُ النُّعَاسُ فَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: لَا تُغَسِّلُوا
رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ كَانَ طَاهِرًا.
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَلَا بَلَى.
وَقَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ: صَدَقَ فَلَا تُغَسِّلُوهُ، فَقَالَ
الْعَبَّاس: لَا نَدع سنة لِصَوْتٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ.
وَغَشِيَهُمُ النُّعَاسُ ثَانِيَةً، فَنَادَاهُمْ: أَنْ غَسِّلُوهُ
وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ، فَقَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ: أَلَا لَا.
وَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَلَا نَعَمْ.
فَشَرَعُوا فِي غَسْلِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَمِجْوَلٌ (2) مَفْتُوحٌ،
فَغَسَّلُوهُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَطَيَّبُوهُ بِالْكَافُورِ فِي
مَوَاضِعِ سُجُودِهِ وَمَفَاصِلِهِ، وَاعْتُصِرَ قَمِيصُهُ
وَمِجْوَلُهُ، ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ، وَجَمَّرُوهُ عُودًا
وَنَدًّا (3) ، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ حَتَّى وَضَعُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ
وَسَجَّوْهُ.
وَهَذَا السِّيَاق فِيهِ غرابة جدا.
__________
(1) الكلة: غشاء رَقِيق يتوقى بِهِ من البعوض.
(2) المجول: ثوب أَبيض يَجْعَل على يَد من تدفع إِلَيْهِ القداح إِذا
تجمعُوا.
(3) الند: العنبر، أَو نوع من الطّيب.
وفى ا: عودا، ثمَّ احتملوه.
(*)
(4/521)
صِفَةِ كَفَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ، حَدثنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنِ
الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فِي ثوب حبرَة ثمَّ أخر عَنْهُ.
قَالَ الْقَاسِمُ: إِنَّ بَقَايَا ذَلِكَ الثَّوْبِ لِعِنْدِنَا
بَعْدُ.
وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
وَالنَّسَائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَمُجَاهِدِ بْنِ
مُوسَى فَرَّقَهُمَا، كُلُّهُمْ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ
الشَّافِعِيُّ: حَدثنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ (1) ، لَيْسَ فِيهَا
قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ.
وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ،
عَنْ مَالك وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
هِشَامٍ عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ [سَحُولِيَّةٍ]
(2) بَيْضٍ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا قُتَيْبَة، حَدثنَا حَفْصُ بْنُ
غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ
يَمَانِيَةٍ مِنْ كُرْسُف (3) ، لَيْسَ لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا
عِمَامَة.
__________
(1) سحُولِيَّة: منسوبة إِلَى سحول، مَوضِع بِالْيمن تنسج بِهِ
الثِّيَاب.
(2) لَيست فِي ا (3) الكرسف: الْقطن.
(*)
(4/522)
قَالَ: فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ قَوْلُهُمْ:
فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَقَالَتْ: قَدْ أُتِيَ بِالْبُرْدِ
وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهِيم، حَدثنَا أَحْمد
بن سَلمَة، حَدثنَا هناد بن السرى، حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ
مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، فَأَمَّا
الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا، إِنَّمَا
اشْتُرِيَتْ لَهُ حلَّة
ليكفن فِيهَا فَتركت، وَأَخذهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
فَقَالَ: لَأَحْبِسَنَّهَا لِنَفْسِي حَتَّى أُكَفَّنَ فِيهَا.
ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَضِيَهَا اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَفَّنَهُ فِيهَا.
فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى
وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ
هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ
اللَّهِ فِي بُرْدِ حِبَرَةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ وَلُفَّ فِيهَا ثُمَّ نُزِعَتْ عَنْهُ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَدْ أَمْسَكَ تِلْكَ الْحُلَّةَ لِنَفْسِهِ حَتَّى
يُكَفَّنَ فِيهَا إِذَا مَاتَ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَهَا: مَا كُنْتُ أُمْسِكُ لِنَفْسِي
شَيْئًا مَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ.
فَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا عَبْدُ اللَّهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ بَيْضٍ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، عَن عبد
الرَّزَّاق.
وَقَالَ الامام أَحْمد: حَدثنَا مِسْكين بن بكر، عَنْ سَعِيدٍ، يَعْنِي
ابْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ
(4/523)
مَكْحُولٌ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ
عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كُفِّنَ فِي ثَلَاثَة أَثوَاب رِيَاطٍ يَمَانِيَةٍ.
انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو يعلى الْموصِلِي: حَدثنَا سهل بن حبيب الانصاري، حَدثنَا
عَاصِم بن هِلَال إِمَام مَسْجِد أَيُّوب، حَدثنَا أَيُّوبُ عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ
سَحُولِيَّةٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَالِمٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ.
وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ; ثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ (1)
وَبُرْدِ حبرَة.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ:
فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ -
الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ -.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعُثْمَانُ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ، وَابْن مَاجَه عَن على ابْن مُحَمَّدٍ، ثَلَاثَتُهُمْ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ،
عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحوه.
وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَيْضًا: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق،
حَدثنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ
مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُفِّنَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ وَبُرْدٍ أَحْمَرَ.
انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ من هَذَا الْوَجْه.
__________
(1) كَذَا ولعلها نِسْبَة إِلَى صحار، وهى هضبة عمان مِمَّا يلى
الْجَبَل.
المراصد.
(*)
(4/524)
وَقَالَ أَبُو بكر الشَّافِعِي: حَدثنَا
على بن الْحسن، حَدثنَا حميد بن الرّبيع، حَدثنَا بكر - يعْنى ابْن عبد
الرَّحْمَن - حَدثنَا عِيسَى - يَعْنِي ابْنَ الْمُخْتَارِ - عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ
عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاس، قَالَ:
كفن رَسُول الله فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ وَبُرْدٍ أَحْمَرَ.
وَقَالَ أَبُو يعلى: حَدثنَا سُلَيْمَان الشاذكونى، حَدثنَا يحيى بن
أَبى الْهَيْثَم، حَدثنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ، قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ.
زَادَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى:
وَبُرْدٍ أَحْمَرَ.
وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَن إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ
يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ
الْفَضْلِ، قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ أبيضين وفى رِوَايَة: وسحولية.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبى طَاهِر المخلص،
حَدثنَا أَحْمد بن إِسْحَاق عَن البهلول، حَدثنَا عباد بن يَعْقُوب،
حَدثنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى
مَجْلِسِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ، فَقُلْتُ
لَهُمْ: فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ
وَلَا قَبَاءٌ وَلَا عِمَامَةٌ.
قُلْتُ: كَمْ أُسِرَ مِنْكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالُوا: الْعَبَّاسُ
وَنَوْفَلٌ وَعَقِيلٌ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، أَنه قَالَ: كفن رَسُول الله
فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَحَدُهَا بُرْدُ حِبَرَةٍ.
وَقَدْ سَاقَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقٍ فِي
صِحَّتِهَا نَظَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كفنت
رَسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ
سَحُولِيَّيْنِ وَبرد حبرَة.
وَقَدْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير
(4/525)
حَدثنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ، كُفِّنَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَيْطَتَيْنِ
وَبُرْدٍ نَجْرَانِيٍّ.
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ هِشَامٍ
وَعِمْرَانَ الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى،
حَدثنَا نصر بن طريف، عَن قَتَادَة، حَدثنَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ
أَحَدُهَا بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِيمَا رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ بَيَانُ
سَبَبِ الِاشْتِبَاهِ عَلَى النَّاسِ، وَأَنَّ الْحِبَرَةَ أُخِّرَتْ
عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بن
إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، حَدثنَا يَعْقُوب ابْن إِبْرَاهِيمَ
الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ،
عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ هَارُونَ بن سعيد، قَالَ: كَانَ عِنْدَ
عَلِيٍّ مِسْكٌ فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ، وَقَالَ، هُوَ مِنْ
فَضْلِ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ
حَسَنٍ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَن على.
فَذكره.
(4/526)
كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ طَلِيقٍ،
وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ الْأَصْبَهَانِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ
مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَسِّلَهُ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِهِ،
وَأَنَّهُ قَالَ: كفنوني فِي ثِيَابِي هَذِه أَو فِي يَمَانِية أَوْ
بَيَاضِ مِصْرَ، وَأَنَّهُ إِذَا كَفَّنُوهُ يَضَعُونَهُ عَلَى شَفِيرِ
قَبْرِهِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ عَنْهُ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَيْهِ
الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهِ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِهِ
فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ النَّاسُ بَعْدَهُمْ فُرَادَى.
الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ.
وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُدْخِلَ الرِّجَالُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِغَيْرِ
إِمَامٍ أَرْسَالًا حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ أُدْخِلَ النِّسَاءُ
فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ فَصَلَّوْا
عَلَيْهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الْعَبِيدُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ أَرْسَالًا،
لَمْ يَؤُمَّهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحَدٌ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بن عَيَّاش بْنِ سَهْلِ
بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،
قَالَ: لَمَّا أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي أَكْفَانِهِ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، ثُمَّ وُضِعَ عَلَى
شَفِيرِ حُفْرَتِهِ، ثُمَّ كَانَ النَّاس يدْخلُونَ عَلَيْهِ رفقا رفقا
لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، قَالَ وَجَدْتُ كِتَابًا بِخَطِّ أَبِي فِيهِ أَنَّهُ
لَمَّا كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْبَيْتُ، فَقَالَا:
(4/527)
السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ
وَالْأَنْصَارُ كَمَا سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ صُفُّوا
صُفُوفًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - وَهُمَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ
حِيَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْهِ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيل الله حَتَّى أعز
الله دِينَهُ وَتَمَّتْ كَلِمَتُهُ، وَأُومِنَ بِهِ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ، فَاجْعَلْنَا إِلَهَنَا مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْقَوْلَ
الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حَتَّى
تُعَرِّفَهُ بِنَا وَتُعَرِّفَنَا بِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ
بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوفا رحِيما، لَا نبتغى بالايمان بِهِ بَدَلًا وَلَا
نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا أَبَدًا.
فَيَقُولُ النَّاسُ: آمِينَ آمِينَ.
وَيَخْرُجُونَ وَيَدْخُلُ آخَرُونَ، حَتَّى صَلَّى الرِّجَالُ، ثُمَّ
النِّسَاءُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ إِلَى مِثْلِهِ مِنْ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ،
وَقِيلَ إِنَّهُمْ مَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ.
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ قَرِيبًا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الصَّنِيعُ، وَهُوَ صَلَاتُهُمْ عَلَيْهِ فُرَادَى لَمْ
يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ عَلَيْهِ، أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ
فِيهِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ.
فَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
لَكَانَ نَصًّا فِي ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الَّذِي
يَعْسُرُ تَعَقُّلِ مَعْنَاهُ (1) .
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَن يَقُول: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ،
لِأَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ إِنَّمَا شَرَعُوا فِي تَجْهِيزِهِ
عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ تَمَامِ بَيْعَةِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا لَمْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ
لِيُبَاشِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ
إِلَيْهِ، وَلِتُكَرَّرَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ مَرَّةً
بَعْدَ مَرَّةٍ مِنْ كُلِّ فَرد فَرد من آحَاد الصَّحَابَة رِجَالهمْ
وَنِسَائِهِمْ وصبيانهم حَتَّى العبيد والاماء.
__________
(1) ت: الذى نعقل.
(*)
(4/528)
وَأَمَّا السُّهَيْلِيُّ فَقَالَ مَا
حَاصِلُهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ كل وَاحِد من الْمُؤمنِينَ أَنْ
يُبَاشِرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ
بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَنَا فِي ذَلِكَ أَئِمَّةٌ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي
مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى قَبْرِهِ لِغَيْرِ الصَّحَابَة.
فَقيل: نعم.
لَان جسده عَلَيْهِ السَّلَام طَرِيٌّ فِي قَبْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ
قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ،
كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ
كَالْمَيِّتِ الْيَوْمَ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَفْعَلُ، لِأَنَّ
السَّلَفَ مِمَّنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَفْعَلُوهُ، وَلَوْ كَانَ
مَشْرُوعًا لَبَادَرُوا إِلَيْهِ وَلَثَابَرُوا عَلَيْهِ.
وَاللَّهُ أعلم.
صفة دَفنه عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَيْنَ دفن، وَذكر الْخلاف فِي دَفنه
أليلا كَانَ أَمْ نَهَارًا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي -
وَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَدْرُوا أَيْنَ يَقْبُرُونَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمْ يُقْبَرْ نَبِيٌّ إِلَّا حَيْثُ
يَمُوتُ، فأخروا فرَاشه وحفروا تَحْتَ فِرَاشِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ
وَبَيْنَ الصِّدِّيقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، لَكِنْ رَوَاهُ
الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ،
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُم، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو مُوسَى الْهَرَوِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اخْتَلَفُوا فِي
دَفْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُبِضَ،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(4/529)
" لَا يُقْبَضُ النَّبِيُّ إِلَّا فِي
أَحَبِّ الْأَمْكِنَةِ إِلَيْهِ " فَقَالَ: ادْفِنُوهُ حَيْثُ قُبِضَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبَى كُرَيْبٍ، عَنْ أَبَى
مُعَاوِيَةَ، عَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
الْمُلَيْكِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعت من رَسُول الله
شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ، قَالَ: " مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا
فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ ".
ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ.
ثُمَّ إِنَّ التِّرْمِذِيَّ ضَعَّفَ الْمُلَيْكِيَّ ثُمَّ قَالَ:
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، رَوَاهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ
حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
" إِنَّهُ لَمْ يُدْفَنْ نبى قطّ إِلَّا حَيْثُ قبض ".
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن
سهل التَّمِيمِي، حَدثنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ
بِالْمَدِينَةِ حَفَّارَانِ فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: أَيْنَ نَدْفِنُهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَكَانَ
أَحَدُهُمَا يُلْحِدُ وَالْآخِرُ يَشُقُّ، فَجَاءَ الَّذِي يُلْحِدُ
فَلَحَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ مُنْقَطِعًا.
وَقَالَ أَبُو يعلى: حَدثنَا جَعْفَر بن مهْرَان، حَدثنَا عَبْدُ
الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا
أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة
الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ كَحَفْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَة
زيد ابْن سَهْلٍ هُوَ الَّذِي كَانَ يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَكَانَ يُلْحِدُ، فَدَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ فَقَالَ
لِأَحَدِهِمَا: اذْهَبْ إِلَى أَبى عُبَيْدَة.
وَقَالَ للْآخر: اذْهَبْ إِلَى أَبى طَلْحَة، اللَّهُمَّ خره
لِرَسُولِك.
(4/530)
قَالَ: فَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ
أَبَا طَلْحَةَ.
فَجَاءَ بِهِ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ جَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ،
وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ.
فَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ.
وَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " مَا قبض نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ
قُبِضَ ".
فَرُفِعَ فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَحَفَرُوا لَهُ تَحْتَهُ، ثُمَّ أُدْخِلَ
النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُصَلُّونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا، الرِّجَالُ حَتَّى إِذَا فُرِغَ
مِنْهُمْ أُدْخِلَ النِّسَاءُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ النِّسَاءُ
أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ، وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ.
فَدُفِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
أَوْسَطِ اللَّيْلِ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ
الْجَهْضَمِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبى طَالب
وَالْفضل وَقثم ابْنا عَبَّاس وَشُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ - وَهُوَ أَبُو لَيْلَى - لِعَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَحَظَّنَا مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ:
انْزِلْ.
وَكَانَ شُقْرَانُ مَوْلَاهُ أَخَذَ قَطِيفَةً كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فَدَفَنَهَا فِي
الْقَبْرِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ.
فَدُفِنَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
مُخْتَصَرًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُ
عَنِ إِسْحَاقَ بِهِ.
* * * وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ
بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
(4/531)
عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا قَبَضَ
الله نَبيا إِلَّا وَدفن حَيْثُ قُبِضَ ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَوْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ
بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ فَقَالُوا: كَيْفَ
نَدْفِنُهُ؟ مَعَ النَّاسِ أَوْ فِي بُيُوتِهِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا
دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ ".
فَدُفِنَ حَيْثُ كَانَ فِرَاشُهُ، رُفِعَ الْفِرَاشُ وَحُفِرَ
تَحْتَهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ،
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ - يَعْنِي ابْنَ يَرْبُوعٍ - قَالَ: لما توفى
النَّبِي صلى الله عيله وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ قَبْرِهِ.
فَقَالَ قَائِلٌ: فِي الْبَقِيعِ، فَقَدْ كَانَ يُكْثِرُ
الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ.
وَقَالَ قَائِلٌ: عِنْدَ مِنْبَرِهِ.
وَقَالَ قَائِلٌ: فِي مُصَلَّاهُ.
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا خَبَرًا
وَعِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: " مَا قُبِضَ نَبِيٌّ
إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ تُوُفِّيَ ".
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ
عُبَيْدٍ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
الصُّفَّةِ - قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ ثُمَّ خَرَجَ، فَقِيلَ لَهُ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ:
نَعَمْ.
فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ.
وَقِيلَ لَهُ: أَنُصَلِّي عَلَيْهِ؟ وَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْهِ؟
قَالَ: تَجِيئُونَ عُصَبًا عُصَبًا، فَتُصَلُّونَ.
فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ.
(4/532)
قَالُوا: هَلْ يُدْفَنُ وَأَيْنَ؟ قَالَ:
حَيْثُ قَبَضَ اللَّهُ رُوحَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ رُوحَهُ
إِلَّا فِي مَكَانٍ طَيِّبٍ.
فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ.
* * * وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، قَالَ: عَرَضَتْ عَائِشَةُ عَلَى أَبِيهَا رُؤْيَا،
وَكَانَ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ قَالَتْ: رَأَيْتُ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ
وَقَعْنَ فِي حِجْرِي، فَقَالَ لَهَا: إِن صدقت رُؤْيَاك دفن فِي
بَيْتك من خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةٌ.
فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: يَا عَائِشَةُ هَذَا خَيْرُ أَقْمَارِكِ! وَرَوَاهُ مَالِكٌ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَائِشَةَ مُنْقَطِعًا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ
سَحْرِي وَنَحْرِي، وَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي
آخِرِ سَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ سَاعَةٍ مِنَ الْآخِرَةِ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيث أَبى عوَانَة، عَن هِلَال
الْوراق، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ
فِيهِ يَقُولُ: " لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا
قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ".
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ
أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مَحْمُود بن غيلَان، حَدثنَا هَاشم
بن الْقَاسِم: حَدثنَا مُبَارَكُ بْنُ
فَضَالَةَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَكَانَ (1) بِالْمَدِينَةِ رجل يلْحد وَالْآخر يضرح
فَقَالُوا: نستخير الله (2) ونبعث
__________
(1) سنَن ابْن مَاجَه حَدِيث 1557 - لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ.
(2) ابْن مَاجَه: نستخير رَبنَا.
(*)
(4/533)
إِلَيْهِمَا، فَأَيُّهُمَا سُبِقَ
تَرَكْنَاهُ.
فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ، فَلَحَدُوا
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ وَقَدْ رَوَاهُ الْأَمَام أَحْمد، عَنْ
أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ بْنِ
عُبَيْدَةَ بْنِ زَيْدٍ (1) ، حَدثنَا عبيد بن طفيل، حَدثنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي اللَّحْدِ
وَالشَّقِّ حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ وَارْتَفَعت أَصْوَاتهم.
فَقَالَ عمر: لاتصخبوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا -
فَأَرْسَلُوا إِلَى الشَّقَّاقِ وَاللَّاحِدِ جَمِيعًا.
فَجَاءَ اللَّاحِدُ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دفن.
تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدثنَا وَكِيع، حَدثنَا الْعُمَرِيُّ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَعَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُلْحِدَ لَهُ لَحْدٌ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يحيى بن شُعْبَة وَابْن
جَعْفَر، حَدثنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: جُعِلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ
طُرُقٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ وَكِيعٌ
عَنْ شُعْبَةَ.
وَقَالَ وَكِيعٌ: كَانَ هَذَا خَاصًّا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم.
رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر.
__________
(1) الاصل: ابْن يزِيد.
وَمَا أثْبته عَن سنَن ابْن مَاجَه.
(*)
(4/534)
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الانصاري، حَدثنَا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسط تَحْتَهُ قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ
كَانَ يَلْبَسُهَا، قَالَ: وَكَانَتْ أَرْضًا ندية.
وَقَالَ هشيم بن مَنْصُورٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: جُعِلَ فِي قَبْرِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ
كَانَ أَصَابَهَا يَوْم حنين.
قَالَ [الْحَسَنُ (1) ] : جَعَلَهَا لِأَنَّ الْمَدِينَةَ أَرْضٌ
سَبِخَةٌ.
وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: حَدثنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ،
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " افْرِشُوا
لِي قطيفة فِي لَحْدِي فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُسَلَّطْ عَلَى
أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ ".
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُسَدّد، حَدثنَا عبد
الْوَاحِد، حَدثنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: غَسَّلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ إِلَى مَا يَكُونُ
مِنَ الْمَيِّتِ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَكَانَ طَيِّبًا حَيا وَمَيتًا.
قَالَ: وَولى دفبه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَإِجْنَانَهُ
دُونَ النَّاسِ أَرْبَعَةٌ، عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ
وَصَالِحٌ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَلُحِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْدٌ،
وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى لحده
عَلَيْهِ السَّلَام تِسْعُ لَبِنَاتٍ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي سُبْرَة عَن عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضُوعًا عَلَى
سَرِيرِهِ مِنْ حِينِ زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ
يَوْمِ الِاثْنَيْنِ إِلَى أَنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ
الثُّلَاثَاءِ، يُصَلِّي النَّاسُ عَلَيْهِ وَسَرِيرُهُ عَلَى شَفِيرِ
قَبْرِهِ فَلَمَّا أَرَادُوا أَن يقبروه عَلَيْهِ السَّلَام نَحَّوُا
السَّرِيرَ قِبَلَ رِجْلَيْهِ فَأُدْخِلَ مِنْ هُنَاكَ.
وَدَخَلَ فِي حُفْرَتِهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَقُثَمُ وَالْفَضْلُ
وشقران.
__________
(1) لَيست فِي ا.
(*)
(4/535)
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ
إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: دَخَلَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَسَوَّى لَحْدَهُ رَجُلٌ
مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ الَّذِي سَوَّى لُحُودَ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ
يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: صَوَابُهُ يَوْمَ أُحُدٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ حُسَيْنِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ
الَّذِينَ نَزَلُوا فِي قَبْرِ رَسُول الله عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ
وَقُثَمُ وَشُقْرَانُ، وَذَكَرَ الْخَامِسَ وَهُوَ أَوْسُ بْنُ
خَوْلِيٍّ، وَذَكَرَ قِصَّةَ الْقَطِيفَةِ الَّتِي وَضَعَهَا فِي
الْقَبْرِ شُقْرَانُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أخبرنَا أَبُو طَاهِر الخداباذى،
حَدثنَا أَبُو قلَابَة، حَدثنَا أَبُو عَاصِم، حَدثنَا سُفْيَانُ بْنُ
سَعِيدٍ، هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ،
عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَرْحَبٍ، قَالَ: كَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ،
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ.
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَنِي مَرْحَبٌ أَو ابْن عمى
مَرْحَبٍ (1) : أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
عَوْفٍ، فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ قَالَ: إِنَّمَا يَلِي الرَّجُلَ
أَهْلُهُ.
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَلَا
نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي اسْتِيعَابِهِ:
أَبُو مَرْحَبٍ اسْمُهُ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ، وَذَكَرَ أَبَا مَرْحَبٍ
آخَرَ وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ خَبَرَهُ.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحدهمَا أَو ثَالِث غَيرهمَا [وَللَّه
الْحَمد] (2) .
__________
(1) ح: أَو أَبُو مرحب.
(2) لَيست فِي ا.
(*)
(4/536)