السيرة
النبوية لابن كثير ذِكْرُ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ
الْمُصِيبَة الْعَظِيمَة بوفاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زيد، حَدثنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ
الْكَرْبُ.
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ أَبَتَاهْ.
فَقَالَ لَهَا: " لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ ".
فَلَمَّا مَاتَ قَالَت: وأبتاه أَجَابَ رَبًّا دَعَاهْ، يَا أَبَتَاهْ مِنْ
جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ
نَنْعَاهْ.
فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ
أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
التُّرَابَ؟ ! تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن
زيد، حَدثنَا ثَابت البنانى، قَالَ أنس: فَلَمَّا دفن النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ
أَنْفُسُكُمْ أَنْ دَفَنْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي التُّرَابِ وَرَجَعْتُمْ؟ وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ.
وَعِنْدَهُ قَالَ حَمَّادٌ: فَكَانَ ثَابِتٌ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا
الْحَدِيثِ بَكَى حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ.
وَهَذَا لَا يُعَدُّ نِيَاحَةً بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ فَضَائِلِهِ
الْحَقِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ،
وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ،
سَمِعْتُ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يُحَدِّثُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ
قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ - فِيمَا أَوْصَى بِهِ إِلَى بَنِيهِ -
أَنَّهُ قَالَ: وَلَا تَنُوحُوا عَلِيًّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فِي النَّوَادِرِ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُون عَنْ شُعْبَةَ بِهِ.
(4/543)
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الْمَدِينِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الصَّعْقِ بْنِ
حَزْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُطَيَّبٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ،
عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ بِهِ.
قَالَ: لَا تَنُوحُوا عَلِيًّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَنْهَى عَنِ
النِّيَاحَةِ.
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ
الصَّعْقِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ
عَنْ عَاصِمٍ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عقبَة بن سِنَان،
حَدثنَا عُثْمَان بن عُثْمَان، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمد: حَدثنَا عَفَّان، حَدثنَا جَعْفَر بن
سُلَيْمَان، حَدثنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ
الَّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ أَضَاء مِنْهَا كل شئ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي
مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كل شئ.
قَالَ: وَمَا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْأَيْدِيَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا، عَنْ بِشْرِ
بْنِ هِلَالٍ الصَّوَّافِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ
بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
قُلْتُ.
وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، وَمَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ
جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَقَدْ
أخرج لَهُ الْجَمَاعَة، وَرَوَاهُ النَّاسُ عَنْهُ كَذَلِكَ.
* * * وَقَدْ أَغْرَبَ الْكُدَيْمِيُّ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ
رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَتِهِ لَهُ حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا أَبُو
الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدثنَا
جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَظْلَمَتِ الْمَدِينَةُ حَتَّى لَمْ ينظر بَعْضنَا
(4/544)
إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ أَحَدُنَا يَبْسُطُ
يَدَهُ فَلَا يَرَاهَا أَوْ لَا يُبْصِرُهَا، وَمَا فَرَغْنَا مِنْ
دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ كَذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنْ أَبِي
الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ، كَمَا قَدَّمْنَا، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ، حَدثنَا حُسَيْن ابْن أَحْمد بن
بسطَام بالابله، حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد الرؤاسى، حَدثنَا مسلمة ابْن
عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاء مِنْهَا كل شئ، فَلَمَّا
كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كل شئ.
وَقَالَ ابْن مَاجَه: حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، حَدثنَا عبد
الْوَهَّاب ابْن عَطَاءٍ الْعِجْلِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ،
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا وَجْهُنَا وَاحِدٌ، فَلَمَّا قُبِضَ
نَظَرْنَا هَكَذَا وَهَكَذَا.
وَقَالَ أَيْضا: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الحزامى، حَدثنَا خَالِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي
وَدَاعَةَ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا
قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ بَصَرُ
أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو بكر، فَكَانَ النَّاسُ إِذَا
قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ
جَبِينِهِ، فَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ، فَكَانَ النَّاسُ
إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ
الْقِبْلَةِ، فَتُوُفِّيَ عُمَرُ وَكَانَ عُثْمَانُ وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ،
فَتَلَفَّتَ النَّاسُ يَمِينًا وَشِمَالًا.
(4/545)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ ; أَنَّ
أُمَّ أَيْمَنَ بَكَتْ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهَا مَا يُبْكِيكِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: إِن قد علمت أَن رَسُول الله
سَيَمُوتُ، وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى الْوَحْيِ الَّذِي رُفِعَ
عَنَّا.
هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ
الْجَارُودِيُّ، قَالَا: حَدثنَا الْحسن بن على الخولانى (1) ، حَدثنَا
عَمْرو بن عَاصِم الْكلابِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ،
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ زَائِرًا وَذَهَبْتُ مَعَهُ،
فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ شَرَابًا.
فَإِمَّا كَانَ صَائِمًا وَإِمَّا كَانَ لَا يُرِيدُهُ فَرَدَّهُ،
فَأَقْبَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تُضَاحِكُهُ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا.
فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ.
فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لرَسُوله.
قَالَت: وَالله مَا أبكى أَلا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ
خَيْرٌ لرَسُوله، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ انْقَطَعَ مِنَ
السَّمَاءِ.
فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ بِهِ.
* * * وَقَالَ مُوسَى بْنُ عقبَة فِي قصَّة وَفَاة رَسُول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا: قَالَ: وَرَجَعَ
النَّاسُ حِينَ فَرَغَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْخُطْبَةِ وَأُمُّ أَيْمَنَ
قَاعِدَةٌ تَبْكِي، فَقِيلَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ قَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ
نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأدْخلهُ جنته، وأراحه من نصب الدُّنْيَا.
__________
(1) ا: الْحلْوانِي.
(*)
(4/546)
فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى خَبَرِ
السَّمَاءِ كَانَ يَأْتِينَا غَضًّا جَدِيدًا كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ،
فَقَدِ انْقَطَعَ وَرُفِعَ، فَعَلَيْهِ أَبْكِي.
فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ قَوْلِهَا.
وَقَدْ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ: وَحُدِّثْتُ عَنْ
أَبِي أُسَامَةَ، وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِك عَنهُ ابْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ
الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي بُرَيْدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ
رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا فَجَعْلَهُ
لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا يَشْهَدُ لَهَا، وَإِذَا أَرَادَ هِلْكَةَ أُمَّةٍ
عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا
فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ ".
تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ
بْنُ مُوسَى، حَدثنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي
رَوَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ
زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً
سَيَّاحِينَ يُبَلِّغُونِي عَن أمتى السَّلَام ".
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحَدِّثُونَ وَيُحَدَّثُ لَكُمْ، وَوَفَاتِي
خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالَكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ
حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ،
وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكُمْ ".
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْرِفُ آخِرَهُ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
قُلْتُ: وَأما أَوله وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " إِنَّ لِلَّهِ
مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ " فَقَدْ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ وَعَنِ الْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
السَّائِبِ، عَن أَبِيه بِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْجُعْفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يزِيد ابْن جَابِرٍ، عَنْ
أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
(4/547)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِنْ أَفْضَلِ
أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ،
وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ
الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ".
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ
أَرِمْتَ؟ - يَعْنِي قَدْ بَلِيتَ - قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ
عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ
السَّلَامُ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ هَارُونِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ،
ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ
حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ
شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ فَذَكَرَهُ.
قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ: وَذَلِكَ وَهْمٌ مِنَ
ابْنِ مَاجَهْ، وَالصَّحِيحُ أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ وَهُوَ الثَّقَفِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَهُوَ عِنْدِي فِي نُسْخَةٍ جَيِّدَةٍ مَشْهُورَةٍ عَلَى
الصَّوَابِ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَن
أَوْس ابْن أَوْسٍ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بن سَواد المصرى، حَدثنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
نُسَيٍّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَإِنَّ
أَحَدًا لَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ إِلَّا عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ حَتَّى
يَفْرُغَ مِنْهَا ".
قَالَ قُلْتُ: وَبَعْدَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى
الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِم السَّلَام -
نبى الله حى ويرزق (1) .
وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ ابْنِ مَاجَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ عَقَدَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ هَاهُنَا بَابًا فِي إِيرَادِ
الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَمَوْضِعُ
اسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى.
__________
(1) ابْن مَاجَه حَدِيث 1637: فنبي الله حى يرْزق.
(*)
(4/548)
|