السيرة النبوية وأخبار الخلفاء

السنة العاشرة من الهجرة
حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ثنا محمد بن بشار ثنا [أبو] «11» عامر ثنا
__________
(1) من السنن، وفي الأصل: ليصلي.
(2) زيد من السنن.
(3) العبارة من هنا إلى «خطب الناس وحدثهم» تكررت في الأصل.
(4) والعبارة من هنا إلى «بالبيت عريان» ليست في سنن النسائي- الخطبة يوم التروية، ولا في مسند الدارمي- باب في خطبة الموسم، ولا في سنن البيهقي- باب الخطب.
(5) ف الأصل: نبذ، والتصحيح بناء على ما ورد في سمط النجوم 2/ 220: وبعث عليا خلفه بسورة براءة لينبذ إلى كل ذي عهد عهده وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
(6) زيد ولا بد منه.
(7) زيد من سمط النجوم.
(8) زيد من سنن النسائي.
(9) من السنن، ووقع في الأصل: وعليهم- مصحفا.
(10) وراجع أيضا السيرة النبوية بهامش إنسان العيون 2/ 443.
(11) زيد من صحيح البخاري وفد عبد القيس من المغازي.

(1/384)


قرة «1» بن خالد عن أبي جمرة «2» الضبعي قال: قلت لابن عباس: إن لي جرة ينبذ لي فيها، فإذا أطلت الجلوس مع القوم خشيت «3» أن أفتضح من حلاوته، قال:
قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مرحبا بالوفد غير خزايا ولا ندامى» ! قالوا: يا رسول الله! إن بيننا وبينك المشركين من مضر، وإنا لا نصل [إليك] «4» إلا في أشهر الحرام فحدثنا جملا «5» من الأمر إذا أخذنا به دخلنا الجنة وندعو إليه من وراءنا، فقال: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان بالله» ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، و [أن] «4» تعطوا الخمس من المغنم؛ وأنهاكم عن النبيذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت» «6» .
قال: في أول هذه السنة قدم وفد عبد القيس «7» على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دنوا من المدينة تركوا رواحلهم وبادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل عبد الله بن الأشج العبدي فعقل راحلته ونزع ثيابه فلبسها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة» «8» - سألوه عما ذكرنا.
ثم بعث «9» رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني عبد المدان «10» في شهر ربيع
__________
(1) من الصحيح، وفي الأصل: فروة.
(2) من الصحيح، وفي الأصل: أبي حمزة.
(3) من الصحيح، وفي الأصل: خشية.
(4) زيد من صحيح البخاري.
(5) في الأصل: عملا، وفي الصحيح: بجمل.
(6) ساقه البخاري باختلاف يسير عما هنا.
(7) وفي إنسان العيون 3/ 309: وقول الواقدي: إن قدوم وفد عبد القيس كان في سنة ثمان- ليس بصحيح، لكن ذكر بعضهم أن لعبد القيس وفدتين: واحدة كانت قبل فرض الحج؛ وواحدة بعده، والقائل بالوفدتين هو ابن حجر- راجع وفد عبد القيس في فتح الباري.
(8) ساقه الإمام أحمد في مسنده 3/ 23، والحلبي في إنسان العيون 3/ 308، وابن حجر في فتح الباري- وفد عبد القيس.
(9) ذكره في الطبري 3/ 156 والسيرة 3/ 71 والسيرة النبوية بهامش إنسان العيون 2/ 447.
(10) من السيرة النبوية، وفي الأصل: عبد المهاف- كذا، وفي السيرة النبوية بفتح الميم بوزن سحاب:

(1/385)


الأول وهم بنو الحارث بن كعب وأسلموا، وأخذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم.
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو «1» بن حزم عاملا على نجران، فخرج وأقام عندهم يعلمهم السنة ومعالم الإسلام إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على نجران «2» .
وقدم عدي بن حاتم الطائي ومعه صليب من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله» «3» .
وقدم بعده وفد طيء فيهم زيد الخيل وهو رأسهم «4» .
ثم قدم جرير بن عبد الله البجلي، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هدم «5» ذي الخلصة «5» ، فهدمها.
ثم قدم وفد الأزد رأسهم صرّد بن عبد الله «6» في بضعة عشر رجلا، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جرش فافتتحها، وكان عاملا للنبي صلى الله عليه وسلم.
وولد محمد بن عمرو بن حزم بنجران، فكتب عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وأخبره أنه سماه محمدا وكناه أبا سليمان «7» .
__________
اسم صنم، وعبد المدان الذي نسبت القبيلة إليه هو جدهم الأعلى واسمه عمرو بن يزيد.
(1) من الطبري 3/ 157 والسيرة 3/ 72، وفي الأصل: محمد.
(2) ومثله في الطبري 3/ 158 إحالة على الواقدي.
(3) ذكره في السيرة 3/ 65 بغير هذا السياق.
(4) ذكره في السيرة 3/ 64 وإنسان العيون 3/ 312 بأطول مما هنا.
(5- 5) من الطبري 3/ 173، وفي الأصل: الحليصة- كذا، وراجع أيضا صحيح البخاري- ذو الخلصة من المغازي.
(6) من الطبري 3/ 158 والإصابة- راجع ترجمة صرد، وفي الأصل: عبيد الله.
(7) والذي يتأتى من ترجمته في الإصابة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه محمدا وكناه بعبد الملك.

(1/386)


وقدم وفد سلامان «1» ، وهم سبعة نفر رأسهم حبيب السلاماني «2» .
وقدم وفد «3» بني حنيفة فيهم مسيلمة فقال: يا محمد! إن جعلت لي الأمر بعدك آمنت بك وصدقتك، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو سألتني هذه الجريدة «4» ما أعطيتكها «4» ! ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، إني لأراك «5» الذي أريت» ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا «6» أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما، فأوحي إليّ [في المنام أن] «7» أنفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما الكذابين: أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة» .
وقدم وفد غسان «8» ووفد عبس «9» ووفد كندة «10» ووفد محارب «11» ووفد خولان «12» ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم عليه الوفود لبس أحسن ثيابه وأمر أحبابه بذلك.
وقدم وفد مراد «13» رأسهم فروة بن مسيك المرادي، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد ومذحج. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على الصدقات إليهم وكتب لهم كتابا بذلك.
__________
(1) من الطبري 3/ 158 وإنسان العيون 3/ 331، وفي الأصل: سلابان.
(2) من الطبري وإنسان العيون والإصابة- راجع حبيب بن عمرو، وفي الأصل: السلامي.
(3) ذكره في الطبري 3/ 162 والسيرة 3/ 64 وصحيح البخاري- المغازي وفد بني حنيفة.
(4- 4) من صحيح البخاري، وفي الأصل: فأعطيتكها.
(5) من الصحيح، وفي الأصل: لا أريد.
(6) من الصحيح، وفي الأصل: هنا.
(7) زيد من الصحيح.
(8) ذكره في الطبري 3/ 158 وإنسان العيون 3/ 331.
(9) ذكره في إنسان العيون 3/ 331.
(10) ذكره في الطبري/ 163 وإنسان العيون 3/ 315.
(11) ذكره في الطبري 3/ 163 وإنسان العيون 3/ 329.
(12) ذكره في إنسان العيون 3/ 328.
(13) ذكره تفصيلا في الطبري 3/ 160 والسيرة 3/ 66.

(1/387)


ودخل «1» أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهو [جالس] «2» وحده فقال «3» :
«يا أبا ذر! إن للمسجد تحية» ، قال: وما تحيته يا رسول الله؟ قال: «ركعتان» ، فقام فركعهما، ثم قال: إنك أمرتني بالصلاة فما الصلاة؟ قال: «خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر» ! فقال: يا رسول الله! أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال:
«إيمان بالله وجهاد في سبيله» ، قال: فأي المؤمنين أكملهم «4» إيمانا؟ قال:
«أحسنهم خلقا» ، قال: فأي المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» ، قال: فأيّ الهجرة أفضل؟ قال: «من هجر السوء» ، قال: فأي الليل أفضل؟ قال: «جوف الليل الغابر» ، قال: فأي الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» ، قال «5» : فأي الرقاب أفضل، قال: «أغلاها «6» ثمنا وأنفسها عند أهلها» ، قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق «7» دمه» ، قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال: «جهد من مقل إلى فقير في سر» ، قال: فما الصوم أفضل؟ قال:
«فرض مجزي وعند الله أضعاف كثيرة» ، قال: فأي آية [مما] «8» أنزلها الله عليك أفضل؟ قال: «آية الكرسي» «9» ، قال: يا رسول الله! كم النبيون قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي، قال: كم المرسلون منهم؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا» ، قال: من كان أول الأنبياء؟ قال: «آدم» ، قال: وكان من الأنبياء
__________
(1) هذا الحديث ذكره بطوله في الحلية 1/ 166- 168 عن الحسن بن سفيان، وأيضا عنه ذكره في كنز العمال- كتاب المواعظ من قسم الأفعال بالإحالة على صحيح ابن حبان والحلية وتاريخ ابن عساكر، وأيضا ذكره في مسند الإمام أحمد 5/ 265 مختصرا.
(2) زيد من الحلية والكنز.
(3) من الحلية والكنز، وفي الأصل: وقال.
(4) من الحلية والكنز، وفي الأصل: اكمل.
(5) وإن هنا تقدما وتأخرا بالنسبة إلى الحلية والكنز.
(6) من الحلية والكنز، وفي الأصل: أعلاها.
(7) من الحلية والكنز، وفي الأصل: إهراق.
(8) زيد من الحلية والكنز.
(9) ووردت بعده في الحلية والكنز زيادة يسيرة فلتراجع هناك.

(1/388)


مرسلا؟ قال: «نعم، خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه ثم [سواه وكلمه قبلا، ثم [ «1» قال: يا أبا ذر! أربعة من الأنبياء سريانيون «2» : آدم وشيث وخنوخ- وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم- ونوح؛ وأربعة من العرب «3» : هود وصالح وشعيب ونبيك محمد، وأول الأنبياء آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأول نبي من [أنبياء] «1» بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى، وبينهما ألف نبي» ؛ قال: يا رسول الله! كم أنزل الله من كتاب؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، [وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف] «4» وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان» ؛ قال: يا رسول الله! فما كانت صحف إبراهيم؟
قال: «كانت أمثالا كلها: أيها الملك [المسلط] «4» المبتلي المغرور! إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو كانت من كافر؛ وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا [على عقله] «4» أن يكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر «5» فيها في صنع الله عز وجل، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال «6» ؛ فإن هذه الساعة عون لتلك «7» الساعات «8» [واستجمام] «9» للقلوب «10» ، وعلى العاقل أن يكون
__________
(1) زيد من الكنز.
(2) من الحلية والكنز، وفي الأصل: سرانيون.
(3) زيدت الواو بعده في الأصل، ولم تكن في الحلية والكنز فحذفناها.
(4) زيد من الحلية والكنز.
(5) من الكنز، وفي الأصل: تتفكر، وفي الحلية: يفكر.
(6) في الحلية والكنز: المطر والمشرب، والعبارة من هنا إلى «للقلوب» ليست فيهما.
(7) في الأصل: لك- كذا.
(8) من الجواهر السنية لمحمد العاملي 25، وفي الأصل: الساعة.
(9) كان هنا في الأصل بياض قدر إصبعين فملأناه من الجواهر.
(10) من الجواهر، وفي الأصل: القلوب.

(1/389)


«1» بصيرا بزمانه «1» ، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه «2» ، فإنه من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه؛ وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث: مرمة لمعاش، وتزود لمعاد، وتلذذ في غير محرم» ؛ وقال: يا رسول الله! فما كانت صحف موسى؟
قال: «كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب، وعجبت لمن أيقن بالحساب [غدا] «3» ثم لا يعمل» ، قال: هل أنزل الله عليك شيئا مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال: «يا أبا ذر! [تقرأ] «3» قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى- الآية» ، قال: يا رسول الله! أوصني، قال: «أوصيك بتقوى الله فإنه زين لأمرك» ، قال: زدني، قال: «عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان [عنك] «4» وعون لك على أمر دينك، وإياك والضحك فإنه يميت القلوب ويذهب نور الوجه» ، قال: زدني، قال: «أحب المساكين ومجالستهم» ، قال: زدني، قال: «قل الحق ولو كان مرا» ، قال:
زدني، قال: «لا تخف في الله لومة لائم» ، قال: زدني، قال: «ليحجزك «5» عن الناس ما تعلم من نفسك ولا تجد «6» عليهم فيما تأتي» ، ثم قال: «يا «7» أبا ذر! كفى للمرء غيا «8» أن يكون فيها خصال: يعرف من الناس ما يجهل من نفسه، ويتجسس «9» لهم ما هو فيه، ويؤذي جليسه فيما لا يعنيه، يا أبا ذر! لا عقل كالتدبير «10» ،
__________
(1- 1) من الحلية والكنز، وفي الأصل: يصير لزمانه.
(2) من الحلية والكنز، وفي الأصل للسان.
(3) زيد من الحلية والكنز.
(4) زيد من الكنز.
(5) في الأصل: لا يحجزك؛ وفي الكنز: ليردك، وفي الحلية: يردك.
(6) من الكنز والحلية، وفي الأصل: لا تجر.
(7) زيد قبله في الأصل: لا، ويمكن أن يكون: ألا.
(8) في الكنز والحلية: عيبا.
(9) في الأصل: يتجسسه.
(10) من الكنز والحلية، وفي الأصل: كالدبير.

(1/390)


ولا ورع كالكف «1» ، ولا حسب كحسن الخلق» «2» .
ثم بعث «3» علي بن أبي طالب رضي الله عنه سرية إلى اليمن في شهر رمضان، قال: يا رسول الله! كيف أصنع؟ قال: «إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك، فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى «4» يقتلوا منكم قتيلا، فإن قتلوا منكم قتيلا فلا تقاتلوهم حتى «5» تروهم أناة «5» ، فإذا أتيتهم «6» فقل لهم «7» : هل لكم أن تخرجوا من أموالكم صدقة فتردونها على فقرائكم، فإن قالوا: نعم، فلا تبغ منهم غير ذلك؛ ولأن يهدي الله على يديك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس» .
ونزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجاهِدُونَ «8» فجاء عبد الله بن أم مكتوم فقال: [يا] «9» رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني أحب الجهاد في سبيل الله ولكن بي ما ترى، قد ذهب بصري، قال زيد بن ثابت:
فثقلت «10» فخذه على فخذي حتى خشيت أن ترضها «11» : ثم قال «غير أولي الضرر» .
وقدم العاقب والسيد «12» من نجران فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا صالحهم
__________
(1) من الكنز والحلية، وفي الأصل: كالف.
(2) من الكنز والحلية، وفي الأصل: خلقه.
(3) ذكره في المغازي 3/ 1079 بأطول مما هنا، وألم به في إنسان العيون 3/ 286 مختصرا.
(4) من المغازي، وفي الأصل: كتي- كذا.
(5- 5) في الأصل: يردهم إياه، والتصحيح بناء على ما في المغازي: ترهم أناة.
(6) في الأصل: أتيتم.
(7) ولعل هذا السياق اعتوره هنا بعض خرم وورد بتمامه في المغازي فراجعها.
(8) سورة 4 آية 95.
(9) زيد من مسند الإمام أحمد 5/ 184 حيث سبق هذا الحديث بمثل ما هنا، وقد سبق في التفسير من صحيح البخاري معناه.
(10) من المسند، وفي الأصل فتعلت- كذا.
(11) من المسند، وفي الأصل: يرضها- كذا.
(12) ذكرهما في مسند الإمام أحمد 1/ 414 حيث سيقت قصة وفد نجران، وأيضا سيقت في المسند 5/ 398، وراجع أيضا هامش إنسان العيون 3/ 4.

(1/391)


عليه- فهو في أيديهم إلى اليوم، وقالا: يا رسول الله! ابعث علينا رجلا أمينا «1» نعطه «2» ما سألتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين» ، فاستشرف لها الناس فبعث أبا عبيدة بن الجراح؛ ومات [أبو] «3» عامر الراهب عند «4» هرقل، فاختلف كنانة «4» بن عبد ياليل وعلقمة بن علاثة «5» في ميراثه، فقضي «6» برسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة بن عبد ياليل.
وقدم الأشعث بن قيس «7» وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه، فبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد «8» البياضي إلى البحرين ليأخذ منهم الصدقات.
وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد «9» مع أصحابه إذ طلع عليهم رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منهم أحد، حتى جلس إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فوضع ركبته إلى ركبته ووضع كفه «10» على فخذه «10» ، ثم قال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» ، قال: صدقت! فعجب المسلمون منه يسأله ويصدقه؛ ثم قال: أخبرني عن الإيمان، قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر كله خيره وشره» ، قال: صدقت؛ قال: أخبرني عن الإحسان، [قال] «11» : «أن تعبد الله
__________
(1) من المسند 1/ 414، وفي الأصل: أمنا.
(2) في الأصل: نعطيه.
(3) زيد من الطبري 3/ 163 حيث ذكر موته وما تعقبه.
(4- 4) وقع في الأصل: هم قل ما اختلف كتابه- مصحفا عما أثبتناه تصحيحا من الطبري.
(5) من الطبري، وفي الأصل: علاة.
(6) من الطبري، وفي الأصل: فعصى.
(7) ذكره في الطبري 2/ 162 والسيرة 3/ 68.
(8) من الإصابة، وفي الأصل: الوليد.
(9) في الأصل: قاعدا، وهذا الحديث مشهور قد ورد ذكره في كتب الأحاديث كلها.
(10- 10) في الأصل: إلى ركبته، والتصحيح بناء على مسند الإمام أحمد 1/ 51.
(11) زيد من المسند.

(1/392)


كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ؛ قال: فأخبرني عن الساعة، قال: «ما المسؤول عنها بأعلم [بها] «1» من السائل» ، قال: فأخبرني عن أمارتها «2» ، قال:
«أن تلد الأمة ربتها «3» وأن ترى الحفاة «4» العراة يتطاولون «5» في البنيان» ، قال: ثم انطلق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم» .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يحج حجة الوداع «6» فأذن في الناس أنه خارج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى ذا الحليفة فولدت «7» أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي، واستثفري «8» بثوب وأخرى» . ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وأمر ببدنة أن تشعر وسلت عنها الدم «9» ، ثم ركب القصواء «10» فلما استوت به ناقته على البيداء أهلّ، وإن بين يديه وخلفه وعن يمينه ويساره من الناس ما بين راكب وماش «11» ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، فأهلّ: لبيك! اللهم لبيك! لا شريك لك لبيك! إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك؛ وأهل الناس معه، فمنهم من أهل مفردا ومنهم من أهل قارنا، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية، فلما دخل مكة توضأ إلى الصلاة ثم دخل من باب بني شيبة، فلما أتى الحجر
__________
(1) زيد من المسند.
(2) من المسند 1/ 52، وفي الأصل: أمارتها.
(3) من المسند، وفي الأصل: ربها.
(4) من المسند، وفي الأصل: الجفاة.
(5) من المسند، وفي الأصل: يتكاولون.
(6) ذكرها في الطبري والسيرة ولكن السياق للمغازي 3/ 1388، وراجع أيضا إنسان العيون 3/ 355، وأغلب السياق لصحيح مسلم- حجة النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب المناسك.
(7) من الصحيح، وفي الأصل: ولدت.
(8) من الصحيح، وفي الأصل: استندي.
(9) وأيضا راجع سنن البيهقي 5/ 332 والمغازي 3/ 1090.
(10) من الصحيح، وفي الأصل: القصوى.
(11) من الصحيح، وفي الأصل: ماشي.

(1/393)


استلمه، ورمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم [فقرأ] «1» وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وجعل المقام بينه وبين البيت وصلى ركعتين، قرأ فيهما قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه؛ ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما رقى على الصفا قرأ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ وقال: «أبدأ بما بدأ الله» ؛ فلما رقى عليها ورأى البيت استقبل القبلة وقال:
«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده- قال ذلك ثلاث مرات؛ فلما نزل [إلى] «1» المروة حتى «2» انصبت قدماه في بطن الوادي خب، حتى إذا صعد مشى، فلما أتى المروة صعد عليها وفعل عليها ما فعل على الصفا؛ حتى إذا كان آخر طواف على المروة فقال: لو استقبلت ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة» ، فقال سراقة ابن مالك بن جعشم: يا رسول الله! لعامنا هذا أو للأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه وقال: «دخلت العمرة في الحج- مرتين- لا، بل للأبد» .
وقدم عليّ من اليمن فوجد «3» فاطمة قد لبست ثياب صبغ واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: أبي أمرني بهذا! ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم [لعلي] «4» : «بم فرضت الحج» ؟ قال: قلت: اللهم! إني أهل بما أهل به رسولك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فإن معي الهدي فلا تحل» ، فكان الهدي الذي قدم به علي بن أبي طالب من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة، فحل الناس وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه [هدي] «5» .
واعتل سعد «6» بن أبي وقاص فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى سعد فقال له
__________
(1) زيد من الصحيح.
(2) من الصحيح، وفي الأصل: فلما.
(3) من الصحيح، وفي الأصل: فوجدت.
(4) زيد من الدرر لابن عبد البر 278.
(5) زيد من الصحيح.
(6) واعتلال سعد قد ألم به البخاري في الصحيح- باب ميراث البنات من كتاب الفرائض، والواقدي في

(1/394)


النبي صلى الله عليه وسلم: « [ما يبكيك] » «1» . فقال: خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشف سعدا» - ثلاثا، فقال: يا رسول الله! إن لي مالا كثيرا، وأنعما، ومورثتي بنت لي واحدة، أفأوصي بمالي كله؟ قال: لا، قال: فالنصف؟ قال: «لا» ، قال: الثلث؟ قال: «الثلث، والثلث كثير، إنك إن صدقت مالك صدقة «2» ، وإن نفقتك على عيالك صدقة، وما تأكل امرأتك من طعامك صدقة، وأن تدع أهلك بخير [خير] «3» من أن تدعهم عالة يتكففون الناس، اللهم! أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم» ، لكن البائس سعد بن خولة، يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم [أن مات بمكة] «4» .
[فلما كان يوم التروية توجهوا] «5» إلى منى وأهلّ الناس بالحج، فصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة له فضربت له بنمرة، ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش [إلا] «6» أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فجاز «7» رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء عرفة «8» فوجد القبة [قد ضربت] «6» له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء «9» فرحلت له، فلما [أتى] «10» بطن الوادي خطب الناس وقال في خطبته: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في
__________
- المغازي 3/ 1115، والإمام أحمد في مسنده 1/ 168.
(1) زيد لاستقامة العبارة.
(2) من المسند، وفي الأصل: صدقت.
(3) زيد من المسند.
(4) زيد من صحيح البخاري.
(5) زيد من صحيح مسلم، ويستأنف من هنا سياقه.
(6) زيد من صحيح مسلم.
(7) في الأصل: فجاء، وفي الصحيح: فأجاز.
(8) من الصحيح، وفي الأصل: العرفة.
(9) من الصحيح، وفي الأصل: بالقصوى.
(10) زيد من الصحيح غير أنه هناك «فأتى» .

(1/395)


شهركم هذا في بلدكم هذا! ألا! كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة؛ فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف؛ وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فماذا أنتم قائلون» ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها «1» إلى السماء: «اللهم اشهد» ! ثم أذن وأقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل «2» بطن القصواء «2» إلى الصخرة وجعل جبل المشاة «3» بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا- والمسلمون معه- حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا. ثم أردف أسامة بن زيد خلفه ودفع [رسول الله] «4» صلى الله عليه وسلم وقد «5» شفق للقصواء «5» الزمام ويقول بيده اليمنى: «أيها الناس السكينة! كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا «6» حتى تصعد» ، فلما أتى المزدلفة صلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا، ثم اضطجع حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء «7» حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة ودعا وكبر وهلل، ثم لم يزل واقفا حتى أسفر جدا، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس «8» حتى أتى محسر فسلك الطريق الوسطى التي «9» تخرج إلى
__________
(1) من صحيح مسلم، وفي الأصل: يرفعهما.
(2- 2) في الأصل: باطن القصوى، والتصحيح بناء على الصحيح.
(3) من الصحيح، وفي الأصل: المشا.
(4) زيد من الصحيح.
(5- 5) من الصحيح، وفي الأصل: شق للقصوى.
(6) من الصحيح، وفي الأصل: فقيلا.
(7) من الصحيح، وفي الأصل: القصوى.
(8) وفي الصحيح هنا زيادة فراجعه.
(9) من الصحيح، وفي الأصل: الذي.

(1/396)


الجمرة الكبرى، فلما أتى الجمرة رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، رماها من بطن الوادي بمثل حصى الخذف، ثم انصرف إلى المنحر «1» فنحر ثلاثا «2» وستين بدنة بيده، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر منها وأشركه في هديه، وأمر من كل بدنة ببضعة «3» فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء «4» فأتى البيت فطاف الزيارة، ثم قال: «يا بني عبد المطلب انزعوا، فلولا أن يغلبكم «5» الناس لنزعت معكم» ، فناولوه دلوا من زمزم فشرب منه «6» ؛ ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى وصلى الظهر بها ثم أقام بها أيام منى، ثم ودع البيت وخرج إلى المدينة حتى دخلها والمسلمون معه فأقام بالمدينة [بقية] «7» ذي الحجة والمحرم وبعض صفر.

ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أبو يعلى حدثنا أحمد بن جميل المروزي «8» ثنا عبد الله بن المبارك أنا معمر عن يونس عن الزهري أخبرني أنس بن مالك أن المسلمين «9» بينما هم في صلاة الفجر يوم الإثنين وأبو بكر يصلي لهم لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم صفوف في صلاتهم، ثم تبسم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل «10» الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة،
__________
(1) من الصحيح، وفي الأصل: الصخرة.
(2) من الصحيح، وفي الأصل: ثلاثة.
(3) من الصحيح، وفي الأصل: بضعة.
(4) في الأصل: القصوى.
(5) من الصحيح، وفي الأصل: تغلبكم.
(6) وإلى هنا انتهى سياق الصحيح من حديث جابر.
(7) زيد من سياق الطبري 3/ 188.
(8) ذكره ابن حجر في تعجيل المنفعة وهو ممن روى عن ابن المبارك.
(9) من صحيح البخاري- مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته من كتاب المغازي، وفي الأصل: المسلمون، وهذا الحديث قد رواه البخاري باللفظ الذي هنا.
(10) من الصحيح، وفي الأصل: ليصلي.

(1/397)


وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقضوا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر بينه وبينهم وتوفي في ذلك «1» اليوم.
قال: أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر «2» وهو في بيت ميمونة حتى أغمي عليه من شدة الوجع، فاجتمع عنده نسوة من أزواجه والعباس بن عبد المطلب وأم سلمة [وأسماء] »
بنت عميس الخثعمية وهي أم عبد الله بن جعفر وأم الفضل بنت الحارث وهي أخت ميمونة، فتشاوروا في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أغمي عليه فلدوه وهو مغمر، فلما أفاق قال: «من فعل بي هذا» ؟ [قالوا: يا رسول الله! عمك العباس، قال: هذا] «4» عمل نساء جئن من ههنا» - وأشار إلى أرض الحبشة، فقالوا: يا رسول الله! أشفقن أن يكون بك ذات الجنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان الله ليعذبني بذلك الداء» ، ثم قال: «لا يبقين أحد في الدار إلا لد إلا العباس» .
فلما ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم العلة استأذنت عائشة أزواجه أن تمرضه في بيتها فأذن لها «5» ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين تخط رجلاه في الأرض: بين عباس وعلي، حتى دخل بيت عائشة، فلما دخل بيتها اشتد وجعه فقال «6» : «أهريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد «7» إلى الناس» ، فأجلسوه في مخضب لحفصة ثم صب عليه من تلك القرب حتى جعل يشير إليهن بيده أن قد فعلتن، ثم
__________
(1) وراجع أيضا السيرة 3/ 98.
(2) وقد ذكره في الطبري 3/ 188 نسبة إلى الواقدي، وأغلب السياق لحديث أسماء بنت عميس وقد ساقه الإمام أحمد في مسنده 6/ 438 وراجع، أيضا السيرة 3/ 67.
(3) زيد ولا بد منه.
(4) زيد من الطبري.
(5) قد بسط ذلك كله في إنسان العيون 3/ 456 مع اختلاف الأقوال.
(6) من إنسان العيون، وفي الأصل: قال.
(7) من مسند الإمام أحمد 6/ 151، وفي الأصل: أعبد- كذا، ولفظ المسند: لعلي أستريح فأعهد.

(1/398)


قال: «ضعوا لي في المخضب ماء» ، ففعلوا فذهب لينوء «1» فأغمي عليه ثم أفاق قال:
«ضعوا لي في المخضب [ماء] «2» » . ففعلوا، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه فأفاق وقال: «أصلى الناس بعد» ؟ قالوا: لا يا رسول الله وهم ينتظرونك، والناس عكوف ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بهم العشاء الآخرة، فقال: «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس» ، فقالت عائشة: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل رقيق وإنه إذا قام مقامك بكى، فقال: «مروا أبا بكر يصلي بالناس» ، ثم أرسل إلى أبي بكر فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر: يا عمر! صل بالناس! فقال: أنت أحق، إنما أرسل إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام.
ثم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج لصلاة الظهر بين العباس وعلي وقال لهما: «أجلساني عن يساره» ، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس والناس يصلون بصلاة أبي بكر «3» ، ثم وجد خفة صلى الله عليه وسلم فخرج فصلى خلف أبي بكر «4» قاعدا في ثوب واحد ثم قام وهو عاصب رأسه بخرقة حتى صعد المنبر ثم قال: «والذي نفسي بيده! إني لقائم على الحوض الساعة» ، ثم قال: «إن عبدا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة» ، فلم يفطن لقوله إلا أبو بكر «5» فذرفت عيناه وبكى وقال: بأبي وأمي! نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا «6» ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أمنّ الناس علي في بدنه «7» ودينه وذات يده أبو بكر، ولو كنت
__________
(1) أي ذهب ليقوم بجهد ومشقة- كما في مجمع البحار، والسياق هنا للمسند 6/ 251.
(2) زيد من المسند.
(3) ذكره في مسند الإمام أحمد 2/ 52، وراجع أيضا السيرة 3/ 98.
(4) في الأصل: أبو بكر.
(5) في الأصل: أبي بكر.
(6) رواه الدارمي في مقدمة سننه- راجع وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وراجع أيضا الطبري 3/ 192.
(7) في الأصل: يديه، وفي مسند الإمام أحمد 1/ 270: نفسه، والسياق هنا قريب منه، وراجع أيضا الطبري 3/ 192.

(1/399)


متخذا خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام، سدوا «1» كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر» ، ثم نزل ودخل البيت وهي آخر خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما كان يوم الإثنين كشف الستارة من حجرة عائشة والناس صفوف خلف أبي بكر وكأن وجهه ورقة مصحف فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم أن مكانكم وألقى السجف «2» وتوفي آخر ذلك اليوم، وكان ذلك اليوم لاثنتي عشرة «3» خلون من شهر ربيع الأول.
وكان مقامه بالمدينة عشر حجج سواء، وكانت عائشة تقول «4» : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ويومي وبين سحري ونحري، وكان أحدنا يدعو بدعاء إذا مرض فذهبت أعوذ فرفع رأسه إلى السماء وقال: في «5» الرفيق الأعلى» ! ومر عبد الرحمن ابن أبي بكر وفي يده جريدة خضراء رطبة فنظر إليه، فظننت أن له بها حاجة فأخذتها فمضغت رأسها ثم دفعتها إليه فاستن «6» بها ثم ناولنيها وسقطت من يده، فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة.
وكان «7» أبو بكر في ناحية المدينة فجاء فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى، فوضع فاه على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يقبله ويبكي ويقول: بأبي وأمي! طبت حيا وطبت ميتا! فلما خرج ومر بعمر بن الخطاب وعمر يقول: [ما] «8»
__________
(1) من المسند، وفي الأصل: سروا، وزيد بعده في المسند: عني.
(2) رواه في المسند 3/ 110.
(3) في الأصل: لاثني عشرة، وراجع الاختلاف في يوم وفاته صلى الله عليه وسلم في الطبري 3/ 197.
(4) راجع مسند الإمام أحمد 6/ 48 والطبري 3/ 197.
(5) في الطبري: بل.
(6) من المسند، وفي الأصل: فاستر.
(7) راجع إنسان العيون 3/ 468 والطبري 3/ 468 والطبري 3/ 197 و 199.
(8) زيد ولا بد منه.

(1/400)


مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى يقتل المنافقين ويخزيهم «1» ! وكانوا قد رفعوا رؤسهم لما رأوا أبا بكر فقال أبو بكر لعمر: أيها الرجل! اربع على نفسك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، ألم تسمع الله يقول: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «2» ، وقال: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ [مِتَ] «3» فَهُمُ الْخالِدُونَ، ثم أتى أبو بكر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إن كان محمد «4» إلهكم الذي تعبدونه فإن إلهكم قد مات، وإن كان إلهكم الذي في السماء فإن إلهكم لم يمت، ثم تلا وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ- حتى ختم الآية؛ وقد استيقن المؤمنون بموت محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد كان لعبد المطلب بن هاشم من الأولاد ستة عشر ولدا: عشرة ذكور، منهم تسعة عمومة رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وست «5» من الإناث عمات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما أولاد عبد المطلب «6» الذكور منهم: عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزبير بن عبد المطلب، وأبو طالب بن عبد المطلب، والعباس ابن عبد المطلب، وضرار بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب، والمقوم بن عبد المطلب، وأبو لهب بن عبد المطلب، والحارث بن عبد المطلب، والغيداق «7» بن عبد المطلب.
فأما عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ذكر ولا
__________
(1) في الأصل: يجزيهم.
(2) سورة 39 آية 30.
(3) زيد من القرآن الكريم سورة 21 آية 34.
(4) في الأصل: محمدا.
(5) في الأصل: ستة.
(6) وقد ورد في سمط النجوم 1/ 316 ذكر أعمامه صلى الله عليه وسلم مع نقل اختلاف العلماء حول عددهم فراجعه.
(7) من السمط، وفي الأصل: الغيراق.

(1/401)


أنثى، وتوفي قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الزبير بن عبد المطلب فكنيته أبو الطاهر، «1» من أجلة القريش «1» وفرسانها من المبارزين، وكان متعالما «2» يقول الشعر فيجيد «3» .
وأما أبو طالب «4» بن عبد المطلب فإن اسمه عبد مناف، وكان هو وعبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم واحدة وكان أبو طالب وصى عبد المطلب لابنه في ماله بعده وفي حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده على من كان يتعهده عبد المطلب في حياته؛ ومات أبو طالب قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين وأربعة أشهر.
وأما العباس «5» فكنيته أبو الفضل، وكان إليه السقاية وزمزم في الجاهلية، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دفعها إليه يوم الفتح وجعلها إليه؛ ومات العباس بن عبد المطلب سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان.
وأما ضرار فإنه كان يقول الشعر ويجيده، ومات قبل الإسلام ولا عقب له.
وأما حمزة فكنيته أبو ليلى، وقد قيل: أبو عمارة، واستشهد يوم أحد، قتله وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم في شوال سنة ثلاث من الهجرة، وكان حمزة أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين.
وأما المقوّم فكان من رجالات»
قريش وأشدائها، هلك قبل الإسلام ولم يعقب.
__________
(1- 1) في الأصل: بن جلة القرشيين، والتصحيح مما مضى من أول هذا الكتاب في نسبة ذكر سيد ولد آدم.
(2) في الأصل: يتعالما.
(3) في الأصل: فيجير.
(4) وقد استوعب خبره في سمط النجوم 1/ 331- 342.
(5) وقد استقصى خبره في سمط النجوم 1/ 322- 331.
(6) في الأصل: رجالان- خطأ، وقد مر من قبل.

(1/402)


وأما أبو لهب فإن اسمه عبد العزى وكنيته أبو عتبة «1» ، وإنما كني أبا «2» لهب لجماله، وكان أحول، يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين عمومته ويظهر له حسده إلى أن مات عليه.
وأما الحارث «3» - وهو أكبر ولد عبد المطلب- اسمه كنيته، وهو ممن شهد حفر زمزم مع عبد المطلب قديما.
وأما الغيداق «4» فإنه كان من أسد قريش وأجلادها، ومات قبل الوحي ولم يعقب.
وأما بنات عبد المطلب فإن إحداهن عاتكة بنت عبد المطلب، وأميمة بنت عبد المطلب، والبيضاء وهي أم حكيم، وأروى بنت عبد المطلب، وصفية بنت عبد المطلب، وبرة «5» بنت عبد المطلب.
وأما عاتكة «6» فإنها كانت عند أبي أمية بن المغيرة المخزومي.
وأما أميمة فإنها كانت عند جحش بن رئاب «7» الأسدي.
وأما البيضاء فإنها كانت عند كريز «8» بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.
وأما صفية «9» فكانت عند العوام بن خويلد بن أسد.
__________
(1) وقد ذكر في سمط النجوم 1/ 349 أن لأبي لهب من الأولاد ثلاثة ذكور وعد منهم عتبة.
(2) في الأصل: أبو.
(3) وقد بسط ترجمته في السمط 1/ 342 فراجعه.
(4) ذكره في السمط 1/ 352 بأقل مما هنا.
(5) من السمط 1/ 358 وطبقات ابن سعد 8/ 30، وفي الأصل: وبرة.
(6) وراجع أيضا السمط 1/ 353 والطبقات 6/ 29.
(7) من السمط 1/ 539 والطبقات 8/ 31، وفي الأصل: رباب.
(8) بهامش الأصل: كبير- خطأ، وراجع أيضا السمط 1/ 353 والطبقات 8/ 30.
(9) وراجع أيضا السمط 1/ 360 والطبقات 8/ 27.

(1/403)


وأما برة فإنها [كانت] «1» عند عبد الأسد بن هلال المخزومي.
وأما أروى «2» فكانت عند عمير بن عبد مناف بن قصي.
ولم يسلم من عمات النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفية، وهي والدة الزبير بن العوام، وتوفيت صفية في خلافة عمر بن الخطاب- فهذا ما يجب أن يعلم من ذكر عمات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما نساء «3» رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بمكة قبل الوحي ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خمس وعشرين سنة، وكانت خديجة قبله تحت عتيق بن عائذ «4» بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم، وولد له منها أولاده إلا إبراهيم، وتوفيت خديجة بمكة قبل الهجرة.
ثم تزوج بعد موت خديجة سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وأمها الشموس بنت قيس بن زيد بن عمرو بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم «5» بن عدي بن النجار؛ خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمها وقدان بن عبد شمس «6» ، وكانت قبل ذلك تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو من بني عامر بن لؤي، وكانت امرأة «7» ثقيلة ثبطة «7» ، وهي التي وهبت يومها لعائشة وقالت: لا أريد مثل ما تريد النساء، وتوفيت «8» سودة سنة خمسين.
__________
(1) زيد ولا بد منه.
(2) وراجع أيضا السمط 1/ 356 والطبقات 8/ 28.
(3) وقد اطرد ذكرهن في كتب السير والطبقات والرجال والتاريخ باستيعاب يغنينا عن التعليق عليهن.
(4) من سمط النجوم 1/ 365، وفي الأصل: عائد.
(5) من الإصابة، وفي الأصل: غتم.
(6) من جمهرة أنساب العرب 157، وفي الأصل: جليس- كذا.
(7- 7) من الطبقات 8/ 38، وفي الأصل: نقيلة تبطه- كذا.
(8) في الأصل: توفي.

(1/404)


ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة الصديق في شوال وهي بنت ست، وبنى بها وهي بنت تسع بعد الهجرة، وتوفيت عائشة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة «1» سبع وخمسين «2» ، وصلى عليها أبو هريرة، ودفنت بالبقيع «3» ، ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها.
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب في شعبان، أمها زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة «4» بن جمح وكانت قبل ذلك تحت خنيس ابن حذافة بن قيس، وذلك في سنة ثلاث من الهجرة، وتوفيت حفصة بنت عمر سنة خمس وأربعين.
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة في شهر رمضان زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن [عامر بن] «5» صعصعة التي يقال لها: أم المساكين، وكانت قبله تحت الطفيل بن الحارث، وهي أول من لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم من نسائه «6» .
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة من الهجرة أم سلمة بنت [أبي] «7» أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين.
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة خمس زينب بنت جحش بن رئاب «8» بن
__________
(1) في الأصل: ست- كذا.
(2) هذا وذهب الأكثرون إلى أنها توفيت سنة ثمان وخمسين- راجع لترجمتها الإصابة وسمط النجوم والطبقات.
(3) وقع في الأصل: بالتبيع- مصحفا.
(4) من طبقات ابن سعد 8/ 56، وفي الأصل: حراقة.
(5) زيد من الإصابة والطبقات 8/ 82.
(6) وفي سمط النجوم 1/ 382: وتوفيت في حياته صلى الله عليه وسلم.
(7) زيد من الطبقات 8/ 60 والسمط 1/ 382.
(8) من الطبقات 8/ 71، وفي الأصل: رباب.

(1/405)


يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير «1» بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وكانت قبل ذلك عند زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفيت زينب هذه سنة عشرين.
ثم اصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حييّ بن أخطب في سنة سبع وهي من بني إسرائيل، وكانت قبله عند كنانة بن أبي الحقيق، سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصطفاها وكانت «2» ممن اصطفاها «2» وأعتقها وتزوج بها، وماتت صفية بنت حيي سنة خمسين «3» .
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر هذه السنة أم حبيبة «4» بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت قبله تحت عبيد الله «5» بن جحش، وكانت بأرض الحبشة مع زوجها مهاجرة فمات زوجها عبيد الله «5» بن جحش، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ليخطبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وليها في تلك الناحية إذ كان سلطانا ولم يكن ولى بتلك الناحية «6» ، والسلطان ولي من لا ولي له، وكان الذي تولى الخطبة عليها والسعي في أمرها سعيد بن العاص، وكان وليها حينئذ بالبعد، فخرجت أم حبيبة مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماتت»
أم حبيبة سنة أربع وأربعين.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير «8» بن الهرم بن رويبة «9» بن عبد الله «10» بن عامر بن صعصعة، وكانت قبله تحت أبي رهم بن عبد
__________
(1) من الطبقات، وفي الأصل: كثير.
(2- 2) في الأصل: من اصطفى- كذا.
(3) وحول تاريخ وفاتها اختلاف- راجع الإصابة والطبقات والسمط.
(4) واسمها رملة، وقيل: هند، والأول أصح- راجع سمط النجوم 1/ 390.
(5) من الطبقات 8/ 68 والسمط 1/ 390، وفي الأصل: عبد الله.
(6) في الأصل: الناجية- خطأ.
(7) في الأصل: مات.
(8) من الإصابة والطبقات 8/ 94، وفي الأصل: بحير.
(9) من الإصابة والطبقات، وفي الأصل: ربيعة.
(10) زيد بعده في الإصابة والطبقات: بن هلال.

(1/406)


العزى من بني عامر بن لؤي، وماتت ميمونة سنة ثمان وثمانين «1» ، وهي خالة عبد الله بن عباس، لأن أم عباس أم الفضل أخت ميمونة.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية- وكانت قبله عند صفوان «2» بن تميم- سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فصارت لثابت بن قيس بن الشماس، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقها؛ وتوفيت جويرية في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين، فصلى عليها مروان بن الحكم.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت [النعمان] «3» الجونية ولم يدخل بها، ثم طلقها وردها إلى أهلها.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة بنت يزيد «4» الكلابية، وطلقها قبل أن يدخل بها.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابية فاستعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعوذت بعظيم «5» فالحقي بأهلك» .
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت «6» عمرو القرظية فرأى بها بياضا قدر الدرهم ثم طلقها ولم يدخل بها، فماتت بعد ذلك بأربعة أشهر.
وقد أعطى المقوقس ملك «7» الإسكندرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم جارية يقال لها مارية القبطية، فأولدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم ابنه.
__________
(1) وحول تاريخ وفاتها اختلاف.
(2) وحول هذا الاسم اختلاف- راجع الإصابة والطبقات 8/ 83 وسمط النجوم 1/ 389.
(3) زيد من الإصابة وراجع فيها مزيدا من الاختلاف حول الجونية.
(4) من الإصابة، وفي الأصل: زيد، وراجع في الطبقات 8/ 100 اختلافا حول الكلابية.
(5) في الأصل: تعظيم، وقد مر التعليق عليه.
(6) زيد في الطبقات 8/ 92: زيد بن.
(7) في الأصل: مالك- كذا.

(1/407)


وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا يوم خرج وعنده تسع «1» نسوة: عائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس، وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وزينب بنت جحش بن رئاب «2» ، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة، وميمونة بنت الحارث بن حزن، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، وصفية بنت حيي «3» بن أخطب.
وأما أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم كلهم من خديجة بنت خويلد بن أسد إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية.
و [أما] «4» أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولهم عبد الله وهو أكبرهم والطاهر والطيب والقاسم، وقد قيل: إن عبد الله هو الطاهر وهو أول مولود ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قالت قريش: صار محمد أبتر لأن ابنه توفي، أنزل الله إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ «5» .
وبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة رضي الله عنهن، فأما زينب «6» بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي العاص بن الربيع، فولدت له أمامة بنت أبي العاص وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو رافعها على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا قام رفعها «7» ، وماتت أمامة ولم تعقب.
وأما رقية «8» بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عند عتبة بن أبي لهب.
وأما أم كلثوم «9» فكانت عند عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت تبت يدا أبي لهب
__________
(1) في الأصل: تسعة.
(2) في الأصل رباب، وقد مر التعليق عليه.
(3) في الأصل: حي، وقد مر التعليق عليه.
(4) زدناه لاستقامة العبارة.
(5) وراجع أيضا سمط النجوم 1/ 406- 412.
(6) راجع أيضا السمط 1/ 413- 420.
(7) ذكر ابن سعد هذه القصة في طبقاته بعدة طرق- راجع 8/ 26 منها.
(8) راجع الطبقات 8/ 24، والسمط 1/ 420.
(9) راجع الطبقات 8/ 25 والسمط 1/ 421.

(1/408)


أمرهما أبوهما أن يفارقاهما «1» ، وحينئذ لم يحرم الله تزويج المسلمين من نساء المشركين ولا حرم على المسلمات أن يتزوجهن المشركون، ثم حرم الله ذلك على المسلمين والمسلمات.
ثم زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية بنته عثمان بن عفان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة، وخرجت معه إلى أرض الحبشة، وولدت له هناك عبد الله بن عثمان وبه يكنى عثمان، ثم توفيت رقية عند عثمان بن عفان مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر، ودفنت بالمدينة، وذلك أن عثمان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخلف عند خروجه إلى بدر لمرض ابنته رقية، وتوفيت رقية يوم قدوم زيد بن حارثة العقيلي من قبل يوم بدر.
ثم زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ابنته أم كلثوم، فماتت ولم تلد.
وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة علي بن أبي طالب بالمدينة، فولدت من علي الحسن والحسين ومحسنا «2» وأم كلثوم وزينب، ليس لعلي من فاطمة إلا الخمس «3» .
فأما أم كلثوم «4» فزوجها علي من عمر، فولدت لعمر زيدا ورقية، وأما زيد فأتاه حجر فقتله «5» ، وأما رقية بنت عمر فولدت لإبراهيم بن نعيم بن عبد الله النحام «6» جارية فتوفيت ولم تعقب.
وأما زينب بنت علي فولدت لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب جعفرا- وكان
__________
(1) في الأصل: يفارقهما، والتصحيح من نص الطبقات والسمط.
(2) من السمط 1/ 437، وفي الأصل: محسن.
(3) وذكر الليث بن سعد من أولادها من على رقية وقال: ماتت صغيرة دون البلوغ.
(4) راجع السمط 1/ 439 و 440.
(5) وهذا في حنين كما صرح به في السمط.
(6) في الأصل: بن النجار، والتصحيح من الإصابة- راجع ترجمة نعيم بن عبد الله.

(1/409)


يكنى به- الأكبر وأم كلثوم وأم عبد الله.
وكان ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقات حتى توفي عدي بن حاتم على قومه، ومالك بن نويرة على بني الحنظلة، وقيس بن عاصم على بني منقر «1» ، والزبرقان بن بدر على بني سعد، وكعب بن مالك بن أبي القيس على أسلم وغفار وجهينة، والضحاك بن سفيان على بني كلاب، وعمرو بن العاص على عمان، والمهاجر بن أبي أمية على صنعاء، وزياد بن لبيد على حضرموت.

ذكر وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي- يخبر بإسناد ليس له في القلب وقع- ثنا سفيان بن وكيع بن الجراح ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي أملاه علينا من كتابه ثنا رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله عن ابن لأبي هالة عن الحسن بن علي قال: سألت خالي هند «2» بن أبي هالة- وكان وصافا- «3» من حديث «3» النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به. فقال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول «4» من المربوع وأقصر من المشذب «5» ، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيصته فرق وإلا فلا يجاوز «6» شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب، سوابغ»
في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين،
__________
(1) من الإصابة، وفي الأصل: منفر.
(2) من مجمع الزوائد 8/ 273، وفي الأصل: معد.
(3- 3) في المجمع: عن صفة.
(4) زيدت الواو بعده في المجمع.
(5) من المجمع، وفي الأصل: المشرب.
(6) من المجمع، وفي الأصل: فلا تجاوز.
(7) من المجمع، وفي الأصل: سوابق.

(1/410)


ضليع [الفم] «1» ، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن «2» متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري «3» اليدين والبطن مما «3» سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل «4» الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين، سائر أو سائل- شك [ابن] «5» سعيد- الأطراف. خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا «6» ويمشي هونا، ذريع المشية، [إذا مشى] «2» كأنما ينحط من صبب «7» ، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر «8» من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، يبدأ من لقي بالسلام.
قال: قلت: صف لي منطقه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل «9» الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم «10» فضل لا فضول ولا تقصير «10» ، دمث، ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم شيئا غير أنه لا يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، «11» فإذا نوزع «11» الحق
__________
(1) زيد من المجمع.
(2) من المجمع، وفي الأصل: باين.
(3- 3) من المجمع، وفي الأصل: الثديين والبطين بما- كذا.
(4) زيدت الواو بعده في الأصل، ولم تكن في الفائق للزمخشري فحذفناها- انظر الشين مع الذال.
(5) زيد ولا بد منه.
(6) من المجمع، وفي الأصل: تكنفا.
(7) من المجمع، وفي الأصل: سبب.
(8) في المجمع والفائق: أطول.
(9) في المجمع: مواصل.
(10- 10) من المجمع، وفي الأصل: فصل لا فصول ولا يعصر.
(11- 11) من المجمع، وفي الأصل: فإن بعدي.

(1/411)


لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر «1» لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فضرب براحته اليمنى باطن كفه «2» اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام- قال الحسن: فكتمها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته «3» قد سبق إليه وسأله عما سألته.
قال الحسين: فسألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال: كان دخوله] «4» لنفسه مأذون له في «5» ذلك، كان إذا أوى إلى منزله جزأ نفسه «6» ثلاثة أجزاء: جزء لله وجزءا لأهله [وجزءا] «4» لنفسه، ثم جزأ جزءا بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم شيئا، وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، [و] «7» منهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم «8» وإلا معه من مسألتهم «8» «9» يلائمهم ويخبرهم «9» بالذي ينبغي لهم ويقول: ليبلغ الشاهد منكم «10» الغائب، وأبلغوا في حاجة من لا يستطيع إبلاغها، فإن من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها يثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده «11» إلا ذلك،
__________
(1) من المجمع، وفي الأصل: لا ينتصب.
(2) في المجمع 8/ 274: إبهامه.
(3) من المجمع، وفي الأصل: وجدت.
(4) زيد من المجمع.
(5) من المجمع، وفي الأصل «و» .
(6) من المجمع، وفي الأصل: دخوله.
(7) زيد من المجمع 8/ 274.
(8- 8) ليس ما بين الرقمين في المجمع.
(9- 9) من المجمع، وفي الأصل: عنهم وأحزابهم- كذا.
(10) في الأصل: منهم، وليس في المجمع.
(11) من المجمع، وفي الأصل: عنه.

(1/412)


ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا «1» ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أذلة.
قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه، قال: «2» كان يخزن «2» لسانه إلا فيما يعنيه ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم القوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يظهر على أحد بسره «3» ، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما «4» في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل [الأمر] غير «5» مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لكل حال عنده عتاد، ولا يقصر عن الحق ولا يجاوزه الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم «6» نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا يجلس و] «7» لا يقوم إلا على ذكر، لا يوطن «8» الأماكن وينهى عن إيطانها «9» ، وإذا جلس إلى قوم جلس حيث انتهى المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي 1»
كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من «11» جالسه أو قاومه «11» لحاجة صابره حتى يكون هو المتصرف، ومن سأله عن حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع
__________
(1) من المجمع، وفي الأصل: زوار.
(2- 2) من المجمع، وفي الأصل: فكان يجرن.
(3) في الأصل: بشره.
(4) من المجمع، وفي الأصل: عنا.
(5) من المجمع، وفي الأصل: عن.
(6) في المجمع: أعظمهم.
(7) زيد من المجمع.
(8) من المجمع، وفي الأصل: لا يعطن.
(9) من المجمع، وفي الأصل: إمكانها.
(10) من المجمع، وفي الأصل: يعصي.
(11- 11) من المجمع وفي الأصل: جليسه أو قامه- كذا.

(1/413)


الناس منه بسطه وخلقه «1» ؛ فصار للناس أبا وصاروا في الحق «2» عنده سواء، مجلسه مجلس حلم «3» وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن «4» فيه الحرم «5» ولا تنثى فلتاته «5» ، متعادلين يتفاضلون «6» فيه بالتقوى متواضعين، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون [ذوي] «7» الحاجة، ويحفظون الغريب.
قال: فسألته عن سيرته في جلسائه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب «8» ولا فحاش، ولا عياب ولا مزاح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤنس معه، و «9» لا يخيب فئة «9» ، قد نزه نفسه من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب «10» عورته؛ ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق «11» جلساؤه كأنما على رؤسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم صمتوا له حتى يفرغ، جل حديثه عندهم حديث أوليهم «12» ، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة «13» في منطقة حتى أن كان أصحابه يستجلبونهم،
__________
(1) من المجمع 8/ 275. وفي الأصل خلفه.
(2) من المجمع، وفي الأصل: الخلق.
(3) من المجمع، وفي الأصل: حكم.
(4) من المجمع، وفي الأصل: لا تومن.
(5- 5) من المجمع، وفي الأصل: سافلتانه- كذا.
(6) من دلائل النبوة، وفي الأصل: يتغافضلون، وفي المجمع: متواصين.
(7) زيد من المجمع.
(8) من المجمع، وفي الأصل: سخاب.
(9- 9) من المجمع، وفي الأصل: لا يجيب فيه.
(10) من المجمع، وفي الأصل: يصلب.
(11) من المجمع، وفي الأصل: طرق.
(12) من المجمع، وفي الأصل: أوليتهم.
(13) في المجمع: الهفوة.

(1/414)


ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه، ولا يقبل [الثناء] «1» إلا من مكافىء، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوره «2» فيقطعه بنهي أو قيام.
قال: وسألته: كيف كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان سكوته على أربعة: على الحلم [والحذر] «1» والتقدير والتفكر، فأما تقديره ففي «3» تسوية النظر والاستماع بين الناس. وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربعة: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبيح ليتناهى عنه، وإجهاده «4» الرأي فيما يصلح «5» أمته، والقيام فيما [يجمع] «1» لهم فيه خير الدنيا والآخرة.
قال أبو حاتم: قد ذكر جمل ما يحتاج إليه من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه وأيامه وهجرته إلى أن قبضه الله إلى جنته، ثم إنا ذاكرون بعده الخلفاء الأربعة «6» بأيامه وجمل «7» ما يحتاج إليه من أخبارهم ليكون ذلك طريقا للمتأسين بهم إذ «8» المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر بذلك الحديث حيث قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي [و] «9» عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة [وكل بدعة] «9» ضلالة» - جعلنا الله وإياكم من المتبعين «10» لسنته المبادرين «10» إلى لزوم طاعته، إنه الفعال لما «11» يريد بكم.
آخر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ويتلوه كتاب الخلفاء إن شاء الله تعالى.
__________
(1) زيد من المجمع.
(2) من المجمع، وفي الأصل: يجوز.
(3) من المجمع، وفي الأصل: فهو.
(4) من المجمع، وفي الأصل: اجتهاده.
(5) من المجمع، وفي الأصل: اصلح.
(6) في الأصل: الأربع.
(7) في الأصل: جعل، وما أثبتناه هو الأنسب للسياق.
(8) في الأصل: إذا.
(9) زيد من مسند الإمام أحمد 4 126.
(10- 10) في الأصل: لسنة المبادرون- كذا.
(11) وقع في الأصل: لا- خطأ.

(1/415)