الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل الخامس حقيقة قائل ذلك هل هو كافر أو مرتدّ
الْوَجْهُ الثَّالِثُ:
أَنْ يَقْصِدَ إِلَى تَكْذِيبِهِ فِيمَا قاله أو أتى به، أو ينفي نبوته، أو رسالته، أو وجوده، أو يكفر بِهِ.. انْتَقَلَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إِلَى دِينٍ آخَرَ غَيْرِ مِلَّتِهِ أَمْ لَا؟.
فَهَذَا كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ، يَجِبُ قَتْلُهُ. ثُمَّ يُنْظَرُ- فَإِنْ كَانَ مُصَرِّحًا بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ أَشْبَهَ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ «1» . وَقَوِيَ الْخِلَافُ فِي اسْتِتَابَتِهِ
وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا تُسْقِطُ الْقَتْلَ عَنْهُ تَوْبَتُهُ لِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ ذَكَرَهُ بِنَقِيصَةٍ فيما قاله من كذب أو غيره.
__________
(1) خلافا لاصحاب مالك.

(2/511)


- وَإِنْ كَانَ مُتَسَتِّرًا بِذَلِكَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ لَا تُسْقِطُ قَتْلَهُ التَّوْبَةُ عِنْدَنَا «1» كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.
قال أبو «2» حنيفه وأصحابه: «من برىء مِنْ مُحَمَّدٍ أَوْ كَذَّبَ «3» بِهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ حَلَالُ الدَّمِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ» .
وَقَالَ ابْنُ «4» الْقَاسِمِ فِي الْمُسْلِمِ إِذَا قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَقَوَّلَهُ «5» يُقْتَلُ.
قَالَ: «وَمَنْ كَفَرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْكَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ» .
وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ أَنَّهُ كَالْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ تَنَبَّأَ وَزَعَمَ أنه يوحى إليه.
وقال سحنون «6» وقال ابْنُ «7» الْقَاسِمِ: «دَعَا إِلَى ذَلِكَ سِرًّا أَوْ جَهْرًا» وَقَالَ أَصْبَغُ «8» : «وَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ قَدْ كَفَرَ بِكِتَابِ اللَّهِ مَعَ الْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ» .
__________
(1) أي عند المالكية.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «499» رقم «6» .
(3) وفي نسخة (كذبه)
(4) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .
(5) فقوله: افتراه واختلقه
(6) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «188» رقم «1» .
(7) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «6» .
(8) تقدمت ترجمته في ج 2 ص «153» رقم «5» .

(2/512)


وَقَالَ أَشْهَبُ «1» فِي يَهُودِيٍّ تَنَبَّأَ- أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى النَّاسِ- أَوْ قَالَ: بَعْدَ نَبِيِّكُمْ نَبِيٌّ، أَنَّهُ يُسْتَتَابُ إِنْ كَانَ مُعْلِنًا بِذَلِكَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «لَا نَبِيَّ بَعْدِي» مُفْتَرٍ عَلَى اللَّهِ فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ «2» سُحْنُونٍ: «مَنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ مِمَّا جاء به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ جَاحِدٌ» .
وَقَالَ: «مَنْ كَذَّبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حُكْمُهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ الْقَتْلَ» .
وَقَالَ أَحْمَدُ «3» بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ صَاحِبُ سُحْنُونٍ «4» : «مَنْ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدُ قُتِلَ. لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسْوَدَ.
وَقَالَ نَحْوَهُ أَبُو عُثْمَانَ «5» الْحَدَّادُ قَالَ: «لَوْ قَالَ إِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ «6» أَوْ إِنَّهُ كَانَ بِتَاهَرْتَ «7» وَلَمْ يَكُنْ بِتِهَامَةَ «8» قُتِلَ لِأَنَّ هَذَا نفي.
__________
(1) أشهب: بن عبد العزيز المصري.
(2) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «609» رقم «10» .
(3) احمد بن أبي سليمان من أصحاب سحنون كان فقيها عالما ورعا
(4) تقدمت ترجمته في ج 1 ص «188» رقم «1» .
(5) ابو عثمان الحداد: اسمه سعيد، وكان أولا مالكيا ثم صار شافعيا.
(6) أي قبل أن تنبت لحيته.
(7) تاهرت: مكان في أقصى المغرب.
(8) تهامة: هي هنا مكة أو أرض الحجاز.. وقد اطلقها الجغرافيون الان على الاراضي المحصورة بين جبال الحجاز وبين البحر الاحمر.

(2/513)


قال حبيب «1» بن الربيع: تَبْدِيلُ صِفَتِهِ وَمَوَاضِعِهِ كُفْرٌ، وَالْمُظْهِرُ لَهُ كَافِرٌ وَفِيهِ الِاسْتِتَابَةُ، وَالْمُسِرُّ لَهُ زِنْدِيقٌ يُقْتَلُ دُونَ استتابة
__________
(1) حبيب بن الربيع: من أئمة المالكية. في الفقه وكان ورعا تقيا

(2/514)