الشمائل المحمدية للترمذي ط إحياء التراث

33- باب كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
213- حدثنا حميد بن مسعدة، البصري. حدثنا حميد الأسود «1» عن أسامة بن زيد «2» عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:
«ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام بيّن فصل، يحفظه من جلس إليه» «3» .
214- حدثنا محمد بن يحيى. حدثنا أبو قتيبة/ مسلم بن قتيبة «4» عن عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس بن مالك قال:
«كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه» «5» .
215- حدثنا سفيان بن وكيع. حدثنا جميع بن عمر «6» بن عبد الرحمن العجلي قال: حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا
__________
(1) حميد الأسود: الأشعري البصري، صدوق يهم قليلا، من الطبقة السابعة. خرج له البخاري والنسائي وابن ماجه.
(2) أسامة بن زيد: المدني، قال النسائي وغيره: ليس بالقوي توفي سنة 153 هـ. خرج له البخاري في التاريخ والخمسة.
(3) أخرجه الترمذي في المناقب برقم 3643 والبخاري ومسلم وابو داود في كتاب العلم باب في سرد الحديث ك 19 ب 7 ح 3655 بمعناه.
(4) مسلم بن قتيبة: الخرساني، نزيل البصرة، صدوق من الطبقة التاسعة خرج له البخاري والأربعة.
(5) وأخرجه الترمذي في المناقب برقم 3644 والاستئذان برقم 2724 والبخاري في العلم والاستئذان.
(6) في نسخة عمرو.

(1/134)


عبد الله عن أبن لأبي هالة عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال:
«سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافا، فقلت صف لي منطق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه (باسم الله تعالى) «1» ويتكلم بجوامع الكلم، كلامه فصل، لا فضول ولا تقصير، ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت لا يذم منها شيئا غير أنه لم يكن يذم ذواقا «2» ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها فإذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها، وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جلّ ضحكه التبسم، يفترّ عن مثل حبّ الغمام «3» » .
__________
(1) في نسخة ويختمه باشداقه.
(2) الذواق: المأكول والمشروب أي كان صلى الله عليه وسلم يمدح جميع نعم الله ولا يشتغل بمذمتها قط.
(3) الغمام: السحاب وحب الغمام: هو البرد شبه به اسنانه البيض.

(1/135)


34- باب ما جاء في ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم
216- حدثنا أحمد بن منيع. حدثنا عباد بن العوام. أخبرنا الحجاج/ وهو ابن أرطأة «1» عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:
«كان في ساق «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم حموشة «3» ، وكان لا يضحك إلا تبسما، فكنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل العينين وليس بأكحل «4» » «5» .
217- حدثنا قتيبة بن سعيد. أخبرنا ابن لهيعة عن عبد الله بن المغيرة «6» عن عبد الله بن الحارث بن جزء «7» رضي الله عنه أنه قال:
«ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم» «8» .
218- حدثنا أحمد بن خالد الخلال «9» حدثنا يحيى بن اسحاق السيلحاني «10»
__________
(1) الحجاج بن أرطأة: الكوفي القاضي، الفقيه، اتفقوا على حفظه وتدليسه وضعفه الجمهور.
(2) في نسخة ساقي.
(3) أي دقه/ وفي المعجم الوسيط/ حمش الرجل: كان دقيق الساقين وفي بعض النسخ بالخاء والخمش: اسم لجرح البشرة.
(4) الكحل بفتحتين سواد في اجفان العين خلقة.
(5) أخرجه الترمذي في المناقب برقم 3648.
(6) عبد الله بن المغيرة: صدوق من الطبقة الرابعة. خرج له ابن ماجه.
(7) عبد الله بن الحارث بن جزء: صحابي، سكن مصر، خرج له ابو داود وابن ماجه.
(8) أخرجه الترمذي في المناقب برقم 3645 وهو مما تفرد به.
(9) أحمد بن خالد الخلال: البغدادي، ثقة، من طبقة أحمد بن حنبل. توفي سنة 247 هـ. روى له النسائي.
(10) يحيى بن إسحاق السيلحاني: صدوق، ثقة، حافظ. توفي سنة 220 هـ خرج له مسلم والأربعة.

(1/136)


حدثنا ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال:
«ما كان ضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا تبسما» «1» .
قال أبو عيسى هذا حديث غريب من حديث ليث بن سعد.
219- حدثنا أبو عمار/ الحسين بن حريث. حدثنا وكيع. حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد «2» عن أبي ذر رضي الله عنه قال:
«قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إني لأعلم أول رجل يدخل الجنة وآخر رجل يخرج من النار. يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه ويخبأ عنه كبارها فيقال له: عملت يوم كذا كذا وكذا وهو مقرّ لا ينكر وهو مشفق من كبارها فيقال أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة فيقول إن لي ذنوبا لا أراها ههنا. قال أبو ذر: فقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ضحك حتى بدت نواجذه» «3» .
220- حدثنا أحمد بن منيع. حدثنا معاوية بن عمرو «4» حدثنا زائدة «5» عن بيان عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:
«ما حجبني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك» «6» .
__________
(1) وأخرجه الترمذي في المناقب برقم 3645.
(2) المعرور بن سويد: أبو أمية، ثقة من الطبقة الثانية، خرج له الجماعة.
(3) أخرجه الترمذي في صفة جهنم برقم 2599 ومسلم في الايمان برقم 190 وفي الباب عن ابن مسعود عند الترمذي برقم 2598 والبخاري في صفة الجنة والتوحيد ومسلم في الايمان برقم 187 وابن ماجه في الزهد برقم 4339.
(4) معاوية بن عمرو: البغدادي، ثقة، كان شجاعا لا يبالي بلقاء عشرين، توفي سنة 214 هـ خرج له الستة.
(5) زائدة: بن قدامة الثقفي، الكوفي، ثقة حجة، صاحب سنن، توفي عزبا بالروم سنة 261 هـ خرج له الجماعة.
(6) أخرجه الترمذي في المناقب برقم 3822 والبخاري ومسلم في فضائل جرير برقم 2475 وابن ماجه في المقدمة برقم 159.

(1/137)


221- حدثنا أحمد بن منيع. حدثنا معاوية بن عمرو. حدثنا زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال:
«ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رآني منذ أسلمت إلا تبسم» «1» .
222- حدثنا هناد بن السري. حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة السلماني «2» عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف آخر أهل النار خروجا، رجل يخرج منها زحفا فيقال له انطلق فادخل الجنة. قال: فيذهب ليدخل الجنة فيجد الناس قد أخذوا المنازل، فيرجع فيقول: يا رب قد أخذ الناس المنازل.
فيقال له أتذكر الزمان الذي كنت فيه فيقول: نعم. قال فيقال له تمنّ.
قال فيتمنى. فيقال له فان لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا.
قال: فيقول: تسخر بي وأنت الملك. قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه» «3» .
223- حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عليّ بن ربيعة «4» قال:
«شهدت عليا رضي الله عنه أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في
__________
(1) البخاري في الجهاد والمغازي والدعوات، وفي ذكر جرير والأدب. ومسلم في الفضائل برقم 2475 وأبو داود في الجهاد والترمذي في المناقب برقم 3822 وابن ماجه في المقدمة برقم 159 وزادوا «ولقد شكوت اليه اني لا أثبت على الخليل فضرب في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا» .
(2) عبيدة السلماني: عبيدة بن عمرو بن قيس الكوفي، أسلم في حياة المصطفى قال ابن عيينه: كان يوازي شريحا في العلم والقضاء، توفي سنة 72 هـ.
(3) أخرجه الترمذي في كتاب صفة جهنم برقم 2598 والبخاري في صفة الجنة وفي التوحيد ومسلم في الايمان برقم 186 وابن ماجه في الزهد برقم 4339 والنواجذ: هي الأضراس.
(4) علي بن ربيعة: ثقة من كبار الطبقة الثالثة، خرج له الستة.

(1/138)


الركاب قال بسم الله: فلما استوى على ظهرها قال الحمد لله. ثم قال:
سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ «1» . ثم قال: الحمد لله ثلاثا. والله أكبر ثلاثا. سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك فقلت له: من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت، ثم ضحك فقلت: من أي شيء ضحكت يا رسول الله؟ قال: إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: ربّ اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب أحد غيره «2» » «3» .
224- حدثنا محمد بن بشار. حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري. حدثنا عبد الله بن عون «4» عن محمد بن محمد بن الأسود «5» عن عامر بن سعد «6» قال:
«قال سعد «7» لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك يوم الخندق «8» حتى بدت نواجذه.
قال: قلت كيف كان ضحكه قال: كان رجل معه ترس «9» وكان سعد راميا، وكان الرجل «10» يقول. كذا وكذا بالترس يغطي جبهته. فنزع له سعد بسهم، فلما رفع رأسه رماه، فلم يخطىء هذه منه «يعني جبهته» وانقلب الرجل
__________
(1) الآية 13 من سورة الزخرف. ومعنى سخر لنا هذا: أي ذلل لنا هذا المركب الصعب وجعله منقادا لنا، وما كنا له مقرنين: أي مطيقين، من أقرن الشيء: أطاقه وقوي عليه، كأنه صار له قرنا أي مثله في الشدة وقال بعض الشراح: أي ما كنا مطيقين قهره واستعماله لو لم يسخره الله لنا.
(2) في بعض النسخ (أحد غيري)
(3) أبو داود في الجهاد برقم 2602 والترمذي في الدعوات برقم 3443 والنسائي واحمد في المسند.
(4) عبد الله بن عون: البصري، أحد الأعلام الورعين، توفى سنة 151 هـ خرج له الجماعة.
(5) محمد بن محمد بن الاسود: الزهري، مستور من الطبقة السادسة، خرج له المصري فقط.
(6) عامر بن سعد: بن أبي وقاص الزهري، المدني مات سنة 104 هـ. خرج له الستة.
(7) أي سعد بن أبي وقاص وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.
(8) يوم الخندق كان في السنة الخامسة الهجرية، والخندق حفر حول المدينة باستشارة سلمان الفارسي.
(9) الترس: وهو ما يستتر به حال الحرب وفي رواية (قوس) بدل ترس.
(10) هذا من كلام سعد، والمراد بالرجل أحد المقابلين لسعد في الخندق من الاعداء.

(1/139)


وشال برجله «1» . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. قال: قلت من أي شيء ضحك قال. من فعله بالرجل «2» » .
__________
(1) أي انقلب الرجل وصار أعلاه أسفله وقوله وشال برجله أي سقط على عقبه ورفع رجله.
(2) ضحكه صلى الله عليه وسلم من قتل سعد لهذا الرجل الكافر، واصابته المحكمة وأن ترسه لم ينفعه.

(1/140)


35- باب ما جاء في صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم
225- حدثنا محمود بن غيلان. حدثنا أبو اسامة عن شريك عن عاصم الأحول. عن أنس بن مالك.
«أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا ذا الأذنين» «1» . قال محمود قال أبو أسامة: يعني يمازحه «2» .
226- حدثنا هناد بن السري. حدثنا وكيع عن شعبة عن أبي التياح «3» عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
«إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير «4» : يا أبا عمير ما فعل النّغير» «5» .
__________
(1) أخرجه الترمذي في البر برقم 1993 وفي المناقب برقم 3831 وأبو داود في الادب برقم 5002 في باب المزاح.
(2) المزاح: بكسر الميم الانبساط مع الغير من غير تنقيص أو تحقير له والمزاح المنهي عنه هو الذي فيه افراط ويداوم عليه فانه يورث كثرة الضحك وقسوة القلب، ويوجب الاحقاد ويسقط المهابة والوقار.
(3) أبو التياح: يزيد بن حميد الضبعي، أحد الأئمة الثقات العابدين، توفي سنة 120 هـ خرج له الجماعة.
(4) أخ لأم وهو ابن أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري أمهما أم سليم بنت ملحان وأبو عمير مات صغيرا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
(5) أخرجه الترمذي في البر برقم 1990 وفي الصلاة باب الصلاة على البسط برقم 333 والبخاري في كتاب الأدب وابن ماجه في الادب برقم 3720 ومسلم في الصلاة والاستئذان وفي فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفي الادب برقم 2150 والنسائي في اليوم والليلة. والنغير: بضم النون تصغير النغر/ بضم النون وفتح الغين/ وهو طائر صغير جمعه نغران،

(1/141)


قال أبو عيسى: وفقه هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح وفيه أنه كنى غلاما صغيرا. فقال له يا أبا عمير، وفيه أنه لا بأس أن يعطى الصبي الطير ليلعب به وإنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا عمير، ما فعل النّغير؟ لأنه كان له نغير يلعب به، فمات فحزن الغلام عليه فمازحه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا عمير: ما فعل النغير؟
227- حدثنا عباس بن محمد الدوري. حدثنا علي بن الحسن بن شقيق «1» .
أنبأنا عبد الله بن المبارك عن أسامة بن زيد عن سعيد المقبري. عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
«قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا. فقال: نعم غير أني لا أقول إلا حقا» «2» .
228- حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا خالد بن عبد الله «3» عن حميد عن أنس بن مالك.
«أن رجلا استحمل «4» رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إني حاملك على ولد ناقة.
__________
وفي الحديث: مخالطة الرجل مخدومه وصاحبه ودخوله إياه وان كان عالما أو إماما وفيه كنية من لم يولد له أو التسمي باسم بصورة الكنية وفيه التصغير للمرء أو للشيء إذا لم يكن على طريق التحقير. وفيه أن صيد المدينة غير محرم وفيه جواز المزاح فيما ليس اثما وجواز لعب الصبي بالعصفور وتمكين الولي إياه من ذلك وجواز السجع بالكلام الحسن بلا كلفة، وملاطفة الصبيان وتأنيسهم وبيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع وزيارة الأهل لأن أم سليم والدة أبي عمير هي من محارمه/ راجع العارضة لابن العربي 2/ 137 وشرح مسلم للنووي 14/ 129.
(1) علي بن الحسن بن شقيق: المروزي، كان من حفاظ كتب ابن المبارك، توفي سنة 215 هـ. خرج له الجماعة.
(2) اخرجه الترمذي/ في البر برقم 1991 وهو مما تفرد به.
(3) خالد بن عبد الله: الواسطي المدني مولاهم، ثقة عابد، توفي سنة 179 هـ وقيل غير ذلك خرج له الستة.
(4) أي سأله أن يحمله على دابة.

(1/142)


فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد الابل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هل تلد الناقة إلا النّوق» «1» .
229- «حدثنا إسحاق بن منصور. حدثنا عبد الرزاق. حدثنا معمر عن ثابت. عن أنس بن مالك:
«أن رجلا من أهل البادية/ كان اسمه زاهرا/ «2» . وكان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هدية من البادية. فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن زاهرا باديتنا «3» ونحن حاضروه «4» ، وكان صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان رجلا دميما «5» ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره. فقال: من هذا؟ أرسلني فالتفت، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو «6» ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري هذا العبد؟ فقال يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكن عند الله لست بكاسد. أو قال: أنت عند الله غال» .
230- حدثنا عبد بن حميد. حدثنا مصعب بن المقدام. حدثنا المبارك بن فضالة «7» عن الحسن «8» قال:
__________
(1) أخرجه الترمذي في البر برقم 1992 وأبو داود في الأدب باب المزاح حديث 4998 وهذا منه صلى الله عليه وسلم مداعبة ومباسطة، والعبارة تفيد الصغير من ولد الناقة ولهذا تعجب الرجل فقال له صلى الله عليه وسلم قولته الكريمة والنوق جمع ناقة وهي أنثى الإبل.
(2) في جمع الوسائل زاهر بن جرام الأشجعي شهد بدرا.
(3) أي نستفيد منه ما يستفيد الرجل من باديته، والبادي: هو المقيم بالبادية، قال تعالى في سورة الحج الآية 25 «والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد» .
(4) أي حاضرو المدينة له، وهذا من حسن المعاملة تعليما لأمته في متابعة هذه المجاملة.
(5) أي قبيح الصورة مع كونه مليح السيرة.
(6) لا يقصر.
(7) المبارك بن فضالة: البصري وثقه عفان وأبو زرعة، وضعفه النسائي، توفي سنة 165 هـ خرج له ابن ماجه.
(8) هو الحسن البصري عند الاطلاق فالحديث مرسل.

(1/143)


«أتت عجوز «1» إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا رسول الله أدع الله أن يدخلني الجنة. فقال يا أم فلان! انّ الجنة لا تدخلها عجوز. قال: فولت تبكي فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً «2» » .
__________
(1) قيل هي صفية بنت عبد المطلب عمته وأم الزبير بن العوام.
(2) الآيات 35، 36، 37 من الواقعة والابكار: العذارى وعربا: أي متحببات إلى أزواجهن يحسن التبعل جمع عروب، كرسل ورسول، من أعرب إذا بين. وأترابا: أي مستويات في سن واحدة كأنهم أشبهن في التساوي الترائب وهي ضلوع الصدر جمع ترب.

(1/144)


36- باب ما جاء في صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشعر
231- حدثنا علي بن حجر. حدثنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه «1» عن عائشة رضي الله عنها قالت:
«قيل لها هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر قالت: كان يتمثل بشعر ابن رواحه «2» ويتمثل بقوله «3» ويأتيك بالأخبار من لم تزود «4» » «5» .
232- حدثنا محمد بن بشار. حدثنا عبد الرحمن بن مهدي. حدثنا سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير. حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
__________
(1) المقدام بن شريح: بن هانىء بن يزيد الحارثي الكوفي، ثقة، من الطبقة السادسة. خرج له الجماعة. وأبوه شريح الكوفي، مخضرم ثقة، روى له الجماعة.
(2) هو عبد الله بن رواحة الانصاري الخزرجي أحد النقباء شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق والمشاهد بعدها، الا الفتح وما بعده فإنه قتل يوم مؤتة شهيدا أميرا ومن شعره:
وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات ان ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استقلت بالكافرين المضاجع
(3) أي ويتمثل أيضا بشعر طرفة بن العبد قال ذلك في قصيدته المعلقة.
(4) بضم التاء وكسر الواو المشددة، وهو من التزويد وهو اعطاء الزاد وأول البيت:
ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالاخبار من لم تزود
(5) أخرجه الترمذي في الأدب برقم 2852.

(1/145)


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد «1» : ألا كل شيء ما خلا الله باطل «2» .
وكاد أمية «3» بن أبي الصّلت أن يسلم» «4» .
233- حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الأسود بن قيس عن جندب بن سفيان البجلي «5» قال:
«أصاب حجر إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فدميت فقال:
هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت «6»
حدثنا ابن أبي عمر. حدثنا سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس عن جندب بن عبد الله البجلي نحوه:
__________
(1) لبيد بن أبي ربيعة العامري قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد قومه، كان شريفا في الجاهلية والاسلام نزل الكوفة مات سنة 41 هـ وله من العمر 140 سنة، وهو من فصحاء العرب وشعرائهم ولما أسلم لم يقل شعرا، وقال يكفيني القرآن.
(2) والبيت هكذا:
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
(3) الثقفي أدرك الاسلام ولم يسلم، وكان أمية هذا ينطق بالحقائق ويؤمن بالبعث ويتعبد بالجاهلية. مات في حصار الطائف. وقال عنه صلى الله عليه وسلم: «آمن شعره وكفر قلبه» .
(4) أخرجه الترمذي في الأدب برقم 2853 والبخاري ومسلم في كتاب الشعر برقم 2256 وابن ماجه في الادب برقم 3757.
(5) البجلي. بفتح الباء والجيم نسبة إلى قبيلة بجيلة. له صحبة، خرج له الجماعة.
(6) أخرجه الترمذي في التفسير حديث رقم 3342 ومسلم في الجهاد باب مالقي الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين ك 32 ب 39 ح 1796/ أنظر شرح مسلم للنووي 12/ 154 وأخرجه البخاري في الجهاد باب فضل من يصرع في سبيل الله، وفي كتاب الأدب. وهذا الشعر لابن رواحة قال في غزوة مؤتة فأصيب باصبعه فارتجز وجعل يقول:
هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
يا نفس، إلا تقتلي تموتي ... هذا حياض الموت قد صليت
وما تمنيت فقد لقيت ... إن تفعلي فعلهما هديت
ثم ثبت حتى استشهد، وتمثل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله.

(1/146)


234- حدثنا محمد بن بشار. حدثنا يحيى بن سعيد. حدثنا سفيان الثوري، أنبأنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال:
«قال له رجل أفررتم «1» عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يا أبا عمارة «2» . فقال لا والله ما ولّى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولكن ولّى سرعان الناس «3» تلقتهم هوازن «4» بالنبل ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) على بغلته وأبو سفيان بن الحارث «5» بن عبد المطلب آخذ بلجامها ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:
أنا النّبيّ لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب «6»
235- حدثنا إسحاق بن منصور. حدثنا عبد الرزاق. حدثنا جعفر بن سليمان. حدثنا ثابت عن أنس:
«أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء «7» وابن رواحه يمشي بين يديه وهو يقول:
خلّوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله «8»
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله «9»
فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر فقال صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهي أسرع فيهم من نضج النبل» «10» .
__________
(1) بضم العين؛ وهي كنية البراء.
(2) أي أوائلهم وأخفاؤهم.
(3) قبيلة مشهورة بشدة السهم لا تكاد تخطىء سهامهم.
(4) ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة.
(5) أخرجه مسلم في الجهاد باب غزوة حنين ك 32 ب 28 ح 1776 والبخاري في المغازي والترمذي في الجهاد حديث رقم 1688 وابن ماجه في الجهاد.
(6) وذاك يوم حنين كما في رواية الصحيحين.
(7) حصلت بعد صلح الحديبية.
(8) نضر بكم: بسكون الباء لضرورة الشعر. والتنزيل: القرآن والنبل: السهام.
(9) والهام جمع هامة أعلى الرأس، ومقيله أي موضعه.
(10) أخرجه الترمذي في الأدب برقم 2852 والنسائي في الحج.

(1/147)


236- حدثنا عليّ بن حجر. حدثنا شريك عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال:
«جالست النبيّ صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة وكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت وربما تبسم معهم» «1» .
237- حدثنا عليّ بن حجر. حدثنا شريك عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة:
«عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل» «2» .
238- حدثنا أحمد بن منيع. حدثنا مروان بن معاوية «3» عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال:
«كنت ردف «4» النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته مائة قافية من قول أميّة بن أبي الصلت الثقفي: كلما أنشدته بيتا قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: هيه «5» حتى أنشدته مائة يعني بيتا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن كاد ليسلم» «6» .
239- حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري وعليّ بن حجر/ والمعنى واحد/ قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبرا في المسجد يقوم عليه
__________
(1) أخرجه الترمذي في الأدب برقم 2854.
(2) انظر تخريج الحديث رقم 242.
(3) مروان بن معاوية: بن الحارث الكوفي الحافظ نزيل مكة ودمشق ثقة يدلي أسماء الشيوخ توفي سنة 193 هـ. خرج له الجماعة.
(4) أي رديفه. أي راكب خلفه على الدابة.
(5) أي زدني.
(6) أخرجه مسلم في كتاب الشعر حديث رقم 2255 وابن ماجه في الادب.

(1/148)


قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول صلى الله عليه وسلم:
إن الله تعالى يؤيد حسان بروح القدس «1» ما ينافح أو يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» «2» .
حدثنا إسماعيل بن موسى وعليّ بن حجر قالا: حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها. عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
__________
(1) أي جبريل.
(2) أخرجه الترمذي في الأدب برقم 2849 وأبو داود في الأدب ك 35، ب 95 ح 5015.

(1/149)