الشمائل
المحمدية للترمذي ط إحياء التراث 47- باب ما جاء في
خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
326- حدثنا عبّاس بن محمد الدّوريّ. حدثنا عبد الله بن يزيد المقرىء «1» .
حدثنا ليث بن سعد «2» . حدثني أبو عثمان الوليد بن أبي الوليد عن سليمان بن
خارجة عن خارجة بن زيد «3» بن ثابت قال:
«دخل نفر على زيد بن ثابت «4» فقالوا له حدّثنا أحاديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قال: ماذا أحدّثكم؟ كنت جاره فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إليّ
فكتبته له «5» ، فكنّا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة
ذكرها معنا، وإذا
__________
(1) عبد الله بن يزيد المقرىء: المخزومي المدني الأعور مولى الاسود بن
سفيان من شيوخ مالك، ثقة، خرج له الجماعة.
(2) ليث بن سعد: عالم أهل مصر، قال الذهبي وثقوه وكان نظير مالك في العلم.
توفي سنة 175 هـ.
(3) خارجة بن زيد: أبو زيد الفقيه، أخذ عن أبيه واسامة بن زيد، وروى عنه
الزهري وغيره توفي سنة 99 هـ وهو أحد فقهاء المدينة السبعة.
(4) زيد بن ثابت هو ابو سعيد، وقيل أبو خارجة الانصاري النجاري المدني،
الفرضي الكاتب، كاتب الوحي والمصحف، وكان عمره حين قدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى المدينة إحدى عشرة سنة، واستصغره النبي صلى الله عليه وسلم
يوم بدر فرده وشهد أحدا والخندق وما بعدها من المشاهد وأعطاه النبي صلى
الله عليه وسلم يوم تبوك راية بني النجار وقال: القرآن مقدم وزيد أكثر أخذا
للقرآن، وكان يكتب الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم ويكتب له أيضا
المراسلات إلى الناس وكان يكتب لأبي بكر وعمر في خلافتهما، وكان أحد
الثلاثة الذين جمعوا المصحف، أمره بذلك أبو بكر وعمر وكان عمر يستخلفه إذا
حج، وكان معه حين قدم الشام وهو الذي تولى قسم غنائم اليرموك، وكان عثمان
يستخلفه إذا حج؛ ورمي يوم اليمامة بسهم فلم يضره. وفي الحديث «أفرضكم زيد»
وأمره صلى الله عليه وسلم أن يتعلم لغة اليهود. وكان من الراسخين في العلم،
وكان على بيت المال في زمن عثمان. توفي بالمدينة سنة 54 هـ/ من تهذيب
الاسماء للنووي.
(5) ومن كتاب الوحي أيضا عثمان، علي، أبي، معاوية، خالد بن سعيد وحنظلة بن
الربيع، والعلاء بن الحضرمي، وأبان بن سعيد، وغيرهم.
(1/195)
ذكرنا الطّعام. ذكره معنا، فكلّ هذا
أحدّثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
327- حدثنا إسحاق بن موسى. حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن زياد بن
أبي زياد «1» عن محمد بن كعب القرظيّ عن عمرو بن العاص «2» قال:
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه عليّ حتى ظننت أنّي
خير القوم، فقلت يا رسول الله أنا خير أو أبو بكر. فقال: أبو بكر فقلت: يا
رسول الله أنا خير أم عمر. فقال: عمر. فقلت: يا رسول الله أنا خير أم
عثمان. قال عثمان، فلمّا سألت رسول الله فصدقني فلوددت أنّي لم أكن سألته»
«3» .
328- حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا جعفر بن سليمان الضّبعيّ عن ثابت عن أنس
بن مالك رضي الله عنه قال:
«خدمت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عشر سنين فما قال لي أف «4» قطّ؛ وما
قال لي لشيء صنعته، لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته. وكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا ولا مسست خزّا «5» ولا حريرا ولا شيئا
ألين من كفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكا قطّ ولا عطرا كان
أطيب من عرق النبيّ صلى الله عليه وسلم» «6» .
__________
(1) زياد بن أبي زياد: ميسرة مولى بني مخزوم، مدني نزل دمشق، تابعي جليل،
ثقة حجة، من الطبقة الخامسة. خرج له مسلم والنسائي.
(2) صحابي جليل أسلم مع خالد بن الوليد قبل غزوة الفتح وكان من قواد
المسلمين المهرة والدهاة توفي بمصر وله مسجد عظيم فيها.
(3) أخرجه الترمذي برقم 3880 مختصرا ومسلم برقم 2385 والبخاري بنحوه.
(4) أف: بضم الهمزة وتشديد الفاء وكسرها بالتنوين وبدون تنوين، وهي كلمة
تبرم وملال تقال لكل ما يتضجر منه، ويستوي فيه الواحد والمثنى والجمع
والمذكر والمؤنث. وفيها عشر لغات. ونقل أبو حيان في الارتشاف نحو أربعين
وجها.
(5) الخز: ثياب تعمل من صوف وحرير.
(6) الترمذي: برقم 2016 والبخاري في الادب والوصايا والديات ومسلم وأبو
داود برقم 4774.
(1/196)
329- حدثنا قتيبة بن سعيد، وأحمد بن عبدة
الضّبي/ والمعنى واحد/ قالا حدثنا حمّاد بن زيد عن سلم العلويّ «1» عن أنس
بن مالك رضي الله عنه:
«عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه كان عنده رجل به أثر صفرة «2» قال:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يواجه أحدا بشيء يكرهه، فلمّا
قام قال للقوم: لو قلتم له يدع «3» هذه الصّفرة» «4» .
330- حدثنا محمد بن بشّار. حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن
أبي عبد الله الجدلي «5» عن عائشة أنها قالت:
«لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحّشا «6» ، ولا صخّابا
«7» في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة؛ ولكن يعفو ويصفح» «8» .
331- حدثنا هارون بن إسحاق الهمذاني، حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
«ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قطّ «9» إلّا أن يجاهد في
سبيل الله «10» ولا ضرب خادما ولا امرأة» «11» .
__________
(1) سلم العلوي: نسبة لقبيلة بني علي بن ثوبان، وهو ابن قيس، ضعيف، من
الطبقة الرابعة، تكلم فيه شعبة، ووثقه يحيى. خرج له البخاري في التاريخ.
(2) صفرة: أي بقية صفرة من زعفران.
(3) الجمهور على كراهة المزعفر ومثله المعصفر.
(4) الظاهر ان فعل ذلك لداعي المصلحة وأخرجه أبو داود بنحوه.
(5) أبو عبد الله الجدلي: رمي بالتشيع، من كبار الطبقة الثالثة.
(6) الفاحش: ذو الفحش، في طبعه في أقواله وأفعاله وصفاته، وان كان استعماله
في القول أكثر والمتفحش: متكلف الفحش.
(7) الصخاب: شديد الصوت.
(8) أخرجه الترمذي في البر برقم 2017.
(9) يؤخذ من هذا الحديث أن الأولى للامام أو ولي الامر أن لا يقيم الحدود
والتعازير بنفسه، بل يقيم لها من يستوفيها.
(10) قد وقع منه صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فانه قتل أبي بن خلف بيده
ولم يقتل أحدا بعده.
(11) أخرجه ابن ماجه في النكاح برقم 1984.
(1/197)
332- حدثنا أحمد بن عبدة الضّبيّ. حدثنا
فضيل بن عياض «1» عن منصور عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:
«ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قطّ مالم
ينتهك من محارم الله شيء، فإذا انتهك من محارم الله شيء كان من أشدّهم في
ذلك غضبا «2» ، وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن مأثما» «3»
.
333- حدثنا ابن أبي عمر. حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن عروة عن عائشة
رضي الله عنها قالت:
«استأذن رجل «4» على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده فقال: بئس ابن
العشيرة (أو) «5» أخو العشيرة، ثم أذن له فلمّا دخل ألان له القول «6» ،
فلما خرج قلت يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول فقال يا عائشة إنّ
من شرّ الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه» «7» .
334- حدثنا سفيان بن وكيع. حدثنا جميع بن عمير بن عبد الرحمن العجلي أنبأنا
رجل من بني تميم من ولد أبي هالة «8» زوج خديجة/ ويكنى أبا عبد الله عن ابن
أبي هالة عن الحسن بن علي قال:
__________
(1) فضيل بن عياض: التيمي الخرساني، شيخ الشافعي، زاهد ومناقبه أكثر من أن
تذكر. خرج له الجماعة.
(2) والمعنى أن ينتقم ممن ارتكب ذلك لصلابته في الدين.
(3) البخاري في الحدود وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الادب ومسلم
في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو داود في الادب برقم 4785 والطب.
(4) هو عيينة بن حصن الفزاري، الذي يقال له الاحمق المطاع، وكان اذ ذاك من
أهل النفاق ولذا قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال ليتقي شره، وهذا
ليس بغيبة بل نصيحة للامة وقد أسلم بعد ذلك وحسن اسلامه وحضر بعض الفتوحات
وقد اعتبر العلماء قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه وهو غائب وإلانته له
وهو حاضر من باب المداراة والتآلف.
(5) الشك من الراوي، ورواية البخاري «أخو العشيرة» دون شك.
(6) ألان له ليتألفه ليسلم قومه لأنه كان رئيسهم ومطاع فيهم، كما هو شأن
الجفاة لانه لو لم يلن له القول لأفسد حال عشيرته وزين لهم العصيان لانهم
لا يعصون له أمرا.
(7) الترمذي في البر برقم 1997 والبخاري في الأدب ومسلم برقم 2591 وأبو
داود برقم 4791.
(8) انظر كلمة عن أبي هالة في صفحة 21 حديث رقم 7.
(1/198)
«قال الحسين: سألت أبي عن سيرة النبيّ صلى
الله عليه وسلم في جلسائه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم
البشر «1» ، سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخّاب ولا فحاش
ولا عيّاب ولا مشاح «2» يتغافل عمّا لا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه «3» ،
ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء «4» والإكثار «5» وما لا يعنيه
«6» ، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحدا ولا يعيبه ولا يطلب عورته «7»
، ولا يتكلّم إلّا فيما رجا ثوابه وإذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على
رؤوسهم الطّير «8» ، فإذا سكت تكلّموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلّم
عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك ممّا يضحكون منه
ويتعجّب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة «9» في منطقة ومسألته،
حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم» «10» .
«ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه «11» . ولا يقبل الثناء إلّا
من
__________
(1) البشر: بكسر الباء وسكون الشين: أي طلاقة الوجه وبشاشته مع الناس.
(2) اسم فاعل من باب المفاعلة من الشح وهو البخل، وفي نسخة بدله «ولا مداح»
.
(3) أي لا يصيره آيسا من بره.
(4) المراء: الجدال وقد ورد «من ترك المراء، وهو محق بنى الله له بيتا في
ربض الجنة» أي في أول الجنة.
(5) أي استعظام نفسه في المشي والجلوس وغيره.
(6) وقد ورد «من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وقال تعالى وَالَّذِينَ
هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. المؤمنون الآية: 3.
(7) أي لا يطلب عورة أحد؛ وهي ما يستحيى منه إذا ظهر، والمعنى لا يظهر ما
يريد الشخص ستره ويخفيه عن الناس.
(8) المعنى، انهم كانوا لا جلالهم إياه لا يتحركون فكان صفتهم صفة من على
رأسه طائر يريد أن يصيده. فهو يخاف أن يتحرك.
(9) أي على الجفاء والغلظة مما كان يصدر من بعض الجفاة. وقد ورد ان ذا
الخويصرة أتاه وهو يقسم قسما فقال يا رسول الله إعدل. فقال: ويحك، ومن يعدل
إن لم أعدل. لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل.
(10) أي يتمنون ان يجيء الغرباء إلى مجلسه صلى الله عليه وسلم ليستفيدوا
بسبب أسئلتهم ما لا يستفيدون في غيبتهم لأنهم كانوا يتهيبون أن يسألوه.
(11) أي أعينوه على طلبته.
(1/199)
مكافىء «1» ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى
يجوز «2» فيقطعه بنهي أو قيام» «3» .
335- حدثنا محمد بن بشّار. حدثنا عبد الرحمن بن مهدي. حدثنا سفيان عن محمد
بن المنكدر قال:
«سمعت جابر بن عبد الله يقول ما سئل «4» رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا
قطّ فقال لا» «5» .
336- حدثنا عبد الله بن عمران «6» / أبو القاسم/ القرشيّ المكّي. حدثنا
ابراهيم بن سعد «7» عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عبّاس رضي الله عنهما
قال:
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالى عليه وسلم أجود الناس بالخير،
وكان أجود ما يكون في شهر رمضان «8» حتى ينسلخ فيأتيه جبريل فيعرض عليه
القرآن «9» فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير
من الرّيح المرسلة» «10» .
337- حدثنا قتيبة بن سعيد. أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس بن مالك
رضي الله تعالى عنه قال:
__________
(1) أي مقتصد في المدح غير متجاوز اللائق به.
(2) يجاوز الحق ويتعداه.
(3) أي يترك ذلك المجلس.
(4) أي ما سأله أحد شيئا من أمور الدنيا من الخير فقال: لا أعطيك قط، بل
إما أن يعطيه إن كان ميسورا أو أن يقول له ميسورا من القول بأن يعده أو
يدعو له.
(5) وأخرجه البخاري في الادب ومسلم في الفضائل.
(6) عبد الله بن عمران: عابد زاهد، صدوق معمر: توفي سنة 245 هـ.
(7) إبراهيم بن سعد: الزهري أبو إسحاق. توفي سنة 183 هـ.
(8) لأنه شهر يتفضل الله تعالى فيه على عباده ما لا يتفضل عليهم في غيره من
الأوقات، ولأن شهر رمضان موسم الخيرات.
(9) وقد ورد أن قراءة زيد بن ثابت هي القراءة التي قرأها رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه.
(10) أخرجه البخاري في بدء الوحي وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي
فضائل القرآن وبدء الخلق. وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم.
(1/200)
«كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يدّخر
شيئا لغد» «1» .
338- حدثنا هارون بن موسى بن أبي علقمة المديني «2» . حدثني أبي عن هشام بن
سعد «3» عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
«أن رجلا جاء إلى النّبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه فقال النّبيّ
صلى الله عليه وسلم ما عندي شيء ولكن ابتع عليّ فإذا جاءني شيء قضيته، فقال
عمر: يا رسول الله قد أعطيته «4» فما كلّفك الله مالا تقدر عليه، فكره صلى
الله عليه وسلم قول عمر فقال رجل من الأنصار يا رسول الله «أنفق ولا تخف من
ذي العرش إقلالا» فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف في وجهه البشر
لقول الأنصاريّ ثم قال بهذا أمرت» .
339- حدثنا عليّ بن حجر. أخبرنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن
الرّبيّع بنت معوّذ بن عفراء قالت:
«أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم بقناع «5» من رطب وأجر زغب «6» فأعطاني
ملء كفّه حليا وذهبا» «7» .
__________
(1) أخرجه الترمذي في سننه في الزهد برقم 2363. وهذا منه صلى الله عليه
وسلم لكمال توكله على ربه، وقد يدخر لعياله قوت سنتهم لضعف توكلهم بالنسبة
إليه صلى الله عليه وسلم، وليكون سنة للمعيلين من أمته. وفي الصحيحين «أنه
صلى الله عليه وسلم كان يدخر لأهله قوت سنتهم» .
(2) هارون بن موسى: الفروي نسبة لجده فروة، قال الذهبي: صدوق مات سنة 252
هـ. خرج له النسائي.
(3) هشام بن سعد: المديني، قال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال أحمد: لم يكن من
الحفاظ. توفي سنة 206 هـ خرج له الجماعة.
(4) يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان قد أعطاه في مرة سابقة، ويحتمل أن
يكون المعنى أنك قد أعطيته الميسور من القول وهو قولك ما عندي شيء، فلا
حاجة أن تلزم له شيئا في ذمتك.
(5) أي طبق.
(6) أجر: بفتح الهمزة وسكون الجيم أي قثاء صغار، والزغب جمع أزغب وهو صغار
الريش أول طلع عليه شبه به ما على القثاء من الزغب.
(7) سبق هذا الحديث في باب الفاكهة حديث رقم 203 و 204 وسبق ترجمة للربيع.
(1/201)
340- حدثنا عليّ بن خشرم وغير واحد قالوا
حدثنا عيسى بن يونس عن هشام عن عروة بن أبيه عن عائشة رضي الله عنها.
«أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها» «1» .
__________
(1) أخرجه الترمذي في البر وأحمد والبخاري وأبو داود في البيوع برقم 3536.
(1/202)
48- باب ما جاء في
حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم
341- حدثنا محمود بن غيلان. حدثنا أبو داود. حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت
عبد الله بن أبي عتبة «1» يحدّث عن أبي سعيد الخدري قال:
«كان صلى الله عليه وسلم أشدّ حياء من العذراء في خدرها «2» . وكان إذا كره
شيئا عرفناه «3» في وجهه» «4» .
342- حدثنا محمود بن غيلان. حدثنا وكيع. حدثنا سفيان عن منصور عن موسى بن
عبد الله بن يزيد الخطمي «5» . عن مولى لعائشة قال:
«قالت عائشة: ما نظرت إلى فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قالت: ما
رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قطّ» «6» .
__________
(1) عبد الله بن أبي عتبة: الفقيه الأعمى، معلم عمر بن عبد العزيز، كان
بحرا في العلم توفي سنة 98 هـ خرج له الجماعة.
(2) العذراء: البنت البكر، والخدر: الستر.
(3) عرف في وجهه أي يتغير وجهه فيفهم كراهته لهذا الشيء.
(4) البخاري في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الادب ومسلم في فضائل
النبي صلى الله عليه وسلم وابن ماجه في الزهد. برقم 4180.
(5) موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي: نسبة لخطم قبيلة. قال الذهبي وغيره:
ثقة.
(6) أخرجه ابن ماجه في الطهارة برقم 6662.
(1/203)
49- باب ما جاء في
حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم «1»
343- حدثنا عليّ بن حجر. حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد قال: سئل أنس بن
مالك عن كسب الحجّام فقال:
«احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حجمه (أبو طيبة) «2» فأمر له بصاعين
«3» من طعام وكلم أهله فوضعوا عنه من خراجه «4» وقال: إن أفضل ما تداويتم
به الحجامة «5» أو إنّ من أمثل ما تداويتم به الحجامة» «6» .
344- حدثنا عمرو بن علي. حدثنا أبو داود. حدثنا ورقاء بن عمر «7» عن عبد
الأعلى عن أبي جميلة «8» عن علي:
__________
(1) الحجامة: بكسر الحاء: وهي شرط الجلد وإخراج الدم بالمحجمة، وهي ما يحجم
به وفي احتجامه صلى الله عليه وسلم اشارة إلى أن تدبير البدن مشروع غير
مناف للتوكل.
(2) اسمه نافع وكان عبدا لبني حارثة أو لأبي مسعود الانصاري.
(3) الصاع مكيال يسع أربعة أمداد.
(4) كلم النبي صلى الله عليه وسلم سيده في التخفيف عنه فوضعوا عنه خراجه
وكان خراجه ثلاثة آصع من تمر فوضعوا عنه صاعا ويؤخذ من هذا الحديث حل
التداوي وأخذ الأجرة للطبيب والشفاعة عند رب الدين.
(5) الخطاب لأهل الحجاز ومن في حكمهم من البلاد الحارة وأمر الحجامة يختلف
باختلاف الزمان والمكان والمزاج.
(6) أخرجه الترمذي في البيوع برقم 1278 والبخاري في الطب برقم 1065 ومسلم
في المساقاة برقم 62 وأبو داود برقم 3224.
(7) ورقاء بن عمر: أبو بشر الكوفي، نزيل المدائن، قال الذهبي: صدوق صالح
وقال فيه لين، من الطبقة السابعة. خرج له الجماعة.
(8) أبو جميلة: ميسرة بن يعقوب الطهوي، تابعي من الطبقة الثانية خرج له أبو
داود والنسائي.
(1/204)
«أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم احتجم
وأمرني فأعطيت الحجّام أجره» «1» .
345- حدثنا هارون بن إسحاق الهمذاني. حدثنا عبدة عن سفيان الثوري عن جابر
عن الشّعبي عن ابن عبّاس أظنه قال:
«إن النّبيّ صلى الله عليه وسلم احتجم على الأخدعين «2» وبين الكتفين وأعطى
الحجّام أجره ولو كان حراما لم يعطه» «3» .
346- حدثنا هارون بن إسحاق. حدثنا عبدة عن ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن
عمر:
«أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعا حجاما فحجمه، وسأله كم خراجك؟ فقال:
ثلاثة آصع. فوضع عنه صاعا وأعطاه أجره.» .
347- حدثنا عبد القدوس بن محمد العطار البصري «4» . حدثنا عمرو بن عاصم.
حدثنا همّام وجرير بن حازم قالا: حدثنا قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال:
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل «5» وكان
يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة «6» وإحدى وعشرين» «7» .
348- حدثنا إسحاق بن منصور. أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس بن
مالك:
__________
(1) ابن ماجه في التجارات برقم 2163.
(2) الأخدعان: عرقان في جانبي العنق.
(3) أخرجه أبو داود في البيوع برقم 3423 والبخاري ومسلم بلفظ «حجم النبي
عبد لبني بياضه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أجره وكلم سيده فخفف عنه
من ضريبته ولو كان سحتا لم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم.
(4) عبد القدوس بن محمد العطار البصري من الطبقة الحادية عشرة خرج له
النسائي.
(5) الكاهل: هو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق.
(6) أي يحتجم لسبع عشرة ليلة خلت من الشهر وهكذا.
(7) أخرجه الترمذي في الطب برقم 2055 وابن ماجه في الطب برقم 3486 بنحوه.
(1/205)
«أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم
وهو محرم «1» بملل «2» على ظهر القدم» «3» .
__________
(1) وهو محرم فيدل على جواز ذلك للمحرم.
(2) وهو محل بين مكة والمدينة على سبعة عشر ميلا من المدينة.
(3) أي على ظهر قدم رجله فالحجامة إنما شرعت لدفع الضرر فتختلف مواضعها من
البدن.
(1/206)
50- باب ما جاء في
عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم
349- حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا حمّاد بن زيد «1» عن أيوب «2» عن محمد ابن
سيرين «3» قال:
«كنّا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشّقان «4» من كتّان، فتمخّط في أحدهما
فقال: بخ بخ «5» ، يتمخّط أبو هريرة في الكتّان. لقد رأيتني وإني لأخرّ
فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة رضي الله عنها
مغشيا عليّ «6» ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي، يرى أن بي جنونا، وما
بي جنون وما هو إلّا الجوع» «7» .
__________
(1) حماد بن زيد: أبو إسماعيل البصري الأزرق، عالم أهل البصرة. توفي سنة
199 هـ.
(2) أيوب: بن كيسان، أحد المشاهير الكبار. ثقة ثبت حجة. توفي سنة 131 هـ
خرج له الجماعة.
(3) محمد بن سيرين: البصري مولى أنس بن مالك كان ثقة مأمونا فقيها إماما
ورعا أدرك ثلاثين صحابيا توفي سنة 110 هـ.
(4) أي مصبوغان بالمشق وهو الطين الاحمر وقيل المغرة.
(5) (بخ بخ) بسكون الخاء فيهما، وبكسرها أيضا كلمة تقال عند الرضا والإعجاب
بالشيء. ونقول بخ بخ، وبخ بخ، وقد تستعمل للانكار كما هنا.
(6) كان أبو هريرة عريف أهل الصفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
الفقراء، ويحمل وضع أبي هريرة من الجوع على الفترة التي لم يكن لدى النبي
صلى الله عليه وسلم فيها طعام يواسيهم. وإنما ذكر الترمذي هذا الحديث هنا
ليدل على ضيق عيشه صلى الله عليه وسلم لأنه لو كان لديه ما ترك أصحابه
هكذا. / والله أعلم/.
(7) وأخرجه البخاري والترمذي في كتاب الزهد حديث رقم 2368.
(1/207)
350- حدثنا قتيبة. حدثنا جعفر بن سليمان
الضّبعيّ «1» عن مالك بن دينار «2» قال:
«ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز قطّ ولا لحم إلّا على ضفف»
«3» .
قال مالك سألت رجلا من أهل البادية ما الضفف؟ قال: أن يتناول مع الناس «4»
.
351- حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب قال: سمعت
النعمان بن بشير يقول:
«ألستم في طعام وشراب ما شئتم. لقد رأيتم نبيّكم (صلى الله عليه وسلم) وما
يجد من الدّقل «5» ما يملأ بطنه» «6» .
352- حدثنا هارون بن إسحاق. حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
قالت:
«إن كنّا آل محمد نمكث شهرا ما نستوقد بنار إن هو إلّا التمر والماء» «7» .
__________
(1) جعفر بن سليمان الضبعي: كان من العلماء الزهاد على تشيعه بل رفضه وثقه
ابن معين وضعفه ابن القطان وقال أحمد: لا بأس به.
(2) مالك بن دينار: الشامي، وثقه النسائي وابن حبان، روى عن أنس توفي سنة
130 هـ خرج له الأربعة والبخاري في التاريخ.
(3) الضفف بفتح الضاد والفاء أي ما شبع في زمن من الازمان الا اذا نزل به
الضيوف فيشبع حينئذ لضرورة الايناس والمجابرة.
(4) أي مع الناس الذين ينزلون به من الضيفان.
(5) الدقل: بفتح القاف: ردىء التمر وفي رواية مسلم برقم 2978 «يظل اليوم
يلتوي وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه» .
(6) أخرجه مسلم في الزهد برقم 1977 والترمذي في الزهد برقم 2373.
(7) أخرجه مسلم في الزهد برقم 2972 وزاد «إلا أنه كان لرسول الله جيران من
الانصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
من البانها فيسقيناه» . والمنائح تطلق على الشاة الحلوب يعطيها صاحبها رجلا
يشرب لبنها ثم يردها إلى صاحبها.
(1/208)
353- حدثنا عبد الله بن أبي زياد «1» .
حدثنا سيار «2» . حدثنا سهل بن أسلم «3» عن يزيد «4» بن أبي منصور عن أنس
عن أبي طلحة قال:
«شكونا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر
حجر «5» فرفع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن بطنه عن حجرين» «6» .
قال أبو عيسى هذا حديث غريب من حديث أبي طلحة لا نعرفه إلّا من هذا الوجه،
ومعنى قوله ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، قال كان أحدهم يشد في بطنه الحجر
من الجهد والضعف الذي به من الجوع.
354- حدثنا محمد بن إسماعيل «7» . حدثنا آدم بن أبي سلمة بن أبي إياس «8» .
حدثنا شيبان (أبو معاوية) . حدثنا عبد الملك بن عمير عن ابن عبد الرحمن عن
أبي هريرة قال:
«خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها
أحد «9» ، فأتاه أبو بكر فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟ قال: خرجت ألقى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأنظر في وجهه، والتسليم عليه، فلم يلبث أن جاء
عمر، فقال ما جاء بك يا عمر؟
قال الجوع يا رسول لله. قال صلى الله عليه وسلم وأنا قد وجدت بعض ذلك.
فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيّهان «10» الأنصاريّ «وكان رجلا كثير
النخيل والشاء ولم
__________
(1) عبد الله بن أبي زياد: صدوق من الطبقة العاشرة.
(2) سيار: بن نصر أبو المنهال، ثقة من الطبقة الرابعة خرج له الجماعة.
(3) سهل بن أسلم: أبو سعيد البصري صدوق من الطبقة الثامنة.
(4) يزيد بن أبي منصور: البصري، لا بأس به خرج له مسلم.
(5) شكوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الجوع وكشفوا ثيابهم عن بطونهم
عن حجر حجر يعني لكل واحد منا حجر واحد رفع عنه وشد الحجر لاقامة الصلب
ودفع النفخ.
(6) أخرجه الترمذي في الزهد برقم 2372.
(7) محمد بن اسماعيل هو الامام البخاري صاحب صحيح البخاري.
(8) آدم بن أبي إياس خرساني الأصل نشأ ببغداد عابد من الطبقة التاسعة.
(9) لعل هذا الوقت هو وقت الظهيرة.
(10) اسمه مالك بن التيهان الانصاري.
(1/209)
يكن له خدم فلم يجدوه فقالوا لامرأته: أين
صاحبك؟ فقالت «1» : انطلق يستعذب لنا الماء فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم
بقربة يزعبها «2» فوضعها، ثم جاء يلتزم «3» النبي (صلى الله عليه وسلم)
ويفديه بأبيه وأمّه، ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطا، ثم انطلق إلى
نخلة فجاء بقنو «4» فوضعه، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) :
أفلا تنقّيت لنا من رطبه؟ فقال يا رسول الله إني أردت أن تختاروا أو تخيروا
من رطبه وبسره «5» ، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء. فقال (صلى الله عليه
وسلم) هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألونا عنه يوم القيامة! ظل
بارد، ورطب طيّب، وماء بارد. فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما فقال النبي
(صلى الله عليه وسلم) : لا تذبحنّا لنا ذات درّ، فذبح لهم عناقا أو جديا،
فأتاهم بها، فأكلوا، فقال (صلى الله عليه وسلم) :
هل لك خادم؟ قال لا. قال: فإذا أتانا سبي فأتنا؛ فأتى (صلى الله عليه وسلم)
برأسين معهما ثالث. فأتاه أبو الهيثم فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) :
اختر منهما. فقال يا رسول الله اختر لي، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) :
إن المستشار مؤتمن، خذ هذا، فإنّي رأيته يصلي، واستوص به معروفا، فانطلق
أبو الهيثم الى امرأته فأخبرها بقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالت
امرأته: ما أنت ببالغ حقّ ما قال فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) إلّا بأن
تعتقه، قال فهو عتيق، فقال (صلى الله عليه وسلم) : إن الله لم يبعث نبيا
ولا خليفة إلّا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر «6» ،
وبطانة لا تألوه خبالا «7» ، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي «8» » «9» .
__________
(1) في رواية مسلم فقالت زوجته (مرحبا وأهلا) .
(2) يزعبها: زعب القربة إذا ملأها وقيل حملها ممتلئة.
(3) أي يعانق النبي صلى الله عليه وسلم.
(4) القنو: عنقود البلح
(5) البسرة: ثمر النخل قبل أن يرطب والبسرة واحدة البسرة.
(6) البطانة: خاصة الرجل الذي يبطنون أمره، ويخصهم بمزيد التقريب، ويسمى به
الواحد والجمع.
(7) أي لا تقصر في إفساده والخبال الفساد، والألو التقصير.
(8) وقي أي حفظه.
(9) وأخرجه الترمذي في الزهد برقم 2370 وأصحاب السنن.
(1/210)
355- حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن
سعيد، حدثني أبي عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم قال:
«سمعت سعد بن أبي وقاص «1» يقول: إنّي لأول رجل اهراق «2» دما في سبيل الله
عزّ وجلّ، وإنّي لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله، لقد رأيتني أغزو في
العصابة من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام ما نأكل إلّا ورق الشجر والحبلة
«3» ، حتى تقرّحت أشداقنا، وأن أحدنا ليضع كما تضع الشاة والبعير «4» ،
وأصبحت بنو أسد يعزرونني «5» في الدين. لقد خبت وخسرت إذا وضلّ عملي» «6» .
356- حدثنا محمد بن بشّار. حدثنا صفوان بن عيسى «7» . حدثنا محمد بن عمرو
بن عيسى أبو نعامة العدوي «8» قال:
«سمعت خالد بن عمير وشويسا أبا الرّقاد قالا: بعث عمر بن الخطاب عتبة بن
غزوان، وقال انطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى بلاد
__________
(1) اسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري أحد العشرة
المبشرين بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى كان مستجاب الدعوة مات سنة 58 هـ
وكانت له مواقف مشهورة منها قيادة وقعة القادسية.
(2) أي أراق بفتح الهاء وسكونها، وكان هذا الدم من شجه لمشرك، روى ابن
اسحاق ان الصحابة كانوا في أول الاسلام يستخفون في صلاتهم فبينما سعد في
نفر يصلي في شعب إذ طلع عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فعابوا عليهم
واشتد الشقاق بينهم حتى تقاتلوا، فضرب سعد رجلا منهم بلحي بعير فشجه فكان
أول دم في الاسلام.
(3) الحبلة: بضم الحاء وسكون الباء، وبضمهما وهو ورق يشبه اللوبيا وقيل شجر
له شوك.
(4) أي البعر اليابس من قلة الطعام المألوف.
(5) يعزرونني أي يعيبون علي أني لا أحسن الصلاة من التعزير بمعنى اللوم
والتوبيخ.
(6) أخرجه الترمذي في الزهد برقم 2366 والبخاري في فضل سعد وفي الاطعمة وفي
الرقاق ومسلم في الزهد برقم 2966 وابن ماجه في المقدمة.
(7) صفوان بن عيسى: الزهري البصري، وثقه الذهبي توفي سنة 200 هـ خرج له
الجماعة.
(8) محمد بن عمرو بن عيسى: وثقة الذهبي، من الطبقة السابعة خرج له مسلم
وأبو داود.
(1/211)
العرب وأدنى بلاد العجم فأقبلوا حتى إذا
كانوا بالمربد «1» وجدوا هذا الكذّان «2» فقالوا ما هذه؟! قالوا هذه البصرة
فساروا حتى بلغوا جبال الجسر الصغير فقالوا ههنا أمرتم «3» . فنزلوا فذكروا
الحديث بطوله «4» ، قال: فقال عتبة بن غزوان: لقد رأيتني وإني لسابع سبعة
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالنا طعام إلّا ورق الشجر حتى تقرحت
أشداقنا، فالتقطت بردة قسمتها بيني وبين سعد، فما منا من أولئك السبعة أحد
إلّا وهو أمير مصر من الأمصار وستجرّبون الأمراء بعدنا» «5» .
357- حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن. حدثنا روح بن أسلم «6» أبو حاتم
البصري. حدثنا حمّاد بن سلمة. حدثنا ثابت عن أنس قال:
«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد
أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين ليلة ويوم ومالي
ولبلال، طعام يأكله ذو كبد إلّا شيء يواريه إبط بلال» «7» .
358- حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن. حدثنا عفّان بن مسلم. حدثنا أبان بن
يزيد العطار. حدثنا قتادة عن أنس بن مالك:
«أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وسلم) لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز
ولحم إلّا على ضفف» .
__________
(1) المربد موضع بالبصرة وهو في الاصل موضع يحبس فيه الإبل والغنم أو يجمع
فيه الرطب حتى يجف ثم أصبح سوقا في الاسلام.
(2) الكذان: حجارة رخوة بيض. والبصرة أيضا حجارة رخوة مائلة إلى البياض.
(3) أي أمرتم النزول والاقامة حفظا لأرض فارس من خروج الهند لقتال العرب.
(4) انظره في مسلم في كتاب الزهد حديث رقم 2967 والترمذي في الزهد وابن
ماجه في الزهد.
(5) وعتبة بن غزوان من السابقين في الاسلام هاجر الهجرتين وارسله عمر إلى
البصرة فاختطها وسكنها الناس وكان ذلك سنة 17 هـ وقد ذكر هذا الصحابي حالة
الجوع التي عاناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الأمر.
(6) روح بن أسلم: الباهلي. قال الذهبي: ضعيف. من الطبقة التاسعة.
(7) وأخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة برقم 2474. ولعل هذا كان حين
الحصار في الشعب مع بني هاشم.
(1/212)
قال عبد الله «1» قال بعضهم هو كثرة الأيدي
«2» .
359- حدثنا عبد بن حميد. حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك. حدثنا ابن أبي
ذئب عن مسلم بن جندب «3» عن نوفل بن إياس الهذلي، قال:
«كان عبد الرحمن بن عوف «4» لنا جليسا، وكان نعم الجليس وإنه انقلب «5» بنا
ذات يوم، حتى إذا دخلنا بيته دخل فاغتسل ثمّ خرج، وأتينا بصحفة «6» فيها
خبز ولحم، فلما وضعت بكى عبد الرحمن فقلت: يا أبا محمد ما يبكيك؟ فقال هلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشّعير، فلا
أرانا أخّرنا لما هو خير لنا» .
__________
(1) وهو ابن عبد الرحمن شيخ الترمذي.
(2) ومن معناه أيضا تناول الطعام مع أهل البيت، ومن معناه الضيق والشدة.
(3) مسلم بن جندب: الهذلي المدني القاضي، ثقة، توفي سنة 160 هـ خرج له
البخاري.
(4) عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين استخلف من خليفة إلا كانت له
بطين بالجنة.
(5) انقلب بنا: أي رجع معنا من السوق أو غيرهم.
(6) الصحفة وهي اناء كالقصعة.
(1/213)
|