إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع [فصل في أمارات نبوته صلّى اللَّه عليه
وسلّم التي رآها قبل البعثة]
وأما أمارات النبوة التي رآها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل
بعثته بالرسالة: قال الواقدي:
عن علي بن محمد بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب عن منصور بن
عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن برة بنت أبي بخزان أن رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم كان حين أراد اللَّه عز وجل كرامته وابتداءه بالنّبوّة
إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا، ويفضي إلى الشعاب و [بطون] الأودية،
فلا يمر بحجر ولا شجر [ة] إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه، [فكان]
يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا [ (1) ] .
__________
[ (1) ]
(سنن الدارميّ) : 1/ 12، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم: «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه
الآن» ،
قوله: «كان يسلم عليّ» ،
أي يقول:
السلام عليك يا رسول اللَّه
(تحفة الأحوذي) : 10/ 69 أبواب المناقب، حديث رقم (3867) ، «إن بمكة حجرا
كان يسلم عليّ ليالي بعثت، إني لأعرفه الآن»
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وفي (طبقات ابن سعد) : 1/ 157، وما بين
القوسين زيادات منه.
قوله: «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن» ،
فيه معجزة له صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي هذا إثبات التمييز في بعض
الجمادات، وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ
لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ
فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ
اللَّهِ [الآية: 74/ البقرة] ، (مسلم بشرح النووي) : 15/ 41، كتاب الفضائل،
باب:
فضل نسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، حديث
رقم (2277) ، (تاريخ الإسلام) :
2/ 125، باب ذكر مبعثه صلّى اللَّه عليه وسلّم، (مسند أحمد) : 6/ 92، من
حديث جابر بن سمرة، حديث رقم (20317) ، (دلائل البيهقي) : 2/ 146، باب
مبتدإ البعث والتنزيل، وما ظهر عند ذلك من تسليم الحجر والشجر وتصديق ورقة
ابن نوفل إياه.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الملك بن عبيد اللَّه بن أبي سفيان بن العلاء بن
جارية الثقفي، وكان واعية عن بعض أهل العلم: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم حين أراد اللَّه بكرامته، وابتدأه بالنّبوّة، كان إذا خرج لحاجة
أبعد حتى تحسّر عن البيوت، ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمر رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول
اللَّه، قال فيلتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حوله، وعن يمينه،
وشماله، وخلفه، فلا يرى إلا الشجر والحجارة، فمكث رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم كذلك
(2/387)
وفي رواية لغير الواقدي: فكان رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم يرد عليهم: وعليك السلام، وكان علمه جبريل التحية [
(1) ] .
وخرج أبو نعيم من حديث الحرث بن أبي أسامة، حدثنا، داود ابن [المحبر] [ (2)
] ، حدثنا حماد بن أبي عمران الجوني عن يزيد بن [ (3) ] بابنوس عن عائشة
رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نذر أن يعتكف شهرا
هو وخديجة بحراء، فوافق ذلك من شهر رمضان، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه
وسلّم فسمع: السلام عليك، فظنها فجأة الجن، فجاء مسرعا حتى دخل على خديجة
فسجته [ (4) ] ثوبا وقالت: ما شأنك يا ابن عبد اللَّه؟ فقلت: قيل: السلام
عليك فظننتها فجأة الجن، فقالت: أبشر
__________
[ () ] يرى ويسمع، ما شاء اللَّه أن يمكث، ثم جاءه جبريل عليه السلام بما
جاءه من كرامة اللَّه، وهو بحراء في شهر رمضان» (ابن هشام) : 2/ 66- 67.
وقال السهيليّ: وهذا التسليم: الأظهر فيه أن يكون حقيقة، وأن يكون اللَّه
أنطقه إنطاقا، كما خلق الحنين في الجذع، ولكن ليس من شروط الكلام الّذي هو
صوت وحرف: الحياة والعلم والإرادة، لأنه صوت كسائر الأصوات، والصوت عرض في
قول الأكثرين، ولم يخالف فيه إلا النّظام، فإنه زعم أنه جسم، وجعله
الأشعريّ اصكاكا في الجواهر بعضها لبعض، وقال أبو بكر بن الطيب: ليس الصوت
نفس الأصكاك، ولكنه معنى زائد عليه، ولو قدّرت الكلام صفة قائمة بنفس الحجر
والشجر، والصوت عبارة عنه، لم يكن بد من اشتراط الحياة والعلم مع الكلام،
واللَّه تعالى أعلم أي ذلك كان، أكان كلاما مقرونا بحياة وعلم، فيكون الحجر
به مؤمنا؟ أو كان صوتا مجردا غير مقترن بحياة؟، وفي كلا الوجهين هو علم من
أعلام النبوة. وأما حنين الجذع فقد سمّي حنينا، وحقيقة الحنين تقتضي شرط
الحياة، وقد يحتمل تسليم الحجارة أن يكون مضافا في الحقيقة إلى ملائكة
يسكنون تلك الأماكن، ويغمرونها، فيكون مجازا من قوله تعالى: وَسْئَلِ
الْقَرْيَةَ [الآية 82/ يوسف] أي أهل القرية، والأول أظهر، وإن كانت كل
صورة من هذه الصور التي ذكرناها فيها علم على نبوته صلّى اللَّه عليه
وسلّم، غير أنه لا يسمى معجزة في اصطلاح المتكلمين إلا ما تحدى به الخلق
فيعجزون عن معارضته. (الروض الأنف) : 2/ 266- 267.
[ (1) ] كل الروايات المعتمدة بدون هذه الزيادة.
[ (2) ] تصويب من (تهذيب التهذيب) : 3/ 199، ترجمة رقم 381، وقال فيه: كذبه
أحمد بن حنبل، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات، ويروي عن
المجاهيل المقلوبات.
[ (3) ] قال عنه البخاري: كان ممن قاتل عليا كرم اللَّه وجهه، وقال ابن
عديّ: أحاديثه مشاهير، وقال الدارقطنيّ: لا بأس به، وذكره ابن حبان في
(الثقات) ، قال الحافظ ابن حجر: وقال أبو حاتم مجهول، وقال أبو داود: كان
شيعيا. (المرجع السابق) 11/ 2316، ترجمة رقم 607.
[ (4) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل أبي نعيم) : 1/ 215، 216، «فظننتها» ،
«فجئت» ، «فسجتني» ، حديث رقم (163) .
(2/388)
يا ابن عبد اللَّه فالسلام خير،
وذكر الحديث.
وخرج من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي
ميسرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا برز سمع من ينادي: يا
محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هاربا فأتى خديجة رضي اللَّه عنها فذكر ذلك لها
فقال: يا خديجة، قد خشيت أن يكون خالط عقلي شيء! إني إذا برزت أسمع شيئا
يناديني فلا أرى شيئا فأنطلق هاربا، فقالت: ما كان اللَّه ليفعل ذلك بك،
إنك ما علمت تصدق الحديث وتؤدي الأمانة وتصل الرحم، وما كان اللَّه ليفعل
ذلك بك، فأسرّت ذلك إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه وكان صديقا له في الجاهلية،
فأخذ أبو بكر بيده فقال: انطلق بنا إلى ورقة، فقال له ورقة: ترى شيئا؟ قال:
لا، ولكني إذا برزت سمعت النداء ولا أرى شيئا! فأنطلق هاربا فإذا هو عندي
يناديني، قال: فلا تفعل ذلك، إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك،
فلما برز سمع: يا محمد، قال:
لبيك، قال: قل: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، ثم
قال: قل: الحمد للَّه رب العالمين من فاتحة الكتاب- ثم أتى ورقة فذكر ذلك
له فقال له: أبشر ثم أبشر ثم أبشر، أشهد أنك الرسول الّذي بشّر به عيسى [إذ
قال: وَمُبَشِّراً] [ (1) ] بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَدُ، فأنا أشهد أنك أحمد، وأنا أشهد أنك محمد، وأنا أشهد أنك رسول
اللَّه [وأنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك،
فلما توفى ورقة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد رأيت القس في
الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدّقني] [ (2) ] .
قال أبو نعيم [ (3) ] : ورواه شريك عن إسحاق عن عمرو بن شرحبيل.
وروى الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصن عن عكرمة عن ابن عباس رضي
اللَّه عنه قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأجياد إذ رأى
ملكا واضع إحدى رجليه على الأخرى في أفق السماء يصيح: يا محمد، أنا جبريل،
فذعر ورجع
__________
[ (1) ] زيادة يقتضيها السياق.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين غير واضع في (خ) ، وأثبتناه من (الروض الأنف) :
1/ 274- 275.
[ (3) ] هذا لفظ البيهقي وهو مرسل، وفيه غرابة، وهي كون الفاتحة أول ما
نزل.
(2/389)
سريعا إلى خديجة رضي اللَّه عنها فقال: إني
لأخشى أن أكون كاهنا! قالت: كلا يا ابن العم، لا تقل ذلك، إنك لتصل الرحم
وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وإن خلقك لكريم [ (1) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث حماد قال [ (2) ] : حدثنا عمار بن أبي عمار عن
ابن عباس قال: أقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة خمسة عشر سنة، سبعا
يرى الضوء [والنور] [ (3) ] ويسمع الصوت، وثماني سنين يوحى إليه.
وخرج مسلم من حديث إبراهيم بن طهمان قال: حدثني سماك بن حرب عن جابر بن
سمرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأعرف حجرا بمكة
كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن [ (4) ] .
ورواه سليمان بن معاذ عن سماك عن جابر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم قال: إن بمكة لحجرا كان يسلم عليّ ليالي بعثت، إني لأعرفه إذا مررت
عليه.
وخرج البيهقي من حديث السّدي عن عبّاد بن عبد اللَّه عن علي رضي اللَّه عنه
قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة، فخرج في بعض
نواحيها، فما استقبله شجر ولا حجر ولا جبل إلا قال له: السلام عليك يا رسول
اللَّه [ (5) ] .
وفي رواية: لقد رأيتني أدخل معه بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الوادي،
فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه وأنا أسمعه. [[
(6) ]] .
__________
[ (1) ] لم أجده بهذه السياقة، وفي الباب من الأحاديث نحوا منه، وفيه:
«فإذا الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسيّ بين السماء والأرض» ،
وفيه حديث آخر: «فرفعت رأسي إلى السماء انظر إلى السماء، فإذا جبريل عليه
السلام في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء» ، (دلائل أبي نعيم) :
1/ 215، [فصل في ذكر بدء الوحي وكيفية ترائي الملك وإلقائه الوحي إليه
وتقريره عنده أنه يأتيه من عند اللَّه، وما كان من شق صدره صلّى اللَّه
عليه وسلّم] ، (دلائل البيهقي) : 2/ 148 (على الترتيب) .
وانظر أيضا الحديث رقم (4) من باب (3) ، كتاب بدء الوحي، (صحيح البخاري) .
[ (2) ] (مسند أحمد) : 1/ 460، حديث رقم (2519) ، وفيه: «سبع سنين» وقال في
آخره: «وأقام بالمدينة عشر سنين» .
[ (3) ] ما بين الحاصرتين ليس في المسند
[ (4) ] سبق شرحه وتخريجه.
[ (5) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 153، 154.
[ (6) ] ما بين الحاصرتين في (خ) كلمة «لطيفة» ولا فائدة من إثباتها.
(2/390)
|