تاريخ
الخميس في أحوال أنفس النفيس (ذكر عثمان بن عفان)
* ابن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يلتقى هو ورسول الله صلى
الله عليه وسلم عند عبد مناف فبين عثمان وعبد مناف أربعة آباء وبين النبىّ
صلى الله عليه وسلم وعبد مناف ثلاثة وهو أقرب الصحابة الى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعد علىّ ويقال له ذو النورين لانّ النبىّ صلى الله عليه
وسلم زوّجه ابنته رقية فلما ماتت زوّجه أمّ كلثوم بنتا أخرى له فلما ماتت
قال لو كان عندى ثالثة لزوّجتكها وفى الاستيعاب زوّجه رسول الله صلى الله
عليه وسلم رقية ثم أمّ كلثوم واحدة بعد واحدة وقال لو كان عندى غيرهما
لزوّجتكها* وفى أسد الغابة لو كان لنا ثالثة لزوّجناك وفى أسد الغابة أيضا
عن أبى محبوب عقبة بن علقمة قال سمعت على بن أبى طالب يقول سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لو أنّ لى أربعين بنتا لزوّجت عثمان واحدة بعد
واحدة حتى لا تبقى منهنّ واحدة وقد مرّ فى الباب الثالث من الركن الاوّل فى
تزويج بناته انّ تزويجهما عثمان كان بوحى من الله* وفى الاستيعاب قيل
للمهلب ابن أبى صفرة لم قيل لعثمان ذو النورين قال لانه لم نعلم أحدا أرسل
سترا على ابنتى نبى غيره وأمّه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس
بن عبد مناف أسلمت وأمّها البيضاء أمّ حكيم بنت عبد المطلب شقيقة أبى طالب*
ولد عثمان بالطائف فى السنة السادسة من عام الفيل وكان يكنى أبا عبد الله
وأبا عمرو كنيتان مشهورتان له وأبو عمر وأشهرهما قيل انه ولدت له رقية ابنا
فسماه عبد الله واكتنى به ومات ثم ولد له عمر وفاكتنى به الى ان مات أسلم
قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم وهو ابن تسع
وثلاثين سنة وقيل ثلاث وثلاثين سنة* وفى أسد الغابة كان عثمان بن عفان رابع
أربعة فى الاسلام انتهى وعاش فى الاسلام ستا وأربعين سنة وقيل سبعا وأربعين
وهاجر الى الحبشة هجرتين ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر
خلفه على ابنته رقية يمرّضها هكذا ذكر ابن اسحاق* وقال غيره بل كان مريضا
به الجدرى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع وضرب له بسهمه واجره
ولذا يعدّ من أهل بدر وكان كمن شهدها وبايع عنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم بيده فى بيعة الرضوان ودعا له بالخصوصية غير مرّة فأثرى وكثر ماله
وجهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرا بأحلاسها وأقتابها وأتم الالف
بخمسين فرسا* وقال قتادة حمل عثمان على ألف بعير وسبعين فرسا* وقال الزهرى
حمل على تسعمائة وأربعين بعيرا وستين فرسا كذا فى حياة الحيوان*
صفته
* فى الاستيعاب كان عثمان رجلا ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير حسن الوجه
رقيق البشرة كث اللحية عظيمها أسمر اللون كثير الشعر ضخم الكراديس بعيد ما
بين المنكبين كان يصفر لحيته ويشدّ أسنانه بالذهب* وعن الحسن قال نظرت الى
عثمان فاذا رجل حسن الوجه فاذ ابو جنتيه نكتات جدرى واذا شعره قد كسا
ذراعيه* وقال البغوى مشرف الانف من أجمل الناس* وفى الرياض النضرة عظيم
اللحية طويلها أسمر اللون كثير الشعر له جمة أسفل من أذنيه ولكثرة شعره
ولحيته كان أعداؤه يسمونه نعثلا والنعثل اسم رجل طويل اللحية كان اذا نيل
من عثمان سمى بذلك والنعثل أيضا اسم الذكر من الضباع*
(ذكر خلافته)
* فى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى انّ عمر حين استشعر
موته قال ما أحد أحق بهذا الامر من الذين توفى عنهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو عنهم راض فسمى عثمان وعليا والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف
وسعد بن أبى وقاص وجعل الامر شورى بينهم فاجتمعوا بعد دفن عمر* وفى حياة
الحيوان بثلاثة أيام وفوّض الامر خمستهم الى عبد الرحمن
(2/254)
ابن عوف ورضوا بحكمه فاختار عثمان وبايعه
بمحضر من الصحابة فبايعوه بالخلافة وانقادوا له انتهى وكذا فى سائر الكتب
الكلامية* وفى المختصر ولما كان فى اليوم الثالث من وفاة عمر خرج عبد
الرحمن بن عوف وعليه عمامته التى عممه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
متقلدا سيفه وصعد المنبر ثم قال أيها الناس انى سألتكم سرّا وجهرا عن
امامكم فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين امّا على وامّا عثمان وقال قم
يا على فقام على فوقف تحت المنبر وأخذ عبد الرحمن بيده وقال هل أنت مبايعى
على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبى بكر وعمر فقال اللهم لا ولكن على جهدى من
ذلك وطاقتى رسل يده ثم نادى قم يا عثمان فقام فأخذ بيده وقال أبايعك فهل
أنت مبايعى على كتاب الله وسنة رسوله وفعل أبى بكر وعمر فقال اللهم نعم
فرفع رأسه الى سقف المسجد وقال اللهم اسمع قد خلعت ما فى رقبتى من ذلك
وجعلته فى رقبة عثمان فازدحم الناس يبايعون عثمان فقعد عبد الرحمن مقعد
النبىّ صلى الله عليه وسلم من المنبر وقعد عثمان فى الدرجة الثانية تحته
فجعل الناس يبايعونه* وكانت المبايعة يوم الاثنين لليلة بقيت من ذى الحجة
سنة ثلاث وعشرين واستقبل عثمان بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين* وفى
الاستيعاب بويع لعثمان بالخلافة يوم السبت غرّة المحرم سنة أربع وعشرين بعد
دفن عمر بن الخطاب بثلاثة أيام باجماع الناس* وفى سيرة مغلطاى بويع يوم
الجمعة غرّة المحرّم وسحىء مدّة الخلافة ان شاء الله تعالى* وفى البحر
العميق فلما بويع عثمان رضى الله عنه أمر عبد الرحمن بن عوف على الحج سنة
أربع وعشرين وحج عثمان بالناس سنة خمس وعشرين فلم يزل يحج الى سنة أربع
وثلاثين ثم حصر فى داره وحج عبد الله بن عباس بالناس سنة خمس وثلاثين* وقال
ابن سيرين كان عثمان بن عفان أعلمهم بالمناسك وبعده عبد الله بن عمر*
(ذكر كاتبه وقاضيه وأميره وحاجبه وصاحب شرطته
وخاتمه)
أمّا كاتبه فمروان بن الحكم وقاضيه كعب بن سور وعثمان بن قيس بن أبى العاص
وأميره بمصر أخوه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبى سرح وحاجبه حمران
مولاه وصاحب شرطته عبيد الله بن معبد التيمى ونقش خاتمه آمنت بالله مخلصا
وقيل أمنت بالذى خلق فسوّى وكان فى يده خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم
يطبع به الى ان وقع فى بئر أريس وقد تقدّم ذكره فى خلافة أبى بكر رضى الله
عنه* وفى الرياض النضرة قال ابن قتيبة وافتتح فى أيام خلافته الاسكندرية ثم
سابور ثم افريقية ثم قبرس ثم سواحل الروم واصطخر الاخرة وفارس الاولى ثم
خور وفارس الاخرة ثم طبرستان ودارابجرد وكرمان وسجستان ثم الاساورة فى
البحر ثم حصون قبرس ثم ساحل الاردن ثم مرو ثم حصر عثمان فى ذى الحجة سنة
خمس وثلاثين وفى غيره جاء بترتيب آخر فقال وفى أيامه فتحت افريقية وكرمان
وسجستان ونيسابور وفارس وطبرستان وقبرس وهراة وأعمال خراسان وفى ايامه قتل
يزدجرد ملك فارس بمرو وغزا معاوية القسطنطينية وفى أيامه فتحت أرمينية
وسيجىء تفصيلها* وفى دول الاسلام سار عثمان بسيرة عمر ستة أعوام وفى دولته
نقض أهل الرى الصلح فغزاهم أبو موسى الاشعرى وفى ثانى سنة من خلافته عزل عن
نيابة العراق سعد بن أبى وقاص وولى الوليد بن عقبة الاموى وهو أخو عثمان
لامّه وممن أسلم يوم الفتح وكان الوليد يشرب الخمر فتكلموا فى عثمان
لتوليته وبعث الوليد جيشا أميرهم سلمان بن ربيعة وهم اثنا عشر ألفا ففتحوا
برذعة من أرض اذربيجان وفيها انتقض أهل الاسكندرية فغزاهم عمرو بن العاص
فقتل وسبى ثم بعد سنة عزل عثمان نائب مصر عمرو بن العاص واستعمل عليها عبد
الله بن أبى سرح وسار المسلمون وأميرهم عثمان بن أبى العاص فافتتحوا مدينة
سابور من اقليم فارس صالحا فصالحهم فى السنة على ثلاثة آلاف ألف وثلثمائة
ألف وركب معاوية نائب الشأم البحر بالجيوش فافتتح قبرس* قال داود بن أبى
هند صالح عثمان بن أبى العاص وأبو موسى
(2/255)
أهل أرّجان على ألفى ألف ومائتى ألف وصالح
أهل دارابجرد على ألف ألف درهم وسائر نائب مصر عبد الله بن أبى سرح بالجيوش
الى المغرب فالتقى هو والكفار وهم نحو مائتى ألف وملكهم جرجير وكانت المصاف
بسبيطلة بقرب مدينة القيروان فقتل جرجير ونزل النصر وكانت وقعة هائلة عظيمة
بحيث طلع سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار من الغنيمة وقد مرّ فى مولد ابن
الزبير فى الموطن الثانى* وفى سنة تسع وعشرين افتتح المسلمون ومقدمهم عبد
الله بن عامر بن كريز مدينة اصطخر بالسيف بعد قتال عظيم وقتل عبيد الله بن
معمر التيمى من صغار الصحابة فحلف بن كريز لئن ظفر بها ليقتلنّ بها حتى
يسيل الدم من باب المدينة فلما فتحها أسرف فى قتلهم وجعل الدم لا يجرى فقيل
له أفنيتهم فأمر بالماء فصب على الدم حتى جرى وعزل عثمان أبا موسى الاشعرى
عن نيابة البصرة وابن أبى العاص عن بلاد فارس وجعل الولايتين لابن أبى كريز
وفى هذا الوقت افتتح المسلمون أصبهان* وفى سنة ثلاثين من الهجرة كانت غزوة
طبرستان وأمير الناس سعيد بن العاص فحاصرهم وأخذها وافتتح ابن كريز من أرض
فارس مدينة جور وغيرها* قال ابن أبى هند لما افتتح ابن كريز مملكة فارس هرب
يزدجرد بن كسرى الذى كان صاحب العراقين فتبعه المسلمون وافتتح عسكر ابن
كريز من بلاد سجستان زالق وشاش وصالحوا أهل مدينة زرنج على اعطاء ألف وصيف
مع كل وصيف جام من ذهب وسار ابن كريز بالجيوش ففتح اقليم خراسان فالتقاه
أهل هراة فانكسروا ثم سار فافتتح نيسابور صالحا ويقال بالسيف وبعث فرقة
افتتحوا طوس ونواحيها صالحا وصالح أهل سرخس وبعث اليه أهل مرو يطلبون الصلح
فصالحهم ابن كريز على ألفى ألف ومائتى ألف فى السنة* وجهز الاحنف بن قيس فى
أربعة آلاف فارس فاجتمع لحربه أهل طخارستان وأهل الجوزجان والفيرياب وتلك
النواحى ومقدمهم كلهم طوغان شاه فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انكسر المشركون
ونزل الاحنف بن قيس على بلخ فصالحوه على أربعمائة ألف ثم أتى خوارزم فلم
يطقها فرجع وافتتح المسلمون فى أشهر معدودة نحوا من عشرين مدينة ثم خرج ابن
كريز وهو ابن خمس وعشرين سنة من نيسابور محرما بالحج من بقعته شكر الله
تعالى لما فتح الله عليه من هذه المدائن الكبار واستناب على خراسان الاحنف
وسار حتى أتى مكة وطاف وسعى وحل ثم أتى وافدا على أمير المؤمنين عثمان
بالمدينة ثم تجمع أهل خراسان على مرو فالتقاهم الاحنف بن قيس فهزمهم* وقدم
ابن كريز البصرة فاستقر بها ونوّابه على خراسان وسجستان والجبال وكثر
الخراج على عثمان وأتاه المال من النواحى واتخذ الخزائن العظيمة بالمدينة
وكان يقسم بين الناس فيأمر للرجل بمائة ألف درهم ويقال أخذ المسلمون من
خزائن كسرى مائة ألف بدرة من الذهب وزن كل بدرة أربعة آلاف* وقتل بخراسان
يزدجرد آخر ملوك الاكاسرة وكان فى سنة اثنتين وثلاثين وقعة المضيق بقرب
مدينة قسطنطينية وعلى جيش الاسلام نائب الشام معاوية وغزا المسلمون قبرس
ثانى مرّة وجمع قارن المجوسى جمعا عظيما بأرض هراة وأقبل فى أربعين ألفا
وقام بأمر المسلمين عبد الله بن حازم السلمى وسار فى أربعة آلاف فالتقوا
فقتل قارن وتمزق جمعه وغنم المسلمون سبيا عظيما وأموالا وتقرّر ابن حازم
على نيابة خراسان وغزا نائب مصر الحبشة فأخذ بعضها وغزا غزوة الصوارى فى
البحر وتوفى فى دولة عثمان ابن عمه أبو سفيان بن حرب بن أمية الاموى أحد
الاشراف وحمو رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المختصر الجامع ذكر ابن
قتيبة انّ أبا سفيان ذهبت احدى عينيه يوم الطائف وذهبت الآخرى يوم اليرموك
ومات فى خلافة عثمان أعمى وكان له ثلاثة أولاد نبلاء أمّ المؤمنين حبيبة
زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم ويزيد بن أبى سفيان الذى جهزه أبو بكر
الصدّيق رضى الله عنه لغزو الشأم ومشى أبو بكر فى ركابه وكان من خيار
الامراء وثالثهم
(2/256)
معاوية بن أبى سفيان نائب الشأم وغيره لعمر
وعثمان ثم صار بعد علىّ خليفة كذا فى دول الاسلام وفى موضع آخر منه عدّ من
أولاده عتبة وقال حج بالناس أخو معاوية عتبة بن أبى سفيان فى سنة احدى
وأربعين* وفى سيرة ابن هشام عدّ من أولاده عمرو بن أبى سفيان أسر يوم بدر
فقدم مكة من المدينة سعد بن النعمان الانصارى معتمرا فحبسه أبو سفيان حتى
خلص ابنه عمرا به ومن أولاده حنظلة وبه كان يكنى أبو سفيان بأبى حنظلة وقتل
يوم بدر ومن أولاده الفارعة بنت أبى سفيان بن حرب أخت أم حبيبة فتزوّجها
أبو أحمد بن جحش وكان أبو أحمد سلفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن
أولاده عزة بنت أبى سفيان وهى التى عرضتها أختها أمّ حبيبة على النبىّ صلى
الله عليه وسلم فقال لا تحل لى لمكان أختها أمّ حبيبة* وفى ذخائر العقبى
عدّ من أولاده هند بنت أبى سفيان بن حرب وهى التى تزوّجها نوفل بن الحارث
بن عبد المطلب فولدت له الحارث الذى يقال له ببه فيكون جملة أولاد أبى
سفيان ثمانية خمسة ذكور وثلاث بنات* وتوفى حكيم هذه الامّة وعالم أهل الشأم
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء الانصارى وقد أبلى يوم أحد
بلاء عظيما وآخى النبىّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسى وكان
أبو الدرداء مقرئ أهل دمشق وقاضيهم يهابه معاوية ويتأدّب معه* وفى الصفوة
توفى أبو الدرداء بدمشق سنة اثنتين وثلاثين فى خلافة عثمان وله عقب بالشأم*
وتوفى معه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن
عبد الحارث بن زهرة بن كلاب كان اسمه فى الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الحارث
وقيل عبد الكعبة
ترجمة عبد الرحمن بن عوف
* صفته* انه كان طويلا رقيق البشرة فيه جنأ أبيض مشربا بحمرة ضخم أقنى*
وقال ابن اسحاق كان ساقط الثنيتين أعرج أصيب يوم أحد وجرح عشرين جراحة أو
أكثر وبعضها فى رجله فعرج كذا فى الصفوة وهو أحد ثمانية سبقوا الخلق الى
الاسلام* وفى المختصر الجامع توفى وله خمس وسبعون سنة وكان على ميمنة عمر
لما قدم الجابية وافتتح القدس وكان أبيض أعين أقنى ضخم الكفين مليح الوجه
لا يغير شيبه هتم يوم أحد وأصيب عشرين جرحا عرج من بعضها وكان تاجرا كثير
الاموال بعد ان كان فقيرا باع مرّة أرضاله بأربعين ألف دينار فتصدّق بها
كلها وتصدّق مرّة بتسعمائة جمل بأحمالها قدمت من الشأم وأعان فى سبيل الله
بخمسمائة فرس عربية وأوصى لكل رجل بقى من أهل بدر بأربعمائة دينار وكانوا
يومئذ مائة رجل وقسمت تركته على ستة عشر سهما وكان كل سهم ثمانمائة ألف
دينار وعينه عمر فى جملة ستة يصلحون للخلافة من بعده فقام هو بأمر البيعة
لعثمان وزوى الامر عن نفسه وعن ابن عمه سعد ومناقبه جمة*
ترجمة العباس عم النبى
ومات العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الوقت* وفى حياة
الحيوان مات العباس لست سنين خلون من خلافة عثمان رضى الله عنهما وفى
المختصر الجامع فى سنة اثنتين وثلاثين وكان مولده قبل رسول الله صلى الله
عليه وسلم بثلاث سنين فيكون عمره سبعا وثمانين سنة* وفى المواهب اللدنية
توفى العباس فى خلافة عثمان قبل مقتله بسنتين بالمدينة يوم الجمعة لاثنتى
عشرة وقيل لاربع عشرة ليلة خلت من رجب وقيل من رمضان سنة اثنتين وقيل سنة
ثلاث وثلاثين وهو ابن ثمانين سنة وقيل سبع وثمانين سنة وقد كف بصره أدرك
منها فى الاسلام اثنتين وثلاثين سنة ودفن بالبقيع ودخل قبره ابنه عبد الله
وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يحترمه وكذلك أبو بكر وكذلك عمر وكذلك
عثمان وكذلك على رضى الله عنهم* وفى المختصر الجامع اذا مرّ بعمر أو بعثمان
وهما راكبان ترجلا اجلالا له ومن ذرّيته خلفاء الاسلام*
ترجمة عبد الله بن مسعود
ومات فى هذا الوقت وهو عام اثنتين وثلاثين صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأكبر خدمه عبد الله بن مسعود الهذلى أحد السابقين الاوّلين وكان يحمل
نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلازمه ولقنه رسول الله سبعين سورة وكان
من أكابر
(2/257)
علماء الصحابة وهو الذى احتز رأس أبى جهل
يوم بدر وأتى به النبىّ صلى الله عليه وسلم أقام بالكوفة متوليا على بيت
المال وغير ذلك وتفقه به طائفة واتفق انه قدم المدينة فى آخر عمره فمات بها
وصلى عليه عثمان قيل انه خلف تسعين ألف دينار وكان قصيرا جدّا* مروياته فى
كتب الاحاديث ثمانمائة وأربعون حديثا*
ترجمة أبى ذر الغفارى
ومات بالربذة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو ذر الغفارى أحد
السابقين أسلم خامس خمسة ثم رجع الى أرض قومه وقدم بعد الهجرة وكان من
أكابر العلماء والزهاد كبير الشان كان عطاؤه فى السنة أربعمائة دينار وكان
لا يدّخر شيئا قال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما أقلت الغبراء ولا أظلت
الخضراء أصدق لهجة من أبى ذرّ* وتوفى بحمص فى سنة اثنتين وثلاثين فى خلافة
عثمان كعب الاحبار بن تابع بالمثناة من فوق بن هينوع يكنى أبا اسحاق وهو من
حمير من آل ذى رعين كان يهوديا أدرك زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم ولم يره
وأسلم فى خلافة أبى بكر وقيل فى خلافة عمر وكان يسكن اليمن وقدم المدينة ثم
خرج الى الشأم فسكن حمص وتوفى بها كذا فى الصفوة ومزيل الخلفاء* ومات
المقداد بن الاسود الكندى أحد السابقين البدريين فى سنة ثلاث وثلاثين* ومات
أبو طلحة الانصارى أحد من شهد بدرا فى سنة أربع وثلاثين وكان ممن تضرب
بشجاعته الامثال وكان أكثر الانصار مالا قال أنس قتل أبو طلحة يوم حنين
عشرين نفسا وأخذ أسلابهم وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لصوت أبى طلحة فى
الجيش خير من فئة وقد مرّ فى غزوة أحد فى الموطن الثالث* وفى الصفوة قال
الواقدى أهل البصرة يرون انّ أبا طلحة دفن فى الجزيرة وانما توفى بالمدينة
سنة أربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه عثمان* قال ابن الجوزى قلت
وما روينا انه صام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يخالف هذا
والله أعلم* وفيها مات عبادة بن الصامت الانصارى أحد النقباء بدرى كبير ولى
قضاء بيت المقدس وكان طوالا جسيما جميلا من العلماء الجلة* وفى المختصر
الجامع وفى أيام عثمان وقع الخلاف فى القراآت وقدم حذيفة بن اليمان وهو
حذيفة بن حنسل ويقال حسل بن جابر ابن عمرو بن ربيعة واليمان لقب حسل بن
جابر من أرمينيه فقال له أدرك الناس من قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف
اليهود والنصارى قال وما ذاك قال رأيت أهل العراق يكفرون أهل الشأم فى
قراءتهم وأهل الشأم يكفرون أهل العراق فى قراءتهم فأمر زيدا فكتب مصحفا*
(ذكر مقتل عثمان)
* فى دول الاسلام لما وقعت الغزوات واتسعت الدنيا على الصحابة كثرت الاموال
حتى كان الفرس يشترى بمائة ألف وحتى كان البستان يباع بالمدينة بأربعمائة
ألف درهم وكانت المدينة عامرة كثيرة الخيرات والاموال والناس يجبى اليها
خراج الممالك وهى دار الامان وقبة الاسلام فبطر الناس بكثرة الاموال والخيل
والنعم وفتحوا أقاليم الدنيا واطمأنوا وتفرّغوا ثم أخذوا ينقمون على
خليفتهم عثمان رضى الله عنه لكونه يعطى المال لاقاربه ويوليهم الولايات
الجليلة فتكلموا فيه وكان قد صار له أموال عظيمة وله ألف مملوك وآل بهم
الامر الى ان قالوا هذا ما يصلح للخلافة وهموا بعزله وثاروا لمحاصرته وجرت
أمور طويلة نسأل الله العافية وحاصروه فى داره أياما وكانوا رؤس شر وأهل
جفاء* وفى سيرة مغلطاى حاصره الكوفيون وعليهم الاشتر النخعى والبصريون
والمصريون وعليهم عبد الرحمن ابن عديس وعمرو بن الحمق وسودان بن حمران
ومحمد بن أبى بكر انتهى فتدلى عليه ثلاثة فذبحوه فى بيته والمصحف بين يديه
وهو شيخ كبير ابن ثلاث وثمانين سنة وكان ذلك أوّل وهن وبلاء تم على الامّة
بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم فانا لله وانا اليه راجعون فقتلوه يوم الجمعة
فى ثانى عشر من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين وكذا فى الاستيعاب والاكتفاء* وفى
حياة الحيوان وتقرّقت الكلمة بعد قتله
(2/258)
رضى الله عنه واقتتلوا للاخذ بثاره حتى قتل
من المسلمين تسعون ألفا* قال ابن خلكان وغيره لما بويع عثمان رضى الله عنه
نفى أبا ذر الغفارى الى الربذة لانه كان يزهد الناس فى الدنيا وردّ الحكم
بن أبى العاص وكان قد نفاه النبى صلى الله عليه وسلم الى الربذة* وفى
الرياض النضرة ردّه من الطائف الى المدينة ولم يردّه أبو بكر ولا عمر فردّه
عثمان* قيل انما ردّه باذن النبى صلى الله عليه وسلم قاله غير واحد وسيجىء
وولى مصر عبد الله بن أبى سرح وأعطى أقاربه الاموال وكان ذلك مما نقم عليه
الناس فلما كان سنة خمس وثلاثين قدم المدينة مالك بن الاشتر النخعى فى
مائتى رجل من أهل الكوفة ومائة وخمسين من أهل البصرة وستمائة من أهل مصر
كلهم مجمعون على خلع عثمان من الخلافة فلما اجتمعوا فى المدينة سير عثمان
اليهم المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص ليدعوهم الى كتاب الله تعالى وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم فردّوهما أقبح ردّو لم يسمعوا كلامهما فبعث اليهم
عليا فردّهم الى ذلك وضمن لهم ما يعدهم به عثمان وكتبوا على عثمان كتابا
بازاحة علتهم والسير فيهم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
وأخذوا عليه عهدا بذلك وأشهدوا على علىّ انه ضمن ذلك واقترح المصريون على
عثمان عزل عبد الله بن أبى سرح وتولية محمد بن أبى بكر فأجابهم الى ذلك
وولاه فافترق الجمع كل الى بلده فلما وصل المصريون الى أيلة وجدوا رجلا على
نجيب لعثمان ومعه كتاب مختوم بخاتم عثمان مصطنع على لسانه وعنوانه من عثمان
الى عبد الله بن أبى سرح وفيه اذا قدم محمد بن أبى بكر وفلان وفلان فاقطع
أيديهم وأرجلهم وارفعهم على جذوع النخل فرجع المصريون والبصريون والكوفيون
لما بلغهم ذلك وأخبروه الخبر فحلف عثمان انه ما فعل ذلك ولا أمر به فقالوا
هذا أشدّ عليك يؤخذ خاتمك ونجيب من ابلك وأنت لا تعلم وما أنت الا مغلوب
على أمرك ثم سألوه أن يعتزل فأبى فأجمعوا على حصاره فحصروه فى داره وكان من
أشدّهم عليه محمد بن أبى بكر وكان الحصار سلخ شوّال واشتدّ الحصار ومنع من
أن يصل اليه الماء* وعن أبى سعيد مولى أبى أسيد الانصارى قال سمع عثمان انّ
وفد أهل مصر قد أقبلوا فاستقبلهم فلما سمعوا به أقبلوا نحوه الى المكان
الذى هو فيه وقالوا له ادع بالمصحف فدعا بالمصحف وقالوا له افتح السابعة
وكانوا يسمون سورة يونس السابعة فقرأ حتى أتى على هذه الاية قل أرأيتم ما
أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله
تفترون فقالوا له قف أرأيت ما جمعت من الحمى آلله أذن لك أم على الله تفترى
فقال امضه نزلت فى كذا وكذا وأما الحمى فى ابل الصدقة فلما ولدت زادت فى
ابل الصدقة فزدت فى الحمى لما زاد فى ابل الصدقة امضه قال فجعلوا يأخذونه
باية آية فيقول امضه نزلت فى كذا وكذا فقال لهم ما تريدون فقالوا نأخذ
ميثاقك فال فكتبوا عليه شروطا وأخذ عليهم أن لا يشقوا عصا ولا يفارقوا
جماعة فأفاء لهم شروطهم وقال لهم ما تريدون قالوا نريد أن لا يأخذ أهل
المدينة عطاء قال لا انما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم قال فرضوا وأقبلوا معه الى المدينة راضين قال فقام
وخطب فقال ألا من كان له زرع فليلحق بزرعه ومن كان له ضرع فليحتلبه ألا
وانه لا مال لكم عندنا انما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال فغضب الناس وقالوا هذا مكر بنى أمية قال
ثم رجع المصريون فبينما هم فى الطريق اذهم براكب يتعرّض لهم يفارقهم ثم
يرجع اليهم ويسيبهم قالوا مالك انّ لك الامان ما شأنك قال أنا رسول أمير
المؤمنين الى عامله بمصر قال ففتشوه فاذاهم بكتاب على لسان عثمان عليه
خاتمه الى عامله بمصر أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم فأقبلوا
حتى قدموا المدينة وأتوا عليا فقالوا ألم تر الى عدوّ الله كتب فينا بكذا
وكذا وأن الله قد
أحل
(2/259)
دمه قم معنا اليه قال والله لا أقوم معكم
قالوا فلم كتبت الينا قال والله ما كتبت اليكم كتابا قط فنظر بعضهم الى بعض
ثم قال بعضهم لبعض ألهذا تقاتلون أو لهذا تغضبون فانطلق علىّ فخرج من
المدينة الى قرية وانطلقوا حتى دخلوا على عثمان فقالوا كتبت كذا وكذا فقال
انما هما اثنتان أن تقيموا علىّ رحلين شاهدين من المسلمين أو يمينى بالله
الذى لا اله الا هو ما كتبت ولا أمليت ولا علمت وقد تعلمون أن الكتاب يكتب
على لسان الرجل وقد ينقش الخاتم على الخاتم فقالوا والله أحل الله دمك
ونقضوا العهد والميثاق فحاصروه فأشرف عليهم ذات يوم وقال السلام عليكم فما
سمع أحدا من الناس يردّ عليه الا أن يردّ فى نفسه فقال انشدكم الله هل
علمتم انى اشتريت بئر رومة من مالى فجعلت رشائى كرشاء رجل من المسلمين قيل
نعم قال فعلام تمنعونى أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر أنشدكم الله هل
علمتم انى اشتريت كذا وكذا من الارض فزدتا فى المسجد قيل نعم قال فهل علمتم
ان أحدا من الناس منع أن يصلى فيه من قبلى أنشدكم بالله هل سمعتم نبى الله
صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا اشياء فى شأنه عدّدها ورأيته أشرف عليهم
مرّة أخرى فوعظهم وذكرهم فلم تأخذ منهم الموعظة وكان الناس تأخذ منهم
الموعظة فى أوّل ما يسمعونها فاذا أعيدت عليهم لم تأخذ منهم فقال لامرأته
افتحى الباب وفتح المصحف بين يديه وذلك أنه رأى من الليل أنّ نبىّ الله صلى
الله عليه وسلم يقول له أفطر عندنا الليلة فدخل عليه رجل فقال بينى وبينك
كتاب الله فخرج وتركه ثم دخل عليه آخر فقال بينى وبينك كتاب الله تعالى
والمصحف بين يديه فأهوى اليه بالسيف فاتقاه بيده فقطعها فلا أدرى أبانها أم
لم يبنها* قال عثمان أما والله انها لاوّل كف خطت المفصل وفى حديث غير أبى
سعيد فدخل البخترى فضربه مشقصا فنضح الدم على هذه الاية فسيكفيكهم الله وهو
السميع العليم قال وانها فى المصحف ما حكت* قال فى حديث أبى سعيد فأخذت بنت
الفرافصة خاتمه فوضعته فى حجرها وذلك قبل أن يقتل فلما قتل تفاجت عليه فقال
بعضهم قاتلها الله ما أعظم عجيزتها فعلم أن أعداء الله لم يريدوا الا
الدنيا خرجه أبو حاتم* وذكر ابن قتيبة أنه سار اليه قوم من أهل مصر منهم
محمد بن أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة فى جند ومن أهل البصرة حكيم بن جبلة
العبدى وسدوس بن عنبس الشنى ونفر من أهل الكوفة فاستعتبوه فأعتبهم وأرضاهم
ثم وجدوا بعد انصرافهم كتابا من عثمان عليه خاتمه الى أمير مصر اذا نلت
القوم فاضرب أعناقهم فعادوا به الى عثمان فحلف لهم انه لم يأمر ولم يعلم
فقالوا انّ هذا عليك شديد يؤخذ خاتمك من غير علمك وراحلتك فان كنت قد غلبت
على نفسك فاعتزل فأبى أن يعتزل وأن يقاتل ونهى عن ذلك وأغلق بابه فحصروه
اكثر من عشرين يوما وهو فى الدار فى ستمائة رجل ثم دخلوا عليه من دار أبى
حزم الانصارى فضربه سيار بن عياض الاسلمى بمشقص فى وجهه فسال الدم على مصحف
فى حجره* وأقام للناس الحج فى تلك السنة عبد الله بن عباس وصلى بالناس على
بن أبى طالب* وروى عن عبد الله بن سلام انه قال لما حصر عثمان ولى أبو
هريرة على الصلاة وكان ابن عباس يصلى أحيانا وأقام للناس الحج فى ذلك العام
عبد الله بن عباس وكان عثمان قد حج عشر حجج متواليات خرجه القلعى* وقال
الواقدى حاصروه تسعة وأربعين يوما* وقال الزبير حاصروه شهرين وعشرين يوما*
وذكر ابن الجوزى فى شرح الصحيحين انّ الذين خرجوا على عثمان هجموا على
المدينة وكان عثمان يخرج فيصلى بالناس وهم يصلون خلفه شهرا ثم خرج من آخر
جمعة خرج فيها فحصبوه حتى وقع عن المنبر ولم يقدر أن يصلى بهم فصلى بهم
يومئذ أبو أمامة بن سهيل بن حنيف* وروى أن جهجاه الغفارى قال له بعد أن
حصبوه ونزل عن المنبر والله لنضربنك الى جبل الرمال وأخذ عصا النبىّ صلى
الله عليه وسلم وكسرها بركبته فوقعت الاكلة فى ركبته ثم حصروه ومنعوه
(2/260)
الصلاة فى المسجد وكان يصلى بهم ابن حديش
تارة وكنانة بن بشر أخرى وهما من الخوارج على عثمان فبقوا على ذلك عشرة
أيام ثم قتلوه* وفى رواية انهم حصروه أربعين ليلة وطلحة يصلى بالناس* وفى
رواية انّ عليا كان يصلى بهم تلك الايام ذكر ذلك كله فى الرياض النضرة*
وفيه ذكر طريقا آخر فى مقتله وفيه بيان الاسباب التى نقمت عليه عن ابن شهاب
قال قلت لسعيد بن المسيب هل أنت مخبرى كيف كان قتل عثمان وما كان شأن الناس
وشأنه ولم خذ له أصحاب محمد قال قتل عثمان مظلوما ومن قتله كان ظالما ومن
خذله كان معذورا فقلت وكيف كان ذلك قال لما ولى كره ولايته نفر من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم لانّ عثمان كان يحب قومه فولى ثنتى عشرة سنة
وكان كثيرا ما يولى بنى أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم صحبة وكان يجىء من أمرائه ما يكره أصحاب رسول الله وكان يستغاث عليهم
فلا يغيثهم فلما كان فى الستة الحجج الاواخر استأثر بنى عمه فولاهم وأمرهم
وولى عبد الله بن أبى سرح مصر فشكا أهل مصر وكان من قبل ذلك من عثمان هنات
الى عبد الله بن مسعود وأبى ذرّ وعمار بن ياسر وكانت هذيل وبنو زهرة فى
قلوبهم ما فيها لاجل عبد الله بن مسعود وكانت بنو غفار وأحلافها ومن غضب
لابى ذر فى قلوبهم ما فيها وكانت بنو مخزوم حنقت على عثمان لاجل عمار بن
ياسر وجاء أهل مصر يشكون ابن أبى سرح فكتب اليه يهدّده فأبى ابن أبى سرح أن
يقبل ما نهاه عنه وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان ومن أهل مصر ممن كان أتى
عثمان فقتله فخرج جيش أهل مصر فى سبعمائة رجل الى المدينة فنزلوا المسجد
وشكوا الى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه على بن أبى طالب
وكان متكلم القوم وقال اذا سألوك رجلا مكان رجل وقد ادّعوا قبله دما فاعزله
عنهم وان وجب عليه حق فأنصفهم من عاملك فقال لهم اختاروا رجلا فأشاروا الى
محمد بن أبى بكر فكتب عهده وولاه وخرج معهم مدد من المهاجرين والانصار
ينظرون فيما بين أهل مصر وبين ابن أبى سرح فخرج محمد ومن معه فلما كانوا
على مسيرة ثلاثة أيام من المدينة اذاهم بغلام أسود على بعير يخبط الارض
خبطا حتى كأنه يطلب أو يطلب فقال له أصحاب محمد ما قصتك وما شأنك كأنك هارب
أو طالب فقال لهم أنا غلام أمير المؤمنين وجهنى الى عامل مصر فقال رجل هذا
عامل مصر معنا قال ليس هذا الذى أريد فأخبروا بأمره محمد بن أبى بكر فبعث
فى طلبه رجالا فأخذوه فجاؤا به اليه فقال غلام من أنت فاعتل مرّة يقول أنا
غلام أمير المؤمنين ومرّة يقول أنا غلام مروان فقال له محمد الى من أرسلت
قال الى عامل مصر قال بماذا قال برسالة قال معك كتاب قال لا ففتشوه فلم
يجدوا معه كتابا وكان معه اداوة قد يبست وفيها شىء يتقلقل فراوده ليخرجه
فلم يخرج فشقوا الاداوة فاذا فيها كتاب من عثمان الى ابن أبى سرح فجمع محمد
من كان معه من المهاجرين والانصار وغيرهم ثم فك الكتاب بمحضر منهم فاذا فيه
اذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتابه وقف على عملك حتى
يأتيك أمرى ان شاء الله تعالى فلما قرؤا الكتاب فزعوا ورجعوا الى المدينة
وختم محمد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
ودفع الكتاب الى رجل منهم وقدموا المدينة فجمعوا طلحة والزبير وعليا وسعدا
ومن كان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم فاذا
فيه اذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل لقتلهم فقرؤا الكتاب عليهم وأخبروهم
بقصة العبد فلم يبق أحد من أهل المدينة الاحنق على عثمان وزاد ذلك من غضب
ابن مسعود وأبى ذر وعمار وقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى
منازلهم وما منهم من أحد الامغتم وحاصر الناس عثمان فلما رأى ذلك علىّ بعث
الى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام
(2/261)
والبعير فقال له علىّ هذا الغلام غلامك قال
نعم وهذا البعير بعيرك قال نعم قال فأنت كتبت الكتاب قال لا وحلف بالله ما
كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا علمت به ولا وجهت هذا الغلام الى مصر وأما
الخط فعرفوا انه خط مروان وسألوه أن يدفعه اليهم وكان معه فى الدار فأبى
وخشى عليه القتل فخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده غضابا
وعلموا أن عثمان لا يحلف باطلا فحاصره الناس ومنعوه الماء وأشرف على الناس
وقال أفيكم علىّ قالوا لا قال أفيكم سعد قالوا لا فقال الا أحد يسقينا ماء
فبلغ ذلك عليا فبعث اليه ثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل اليه حتى جرح
بسببها عدّة من موالى بنى هاشم وبنى أمية ثم بلغ عليا انهم يريدون قتل
عثمان فقالوا انما أردنا منه مروان فأما قتل عثمان فلا وقال للحسن والحسين
اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل اليه وبعث
الزبير ابنه وبعث عدّة من الصحابة أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على
عثمان ويسألونه اخراج مروان فلما رأى الناس ذلك رموا باب عثمان بالسهام حتى
خضب الحسن بن على بدمائه وأصاب مروان سهم وهو فى الدار وكذلك محمد بن طلحة
وشج قنبر مولى علىّ ثم انّ بعض من حضر عثمان خشى أن تغضب بنو هاشم لاجل
الحسن والحسين فتنتشر الفتنة فأخذ بيد رجلين وقال ان جاء بنو هاشم ورأوا
الدم على وجه الحسن كشف الناس عن عثمان وبطل ما تريدون ولكن اذهبوا بنا
نتسوّر الدار فنقتله من غير أن يعلم أحد فتسوّروا من دار رجل من الانصار
حتى دخلوا على عثمان وما يعلم أحد ممن كان معه لانّ كل من كان معه كان فوق
البيت ولم يكن معه الا امرأته فقتلوه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا وصرخت
امرأته فلم يسمع صراخها من الجلبة فصعدت الى الناس فقالت انّ أمير المؤمنين
قتل فدخل عليه الحسن والحسين ومن كان معهما فوجدوه مذبوحا فانكبوا عليه
يبكون ودخل الناس فوجدوا عثمان مقتولا فبلغ عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن
كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا
فاسترجعوا وقال علىّ لابنيه كيف قتل أمير المؤمنين وانتما على الباب ورفع
يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين وشتم محمد بن طلحة ولعن عبد الله بن الزبير
وخرج على وهو غضبان فلقيه طلحة فقال مالك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين
وكان يرى انه أعان على قتل عثمان فقال عليك كذا وكذا رجل من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم بدرى لم تقم عليه بينة ولا حجة فقال طلحة لو دفع
مروان لم يقتل فقال علىّ لو أخرج اليكم مروان لقتل قبل أن تثبت عليه حكومة
وخرج علىّ فأتى منزله وجاء الناس كلهم الى علىّ ليبايعوه فقال لهم ليس هذا
اليكم انما هو الى أهل بدر فمن رضى به أهل بدر فهو الخليفة فلم يبق أحد من
أهل بدر الا قال ما نرى أحق بها منك* فلما رأى علىّ ذلك جاء الى المسجد
فصعد المنبر وكان أول من صعد اليه وبايعه طلحة والزبير وسعد وأصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم وطلب مروان فهرب وطلب نفر من ولد بنى مروان وبنى ابن
أبى معيط فهربوا أخرجه السمانى فى كتاب الموافقة* وعن شدّاد بن أوس انه قال
لما اشتدّ الحصار بعثمان رضى الله عنه يوم الدار رأيت عليا خارجا من منزله
معتما بعمامة رسول الله متقلدا سيفه وأمامه ابنه الحسن والحسين وعبد الله
بن عمر رضى الله عنهم فى نفر من المهاجرين والانصار فحملوا على الناس
وفرّقوهم ثم دخلوا على عثمان فقال علىّ السلام عليك يا أمير المؤمنين انّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحق هذا الامر حتى ضرب بالمقبل المدبر
وانى والله لا أرى القوم الا قاتلوك فمرنا فلنقاتل فقال عثمان انشد الله
رجلا رأى لله عز وجل عليه حقا وأقرّ أن لى عليه حقا أن يهريق فى سببى ملء
محجمة من دم أو يهريق دمه فىّ فأعاد على رضى الله عنه القول فأجاب عثمان
بمثل ما أجاب فرأيت عليا خارجا من الباب وهو يقول
اللهم
(2/262)
انك تعلم انا قد بذلنا المجهود ثم دخل
المسجد* وفى الرياض النضرة وحضرت الصلاة فقالوا يا أبا الحسن تقدّم فصل
بالناس فقال لا أصلى بكم والامام محصور ولكن أصلى وحدى انتهى ثم اقتحموا
على عثمان الدار والمصحف بين يديه؟؟؟ فأخذ محمد بن أبى بكر بلحيته فقال له
عثمان يا ابن أخى فو الله لو رأى أبوك مقامك هذا الساءه فأرسل لحيته وولى
وضربه يسار بن علياص أو سيار ابن عياض الاسلمى وسودان بن حمران بسيفيهما
فنضح الدم على قوله تعالى فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم* وفى رواية
وجلس عمرو بن الحمق على صدره وضربه حتى مات ووطئ عمير بن صابئ على بطنه
فكسر له ضلعين من أضلاعه* وفى الاستيعاب روى سعيد المقبرى عن أبى هريرة
وكان محصورا مع عثمان فى الدار قال رمى رجل منا فقلت يا أمير المؤمنين الان
طاب الضراب قتلوا منا رجلا قال عزمت عليك يا أبا هريرة الا رميت بسيفك
فانما يراد نفسى وسأقى المؤمنين بنفسى* قال أبو هريرة فرميت سيفى لا أدرى
اين هو حتى الساعة* وفى الرياض النضرة قال ألقيته فما أدرى من أخذه ثم دخل
عليه المغيرة بن شعبة فقال يا امير المؤمنين انّ هؤلاء القوم اجتمعوا عليك
وهموا بك فان شئت أن تلحق بمكة* وفى رواية عن المغيرة انه قال لعثمان امّا
أن تخرق بابا سوى الباب الذى هم عليه فتقعد على راحلتك وتلحق بمكة فانهم لم
يستحلوك وأنت بها وان شئت تلحق بالشأم فانّ بها معاوية وان شئت فاخرج الى
هؤلاء القوم فقاتلهم فانّ معك عددا وقوّة وأنت على الحق وهم على الباطل
فقال عثمان أمّا أن أخرج وأقاتل فلن أكون أوّل من خلف رسول الله صلى الله
عليه وسلم فى أمّته بسفك الدماء وأمّا أن أخرج الى مكة فانى سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول يلحد رجل من قريش بمكة يكون عذابه نصف عذاب العالم
فلن أكون أنا وأمّا ان ألحق بالشأم وفيها معاوية فلن أفارق دار هجرتى
ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى الرياض النضرة وكان معه فى
الدار ممن يريد الدفع عنه عبد الله بن عمر وعبد الله بن سلام وعبد الله بن
الزبير والحسن بن على وأبو هريرة ومحمد بن حاطب وزيد بن ثابت ومروان بن
الحكم فى طائفة من الناس منهم المغيرة بن الاخنس ويومئذ قتل المغيرة بن
الاخنس قبل قتل عثمان* وفى أسد الغابة لما طال حصره والذين حصروه من أهل
مصر والبصرة والكوفة ومعهم بعض أهل المدينة أرادوه أن ينزع نفسه من الخلافة
فلم يفعل وخافوا أن تأتيه الجيوش من أهل الشأم والبصرة وغيرهما فيأتى
الحجاج فيهلكوهم فتسوّروا عليه من دار أبى الحزم الانصارى فقتلوه* وفى
الاستيعاب وكان أوّل من دخل عليه الدار محمد بن أبى بكر فأخذ بلحيته فقال
له دعها يا ابن أخى فو الله لقد كان أبوك يكرمها فاستحيا وخرج وفى رواية
فلما دخل أخذ بلحيته وهزها وقال ما أغنى عنك معاوية وما أغنى عنك ابن أبى
سرح وما أغنى عنك عبد الله بن عامر فقال يا ابن أخى أرسل لحيتى فو الله
لتجبذ لحية كانت تعز على أبيك وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا منى فيقال انه
حينئذ تركه وخرج عنه ويقال حينئذ أشار الى من معه فطعنه واحد منهم فقتلوه
انتهى* قال ولما خرج محمد دخل رومان بن سرحان رجل أزرق قصير محدود عداده فى
مراد وهو من ذى أصبح معه خنجر فاستقبله به وقال على أىّ دين أنت يا نعثل
فقال لست بنعثل ولكنى عثمان بن عفان وأنا على ملة ابراهيم حنيفا مسلما وما
أنا من المشركين قال كذبت وضربه على صدغه الايمن* وفى الرياض النضرة على
صدغه الايسر فقتله فخرّ فأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها وكانت
امرأة جسيمة ودخل رجل من أهل مصر ومعه السيف صلتا فقال والله لاقطعنّ أنفه
فعالج المرأة فكشف عن ذراعيها* وفى الرياض النضرة فعالجت امرأته وقبضت على
السيف فقطع يدها فقالت لغلام لعثمان يقال له رباح ومعه سيف عثمان أعنى على
هذا
(2/263)
وأخرجه عنى فضربه الغلام بالسيف فقتله* وفى
أسد الغابة اختلف فيمن باشر قتله بنفسه فقيل محمد ابن أبى بكر ضربه بمشقص
وقيل بل حبسه محمد بن أبى بكر وأشغره غيره وكان الذى قتله سودان بن حمران
وقيل بل قتله رومان اليمامى وقيل بل رومان رجل من بنى أسد بن خزيمة وقيل بل
أسود التجيبى من أهل مصر ويقال جبلة بن الايهم رجل من أهل مصر وقيل سودان
بن رومان المرادى ويقال ضربه التجيبى ومحمد بن أبى حذيفة وهو يقرأ فى
المصحف سورة البقرة وقطرت قطرة من دمه على فسيكفيكهم الله وكان صائما
يومئذ* وفى أسد الغابة عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال تقتل وأنت
مظلوم وتسقط قطرة من دمك على فسيكفيكهم الله قال انها الى الساعة لفى
المصحف والله أعلم*
(ذكر تاريخ قتله)
* ولا خلاف بينهم فى انه قتل فى ذى الحجة وانما الخلاف فى أىّ يوم منه قتل*
قال الواقدى قتل بالمدينة يوم الجمعة لثمان أو سبع خلت من ذى الحجة يوم
التروية سنة خمس وثلاثين من الهجرة ذكره المدائنى عن أبى معشر عن نافع* وعن
أبى عثمان النهدى قتل فى وسط أيام التشريق وقيل انه قتل يوم الجمعة لليلتين
بقيتا من ذى الحجة وقد روى ذلك عن الواقدى أيضا* وفى الصفوة حصر فى منزله
أياما ثم دخلوا عليه فقتلوه يوم الجمعة لثلاث عشرة أو لثانى عشرة ليلة خلت
من ذى الحجة* وقال ابن اسحاق قتل عثمان على رأس احدى عشرة سنة واحد عشر
شهرا واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلى رأس خمس
وعشرين سنة من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء بعد العصر
ودفن يوم السبت بعد الظهر ذكره فى الرياض النضرة* وفى أسد الغابة عن أبى
سعيد مولى عثمان بن عفان انّ عثمان أعتق عشرين مملوكا وهو محصور ودعا
بسراويل فشدّها عليه ولم يلبسها لا فى جاهلية ولا فى اسلام وقال انى رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة فى المنام ورأيت أبا بكر وعمر فقالوا
لى اصبر فانك تفطر عندنا القابلة ثم دعا بمصحف فنشر بين يديه فقتل وهو بين
يديه* وعن عائشة رضى الله عنها انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لعثمان
لعلّ الله يقمصك قميصا فان أرادوك على خلعه فلا تخلع لهم وعن عائشة قالت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعى لى بعض أصحابى قلت أبا بكر قال لا
فقلت عمر فقال لا فقلت ابن عمك فقال لا فقلت له عثمان قال نعم فلما جاء قال
لى بيده فتنحيت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسارّه ولون عثمان يتغير
فلما كان يوم الدار وحصر قيل ألا تقاتل قال لا انّ رسول الله صلى الله عليه
وسلم عهد الىّ عهدا وأنا صابر نفسى عليه* وعن كنانة مولى صفية بنت حيى بن
أخطب قال شهدت مقتل عثمان رضى الله عنه فاخرج من الدار امامى أربعة من قريش
مضرجين بالدم أى ملطخين محمولين كانوا مع عثمان فى الدار يدرؤن عنه وهم
الحسن ابن على وعبد الله بن الزبير ومحمد بن حاطب ومروان بن الحكم كذا فى
الاكتفاء* وقال محمد بن طلحة قلت لكنانة مولى صفية هل بدأ محمد بن أبى بكر
بشىء من دم عثمان قال معاذ الله دخل عليه فقال له عثمان يا ابن أخى لست
بصاحبى وكلمه بكلام فخرج عنه ولم يبدأ بشىء من دمه قال قلت لكنانة من قتله
قال قتله رجل من أهل مصر يقال له جبلة بن الايهم ثم طاف بالمدينة ثلاثا
يقول أنا قاتل نعثل* وعن أبى جعفر الانصارى قال دخلت مع المصريين على عثمان
فلما ضربوه خرجت اشتدّ حتى ملأت فروجى عدوا حتى دخلت المسجد فاذا رجل جالس
فى نحو عشرة وعليه عمامة سوداء فقال ويحك ما وراءك قلت قد والله فرغ من
الرجل قال تبالك آخر الدهر فنظرت فاذا هو على بن أبى طالب خرجه القلعى
وخرجه ابن السمان* ولفظه قال لما دخل على عثمان يوم الدار خرجت فملأت فروجى
مجتازا بالمسجد فاذا رجل قاعد فى ظلة النساء عليه عمامة سوداء وحوله نحو من
عشرة فاذا هو على فقال ما صنع الرجل قلت قتل الرجل قال تبالهم آخر الدهر
كذا ذكرهما فى الرياض النضرة*
(ذكر دفنه
واين دفن وكم أقام حتى
(2/264)
دفن ومن دفنه ومن صلى عليه) * فى الرياض
النضرة قال أبو عمر ولما قتل عثمان أقام مطروحا يومه ذلك الى الليل فحمله
رجال على باب ليدفنوه فعرض لهم ناس ليمنعوه من دفنه فوجدوا قبرا كان حفر
لغيره فدفنوه فيه وصلى عليه جبير بن مطعم* وقال الواقدى وغيره حمل على لوح
وصلى عليه جبير بن مطعم فى ثلاثة نفر هو رابعهم وقيل المسور بن مخرمة وقيل
حكيم بن حزام وقيل الزبير وكان أوصى اليه رواه أحمد وقيل ابنه عمرو بن
عثمان ذكره القلعى* وعن عروة انه قال أرادوا أن يصلوا على عثمان فمنعوا
فقال رجل من قريش وهو أبو جهم بن حذيفة دعوه فقد صلى عليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرجه القلعى* قال الواقدى دفن ليلا ليلة السبت فى موضع أو
قال فى أرض يقال له حش كوكب وأخفى قبره وكوكب رجل من الانصار والحش البستان
كان عثمان قد اشتراه وزاده البقيع فكان أوّل من قبر فيه* قال مالك وكان
عثمان مرّ بحش كوكب فقال انه سيدفن ههنا رجل صالح خرجه القلعى ذكره فى
الاستيعاب والرياض النضرة* وقيل انّ الذين تولوا تجهيزه كانوا خمسة أو ستة
جبير بن مطعم وحكيم بن حزام ويسار بن مكرم وزوجتا عثمان نائلة بنت الفرافصة
وأمّ البنين بنت عقبة ونزل يسار وأبو حهم وجبير فى قبره وكان حكيم ونائلة
وأمّ البنين يدلونه فلما دفنوه غيبوا قبره* وعن الحسن قال شهدت عثمان بن
عفان دفن فى ثيابه بدمائه خرجه فى الصفوة كذا فى الرياض النضرة وعن ابراهيم
بن عبد الله بن فروخ عن أبيه مثله وكذا رواه عبد الله بن الامام أحمد فى
زيادات المسند وزاد فيه ولم يغسل كذا فى مورد اللطافه* وخرج البخارى
والبغوى فى معجمه ولم يغسل كذا فى الرياض النضرة وذكر الخجندى انه أقام فى
حش كوكب ثلاثا مطروحا لا يصلى عليه حتى هتف بهم هاتف ادفنوه ولا تصلوا عليه
فانّ الله عز وجل قد صلى عليه وقيل صلى عليه وغشيهم فى الصلاة وفى دفنه
سواد فلما فرغوا منه نودوا أن لاروع عليكم اثبتوا وكانوا يرون انهم
الملائكة* وروى محمد بن عبد الله بن الحكيم وعبد الملك بن الماجشون عن مالك
قال لما قتل عثمان ألقى على المزبلة ثلاثة أيام فلما كان فى الليل أتاه
اثنا عشر رجلا منهم حويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وعبد الله بن الزبير
وجدّى فاحتملوه فلما صاروا به الى المقبرة ليدفنوه فاذاهم بقوم من بنى مازن
قالوا والله لئن دفنتموه ههنا لنخبرنّ الناس غدا فاحتملوه وكان على باب
وانّ رأسه على الباب يقول طق طق حتى صاروا به الى حش كوكب فاحتفروا له
وكانت عائشة ابنة عثمان معها مصباح فى حق فلما أخرجوه ليدفنوه صاحت فقال
لها ابن الزبير والله لئن لم تسكتى لاضربن الذى فيه عيناك فسكتت فدفنوه
خرجه القلعى كذا فى الرياض النضرة*
(ذكر شهود الملائكه عثمان)
* عن سهل بن خنيس وكان ممن شهد قتل عثمان قال لما أمسينا قلت لئن تركتم
صاحبكم حتى يصبح مثلوا به فانطلقنا به الى بقيع الغرقد فامكنا له من جوف
الليل ثم حملناه فغشينا سواد من خلفنا فهبناهم حتى كدنا أن نتفرّق فاذا
مناد ينادى لاروع عليكم اثبتوا فانا جئنا لنشهد معكم وكان ابن خنيس يقول هم
الملائكة خرجه الضحاك*
(ذكر مدّة خلافته)
* قال ابن اسحاق كانت مدّة خلافته اثنتى عشرة سنة* وقال غيره وكانت خلافته
احدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما كذا فى الرياض النضرة* وفى
دول الاسلام كانت دولته اثنتى عشرة سنة وتفرّقت الكلمة بعد قتله وماج الناس
واقتتلوا للاخذ بثاره حتى قتل من المسلمين تسعون ألفا* (ذكر سنه) * واختلف
فى سنه حين قتل قال ابن اسحاق قتل وهو ابن ثمانين سنة وقال غيره قتل وهو
ابن ثمان وثمانين وقيل ابن تسعين سنة وأعلى ما قيل فى ذلك خمس وتسعون سنة
وقال قتادة قتل عثمان وهو ابن ست وثمانين سنة* وقال الواقدى لا خلاف عندنا
انه قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وهو قول أبى اليقظان* مروياته فى كتب
الاحاديث مائة وستة وأربعون
(2/265)
حديثا*
(ذكر ما نقم على عثمان مفصلا والاعتذار عنه
بحسب الامكان)
* وذلك أمور (الاوّل) ما نقموا عليه من عزله جمعا من الصحابة منهم أبو موسى
عزله عن البصرة وولاها عبد الله بن عامر ومنهم عمرو بن العاص عزله عن مصر
وولى عبد الله بن أبى سرح وكان قد ارتدّ فى زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم
ولحق بالمشركين فأهدر النبىّ صلى الله عليه وسلم دمه بعد الفتح الى ان أخذ
له عثمان الامان ثم أسلم ومنهم عمار بن ياسر عزله عن الكوفة ومنهم المغيرة
بن شعبة عزله عن الكوفة أيضا وأشخصه الى المدينة* جوابه أمّا عزل أبى موسى
فكان عذره فى عزله أوضح من أن يذكر فانه لو لم يعزله لاضطربت البصرة
والكوفة وأعمالهما للاختلاف الواقع بين جند البلدين* وقصته انه كتب الى عمر
فى أيامه يسأله المدد فامدّه بجند الكوفة فأمرهم أبو موسى حين قدومهم عليه
برامهرمز فذهبوا اليها ففتحوها وسبوا نساءها وذراريها فحمدهم على ذلك وكره
نسبة الفتح الى جند الكوفة دون جند البصرة فقال لهم انى كنت أعطيتهم الامان
وأجلتهم ستة أشهر فردّوا عليهم فوقع الخلاف فى ذلك بين الجندين وكتبوا الى
عمر فكتب عمر الى صالحاء جند أبى موسى مثل البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان
وعمر ان بن حصين وأنس بن مالك وسعيد بن عمرو الانصارى وأمثالهم وأمرهم أن
يستحلفوا أبا موسى فان حلف انه أعطاهم الامان وأجلهم ردّوا عليهم فاستحلفوه
فحلف وردّ السبى عليهم وانتظر بهم أجلهم وبقيت قلوب الجند حنقة على أبى
موسى ثم رفع على أبى موسى الى عمر وقيل له لو أعطاهم الامان لعلم ذلك
فاستحضره عمر وسأله عن يمينه فقال ما حلفت الا على حق قال فلم أمرت الجند
اليهم حتى فعلوا ما فعلوا وقد وكلنا أمرك فى يمينك الى الله تعالى فارجع
الى عملك فليس نجد الان من يقوم مقامك ولعلنا ان وجدنا من يكفينا عملك
وليناه فلما مضى عمر لسبيله وولى عثمان شكا جند البصرة الشيخ أبا موسى وشكا
جند الكوفة ما نقموا عليه فخشى عثمان ممالأة الفريقين على أبى موسى فعزله
عن البصرة وولاها أكرم الفتيان عبد الله بن عامر بن كريز وكان من سادات
قريش وهو الذى سقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ريقه حين حمل اليه طفلا
فى مهده* وأمّا عمرو بن العاص فانما عزله لانّ أهل مصر أكثروا شكايته وكان
عمر قبل ذلك عزله لشئ بلغه عنه ولما أظهر توبته ردّه لذلك ثم عزله عثمان
لشكاية رعيته كيف والروافض يزعمون انّ عمروا كان منافقا بالاسلام فقد أصاب
عثمان فى عزله فكيف يعترض على عثمان بما هو مصيب عندهم وأمّا توليته عبد
الله بن أبى سرح فمن حسن النظر عنده لانه تاب وأصلح عمله وكان له فيما ولاه
آثار محمودة فانه فتح من تلك النواحى طائفة كثيرة حتى انتهى فى اغارته الى
الجزائر التى فى بحر بلاد المغرب وحصل فى فتوحه ألف ألف دينار وخمسمائة ألف
دينار سوى ما غنمه من صنوف الاموال وبعث بالخمس منها الى عثمان وفرّق
الباقى فى جنده وكان فى جنده جماعة من الصحابة ومن أولادهم كعقبة بن عامر
الجهنى وعبد الرحمن بن أبى بكر وعبد الله بن عمرو بن العاص قاتلوا تحت
رايته وأدّوا طاعته ووجدوه أقوم بسياسة الامر من عمرو بن العاص ثم أبان عن
حسن رأى فى نفسه عند وقوع الفتنة حين قتل عثمان فانه اعتزل الفريقين ولم
يشهد مشهدا ولم يقاتل أحدا بعد قتال المشركين وأمّا عمار بن ياسر والمغيرة
بن شعبة فأخطاؤا فى ظنّ عزل عمار فانه لم يعزله وانما عزله عمر كان أهل
الكوفة قد شكوه فقال عمر من يعذرنى من أهل الكوفة ان استعملت عليهم تقيا
استضعفوه وان استعملت عليهم قويا فجروه ثم عزله وولى المغيرة بن شعبة فلما
ولى عثمان شكوا المغيرة اليه وذكروا انه ارتشى فى بعض أموره فلما رأى ما
وقر عندهم منه استصوب عزله عنهم ولو كانوا مفترين عليه والعجب من هؤلاء
الرافضة كيف ينقمون على عثمان عزل المغيرة وهم يكفرون المغيرة على انا نقول
ما زال ولاة الامر قبله وبعده يعزلون من عمالهم مارأوا عزله ويولون ما رأوا
توليته
(2/266)
بحسب ما تقتضيه أنظارهم عزل عمر بن الخطاب
خالد بن الوليد عن الشأم وولى أبا عبيدة وعزل عمار عن الكوفة وولاها
المغيرة بن شعبة وعزل علىّ قيس بن سعد عن مصر وولاها الاشتر النخعى ألا ترى
الى معاوية وكان ممن ولاه عمر لما ضبط الجزيرة وفتح البلاد الى حدود الروم
وفتح جزيرة قبرس وغنم منها مائة ألف رأس سوى ما غنم من البياض وأصناف المال
وحمدت سيرته وسراياه أقرّه على ولايته وأمّا ابن مسعود فسيأتى الاعتذار عنه
فيما بعد* (الثانى) * ما ادّعوه عليه من الاسراف فى بيت المال وذلك مأمور
منها انّ الحكم بن العاص لما ردّه من الطائف الى المدينة وقد كان طرده
النبىّ صلى الله عليه وسلم وصله من بيت المال بمائة ألف درهم وجعل لابنه
الحارث سوق المدينة يأخذ منها عشور ما يباع فيها* ومنها انه وهب لمروان خمس
افريقية* ومنها انّ عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص قدم عليه فوصله
بثلثمائة ألف درهم* ومنها ما رواه أبو موسى قال كنت اذا أتيت عمر بالمال
والحلية من الذهب والفضة لم يلبث أن يقسمه بين المسلمين حتى لا يبقى منه شئ
فلما ولى عثمان أتيته به فكان يبعث به الى نسائه وبناته فلما رأيت ذلك
أرسلت دمعى وبكيت فقال ما يبكيك فذكرت له صنيعه وصنيع عمر فقال رحمه الله
كان حسنة وانا حسنة ولكل ما اكتسب* قال أبو موسى انّ عمر كان ينزع الدرهم
الفرد من الصبىّ من أولاده فيردّه فى مال الله ويقسم بين المسلمين فأراك
أعطيت بناتك مجمرا من ذهب مكللا باللؤلؤ والياقوت وأعطيت الآخرى درّتين لا
يعرف قيمتهما فقال انّ عمر عمل برأيه ولا يألو عن الخير وأنا أعمل برأيى
ولا آلو عن الخير وقد أوصانى الله بذوى قراباتى وأنا مستوص بهم أبرّهم*
ومنها انه أنفق أكثر بيت المال فى ضياعه ودوره التى اتخذها لنفسه ولا ولاده
وكان عبد الله بن أرقم ومعيقيب على بيت المال فى زمان عمر فلما رأيا ذلك
استعفيا فعزلهما وولى زيد بن ثابت وجعل المفاتيح بيده فقال له يوما وقد فضل
فى بيت المال فضلة فقال خذها فهى لك فأخذها زيد وكانت أكثر من مائة ألف
درهم* جوابه أمّا ما ادّعوه عليه من اسرافه فى بيت المال فأكثر ما نقلوه
عنه مفترى عليه مختلق وما صح منه فعذره فيه واضح وأمّا ردّه الحكم الى
المدينة فقد روى انه كان استأذن النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ردّه الى
المدينة فوعده بذلك فلما ولى أبو بكر سأله عثمان ذلك فقال كيف أردّه اليها
وقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عثمان ذلك قال انى لم أسمعه
يقول لك ذلك ولم يكن مع عثمان بينة على ذلك فلما ولى عمر سأله ذلك فأبى ولم
يريا الحكم بقول واحد فلما ولى عثمان قضى بعلمه وهو قول أكثر الفقهاء وهو
مذهب عثمان وهذا بعد أن تاب وأصلح عما كان طرد لاجله واعانة التائب مما
يحمد وأمّا صلته من بيت المال بمائة ألف فلم يصح وانما الذى صح انه زوّج
ابنته من ابن الحارث بن الحكم وبذل لهما من مال نفسه مائة ألف درهم وكان
ذاثروة فى الجاهلية والاسلام وكذلك ابنته أمّ أبان بن الحكم وجهزها من خاص
ماله بمائة ألف لا من بيت المال وهذه صلة رحم يحمد عليها* وأمّا طعنهم على
عثمان انه وهب خمس افريقية من مروان بن الحكم فهو غلط منهم وانما المشهور
فى القصة انّ عثمان كان جهز ابن أبى السرح أميرا على الالف من الجند وحضر
القتال بافريقية فلما غنمه المسلمون أخرج ابن أبى السرح الخمس من الذهب وهو
خمسمائة ألف دينار فأنفذها الى عثمان وبقى من الخمس أصناف من الاثاث
والمواشى مما يشق حمله الى المدينة فاشتراها مروان بمائة ألف درهم ونقد
أكثرها وبقيت منه بقية ووصل الى عثمان مبشرا بفتح افريقية وكانت قلوب
المسلمين مشغولة خائفة أن يصيب المسلمين من أمر افريقية نكبة فوهب له عثمان
ما بقى جزاء ببشارته وللامام أن يصل المبشر من بيت المال بما يرى على قدر
مراتب البشارة* وأمّا ما ذكروه من صلة عبد الله ابن خالد بن أسيد بثلثمائة
ألف درهم فانّ أهل مصر عاتبوه على ذلك لما حاصروه فأجابهم بانه استقرض
(2/267)
له ذلك من بيت المال وكان يحتسب لبيت المال
ذلك من مال نفسه حتى وفاه وأما دعواهم انه جعل للحارث بن الحكم سوق المدينة
يأخذ عشر ما يباع فيه فغير صحيح وانما جعل اليه سوق المدينة ليراعى أمر
المثاقيل والموازين فتسلط يومين أو ثلاثة على باعة النوى واشتراه لنفسه
فلما رفع ذلك الى عثمان أنكر عليه وعزله وقال لاهل المدينة انى لم آمره
بذلك ولا عتب على السلطان فى جور بعض العمال اذا استدرك بعد علمه وقد روى
انه جعله على سوق المدينة وجعل له كل يوم درهمين وقال لاهل المدينة اذا
رأيتموه سرق شيئا فخذوه منه وهذا غاية الانصاف* وأما قصة أبى موسى فلا يصح
شئ منها فانه رواه ابن اسحاق عن من حدّثه عن أبى موسى ولا يصح الاستدلال
برواية المجهول وكيف يصح ذلك وأبو موسى ما ولى لعثمان عملا الا فى آخر
السنة التى قتل فيها ولم يرجع اليه فانه لما عزله عن البصرة بعبد الله بن
عامر لم يتول شيئا من أعماله الى ارسال أهل الكوفة اليه فى السنة التى قتل
فيها أن يوليه الكوفة فولاه اياها ولم يرجع اليه ثم يقال للخوارج والروافض
انكم تكفرون أبا موسى وعثمان فلا حجة فى دعوى بعضهم على بعض* وأمّا عزل ابن
أرقم ومعيقيب عن ولاية بيت المال فانهما أسنا وضعفا عن القيام بحفظ بيت
المال وقد روى انّ عثمان لما عزلهما خطب الناس وقال ألا انّ عبد الله بن
أرقم لم يزل على جرايتكم من زمن أبى بكر وعمر الى اليوم وانه كبر وضعف وقد
ولينا عمله زيد بن ثابت وأمّا ما نسبوه اليه من صرف بيت المال فى عمارة
دوره وضياعه المختصة به فبهتان افتروه عليه وكيف وهو من أكثر الصحابة مالا
وكيف يمكنه ذلك بين أظهر الصحابة مع انه الموصوف بكثرة الحياء وان الملائكة
تستحيى منه لفرط حيائه أعاذنا الله من فرطات الجهل وموبقات الهوى آمين*
وأما قولهم انه دفع الى زيد ما فضل من بيت المال فافتراء واختلاق بل الصحيح
انه أمر بتفرقة المال على أصحابه ففضل فى بيت المال ألف درهم فأمر بانفاقها
فيما يراه أصلح للمسلمين فأنفقها زيد على عمارة مسجد النبىّ صلى الله عليه
وسلم بعد ما زاد عثمان فى المسجد زيادة وكل واحد منهما مشكور محمود على
فعله* (الثالث) * انهم قالوا حبس عن عبد الله بن مسعود وأبى ذرّ عطاءهما
وأخرج أبا ذرّ الى الربذة وكان بها الى ان مات وأوصى الى الزبير وأوصاه ان
يصلى عليه ولا يستأذن عثمان لئلا يصلى عليه فلما دفن وصل عثمان ورثته بعطاء
أبيهم خمس سنين* جوابه أما ما ادّعوه من حبس عطاء ابن مسعود فكان ذلك فى
مقابلة ما بلغه عنه ولم تزل الائمة على مثل ذلك وكل منهما مجتهد فاما
مصيبان أو مخطىء ومصيب ولم يكن قصد عثمان حرمانه البتة وأمّا التأخير الى
غاية اقتضى نظره التأخير اليها أدبا فلما قضى عليه امّا مع حصول تلك الغاية
أو دونها وصل به ورثته ولعله كان انفع لهم* (الرابع) * ما روى انه حمى نقيع
المدينة ومنع الناس وزاد فى الحمى أضعاف النقيع* جوابه أمّا قصة الحمى فهذا
ما كان اعترض به أهل مصر عليه فأجابهم بأنه انما حمى لابل الصدقة كما حمى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا انك زدت قال زدت لانّ ابل الصدقة زادت
وليس هذا مما ينقم على الامام* (الخامس) * قالوا انه حمى سوق المدينة فى
بعض ما يباع ويشترى فقال لا يشترى منه أحد النوى حتى يشترى وكيله حتى يفرغ
من شراء ما يحتاج اليه عثمان لعلف ابله* جوابه أمّا انه حمى سوق المدينة
الى آخر ما قرّر فهذا مما تقوّل عليه واختلق ولا أصل له ولم يصح الا ما
تقدّم من حديث الحارث بن الحكم ولعله لما فعل ذلك نسبوه الى عثمان وعلى
تقدير صحة ذلك يحمل على انه فعله لابل الصدقة وألحقه بحمى المرعى لها لانه
فى معناه* (السادس) * زعموا انه حمى البحر من أن تخرج فيه سفينة الا فى
تجارته* جوابه أما حمى البحر فعلى تقدير صحة نقل فيها يحمل على انها كانت
ملكا له لانه كان منبسطا فى التجارات متسع المال فى الجاهلية والاسلام فما
حمى البحر وانما حمى سفنه أن
يحمل فيها متاع غير متاعه* (السابع) * انه أقطع أصحابه
(2/268)
اقطاعات كثيرة من بلاد الاسلام مما لم يكن
له فعله* جوابه امّا اقطاعه كثيرا من أصحابه الى آخره فعنه جوابان* الاوّل
انّ ذلك كان اذنا منه فى الاحياء فأحيا كل ما قدر عليه من موات أرض العراق
ومن أحيا أرضا ميتة فهى له* والثانى انّ أصحاب السير ذكروا انّ الاشراف من
أهل اليمن قدموا المدينة وهجروا بلادهم وأموالهم وأحبوا أن يقيموا تجاه
الاعداء وسألوه أن يعوّضهم عما تركوه من أراضيهم وأموالهم مثلها فأعطى طلحة
موضعا وأخذ منه ماله بحضر موت وأعطى الاشعث بن قيس ضيعة وأخذ ماله بكندة
وهكذا كل من أعطى شيئا فانما هو بشىء صار للمسلمين وفعل ذلك لما رأى من
المصلحة اما اجارة ان قلنا أن أراضى السواد وقف أو تمليكا ان قلنا انها
ملك* (الثامن) * انه نفى جماعة من أعلام الصحابة عن أوطانهم منهم أبو ذرّ
الغفارى جندب بن جنادة وقصته فيما نقلوه انه كان بالشأم فلما بلغه ما أحدث
عثمان ذكر عيوبه للناس فكتب معاوية الى عثمان أن أبا ذرّ يفسد عليك الناس
فكتب اليه عثمان أن أشخصه الىّ على مركب وعروسائق عنيف فأشخصه معاوية على
تلك الصورة فلما وصل الى عثمان قال له تفسد علىّ قال له أبو ذرّ أشهد لقد
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا
جعلوا مال الله دولا وعباد الله خولا ودين الله دغلا ثم يريح الله العباد
منهم فقال عثمان لمن بحضرته من المسلمين أسمعتم هذا من رسول الله صلى الله
عليه وسلم قالوا لا فدعا عثمان عليا فسأله عن الحديث فقال لم أسمعه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما
أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبى ذرّ فاغتاظ عثمان وقال
لابى ذرّ اخرج من هذه البلدة فخرج منها الى الربذة فكان بها الى أن مات
رحمه الله* جوابه أما ما ادّعوه من نفى جماعة من الصحابة فأما أبو ذرّ فروى
انه كان يتجاسر عليه ويجيبه بالكلام الخشن ويفسد عليه ويثير الفتنة وكان
يؤدّى ذلك التجاسر عليه الى اذهاب هيبته وتقليل حرمته ففعل ما فعل به صيانة
لمنصب الشريعة واصانة لحرمة الدين وكان عذر أبى ذرّ فيما كان يفعله انه كان
يدعوه الى ما كان عليه صاحباه من التجرّد عن الدنيا والزهد فيها فيخالفه
الى أمور مباحة من اقتنائه الاموال وجمعه الغلمان الذين يستعان بهم على
الحروب وكل منهما على هدى من الله ولم يزل أبو ذرّ ملازما طاعة عثمان بعد
خروجه الى الربذة حتى توفى ولما قدم اليها كان لعثمان غلام يصلى بالناس
فقدّم أبا ذرّ للصلاة فقال له أنت الوالى والوالى أحق* هذا كله على تقدير
صحة ما نقله الروافض فى قصة أبى ذرّ مع عثمان والا فقد روى محمد بن سيرين
خلاف ذلك فقال لما قدم أبو ذرّ من الشأم استأذن عثمان فى لحوقه بالربذة
فقال أقم عندى تغدى عليك اللقاح وتروح فقال لا حاجة لى فى الدنيا فأذن له
فى الخروج الى الربذة* وروى قتادة انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لابى
ذرّ اذا رأيت المدينة بلغ بناؤها سلعا فاخرج منها وأشار الى الشأم فلما كان
فى ولاية عثمان بلغ بناؤها سلعا فخرج الى الشأم وأنكر على معاوية أشياء
فشكا الى عثمان فكتب عثمان الى أبى ذرّ أقبل الينا فنحن أرعى لحقك وأحسن
جوارا من معاوية فقال أبو ذرّ سمعا وطاعة فقدم على عثمان ثم استاذن فى
الخروج الى الربذة فاذن له فمات ورواية هذين الامامين العالمين من التابعين
وأهل السنة هذه القصة أشبه بأبى ذرّ وعثمان من رواية غيرهما من أهل البدعة*
(التاسع) * ان عبادة بن الصامت كان بالشأم فى جند فمر عليه قطار جمال تحمل
خمرا فقيل له انها خمر تباع لمعاوية فأخذ شفرة وقام اليها فما ترك منها
راوية الاشقها ثم ذكر لاهل الشأم سوء سيرة عثمان ومعاوية فكتب معاوية الى
عثمان يشكوه وسأل اشخاصه الى المدينة فبعث اليه فاستدعاه فلما دخل عليه قال
مالك يا عبادة تنكر علينا وتخرج من طاعتنا فقال عبادة سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول لا طاعة لمن عصى الله
(2/269)
تعالى* جوابه أما قصة عبادة بن الصامت فهى
دعوى باطلة وكذب مختلق وما شكا معاوية عبادة ولا أشخصه عثمان والامر على
خلاف ذلك فيما رواه الثقات من اتفاقهم ورجوع بعضهم الى بعض فى الحق ويشهد
لذلك ما روى انّ معاوية لما غزا جزيرة قبرس كان معه عبادة بن الصامت فلما
فتح الجزيرة وأخذوا غنائمها أخرج معاوية خمسها وبعثه الى عثمان وجلس يقسم
الباقى بين جنده وجلس جماعة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ناحية منهم
عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وشدّاد بن أوس وواثلة بن الاسقع وأبو امامة
الباهلى وعبد الله بن بشر المازنى فمرّ بهم رجلان يسوقان حمارين فقال لهما
عبادة ما هذان الحماران فقالا انّ معاوية أعطاناهما من المغنم وانا نرجو أن
نحج عليهما فقال لهما عبادة لا يحل لكما ذلك ولا لمعاوية أن يعطيكما فردّ
الرجلان الحمارين على معاوية وسأل معاوية عبادة بن الصامت عن ذلك فقال
عبادة شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة حنين والناس يكلمونه فى
الغنائم فأخذو برة من بعير وقال مالى مما أفاء الله عليكم من الغنائم الا
الخمس والخمس مردود عليكم فاتق الله يا معاوية واقسم الغنائم على وجهها ولا
تعط أحدا منها اكثر من حقه فقال معاوية قد وليتك قسمة الغنائم ليس أحد
بالشأم أفضل منك ولا أعلم فاقسمها بين أهلها واتق الله فيها فقسمها عبادة
بين أهلها وأعانه أبو الدرداء وأبو امامة وما زالوا على ذلك الى آخر زمن
عثمان فهذه قصة عبادة فى التزامه طاعة عثمان وطاعة عامله بالشأم بضدّ ما
رووه قاتلهم الله* (العاشر) * هجره لعبد الله بن مسعود وذلك انه لما عزله
عن الكوفة وأشخصه الى المدينة هجره أربع سنين الى أن مات مهجورا وسبب ذلك
فيما زعموا انّ ابن مسعود لما عزله عثمان عن الكوفة وولى الوليد بن عقبة
ورأى صنيع الوليد فى جوره وظلمه فعاب ذلك وجمع الناس بمسجد الكوفة وذكر لهم
احداث عثمان ثم قال أيها الناس لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو
ليسلطنّ الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم وبلغه خبر نفى
أبى ذر الى الربذة فقال فى خطبته بمحفل من أهل الكوفة هل سمعتم قول الله
تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم وعرض بذلك
لعثمان فكتب الوليد بذلك الى عثمان فأشخصه من الكوفة فلما دخل مسجد النبى
صلى الله عليه وسلم أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من
المسجد ورمى به الى الارض وأمر باحراق مصحفه وجعل منزله محبسه وحبس عنه
عطاء أربع سنين الى أن مات وأوصى الزبير بأن لا يترك عثمان يصلى عليه
وزعموا أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده وقال استغفر الله لى فقال اللهم
انك عظيم العفو كثير التجاوز فلا تتجاوز عن عثمان حتى تقيد لى منه* جوابه
اما ما رووه مما جرى على عبد الله بن مسعود من عثمان وأمره غلامه بضربه الى
آخر ما قرّروه فكله بهتان واختلاق لا يصح منه شئ وهؤلاء الجهلة لا يتحامون
الكذب فيما يروونه موافقا لا غراضهم اذ لا ديانة تردّهم لذلك ثم نقول على
تقدير صحة ذلك من الغلام فيكون قد فعله من نفسه غضبا لمولاه فانّ ابن مسعود
كان يجبه عثمان بالكلام ويلقاه بما يكرهه ولو صح ذلك عنه لكان محمولا على
الادب فانّ منصب الخلافة لا يحتمل ذلك ويضع ذلك منه بين العامّة وليس هذا
بأعظم من ضرب عمر سعد بن أبى وقاص بالدرة على رأسه حين لم يقم له وقال له
انك لم تهب الخلافة فأردت أن تعرف انّ الخلافة لا تهابك ولم يغير ذلك سعد
اولا رآه عيبا وكذلك ضربه لابىّ بن كعب حين رآه يمشى وخلفه قوم فعلاه
بالدرّة وقال انّ هذا مذلة للتابع وفتنة للمتبوع ولم يطعن أبىّ بذلك على
عمر بل رآه أدبا منه نفعه الله به ولم يزل دأب الخلفاء والامراء تأديب من
رأوا منه الخلاف على أنه قد روى انّ عثمان اعتذر لابن مسعود وأتاه فى منزله
حين بلغه مرضه وسأله أن يستغفر له وقال يا أبا عبد الرحمن هذا عطاؤك فخذه
فقال له ابن مسعود وما أتيتنى به اذ كان ينفعنى
(2/270)
وجئتنى به عند الموت لا أقبله فمضى عثمان
الى أم حبيبة فسألها أن تطلب من ابن مسعود ليرضى عنه فكلمته أم حبيبة ثم
أتاه عثمان فقال يا أبا عبد الرحمن ألا تقول كما قال يوسف لاخوته لا تثريب
عليكم اليوم يغفر الله لكم فلم يتكلم ابن مسعود واذا ثبت هذا فقد فعل عثمان
ما هو الممكن من حقه اللائق بمنصبه أوّلا وآخرا ولو فرض خطاؤه فقد أظهر
التوبة والتمس الاستغفار واعتذر بالذنب لمن لم يقبله حينئذ فان الله أخبر
أنه يقبل التوبة عن عباده وفى ذلك حثهم على الاقتداء به على أنه قد نقل ان
ابن مسعود رضى عنه واستغفر له قال سلمة بن سعيد دخلت على ابن مسعود فى مرضه
الذى توفى فيه وعنده قوم يذكرون عثمان فقال لهم مهلا فانكم ان قتلتموه لا
تصيبون مثله وأما عزله عن الكوفة واشخاصه الى المدينة وهجره له وجفاؤه اياه
فلم تزل هذه شيمة الخلفاء قبله وبعده على ما تقدّم تحريره وليس هجره اياه
أعظم من هجر علىّ أخاه عقيلا بن أبى طالب وأبا أيوب الانصارى حين فارقاه
بعد انصرافه من صفين وذهبا الى معاوية ولم يوجب ذلك طعنا عليه ولا عيبا
فيه* وقد روى ان اعرابيا من همدان دخل المسجد فرأى ابن مسعود وحذيفة وأبا
موسى يذكرون عثمان طاعنين عليه فقال أنشدكم الله لو أن عثمان ردّكم الى
أعمالكم وردّ اليكم عطاياكم أكنتم ترضون قالوا اللهم نعم فقال الهمدانى
اتقوا الله يا أصحاب محمد ولا تطعنوا على أئمتكم وفى هذا بيان أن من طعن
على عثمان انما كان لعزله اياه وتولية غيره وقطع عطاياه وذلك سائغ للامام
اذا أدّى اجتهاده اليه* (الحادى عشر) * نقلوا انه قال لعبد الرحمن بن عوف
انه منافق وذلك ان الصحابة لما نقموا على عثمان ما أحدثه وعاتبوا عبد
الرحمن فى توليته اياه فى اختياره فندم على ذلك وقال انى لا أعلم ما يكون
وأن الامر اليكم فبلغ قوله عثمان وقال ان عبد الرحمن منافق وأنه لا يبالى
ما قال فحلف ابن عوف لا يكلمه ما عاش ومات على هجرته وقالوا فان كان ابن
عوف منافقا كما قال فما صحت بيعته ولا اختياره له وان لم يكن منافقا فقد
فسق بهذا القول وخرج عن أهلية الامارة* جوابه أما قولهم ان عبد الرحمن ندم
على تولية عثمان فكذب صريح ولو كان كذلك لصرح بخلعه اذ لا مانع له فان
أعيان الصحابة على زعمهم منكرون عليه ناقمون احداثه والناس تبع لهم فلا
مانع لهم من خلعه وكيف يصح ما وصفوا به كل واحد منهما فى حق الاخر وقد آخى
صلى الله عليه وسلم بينهما فثبت لكل واحد منهما على الاخر حق الاخوة
والاشتراك فى صحبة النبوّة وشهادة النبىّ صلى الله عليه وسلم لكل منهما
بالجنة ونزل التنزيل مخبرا بالرضا عنهم وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو عنهما راض ويبعد مع هذا كله صدور ما ذكروه عن كل واحد منهما وانما الذى
صح فى قصته ان عثمان استوحش منه فان عبد الرحمن كان ينبسط اليه فى القول
ولا يبالى بما يقول له* وروى أنه قال له انى أخاف يا ابن عوف أن تنبسط فى
دمى* (الثانى عشر) * ما رووا أنه ضرب عمار بن ياسر وذلك ان أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم اجتمع منهم خمسون رجلا من المهاجرين والانصار فكتبوا
احداث عثمان وما نقموا عليه فى كتاب وقالوا العمار أوصل هذا الكتاب الى
عثمان ليقرأه فلعله أن يرجع عن هذا الذى ننكره وخوّفوه فيه بأنه ان لم يرجع
خلعوه واستبدلوا غيره قالوا فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه فقال عمار لا ترم
بالكتاب وانظر فيه فانه كتاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا
والله ناصح لك وخائف عليك فقال كذبت يا ابن سمية وأمر غلمانه فضربوه حتى
وقع لجنبه وأغمى عليه وزعموا انه قام بنفسه فوطئ بطنه ومذاكيره حتى أصابه
الفتق وأغمى عليه أربع صلوات فقضاها بعد الافاقة واتخذ لنفسه ثيابا تحت
ثيابه وهو أول من لبس الثياب لاجل الفتق فغضب لذلك بنو مخزوم وقالوا والله
لئن مات عمار من هذا لنقتلنّ من بنى أمية شيخا عظيما يعنون عثمان ثم
ان عمارا لزم بيته الى أن كان من أمر الفتنة ما كان
(2/271)
* جوابه أمّا ضرب عمار فسياق هذه القصة لا
يصح على هذا النحو الذى رووه بل الصحيح منها انّ غلمانه ضربوا عمارا وقد
حلف انه لم يكن على أمره لانهم عاتبوه فى ذلك فاعتذر اليهم بان قال جاء هو
وسعد الى المسجد وأرسلا الىّ أن ائتنا فانا نريد أن نذاكرك أشياء فعلتها
فأرسلت اليهما انى عنكما اليوم مشغول فانصرفا وموعدكما يوم كذا وكذا فانصرف
سعد وأبى هو أن ينصرف فأعدت اليه الرسول فأبى ثم أعدت اليه فأبى فتناوله
رسولى بغير أمرى والله ما أمرته ولا رضيت بضربه وهذه يدى لعمار فليقتص منى
ان شاء وهذا أبلغ ما يكون من الانصاف* ومما يؤيد ذلك ويوهى ما رووا انه روى
أبو الزناد عن أبى هريرة انّ عثمان لما حوصر ومنع الماء قال لهم عمار سبحان
الله قد اشترى بئر رومة وتمنعونه ماءها خلوا سبيل الماء ثم جاء الى علىّ
وسأله انفاذ الماء اليه فأمر براوية ماء وهذا يدل على رضاه وقد روى رضاه
عنه لما أنصفه بحسن الاعتذار فما بال أهل البدعة لا يرضون وما مثلهم فيه
الا كما يقال رضى الخصمان ولم يرض القاضى* (الثالث عشر) * قالوا انه انتهك
حرمة كعب بن عبدة البهزى وذلك انّ جماعة من أهل الكوفة اجتمعوا وكتبوا الى
عثمان كتابا يذكرون فيه احداثه ويقولون ان أنت أقلعت عنها فانا سامعون
مطيعون والا فانا منا بذوك ولا طاعة لك علينا وقد أعذر من أنذر ودفعوا
الكتاب الى رجل من عنزة ليحمله الى عثمان وكتب اليه كعب بن عبدة كتابا أغلظ
منه مع كتابهم فغضب عثمان وكتب الى سعيد بن العاص أن يسرع الى كعب بن عبدة
ويبعث به من الكوفة الى بعض الجبال فدخل عليه وجرّده من ثيابه وضربه عشرين
سوطا ونفاه الى بعض الجبال* جوابه أمّا قولهم انه انتهك حرمة كعب فيقال لهم
ما أنصفتم اذ ذكرتم بعض القصة وتركتم تمامها وذلك انّ عثمان استدرك ذلك بما
أرضاه وكتب الى سعيد بن العاص أن ابعثه الىّ مكرّما فبعثه اليه فلما دخل
عليه قال له يا كعب انك كتبت الىّ كتابا غليظا ولو كتبت الىّ ببعض اللين
لقبلت مشورتك ولكنك حدّدتنى وأغصبتنى حتى نلت ما نلت ثم نزع قميصه ودعا
بسوط فدفعه اليه ثم قال قم فاقتص منى ما ضربته فقال كعب أمّا اذا فعلت ذلك
فأنا أدعه الى الله تعالى ولا أكون أوّل من اقتص من الائمة ثم صار كعب بعد
ذلك من خاصة عثمان وعذره فى مبادرته الامر بضربه ونفيه وذلك سبيل أولى
الامر فى تأديب من رأوا خروجه على امامه* (الرابع عشر) * قالوا وانتهك حرمة
الاشتر النخعى وذلك انّ سعيد بن العاص لما ولى الكوفة من قبل عثمان دخل
المسجد فاجتمع اليه أشراف الكوفة فذكروا الكوفة وسوادها فقال عبد الرحمن بن
حنين صاحب شرطة سعيد وددت أنّ السواد كله للامير فقال الاشتر النخعى لا
يكون للامير ما أفاء الله علينا بأسيافنا فقال عبد الرحمن اسكت يا اشتر فو
الله لو أراد الامير لكان السواد كله له فقال الاشتر كذبت يا عبد الرحمن لو
رام ذلك لما قدر عليه وقامت العامّة على ابن حنين فضربوه حتى وقع لجنبه
وكتب سعيد الى عثمان ليأمره باخراج الاشتر من الكوفة الى الشام مع أتباعه
الذين أعانوه فأجابه الى ذلك فأشخصه مع عشرين نفرا من صالحاء الكوفة الى
الشام فلم يزالوا محبوسين بها الى ان كانت فتنة عثمان ثم انّ سعيد الحق
بالمدينة واضطربت الكوفة على عمال عثمان وكتب أشراف الكوفة الى الاشتر أمّا
بعد فقد اجتمع الملأ من اخوانك فتذاكروا احداث عثمان وما أتاه عليك ورأوا
ان لا طاعة عليهم فى معصية الله وقد خرج سعيد عنا وقد أعطينا عهودنا أن لا
يدخل علينا سعيد بعد هذا واليا فالحق بنا ان كنت تريد أن تشهد معنا أمرنا
فسار اليهم واجتمع معهم وأخرجوا ثابت بن قيس صاحب شرطة سعيد بن العاص وعزم
عسكر الاشتر وأهل الكوفة على منع عمال عثمان على الكوفة واتصل الخبر بعثمان
فأرسل اليهم سعيد بن العاص فلما بلغ العذيب استقبله جند الكوفة وقالوا ارجع
يا عدوّ الله فانك لا تذوق فيها بعد صنيعك ماء الفرات وقاتلوه
(2/272)
وهزموه فرجع الى عثمان خائبا وكتب عثمان
الى الاشتر كتابا توعده على مخالفة الامام فكتب اليه الاشتر* من مالك بن
الحويرث الى الخليفة الخارج عن سنة نبيه النابذ حكم القرآن وراء ظهره أمّا
بعد فانّ الطعن على الخليفة انما يكون وبالا اذا كان الخليفة عادلا وبالحق
قاضيا واذا لم يكن كذلك ففراقه قربة الى الله ووسيلة اليه وأنفذ الكتاب مع
كميل بن زياد فلما وصل الى عثمان سلم ولم يسمه بأمير المؤمنين فقيل له لم
لا تسلم بالخلافة على أمير المؤمنين فقال ان تاب عن أفعاله وأعطانا ما نريد
فهو أمير المؤمنين والا فلا فقال عثمان انى أعطيكم الرضا فمن تريدون أن
أوليه عليكم فاقترحوا عليه أبا موسى الاشعرى فولاه عليهم* جوابه أمّا قصة
الاشتر النخعى فبقول ظلمة البدعة والحمية الناشئة عن محض العصبية تحول دون
رؤية الحق وهل آثار الفتنة فى هذه القصة الافعل الاشتر بالكوفة من هتك حرمة
السلطان وتسليط العامّة على ضرب عامله فلا يعتذر عن عثمان فى الامر بنفيه
بل ذلك أقلّ ما يستوجبه ثم لم يقنعه ذلك حتى سار من الشام الى الكوفة وأضرم
نار الفتنة على ما تقدّم تقريره ثم لم يتمكن عثمان معهم من شئ الاسلوك سبيل
السياسة واجابتهم الى ما أرادوا فولى عليهم أبا موسى وبعث حذيفة بن اليمان
على خراجهم ثم لم يقنعهم ذلك حتى خرج اليهم الاشتر مع رعاع الكوفة وانضم
اليه جماعة من أهل مصر وساروا الى عثمان فقتلوه وباشر الاشتر قتله على ما
فى بعض الروايات وصار قتله سببا للفتنة الى ان تقوم الساعة فعميت أبصارهم
وبصائرهم عن ذمّ الاشتر وأنظاره وتعرّضوا لذمّ من شهد له لسان النبوّة انه
على الحق وأمر بالكون معه وأخبر بانه يقتل مظلوما يشهد لذلك الحديث الصحيح
كما تقدّم* (الخامس عشر) * قالوا انّ عثمان أحرق مصحف ابن مسعود ومصحف أبى
وجمع الناس على مصحف زيد ثابت ولما بلغ ابن مسعود انه أحرق مصحفه وكان له
نسخة عند أصحاب له بالكوفة أمرهم بحفظها وقال لهم قرأت سبعين سورة وانّ زيد
بن ثابت لصبى من الصبيان* جوابه أمّا احراق مصحف ابن مسعود فليس ذلك مما
يعتذر عنه بل هو من أكبر المصالح فانه لو بقى فى أيدى الناس أدّى ذلك الى
فتنة كبيرة فى الدين لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن
ولحذفه المعوّذتين من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة انهما من القرآن قال
عثمان لما عوتب فى ذلك خشيت الفتنة فى القرآن وكان الاختلاف بينهم واقعا
حتى كان الرجل يقول لصاحبه قراءتى خير من قراءتك فقال له حذيفة أدرك الناس
فجمع الناس على مصحف واحد لتزول الفتنة فى القرآن وكان الذى اجتمعوا عليه
مصحف عثمان ثم يقال لاهل الاهواء والبدعة ان لم يكن مصحف عثمان حقا فلم رضى
علىّ وأهل الشام بالتحكم اليه حين رفع أهل الشام المصاحف وكانت مكتوبة على
نسخة مصحف عثمان* (السادس عشر) * قالوا انّ عثمان ترك اقامة حدود الله
تعالى فى عبيد الله بن عمر لما قتل الهرمز ان وقتل جفينة وبنتا صغيرة لابى
لؤلؤة قاتل عمر فاجتمعت الصحابة عند عثمان وأمروه بقتل عبيد الله بن عمر
قصاصا بمن قتل وأشار علىّ بذلك فلم يقتله ولذلك صار عبيد الله بعد قتل
عثمان الى معاوية خوفا من علىّ أن يقتله بالهرمزان* جوابه أمّا قولهم ترك
اقامة حدود الله فى عبيد الله بن عمر فنقول أمّا ابنة أبى لؤلؤة فلا قود
فيها لانّ ابنة المجوسى صغيرة لا قود فيها تابعة له وكذلك جفينة فانه
نصرانى من أهل الحيرة وأمّا الهرمز ان فعنه جوابان* الاوّل انه شارك أبا
لؤلؤة فى ذلك ومالأه وان كان المباشر أبا لؤلؤة وحده ولكن المعين على قتل
الامام العادل يباح قتله عند جماعة من الائمة وفد أوجب كثير من الفقهاء
القود على الامر والمأمور وبهذا اعتذر عبيد الله بن عمرو قال انّ عبد
الرحمن بن أبى بكر أخبره انه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة يدخلون فى
مكان يتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه فى وسطه فقتل عمر فى صبيحة تلك
الليلة فاستدعى عثمان عبد الرحمن فسأله فى ذلك فقال انظروا الى السكين فان
كان ذا طرفين فلا أرى القوم
(2/273)
الاوقد اجتمعوا على قتله فنظروا اليها
فوجدوها كما وصف عبد الرحمن وقد مرّ فى أولاد عمر فلذلك ترك عثمان قتل عبيد
الله بن عمر لرؤيته عدم وجوب القود لذلك أو لتردّده فيه فلم ير الوجوب
بالشك* والثانى أن عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظيمة لانه كان معه بنو
تيم وبنو عدى مانعون من قتله ودافعون عنه وكان بنو أمية أيضا جانحون اليه
حتى قال عمرو بن العاص قتل أمير المؤمنين عمر بالامس ويقتل ابنه اليوم لا
والله لا يكون هذا أبدا فلما رأى عثمان ذلك اغتنم تسكين الفتنة وقال أمره
الىّ سأرضى أهل الهرمز ان منه* (السابع عشر) * قالوا انّ عثمان خالف
الجماعة فى اتمام الصلاة بمنى مع علمه بان رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبا بكر وعمر قصروا الصلاة بها* جوابه أما اتمام الصلاة بمنى فعذره فى ذلك
ظاهر فانه ممن لم يوجب القصر فى السفر وانما كان يبيحه كما رواه فقهاء
المدينة ومالك والشافعى وغيرهما وانما أوجبه فقهاء الكوفة ثم انها مسئلة
اجتهادية اختلف فيها العلماء فقوله فيها لا يوجب تكفيرا ولا تفسيقا*
(الثامن عشر) * انفرد بأقوال شاذة خالف فيها جميع الامّة فى الفرائض
وغيرها* جوابه أما انفراده بالاقوال الشاذة فلم يزل أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم على نحو من ذلك ينفرد الواحد منهم بالقول ويخالفه فيه
الباقون وهذا على بن أبى طالب فى مسئلة بيع أم الولد على مثل ذلك وفى
الفرائض عدّة مسائل على هذا النحو الكثير من الصحابة* (التاسع عشر) * قالوا
انه كان غادرا مخالفا لوعده فانّ أهل مصر شكوا اليه عامله عبد الله بن أبى
سرح فوعدهم أن يولى عليهم من يرضون فاختاروا محمد بن أبى بكر فولاه عليهم
وتوجهوا به معهم الى مصر ثم كتب الى عامله ابن أبى سرح بمصر يأمره أن يأخذ
محمد بن أبى بكر فيقطع يديه ورجليه وهذا كان سبب رجوع أهل مصر وغيرهم الى
المدينة وحصارهم عثمان وقتله* جوابه أما قولهم انه كان غادرا الى آخر ما
قرّروه فنقول أما الكتاب الذى كان الى عامله بمصر فلم يكن من عنده وقد حلف
على ذلك لهم وقد تقدّم ذكر ذلك فى مقتله مستوفى وقد ذكرنا من يتهم بالتزوير
عليه وقد تحققوا ذلك وانما غلب الهوى أعاذنا الله منه على العقول حتى ضلت
فيه فئة فقتلته رضى الله عنه*
(ذكر ولده)
* وكان له من الولد ستة عشر تسعة ذكور وسبعة اناث* ذكر الذكور* عبد الله
ويعرف بالاصغر وفى المختصر عبد الله الاكبر أمّه رقية بنت رسول الله هلك
صغيرا وقيل بلغ ست سنين ونقره ديك فى عينه فمرض فمات وعبد الله الاكبر وفى
المختصر عبد الله الاصغر أمّه فاخته بنت غزوان* وعمرو وكان أسنهم وأشرفهم
عقبا وولدا دعاه مروان الى أن يشخص الى الشأم فأبى ومات بمنى* وأبان ويكنى
ابا سعيد وهو من رواة الحديث وشهد حرب الجمل مع عائشة* وفى المختصر وكان
أوّل من انهزم وكان أبرص أحول أصم ولى المدينة فى أيام عبد الملك بن مروان
وأصابه فالج ومات فى خلافة يزيد بن عبد الملك وعقبه كثير وله ولد فى
الاندلس* وخالد وكان فى يده وأولاده المصحف الذى قطر عليه دم عثمان حين
قتل* وفى المختصر توفى فى خلافة أبيه بركض دابة فأصابه قطع فهلك منه وله
عقب وهو الذى يقال له الكسير* وعمرو وله عقب أيضا أمهم بنت جندب من الازد
وسعيد والوليد أمهما فاطمة بنت الوليد وكان سعيد يكنى أبا عثمان ولاه
معاوية خراسان وكان حاكما بخراسان من قبل معاوية فقتل هناك* وفى المختصر
ففتح سمرقند وكان أعور نحيلا أصيبت عينه بسمرقند وعبد الملك مات غلاما أمّه
مليكة وهى أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزارى وزاد فى المختصر فى أولاده
الذكور المغيرة وقال أمّه أسماء بنت أبى جهل بن هشام* ذكر الاناث* مريم
الكبرى أخت عمر ولامّه وأم سعيد أخت سعيد لامّه فتزوّجها عبد الله وعائشة
فتزوّجها الحارث بن الحكم ابن أبى العاص ثم خلف عليها عبد الله بن الزبير*
وأم أبان فتزوّجها مروان ابن لحكم بن العاص وأم
(2/274)
عمر وأمّهم رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس ومريم الصغرى أمها نائلة بنت
الفرافصة الكلبية فتزوّجها عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط وأم البنين
أمّها أم ولد كذا فى الرياض النضرة* وزاد فى المختصر فى بناته عمرة بنت
عثمان بن عفان قال فتزوّجها سعيد بن العاص فهلكت عنده فتزوّج أختها مريم
الكبرى بنت عثمان ثم هلك عنها فخلف عليها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
المخزومى فهلكت عنده* |