تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس

(ذكر خلافة معاوية ابى عبد الله بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف القرشى الاموى وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس)
* وفى مورد اللطافة كنيته أبو عبد الرحمن ولقبه الناصر لدين الله وقيل الناصر لحق الله والثانى أشهر* صفته* كان طوالا أبيض اذا ضحك انقلبت شفته العليا يخضب بالحناء والكتم وكان ربما كتب للنبىّ صلى الله عليه وسلم الوحى ثم كان من عسكر أخيه يزيد بن أبى سفيان فلما احتضر أخوه بدمشق وكان نائبها لعمر استخلفه على امرة دمشق فأقرّه عليها عمر فى سنة عشرين فلم يزل متوليا على الشام عشرين سنة فلما أسلم اليه الحسن الخلافة اجتمع له الامر وبعث نوّابه على البلاد وذلك فى اليوم الخامس والعشرين من شهر ربيع الاوّل سنة احدى وأربعين* وفى سيرة مغلطاى فى شوّال سنة احدى وأربعين ببيت المقدس وسمى هذا العامّ عام الجماعة كما مرّ فى خلافة الحسن لاجتماع الامة بعد الفرقة على خليفة واحد* وفى دول الاسلام فى سنة احدى وأربعين غزا المسلمون اطراف افريقية وغنموا وسبوا وفى سنة اثنتين وأربعين مات عثمان بن طلحة بن أبى طلحة وأمه أم سعيد سلافة بنت سعد من بنى عمرو بن عوف* وفى سنة ثلاث وأربعين توفى عبد الله بن سلام بالمدينة وكان اسلامه فى أوّل قدوم النبىّ صلى الله عليه وسلم المدينة كما

(2/291)


مرّ فى الموطن الاوّل وكان اسرائيليا حبرا يكنى أبا يوسف وهو ممن شهد له النبىّ صلى الله عليه وسلم بالجنة وطالت دولة معاوية وكان ملكا مهيبا حازما شجاعا جوادا حليما سيدا كانما خلق للملك يعدّ من أفراد الملوك تمت فى أيامه عدّة فتوحات وفى سنة احدى وأربعين وقيل خمس وأربعين فى خلافة معاوية ماتت أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم فى سنة ثلاث من الهجرة وفى سنة احدى وأربعين مات لبيد بن ربيعة العامرى الشاعر الذى قال فيه النبىّ صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها الشعراء كلمة لبيد* ألا كل شئ ما خلا الله باطل* تمامه* وكل نعيم لا محالة زائل* وكان من فحول الشعراء عاش مائة وخمسين سنة وفد على النبىّ صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن اسلامه وترك قول الشعر وله
ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه القرين الصالح

وفاة عمرو بن العاص
وفى سنة ثلاث وأربعين مات بمصر ليلة عيد الفطر عمرو بن العاص السهمى وكان نائبا لمعاوية عليها وفد مسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره على غزوة ذات السلاسل وهو الذى افتتح مصر وكان من دهاة العرب وأولى الحزم والرأى والمكيدة خلف أموالا عظيمة من ذلك سبعين رقبة بعير مملوءة ذهبا وكان معاوية أطلق له خراج الديار المصرية ست سنين شارطه على ذلك لما أعانه على وقعة صفين وعاش نحوا من تسعين سنة* وفى سنة أربع وأربعين عمل معاوية المقصورة بجامع دمشق وهو أوّل من عملها وكان يستنيب فى زمن ولايته من يحج وحج بالناس سنتين سنة أربع وأربعين وسنة احدى وخمسين* قال أبو الفرج حج هو بالناس سنة خمسين* وفى مورد اللطافة لما حج معاوية خرج اليه الحسن ابن على يشتكى اليه دينا فأعطاه ثمانين ألف دينار ولى نيابة المدينة لمعاوية مروان بن الحكم وحج بالناس أخو معاوية عتبة بن أبى سفيان وفى سنة أربع وأربعين وقيل اثنتين وخمسين مات أبو موسى الاشعرى واسمه عبد الله بن قيس اليمنى صاحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد استعمله على زبيد وعدن ولم يكن فى الصحابة أحسن صوتا منه بالقرآن وقد مرّ فى الموطن العاشر استماع النبىّ صلى الله عليه وسلم لقراءته وقد ولى فتح أصبهان فى أيام عمر ومناقبه جمة ودفن بمكة وقيل دفن بالنوبة على ميلين من الكوفة مروياته فى كتب الاحاديث ثلثمائة وسبعون حديثا وفى سنة أربع وأربعين توفيت زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبى سفيان بالمدينة وهى أخت الخليفة معاوية وفى سنة خمس وأربعين مات زيد بن ثابت الانصارى المفرى الفرضى أحد أئمة الصحابة وكاتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم* قال الواقدى مات زيد بن ثابت بالمدينة سنة خمس وأربعين وهو ابن ست وخمسين وحين قدم النبىّ صلى الله عليه وسلم المدينة كان ابن احدى عشرة سنة* وقال غير الواقدى مات سنة احدى أو اثنتين وخمسين* وقال آخر مات سنة خمس وخمسين كذا فى الصفوة وفى سنة سبع وأربعين كان أوّل وقعة بين المسلمين والترك فانّ الترك تجمعوا وخرجوا فالتقاهم ابن سوار العبدى فقتل هو وعامّة جيشه وغلب الترك على بلد قيقان* وفى سنة ثمان وأربعين غزا معاوية بن أبى سفيان قبرس فيما ذكره الواقدى وقال وهو أوّل من غزا الروم كذا فى الاكتفاء*

(ذكر وفاة الحسن بن على بن أبى طالب)
* رضى الله عنهما وقد ذكر مولده فى الموطن الثالث فى الصفوة قال عمير بن اسحاق دخلت على الحسن قال ألقيت طائفة من كبدى وانى قد سقيت السم مرارا* وفى ذخائر العقبى ثلاث مرّات فلم أسق مثل هذه المرّة ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه فقال يا أخى من تتهم قال لم أتقتله قال نعم قال ان يكن الذى أظنّ فالله أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا والا فما أحب أن يقتل بى برىء* وفى رواية قال والله لا أقول لكم من سقانى ثم قضى رضى الله عنه* وقد ذكر يعقوب بن سفيان فى تاريخه

(2/292)


أن جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندى كانت تحت الحسن بن علىّ فزعموا انها سمته* مرض الحسن أربعين يوما واختلف فى وقت وفاته فقيل سنة تسع وأربعين بالمدينة قاله أبو عمرو وغيره كذا فى ذخائر العقبى وقيل مات فى ربيع الاوّل سنة خمسين بعد ما مضى من خلافة معاوية عشر سنين كذا فى الاستيعاب وقيل بل مات سنة احدى وخمسين وهو يومئذ ابن ست وقيل سبع وأربعين سنة على الخلاف منها سبع سنين مع النبىّ صلى الله عليه وسلم وثلاثون سنة مع أبيه وعشر بعده وقيل مات وهو ابن خمس وأربعين سنة وغسله الحسين ومحمد والعباس بنو على بن أبى طالب ودفن بالبقيع* روى انه أوصى أن يدفن مع أمه فاطمة بالمقبرة فدفن بالمقبرة الى جنبها* قال سعيد بن محمد بن جبير رأيت قبر الحسن بن على بن أبى طالب عند فم الزقاق بين دار نبيهة بن وهب وبين دار عقيل بن أبى طالب* وروى قائد مولى عبادة قال حدّثنى الحفار لقبره قال وجدت قبرا على سبعة أذرع مشرفا عليه لوح مكتوب هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك كله ابن النجار فى أخبار المدينة وذكر انه دفن معه فى قبره ابن أخيه على بن الحسين زين العابدين وأبو جعفر محمد الباقر وابنه جعفر الصادق وقبره يعرف بقبة العباس وصلى عليه سعيد بن العاص وكان أمير المدينة قدّمه الحسين للصلاة على أخيه وقال لولا انها سنة ما قدّمتك وكانت عائشة أباحت له ان يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتها وكان سألها ذلك فى مرضه فلما مات منع من ذلك مروان وبنو أمية* قال قتادة وأبو بكر بن جعفر مات مسموما سمته امرأته بنت الاشعث بن قيس الكندى وكان لها ضرائر كما مر*

(ذكر وصيته لاخيه الحسين رضى الله عنهما)
* قال أبو عمرو روينا من وجوه ان الحسن لما حضرته الوفاة قال للحسين أخيه يا أخى ان أباك حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم استشرف لهذا الامر رجاء أن يكون صاحبه فصرفه الله عنه ووليها أبو بكر فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشرف لها ايضا فصرفت عنه الى عمر فلما قبض عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم فلم يشك انها لا تعدوه فصرفت عنه الى عثمان فلما هلك عثمان بويع له ثم نوزع حتى جرّد السيف وطلبها فما صفا له شئ منها وانى والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوّة والخلافة فلا عرفنّ ما استخفك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك وقد كنت طلبت الى عائشة اذا مت ان أدفن فى بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت نعم وانى لا أدرى لعله كان ذلك منها حياء فاذا أنامت فاطلب ذلك اليها فان طابت نفسها فادفنى فى بيتها وما أظنّ الا القوم سيمنعونك اذا أردت ذلك فان فعلوا فلا تراجعهم فى ذلك وادفنى فى بقيع الغرقد فان لى بمن فيه أسوة* فلما مات الحسن أتى الحسين عائشة يطلب ذلك اليها فقالت نعم وكرامة فبلغ ذلك مروان فقال كذب وكذبت والله لا يدفن هناك أبدا منعوا عثمان من دفنه فى المقبرة ويريدون دفن حسن فى بيت عائشة فبلغ ذلك حسينا فدخل هو ومن معه فى السلاح فبلغ ذلك مروان فاستلام فى الحديد أيضا فبلغ ذلك أبا هريرة فقال والله ما هو الا ظلم يمنع حسن ان يدفن مع أبيه والله انه لابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق الى حسين فكلمه وناشده الله وقال له أليس قد قال أخوك ان خفت ان يكون قتال فردّنى الى مقبرة المسلمين ولم يزل به حتى فعل وحمله الى البقيع ولم يشهده يومئذ من بنى أمية الا سعيد بن العاص وكان يومئذ أميرا على المدينة قدّمه الحسين فى الصلاة عليه وقال هى السنة وخالد بن اليد بن عقبة ناشد بنى أمية ان يخلوه يشهد الجنازة فتركوه وشهد دفنه فى المقبرة ودفن الى جنب امّه فاطمة رضى الله عنهم*

(ذكر أولاده)
* فى الصفوة كان للحسن من الولد خمسة عشر ذكر او ثمان بنات وذكر ابن الدراع أبو بكر أحمد فى كتاب مواليد أهل البيت أنه ولد له أحد عشر ابنا وبنت عبد الله والقاسم والحسن وزيد وعمرو وعبيد الله وعبد الرحمن وأحمد واسمعيل والحسين الاثرم وعقيل وأمّ الحسن* وفى ذخائر العقبى خلف الحسن من

(2/293)


الولد حسن بن حسن وعبد الله وعمرا وزيدا وابراهيم ذكره الدولابى* وفى المختصر الجامع أما أولاده فالحسن وزيد وعمرو والحسين الاثرم وطلحة وعبد الرحمن والقاسم وأبو بكر وعبد الله وهؤلاء الثلاثة قتلوا فى الطف مع الحسين والعقب للحسن وزيد دون من سواهما* ولما مات الحسن ورد البريد الى معاوية بموته فقال يا عجبا من الحسن شرب شربة من عسل بماء رومة فقضى نحبه ودخل عليه ابن عباس فقال له يا أبا عباس احتسب الحسن لا يحزنك الله ولا يسؤك فقال أما ما أبقاك الله يا أمير المؤمنين فلا يحزننى الله ولا يسوءنى فأعطاه على كلمته ألف ألف وعروضا وأشياء وقال خذها واقسمها على أهلك خرجه أبو عمرو* وفى حياة الحيوان قال ابن خلكان لما مرض الحسن كتب مروان ابن الحكم الى معاوية بذلك وكتب اليه معاوية أن أقبل المطى الىّ بخبر الحسن فلما بلغ معاوية موته سمع تكبير من الخضراء فكبر أهل الشام لذلك التكبير فقالت فاختة بنت قريظة لمعاوية أقرّ الله عينك ما الذى كبرت لاجله فقال مات الحسن فقالت أعلى موت ابن فاطمة تكبر فقال ما كبرت شماتة ولكن استراح قلبى ودخل عليه ابن عباس فقال يا ابن عباس هل تدرى ما حدث فى أهل بيتك قال لا أدرى ما حدث الا أنى أراك مستبشرا وقد بلغنى تكبيرك فقال مات الحسن فقال ابن عباس رحم الله أبا محمد ثلاثا والله يا معاوية لا تسدّ حفرته حفرتك ولا يزيد عمره فى عمرك ولئن كنا أصبنا بالحسن فلقد أصبنا بامام المتقين وخاتم النبيين فجبر الله تلك الصدعة وسكن تلك العبرة وكان الخلف علينا من بعده*

ذكر من توفى من كبار الصحابة فى زمن الحسن
وفى سنة خمسين من الهجرة مات عبد الرحمن بن سمرة القرشى الامير الذى فتح سجستان وغيرها وفيها مات كعب بن مالك الانصارى الشاعر الشهير أحد الثلاثة الذين خلفوا فتيب عليهم والمغيرة ابن شعبة الثقفى وكان شهد بيعة الرضوان وكان يومئذ سياف النبىّ صلى الله عليه وسلم واقفا على رأسه وبيده سيف وكان من دهاة العرب وعقلائها وأشرافها وولى امرة العراق لعمرو فيها ماتت أم المؤمنين صفية بنت حيى بن أخطب وفى سنة احدى وخمسين مات جرير بن عبد الله البجلى وكان قد وفد على النبىّ صلى الله عليه وسلم فأكرمه وأمره على طائفة وكان بديع الحسن* وعن عمر قال جرير يوسف هذه الامّة وكان طويلا جدّا نعله ذراع* ومات فيها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى ابن عم عمرو أحد العشرة المبشرة بالجنة أسلم قبل عمرو شهد بدرا وغيرها وعاش بضعا وسبعين سنة ومات فيها عثمان بن أبى العاص الثقفى الذى ولاه النبىّ صلى الله عليه وسلم على الطائف وقد فتح على يده عدّة فتوحات وسكن البصرة وكان من فضلاء زمانه وفيها ماتت امّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم بسرف وهو محرم ودخل بها بسرف واتفق موتها بسرف وهى خالة ابن عباس وخالد بن الوليد وقد مرّ فى الموطن السابع وفى سنة خمسين وقال الواقدى فى سنة اثنتين وخمسين وكذا فى المختصر الجامع غزا المسلمون الروم وغلبهم يزيد بن معاوية* قال الواقدى غزا يزيد فى خلافة أبيه معاوية بن أبى سفيان بلاد الروم فسار بالجيش الى ان نزل على مدينة قسطنطينية ومعه من الكبار أبو أيوب الانصارى وتوفى بها وصلى عليه يزيد وقبره هناك تجاه سور قسطنطينية* وقال الواقدى قبره بأصل حصن القسطنطينية بأرض الروم* وفى المختصر الجامع دفن فى أصل سور قسطنطينية* وقال الواقدى بلغنا ان الروم يتعاهدون قبره ويؤمّونه ويستسقون به اذا قحطوا الى اليوم* وفى المختصر الجامع فقيل للروم لقد مات رجل عظيم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقدمهم اسلاما وقد قبرناه حيث رأيتم والله لئن مس لا يضرب ناقوس بأرض العرب وبنى الروم على قبره وعلقوا عليه أربع قناديل* ثم التوفيق بين القولين أى بين كون غزوة يزيد فى سنة خمسين وبين كونها فى سنة اثنتين وخمسين أن يقال يحتمل ان يكون أحد القولين باعتبار الابتداء

(2/294)


والاخر باعتبار الانتهاء واتفق موت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن على بن أبى طالب وحصول مثل هذه الغزوة ليزيد بن معاوية فطمع أبوه وقويت نفسه على ان يجعله ولى عهده فحج من دمشق وبالغ فى اكرام الحسين بن على وأعطاه مالا ضخما وأكرم أيضا ابن الزبير الى الغاية وعبد الرحمن بن أبى بكر بن الصدّيق رضى الله عنهم ووصلهم بالاموال وغيرها وعرّض لهم بتولية ابنه يزيد فتوقفوا ولم يجيبوا وقال له ابن أبى بكر اختر فعل النبىّ صلى الله عليه وسلم أو فعل أبى بكر أو فعل عمر فالنبىّ مات وترك الناس فعمدوا الى أفضل رجل فولوه الامر وأبو بكر عند موته لم يول ولده ولا أقاربه بل تفرّس أفضل الناس فعمد اليه بالخلافة وهو عمر وأما عمر فنظر فيمن يصلح لها فوجد ستة متقاربين فجعل الامر شورى ليختاروا لهم منهم واحدا فافعل أحد هذه الصور فسكت ثم قال انى متكلم الليلة على منبر المدينة فليحذر امرؤ أن يردّ علىّ مقالتى خشية ان لا يتم قوله حتى يطير رأسه ثم انه استوى على المنبر وذكر من فضل ابنه وشجاعته وأن أهل الشام بايعوا له بالعهد ثم قال وقد بايع له هؤلاء وأشار الى ابن الزبير والى ابن أبى بكر والحسين فما جسروا أن ينطقوا فبايع أهل الحجاز فلما قاموا قالوا انا لم نبايع فلم يصدّقهم بعض الناس وسار معاوية الى الشأم من ليلته وفى سنة اثنتين وخمسين مات عمران بن حصين الخزاعى من فضلاء أصحابه ولى قضاء البصرة وكان بعثه عمر اليها ليفقههم وذكر ان الملائكة كانت تسلم عليه ومات فيها معاوية بن حديج أحد من ولى ديار مصر لمعاوية ابن أبى سفيان له صحبة وفى حدودها مات أبو بكرة الثقفى نفيع تدلى من حصن الطائف ببكرة الى النبى صلى الله عليه وسلم فأسلم نزل البصرة وفى هذا الوقت مات عمرو بن حزم الانصارى الذى استعمله النبىّ صلى الله عليه وسلم على نجران وفى سنة ثلاث وخمسين توفى عبد الرحمن بن أبى بكر الصدّيق كذا فى تاريخ اليافعى وتأخر اسلامه عن أبيه مدّة وأسلم قبل الفتح وكان شجاعا راميا قتل يوم اليمامة سبعة من كبارهم وفى سنة ثلاث وخمسين مات زياد بن أمية الذى استخلفه معاوية بأنه أخوه وجمع له امرة العراقين وكان أسلم فى خلافة الصدّيق ويعدّ من رجال الدهر عقلا ورأيا وشجاعة ودهاء وفصاحة وفى سنة أربع وخمسين مات حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه اسامة بن زيد الكلبى وامّه أمّ أيمن حاضنة النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد أمره النبىّ على جيش قبل موته ليغزو أطراف الشام وكان فى جيشه عمر* وفى الصفوة وكان اسامة قد سكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وادى القرى ثم نزل الى المدينة ومات فى الجرف فى آخر خلافة معاوية* قال الزهرى حمل اسامة حين مات من الجرف الى المدينة* ومات فيها بحمص ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من علماء الصحابة وجبير ابن مطعم بن عدى النوفلى أحد الاشراف ومن بنى عم النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان من حلماء قريش وسادتهم وحسان بن ثابت الانصارى شاعر النبىّ صلى الله عليه وسلم الذى كان يهجو المشركين دعا له النبىّ صلى الله عليه وسلم اللهمّ أيده بروح القدس* وفيها مات حكيم بن حزام بن خويلد القرشى الاسدى من اجلة الصحابة أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه اتفق مولده فى جوف الكعبة وكان جوادا شريفا أعتق فى الجاهلية والاسلام مائتى رقبة وباع لمعاوية دارا بستين ألفا وتصدّق بها وقال كنت اشتريتها فى الجاهلية بزق خمر وقد مرّ ذكره فى الموطن الثامن وفيها مات فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو قتادة الانصارى السلمى وكان من كبار الصحابة وفى سنة أربع وخمسين غزا عبيد الله بن زياد خراسان وقطع نهر جيحون الى بخارى على الابل فكان أوّل عربى قطع النهر فافتتح بعض مملكة بخارى وصالحه أهل طبرستان على خمسمائة ألف درهم فى السنة* وفى سنة خمس وخمسين مات الامير الكبير
فاتح العراق سعد بن أبى وقاص واسمه مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهرى أحد

(2/295)


العشرة المشهود لهم بالجنة وكان يقال له فارس الاسلام* صفته* كان قصيرا غليظا ذا هامة شثن الاصابع آدم أفطس أشعر الجسد يخضب بالسواد كذا فى الصفوة وهو أوّل من رمى بسهم فى سبيل الله وكان مجاب الدعوة عاش ثلاثا وسبعين سنة أو أكثر ويقال جاوز الثمانين وهو أحد الستة الذين عينهم عمر بن الخطاب للخلافة* مروياته فى كتب الاحاديث مائتان واحد وسبعون حديثا ومات فيها أبو اليسر كعب بن عمرو الانصارى من كبار البدريين وهو الذى أسر العباس يوم بدر ومات بعد سعد وفيها مات فى الغزاة بأرض الروم مالك السرايا وكان من كبار الامراء الابطال كسروا على قبره أربعين لواء وكان صوّاما قوّاما مجاهدا وقيل بقى الى دولة عبد الملك* وفى سنة ست وخمسين ولى خراسان لمعاوية سعيد بن عثمان بن عفان فغزا سمرقند والتقى هو والصغد فاقتتلوا ثم صالحوا سعيدا وأعطوه ماتن وفيها توفيت أمّ المؤمنين جويرية بنت الحارث المصطلقية كذا فى تاريخ اليافعى وقيل فى سنة خمس وخمسين وفيها استشهد ابن عم النبىّ صلى الله عليه وسلم قثم بن العباس بن عبد المطلب وكان يشبه النبىّ عليه السلام وقد ولى امرة مكة لعلى بن أبى طالب وقبره بسمرقند كما مرّ وفى سنة سبع وخمسين مات صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة الدوسى وكان اماما حافظا مفتيا كبير القدر كثير الرواية وتوفيت قبله بيسير السيدة العالمة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبى بكر وهى أفقه نساء الامّة وأعلمهنّ* قال الواقدى توفيت عائشة بالمدينة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثمان وخمسين وقال غيره سبع وخمسين سنة من الهجرة فى أيام معاوية ومدّة عمرها ثلاث وستون سنة وهو الصحيح وقيل ست وستون كذا فى الصفوة والمنتقى وفى سنة ثمان وخمسين مات شدّاد بن أوس الانصارى بالقدس وكان من العلماء الحكماء وكان يقول اللهم ان النار قد حالت بينى وبين النوم فيقوم ويصلى الى الصباح وفيها مات بمصر عقبة بن عامر الجهنى وكان من علماء الصحابة ولى امرة مصر ثم ولى غزو البحر وفى سنة تسع وخمسين غزا بالمسلمين ابن المهاجر فنزل على قرطاجنة وكثر القتل فى الفريقين وكانت ملحمة عظمى وكانت غزوة ابن المهاجر هذه مدّة عامين التقوا غير مرّة وفى سنة تسع وخمسين مات سعيد بن العاص الاموى أحد الفصحاء الاجواد والامراء الكبار ولى الكوفة وافتتح طبرستان ثم ولى امرة المدينة واعتزل فتنة الجمل وصفين وكانه رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم وفيها توفى أبو محذورة الجمحى مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فى تاريخ اليافعى ومات فى سنة ستين سمرة بن جندب الفزارى وعبد الله بن مغفل المزنى وكانا من بقايا الصحابة بالبصرة وكان ابن مغفل من الفقهاء العلماء*

(ذكر وفاة معاوية وموضع قبره)
* توفى معاوية خليفة الوقت بدمشق فى غرّة رجب وفى سيرة مغلطاى لثمان بقين من رجب سنة ستين وصلى عليه ابنه يزيد على خلاف ودفن بين باب الجابية وباب الصغير وعمره ثمان وسبعون سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيام قاله ابن اسحاق كان واليا على الشام وأميرا وخليفة أربعين سنة أربع فى خلافة عمر واثنتى عشرة مدّة خلافة عثمان وقاتل عليا خمس سنين وخلص له الامر تسع عشرة سنة وثمانية أشهر* وفى تاريخ اليافعى ولى الشام لعمر وعثمان عشرين سنة وولى الملك بعد علىّ عشرين أخرى الا شهرا وكان أسلم قبل أبيه أبى سفيان وصحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وكتب له وقد استشارت النبىّ صلى الله عليه وسلم امرأة فى ان تتزوّج بمعاوية فقال صلى الله عليه وسلم انه صعلوك لا مال له ثم بعد هذا القول باحدى عشرة سنة صار نائب دمشق ثم بعد الاربعين صار ملك الدنيا تحت حكمه من حدود بخارى الى القيروان من المغرب ومن أقصى اليمن الى حدود قسطنطينية وملك اقليم الحجاز واليمن والشام ومصر والمغرب والعراق والجزيرة وأرمينية وأذربيجان والروم وفارس وخراسان والجبال وما وراء النهر* وفى الشفاء دعا له

(2/296)


النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهم مكنه فى البلاد فنال الخلافة وكان عظيم الهيبة مليح الشكل وافر الحشمة يلبس الثياب الفاخرة والعدّة الكاملة ويركب الخيل المسوّمة وكان حليما محببا الى الرعية كثير البذل والعطاء كبير الشأن وكان نقش خاتمه لكل عمل ثواب*

(ذكر أولاده وقضاته وأمرائه وكتابه وحجابه
* أما أولاده فعبد الرحمن ويزيد وعبد الله وهند ورملة وصفية وعائشة* وأما قضاته فقضى له أبو عبيد الله الانصارى وعلى مصر سليم بن عنزة عشرين سنة الى ان مات معاوية* وأما أمراؤه فعمرو بن العاص أمير مصر الى ان توفى فى ليلة الفطر من سنة ثلاث وأربعين وولى عوضه أخاه عتبة بن أبى سفيان ثم مات فولى عوضه عقبة بن عامر الجهنى ثم صرفه وولى مسلمة بن مخلد الانصارى* وأما كتابه فعبيد الله بن أوس الانصارى* وأما حجابه فزيد مولاه ثم صفوان مولاه*