جمع الوسائل في شرح الشمائل

(بَابُ مَا جَاءَ فِي مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
الْمِشْيَةُ بِالْكَسْرِ مَا يَعْتَادُهُ الشَّخْصُ مِنَ الْمَشْيِ عَلَى مَا هُوَ وَضْعُ الْفِعْلَةِ بِالْكَسْرِ ، ذَكَرَهُ الْجَارَبَرْدِيُّ .
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ) بِفَتْحِ اللَّامِ فَكَسْرِ الْهَاءِ ابْنُ
عُقْبَةَ الْحَضْرَمِيُّ صَدُوقٌ ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ ، وَقَالَ الْعِصَامُ : خَلَطَ

(1/175)


بَعْدَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ ، كَذَا فِي التَّقْرِيبِ ، وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِضَعْفِهِ فِي التَّهْذِيبِ (عَنْ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : مَا رَأَيْتُ) أَيْ أَبْصَرْتُ أَوْ عَلِمْتُ ، وَهُوَ أَبْلَغُ (شَيْئًا) تَنْوِينُهُ لِلتَّنْكِيرِ (أَحْسَنَ) صِفَةُ شَيْئًا عَلَى الْأَوَّلِ ، وَمَفْعُولٌ ثَانٍ عَلَى الثَّانِي (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ كَوْنِ شَيْءٍ أَحْسَنَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَحْسَنُ مِمَّا عَدَاهُ ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ عُرْفًا كَمَا سَبَقَ (كَأَنَّ الشَّمْسَ) اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَوْ تَعْلِيلٍ ، أَيْ كَانَ شُعَاعُهَا أَوْ جِرْمُهَا خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِي الثَّانِي ، مَعَ أَنَّهُ أَبْلَغُ (تَجْرِي فِي وَجْهِهِ) شَبَّهَ جَرَيَانَ الشَّمْسِ فِي فَلَكِهَا بِجَرَيَانِ الْحُسْنِ وَنُورِهِ فِي وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَكَسَ التَّشْبِيهَ مُبَالَغَةً ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَنَاهِي التَّشْبِيهِ ، بِجَعْلِ وَجْهِهِ مَقَرًّا وَمَكَانًا لِلشَّمْسِ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ ، لَوْ رَأَيْتَهُ لَرَأَيْتَ الشَّمْسَ طَالِعَةً ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظِلٌّ ، وَلَمْ يَقُمْ مَعَ شَمْسٍ قَطُّ إِلَّا غَلَبَ ضَوْءُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ ، وَلَمْ يَقُمْ مَعَ سِرَاجٍ قَطُّ إِلَّا غَلَبَ ضَوْءُهُ ضَوْءَ السِّرَاجِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَالْقَصْدُ مِنْ هَذَا إِقَامَةُ الْبُرْهَانِ عَلَى أَحْسَنِيَّتِهِ ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْوَجْهَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ الَّذِي بِهِ يَظْهَرُ الْمَحَاسِنُ ; لِأَنَّ حُسْنَ الْبَدَنِ تَابِعٌ لِحُسْنِهِ غَالِبًا ، (وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ) بِالْكَسْرِ لِلْهَيْئَةِ ، وَفِي نُسْخَةٍ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِلَا تَاءٍ ، أَيْ فِي كَيْفِيَّةِ مَشْيِهِ (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا الْأَرْضُ) بِالرَّفْعِ (تُطْوَى) أَيْ تُجْمَعُ وَتُجْعَلُ مَطْوِيَّةً (لَهُ) أَيْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ (إِنَّا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ ، وَفِي نُسْخَةٍ وَإِنَّا (لَنُجْهِدُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ : بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُمَا انْتَهَى . فَمَا وَقَعَ لِابْنِ حَجَرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلرِّوَايَةِ ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلدِّرَايَةِ ، يُقَالُ : أَجْهَدَ دَابَّتَهُ وَجَهَدَهَا إِذَا حَمَلَ عَلَيْهَا فِي السَّيْرِ فَوْقَ طَاقَتِهَا ، حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْمَشَقَّةِ فَالْمَعْنَى إِنَّا نُتْعِبُ (أَنْفُسَنَا) وَنُوقِعُهَا فِي الْجَهْدِ وَالْمَشَقَّةِ فِي حَالِ سَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ) أَيْ غَيْرُ مُبَالٍ بِجَهْدِنَا ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ نُجْهِدُ أَوْ مَفْعُولِهِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ سُرْعَةَ مَشْيِهِ كَانَتْ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الْهَوْنِ ، وَالتَّأَنِّي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ بِسُرْعَةٍ فَاحِشَةٍ تُذْهِبُ بَهَاءَهُ وَوَقَارَهُ ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى : وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَقَوْلَهُ تَعَالَى : وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ سُرْعَتَهُ فِي مِشْيَتِهِ ، كَانَتْ مِنْ كَمَالِ الْقُوَّةِ لَا مِنْ
حَيْثُ الْجَهْدِ وَالْمَشَقَّةِ وَالْعَجَلَةِ ، وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِي الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ اقْتِرَانِ الْجُمْلَتَيْنِ ، أَنَّ حُسْنَ وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُسْتَمِرًّا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ .

(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ) بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ ، وَسُكُونِ جِيمٍ (وَغَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ مِنَ الْمَشَايِخِ (قَالُوا : حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ) بِضَمِّ مُعْجَمَةٍ فَسُكُونِ فَاءٍ (قَالَ : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ أَوْ ضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ أَيْ مِنْ أَوْلَادِهِ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ، (قَالَ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ (كَانَ عَلِيٌّ إِذَا وَصَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه

(1/176)


وسلم قَالَ) أَيْ عَلِيٌّ (كَانَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ (إِذَا مَشِيَ تَقَلَّعَ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ قَلَعَ الشَّجَرَةَ إِذَا نَزَعَهَا مَنْ أَصْلِهَا ، أَيْ مَشَى بِقُوَّةٍ ، وَدَفْعٍ كَامِلٍ ; لِأَنَّ التَّقَلُّعَ رَفْعُ الرِّجْلِ مِنَ الْأَرْضِ بِهِمَّةٍ وَقُوَّةٍ ، لَا مَعَ اخْتِيَالٍ وَتَقَارُبِ خُطًا ; لِأَنَّ تِلْكَ مِشْيَةُ النِّسَاءِ وَالْمُتَشَابِهِ بِهِنَّ (كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَنْزِلُ (فِي صَبَبٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى ، وَهُوَ مَا انْحَدَرَ مِنَ الْأَرْضِ ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ صَبَبٍ ، فَهِيَ بِمَعْنَى فِي أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ ، أَيْ مِنْ أَجْلِهِ ، وَالْحَدِيثُ سَبَقَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ ، وَيَحْتَمِلُ إِتْيَانُهُ هُنَا أَنْ يَكُونَ اخْتِصَارًا مِنْهُ أَوْ حَدِيثًا بِرَأْسِهِ ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ مِنَ الْحَدِيثِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ :

(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ أَنْبَأَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا (أَبِي عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالْمِيمِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ (عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ مُطْعِمٍ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ مُخَفَّفًا (عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ بَعْدَهَا هَمْزٌ (تَكَفُّؤًا) بِضَمِّ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَهَا هَمْزٌ ، وَفِي نُسْخَةٍ تَكَفَّى بِلَا هَمْزٍ تَكَفِّيًا ، بِكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ ، وَقَدْ مَرَّ مَعْنَاهُ ، وَأَنَّهُ بِمَعْنَى تَقَلَّعَ أَيْ تَمَايَلَ إِلَى أَمَامِهِ ; لِيَرْفَعَهُ عَنِ الْأَرْضِ بِكُلِّيَّتِهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً لَا مَعَ اهْتِزَازٍ وَتَكَسُّرٍ ، وَجَرِّ رِجْلٍ بِالْأَرْضِ عَلَى هَيْئَةِ الْمُتَمَاوِتِ أَوْ مِشْيَةِ الْمُخْتَالِ (كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ)