جمع
الوسائل في شرح الشمائل (بَابُ مَا
جَاءَ فِي قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -)
وَفِي نُسْخَةٍ بَابُ صِفَةِ قِرَاءَةِ ، وَفِي أُخْرَى بَابُ مَا
جَاءَ فِي صِفَةِ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ يَعْلَى بْنِ
مَمْلَكٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى ، وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ
(2/110)
وَفَتْحِ
اللَّامِ بَعْدَهَا كَافٍ (أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ) أَيْ :
أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ (عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا) الْفَاءُ لِلْعَطْفِ ، وَإِذَا
لِلْمُفَاجَأَةِ مُفِيدَةٌ بِإِجَابَتِهَا لِذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ
مُبَيَّنَةٌ بِأَنَّهَا فِي كَمَالِ ضَبْطِهَا (هِيَ) أَيْ : أُمُّ
سَلَمَةَ (تَنْعَتُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ : تَصِفُ (قِرَاءَةً
مُفَسَّرَةً) بِتَشْدِيدِ السِّينِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ : مُبَيَّنَةً
مَشْرُوحَةً وَاضِحَةً مَفْصُولَةَ الْحُرُوفِ مِنَ الْفَسْرِ ، وَهُوَ
الْبَيَانُ وَمِنْهُ التَّفْسِيرُ (حَرْفًا حَرْفًا) أَيْ : كَلِمَةً
كَلِمَةً يَعْنِي مُرَتَّلَةً مُحَقَّقَةً مُبَيَّنَةً كَذَا ذَكَرَهُ
الْجَزَرِيُّ ، وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ : هَذَا التَّبْيِينُ
أَوْ حَالٌ أَيْ : مَفْصُولًا كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ ، وَلَا يَبْعُدُ
أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ (مُفَسَّرَةً) ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ
وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَقُولَ قِرَاءَتُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ ،
وَثَانِيهِمَا أَنْ تُقْرَأَ مُرَتَّلَةً مُبَيَّنَةً لِقِرَاءَةِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْوُهُ
قَوْلُهُمْ وَجْهُهَا تَصِفُ الْجَمَالَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ وَظَاهِرُ السِّيَاقِ يَدُلُّ عَلَى
الثَّانِي فَكَأَنَّهَا عَلِمَتْ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ مَا هُوَ
مُرَادُ السَّائِلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَوْ أَظْهَرَتْ كَيْفِيَّةَ
مَا سَمِعَتْ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِ مَعَ
أَنَّهُ يُفِيدُ الرِّوَايَةَ وَالدِّرَايَةَ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهَا
أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ .
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ
بْنِ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أُبَيٌّ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قُلْتُ
لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَيْفَ كَانَ) وَفِي نُسْخَةٍ كَانَتْ
(قِرَاءَةُ
رَسُولِ اللَّهِ) وَفِي نُسْخَةٍ النَّبِيِّ (- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَدًّا) أَيْ : بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ أَيْ
: ذَاتَ مَدٍّ وَالْمُرَادُ بِهِ تَطْوِيلُ النَّفَسِ فِي حُرُوفِ
الْمَدِّ وَاللِّينِ ، وَفِي الْفُصُولِ وَالْغَايَاتِ ، وَفِي
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَانَ يَمُدُّ مَدًّا ، وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ
مَدًّا قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ : وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ
قِرَاءَةُ مَدَّاءَ عَلَى وَزْنِ فَعْلَاءَ أَيْ : كَانَتْ قِرَاءَتُهُ
مَدَّاءَ وَلَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ رِوَايَةً ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ
قَوْلٌ عَلَى التَّخْمِينِ ، وَفِيهِ وَهْنٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ،
وَهُوَ الْإِفْرَاطُ فِي الْمَدِّ ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَذَا فِي
الْأَزْهَارِ ، وَقَالَ الْجَزَرِيُّ : فِي التَّصْحِيحِ مَدًّا
مَصْدَرٌ أَيْ : ذَاتُ مَدٍّ ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا مَدَّاءُ عَلَى
وَزْنِ فَعَلَاءَ تَأْنِيثُ الْأَمَدِّ الَّذِي هُوَ نَعْتُ
الْمُذَكَّرِ خَطَّاءٌ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يُمَكِّنُ
الْحُرُوفَ ، وَيُعْطِيهَا أَكْمَلَ حَقِّهَا مِنَ الْإِشْبَاعِ وَلَا
سِيَّمَا فِي الْوَقْفِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ السَّاكِنَانِ
فَيَجِبُ الْمَدُّ لِذَلِكَ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي
الْمَدِّ بِغَيْرِ مُوجِبٍ .
وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَقُولُ الْمُرَادُ مَدُّ الزَّمَانِ
يَعْنِي أَنَّهُ يُجَوِّدُ وَيُرَتِّلُ وَيُشَدِّدُ وَيُمَكِّنُ ،
وَيُتِمُّ الْحَرَكَاتِ فَيَكُونُ قَدْ مَدَّ الزَّمَانَ انْتَهَى .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ كَانَتْ مَدًّا يَمُدُّ بِسْمِ
اللَّهِ ، وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ .
فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ لِمَحَلِّ الْمَدِّ لَكِنْ لَا
يَخْفَى أَنَّ الْمَدَّ الْأَصْلِيَّ وَالذَّاتِيَّ وَالطَّبِيعِيَّ ،
وَوَقْفًا تَوَسَّطَ أَيْضًا فَيَمُدُّ قَدْرَ أَلِفَيْنِ أَوْ
يُطَوِّلُ قَدْرَ ثَلَاثٍ لَا غَيْرَ ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَدِّ
الْعَارِضِ ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ ، وَتَفْصِيلُ أَنْوَاعِ
الْمَدِّ مَحِلُّهُ كُتُبُ الْقِرَاءَةِ .
وَأَمَّا مَا ابْتَدَعَهُ قُرَّاءُ زَمَانِنَا حَتَّى أَئِمَّةُ
صَلَاتِنَا أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ إِلَى
أَنْ يَصِلَ قَدْرَ أَلِفَانِ وَأَكْثَرَ ، وَرُبَّمَا يُقَصِّرُونَ
الْمَدَّ الْوَاجِبَ ، فَلَا مَدَّ اللَّهُ فِي عُمْرِهِمْ ، وَلَا
أَمَدَّ فِي أَمْرِهِمْ .
ثُمَّ مَا نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الشَّيْخِ فِي رِوَايَةِ
الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ بَعْدَ قَوْلِهِ مَدًّا ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ
بِالرَّحْمَنِ ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ أَنَّهُ يَمُدُّ بِالْحَاءِ
مِنَ الرَّحِيمِ ، فَهُوَ مَا صَادَفَ مَحَلَّهُ ; لِأَنَّ الصَّوَابَ
أَنَّهُ كَانَ يَمُدُّ الْيَاءَ بَعْدَ الْحَاءِ ثُمَّ فِي رِوَايَةٍ
كَانَ يَمُدُّ صَوْتَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ ق
وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ فَمَرَّ بِهَذَا الْحَرْفِ «لَهَا طَلْعٌ
نَضِيدٌ» فَمَدَّ نَضِيدٌ أَيْ : زِيَادَةٌ عَلَى سَائِرِ الْفَوَاصِلِ
حَتَّى بَلَغَ قَدْرَ ثَلَاثَ أَلِفَاتٍ ، فَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي
غَيْرِهِ عَلَى قَدْرِ أَلِفَيْنِ أَوْ أَلِفٍ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ
: وَهُوَ شَاهِدٌ جَيِّدٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ
مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ قُطْبَةَ
قَالَ مِيرَكُ : وَتَبِعَهُ شَارِحٌ : وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَدَّ عِنْدَ
الْقُرَّاءِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَصْلِيٌّ ، وَهُوَ إِشْبَاعُ
الْحُرُوفِ الَّتِي بَعْدَهَا أَلِفٌ ، أَوْ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ قُلْتُ
هَذَا خَطَأٌ ، وَالصَّوَابُ إِشْبَاعُ نَفْسِ الْحُرُوفِ الْمَدِّيَةِ
لَا الْحُرُوفِ الْكَائِنَةِ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا ثُمَّ قَالَ :
وَغَيْرُ أَصْلِيٍّ ، وَهُوَ مَا إِذَا أَعْقَبَ الْحَرْفَ الَّذِي
هَذِهِ صِفَتُهُ هَمْزٌ ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ وَمُنْفَصِلٌ ،
فَالْمُتَّصِلُ مَا كَانَ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ ، وَالْمُنْفَصِلُ
مَا كَانَ بِكَلِمَةٍ أُخْرَى فَالْأَوَّلُ يُؤْتَى فِيهِ بِالْأَلِفِ
وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ مُمَكَّنَاتٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ،
وَالثَّانِي يُزَادُ فِي تَمْكِينِ الْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ
(2/111)
زِيَادَةً
عَلَى الْمَدِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهَا إِلَّا بِهِ مِنْ
غَيْرِ زِيَادَةٍ ، وَالْمَذْهَبُ الْأَعْدَلُ أَنْ يَمُدَّ كُلَّ
حَرْفٍ مِنْهَا ضِعْفَيْ مَا كَانَ يَمُدُّهُ أَوَّلًا ، وَقَدْ
يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا وَمَا زَادَ ، فَهُوَ غَيْرُ مَحْمُودٍ
انْتَهَى .
وَهُوَ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ فِي الْمَدِّ
الْمُتَّصِلِ ، وَكَذَا الْمُنْفَصِلِ عِنْدَ مَنْ يَمُدُّهُ مِنْ
أَقَلِّ مَقَادِيرِهِ قَدْرَ ثَلَاثِ أَلِفَاتٍ ، وَقُرِئَ لِوَرْشٍ ،
وَحَمْزَةَ قَدْرَ خَمْسِ أَلِفَاتٍ فَمَسَائِلُ الْعُلُومِ تُؤْخَذُ
مِنْ أَرْبَابِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى
وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا .
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ
أَنْبَأَنَا (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ) بِضَمِّ هَمْزٍ
وَفَتْحِ مِيمٍ نِسْبَةً (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ) بِجِيمَيْنِ مُصَغَّرًا
(عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ) أَيْ : بِالتَّوَقُّفِ مِنَ التَّقْطِيعِ ،
وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ قِطْعَةً قِطْعَةً (يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ) بِرَفْعِ الدَّالِ عَلَى الْحِكَايَةِ (ثُمَّ
يَقِفُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ ، وَالْمَعْنَى
أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي بَاقِي السُّورَةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنَ
التَّقْطِيعِ فِي الْفِقْرَاتِ مِنْ رُءُوسِ الْآيَاتِ (ثُمَّ يَقُولُ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ يَقِفُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ
يَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ : تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ ، وَلَوْ فِيهِ
قَطْعُ الصِّفَةِ عَنِ الْمَوْصُوفِ ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ ، وَغَيْرُهُمَا يُسَنُّ أَنْ يَقِفَ
عَلَى رُءُوسِ الْآيِ : وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا
لِلِاتِّبَاعِ فَقَدَحَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ مَحَلَّ
الْوَقْفِ يَوْمِ الدِّينِ غَفْلَةً عَنِ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ
فِي كُتُبِ الْقُرَّاءِ إِذْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى
الْفَوَاصِلِ وَقْفٌ حَسَنٌ ، وَلَوْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا ،
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ هَلِ الْوَصْلُ أَوِ
الْوَقْفُ فَالْجُمْهُورُ كَالسَّجَاوَنْدِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى
الْأَوَّلِ ، وَالْجَزَرِيِّ عَلَى الثَّانِي ، وَكَذَا صَاحِبُ
الْقَامُوسِ حَيْثُ قَالَ : صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَقَفَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ آيَةٍ ، وَإِنْ كَانَ
مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْقُرَّاءِ الْوَقْفُ
عَلَى مَا يَنْفَصِلُ فِيهِ الْكَلَامُ أَوْلَى غَفْلَةً عَنِ
السُّنَّةِ ، وَأَنَّ اتِّبَاعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- هُوَ الْأَوْلَى انْتَهَى ، وَالْأَعْدَلُ عَدَمُ الْعُدُولِ عَمَّا
وَرَدَ فِي خُصُوصِ الْوَقْفِ مُتَابَعَةً ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ
يُؤَيِّدُ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ عَلَى مَا
هُوَ مَذْهَبُنَا ، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ .
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنُ حَجَرٍ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا تَأْيِيدَ فِيهِ
، فِيهِ مُصَادَرَةٌ بَلْ مُكَابَرَةٌ .
ثُمَّ قَوْلُهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةً فَعَمِلْنَا
بِالصَّرِيحِ وَتَرَكْنَا الْمُحْتَمَلَ .
مَدْفُوعٌ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَمْنَعُ التَّأْيِيدَ فِي
الْقَوْلِ السَّدِيدِ مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ،
وَغَيْرِهِمْ قَالُوا : يُسَنُّ وَصْلُ الْبَسْمَلَةِ بِالْحَمْدَلَةِ
لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْقُرَّاءِ بَلْ
وَرَدَ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ بِخُصُوصِهِ حَدِيثٌ ذَكَرَهُ ابْنُ
الْعَرَبِيِّ ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ يَقُولُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ يَقِفُ فَمَحْمُولٌ عَلَى
الْجَوَازِ ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ
بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَأْبَى عَنْ هَذَا (وَكَانَ يَقْرَأُ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ :
أَحْيَانًا ، وَإِلَّا فَالْجُمْهُورُ عَلَى حَذْفِ الْأَلِفِ كَمَا
فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَوُجِدَ بِخَطِّ السَّيِّدِ جَمَالِ الدِّينِ
أَنَّ صَوَابَهُ مَلِكِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ
كَلَامِ المص فِي الْجَامِعِ ، وَمِنْ شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ
لِلْمَوْلَى ظَهِيرِ الدِّينِ الْأَصْفَهَانِيِّ فَمَا وَقَعَ فِي
أَصْلِ الْكِتَابِ سَهْوٌ مِنَ الْكُتَّابِ لَا مِنْ مُصَنِّفِ
الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ انْتَهَى .
وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ : فِي جَامِعِهِ : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ،
وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ لِأَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ رَوَى
هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ
مَمْلَكٍ لَكِنْ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ : نَقْلًا عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجَلُّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمْ
عَائِشَةُ الصِّدِّيقَةُ ، وَأُخْتُهَا أَسْمَاءُ ، وَأُمُّ سَلَمَةَ
وَالْعَبَادِلَةُ الْأَرْبَعَةُ لَكِنْ أَدْرَكَ مَنْ هُوَ أَعْلَى
مِنْهُمْ ، وَلَمْ يَسْمَعْ كَعَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
انْتَهَى . وَإِذَا
ثَبَتَ سَمَاعُ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، فَلِمَ
لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ أُمِّ
سَلَمَةَ ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ
يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ عَنْهَا بَلْ نَقُولُ رِوَايَةُ اللَّيْثِ مِنَ
الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ كَمَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ شَاهْ
رَحِمَهُ اللَّهُ فَبَطَلَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ ، وَلَوْ قَدَحَ فِي
الْحَدِيثِ بِأَنَّ فِي سَنَدِهِ انْقِطَاعًا لَأَصَابَ مَعَ أَنَّ
الْمُنْقَطِعَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا إِذَا وَرَدَ عَنْ ثِقَةٍ عَلَى مَا
صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ ابْنُ الْهُمَامِ ، وَلِذَا قَالَ
التِّرْمِذِيُّ : عَلَى مَا فِي الْمِشْكَاةِ : لَيْسَ إِسْنَادُهُ
بِمُتَّصِلٍ لِأَنَّ اللَّيْثَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ،
وَحَدِيثُ اللَّيْثِ أَصَحُّ .
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
(2/112)
بْنِ أَبِي
قَيْسٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ
قِرَاءَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ :
بِاللَّيْلِ ، قَالَ مِيرَكُ : هَكَذَا أَوْرَدَ المص فِي هَذَا
الْكِتَابِ بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ بِزَمَانٍ لَكِنْ أَوْرَدَهُ فِي
جَامِعِهِ فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي
اللَّيْلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ بِلَفْظِ سَأَلْتُ
عَائِشَةَ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ (كَانَ) وَزَادَ فِي نُسْخَةٍ :
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي نُسْخَةٍ
صَحِيحَةٍ : أَكَانَ (يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ) أَيْ : يُخْفِيهَا (أَمْ
يَجْهَرُ) قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ : أَسَّرَ الْحَدِيثَ أَخْفَاهُ ،
وَقَوْلُهُ يُسِرُّهُمَا يَعْنِي الْإِعَادَةَ ، وَالتَّسْمِيَةَ
وَأَمَّا يُسِرُ بِهِمَا بِزِيَادَةِ الْبَاءِ ، فَهُوَ سَهْوٌ ،
وَقَالَ مِيرَكُ : وَكَأَنَّ زِيَادَةَ الْبَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ
وَقَعَتْ سَهْوًا مِنَ النُّسَّاخِ أَوْ يُقَالُ قَائِلُهُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِ الْبَلَاغَةِ انْتَهَى .
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْحَفَاوَةِ ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ :
فَعَلَى هَذَا يُشْكَلُ الْكَلَامُ ، قَالَ الْعِصَامُ : وَلَا
يُشْكَلُ ; فَإِنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى فِي أَيِ : الصَّوْتُ فِي
وَقْتِ الْقِرَاءَةِ ، انْتَهَى .
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَدَّرُ مَفْعُولٌ بِهِ ، وَهُوَ فِي غَايَةِ
النِّظَامِ فِي مَقَامِ الْمَرَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُضَمَّنَ
مَعْنَى الْمُخَافَتَةِ ; فَإِنَّهَا تَتَعَدَّى بِالْبَاءِ ثُمَّ
الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِرَاءَةِ مَا عَدَا التَّعَوُّذَ ،
وَالتَّسْمِيَةَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِخْفَاءِ الْأَوَّلِ ،
وَلِتَرْكِ الثَّانِي عِنْدَ مَالِكٍ ، وَإِخْفَائِهِ عِنْدَنَا حَتَّى
يُلَائِمَ حِينَئِذٍ (قَالَتْ : كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يُفْعَلُ)
الرِّوَايَةُ الْمُؤَيَّدَةُ بِالنُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ ،
وَالْأُصُولِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى الرَّفْعِ فِي كُلِّ ذَلِكَ ،
قِيلَ : وَالْأَظْهَرُ النَّصْبُ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إِلَى حَذْفِ
الْمَفْعُولِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ : وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ
الرِّوَايَةَ لَا تُتْرَكُ بِمِثْلِ أَمْرٍ تَحْسِينِيٍّ لَا غَيْرَ ،
انْتَهَى ، وَفِيهِ أَنَّ الْقَائِلَ مَا أَرَادَ رَدَّ الرِّوَايَةِ
بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ النَّصْبُ لَكَانَ أَظْهَرَ أَوْ
أَشَارَ إِلَى تَجْوِيزِهِ أَيْضًا .
(رُبَّمَا أَسَرَّ وَرُبَّمَا جَهَرَ) أَيْ : فِي لَيْلَةٍ أَوْ
لَيْلَتَيْنِ ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى الِاسْتِوَاءِ ، وَإِشْعَارٌ
بِتَفْصِيلِ مَا أَجْمَلَ قَبْلَهُ فَيَجُوزُ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ
فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَقْوَى هُوَ الْجَهْرُ لِمَا
فِيهِ مِنْ إِشْغَالِ النَّفْسِ وَاسْتِكْمَالِ السَّمَاعِ
وَالنَّشَاطِ فِي الْعِبَادَةِ ، وَإِيقَاظِ بَعْضِ أَهْلِ الْغَفْلَةِ
، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ خَارِجَ الصَّلَاةِ ، وَرَجَّحَ
كُلًّا طَائِفَةٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَا كَانَ أَوْفَقَ لِلْخُشُوعِ
، وَأَبْعَدَ عَنِ الرِّيَاءِ هُوَ الْأَفْضَلُ .
(قُلْتُ) وَفِي نُسْخَةٍ فَقُلْتُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ
فِي الْأَمْرِ سَعَةً) بِفَتْحِ السِّينِ أَيِ : اتِّسَاعًا فَفِي
الْقَامُوسِ وَسِعَهُ سَعَةً كَدَعَةٍ وِدِيَةٍ ، وَهَذَا لِأَنَّ
النَّفْسَ قَدْ تَنْشَطُ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ ضُيِّقَ
عَلَيْهَا بِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا ، فَرُبَّمَا لَمْ تَنْشَطْ
وَتُتْرَكُ فَتُحْرَمُ هَذَا الْخَيْرَ الْكَثِيرَ ، وَقَدْ قَالَ
تَعَالَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ
بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أَيْ : سَبِيلًا وَسَطًا بَيْنَ الْجَهْرِ
وَالْمُخَافَتَةِ ، فَإِنَّ الِاقْتِصَادَ مَطْلُوبٌ وَفِي جَمِيعِ
الْأُمُورِ مَحْبُوبٌ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ كَانَ يَخْفِتُ وَيَقُولُ أُنَاجِي رَبِّي قَدْ عَلِمَ حَاجَتِي
، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَجْهَرُ ، وَيَقُولُ :
أَطْرُدُ الشَّيْطَانَ ، وَأُوقِظُ الْوَسْنَانَ فَلَمَّا نَزَلَتْ
أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا
بَكْرٍ أَنْ يَرْفَعَ قَلِيلًا وَعُمَرَ أَنْ يُخْفِضَ قَلِيلًا ،
وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ كُلِّهَا ، وَلَا
تُخَافِتْ بِهَا بِأَسْرِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا
بِالْإِخْفَاءِ تَارَةً وَبِالْجَهْرِ أُخْرَى .
(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا
مِسْعَرٌ) بِكَسْرِ مِيمٍ ، وَفَتْحِ عَيْنٍ (عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ
الْعَبْدِيِّ) بِفَتْحِ عَيْنٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ ، وَفِي نُسْخَةٍ
الْغَنَوِيُّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ، وَالنُّونِ وَكَسْرِ
الْوَاوِ (عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ) بِهَمْزٍ
فِي آخِرِهِ ، وَهِيَ أُخْتُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
(قَالَتْ : كُنْتُ أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ) وَفِي نُسْخَةٍ
رَسُولِ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ
وَأَنَا عَلَى عَرِيشِي) وَهُوَ مَا يُسْتَظَلُّ بِهِ عَلَى مَا فِي
النِّهَايَةِ ، وَمَا يُهَيَّأُ لِلْكَرَمِ لِيَرْتَفِعَ عَلَيْهِ
عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ ،
(2/113)
وَالْمَعْنَى
هُنَا عَلَى الْأَوَّلِ ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَابْنِ
مَاجَهْ وَأَبِي دَاوُدَ قَالَتْ : أَمُّ هَانِئٍ كُنْتُ أَسْمَعُ
صَوْتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ
يَقْرَأُ وَأَنَا نَائِمَةٌ عَلَى فِرَاشِي يُرَجِّعُ الْقُرْآنَ ،
وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ ، وَأَنَا عَلَى عَرِيشِي ،
وَالْمُرَادُ بِهِ السَّرِيرُ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ ، وَفِي
رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ عَلَى مَا فِي الْمَوَاهِبِ عَنْهَا قَالَتْ
: كُنَّا نَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي جَوْفِ اللَّيْلِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، وَأَنَا عَلَى
عَرِيشِي .
(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا)
وَفِي نُسْخَةٍ حَدَّثَنَا (شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ)
بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ (قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ)
بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنِ
الْبُخَارِيِّ أَيْضًا (يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَاقَتِهِ) أَيْ : رَاكِبًا
(يَوْمَ الْفَتْحِ) أَيْ : يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (وَهُوَ يَقْرَأُ
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) وَهُوَ لَا يُنَافِي
نُزُولَهَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةَ ; لِأَنَّ صُلْحَهَا كَانَ
مُقَدِّمَةً ، وَتَوْطِئَةً لِفَتْحِ مَكَّةَ (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ
مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) أَيِ : التَّقْصِيرَاتِ
السَّابِقَةِ ، وَاللَّاحِقَةِ (قَالَ) أَيِ : ابْنُ مُغَفَّلٍ
(فَقَرَأَ) وَفِي نُسْخَةٍ فَقَرَأَهُ ، أَيِ : الْمِقْدَارَ
الْمَذْكُورَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ كَمَا اقْتَضَتْهُ رِوَايَةُ
قَرَأَ سُورَةَ الْفَتْحِ يَوْمَ الْفَتْحِ (وَرَجَّعَ) بِتَشْدِيدِ
الْجِيمِ مِنَ التَّرْجِيعِ بِمَعْنَى التَّحْسِينِ ، وَإِشْبَاعَ
الْمَدِّ فِي مَوْضِعِهِ ، وَيُوَافِقُهُ حَدِيثُ «زَيِّنُوا
الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» أَيْ : أَظْهِرُوا زِينَتَهُ وَحُسْنَهُ
بِتَحْسِينِ آدَائِكُمْ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ : لِكُلِّ شَيْءٍ
حِلْيَةٌ وَحِلْيَةُ الْقُرْآنِ حُسْنُ الصَّوْتِ ، وَهُوَ لَا
يُنَافِي حَدِيثَ زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ أَيْ :
بِقِرَاءَتِهِ فَإِنَّ زِينَةَ الصَّوْتِ تَزِيدُ بِزِينَةِ
الْمَقْرُوءِ ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُصْرَفَ فِي كَلَامِهِ
سُبْحَانَهُ لَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَشْعَارِ وَالْغَنَاءِ فَلَا
يَحْتَاجُ إِلَى الْقَوْلِ بِالْقَلْبِ فِي الْكَلَامِ ، وَوَرَدَ «مَا
أَذِنَ اللَّهُ - أَيْ مَا اسْتَمَعَ لِشَيْءٍ - كَأَذَنِهِ
بِالتَّحْرِيكِ - أَيْ : كَاسْتِمَاعِهِ - لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ
يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالشَّيْخَانِ ، وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَمِعَ أَبَا مُوسَى يَقْرَأُ قَالَ :
لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ أَيْ :
دَاوُدَ نَفْسِهِ .
وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ»
عَلَى أَحَدِ مَعَانِيهِ ، وَالْمَعْنَى مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ
بِالْقِرَاءَةِ عَلَى وَجْهِ تَحْسِينِ الصَّوْتِ وَتَحْزِينِ
الْقَلْبِ ، وَتَنْشِيطِ الرُّوحِ ، وَإِظْهَارِ الْفَرَحِ بِالنَّصْرِ
وَالْفَتْحِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَّا أَيْ : مِنْ أَهْلِ مِلَّتِنَا تَهْدِيدًا أَوْ
لَيْسَ مِنْ أَهْلِ سُنَّتِنَا وَطَرِيقَتِنَا تَأْكِيدًا ، وَقِيلَ
مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ
الْمَعْنَى مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِغَنَائِهِ ، وَإِنْ كَانَ
الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِغِنَائِهِ ،
وَلِهَذَا قَالَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ
لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا
مِنْهُمْ مَنْ أُعْطِيَ الْقُرْآنَ وَظَنَّ أَنَّهُ أُعْطِيَ أَحَدٌ
أَفْضَلَ مِنْهُ فَقَدْ حَقَّرَ عَظِيمًا ، وَعَظَّمَ حَقِيرًا .
هَذَا وَقَدْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ : التَّرْجِيعُ تَرْدِيدُ
الْقِرَاءَةِ ، وَمِنْهُ تَرْجِيعُ الْأَذَانِ وَقِيلَ هُوَ تَقَارُبُ
ضُرُوبِ الْحَرَكَاتِ فِي الصَّوْتِ ، وَقَدْ حَكَى عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُغَفَّلٍ بِتَرْجِيعِهِ بِمَدِّ الصَّوْتِ فِي الْقِرَاءَةِ
نَحْوَ آ ا آ وَهَذَا إِنَّمَا حَصَلَ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
يَوْمَ الْفَتْحِ ; لِأَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا فَجَعَلَتِ النَّاقَةُ
تَحَرِّكُهُ ، وَتَهْتَزُّ بِهِ فَحَدَثَ التَّرْجِيعُ فِي صَوْتِهِ ،
وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُرَجِّعُ ،
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ رَاكِبًا ، فَلَمْ يَحْدُثْ
فِي قِرَاءَتِهِ التَّرْجِيعُ انْتَهَى . أَوْ كَانَ لَا يُرَجِّعُ
قَصْدًا وَإِنَّمَا كَانَ يَحْصُلُ التَّرْجِيعُ مِنْ غَيْرِ
اخْتِيَارٍ ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ : الظَّاهِرُ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ قَصْدًا
، وَتَرَكَهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي لِبَيَانِ الْجَوَازِ .
وَأَمَّا مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ رَدًّا عَلَى ابْنِ الْأَثِيرِ
بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِهَزِّ النَّاقَةِ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ
، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِيهِ
وَيَفْعَلُهُ اخْتِيَارًا لِيَتَأَسَّى بِهِ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ
يُمْكِنُ حِكَايَتُهُ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَفِعْلِهِ
اخْتِيَارًا لَيْسَ لِلتَّأَسِّي بَلْ لِلْعِلْمِ بِكَيْفِيَّتِهِ
ثُمَّ قَوْلُهُ آ ا آ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ
سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَمْزَةٌ أُخْرَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ ،
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا ثَلَاثُ أَلِفَاتٍ مَمْدُودَاتٍ ، وَهُوَ
يُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَدَثَ بِهَزِّ النَّاقَةِ عَلَى مَا سَبَقَ أَوْ
بِإِشْبَاعِ الْمَدِّ فِي مَوَاضِعِهِ ، وَهُوَ بِسِيَاقِ الْحَدِيثِ
أَوْفَقُ وَلِحَمْلِ فِعْلِهِ عَلَيْهِ أَحَقُّ (قَالَ) أَيْ :
شُعْبَةُ (وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ : لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ
النَّاسُ عَلَيَّ) أَيْ : لَوْلَا مَخَافَةُ الِاجْتِمَاعِ لَدَيَّ
وَخَشْيَةُ إِنْكَارِ بَعْضِهِمْ عَلَيَّ (لَأَخَذْتُ) أَيْ :
لَشَرَعْتُ (لَكُمْ فِي ذَلِكَ الصَّوْتِ) أَيْ : وَقَرَأْتُ مِثْلَ
قِرَاءَتِهِ ، قَالَ شَارِحٌ : مِنْ عُلَمَائِنَا : فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ ارْتِكَابَ
(2/114)
أَمْرٍ يُوجِبُ
اجْتِمَاعَ النَّاسِ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ
بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ ، نَعَمْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنَّ الَّذِي
يَنْبَغِي تَرْكُهُ مَا يُخْشَى أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ
اجْتِمَاعًا يُؤَدِّي إِلَى فِتْنَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ ، وَهُنَا
كَذَلِكَ إِذْ رُبَّمَا يَتَزَاحَمُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ،
وَالنِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ ، وَرُبَّمَا يَقْتَدُونَ بِهِ
بَعْضُ السُّفَهَاءِ أَوْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْجَهَلَةِ ،
فَيَقَعُونَ فِي الْمَعْصِيَةِ .
(أَوْ قَالَ) أَيْ : مُعَاوِيَةُ وَأَوْ لِلشَّكِ (اللَّحْنِ)
بِالْجَرِّ أَيْ : بَدَلًا عَنِ الصَّوْتِ فَقِيلَ اللَّحْنُ بِمَعْنَى
الصَّوْتِ ، وَقِيلَ بِمَعْنَى النَّغَمِ ، وَيُقَالُ لَحَنَ فِي
قِرَاءَتِهِ إِذَا طَرِبَ ، وَعَرَّبَ أَيْ : أَتَى بِاللُّغَةِ
الْعَرَبِيَّةِ الْفَصِيحَةِ ، وَقِيلَ اللُّحُونُ وَالْأَلْحَانُ
جَمْعُ لَحْنٍ ، وَهُوَ التَّطْرِيبُ ، وَتَرْجِيعُ الصَّوْتِ
وَتَحْسِينُ الْقِرَاءَةِ وَالشِّعْرِ ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ :
اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ : مَعْنَى التَّرْجِيعِ تَحْسِينُ
التِّلَاوَةِ لَا تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ ; لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ
بِتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ يُنَافِي الْخُشُوعَ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ
التِّلَاوَةِ فَكَانَ الْمَنْفِيُّ مِنَ التَّرْجِيعِ فِي الْحَدِيثِ
الْآتِي تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ انْتَهَى . وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَمَعَ لِقِرَاءَةِ أَبِي
مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ : لَوْ
كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَسْمَعُهُ لَحَبَّرْتُهُ تَحْبِيرًا ، أَيْ :
زِدْتُ فِي تَحْسِينِهِ بِصَوْتِي تَزْيِينًا ، وَمَنْ تَأَمَّلَ
أَحْوَالَ
السَّلَفِ عَلِمَ أَنَّهُمْ بَرِيئُونَ مِنَ التَّصَنُّعِ فِي
الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ الْمُخْتَرَعَةِ دُونَ التَّطْرِيبِ ،
وَالتَّحْسِينِ الطَّبِيعِيِّ ، فَالْحَقُّ أَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ
طَبِيعَةً ، وَسَجِيَّةً كَانَ مَحْمُودًا ، وَإِنْ أَعَانَتْهُ
طَبِيعَتُهُ عَلَى زِيَادَةِ تَحْسِينٍ وَتَزْيِينٍ لَتَأَثَّرَ
التَّالِي وَالسَّامِعُ بِهِ ، وَأَمَّا مَا فِيهِ تَكَلُّفٌ
وَتَصَنُّعٌ بِتَعَلُّمِ أَصْوَاتِ الْغِنَاءِ ، وَأَلْحَانٍ
مَخْصُوصَةٍ فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي كَرِهَهَا السَّلَفُ
وَالْأَتْقِيَاءُ مِنَ الْخَلَفِ .
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ
الْحُدَّانِيُّ) نِسْبَةٌ إِلَى حُدَّانَ بِضَمِّ الْحَاءِ ،
وَتَشْدِيدِ دَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ قَبِيلَةٌ مِنَ الْأَزْدِ (عَنْ
حُسَامِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (بْنِ مِصَكٍّ) بِكَسْرِ مِيمٍ فَفَتْحِ
مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ كَافٍ ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ ، فَفِي
الْمِيزَانِ قَالَ أَحْمَدُ : مَطْرُوحٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ :
مَتْرُوكٌ ، وَمِنْ مَنَاكِيرِهِ حَدِيثُ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا
إِلَّا حَسَنَ الصَّوْتِ .
(عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا حَسَنَ
الْوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ وَكَانَ نَبِيُّكُمْ) زَادَ فِي نُسْخَةٍ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ
الصَّوْتِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْمُصَنِّفِ ، وَكَانَ نَبِيُّكُمْ
أَحْسَنَهُمْ وَجْهًا ، وَأَحْسَنَهُمْ صَوْتًا أَيْ : أَمْلَحَهُمْ
وَأَفْصَحَهُمْ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ حَدِيثَ الْبَيْهَقِيِّ ،
وَغَيْرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَقِّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِذَا
أَنَا بِرَجُلٍ أَحْسَنُ مَا خَلْقَ اللَّهُ وَقَدْ فَضَلَ النَّاسَ
بِالْحُسْنِ كَالْقَمَرِ فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ
الْكَوَاكِبِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ أَحْسَنُ مَا خَلَقَ اللَّهُ بَعْدَ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمْعًا بَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّ هُنَا قَوْلًا لِجَمَاعَةٍ مِنَ
الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ
كَلَامِهِ ، وَحَمَلَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ
أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أُعْطِيَ
شَطْرَ الْحُسْنِ الَّذِي أُوتِيهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَكَانَ) أَيْ : - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - (لَا يُرَجِّعُ) أَيْ : بِتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ أَوْ عَنْ
قَصْدٍ .
(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْبَأَنَا)
وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا ، وَفِي أُخْرَى حَدَّثَنَا (يَحْيَى بْنُ
حَسَّانَ) بِتَشْدِيدِ السِّينِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ فِي
الْأَصْلِ ، وَمُنْصَرِفٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَالْخِلَافُ
مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحُسْنِ فَوَزْنُهُ فَعَّالٌ
أَوْ مِنَ الْحَسَنِ فَوَزَنَهُ فَعْلَانُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ) بِكَسْرِ زَايٍ فَنُونٍ (عَنْ
عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
كَانَ) وَفِي نُسْخَةٍ كَانَتْ (قِرَاءَةُ النَّبِيِّ) وَفِي نُسْخَةٍ
رَسُولِ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُبَّمَا
يَسْمَعُهَا) وَفِي نُسْخَةٍ يَسْمَعُهُ ، وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ
مَا قَرَأَ (مَنْ فِي الْحُجْرَةِ) أَيْ : صَاحِبُ الْبَيْتِ (وَهُوَ)
أَيْ : وَالْحَالُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي
الْبَيْتِ)
(2/115)
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبَيْتِ هُوَ الْحُجْرَةُ
نَفْسُهَا أَيْ : يُسْمِعُ مَنْ فِي الْحُجْرَةِ ، وَهُوَ فِيهَا
ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَزْهَارِ ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ :
الْحُجْرَةُ أَخَصُّ مِنَ الْبَيْتِ انْتَهَى .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قِرَاءَتَهُ كَانَتْ مُتَوَسِّطَةً لَا فِي
نِهَايَةِ الْجَهْرِ ، وَلَا فِي غَايَةِ الْإِخْفَاءِ . |