دلائل النبوة للبيهقي محققا

الجزء الخامس
السفر الخامس من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة تكملة أبواب جمّاع الغزوات جُمَّاعُ أَبْوَابِ فَتْحِ مَكَّةَ حرسها الله.
غزوة حنين.
جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ تَبُوكَ.
جُمَّاعُ أَبْوَابِ وُفُودِ الْعَرَبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَجَّةَ الوداع.

(5/3)


جُمَّاعُ أَبْوَابِ فَتْحِ مَكَّةَ [ (1) ] حَرَسَهَا اللهُ [تَعَالَى] [ (2) ] بَابُ نَقْضِ قُرَيْشٍ مَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ [ (3) ] قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: [ (4) ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
__________
[ (1) ] انظر في فتح مكة:
- طبقات ابن سعد (2: 134) .
- سيرة ابن هشام (4: 3) .
- مغازي الواقدي (2: 780) .
- انساب الأشراف (1: 170) .
- صحيح البخاري (5- 145) .
- صحيح مسلم بشرح النووي (12: 126) .
- تاريخ الطبري (3: 42) .
- ابن حزم (223) .
- عيون الأثر (2: 212) .
- البداية والنهاية (4: 278) .
- نهاية الأرب (17: 287) .
- شرح المواهب للزرقاني (2: 288) .
- السيرة الحلبية (3: 81) .
- السيرة الشامية (5: 304) .
[ (2) ] الزيادة من (ح) .
[ (3) ] في (أ) : «الحبري» .
[ (4) ] في (ح) : «قالا» .

(5/5)


الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا، قَالَا: كَانَ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ أَنَّهُ [ (5) ] مَنْ شَاءَ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ، فَقَالُوا: نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنَوْ بَكْرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، فَمَكَثُوا فِي تِلْكَ الْهُدْنَةِ نَحْوَ السَّبْعَةَ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ إِنَّ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ. [وَثَبُوا] [ (6) ] عَلَى خُزَاعَةَ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِهِ لَيْلًا بِمَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: «الْوَتِيرُ» [ (7) ] قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا يَعْلَمُ بِنَا مُحَمَّدٌ، وَهَذَا اللَّيْلُ وَمَا يَرَانَا أَحَدٌ، فَأَعَانَوهُمْ عَلَيْهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، فَقَاتَلُوهُمْ مَعَهُ لِلطَّعْنِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ عمر بْنَ سَالِمٍ رَكِبَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ما كَانَ مِنْ أَمْرِ خُزَاعَةَ وَبَنِي بَكْرٍ بِالْوَتِيرِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ وَقَدْ قَالَ أَبْيَاتَ شِعْرٍ،
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أنشده إياها: [ (8) ] .
اللهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا [ (9) ]
كُنَّا وَالِدًا وَكُنْتَ وَلَدَا ... ثُمَّ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
فَانْصُرْ رَسُولَ اللهِ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ الله يأتوا مددا [ (10) ]
__________
[ (5) ] في (ح) : «أنّ» .
[ (6) ] سقطت من (ح) .
[ (7) ] «الوتير» بفتح الواو، هو الورد الأبيض سمي به الماء (شرح المذاهب 2: 289) ، وهذا الماء في موضع في ديار خزاعة.
[ (8) ] الأبيات (في سيرة ابن هشام) (4: 8) . باختلاف يسير عما أورده المصنف.
[ (9) ] ناشد: طالب ومذكر، والأتلد: القديم.
[ (10) ] نصرا اعتدا: أي حاضرا، والمدد: العون.

(5/6)


فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا [ (11) ]
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدَا ... إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا [ (12) ]
وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا ... وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَرْجُو أَحَدَا
فَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا ... قَدْ جَعَلُوا لِي بِكَدَاءَ مَرْصَدَا [ (13) ]
هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا ... فَقَتَّلُونَا رُكَّعَا وَسُجَّدَا [ (14) ]
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ» .
فَمَا بَرِحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ عَنَانَةٌ [ (15) ] فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ.
وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِالْجِهَازِ، وَكَتَمَهُمْ مَخْرَجَهُ، وَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُعْمِيَ عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرَهُ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ [ (16) ] .
زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي رِوَايَتِهِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم كَأَنَّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ يَشُدُّ الْعَقْدَ وَيَزِيدُ فِي الْمُدَّةِ» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ، حَتَّى قَدِمُوا
__________
[ (11) ] «قد تجردا» : تروى هذه الكلمة بالجيم وبالحاء المهملة، فأما من رواه بالجيم فمعناه شمر وتهيأ لحربهم، وأما من رواه بالحاء المهملة فمعناه غضب وثار، وسيم خسفا: معناه طلب منه وكلفه، والخسف- بفتح فسكون- الذل، وتربد: تغير.
[ (12) ] الفيلق: العسكر الكثير.
[ (13) ] كداء: موضع بمكة، «ورصدا» : يروى بضم الراء وتشديد الصاد مفتوحة فهو جمع راصد، مثل راكع وركع، والراصد: الذي يترصد للأمر ويطلبه، ويروى «رصدا» بفتح الراء والصاد جميعا.
[ (14) ] الوتير: اسم ماء، وهجد: جمع هاجد، ويطلق على النائم أو المستيقظ.
[ (15) ] (عنانة) : سحابة.
[ (16) ] الخبر في سيرة ابن هشام (4: 8- 9) .

(5/7)


علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ وَمُظَاهَرَةِ [ (17) ] بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ، حَتَّى لَقُوا أَبَا سُفْيَانَ بِعُسْفَانَ قَدْ بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشُدَّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَهُ فِي الْمُدَّةِ، وَقَدْ تَرَهَّبُوا لِلَّذِي صَنَعُوا، فَلَمَّا لَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ بُدَيْلًا قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَتَ يَا بُدَيْلُ؟ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سِرْتُ فِي خُزَاعَةَ فِي هَذَا السَّاحِلِ، وَفَى بَطْنِ هَذَا الْوَادِي، فَعَمَدَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى مَبْرَكِ راحلته، فأخذ من بعدها قُفَّتَهُ فَرَأَى فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ:
أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ جَاءَ بُدَيْلٌ مُحَمَّدًا.
ثُمَّ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْمَدِينَةَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ: «أُمِّ حَبِيبَةَ» ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَتْهُ، فَقَالَ:
يَا بُنَيَّةُ مَا أَدْرِي أَرَغِبْتِ بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ، أَوْ رَغِبْتِ بِهِ عَنِّي؟ فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ مُشْرِكٌ نَجِسٌ، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ وَاللهِ لَقَدْ أَصَابَكِ شَيْءٌ بَعْدِي، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ، يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَلَّمَهُ أَنْ يُكَلِّمَ لَهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ، عُمَرُ: أَأَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم! فو الله لَوْ لَمْ أَجِدْ لَكُمْ إِلَّا الذَّرَّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ،
ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهَا حَسَنٌ غُلَامٌ يَدِبُّ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّكَ أَمَسُّ الْقَوْمِ بِي رَحِمًا، وَأَقْرَبُهُمْ مِنِّي قَرَابَةً، وَقَدْ جِئْتُ فِي حَاجَةٍ، فَلَا أَرْجِعَنَّ كَمَا جِئْتُ خَائِبًا، فَاشْفَعْ لِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، وَاللهِ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلِّمَهُ فِيهِ، فَالْتَفَتَ إِلَى فَاطِمَةَ، فَقَالَ: يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ! هَلْ لَكِ أَنْ تَأْمُرِي بُنَيَّكِ هَذَا فَيَجِيرُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَكُونَ سَيِّدَ الْعَرَبِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا بَلَغَ بُنَيِّيَ ذَاكَ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ
__________
[ (17) ] (المظاهرة) : المعاونة.

(5/8)


علي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنِّي أَرَى الْأُمُورَ قَدِ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ فَانْصَحْنِي، قَالَ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُغْنِي عَنْكَ، وَلَكِنَّكَ سَيِّدُ بَنِي كِنَانَةَ فَقُمْ فَأَجِرْ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ الْحَقْ بِأَرْضِكَ، فَقَالَ: أَوَ تَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنِّي شَيْئًا، قَالَ: لَا، وَاللهِ مَا أَظُنُّهُ وَلَكِنْ لَا أَجِدُ لَكَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ.
ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرَهُ، فَانْطَلَقَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا مَا وَرَاءَكَ، قَالَ: جِئْتُ محمدا فكلمته فو الله مَا رَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ جِئْتُ ابْنَ أَبِي قحافة فو الله مَا وَجَدْتُ فِيهِ خَيْرًا، ثُمَّ جِئْتُ عُمَرَ فَوَجَدْتُهُ أَعْدَى الْعَدُوِّ، ثُمَّ جِئْتُ عَلِيًّا فَوَجَدْتُهُ أَلْيَنَ الْقَوْمِ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيَّ بِشَيْءٍ صنعته، فو الله مَا أَدْرِي هَلْ يُغْنِي عَنِّي شَيْئًا أَمْ لَا؟
قَالُوا: بِمَاذَا أَمَرَكَ قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ فَفَعَلْتُ فَقَالُوا: هَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: لَا فَقَالُوا: وَيْحَكَ وَاللهِ إِنْ زَادَ الرَّجُلُ عَلَى أن لعبت بِكَ، فَمَا يُغْنِي عَنَّا مَا قُلْتَ فَقَالَ: لَا، وَاللهِ مَا وَجَدْتُ غَيْرَ ذَلِكَ [ (18) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ، حَدَّثَنَا. الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فِي فَتْحِ مَكَّةَ، قَالَ [ (19) ] : ثُمَّ إِنَّ بَنِي نُفَاثَةَ مِنْ بَنِي الدِّئَلِ أَغَارُوا عَلَى بَنِي كَعْبٍ، وَهُمْ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، وَكَانَتْ بَنُو كَعْبٍ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ بَنُو نُفَاثَةَ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ، فَأَعَانَتْ بَنُو بَكْرٍ بَنِي نُفَاثَةَ، وَأَعَانَتْهُمْ قُرَيْشٌ بِالسِّلَاحِ وَالرَّقِيقِ، وَاعْتَزَلَتْهُمْ بَنُو مُدْلَجٍ، وَوَفَّوْا بِالْعَهْدِ الَّذِي كَانُوا عَاهَدُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بني الدّئل
__________
[ (18) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 10- 11) ، ونقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (4:
280) .
[ (19) ] ليست في (ح) .

(5/9)


رَجُلَانِ هُمَا سَيِّدَاهُمْ: سَلْمُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَكُلْثُومُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّ مِمَّنْ أَعَانَهُمْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ، وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو! فَأَغَارَتْ بَنُو الدِّئَلِ عَلَى بَنِي عَمْرٍو وَعَامَّتُهُمْ- زَعَمُوا نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ وضعفاء الرجال- فالجؤهم، وَقَتَلُوهُمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ دَارَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ بِمَكَّةَ، فَخَرَجَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «ارْجِعُوا فَتَفَرَّقُوا فِي الْبُلْدَانِ» وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَتَخَوَّفَ الَّذِي كَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اشْدُدِ الْعَقْدَ، وَزِدْنَا فِي الْمُدَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلِذَلِكَ قَدِمْتَ هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ قِبَلَكُمْ؟ قَالَ مَعَاذَ اللهِ نَحْنُ عَلَى عَهْدِنَا وَصُلْحِنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، لَا نُغَيِّرُ وَلَا نُبَدِّلُ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: جَدِّدِ الْعَقْدَ وَزِدْنَا فِي الْمُدَّةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: جِوَارِي فِي جِوَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُ الذَّرَّ تُقَاتِلُكُمْ لَأَعَنْتُهَا عَلَيْكُمْ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا كَانَ مِنْ حَلِفِنَا جَدِيدًا فَأَخْلَقَهُ اللهُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ مُثْبَتًا [ (20) ] فَقَطَعَهُ اللهُ، وَمَا- كَانَ مِنْهُ- مَقْطُوعًا فَلَا وَصَلَهُ اللهُ، فَقَالَ- لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: جُزِيتَ مِنْ ذِي رَحِمٍ سُوءًا [ (21) ] ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ عُثْمَانُ: جِوَارِي فِي جِوَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ اتَّبَعَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارَ يُكَلِّمُهُمْ، فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: عَقْدُنَا فِي عَقْدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا يَئِسَ مِمَّا عِنْدَهُمْ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَهَا فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَنَا امْرَأَةٌ، وَإِنَّمَا ذَاكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأْمُرِي أَحَدَ ابْنَيْكِ، قَالَتْ: إِنَّمَا هُمَا صَبِيَّانِ لَيْسَ مِثْلُهُمَا يُجِيرُ، قَالَ: فَكَلِّمِي عَلِيًّا، قَالَتْ: أَنْتَ فَكَلِّمْهُ، فَكَلَّمَ عَلِيًّا، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ! إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَفْتَاتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِجِوَارٍ، وَأَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ
__________
[ (20) ] في (ح) : «متينا» .
[ (21) ] وفي رواية: «شرا» .

(5/10)


وَأَكْبَرُهَا وَأَمْنَعُهَا، فَأَجِرْ بَيْنَ عَشِيرَتِكَ، قَالَ: صَدَقْتَ وَأَنَا كَذَلِكَ، فَخَرَجَ فَصَاحَ: أَلَا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ وَلَا وَاللهِ لَا أَظُنُّ أَنْ يَخْفِرَنِي أَحَدٌ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا وَاللهِ مَا أَظُنُّ أَنْ يَخْفِرَنِي أَحَدٌ وَلَا يُرَدُّ جِوَارِي، فَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا حَنْظَلَةَ! فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى ذَلِكَ فَزَعَمُوا وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أَدْبَرَ أَبُو سُفْيَانَ:
«اللهُمَّ خُذْ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ فَلَا يَرَوْنَا إِلَّا بَغْتَةً وَلَا يَسْمَعُونَ بِنَا إلا فجأة» .
وقد أَبُو سُفْيَانَ مَكَّةَ فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: مَا وَرَاءَكَ؟ هَلْ جِئْتَ بِكِتَابٍ مِنْ مُحَمَّدٍ أَوْ عَهْدِهِ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ لَقَدْ أَبَى عَلَيَّ، وَقَدْ تَتَبَّعْتُ أَصْحَابَهُ فَمَا رَأَيْتُ قَوْمًا لِمَلِكٍ عَلَيْهِمْ أَطْوَعَ مِنْهُمْ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْ قَالَ لِي: لِمَ تَلْتَمِسُ جِوَارَ النَّاسِ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَلَا تُجِيرُ أَنْتَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِكَ وَأَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ وَأَكْبَرُهَا وَأَحَقُّهَا أَنْ لَا يُخْفَرَ جِوَارُهُ، فَقُمْتُ بِالْجِوَارِ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَذَكَرْتُ لَهُ أَنْ قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النَّاسِ، وَقُلْتُ: مَا أَظُنُّ أَنْ تَخْفِرَنِي، فَقَالَ:
أَنْتَ يَا أَبَا حَنْظَلَةَ تَقُولُ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: رَضِيتَ بِغَيْرِ رِضًا وَجِئْتَنَا بِمَا لَا يُغْنِي عَنَّا وَلَا عَنْكَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَعِبَ بِكَ عليّ لعمر اللهِ مَا جِوَارُكَ بِجَائِرٍ، وَإِنَّ إِخْفَارَكَ عَلَيْهِمْ لَهَيِّنٌ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَحَدَّثَهَا الْحَدِيثَ فَقَالَتْ: فَتَحَ اللهُ مِنْ وَافِدِ قَوْمٍ فَمَا جِئْتَ بِخَيْرٍ، وَرَأَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَحَابًا فَقَالَ: إِنَّ هَذَا السَّحَابَ لَيَنْصَبُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ.
فَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ أَبُو سُفْيَانَ ثُمَّ أَعْذَرَ فِي الْجِهَازِ، وَأَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُجَهِّزَهَ وَتُخْفِيَ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى بَعْضِ حَاجَاتِهِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَ عِنْدَهَا حِنْطَةً تُنْسَفُ، أَوْ تُنَقَّى، فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ لِمَاذَا تَصْنَعِينَ هَذَا الطَّعَامَ؟ فَسَكَتَتْ، فَقَالَ أَيُرِيدُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْزُوَ؟ فَصَمَتَتْ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ

(5/11)


يُرِيدُ بَنِي الْأَصْفَرِ- وَهُمُ الرُّومُ- فَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرًا فِيهِ مِنْهُمْ بَعْضُ الْمَكْرُوهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَصَمَتَتْ، قَالَ: [فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أَهْلَ نَجْدٍ فَذَكَرَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ فَصَمَتَتْ] [ (22) ] قَالَ: فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ قُرَيْشًا وَإِنَّ لَهُمْ مُدَّةً فَصَمَتَتْ قَالَ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ مَخْرَجًا قَالَ: نَعَمْ قَالَ: لَعَلَّكَ تُرِيدُ بَنِي الْأَصْفَرِ قَالَ: لَا قَالَ: أَفَتُرِيدُ أَهْلَ نَجْدٍ، قَالَ: لَا قَالَ: فلعل تُرِيدُ قُرَيْشًا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ؟
قَالَ: أَلَمْ يَبْلُغْكَ مَا صَنَعُوا بِبَنِي كَعْبٍ، وَأَذَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ بِالْغَزْوِ، وكَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى قُرَيْشٍ وَأَطْلَعَ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى الْكِتَابِ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ [ (23) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تُغَرْبِلُ حِنْطَةً لَهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بِالْجِهَازِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ فَتَجَهَّزْ، فَقَالَ: وَإِلَى أَيْنَ؟ قَالَتْ: مَا سَمَّى لَنَا شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَنَا بِالْجِهَازِ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بَعْدَ قِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: وَأَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِهَازِ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُجَهِّزُوهُ، وَأَعْلَمَ النَّاسَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى مَكَّةَ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ شِعْرَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي نَقْضِ قُرَيْشٍ عَهْدَهُمْ [ (24) ] .
__________
[ (22) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
[ (23) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ذكرها ابن عبد البر مختصرة في الدرر (211- 213) ، ونقلها كاملة ابن كثير في البداية والنهاية (4: 281- 282) .
[ (24) ] الخبر في سيرة ابن هشام (4: 11- 12) ، ونقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 283) ،

(5/12)


أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو [ (25) ] ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَتْ خُزَاعَةُ:
اللهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللهِ يأتوا مددا
__________
[ () ] وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
عناني ولم أشهد ببطحاء مكّة ... رجال بني كعب تحزّ رقابها
بأيدي رجال لم يسلّوا سيوفهم ... وقتلى كثير لم تجنّ ثيابها
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تنالنّ نصرتي ... سهيل بن عمرو حرّها وعقابها
وصفوان عود حزّ من شعر استه ... فهذا أوان الحرب شدّ عصابها
فلا تأمننّا يا ابن أمّ مجالد ... إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها
ولا تجزعوا منها فإنّ سيوفنا ... لها وقعة بالموت يفتح بابها
[ (25) ] في (ح) : «عمر» وهو تصحيف، وهو محمد بن عمرو بن وقاص الليثي.

(5/13)


بَابُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ [ (1) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِطْلَاعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى الله عليه وسلم على ذَلِكَ وَإِجَابَتِهِ دَعْوَتَهُ بِتَعْمِيَةِ خَبَرِهِ عَلَى قُرَيْشٍ حَتَّى بَغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ بَغْتَةً [ (2) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
__________
[ (1) ] في (ح) : «رسول الله» .
[ (2) ] قال ابن عبد البر في ترجمة حاطب في الاستيعاب:
(حاطب) بن أبي بلتعة اللخمي من ولد لخم بن عدي في قول بعضهم يكنى أبا عبد الله وقيل يكنى أبا محمد واسم أبي بلتعة عمرو بن راشد بن معاذ اللخمي حليف قريش.
* ويقال انه من مذحج وقيل هو حليف للزبير بن العوام وقيل بل كان عبدا لعبيد اللهِ بْنَ حُمَيْدِ بْنِ زهير ابن الحرث بن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بن قصي فكاتبه فادي كتابته يوم الفتح، وهو من أهل اليمن والأكثر انه حليف لبني أسد بن عبد العزى.
* شهد بدرا والحديبية ومات سنة ثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وستين سنة وصلّى عليه عثمان.
* وقد شهد الله لحاطب بن أبي بلتعة بالايمان في قوله يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم الآية وذلك أن حاطبا كتب إلى أهل مكة قبل حركة رسول الله صلّى الله عليه وسلم إليها عام الفتح يخبرهم ببعض ما يريد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بهم من الغزو إليهم وبعث كتابه مع امرأة فنزل جبريل بذلك على النبي صلّى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في طلب المرأة علي بن أبي طالب وآخر معه قيل المقداد بن الأسود وقيل الزبير بن العوام فأدركا المرأة بروضة خاخ فأخذا الكتاب
ووقف رسول الله صلّى الله عليه وسلم خاطبا فاعتذر وقال ما فعلته رغبة عن ديني فنزلت فيه آيات من صدر سورة الممتحنة وأراد عمر بن الخطاب قتله فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم انه قد شهد بدرا الحديث.
أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا أحمد بن يونس ويونس بن محمد، قالا حدثنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر: أن عبد الحاطب جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم يشتكي حاطبا فقال يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليدخلن حاطب الناس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذبت لا يدخل أحد النار شهد بدرا والحديبية.
* وروى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلّى الله عليه وسلم مثله.

(5/14)


__________
[ () ] *
وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال جاء غلام لحاطب بن أبي بلتعة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لا يدخل حاطب الجنة وكان شديدا على الرقيق فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية.
* وقال أبو عمر رضي الله عنه ما ذكر يحيى بن أبي كثير في حديثه هذا من أن حاطبا كان شديدا على الرفيق يشهد لما في الموطأ من قول عمر بن الخطاب لحاطب حين انتحر رقيقه ناقة لرجل من مزينة أراك تجيعهم وأضعف عليه القيمة على جهة الأدب والردع له.
* وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد بعث حاطب بن أبي بلتعة في سنة ست من الهجرة الى المقوقس صاحب مصر والاسكندرية فأتاه من عنده بهدية منها مارية القبطية وسيرين أختها فاتخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم مارية لنفسه فولدت له إبراهيم ابنه على ما ذكرنا من ذلك في صدر هذا الكتاب ووهب سيرين لحسان فولدت له عبد الرحمن وبعث أبو بكر الصديق حاطب بن أبي بلتعة أيضا الى المقوقس بمصر فصالحهم فلم يزالوا كذلك حتى دخلها عمرو بن العاص فنقض الصلح وقاتلهم وافتتح مصر وذلك سنة عشرين في خلافة عمر بن الخطاب.
*
وروى حاطب بن أبي بلتعة عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال من رآني بعد موتي فكأنما رآني في حياتي ومن مات في أحد الحرمين بعث في الآمنين يوم القيامة أسلم له غير هذا الحديث.
* روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده حاطب بن أبي بلتعة قال بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الاسكندرية فجئته بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأنزلني في منزله وأقمت عنده ليالي ثم بعث إليّ وقد جمع بطارفته فقال اني سأكلمك بكلام أحب أن تفهمه مني قال قلت هلم قال أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي قال قلت بلى هو رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلدته الى غيرها فقلت له فعيسى بن مريم أتشهد أنه رسول الله فما له حيث أخذه قومه فأرادوا صلبه أن لا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله اليه في سماء الدنيا قال أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد وأرسل معك من يبلغك الى مأمنك قال فأهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاث جوار منهن أم ابراهيم ابن رسول الله وأخرى وهبها لأبي جهم بن حذيفة العدوي وأخرى وهبها لحسان بن ثابت الانصاري وأرسل اليه بثياب مع طرف من طرفهم.
وانظر ترجمة له في: طبقات ابن سعد (3: 114) ، الجرح والتعديل (3: 303) ، المستدرك (3: 300) ، مجمع الزوائد (9: 303) ، تهذيب التهذيب (2: 168) ، الاصابة (1:
300) ، شذرات الذهب (1: 37) .

(5/15)


يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّيْرَ إِلَى مَكَّةَ كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ السَّيْرِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بَلَغَنِي أَنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةً لِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلِّغَهُ قُرَيْشًا، فَجَعَلَتْهُ فِي رَأْسِهَا، ثُمَّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا، وَخَرَجَتْ بِهِ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ، فَبَعَثَ عليّ ابن أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ [ (3) ] فَقَالَ: أَدْرِكَا امْرَأَةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبٌ كِتَابًا إِلَى قُرَيْشٍ يحَذِّرُهُمْ مَا قَدِ اجْتَمَعْنَا لَهُ فِي أَمَرِهِمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، - رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ:
أَخْبَرَنَا [أَبُو] [ (5) ] عَبْدِ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيَّانَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبي رافع، وَهُوَ كَاتِبٌ لِعَلِيٍّ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ. (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن حسن
__________
[ (3) ] اختلفت الروايات فيمن أرسله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليأتي بكتاب حاطب: ففي رواية أبي رافع عن علي قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أنا والزبير والمقداد.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، وَالزُّبَيْرَ بن العوام،
قال الحافظ: فيحتمل ان يكون الثلاثة كانوا معه، وذكر احد الراويين عنه ما لم يذكر الآخر، ثم قال: والذي يظهر، أنه كان مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آخر تبعا له.
[ (4) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 12) .
[ (5) ] سقطت من (ح) .

(5/16)


ابن مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رافع وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أنا وَالزُّبَيْرُ، وَالْمِقْدَادُ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ [ (6) ] فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً [ (7) ] مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا فَانْطَلَقْنَا تُعَادِي بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، قُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. [قَالَتْ: مَا مَعِيَ كِتَابٌ، قُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ] [ (8) ] أَوْ لتلقين الثياب فأخرجت مِنْ عِقَاصِهَا [ (9) ] فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا [ (10) ] فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ وَلَمْ تَكُنْ لِي قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا فَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ
__________
[ (6) ] روضة خاخ- بخاءين معجمتين بينهما ألف: على بريد من المدينة، وصحفه أبو عوانة كما في الصحيح فقال: حاج بحاء مهملة وجيم، ووهم في ذلك.
[ (7) ] الظعنية: الهودج كانت فيه امرأة أو لم تكن، والجمع الظعن بضمتين وتسكن [العين] وظعائن.
والظعينة: المرأة ما دامت في الهودج، وكل بعير يوطأ للنساء ظعينة، وقال في النهاية: الظعينة المرأة في الهودج، ثم قيل للمرأة بلا هودج وللهودج بلا امرأة.
[ (8) ] هذه العبارة سقطت من (ح) .
[ (9) ] عقاصها- بكسر العين المهملة، وبالقاف والصاد المهملة المكسورة: وهو الخيط الذي يعتقص به أطراف الذوائب، والشعر المضفور، وفي رواية: أخرجته من حجزتها- بضم الحاء المهملة، وسكون الجيم، وفتح الزاي: وهو معقد الإزار، قال في النور: وأيضا ان الكتاب كان في ضفائرها وجعلت الضفائر في حجزتها.
[ (10) ] الملصق- بضم الميم وفتح الصاد المهملة: الرجل المقيم في الحي والحليف لهم.

(5/17)


اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ [ (11) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ زَادَ قَالَ: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ فَنَزَلَتْ فِيهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ الْآيَةَ [ (12) ] ، قَالَ سُفْيَانُ: فَلَا أَدْرِي: أَذَاكَ فِي الْحَدِيثِ، أَمْ قَوْلٌ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ [ (13) ] رَضِيَ اللهُ [تَعَالَى] [ (14) ] عنه.
__________
[ (11) ] الحديث في قصة حاطب بن أبي بلتعة أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 79) ،.
وأخرجه البخاري في: 56- كتاب الجهاد، (141) باب الجاسوس، الحديث (3007) ، فتح الباري (6: 143) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله المديني.
وأخرجه البخاري أيضا في تفسير سورة الممتحنة، (1) باب لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أولياء، الحديث (4890) ، فتح الباري (8: 633) عن الحميدي.
وأخرجه البخاري أيضا في: 6- كتاب المغازي، (46) باب غزوة الفتح، وما بعث به حاطب لأهل مكة، فتح الباري (7: 519) عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ.
وأخرجه مسلم فِي: 44- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ (36) باب من فضائل أهل بدر، الحديث 161، ص (1941) .
وأخرجه أبو داود في الجهاد، والترمذي في تفسير سورة الممتحنة.
وأخرجه أبو يعلى، والحاكم، والضياء عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ جابر، وابن مردويه عن أنس، وعن سعيد بن جبير وابن إسحاق عن عروة، والواقدي عن شيوخه.
[ (12) ] أول سورة الممتحنة.
[ (13) ] راجع الحاشية (11) من هذا الباب.
[ (14) ] الزيادة من (ح) .

(5/18)


بَابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَزْوَةِ الْفَتْحِ [ (1) ] وَاسْتِخْلَافِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَوَقْتِ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَدُخُولِهِ مَكَّةَ وَصَوْمِهِ وَفِطْرِهِ فِي مَسِيرِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مسلم بن
__________
[ (1) ] لا خلاف أَنَّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ كَانَتْ في رمضان، كما في الصحيح، وغيره، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ابْنُ شهاب كما عند البيهقي من طريق عقيل: لَا أَدْرِي أَخَرَجَ فِي شَعْبَانَ فَاسْتَقْبَلَ رَمَضَانَ، أَوْ خَرَجَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ ما دخل؟ ورواه البيهقي من طريق ابن أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بإسناد صحيح. قال:
صبح رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ.
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي سعيد- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: خرجنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان، وهذا يدفع التردد الماضي، ويعين يوم الخروج وقول الزهري يعين يوم الدخول، ويعطي أنه أقام في الطريق اثني عشر يوما.
قال الحافظ: وأما ما قاله الواقدي أنه خرج لعشر خلون من رمضان فليس بقوي لمخالفته ما هو أصح منه، قلت: قد وافق الواقدي على ذلك ابن إسحاق وغيره، ورواه إسحاق بن راهويه بسند صحيح عن ابن عباس، وعند مسلم أنه دخل لست عشرة، ولأحمد لثماني عشرة، وفي أخرى لثنتي عشرة، والجمع بين هاتين بحمل إحداهما على ما مضى والأخرى على ما بقي، والذي في المغازي: دخل لتسع عشرة مضت وهو محمول على الاختلاف في أول الشهر.
ووقع في أخرى: بالشك في تسع عشرة أو سبع عشرة وروى يعقوب بن سفيان من طريق الحسن عن جماعة من مشايخه: أن الفتح كان في عشرين من رمضان، فإن ثبت حمل على أن مراده أنه وقع في العشر الأوسط قبل أن يدخل الأخير.

(5/19)


شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ الْحُصَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ خَلَفٍ الْغِفَارِيَّ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصَامَ النَّاسُ [ (2) ] مَعَهُ حَتَّى أَتَى الْكَدِيدَ [ (3) ] مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ [ (4) ] وَأَمَجَ [ (5) ] أَفْطَرَ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى مَكَّةَ مُفْطِرًا، فَكَانَ النَّاسُ يَرَوْنَ أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ وَأَنَّهُ نُسِخَ مَا كَانَ قَبْلَهُ [ (6) ] .
هَكَذَا ذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَوْلَهُ: فَخَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ مُدْرَجًا فِي الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: خَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ سنة
__________
[ (2) ] في (ح) : «وصام معه الناس» .
[ (3) ] الكديد- بفتح الكاف، وكسر الدال المهملة الأولى، بعدها تحتية فدال مهملة: موضع بين مكة والمدينة بين منزلتي أمج وعسفان، وهو اسم ماء، وهو أقرب الى مكة من عسفان.
[ (4) ] عسفان- بضم العين، وسكون السين المهملتين، وبفاء ونون، قرية جامعة على ثلاث مراحل من مكة.
[ (5) ] أمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم المخففة: اسم واد.
[ (6) ] ورد أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أفطر بالكديد، وفي رواية بغيره كما سبق في القصة، والكل في سفرة واحدة، فيجوز أن يكون فطره صلى الله عليه وسلم في أحد هذه المواضع حقيقة إما كديد، وإما كراع الغميم، وإما عسفان، وإما قديد. وأضيف إلى الآخر تجوزا لقربه منه، ويجوز أن يكون قد وقع منه صلى الله عليه وسلم الفعل في المواضع الأربعة، والفطر في موضع منها، لكن لم يره جميع الناس فيه، لكثرتهم، وكرره ليتساوى الناس في رؤية الفعل، فأخبر كل عن رؤية عين وأخبر كل عن محل رؤيته.

(5/20)


ثَمَانٍ [ (7) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: مِثْلَ ذَلِكَ لَا أَدْرِي أَخَرَجَ فِي ليالي مِنْ شَعْبَانَ، فَاسْتَقْبَلَ رَمَضَانَ، أَوْ خَرَجَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ مَا دَخَلَ، غَيْرَ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَنِي أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، الْمَاءَ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ أَفْطَرَ، فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْصَرَفَ [ (8) ] الشَّهْرُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، [ (9) ] عَنِ اللَّيْثِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ عَلَى رأس ثمان سنين ونصف مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، فَسَارَ بمن
__________
[ (7) ] راجع الحاشية (1) من هذا الباب.
[ (8) ] في البخاري: «انسلخ» .
[ (9) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (47) باب غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، الحديث (4275) فتح الباري (8: 3) .

(5/21)


مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ [ (10) ] وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَلَمْ يَصُومُوا مِنْ بَقِيَّةِ رَمَضَانَ شَيْئًا.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْآخِرُ فَالْآخِرُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَصَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (11) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ دُونَ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ في دخوله مكة [ (12) ] .
__________
[ (10) ] خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد) يعني بالفتح فتح مكة وكان سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ والكديد عين جارية بينها وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها. وبينها وبين مكة قريب من مرحلتين. وهي أقرب الى المدينة من عسفان. قال القاضي عياض: الكديد عين جارية على اثنين وأربعين ميلا من مكة. قال: وعسفان قرية جامعة بها منبر على ستة وثلاثين ميلا من مكة.
قال: والكديد ماء بينها وبين قديد. وفي الحديث الآخر: فصام حتى بلغ كراع الغميم، وهو ود أمام عسفان بثمانية أميال. يضاف إليه هذا الكراع. وهو جبل أسود متصل به. والكراع كل أنف سال من جبل أو حرة. قال القاضي. وهذا كله في سفر واحد، في غزاة الفتح. قال: وسميت هذه المواضع، في هذه الأحاديث لتقاربها وإن كانت عسفان متباعدة شيئا عن هذه المواضع، لكنها كلها مضافة إليها ومن عملها. فاشتمل اسم عسفان عليها، قال: وقد يكون علم حال الناس ومشقتهم في بعضها فأفطر وأمرهم بالفطر في بعضها. قال الإمام النووي: هذا كلام القاضي كما قال، إلا في مسافة عسفان، فإن المشهور أنها على أربعة برد من مكة. وكل بريد أربعة فراسخ. وكل فرسخ ثلاثة أميال) فالجملة ثمانية وأربعون ميلا. هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الجمهور صحيح مسلم (2: 784) .
[ (11) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (47) باب غزوة الفتح في رمضان الحديث (4276) ، فتح الباري (8: 3) .
[ (12) ] أخرجه مسلم في: 13- كتاب الصيام، (15) باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية ... ، الحديث (88) ، ص (784) .

(5/22)


وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْهُ لِبِضْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ [ (13) ] .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ فَذَكَرَهُ وَأَدْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْحَدِيثِ.
حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْفَتْحُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَكَانَ الْفَتْحُ فِي ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ.
وَهَذَا الْإِدْرَاجُ وَهْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم غزوة
__________
[ (13) ] جزم ابن إسحاق بأن جميع من شهد الفتح مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةُ آلَافٍ. ورواه البخاري في صحيحه عن عروة، وإسحاق بن راهويه من طريق آخر بسند صحيح عن ابن عبّاس، وقال عروة أيضا والزهري وابن عقبة كانوا اثنى عشر ألفا، وجمع بأن العشرة آلاف خرج بها من نفس المدينة. ثم تلاحق الألفان.

(5/23)


الْفَتْحِ: فَتْحِ مَكَّةَ، فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي رَمَضَانَ، وَمَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفِ سَنَةٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ وَافْتَتَحَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ رَمَضَانَ [ (14) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ ابن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنُ أَبِي بكر، وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فِي [عَشْرٍ] [ (15) ] بَقِيَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ: أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الطَّبَرَانِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قَرَأْنَا عَلَى أَبِي الْيَمَانِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَزَعَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: آذَنَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحِيلِ عَامَ الْفَتْحِ فِي لَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَخَرَجْنَا صُوَّامًا حَتَّى بَلَغْنَا الْكَدِيدَ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْفِطْرِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ شَرْجَيْنِ مِنْهُمُ الصَّائِمُ وَالْمُفْطِرُ، حَتَّى إِذَا بَلَغْنَا الْمَنْزِلَ الَّذِي نَلْقَى الْعَدُوَّ فِيهِ أَمَرَنَا بالفطر فأفطرنا أجمعون [ (17) ] .
__________
[ (14) ] قول الزهري هذا يدفع التردد في تحديد يوم الفتح، ويعين يوم الخروج، ويوم الدخول، ويعطي انه اقام في الطريق اثني عشر يوما، وانظر إرشاد الساري شرح صحيح البخاري (6: 388) .
[ (15) ] سقطت من (ح) .
[ (16) ] راجع الحاشية (1) من هذا الباب.
[ (17) ] في جامع الترمذي، (24) كتاب الجهاد، (13) بَابُ مَا جَاءَ فِي الفطر عند القتال من طريق أحمد ابن مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المبارك، عَنْ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عن قزعة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قال: «لما بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ مرّ الظهران، فآذننا بلقاء العدو، فأمرنا بالفطر، فأفطرنا أجمعون» وقال: «هذا حديث حسن صحيح» .

(5/24)


حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محرز، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ.
خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ صَائِمًا حَتَّى أَتَى كُرَاعَ الْغَمِيمِ، والنَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَاةً وَرُكْبَانًا، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ كَيْفَ فَعَلْتَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَرَفَعَهُ وَشَرِبَ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ. فَصَامَ بَعْضُ النَّاسِ، وَأَفْطَرَ بَعْضٌ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أَنَّ [بَعْضَهُمْ] [ (18) ] . صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» [ (19) ] .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ [ (20) ] .
وَفِيمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَمَا حَلَّ عُقْدَةً حَتَّى انْتَهَى إِلَى الصُّلْصُلِ [ (21) ] وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ وَقَادُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوَا الْإِبِلَ وَكَانُوا عَشَرَةَ آلاف [ (22) ] .
__________
[ (18) ] في (ح) : «بعض الناس» ، وكذا في صحيح مسلم.
[ (19) ] (أولئك العصاة، أولئك العصاة) هكذا هو مكرر مرتين في صحيح مسلم، وهذا محمول على من تضرر بالصوم، أو إنهم أمروا بالفطر امرا جازما لمصلحة بيان جوازه، فخالفوا الواجب.
[ (20) ] أخرجه مسلم في: 13- كتاب الصيام، (15) باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، الحديث (90) ، ص (785) .
[ (21) ] (الصلصل) موضع عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ المدينة.
[ (22) ] الخبر في مغازي الواقدي: (2: 801) .

(5/25)


وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ وَحَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ مِنْ أَسْلَمَ، وَغِفَارٍ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ
.

(5/26)


بَابُ إِسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ بن الحارث ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي مَسِيرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَمَا جَاءَ فِيهِ [وَفِي] غَيْرِهِ فِي مَسِيرِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عشرة آلاف من المسلمين، فَسَبَّعَتْ [ (1) ] سُلَيْمٌ، وَأَلَّفَتْ مُزَيْنَةُ، وَفِي كُلِّ الْقَبَائِلِ عَدَدٌ وَإِسْلَامٌ، وَأَوْعَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المهاجرون وَالْأَنْصَارَ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى قُرَيْشٍ فَلَا يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ صَانِعٌ.
وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَدْ لَقِيَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِثَنِيَّةِ الْعُقَابِ، فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكَ، فَقَالَ:
لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا: أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ، فَلَمَّا خَرَجَ الْخَبَرُ إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بن
__________
[ (1) ] (سبّعت) : أي كانت سبعمائة، وقوله: «ألفت» أي كانت ألفا.

(5/27)


الْحَارِثِ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ: وَاللهِ لَيَأْذَنَنَّ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدِ ابْنِي هَذَا ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا أَوْ جُوعًا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهُمَا فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَأَنْشَدَهُ أَبُو سُفْيَانَ قَوْلَهُ فِي إِسْلَامِهِ وَاعْتِذَارِهِ مِمَّا كَانَ مَضَى مِنْهُ، فَقَالَ:
لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ [ (2) ]
لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أظلم ليله ... فهذا أواتي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي [ (3) ]
هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي ... مَعَ اللهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ [ (4) ]
أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ ... وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ مُحَمَّدِ [ (5) ]
هُمُ مَا هُمُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَوَاهِمُ ... وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلَمْ وَيُفَنَّدِ [ (6) ]
أُرِيدُ لِأُرْضِيهِمْ وَلَسْتُ بِلَائِطٍ ... مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلِّ مَقْعَدِ [ (7) ]
فَقُلْ لِثَقِيفٍ لَا أُرِيدُ قِتَالَكُمْ ... وَقُلْ لِثَقِيفٍ تِلْكَ: غِيْرِي وَأَوْعِدِي [ (8) ]
فَمَا كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي نَالَ عَامِرًا ... وَلَا كَانَ عَنْ جَرْيٍ لِسَانِي وَلَا يَدِي
قَبَائِلُ جَاءَتْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ ... نَزَائِعُ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدُدِ
قَالَ فَذَكَرُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ومن طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: أَنْتَ طَرَدْتَنِي كُلَّ مطرّد [ (9) ] .
__________
[ (2) ] احمل راية: كنى بذلك عن شهود الحرب ودعوته إليها، واللات صنم من أصنام العرب، وأراد بخيل اللات جيش الكفر والشرك، وخيل محمد: أراد بها جيش المسلمين.
[ (3) ] المدلج: الذي يسير ليلا.
[ (4) ] مطرد: مصدر ميمي بمعنى الطرد، وذلك كما في قوله تعالى: «انكم إذا مزقتم كل ممزق» .
[ (5) ] أصد: أمنع الناس عن الدخول في الإيمان، وأنأى: ابعد بنفسي عنه، وجاهدا: مجتهدا.
[ (6) ] يفند: ينسب إلى الفند، وهو الكذب، أو يلام.
[ (7) ] لائط: ملصق، يقال: لاط حبه بقلبي، إذا لصق به.
[ (8) ] أوعدي: هددي.
[ (9) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 15) ، ونقله ابن كثير في التَّارِيخَ (4: 287) .

(5/28)


أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْحَنَفِيِّ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ سَعِيدِ بْنِ مِينَا، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ أَهْلُ مُؤْتَةَ، وَرَجَعُوا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّسْيرِ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ نَزَلَ بِالْعَقَبَةِ وَأَرْسَلَ الْجُنَاةَ يَجْتَنُونَ الْكَبَاثَ [ (10) ] فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: ثَمَرُ الْأَرَاكِ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِيمَنْ يَجْتَنِي فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا أَصَابَ حَبَّةً طَيِّبَةً قَذَفَهَا فِي فِيهِ، وَكَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَى دِقَّةِ سَاقَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَرْقَى فِي الشَّجَرَةِ فَيَضْحَكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «تَعْجَبُونَ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فو الذي نَفْسِي فِي يَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ [ (11) ] مِنْ أُحُدٍ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا اجْتَنَى مِنْ شَيْءٍ جَاءَ بِهِ وَخِيَارُهُ فِيهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهْ ... إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهْ [ (12) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْتَنِي الْكَبَاثَ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَطْيَبُ» قَالُوا: كُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ، قَالَ: «نَعَمْ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ رَعَاهَا» ، وَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ رمضان.
__________
[ (10) ] (الكباث) : النضيج من ثمر الأراك، حبة فويق حب الكزبرة في القدر.
[ (11) ] المستدرك للحاكم (3: 317) ، وقال: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، وقال الذهبي:
«صحيح» .
[ (12) ] ونقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (4: 288) .

(5/29)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ مُخْتَصَرًا لَمْ يَذْكُرِ التَّارِيخَ فيه [ (13) ] .
__________
[ (13) ] أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة، وترجم له بقوله: «باب الكباث وهو ورق الأراك» وعلق عليه الحافظ ابن حجر، فقال: «كذا وقع في رواية أبي ذر عن مشايخه، وقال: كذا في الرواية، والصواب ثمر الأراك، ثم تتبع باقي الروايات على هذا النحو.
وقال الحافظ ابن القيم: الكباث (بفتح الكاف والباء الموحدة المخففة والثاء المثلثة) ثمر الأراك، وهو بأرض الحجاز، وطبعه حار يابس منافعه كمنافع الأراك، يقوي المعدة، ويجيد الهضم، ويجلو البلغم، وينفع من أوجاع الظهر، وكثير من الأدواء» .
وانظر الطب النبوي ص (540) من تحقيقنا.

(5/30)


بَابُ نُزُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَمَا جَرَى فِي أَخْذِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء وَإِسْلَامِهِمْ وَعَقْدِ الْأَمَانِ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَا شَرَطَ وَدُخُولِهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مَكَّةَ وَتَصْدِيقِ اللهِ تَعَالَى مَا وَعَدَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَأَسْلَمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ فَلَوْ جَعَلْتَ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا، أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بِلَالٍ الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة بَابُ مَا جَاءَ فِي خبر مكة، الحديث (3021) ، ص (3:
162) بإسناده.

(5/31)


جَاءَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا أَبُو سُفْيَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا الْفَضْلِ انْصَرِفْ بِضَيْفِكَ اللَّيْلَةَ إِلَى أَهْلِكَ وَاغْدُ بِهِ» ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الشَّرَفَ وَالذِّكْرَ فَأَعْطِهِ شَيْئًا يَتَشَرَّفُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم:
مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَمَا تَسَعُ دَارِي؟ فَقَالَ: مَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَ: وَمَا تَسَعُ الْكَعْبَةُ فَقَالَ: من دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَ: وَمَا يَسَعُ الْمَسْجِدُ فَقَالَ: مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَ هَذِهِ وَاسِعَةٌ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقَدْ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ! [ (3) ] وَاللهِ لَإِنْ بَغَتَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِلَادِهَا فَدَخَلَ عَنْوَةً [ (4) ] مَكَّةَ إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ آخِرَ الدهر، فجلس على
__________
[ (2) ] مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عقبة، نقلها باختصار ابن عبد البر في الدرر (217) ، والصالحي في السيرة الشامية (5: 330) .
[ (3) ] واصباح قريش: منادى مستغاث، يقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه.
[ (4) ] (عنوة) : أخذ الشيء قهرا.

(5/32)


بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ، وَقَالَ: أَخْرُجُ إِلَى الْأَرَاكِ لَعَلِّي أَرَى حَطَّابًا أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ أَوْ دَاخِلًا يَدْخُلُ مَكَّةَ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ، فخرجت فو الله إِنِّي لَأَطُوفُ بِالْأَرَاكِ أَلْتَمِسُ مَا خَرَجْتُ لَهُ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، وَقَدْ خَرَجُوا يَتَحَسَّبُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَتْ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ نِيرَانًا، فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: هَذِهِ وَاللهِ نِيرَانُ خُزَاعَةَ حَمَشَتْهَا [ (5) ] الْحَرْبُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَلْأَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَذَلُّ، فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ، فَقُلْتُ يَا أَبَا حَنْظَلَةَ! وَهُوَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: أَبَا الْفَضْلِ! فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ: لَبَّيْكَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي فَمَا وَرَاءَكَ؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَقَدْ دَلَفَ إِلَيْكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فِي عَشْرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَكَيْفَ الْحِيلَةُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ فَقُلْتُ.
تَرْكَبُ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ فَأَسْتَأْمِنُ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ وَاللهِ لَئِنْ [ (6) ] ظَفَرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، فَرَدَفَنِي، فَخَرَجْتُ أَرْكُضُ بِهِ بَغْلَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم نَحْوَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ فَنَظَرُوا إِلَيَّ قَالُوا: عَمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَنَظَرَ فَرَآهُ خَلْفِي، فَقَالَ عُمَرُ: أَبُو سُفْيَانَ! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ، ثُمَّ اشْتَدَّ نَحْوَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَضَتِ الْبَغْلَةُ حَتَّى اقْتَحَمْتُ عَلَى بَابِ الْقُبَّةِ وَسَبَقْتُ عُمَرَ بِمَا تَسْبِقُ بِهِ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ، وَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللهِ قَدْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، فَدَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ أَمَّنْتُهُ، ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ وَقُلْتُ: وَاللهِ لَا ينَاجِيهِ اللَّيْلَةَ أَحَدٌ دُونِي، فَلَمَّا أَكْثَرَ فِيهِ عُمَرُ، قُلْتُ: مَهْلًا يَا عُمَرُ، فو الله لَا تَصْنَعُ هَذَا إِلَّا لِأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
__________
[ (5) ] (حمشتها الحرب) : أحرقتها، وتروى هذه الكلمة: «حمستها» بالسين المهملة، فمعناها اشتتدت عليها، مأخوذة من الحماسة، وهي الشجاعة والشدة.
[ (6) ] في (ح) : «فإن» .

(5/33)


عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتَ هَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَهْلًا يَا عَبَّاسُ، فو الله لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم [مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (7) ] : «اذْهَبْ بِهِ فَقَدْ أَمَّنَّاهُ حتى تغدوا عَلَيَّ بِهِ بِالْغَدَاةِ» ، فَرَجَعَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ- أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» ، [فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَوْصَلَكَ وَأَكْرَمَكَ] [ (8) ] وَاللهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى شَيْئًا بَعْدُ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَوَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ» ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَوْصَلَكَ وَأَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ، أَمَا وَاللهِ هَذِهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا شَيْئًا.
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: فَقُلْتُ: وَيْلَكَ تَشَهَّدْ شَهَادَةَ الْحَقِّ قَبْلَ وَاللهِ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُكَ، فَتَشَهَّدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ حِينَ تَشَهَّدَ أَبُو سُفْيَانَ: «انْصَرِفْ بِهِ يَا عَبَّاسُ فَاحْبِسْهُ عِنْدَ خَطْمِ [ (9) ] الْجَبَلِ بِمَضِيقِ الْوَادِي حِينَ تَمُرُّ عَلَيْهِ جُنُودُ اللهِ» .
فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا يَكُونُ لَهُ فِي قَوْمِهِ، فَقَالَ: نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ.
فَخَرَجْتُ بِهِ حَتَّى حَبَسْتُهُ عِنْدِ خَطْمِ الْجَبَلِ بِمَضِيقِ الْوَادِي فمرّت عليه
__________
[ (7) ] الزيادة من (ح) ، وسقطت من (أ) .
[ (8) ] ما بين الحاصرتين من (ح) .
[ (9) ] خطم الجبل: شيء يخرج منه ويضيق معه الطريق، وفي رواية في الصحيح: حطم، بالحاء المهملة، الخيل، بالخاء المعجمة، وهو موضع ضيق تتزاحم الخيل فيه حتى يحطم بعضهم بعضا.

(5/34)


الْقَبَائِلُ فَيَقُولُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا عَبَّاسُ؟ فَأَقُولُ سُلَيْمٌ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِسُلَيْمٍ، وَتَمُرُّ بِهِ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ: مَنْ هَؤُلَاءِ هَذِهِ؟ فَأَقُولُ: أَسْلَمُ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِأَسْلَمَ، وَتَمُرُّ جُهَيْنَةُ فَيَقُولُ: مِنْ هَذِهِ؟ فَأَقُولُ: جُهَيْنَةُ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِجُهُيْنَةَ، حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَضْرَاءِ كَتِيبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي الْحَدِيدِ لَا يُرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ عَظِيمًا، فَقُلْتُ: وَيْحَكَ إِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا.
قُلْتُ: الْحَقِ الْآنَ بِقَوْمِكَ فَحَذِّرْهُمْ، فَخَرَجَ سَرِيعًا حَتَّى جَاءَ مَكَّةَ فَصَرَخَ فِي الْمَسْجِدِ [ (10) ] يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَقَالُوا: فَمَهْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ آمِنٌ. [قَالُوا وَيْحَكَ وَمَا دَارُكَ وَمَا تُغْنِي عَنَّا قَالَ: وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ هُوَ آمِنٌ] [ (11) ] وَمَنْ غَلَّقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَأَمَّا أَيُّوبُ فَإِنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ عِكْرِمَةَ وَلَمْ يَسُقْ شَيْخُنَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ، وَلَهُ شَوَاهِدُ فِي عَقْدِ الْأَمَانِ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَا قَالَ الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ جِهَةِ سَائِرِ أَهْلِ الْمَغَازِي مِنْهَا [ (12) ] .
مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
__________
[ (10) ] في (ح) : «فصرخ في البيت» .
[ (11) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
[ (12) ] أخرجه ابن هشام في السيرة (4: 16) ، وإسحاق بن راهويه بسند صحيح عن ابن عباس، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عباس، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية، (4:
290) ، والصالحي في السيرة الشامية (5: 326) .

(5/35)


أَبُو عُلَاثَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَغِفَارٍ، وَأَسْلَمَ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَبَنِي سُلَيْمٍ، وَقَادُوا الْخُيُولَ حَتَّى نَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَلَمْ تَعْلَمْ بِهِمْ قُرَيْشٌ، وَبَعَثُوا أَبَا سفيان وحكيم بْنَ حِزَامٍ فَلَقِيَا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ فَاسْتَصْحَبَاهُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْأَرَاكِ مِنْ مَكَّةَ وَذَلِكَ عِشَاءً، وَإِذَا الْفَسَاطِيطُ وَالْعَسْكَرُ وَسَمِعُوا صَهِيلَ الْخَيْلِ فَرَاعَهُمْ ذَلِكَ، وَفَزِعُوا مِنْهُ، وَقَالُوا: هَؤُلَاءِ بَنُو كَعْبٍ حَاشَتْهَا الْحَرْبُ، قَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مَا بَلَغَ تَأْلِيبُهَا هَذَا أَفَتَنْجَعُ هَوَازِنُ أَرْضَنَا، وَاللهِ مَا نَعْرِفُ هَذَا أَيْضًا.
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَيْلًا تَقْبِضُ الْعُيونَ وَخُزَاعَةُ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يَمْضِي، فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ أَخَذَتْهُمُ الْخَيْلَ تَحْتَ اللَّيْلِ وَأَتَوْا بِهِمْ خَائِفِينَ لِلْقَتْلِ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ فَوَجَأَ عُنُقَهُ وَالْتَزَمَهُ الْقَوْمُ وَخَرَجُوا بِهِ لِيَدْخُلُوا بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَبَسَهُ الْحَرَسُ أَنْ يَخْلُصَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَخَافَ الْقَتْلَ، وَكَانَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً [ (13) ] لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فنادى بأعلا صَوْتِهِ: أَلَا تَأْمُرُ بِي إِلَى الْعَبَّاسِ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ فَدَفَعَ عَنْهُ وَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَنْ يُقَيِّضَهُ إِلَيْهِ، وَفَشَا فِي الْقَوْمِ مَكَانُهُ أَنَّهُ عِنْدَ عَبَّاسٍ، فَرَكِبَ بِهِ عَبَّاسٌ تَحْتَ اللَّيْلِ وَسَارَ بِهِ فِي عَسْكَرِ الْقَوْمِ حَتَّى أَبْصُرُوهُ أَجْمَعَ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ حِينَ وَجَأَ عُنُقَهُ: وَاللهِ لا تدنوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمُوتَ، فَاسْتَغَاثَ بِعَبَّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: إِنِّي مَقْتُولٌ، فَمَنَعَهُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَنْتَهِبُوهُ، فَلَمَّا رَأَى كَثْرَةَ الْجَيْشِ، وَطَاعَتَهُمْ، قَالَ: لَمْ أَرْ كَاللَّيْلَةِ جَمْعًا لقوم.
__________
[ (13) ] في (أ) : «خالصة أو خاصة» .

(5/36)


فخلّصن عَبَّاسٌ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: إِنَّكَ مَقْتُولٌ، إِنْ لَمْ تُسْلِمْ وَتَشْهَدْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَجَعَلَ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ الَّذِي يَأْمُرُهُ بِهِ عَبَّاسٌ، فَلَا يَنْطَلِقُ بِهِ لِسَانُهُ، فَبَاتَ مَعَ عَبَّاسٍ.
وَأَمَّا حَكِيمُ بْنُ حزام، وبديل بْنُ وَرْقَاءَ فَدَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَا، وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَسْتَخْبِرُهُمَا عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فما نُودِيَ بِالصَّلَاةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ تَحَشْحَشَ الْقَوْمُ فَفَزِعَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ! مَاذَا يُرِيدُونَ؟ فَقَالَ: هُمُ الْمُسْلِمُونَ سَمِعُوا النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ، فيسّروا بِحُضُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ بِهِ الْعَبَّاسُ فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ يَمُرُّونَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَبْصَرَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا فَعَلُوهُ قَالَ لَهُ عَبَّاسٌ لَوْ نَهَاهُمْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَأَطَاعُوهُ، قَالَ: يَا عَبَّاسُ فَكَلِّمْهُ فِي قَوْمِكَ هَلْ عِنْدَهُ مِنْ عَفْوٍ عَنْهُمْ، فَانْطَلَقَ عَبَّاسٌ بِأَبِي سُفْيَانَ حَتَّى أَدْخَلَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَبَّاسٌ يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي قَدِ اسْتَنْصَرْتُ إِلَهِي وَاسْتَنْصَرْتَ إِلَهِكَ فو الله مَا لَقِيتُكَ مَرَّةً إِلَّا ظَهَرْتَ عَلَيَّ، فَلَوْ كَانَ إلهي محقا وإلهك مُبْطِلًا لَظَهَرْتُ عَلَيْكَ، فَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ عَبَّاسٌ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي إِلَى قَوْمِكَ فَأُنْذِرَهُمْ وَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَأَذِنَ لَهُ،
فَقَالَ عَبَّاسٌ كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ؟ بَيِّنْ لِي مِنْ ذَلِكَ أَمْنًا يَطْمَئِنُّونَ إِلَيْهِ، قَالَ، رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَقُولُ لَهُمْ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَوَضَعَ سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ قَالَ عَبَّاسٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ عَمِّنَا وَأُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ مَعِي وَقَدْ خَصَصْتَهُ بِمَعْرُوفٍ فَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَدَارُ أَبِي سفيان بأعلا مَكَّةَ، وَقَالَ: مَنْ دَخَلَ دار حكيم ابن حِزَامٍ وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَدَارُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ.
وَحَمَلَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَبَّاسًا عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ الَّتِي كَانَ أَهْدَاهَا لَهُ دِحْيَةُ بْنُ

(5/37)


خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ، فَانْطَلَقَ عَبَّاسٌ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ أَرْدَفَهُ فَلَمَّا سَارَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي وَقْفِ أَبِي سُفْيَانَ بِالْمَضِيقِ دُونَ الْأَرَاكِ حَتَّى مَرَّتْ بِهِ الْخَيْلُ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ وُجُوهًا كَثِيرَةً لَا يَعْرِفُهَا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرْتَ أَوْ كَثَّرْتَ هَذِهِ الْوُجُوهُ عَلَيَّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي سُفْيَانَ: أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ وَقَوْمُكَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ صَدَّقُونِي إِذْ كَذَّبْتُمُونِي، وَنَصَرُونِي إِذْ أَخْرَجْتُمُونِي، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَذَكَرَ فِيهَا قَوْلَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ:
الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةْ ... الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرُمَةْ
إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه بَعْضَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَا أَبَا سُفْيَانَ.
الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةْ ... الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةْ
فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟
قَالَ: مَا قَالَ: قَالَ: كَذَا وَكَذَا قَالَ: كَذَبَ سَعْدٌ وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ [ (14) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة، عن أبيه، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَقَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ إبن مُطْعِمٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ هَاهُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ؟
قَالَ: وَأَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ كَذَا أو دخل
__________
[ (14) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ اخرج بعضها ابن عبد الدر في الدرر (216- 217) باختصار، ونقلها ابن كثير في البداية والنهاية (4: 290- 291) والصالحي في السيرة الشامية (5: 328- 329) .

(5/38)


النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ كَذَا فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ حُبَيْشُ بْنُ الْأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الفضل ابن مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن إبراهيم ابن عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُقَالُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ: مِنْ أَسْلَمَ، وَغِفَارٍ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَقَادُوا الْخُيُولَ، فَأَخْفَى الله عَزَّ وَجَلَّ مَسِيرَهُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، حَتَّى نَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ أَبَا سُفْيَانَ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، وَمَعَهُمَا بديل ابن وَرْقَاءَ، فَلَمَّا طَلَعُوا عَلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ حِينَ بَلَغُوا الْأَرَاكَ، وَذَلِكَ عِشَاءً رَأَوُا النِّيرَانَ وَالْفَسَاطِيطَ وَالْعَسْكَرَ، وَسَمِعُوا صَهِيلَ الْخَيْلِ، فَرَاعَهُمْ ذَلِكَ، فَقَالُوا:
هَذِهِ بَنُو كَعْبٍ حَشَّتْهَا الْحَرْبُ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي كَعْبٍ، قَالُوا: فَلَعَلَّهُمْ هَوَازِنُ انْتَجَعُوا الْغَيْثَ بِأَرْضِنَا وَلَا وَاللهِ مَا نَعْرِفُ هَذَا أَيْضًا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ لَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى أَخَذَهُمْ نَفَرٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُمْ عُيُونًا لَهُ بِخَطِيمِ أَبْعِرَتِهِمْ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ، قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وأصحابه، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هَلْ سَمِعْتُمْ بِمِثْلِ هَذَا الْجَيْشِ نَزَلُوا عَلَى أَكْبَادِ قَوْمٍ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِمْ، فَلَمَّا دَخَلَ بِهِمُ الْعَسْكَرُ لَقِيَهُمْ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَجَارَهُمْ وَقَالَ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَعَشِيرَتُكَ، هَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمْعِ الْمُؤْمِنِينَ فَادْخِلُوا [عَلَيْهِ

(5/39)


فَأَسْلَمُوا فَدَخَلُوا] [ (15) ] عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَمَكَثُوا عِنْدَهُ عَامَّةَ اللَّيْلِ يُحَادِثُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُمُ: اشْهَدُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَشَهِدُوا، ثُمَّ قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَشَهِدَ حَكِيمٌ، وَبُدَيْلٌ، وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا أَعْلَمُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ فَلَمَّا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ ثَارَ النَّاسُ فَفَزِعَ أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: مَاذَا يُرِيدُونَ؟ قَالَ: الصَّلَاةَ وَرَأَى أَبُو سُفْيَانَ الْمُسْلِمِينَ [ (16) ] يَتَلَقَّوْنَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ مُلْكًا قَطُّ كَاللَّيْلَةِ وَلَا مُلْكَ كِسْرَى، وَلَا مُلْكَ قَيْصَرَ، وَلَا مُلْكَ بَنِي الْأَصْفَرِ، فَسَأَلَ أَبُو سُفْيَانَ الْعَبَّاسَ أَنْ يُدْخِلَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْخَلَهُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مُحَمَّدُ قَدِ اسْتَنْصَرْتُ آلِهَتِي، واستنصرت إلهك فو الله مَا لَقِيتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا ظَهَرْتَ عَلَيَّ، فَلَوْ كان إلهي محقا وإلهك مُبْطِلًا، لَقَدْ غَلَبْتُكَ فَشَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَحَكِيمٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَجِئْتَ بِأَوْبَاشِ [ (17) ] النَّاسِ مَنْ يُعْرَفُ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ إِلَى أَصْلِكَ وَعَشِيرَتِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمْ أَظْلَمُ وَأَفْجَرُ، قَدْ غَدَرْتُمْ بِعَقْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَظَاهَرْتُمْ عَلَى بَنِي كَعْبٍ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فِي حَرَمِ اللهِ وَأَمْنِهِ، فَقَالَ بُدَيْلٌ: قَدْ صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْ غَدَرُوا بِنَا وَاللهِ لَوْ أَنَّ قُرَيْشًا خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا مَا نَالُوا مِنَّا الَّذِي نَالُوا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَحَكِيمٌ قَدْ كُنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ حَقِيقًا أَنْ تَجْعَلَ عِدَّتَكَ وَكَيْدَكَ لِهَوَازِنَ، فَإِنَّهُمْ أَبْعَدُ رَحِمًا وَأَشَدُّ عَدَاوَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْمَعَهُمَا لِي رَبِّي: فَتْحَ مَكَّةَ، وَإِعْزَازَ الْمُسْلِمِينَ [ (18) ] بِهَا وَهَزِيمَةَ هَوَازِنَ، وَغَنِيمَةَ أَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَحَكِيمٌ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ لَنَا [ (19) ] بِالْأَمَانِ، أَرَأَيْتَ إِنِ اعْتَزَلَتْ قُرَيْشٌ فَكَفَّتْ أَيْدِيَهَا آمِنُونَ هُمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، مَنْ كَفَّ يَدَهُ وَأَغْلَقَ دَارَهُ فَهُوَ
__________
[ (15) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
[ (16) ] في (ح) : «المسلمون» !
[ (17) ] (الأوباش) : الأخلاط.
[ (18) ] في (ح) : «المسلمين» .
[ (19) ] في (ح) : «الناس» .

(5/40)


آمِنٌ، قَالُوا: فَابْعَثْنَا نُؤْذِنُ بِذَلِكَ فِيهِمْ: قَالَ: انْطَلِقُوا فَمَنْ دَخَلَ دَارَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ وَدَارَكَ يَا حَكِيمُ، وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ،
وَدَارُ أَبِي سُفْيَانَ بأعلا مَكَّةَ، وَدَارُ حَكِيمٍ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، فَلَمَّا تَوَجَّهَا ذَاهِبَيْنِ، قَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنِّي لَا آمَنُ أَبَا سُفْيَانَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إِسْلَامِهِ، فَيَكْفُرَ فَارْدُدْهُ حَتَّى نَقِفَهُ فَيَرَى جُنُودَ اللهِ مَعَكَ، فَأَدْرَكَهُ عَبَّاسٌ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَغَدْرًا يَا بَنِي هَاشِمٍ؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
سَتَعْلَمُ أَنَّا لَسْنَا نَغْدِرُ وَلَكِنْ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ، فَأَصْبِحْ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَى جُنُودِ اللهِ وَإِلَى مَا عَدَّ لِلْمُشْرِكِينَ فَحَبَسَهُمْ بِالْمَضِيقِ دُونَ الْأَرَاكِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى أَصْبَحُوا وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فَنَادَى لِتُصْبِحْ كُلُّ قَبِيلَةٍ قَدِ ارْتَحَلَتْ وَوَقَفَتْ مَعَ صَاحِبِهَا عِنْدَ رَايَتِهِ وَتُظْهِرْ مَا مَعَهَا مِنَ الْأَدَاةَ وَالْعُدَّةِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ عَلَى ظَهْرٍ وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَتَائِبُ، فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ أَفِي هَذِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قُضَاعَةُ، ثُمَّ مَرَّتِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا، فَرَأَى أَمْرًا عَظِيمًا رَعَّبَهُ اللهُ بِهِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَخَيْلِهِمْ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَأَعْطَاهُ رَايَتَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْرِزَهَا بِالْحَجُونِ وَلَا يَبْرَحُ حَيْثُ أَمَرَهُ أَنْ يَغْرِزَهَا حَتَّى يَأْتِيَهُ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِيمَنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْ قُضَاعَةَ وَبَنِي سُلَيْمٍ وَنَاسًا أَسْلَمُوا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْرِزَ رَايَتَهُ عِنْدَ أَدْنَى الْبُيُوتِ، وَبِأَسْفَلِ مَكَّةَ: بَنُو بَكْرٍ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ وَهُذَيْلٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْأَحَابِيشِ قَدِ اسْتَنْصَرَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَكُونُوا بِأَسْفَلِ مَكَّةَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي كَتِيبَةِ الْأَنْصَارِ فِي مُقَدِّمَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَفَعَ سَعْدٌ رَايَتَهُ إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَلَا يقَاتِلُونَ أَحَدًا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِقَتْلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ مِنْهُمْ:
عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ، وَابْنُ خطل، ومقيس بن صبابة أَحَدِ بَنِي لَيْثٍ وَهُوَ مِنْ كَلْبِ بْنِ عَوْفٍ وَأَمَرَ بِقَتْلِ قَيْنَتَيْنِ لِابْنِ خَطَلٍ كَانَتَا

(5/41)


تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم [ (20) ] ، فَمَرَّتِ الْكَتَائِبُ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا عَلَى أَبِي
__________
[ (20) ] هم عبد العزى ابن خطل- بفتح الخاء المعجمة، والطّاء المهملة، وآخره لام وكان قد أسلم، وسماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبد الله وهاجر إلى المدينة، وبعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ساعيا، وبعث معه رجلا من خزاعة، وكان يصنع له طعامه ويخدمه فنزلا في، مجمع- والمجمع حيث تجتمع الأعراب يؤدون فيه الصدقة فأمره أن يصنع له طعاما، ونام نصف النهار، واستيقظ، والخزاعي نائم: ولم يصنع له شيئا، فعدى عليه فضربه، فقتله، وارتدّ عن الإسلام، وهرب إلى مكة، وكان يقول الشعر يهجو به رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان له قينتان، وكانتا فاسقتين، فيأمرهما ابن خطل أن يغنيا بهجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وعن [أنس] قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلّق بأستار الكعبة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اقتلوه» رواه الإمام مالك والشّيخان.
قال محمد بن عمر: لمّا دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى ذي طوى، أقبل ابن خطل من أعلى مكة مدجّجا في الحديد على فرس وبيده قناة، فمرّ ببنات سعيد بن العاص فقال لهن: أما والله لا يدخلها محمد حتى ترين ضربا كأفواه المزاد، ثم خرج حتى انتهى إلى الخندمة، فرأى خيل الله، ورأى القتال فدخله رعب، حتّى ما يستمسك من الرّعدة، فرجع حتّى انتهى الى الكعبة، فنزل عن فرسه، وطرح سلاحه وأتى البيت فدخل تحت أستاره، فأخذ رجل من بني كعب سلاحه وأدرك فرسه عائرا فاستوى عليه، ولحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم بالحجون.
وعبد الله بن سعد بن أبي سرح- بفتح السّين، وإسكان الرّاء، وبالحاء المهملات- كان أسلم، ثمّ ارتد، فشفع فيه عثمان يوم الفتح، فحقن دمه، وأسلم بعد ذلك فقبل إسلامه، وحسن إسلامه بعد ذلك، وولّاه عمر بعض أعماله، ثمّ ولّاه عثمان، ومات وهو ساجد في صلاة الصّبح، أو بعد انقضائها، وكان أحد النّجباء الكرماء العقلاء من قريش، وكان فارس بني عامر بن لؤي المقدم فيهم، وسيأتي خبره مبسوطا في أبواب كتّابه- صلّى الله عليه وسلم.
وعكرمة بن أبي جهل، أسلم فقبل إسلامه.
والحويرث- بالتصغير- بن نقيدر بضم النون، وفتح القاف، وسكون التّحتية، فدال مهملة، فراء مهملة، كان يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونخس بزينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما هاجرت إلى المدينة، فأهدر دمه، فبينما هو في منزله قد أغلق عليه بابه، فسأله عنه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-.
فقيل هو بالبادية، فأخبر الحويرث أنّه يطلب، فتنحى عليّ عن بابه، فخرج الحويرث يريد أن يهرب من بيت إلى آخر، فتلقّاه عليّ، فضرب عنقه.
قال ابن هشام: وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة، وأم كلثوم بنتي رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكّة يريد بهما المدينة، فنخس بهما الحويرث فرمى بهما الأرض.

(5/42)


سُفْيَانَ وَحَكِيمٍ وَبُدَيْلٍ لَا تَمُرُّ عَلَيْهِمْ كَتِيبَةٌ إِلَّا سَأَلُوا عَنْهَا حَتَّى مَرَّتْ عَلَيْهِمْ كَتِيبَةُ الْأَنْصَارِ فِيهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَنَادَى سَعْدٌ أَبَا سُفْيَانَ، فَقَالَ:.
__________
[ () ] قال البلاذري- رحمه الله تعالى- وكان يعظم الْقَوْلَ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وينشد الهجاء فيه، ويكثر أذاه وهو بمكة.
ومقيس. بميم، فقاف، فسين مهملة- بن صبابة، بصاد مهملة، وموحدتين، الأولى خفيفة-، كان أسلم، ثم أتى على رجل من الأنصار فقتله، وكان الأنصاري قتل أخاه هشاما خطأ في غزوة ذي قرد، ظنّه من العدوّ، فجاء مقيس، فأخذ الدّية، ثم قتل الأنصاري، ثم ارتد، فقتله نميلة- تصغير نملة، بن عبد الله يوم الفتح.
وهبّار- بفتح الهاء، وتشديد الموحدة بن الأسود، أسلم، وكان قبل ذلك شديد الأذى للمسلمين، وعرض لزينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمّا هاجرت فنخس بها، فأسقطت، ولم يزل ذلك المرض بها حتّى ماتت، فلمّا كان يوم الفتح، وبلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أهدر دمه، فأعلن بالإسلام، فقبله منه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعفا عنه.
والحويرث بن الطلاطل الخزاعي، قتله عليّ- رضي الله عنه- ذكره أبو معشر. وكعب بن زهير، وجاء بعد ذلك فأسلم، ومدح. ذكره الحاكم.
ووحشيّ بن حرب، وتقدّم شأنه في غزوة أحد، فهرب إلى الطائف، فلما أسلم أهلها جاء فأسلم.
وسارة مولاة عمرو بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، وكانت مغّنية نوّاحة بمكة، وكانت قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل الفتح، وطلبت منه الصّلة وشكت الحاجة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «ما كان في غنائك ما يغنيك؟»
فقالت: إنّ قريشا منذ قتل من قتل منهم ببدر تركوا الغناء، فوصلها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأوقر لها بعيرا طعاما، فرجعت إلى قريش. وكان ابن خطل يلقي عليها هجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتغني به. وهي التي وجد معها كتاب حاطب بن أبي بلتعة، فأسلمت وعاشت إلى خلافة عمر بن الخطاب.
وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان بن حرب، وهي التّي شقّت عن كبد حمزة بن عبد المطّلب عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلمت، فعفا عنها.
وأرنب مولاة ابن خطل، وقينتان لابن خطل، كانت تغنيان بهجو رسول الله صلّى الله عليه وسلم اسم أحدهما فرتنى- بفتح الفاء، وسكون الرّاء وفتح الفوقية، فنون، فألف تأنيث مقصورة، والأخرى قريبة- ضدّ بعيدة، ويقال: هي أرنب السابقة، فاستؤمن لإحداهما فأسلمت، وقتلت الأخرى، وذكر عن ابن إسحاق أن فرتنى هي التي أسلمت، وأن قريبة قتلت.
وأم سعد قتلت فيما ذكره ابن إسحاق، ويحتمل كما قال الحافظ- رحمه الله تعالى أن تكون أرنب، وأم سعد القينتان. واختلف في اسميهما باعتبار الكنية واللّقب.

(5/43)


الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ... الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرُمَةُ
فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ فِي الْمُهَاجِرِينَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَرْتَ بِقَوْمِكَ أَنْ يُقْتَلُوا، فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَمَنْ مَعَهُ حِينَ مَرُّوا بِي نَادَانِي سعاد فَقَالَ:
الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ... الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرُمَةُ
وَإِنِّي أُنَاشِدُكَ اللهَ فِي قَوْمِكَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إلى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَعَزَلَهُ، وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ مَكَانَهُ عَلَى الْأَنْصَارِ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ، فَسَارَ الزُّبَيْرُ بِالنَّاسِ حَتَّى وَقَفَ بِالْحَجُونِ وَغَرَزَ بِهَا رَايَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَانْدَفَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَتَّى دَخَلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ فَلَقِيَتْهُ بَنُو بَكْرٍ فَقَاتَلُوهُ فَهُزِمُوا، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَمِنْ هُذَيْلٍ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، وَانْهَزَمُوا وَقُتِلُوا بِالْحَزْوَرَةِ حَتَّى بَلَغَ قَتَلُهُمْ بَابَ الْمَسْجِدِ، وَفَرَّ بَعْضُهُمْ حَتَّى دَخَلُوا الدُّورَ، وَارْتَفَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَلَى الْجِبَالِ، وَأَتْبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِالسُّيُوفِ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَأُخْرَيَاتِ النَّاسِ، وَصَاحَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ: مَنْ أَغْلَقَ دَارَهُ، وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَالَتْ لَهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ- وَهِيَ امْرَأَتُهُ- قَبَّحَكَ اللهُ مِنْ طَلِيعَةِ قَوْمٍ، وَقَبَّحَ عَشِيرَتَكَ مَعَكَ، وَأَخَذَتْ بِلِحْيَةِ أَبِي سُفْيَانَ، وَنَادَتْ: يَا آلَ غَالِبٍ اقْتُلُوا الشَّيْخَ الْأَحْمَقَ هَلَّا قَاتَلْتُمْ وَدَفَعْتُمْ عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَبِلَادِكُمْ فَقَالَ لَهَا أَبُو سُفْيَانَ:
وَيْحَكِ اسْكُتِي، وَادْخُلِي بَيْتَكِ فَإِنَّهُ جَاءَنَا بِالْخَلْقِ،
وَلَمَّا عَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَنِيَّةَ كَدَاءٍ نَظَرَ إِلَى الْبَارِقَةِ عَلَى الْجَبَلِ مَعَ فَضَضِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ وَقَدْ نَهَيْتُ عَنِ الْقِتَالِ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: نَظُنُّ أَنَّ خَالِدًا قُوتِلَ وَبُدِئَ بِالْقِتَالِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ قَاتَلَهُ، وَمَا كَانَ يَا رَسُولَ اللهِ لِيَعْصِيَكَ وَلَا يُخَالِفَ أَمْرَكَ، فَهَبَطَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّنِيَّةِ فَأَجَازَ عَلَى الْحَجُونِ،
فَانْدَفَعَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ حَتَّى وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَجُرِحَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(5/44)


كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ [ (21) ] أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ وَحُبَيْشُ بْنُ خَالِدٍ وَخَالِدٌ يُدْعَى الْأَشْعَرَ [ (22) ] وَهُوَ أَحَدُ بَنِي كَعْبٍ وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ فِي قَتْلِ النَّفِيرِ أَنْ يُقْتَلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَكَانَ قَدِ ارْتَدَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ كَافِرًا فَاخْتَبَأَ [ (23) ] حَتَّى اطْمَأَنَّ النَّاسُ، ثُمَّ أَقْبَلَ يُرِيدُ أَنْ يُبَايِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ لِيَقُومَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لِيَقْتُلَهُ، فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَلَمْ يَشْعُرُوا بِالَّذِي كَانَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ أَحَدُهُمْ: لَوْ أَشَرْتَ إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ لَضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَفْعَلْ ذَلِكَ،
وَيُقَالُ: أَجَارَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَقُتِلَتْ إِحْدَى الْقَيْنَتَيْنِ وَكُتِمَتِ الْأُخْرَى حَتَّى اسْتُؤْمِنَ لَهَا.
وَدَخَلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ زَعَمُوا بِمِحْجَنٍ، وَكَثُرَ النَّاسُ حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ وَاسْتَكَفَّ [ (24) ] الْمُشْرِكُونَ يَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ نَزَلَ، وَأُخْرِجَتِ الرَّاحِلَةُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى زَمْزَمَ فَاطَّلَعَ فِيهَا وَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ تُغْلَبَ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى سِقَايَتِهِمْ لَنَزَعْتُ مِنْهَا بِيَدِي [دَلْوًا] [ (25) ] »
ثُمَّ انْصَرَفَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنَ الْمَقَامِ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَ الْمَقَامُ- زعموا-
__________
[ (21) ] هو كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ: أسلم بعد الهجرة، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش الذي بعثه في اثر العرنيين الذين قتلوا راعيه.
[ (22) ] هو حبيش بن خالد بن ربيعة بن الأشعر الكعبي، وهو أخو أم معبد.
[ (23) ] رسمت في (أ) : «فاختبى» .
[ (24) ] استكف له الناس- بفتح أوّله، وسكون السّين المهملة، وفتح الكاف، وبالفاء: أي استجمع، من الكافة، وهي الجماعة، وقد يجوز أن يكون استكفّ هنا بمعنى نظروا إليه، وحدقوا أبصارهم فيه، كالّذي ينظر في الشّمس، من قولهم: استكف بالشّيء إذا وضعت كفّك على حاجبك ونظرت إليه، وقد يجوز أن يكون استكف هذا بمعنى استمد،
[ (25) ] الزيادة من السيرة الحلبية، والمعنى: اي يغلبهم الناس على وظيفتهم، وهي النزع من زمزم.

(5/45)


لَاصِقًا بِالْكَعْبَةِ. فَأَخَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مَكَانَهُ هَذَا، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بسحل مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَشَرِبَ، وَتَوَضَّأَ وَالْمُسْلِمُونَ يَبْتَدِرُونَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّونَهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَالْمُشْرِكُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ يَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا مُلْكًا قَطُّ بَلَغَ هَذَا وَلَا سَمِعْنَا بِهِ.
وَمَرَّ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ عَامِدًا لِلْبَحْرِ، وَأَقْبَلَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُؤَمِّنَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ هَرَبَ فَارًّا نَحْوَ الْبَحْرِ، وَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُهْلِكَ نَفْسَهُ، فَأَرْسِلْنِي إِلَيْهِ بِأَمَانٍ يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّكَ قَدْ أَمَّنْتَ الْأَحْمَرَ وَالْأَسْوَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْرِكِ ابْنَ عَمِّكَ فَهُوَ آمِنٌ، فَطَلَبَهُ عُمَيْرٌ فَأَدْرَكَهُ، فَقَالَ: قَدْ أَمَّنَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ لَا وَاللهِ لأقر لَكَ حَتَّى أَرَى عَلَامَةً بِأَمَانٍ أَعْرِفُهَا، فَقَالَ عُمَيْرٌ: امْكُثْ مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ بِهَا، فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ صَفْوَانَ أَبَى أَنْ يُوقِنَ لِي حَتَّى يَرَى مِنْكَ آيَةً يَعْرِفُهَا، فَانْتَزَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بُرْدَ حَبَرَةٍ كَانَ مُعْتَجِرًا بِهَا حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ، فَدَفَعَهُ إِلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ، فَلَمَّا رَأَى صَفْوَانُ الْبُرْدَ أَيْقَنَ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ وَأَقْبَلَ مَعَ عُمَيْرٍ حَتَّى دَخَلَ [ (26) ] الْمَسْجِدَ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ صَفْوَانُ:
أَعْطَيْتَنِي مَا يَقُولُ هَذَا مِنَ الْأَمَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اجْعَلْ لِي شَهْرًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ لَكَ شَهْرَانِ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَكَ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: نَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم صَفْوَانَ وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَمَّنْتَنِي كَمَا قَالَ هَذَا إِنْ رَضِيتَ وَإِلَّا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنْزَلَ أَبَا وَهْبٍ، قَالَ: لَا وَاللهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي، قَالَ: فَلَكَ تسير اربعة أشهر [ (27) ] .
__________
[ (26) ] في (ح) : «دخلا» .
[ (27) ]
وقد روى قصته ابن إسحاق عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، والواقدي عن شيوخه، قالوا: خرج صفوان بن أميّة يريد جدّة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب: يَا نَبِيَّ اللهِ- إِنَّ صفوان بن أميّة سيّد قومي وقد خرج هاربا منك، ليقذف نفسه في البحر، فأمنه صلى الله عليه وسلم قال: «هو آمن» فخرج عمير حتّى أدركه- وهو يريد أن يركب البحر- وقال صفوان لغلامه يسار- وليس معه

(5/46)


وَأَقْبَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ يَوْمَئِذٍ وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي طَلَبِ زَوْجِهَا، فَأَذِنَ لَهَا، وَأَمَّنَهُ فَخَرَجَتْ بِعَبْدٍ لَهَا رُومِيٍّ فَأَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَلَمْ تَزَلْ تُمَنِّيهِ وَتُقَرِّبُ لَهُ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَى نَاسٍ مِنْ عَكٍّ، فَاسْتَغَاثَتْ بِهِمْ عَلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ لَهَا، وَأَدْرَكَتْ زَوْجَهَا فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِكْرِمَةَ وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عليه ردأ حَتَّى بَايَعَهُ وَأَدْرَكَتْهُ امْرَأَتُهُ بِتِهَامَةَ، فَأَقْبَلَ مَعَهَا وَأَسْلَمَ وَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ حِينَ هُزِمَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَارًّا فَلَامَتْهُ وَعَجَّزَتْهُ وَعَيَّرَتْهُ بِالْفِرَارِ، فَقَالَ:
وَأَنْتِ لَوْ رَأَيْتِنَا بِالْخَنْدَمَهْ ... إِذْ فَرَّ صَفْوَانٌ وَفَرَّ عِكْرِمَةْ
وَلَحِقَتْنَا بِالسُّيُوفِ الْمُسْلِمَةْ ... يَقْطَعْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ
لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أدنى كلمه
__________
[ () ] غيره- ويحك!! أنظر من ترى؟ قال: هَذَا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، قال صفوان: ما أصنع بعمير بن وهب، والله ما جاء إلّا يريد قتلي قد ظاهر علّي محمّدا، فلحقه فقال: يا أبا وهب جعلت فداك، جئت من عند أبرّ النّاس، وأوصل النّاس، فداك أبي وأمّي الله الله في نفسك أن تهلكها، هذا أمان مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قد جئتك به. قال: ويحك أغرب عني فلا تكلمني. قال: أي صفوان فداك أبي وأمي. أفضل النّاس وأبرّ النّاس وخير النّاس ابن عمّك، عزّه عزّك، وشرفه شرفك وملكه ملكك، قال: إني أخافه على نفسي. قال: هو أحلم من ذلك وأكرم، قال: ولا أرجع معك حتّى تأتيني بعلامة أعرفها، فقال: امْكُثْ مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ به، فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ صَفْوَانَ أبى أن يأنس لِي حَتَّى يَرَى مِنْكَ أمارة يعرفها، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته فأعطاه إيّاها، وهي البرد الّذي دخل فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم معتجرا به برد حبرة، فرجع معه صفوان حتّى انتهى إلى رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يصلّي بالمسلمين العصر في المسجد، فلمّا سلّم رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاح صفوان: يا محمد، إنّ عمير بن وهب جاءني ببردك، وزعم أنّك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمرا وإلا سيّرتني شهرين. فقال: «انزل أبا وهب» قال: لا والله حتّى تبيّن لي قال: «بل لك تسيير أربعة أشهر» فنزل صفوان، ولمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى هوازن وفرق غنائمها فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم صفوان ينظر الى شعب ملآن نعما وشاء ورعاء، فأدام النّظر اليه، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يرمقه فقال: «يا أبا وهب يعجبك هذا الشّعب؟» قال: نعم قال: «هو لك وما فيه» فقبض صفوان ما في الشّعب، وقال عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلّا نفس نبيّ أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأسلم مكانه

(5/47)


قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَهَا حِمَاسٌ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ [ (28) ] .
قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: لِمَ قَاتَلْتَ وَقَدْ نهيتك عَنِ الْقِتَالِ؟ فَقَالَ هُمْ بَدَءُونَا بِالْقِتَالِ، وَوَضَعُوا فِينَا السِّلَاحَ وَأَشْعَرُونَا بِالنَّبْلِ، وَقَدْ كَفَفْتُ يَدِي مَا اسْتَطَعْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَضَاءُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ.
قَالَ وَكَانَ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَالْفَتْحُ فِي رَمَضَانَ سَنَةِ ثَمَانٍ.
وَيُقَالُ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللهِ أُرَانِي فِي الْمَنَامِ وَأَرَاكَ دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ، فَخَرَجَتْ إِلَيْنَا كَلْبَةٌ تَهِرُّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهَا اسْتَلْقَتْ عَلَى ظَهْرِهَا فَإِذَا هِيَ تَشْخَبُ لَبَنًا، فَقَالَ: ذَهَبَ كَلْبُهُمْ، وَأَقْبَلَ دَرُّهُمْ، وَهُمْ سَائِلُوكُمْ بِأَرْحَامِكُمْ، وَإِنَّكُمْ لَاقُونَ بَعْضَهُمْ، فَإِنْ لَقِيتُمْ أَبَا سُفْيَانَ فَلَا تَقْتُلُوهُ، فَلَقُوا أَبَا سُفْيَانَ وَحَكِيمًا بِمَرٍّ،
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الشِّعْرَ فِي مَخْرَجِ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ:
عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ [ (29) ]
يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ مُصْفِيَاتٍ ... يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ [ (30) ]
__________
[ (28) ] حرج حماس منهزما حتى دخل بيته ثم قال لامرأته: أغلقي عليّ بابي، قالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال:
إنّك لو شهدت يوم الخندمة* إِذْ فَرَّ صَفْوَانٌ وَفَرَّ عكرمة وأبو يزيد قائم كالمؤتمة* واستقبلتهم بِالسُّيُوفِ الْمُسْلِمَةْ يَقْطَعْنَ كُلَّ ساعد وجمجمة* ضربا فلا يسمع إلّا غمغمة لهم نهيت خلفنا وهمهمة* لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أدنى كلمة
[ (29) ] النقع: الغبار، وكداء: الثنية العليا بمكة مما يلي المقابر، وورد البيت في سيرة ابن هشام هكذا:
عدمنا خيلنا إِنْ لَمْ تَرَوْهَا* تُثِيرُ النّقع موعدها كداء
[ (30) ] المراد ان الخيل تجاري الأعنة، وذلك كناية عن لينها وسرعة انقيادها، وورد البيت في سيرة ابن هشام:
ينازعن الأعنة مصفيات ... عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ

(5/48)


فَإِنِ اعْرَضْتُمُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ [ (31) ]
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ ... يُعِينُ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ [ (32) ]
وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ [ (33) ]
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ [ (34) ]
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ [ (35) ] ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ ... وبحري لا تكيّده الدِّلَاءُ
قَالَ: فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ رَأَى النِّسَاءَ يَلْطِمْنَ الْخَيْلَ بِالْخُمُرِ. قُلْتُ: وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم كَانَ نَازِلًا بِذِي طُوًى، فَقَالَ: كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: قَالَ.
عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ
فَأَمَرَهُمْ فَأَدْخَلُوا الْخَيْلَ مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانُ [ (36) ] .
أَخْبَرَنَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابو
__________
[ (31) ] اعتمرنا: أدينا مناسك العمرة، وانكشف الغطاء: ظهر ما كان خافيا.
[ (32) ] الجلاد: المضاربة بالسيوف، وقوله «يعين الله» يروى في مكانه «يعز الله» .
[ (33) ] أصل القدس الطهارة، والمراد بروح القدس جبريل عليه السلام، وليس له كفاء: اي ليس له مثل ولا نظير، يريد لا يقوم له احد.
[ (34) ] الجزاء: المكافأة على الشيء، سواء أكان خيرا أم شرا.
[ (35) ] في (ح) : «فينا» .
[ (36) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ذكرها ابن عبد البر باختصار شديد في الدرر (215- 217) ، ونقل بعضها الحافظ ابن كثير في التاريخ في مواضع متفرقة في صفة دخول مكة، والصالحي في السيرة الشامية.

(5/49)


عُلَاثَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إِلَى قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ فِي رُؤْيَاهُ، فَلَمْ يَذْكُرْ هَؤُلَاءِ مَا بَعْدَهَا، وَزَادَ فِي فِرَارِ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ [ (37) ] فَأَدْرَكَتْ زَوْجَهَا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بِتِهَامَةَ وَقَدْ كَانَ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ فَلَمَّا جَلَسَ فِيهَا نَادَى بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: لَا يَجُوزُ هَاهُنَا أَحَدٌ يَدْعُو شَيْئًا إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ مُخْلِصًا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ. وَاللهِ لَئِنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَحْدَهُ إِنَّهُ لَفِي الْبَرِّ وَحْدَهُ، أُقْسِمُ بِاللهِ لَأَرْجِعَنَّ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ، مَعَ امْرَأَتِهِ فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ لَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ الْقِيَامِ لَهُ.
وَتَمَامُ الْأَبْيَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِيمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ:
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ [ (38) ] ، وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: «اهْجُهُمْ» فَهَجَاهُمْ، فَلَمْ يَرْضَ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دَخَلَ [عَلَيْهِ] قال: قد آن
__________
[ (37) ] ستأتي قصة إسلام عكرمة بعد.
[ (38) ] (رشق بالنبل) : بفتح الراء، هو الرمي بها. وأما الرّشق، بالكسر، فهم اسم للنبل التي ترمي دفعة واحدة.

(5/50)


لَكُمْ [ (39) ] أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ [ (40) ] ، ثُمَّ أَدْلَعَ [ (41) ] لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِهِ فَرْيَ الْأَدِيمِ [ (42) ] ، فَقَالَ:
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا حَتَّى يَخْلُصَ [ (43) ] لَكَ نَسَبِي فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أُخْلِصَ لَكَ نَسَبُكَ فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرُ مِنَ الْعَجِينِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِحَسَّانَ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ.
وقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى [ (44) ] .
قال حسان:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا ... رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الوفاء [ (45) ]
__________
[ (39) ] (لقد آن لكم) أي حان لكم.
[ (40) ] (الضارب بذنبه) قال العلماء: المراد بذنبه، هنا، لسانه، فشبه نفسه بالأسد في انتقامه وبطشه إذا اغتاظ يضرب بذنبه جنبيه. كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه، فجعل يحركه، فشبه نفسه بالأسد. ولسانه بذنبه.
[ (41) ] (أدلع لسانه) أي أخرجه عن الشفتين. يقال: دلع لسانه وأدلعه. ودلع اللسان بنفسه.
[ (42) ] (لأفرينهم بلساني فري الأديم) أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد.
[ (43) ] في صحيح مسلم: «حتى يلخّص لك نسبي» .
[ (44) ] (فشى واشتفى) أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافح عن الإسلام والمسلمين.
[ (45) ] (هجوت محمدا برا تقيا) وفي كثير من النسخ: حنيفا، بدل تقيا. فالبر الواسع الخير والنفع.
وهو مأخوذ من البر، بكسر الباء، وهو الاتساع في الإحسان. وهو اسم جامع للخير. وقيل:
البر، هنا، بمعنى المتنزه عن المآثم. وأما الحنيف فقيل هو المستقيم. والأصح أنه المائل إلى الخير. وقيل الحنيف التابع ملة إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.

(5/51)


فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي [ (46) ] ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ [ (47) ]
ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي [ (48) ] إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ [ (49) ] مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ [ (50) ]
وَأَظُنُّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ مُوعِدُهَا كَدَاءُ.
يُبَارِينَ الْأَسِنَّةَ مُشْرَعَاتٍ
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ صَالِحٍ.
يُبَارِينَ الْأَعِنَّةَ [ (51) ] مُصْعِدَاتٍ [ (52) ] ... عَلَى أكتافها الأسل الظّماء [ (53) ]
__________
[ (46) ] (فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي) هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف. وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم، من نفسه وأسلافه، وكل ما لحقه نقص يعيبه.
[ (47) ] (وقاء) هو ما وقيت به الشيء.
[ (48) ] (ثكلت بنيتي) قال السنوسيّ: الثكل فقد الولد، وبنيتي تصغير بنت. فهو بضم الباء، وعند النوويّ بكسر الباء، لأنه قال: وبنيتي أي نفسي.
[ (49) ] (تثير النقع) أي ترفع الغبار وتهيجه.
[ (50) ] (كتفي كداء) أي جانبي كداء، وكداء ثنية على باب مكة.
وعلى هذه الرواية، في هذا البيت إقواء مخالف لباقيها. وفي بعض النسخ: غايتها كداء. وفي بعضها: موعدها كداء. وحينئذ فلا إقواء.
[ (51) ] (يبارين الأعنة) ويروى: يبار عن الأعنة. قال القاضي: الأول: هو رواية الأكثرين. ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفوسها تضاهي أعنتها بقوة جبذها لها، وهي منازعتها لها أيضا.
وقال الأبيّ نقلا عن القاضي: يعني أن الخيول لقوّتها في نفسها وصلابة أضراسها تضاهي أعنتها الحديد في القوة، وقد يكون ذلك في مضغها الحديد في الشدة.
وقال البرقوقيّ في شرحه للديوان: أي أنها تجاري الأعنة في اللين وسرعة الانقياد. قال: ويجوز أن يكون المعنى، كما قال صاحب اللسان، يعارضنها في الجذب لقوة نفوسها وقوة رؤوسها وعلك حدائدها.
قال القاضي: ووقع في رواية ابن الحذاء: يبارين الأسنة، وهي الرماح. قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها. وقال البرقوقيّ: مباراتها الأسنة أن يضجع الفارس رمحه فيركض الفرس ليسبق السنان.
[ (52) ] (مصعدات) أي مقبلات إليكم ومتوجهات. يقال: أصعد في الأرض، إذا ذهب فيها مبتدئا.
ولا يقال للراجع.
[ (53) ] (الأسل الظماء) الأسل الرماح. والظماء الرقاق. فكأنها لقلة مائها عطاش. وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء. قال البرقوقيّ: من قولهم أنا ظمآن إلى لقائك.

(5/52)


تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ [ (54) ] ... تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ [ (55) ]
فَإِنِ اعْرَضْتُمُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا [ (56) ] ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ ... يَوْمٍ يُعِزُّ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَقَالَ اللهُ قَدْ أَرْسَلْتَ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ
وَقَالَ اللهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا [ (57) ] ... هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ [ (58) ]
تُلَاقِي مِنْ مَعَدٍّ كُلَّ يَوْمٍ ... سِبَابٌ أَوْ قتال أو هجاء
__________
[ (54) ] (تظل جنودنا متمطرات) أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضا.
[ (55) ] (تلطمهن بالخمر النساء) الخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها. أي يزلن عنهن الغبار. وهذا لعزتها وكرامتها عندهم. وقال البرقوقيّ: يقول تبعثهم الخيل فتنبعث النساء يضربن الخيل بخمرهن لتردها. وكأن سيدنا حسان رضي الله عنه أوحي إليه بهذا وتكلم به عن ظهر الغيب. فقد رووا أن نساء مكة يوم فتحها ظللن يضربن وجوه الخيل ليرددنها.
[ (56) ] (فَإِنِ اعْرَضْتُمُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... إلخ) قال البرقوقيّ: اعتمرنا أي أدينا العمرة. وهي في الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة، والفرق بينها وبين الحج أن العمرة تكون للإنسان في السنة كلها. والحج في وقت واحد في السنة، ولا يكون إلا مع الوقوف بعرفة، يوم عرفة. وهي مأخوذة من الاعتمار، وهو الزيارة. يقول، إن لم تتعرضوا لنا حين تغزوكم خيلنا وأخليتم لنا الطريق، قصدنا إلى البيت الحرام وزرناه، وتم الفتح وانكشف الغطاء عما وعد الله به نبيه، صلوات الله وتسليماته عليه، من فتح مكة.
وقال الأبيّ: ظاهر هذا، كما قال ابن هشام، أنه كان قبل الفتح في عمرة الحديبية، حين صدّ عن البيت.
[ (57) ] (يسرت جندا) أي هيأتهم وأرصدتهم.
[ (58) ] (عرضتها اللقاء) أي مقصودها ومطلوبها. قال البرقوقيّ: العرضة من قولهم بعير عرضة للسفر، أي قويّ عليه، وفلان عرضة للشر أو قويّ عليه. يريد أن الأنصار أقوياء على القتال، همتها وديدنها لقاء القروم الصناديد.

(5/53)


وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ:
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ [ (59) ] ... سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ [ (60) ]
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سعد [ (61) ] .
__________
[ (59) ] (لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ من معدّ) قال البرقوقيّ: لنا، يعني معشر الأنصار، وقوله من معدّ، يريد قريشا لأنهم عدنانيون.
[ (60) ] (ليس له كفاء) : أي ليس له مماثل ولا مقاوم.
[ (61) ] أخرجه مسلم من طريق عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ... في: 44- كتاب فضائل الصحابة، (34) باب فضائل حسان بن ثابت- رضي الله عنه- الحديث (157) ، ص (1935) .

(5/54)


بَابُ مَا قَالَتِ الْأَنْصَارُ حِينَ أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ بِمَا اشْتَرَطَ، وَإِطْلَاعُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُولَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا قَالُوا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ.
وَفَدْنَا إِلَى مُعَاوِيَةَ [ (1) ] ، وَمَعَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ بَعْضُنَا يَصْنَعُ لِبَعْضِنَا الطَّعَامَ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّا يَصْنَعُ لَنَا، فَيُكْثِرُ فَيَدْعُونَا إِلَى رَحْلِهِ قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتُ بِطَعَامٍ فَصُنِعَ وَدَعْوَتُهُمْ إِلَى رَحْلِي فَفَعَلْتُ وَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِالْعَشِيِّ فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ الدَّعْوَةُ عِنْدِي اللَّيْلَةَ فَقَالَ: سَبَقْتَنِي يَا أَخَا الْأَنْصَارِ فَدَعَوْتُهُمْ فَإِنَّهُمْ لَعِنْدِي إِذْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَلَا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ؟ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ أَنْصَارِيًّا [قَالَ] [ (2) ] فَذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، وقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ [ (3) ] وَبَعَثَ زُبَيْرًا عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ [ (4) ] ، ثُمَّ رَآنِي، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فقلت: لبيك وسعديك
__________
[ (1) ] في الصحيح: «وَفَدَتْ وُفُودٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وذلك في رمضان، فكان يصنع....» .
[ (2) ] من (ح) .
[ (3) ] (المجنبتين) : الميمنة والميسرة.
[ (4) ] (الحسّر) : أي الذين لا دروع لهم.

(5/55)


رَسُولَ اللهِ قَالَ: اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ وَلَا تَأْتِينِي إِلَّا بِأَنْصَارِيٍّ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ثُمَّ قَالَ: انْظُرُوا قُرَيْشًا وَأَوْبَاشَهُمْ فَاحْصُدُوهُمْ حَصْدًا، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا، وَمَا مِنَّا أَحَدٌ يُرِيدُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا أَخَذُوهُ [ (5) ] قَالَ: وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ، فَهُوَ آمِنٌ، فَأَلْقَى النَّاسُ سِلَاحَهُمْ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ طَافَ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَ وَمَعَهُ الْقَوْسُ آخِذٌ بِسِيَتِهَا [ (6) ] فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِهَا فِي عَيْنِ صَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ، وَهُوَ يَقُولُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوَقًا» .
ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الصَّفَا فَعَلَا مِنْهُ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ، وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ وَيَدْعُوهُ وَالْأَنْصَارُ عِنْدَهُ يَقُولُونَ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَجَاءَ الْوَحْيُ وَكَانَ الْوَحْيُ إِذَا جَاءَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رُفِعَ الْوَحْيُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ فِي عَشِيرَتِهِ، كَلَّا فَمَا اسْمِي إِذًا (ثَلَاثَ مرات) كلّا إ! إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ، فَأَقْبَلُوا يَبْكُونَ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا قُلْنَا إِلَّا الضَّنَّ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ [ (7) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (8) ] شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ،
__________
[ (5) ] في (ح) : «أخذه» .
[ (6) ] (سية القوس) : أي طرفها المنحني.
[ (7) ] الحديث بهذا الإسناد أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (31) باب فتح مكة، الحديث (86) ، باختلاف يسير، صفحة (3: 1407) .
[ (8) ] ليست في (ح) .

(5/56)


قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَفَدَتْ وُفُودٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يَزِيدُ لَفْظًا وَيُنْقِصُ آخَرَ فَمِمَّا زَادَ قَالَ: وَأَوْبَشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا وأَتْبَاعًا فَقَالُوا: نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ، وَإِنْ أُصِيبُوا أُعْطِينَا الَّذِي سُئِلْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ، ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ، إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَقَالَ فِي الْوَحْيِ: فَإِذَا جَاءَ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْوَحْيُ، فَلَمَّا قُضِيَ الْوَحْيُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قَالُوا لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ قَالَ قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، قَالُوا: قَدْ كَانَ ذَاكَ، قَالَ: كَلَّا إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (9) ] .
وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ [ (10) ] ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَفِيهِ مِنِ الزِّيَادَةِ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ.
وَمِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بن سلمة عن ثابت [ (11) ] وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ
وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِالْقَتْلِ قَبْلَ عَقْدِ الْأَمَانِ لَهُمْ بِمَا شَرْطَ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا رُوِّينَا فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَهْلِ الْمَغَازِي.
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَارَ إِلَى مَكَّةَ يَسْتَفْتِحُهَا وَفَتَحَ الله عليكم
__________
[ (9) ] في باب فتح مكة، الحديث (84) ، ص (1405- 1407) .
[ (10) ] في باب فتح مكة، الحديث (85) ، ص (3: 1407) .
[ (11) ] الموضع السابق، الحديث (86) ، ص (1407) .

(5/57)


قال: فَمَا قُتِلَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْكَعْبَةَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ السَّيْفَ لَا يُرْفَعُ عَنْهُمْ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى الْكَعْبَةَ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ وَمَا تَظُنُّونَ قَالُوا: نَقُولُ ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٌ رَحِيمٌ، قَالَ: وَقَالَ: مَا تَقُولُونَ وَمَا تَظُنُّونَ قَالُوا: نَقُولُ ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٌ رَحِيمٌ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقُولُ كَمَا قَالَ يُوسُفُ:
«لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» [ (12) ] قَالَ: فَخَرَجُوا كَأَنَّمَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ
[وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ] [ (13) ] .
__________
[ (12) ] الآية الكريمة (92) من سورة يوسف.
[ (13) ] الزيادة من (ح) .

(5/58)


بَابُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيمَا عَقَدَ مِنَ الْأَمَانِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ: اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ [ (1) ] : عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ خطل، ومقيس بن صبابة، وعَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ.
فَأَمَّا عبد الله بن خطل فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ ابن حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ.
وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ.
وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ فَقَالَ: أَهْلُ السَّفِينَةِ لِأَهْلِ السَّفِينَةِ أَخْلِصُوا فَإِنَّ إِلَهَكُمْ لَا يُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَاللهِ لَئِنْ لَمْ ينجيني فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ مَا يُنَجِّي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ اللهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إن
__________
[ (1) ] راجع الحاشية (20) من بَابُ نُزُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بمرّ الظهران.

(5/59)


أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدَيْهِ فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا، فَجَاءَ فَأَسْلَمَ [ (2) ] .
وَأَمَّا
عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: بَايِعْ عَبْدَ اللهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَمَا فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رأتى كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ لِيَقْتُلَهُ، قَالَ: مَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِي نَفْسِكَ هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لبني خَائِنَةُ أَعْيُنٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَمَّنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَّا أَرْبَعَةً مِنَ النَّاسِ: عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ خطل، ومقيس بن صبابة الْكِنَانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سعد ابن أَبِي سَرْحٍ، وَأُمُّ سَارَةَ، فَأَمَّا عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ خَطَلٍ فَإِنَّهُ قُتِلَ وَهُوَ آخِذٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، قَالَ: وَنَذَرَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَ اللهِ بْنِ سَعْدِ إِذَا رَآهُ، وَكَانَ أَخَا عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشْفَعَ لَهُ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ اشْتَمَلَ عَلَى السَّيْفِ ثُمَّ أَتَاهُ فَوَجَدَهُ فِي حَلْقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ الْأَنْصَارِيُّ يَتَرَدَّدُ وَيَكْرَهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي حَلْقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَسَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ: قَدِ انْتَظَرْتُكَ أَنْ تُوَفِّيَ نَذْرَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هِبْتُكَ أَفَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيَّ؟ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِئَ.
قَالَ: وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ أَخٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَ خطأ فبعث
__________
[ (2) ] وسيأتي خبر عكرمة في بَابُ قِصَّةِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وقصة امرأتيهما.

(5/60)


رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ لِيَأْخُذَ عَقْلَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ الْعَقْلَ، وَرَجَعَ، نَامَ الْفِهْرِيُّ فَوَثَبَ مِقْيَسٌ فَأَخَذَ حَجَرًا فَجَلَدَ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَتَلَهُ، وَأَقْبَلَ يَقُولُ:
شَفَى النَّفْسَ أَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا ... تُضَرِّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الْأَخَادِعِ
وَكَانَتْ هُمُومُ النَّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ ... تُلِمُّ وَتُنْسِينِي وِطَاءَ الْمَضَاجِعِ
قَتَلْتُ بِهِ فِهْرًا وغرّمت عقله ... سرات بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ
حَلَلْتُ بِهِ نَذْرِي وَأَدْرَكْتُ ثُؤْرَتِي ... وَكُنْتُ إِلَى الْأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِعِ
وَأَمَّا أُمُّ سَارَةَ فَإِنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةً لِقُرَيْشٍ، وَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَشَكَتْ إِلَيْهِ الْحَاجَةَ فَأَعْطَاهَا شَيْئًا، ثُمَّ أَتَاهَا رَجُلٌ فَبَعَثَ مَعَهَا بِكِتَابٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ حَاطِبٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو] [ (3) ] الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: قَدِمَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ أَخُو هِشَامِ بْنِ صُبَابَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَقَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ يَطْلُبُ بِدَمِ أَخِيهِ هِشَامٍ، وَكَانَ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَلَا يَحْسَبَنَّ إِلَّا مُشْرِكًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إِنَّمَا قُتِلَ أَخُوكَ خَطَأً فَأَمَرَ لَهُ بِدِيَتِهِ، فَأَخَذَهَا فَمَكَثَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، ثُمَّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ لَحِقَ بِمَكَّةَ كَافِرًا، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ بِقَتْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ ثُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَبْيَاتَهُ يَزِيدُ وَيُنْقِصُ [ (4) ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
__________
[ (3) ] سقطت من (أ) .
[ (4) ] سيرة ابن هشام (3: 250- 251) و (4: 24- 25) .

(5/61)


عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ وَفَرَّقَ جُيُوشَهُ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَقْتُلُوا أَحَدًا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ إِلَّا نَفَرًا قَدْ سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ مِنْهُمْ: عَبْدُ اللهِ ابن خَطَلٍ، وعَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِابْنِ أَبِي سَرْحٍ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ الْوَحْيَ، فَرَجَعَ مُشْرِكًا وَلَحِقَ بِمَكَّةَ [ (5) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَطَلٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ غَالِبٍ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى لَهُ يَخْدُمُهُ وَكَانَ مُسْلِمًا فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ تَيْسًا وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا، وَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا، وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَةٌ وَصَاحِبَتُهَا فَكَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ.
وَالْحُوَيْرِثُ وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
ومقبس بْنُ صُبَابَةَ لِقَتْلِهِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ خَطَأً.
وَسَارَةُ مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَتْ مِمَّنْ تُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ.
وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَهَرَبَ وَأَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَهُوَ أَبُو كُرَيْبٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَكَرِيَّا الْأَدِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْعَنَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ
__________
[ (5) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 23) .

(5/62)


عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ النَّاسَ إِلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ لَا يُؤَمَّنُونَ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَمٍ: ابْنُ خَطَلٍ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ وَابْنُ نُقَيْدِرٍ يَعْنِي الْحَارِثَ، فَأَمَّا ابْنُ خَطَلٍ فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَأَمَّا ابْنُ سَرْحٍ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ عُثْمَانُ فَأُومِنَ، وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَلَمْ يُقْتَلْ، وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ قَتَلَهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ وَقُتِلَ عَلِيُّ بْنُ نُقَيْدِرٍ.
وَقَيْنَتَيْنِ كَانَتَا لِمَقْيَسٍ فَقُتِلَتْ إِحْدَاهُمَا، وَأَفْلَتَتِ الْأُخْرَى، فَأَسْلَمَتْ.
قَالَ الْقِتْبَانِيُّ أَبُو جَدِّهِ سَعِيدُ بْنُ يَرْبُوعَ الْمَخْزُومِيُّ.
لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ قَتَادَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو نُصَيْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ الصُّوفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى الْأَعْينُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدُوسٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ فَلَمَّا نَزَعَهُ] [ (6) ] جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ:
ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، قَالَ: اقْتُلُوهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عن القعنبي وغيره [ (7) ] .
__________
[ (6) ] الزيادة من (ح) .
[ (7) ] أخرجه البخاري في: 28- كتاب جزاء الصيد. (18) باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام.

(5/63)


أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الصَّدُوقُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فقال: اقتلوه [ (8) ] .
__________
[ () ] وأخرجه مسلم في: 15- كتاب الحج، (84) باب جواز دخول مكة بغير إحرام، حديث 450.
وأخرجه مالك في الموطأ، في 20- كتاب الحج، (81) باب جامع الحج، الحديث (247) ، ص (1: 423) ، وقال مالك: «ولَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ محرما.
[ (8) ] راجع الحاشية السابقة.

(5/64)


بَابُ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَيْئَتِهِ يَوْمَئِذٍ وَطَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَدُخُولِهِ الْكَعْبَةَ وَمَا فَعَلَ بِالْأَصْنَامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بأعلا مَكَّةَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيِّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءَ مِنْ أَعْلَى مكة [ (1) ] .
قَالَ هِشَامٌ وَكَانَ أَبِي يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَحْمُودٍ عن أبي أسامة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] سيرة ابن هشام (4: 20) .
[ (2) ] الحديث أخرجه البخاري في: 25- كتاب الحج، (41) باب من أين يخرج من مكة، الحديث (1579) ، فتح الباري (3: 437) ، وأخرجه مسلم في: 15- كتاب الحج، (37) باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا، الحديث (225) ، ص (2: 919) .

(5/65)


أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّقْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ [جَعْفَرِ بْنِ] [ (3) ] حَفْصٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ رَأَى النِّسَاءَ يَلْطِمْنَ وُجُوهَ الْخَيْلِ بِالْخُمُرِ، فَتَبَسَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ؟ فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه:
عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءُ
يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ مُسْرَجَاتٍ ... يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم ادخلوها مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْجُمَحِيُّ، أَنَّ أَبَا الْوَلِيدِ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا وَضَعَهُ عَنْ رَأْسِهِ قِيلَ هَذَا ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ قَالَ: اقْتُلُوهُ.
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الْوَلِيدِ.
وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ ابن خطل.
__________
[ (3) ] الزيادة من (ح) .

(5/66)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا معاوية ابن عَمَّارٍ الدُّهْنِيُّ (ح) .
قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَارِمٍ الْحَافِظُ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ [ (5) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَا: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ، عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أبي الزبير، عن جابر ابن عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَكِيمٍ [ (6) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم دخل
__________
[ (4) ] تقدم الحديث في الباب السابق، وانظر الحاشية (7) منه.
[ (5) ] أخرجه مسلم في: 15- كتاب الحج، (84) باب جواز دخول مكة بغير إحرام، الحديث (451) ، ص (2: 990) .
[ (6) ] مسلم في الموضع السابق، الحديث (451) عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ.

(5/67)


يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الطُّوسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بِشْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَاضِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ عَمْرِو ابن حُرَيْثٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ حَرَقَانِيَّةٌ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ، عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَبْيَضَ وَرَايَتُهُ سَوْدَاءَ قِطْعَةَ مِرْطٍ مُرَجَّلٍ وَكَانَتِ الرَّايَةُ تُسَمَّى الْعُقَابُ.
وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طُوًى وَرَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ يَتَوَاضَعُ لِلَّهِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ قَدْ كَادَ عُثْنُوَنُهِ أَنْ يُصِيبَ وَاسِطَةَ الرَّحْلِ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دخل
__________
[ (7) ] سنن النسائي (8: 211) .
[ (8) ] مسلم في: 15- كتاب الحج، الحديث (453) ، ص (2: 990) .
[ (9) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 19) .

(5/68)


رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَذَقْنُهُ عَلَى رَحْلِهِ مُتَخَشِّعًا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا كَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ فَأَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوِّنْ فَإِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ.
كَذَا رَوَاهُ ابْنُ صَاعِدٍ هَذَا مَوْصُولًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ مَوْصُولًا.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ محمد ابن يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ:
أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكَلِّمُهُ فَأُرْعِدَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكِ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ.
هَذَا مُرْسَلٌ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ:
قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ سُورَةَ الْفَتْحِ، فَرَجَّعَ فَلَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيَّ النَّاسُ لَأَخَذْتُ فِي ذَلِكَ الصَّوْتِ [ (10) ] .
__________
[ (10) ] سيأتي تخريجه بعد قليل.

(5/69)


وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قال: أخبرنا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَرَجَّعَ وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُرَيْحٍ عَنْ شَبَابَةَ، وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجَ [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ: وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ إِلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ وَطَافَ بِالْبَيْتِ فَأَتَى إِلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْسٌ، وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ فَلَمَّا أَتَى عَلَى الصَّنَمِ جَعَلَ يَطْعَنُ فِي عُنُقِهِ، وَيَقُولُ: جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ
__________
[ (11) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أبي سريح في: 97- كتاب التوحيد، (50) باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه، وله طرق أخرى عند البخاري، فقد رواه عن أبي الوليد في المغازي، وعن مسلم بن إبراهيم في التفسير، وعن حجاج بن المنهال في فضائل القرآن.
وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ذكر قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة، عن أبي موسى وبندار، كلاهما عن غندر، وفي نفس الباب عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ، بن عربي، عن خالد ابن الحارث، وعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ إدريس، ووكيع، خمستهم عن شعبة به.

(5/70)


زهوقا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ [جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ] [ (13) ] جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (14) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ [ (15) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (16) ] ، وغيره كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عباس، قال:
__________
[ (12) ] في 32- كتاب الجهاد والسير، الحديث (84) ص (1406) ، وقد تقدم.
[ (13) ] الزيادة من (أ) فقط.
[ (14) ] [سورة الاسراء- 81] .
[ (15) ] أخرجه البخاري في: 46- كتاب المظالم، (32) باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر.
[ (16) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، فِي: 32- كتاب الجهاد والسير، (32) باب إزالة الأصنام من حول الكعبة الحديث (87) ، ص (1408) .

(5/71)


دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَى الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَنَمٍ قَالَ: فَأَخَذَ قَضِيبَهُ فَجَعَلَ يَهْوِي بِهِ إِلَى صَنَمٍ صَنَمٍ وَهُوَ يَهْوِي حَتَّى مَرَّ عَلَيْهَا كُلِّهَا [ (17) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ابن عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَجَدَ بِهَا ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَنَمًا فَأَشَارَ إِلَى كُلِّ صَنَمٍ بِعَصًا، وَقَالَ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (18) ] فَكَانَ لَا يُشِيرُ إِلَى صَنَمٍ إِلَّا سَقَطَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ بِعَصًا [ (19) ] .
قُلْتُ: هَذَا الْإِسْنَادُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَالَّذِي قَبْلَهُ يُؤكِّدُهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأَخْرَجَ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَفِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: قَاتَلَهُمُ اللهُ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ.
__________
[ (17) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6: 176) ، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات، ورواه البزار باختصار.
[ (18) ] [الإسراء- 81] .
[ (19) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6: 176) ، وقال: «رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، وفيه عاصم بن عمر العمري، وهو متروك، ووثقه ابن حبان، وقال: «يخطئ ويخالف» ، وبقية رجاله ثقات.

(5/72)


وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ وَخَرَجَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (20) ] عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ:
الْبُخَارِيُّ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ يَعْنِي الْكَعْبَةَ لَمْ يَدْخُلْهُ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِأَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ فَقَالَ قَاتَلَهُمُ اللهُ وَاللهِ مَا اسْتَقْسَمَا بِالْأَزْلَامِ قَطُّ [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي فِي آخَرِينَ قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ] [ (22) ] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الْأَعْوَرُ قَالَ: قال. ابن جريح أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ زَمَنَ الْفَتْحِ بِالْبَطْحَاءِ أَنْ يَأْتِيَ الْكَعْبَةَ فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا وَلَمْ يَدْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى مُحِيَتْ كُلُّ صُورَةٍ فِيهِ [ (23) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: وَقَالَ يُونُسُ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمر.
__________
[ (20) ] أخرجه البخاري في الحج، باب من كبّر في نواحي الكعبة، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عبد الوارث، وفي المغازي، باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح؟ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عن هشام.
[ (21) ] فتح الباري (6: 387) ، عن ابن عباس، الحديث (3352) .
[ (22) ] سقطت من (ح) .
[ (23) ] السيرة الشامية (5: 359) .

(5/73)


أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ فَفَتَحَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلًا ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ فَوَجَدَ بِلَالًا وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا فَسَأَلَهُ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ بِيَدِهِ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ قَالَ، عَبْدُ اللهِ فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (24) ] فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ.
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: لَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَوَجَدَ فِيهَا حَمَامَةً مِنْ عَيْدَانٍ فَاكْتَسَرَهَا ثُمَّ قَامَ بِهَا عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَأَنَا أَنْظُرُ فَرَمَى بها [ (25) ] .
__________
[ (24) ] فتح الباري (8: 18) .
[ (25) ] الخبر في سيرة ابن هشام (4: 25- 26) .

(5/74)


بَابُ دُعَاءِ نَائِلَةَ بِالْوَيْلِ حِينَ فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَقَوْلِهِ: لَا تُغْزَوْا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا فَكَانَ كَمَا قَالَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (1) ] حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ [ (2) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ جَاءَتْ عَجُوزٌ حَبَشِيَّةٌ شَمْطَاءُ تَخْمِشُ وَجْهَهَا وَتَدْعُو بِالْوَيْلِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْنَا عَجُوزًا شَمْطَاءَ حَبَشِيَّةً تَخْمِشُ وَجْهَهَا وَتَدْعُو بِالْوَيْلِ فَقَالَ: تِلْكَ نَائِلَةُ أَيَسَتْ أَنْ تُعْبَدَ بِبَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، يقول: لا تغزا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللهُ أَعْلَمُ أنها لا تغزا بَعْدَهُ عَلَى كُفْرِ أَهْلِهَا فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلم.
__________
[ (1) ] ليست في (ح) .
[ (2) ] في (ح) : «لما فتح» .

(5/75)


حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ [عَبْدِ] اللهِ بْنِ [أَبِي] [ (3) ] يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ قال: حدثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطِيعًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ: «لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ]
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْخَبَرِ فَالْمُرَادُ بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ النَّهْيُ وَفِيهِ أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى إِسْلَامِ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّهَا لَا تغزا بَعْدَهَا أَبَدًا كَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ مالك بن برصاء.
__________
[ (3) ] من (ح) .
[ (4) ] أخرجه مسلم، في: 32- كتاب الجهاد والسير، (33) باب لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بعد الفتح.
الحديث (88) ، ص (1409) .

(5/76)


بَابُ مَا جَاءَ فِي بِعْثِهِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةٍ كَانَتْ بِهَا الْعُزَّى وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد ابن فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةَ وَكَانَتْ بِهَا الْعُزَّى، فأتاها خالد ابن الْوَلِيدِ وَكَانَتْ عَلَى ثَلَاثِ سَمُرَاتٍ، فَقَطَعَ السَّمُرَاتِ [ (1) ] ، وَهَدَمَ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا، فَرَجَعَ خَالِدٌ فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ السَّدَنَةُ وَهُمْ حُجَّابُهَا أَمْعَنُوا فِي الْجَبَلِ وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا عُزَّى خَبِّلِيهِ [ (2) ] ، يَا عُزَّى عَوِّرِيهِ وَإِلَّا فَمُوتِي بَرَغْمٍ، قَالَ: فَأَتَاهَا خَالِدٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعَرَهَا تَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا فَعَمَّمَهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: تِلْكَ الْعُزَّى [ (3) ] .
__________
[ (1) ] في الأصول: شجرات، وفي القاموس: السمر: الشجر، وانظر شرح المواهب (2: 348) .
[ (2) ] (خبلية) الخبال: النقصان والهلاك.
[ (3) ] ذكر هذه السرية ابن سعد (2: 145) ، وابن إسحاق، والواقدي، وعنهم نقله الصالحي في السيرة الشامية (6: 300) .

(5/77)


بَابُ مَا رُوِيَ فِي تَأْذِينِ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَالِدِي: إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ آلِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ مكة أمر بلالا فعلى الْكَعْبَةَ عَلَى ظَهْرِهَا فَأَذَّنَ عَلَيْهَا بِالصَّلَاةَ، فَقَالَ: بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ سَعِيدًا إِذْ قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرَى هَذَا الْأَسْوَدَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ [ (2) ] فَأَذَّنَ عَلَى الْكَعْبَةِ [ (3) ] . [يَغِيظُ الْمُشْرِكِينَ] [ (4) ] .
__________
[ (1) ] رواه ابن هشام في السيرة (2: 27) .
[ (2) ] في (ح) : يوم الفتح.
[ (3) ] سيرة ابن هشام (2: 27) .
[ (4) ] من (ح) .

(5/78)


[أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: محمد ابن يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو محمد أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوهاب قال: أنبأنا جعفر ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَذَّنَ عَلَى الْكَعْبَةِ] [ (5) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ.
أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا يَوْمَ الْفَتْحِ فَأَذَّنَ فَوْقَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ، رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَلَا تَرَى: إِلَى هَذَا الْعَبْدِ أَيْنَ صَعِدَ فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنْ يَكُنِ اللهُ يَكْرَهُهُ فَسَيُغَيِّرُهُ [وَاللهُ أعلم] [ (6) ] .
__________
[ (5) ] هذه الفقرة سقطت من (أ) .
[ (6) ] الزيادة من (ح) .

(5/79)


بَابُ اغْتِسَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ وَصَلَاتِهِ وَقْتَ الضُّحَى شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَعْطَى.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ [ (1) ] بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ فَرَّ إِلَيْهَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَأَجَارَتْهُمَا قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَقْتُلُهُمَا؟ [ (2) ] قَالَتْ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى [ (3) ] مَكَّةَ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَّبَ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكِ يَا أُمَّ هَانِئٍ؟
قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ كُنْتُ قَدْ أَمَّنْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي [ (4) ] فَأَرَادَ عَلِيٌّ قَتَلَهُمَا، فَقَالَ
__________
[ (1) ] هي بنت أبي طالب الهاشمية، قيل اسمها فاختة، وقيل: هند، أسلمت عام الهجرة، ولها صحبة، ولها أحاديث، وفاتها في خلافة معاوية، شرح المواهب (2: 326) .
[ (2) ] في سيرة ابن هشام «والله لأقتلنّهما» .
[ (3) ] في (أ) و (ح) : «بأعلا» .
[ (4) ] الرجلان هما: الحارث بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بن مخزوم القرشي المخزومي أبو عبد الرحمن المكي. شقيق أبو جهل. من مسلمة الفتح. استشهد في خلافة عمر، روى له ابن ماجة. والثاني: هو زهير بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ المخزومي أخو أم سلمة أم المؤمنين- ذكر في المؤلفة قلوبهم. وقال عنه ابن إسحاق، كان ممن قام في نقض الصحيفة، وأسلم وحسن إسلامه كما قال ابن هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وقيل الثاني هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي ربيعة. وقيل أنهما: الحارث وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ- وليس بشيء لأن هبيرة هرب عند الفتح. وقيل

(5/80)


رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبًا فَالْتَحَفَ بِهِ ثم صلّى ثمان رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى [ (5) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (6) ] مُخْتَصَرًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ عَنِ اللَّيْثِ، وَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَبُو مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لِأَبِي الْوَلِيدِ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: ما أخبرنا أحمد أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يصلى الضحى إلا أمّ هاني فَإِنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بيتها وصلّى ثمان رَكَعَاتٍ، قَالَتْ: لَمْ أَرَهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَقْرِيُّ، قال: أخبرنا الحسن ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَتْنَا الشَّعْثَاءُ، قَالَتْ: رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ وقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جهل وبالفتح.
__________
[ () ] الثاني جعدة بن هبيرة، وفيه أنه كان صغير السن فلا يكون مقاتلا عام الفتح. (شرح المواهب 2:
327) .
[ (5) ] رواه ابن هشام. في السيرة (4: 25) .
[ (6) ] أخرجه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين، (13) باب استحباب صلاة الضحى، حديث (82) و (83) .
[ (7) ] أخرجه البخاري في: 8- كتاب الصلاة، (4) باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به.

(5/81)


بَابُ خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَفَتَاوِيهِ وَأَحْكَامِهِ بِمَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنِي حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ.
«أَنَّهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا تَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ. وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ مَاذَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو، وَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَاكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لَا يعيذ عاصيا [ (1) ] ولا
__________
[ (1) ] (لا يعيذ عاصيا) أي لا يجيره ولا يعصمه، أراد بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ.

(5/82)


فَارًّا بِدَمٍ [ (2) ] ، وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ [ (3) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنِ اللَّيْثِ [ (4) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (5) ] عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ.
وَأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ ابن يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْبَعْثَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ أَتَيْتُهُ فَدَخَلَتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا هَذَا إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ يُبَلِّغَهُ الشَّاهِدُ مِنَّا الْغَائِبَ أَنَّ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتْحَ مَكَّةَ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا خَطِيبًا فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ يُحَرِّمُهَا اللهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَنْ تَحِلَّ لِي إِلَّا هَذِهِ السَّاعَةَ، غَضَبًا عَلَى أَهْلِهَا، أَلَا ثُمَّ قَدْ رَجَعَتْ عَلَى حَالِهَا بِالْأَمْسِ، أَلَا فَلْيبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، فَمَنْ قَالَ لَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَدْ قَاتَلَ بِهَا فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَكَ يا معشر
__________
[ (2) ] (ولا فارا بدم) أي ولا يعيذ الحرم هاربا التجأ إليه بسبب من الأسباب الموجبة للقتل.
[ (3) ] (ولا فارا بخربة) هي بفتح الخاء وإسكان الراء. هذا هو المشهور. ويقال بضم الخاء أيضا، حكاها القاضي وصاحب المطالع وآخرون. وأصلها سرقة الإبل. وتطلق على كل خيانة. قال الخليل: هي الفساد في الدين من الخارب، وهو اللص المفسد في الأرض.
[ (4) ] أخرجه الْبُخَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عن الليث، في: 64- كتاب المغازي، الحديث (4925) ، فتح الباري (8: 20) ، وأخرجه في كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يوسف، وفي الحج، باب لا يعضد شجرة الحرم، عن قتيبة.
[ (5) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ في: 15- كتاب الحج، (82) باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ... الحديث (446) ص (2: 987) .
وأخرجه الترمذي في أول كتاب الحج، عن قتيبة، وقال: «حسن صحيح» .

(5/83)


خُزَاعَةَ، ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ عَنِ الْقَتْلِ، فَقَدْ كَثُرَ أَنْ يَقَعَ، لَقَدْ قَتَلْتُمْ قَتِيلًا، لَأَدِيَنَّهُ، فَمَنْ قُتِلَ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِنْ أَحَبَّ فَدَمُ قَاتَلِهِ، وَإِنْ أَحَبَّ فَعَقْلُهُ [ (6) ] .
قَالَ. لِيَ: انْصَرِفْ أَيُّهَا الشَّيْخُ فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِحُرْمَتِهَا مِنْكَ: إِنَّهَا لَا تَمْنَعُنَا سَافِكَ دَمٍ وَلَا خَالِعَ طَاعَةٍ، وَلَا مَانِعَ خَرْبَةٍ، فَقُلْتُ: قَدْ شَهِدْتُ وَغِبْتَ، وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ مِنَّا، فَقَدْ بَلَّغْتُكَ مَا أَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، فِي الْقَتْلِ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ.
أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَرْبٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ، وَالْمُؤْمِنِينَ أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ. لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، ولا يلتقط ساقطتها إِلَّا مُنْشِدٌ [ (7) ] وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاةٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: اكْتُبُوا لِأَبِي شَاةٍ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِلَّا الْإِذْخَرُ.
__________
[ (6) ] الحديث في جامع الترمذي، في كتاب الديات، بَابُ مَا جَاءَ فِي حكم ولي القتيل في القصاص والعفو الحديث (1406) ، ص (4: 21) . ورواه أبو داود مختصرا في كتاب الديات، باب ولي العمد يرضى بالدية، الحديث (4504) ، ص (4: 172) .
[ (7) ] (المنشد) هو المعرّف.

(5/84)


أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى دَرَجَةِ الْكَعْبَةِ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا إِنَّ قَتِيلَ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً، فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَدَمٍ وَمَالٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِدَانَةِ الْبَيْتِ [ (9) ] ، وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ، فَقَدْ أَمْضَيْتُهَا لِأَهْلِهَا [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرٍ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ.
إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةَ، وَالْخِنْزِيرَ وَالْأَصْنَامَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهِ السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عند
__________
[ (8) ] أخرجه البخاري في: 45- كتاب اللقطة، (7) باب كيف تعرف لقطة أهل مكة، وأخرجه مسلم في: 15- كتاب الحج، (82) باب تحريم مكة وصيدها، الحديث (448) ، ص (2: 989) .
[ (9) ] في (ح) : «سدانة الكعبة» .
[ (10) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 26) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 301) عن الإمام أحمد.

(5/85)


ذَلِكَ: قَاتَلَ اللهُ الْيَهُوَدَ، إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ [ (11) ] ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي:
عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَامَ الْفَتْحِ، ثُمَّ قَالَ.
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةَ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا شِدَّةً، وَالْمُؤْمِنُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ تُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعِيدَتِهِمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير عن سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا فَتْحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مَكَّةَ نَادَى مَنْ وَضَعَ السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ.
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِيهِ وَفِيمَنْ لَمْ يؤَمِّنْهُمْ، وَفِي الِاغْتِسَالِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: مَاذَا يَقُولُونَ أَوْ مَاذَا يَظُنُّونَ؟ فقالوا: نبيّ وابن
__________
[ (11) ] (أجملوه) : أذابوه.
[ (12) ] أخرجه البخاري في: 34- كتاب البيوع (112) باب بيع الميتة والأصنام، الحديث (2236) ، فتح الباري (4: 424) ، ومسلم في: 22- كتاب المساقاة، (13) باب تحريم بيع الخمر، الحديث (71) ص (3: 1207) .

(5/86)


عَمٍّ كَرِيمٍ، فَقَالَ: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين» [ (13) ] أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِدَانَةِ الْبَيْتِ [ (14) ] وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي وَضْعِ الدِّمَاءِ وَالرِّبَا أَوْ تَحْرِيمِ مَكَّةَ.
ثُمَّ قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، يَعْقِدُ عَلَيْهِمْ أَوَّلُهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، وَلَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا صَلَاةَ فِي سَاعَتَيْنِ، وَلَا صِيَامَ فِي يَوْمَيْنِ، وَلَا يُتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى بِالْيَمِينِ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قُتِلَ رَجُلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَالَ: إِنَّ أَعْتَى [ (15) ] النَّاسِ عَلَى اللهِ [ثَلَاثَةٌ] [ (16) ] : مَنْ قَتَلَ فِي حَرَمِ اللهِ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قَتَلَ بِذَحْلِ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنِّي قَدْ عَاهَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: مَنْ عَاهَرَ بِامْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا أَوْ بِأَمَةِ قَوْمٍ آخَرِينَ لَا يَمْلِكُهَا، ثُمَّ ادَّعَى وَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ، وَلَا يَرِثُ، وَلَا يُورَثُ، وَإِيَّاكُمْ وَاللَّبَّتَيْنِ، وَالطُّعْمَتَيْنِ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا اللُّبَّتَانِ؟ قَالَ: أَنْ يَحْتَبِيَ أَحَدُكُمْ وَلَيْسَ بَيْنَ سَوْأَتِهِ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ، أَوْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ [ (17) ] يَخْرُجُ شِقُّهُ، فَقُلْتُ: فَمَا الطُّعْمَتَانِ؟ فَقَالَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ أَوْ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ [ (18) ] .
أَخْبَرَنَا أبو عمرو والْأَدِيبُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ (ح) .
__________
[ (13) ] [سورة يوسف- 92] .
[ (14) ] في (ح) : «الكعبة» .
[ (15) ] رسمت في (أ) : «أعتا» .
[ (16) ] سقطت من (ح) .
[ (17) ] (اشتمال الصماء) : أي يجلّل جسده كله بكساء أو إزار لا يرفع شيئا من جوانبه.
[ (18) ] أخرجه الإمام أحمد مختصرا (2: 187) .

(5/87)


وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرِ اللهَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَاخْتَطَبَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ [تَعَالَى] بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا اسرق فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا.
قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: عُرْوَةُ قَالَتْ: عَائِشَةُ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ [ (19) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن عبيد الصفار،
__________
[ (19) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (53) باب، الحديث (4304) ، فتح الباري (8:
24- 25) ، وأخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب (54) ، وفي كتاب الحدود، باب (12) ، وأخرجه مسلم في: 29- كتاب الحدود، (2) باب قطع السارق الشريف وغيره، الحديث (8) ، ص (3: 1315) .

(5/88)


قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا فَتَحُوا مَكَّةَ أَخَذَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، قَالَ: فَقَضَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، وَقَالَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ [ (20) ] ، وَأَمَرَ سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ، فَمَا رَآهَا حَتَّى مَاتَ أَوْ مَاتَتْ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (21) ] فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَطَّارُ بِبَغْدَادَ إِمْلَاءً مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أَوْطَاسٍ [ (22) ] فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَهَى عَنْهَا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (23) ] عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَامُ أَوْطَاسٍ وَعَامُ الْفَتْحِ وَاحِدٌ فَهَذَا وَحَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ سواء [ (24) ] .
__________
[ (20) ] أي إنما ثبت الولد لصاحب الفراش، وهو الزوج، وللعاهر الخيبة، لأن بعض العرب كان يثبت النسب من الزاني فأبطله الشرع.
[ (21) ] في كتاب المغازي، الحديث (4302) ، فتح الباري (8: 24) .
[ (22) ] (عام أوطاس) هذا تصريح بأنها أبيحت يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَهُوَ ويوم أوطاس شيء واحد، وأوطاس واد بالطائف..
[ (23) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي (16) كتاب النكاح، (3) باب نكاح المتعة، الحديث (18) ، ص (2: 1023) .
[ (24) ]
قال الزيلعي في نصب الراية (3: 177) : أخرج مسلم أيضا عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الجهني. قال: أذن لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطي؟ فقلت: ردائي، وقال صاحبي: ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إليّ

(5/89)


__________
[ () ] أعجبتها، ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني، فمكث معها ثلاثا، ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع بهن، فليخل سبيله،
انتهى.
وفي لفظ: أنه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم عام الفتح، فأذن لنا في متعة النساء، الحديث. وفي لفظ: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم يخرج حتى نهانا عنها، انتهى. وفي لفظ: أنه كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وان الله عز وجل قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا، انتهى. وفي لفظ: قال: نهى عن المتعة، وقال: ألا إنها حرام، من يومكم هذا إلى يوم القيامة، ومن كان أعطى شيئا فلا يأخذه،
انتهى.
وطوله ابن حبان في «صحيحة» فقال: ذكر البيان بأن المصطفى عليه السلام حرم المتعة عام حجة الوداع، أخبرنا محمد بن خزيمة بسنده عن سبرة، قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما قضينا عمرتنا قال لنا: استمتعوا من هذه النساء، قال: والاستمتاع عندنا يومئذ التزوج، فعرضنا بذلك النساء أن نضرب بيننا وبينهن أجلا، قال:
فذكرنا ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلم فقال: افعلوا، فخرجت أنا، وابن عم لي، معي بردة ومعه بردة، وبردة أجود من بردي، وأنا أشب منه، فأتينا امرأة فعرضنا ذلك عليها، فأعجبها شبابي، وأعجبها برد ابن عمي، فقالت: برد كبرد، فتزوجتها، وكان الأجل بيني وبينها عشرا، فلبثت عندها تلك الليلة، ثم أصبحت غاديا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فوجدته بين الحجر والباب قائما يخطب الناس، وهو يقول:
أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع في هذه النساء، ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا،
انتهى.
ورواه أبو داود في «سننه» من حديث إسماعيل بن أمية عن الزهري، قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فتذاكرنا متعة النساء، فقال رجل: قال الربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع،
انتهى. وبهذا استدل الحازمي في «كتابه الناسخ والمنسوخ» على نسخ المتعة وبحديث على من جهة الدارقطني الآتي.
حديث آخر:
روى البخاري، ومسلم من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبد الله، والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية،
انتهى.
وفي لفظ مسلم: إن عليا سمع ابن عباس يلين في المتعة، فقال: مهلا يا ابن عباس، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية،
انتهى. أخرجه البخاري في غزوة خيبر، ومسلم في «النكاح» ، وفي «الذبائح» ، ورواه الباقون خلا أبو داود.
وقال الحازمي في الاعتبار (270) : «أما ما يحكى عن ابن عباس فإنه كان يتأول في إباحته للمضطرين إليه بطول الغربة، وقلة اليسار والجدة، ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به. وأوشك أن يكون سبب رجوعه عنه قول علي رضي الله عنه وإنكاره عليه. وقد ذكرنا رواية محمد بن

(5/90)


أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ [ (25) ] :
حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَزَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَا: [حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ عَمْرِو ابن عُثْمَانَ، عَنْ] [ (26) ] أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ نَنْزِلُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ؟ أَوْ قِيلَ: أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ قَالَ: وَذَلِكَ زَمَنَ الْفَتْحِ، قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ، وَقَالَ زَمْعَةُ: «الْمُسْلِمَ» ، وَلَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ، وَقَالَ: زَمْعَةُ «الْمُسْلِمُ» ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ: فَقِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: فَمَنْ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ؟ قَالَ: عَقِيلٌ، وَطَالِبٌ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (27) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عن روح عنهما.
__________
[ () ] كعب القرظي عنه، ونذكر رواية أخرى تدل عليه.
قرئ على أبي المحاسن محمد بن عبد الخالق وأنا أسمع، أخبرك أبو المحاسن الروياني في كتابه، أنا أحمد بن محمد البلخي، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو سليمان الخطابي، ثنا ابن السماك ثنا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ، ثنا الفضل بن دكين، ثنا عبد السلام، عن الحجاج، عن أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي المنهال، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هل تدري ما صنعت وبما أفتيت؟ قد سارت بفتياك الركبان، وقالت فيه الشعراء، قال: وما قالت؟ قلت: قالوا.
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه* يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس هل لك في رخصة الأطراف آنسة* تكون مثواك حتى مصدر الناس فقال ابن عباس: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون، والله ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت ولا أحللت الا مثل ما أحل الله الميتة والدم ولحم الخنزير، ولا تحل الا للمضطر. وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير.
قال الخطابي في معالم السنن (3: 191) (353) : فهذا؟ بين؟ لك أنه سلك فيه مذهب القياس. وشبهه بالمضطر الى الطعام الذي به قوام الأنفس وعدمه يكون التلف، وانما هذا من باب غلبة الشهوة ومصابرتها ممكنة، وقد تحسم مادتها بالصوم والعلاج فليس أحدهما في حكم الضرورة كالآخر.
[ (25) ] في (ح) : «قال» .
[ (26) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
[ (27) ] أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم في (15) كتاب [] نزول بمكة للحاج وتوريث دورها، الحديث (440) ص (2: 985) .

(5/91)


وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (28) ] مِنْ وَجْهٍ آخرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَقَالَ: مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ [ (29) ] .
__________
[ (28) ] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي: 64- كتاب المغازي الحديث (4282) ، فتح الباري (8: 13) ، وانظر تحفة الأشراف (1: 57) ، و (1: 55) .
[ (29) ] والحديث المشار اليه
عن أسامة أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/ 201، عن محمد بن حفصة عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أنه قال: يا رسول الله أين تنزل غدا- إن شاء الله؟ وذلك زمن الفتح، فقال: هل ترك لنا عقيل من منزل؟ ثم قال: لا يرث الكافر المؤمن، ولا المؤمن الكافر» .
وأخرجه أيضا في 5/ 202 عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة. وفيه زيادة: نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة (والخيف:
الوادي) .
وأخرج الحديث مسلم في صحيحه 15- كتاب الحج، (80) باب النزول بمكة للحاج، وتوريث دورها بإسنادين عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد بن حارثة، أنه قال: يا رسول الله،! أين تنزل غدا- إن شاء الله- وذلك زمن الفتح- قال:
وهل ترك لنا عقيل من منزل؟» وفي رواية «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور» ؟
كما أخرجه مسلم ح: 440، ص: 984 عن عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد.
وأخرجه ابن ماجة في 25- كتاب المناسك (26) باب دخول مكة 2/ 981، ح: 2942 بإسناده عن عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد، وفيه زيادة: ثم قال: نحن نازلون غدا بخيف (وادي) بني كنانة» .
وذكره الرازي في 1/ 288 العلل وعقب عليه بقوله: تفرد الزهري برواية هذا الحديث، وتفرد الثقة بالحديث لا يعله.
وقد أورد الخبر الواقدي في المغازي ص 828: عن جابر بن عبد الله قال: كنت ممن لزم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فدخلت معه يوم الفتح من أذاخر، فلما أشرف على أذاخر نظر إلى بيوت مكة، ووقف عليها فحمد الله وأثنى عليه، ونظر إلى موضع قبته فقال: هذا منزلنا يا جابر، حيث تقاسمت علينا قريش في كفرها. قال جابر: فذكرت حديثا كنت أسمعه منه صلّى الله عليه وسلم قبل ذلك بالمدينة: «فنزلنا غدا إن شاء الله إذا فتح الله علينا مكة في الخيف حين تقاسموا عليّ الكفر» . وكنا بالأبطح وجاه شعب أبي طالب حيث حصر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبنو هاشم ثلاث سنين.
قال: حدثني عبد الله بن زيد، عن أبي جعفر، قال: كان أبو رافع قد ضرب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم قبة

(5/92)


وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن شَاكِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْزِلُنَا إِنْ شَاءَ اللهُ [تَعَالَى] [ (30) ] إِذَا فَتَحَ اللهُ الْخَيْفَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ.
أَخْرَجَهُ البخاري هكذا [ (31) ] .
__________
[ () ] بالحجون من ادم، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إلى القبة، ومعه أم سلمة وميمونة.
قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عبد الله بن عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: قيل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم:
ألا تنزل منزلك من الشّعب؟ قال: فهل ترك لنا عقيل منزلا؟ وكان عقيل قد باع مَنْزِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة. فقيل لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: فأنزل في بعض بيوت مكة في غير منازلك! فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لا أدخل البيوت، فلم يزل مضطربا بالحجون لم يدخل بيتا، وكان يأتي الى المسجد من الحجون.
والحكمة في نزول النبي صلّى الله عليه وسلم بخيف بني كنانة الذي تقاسموا فيه على الشّرك، أي تحالفوا عليه من إخراج النبي صلّى الله عليه وسلم وبني هاشم إلى شعب أبي طالب، وحصروا بني هاشم وبني المطلب فيه، ليتذكّر ما كان فيه من الشّدّة فيشكر الله تعالى على ما أنعم عليه من الفتح العظيم، وتمكنه من دخول مكّة ظاهرا على رغم من سعى في إخراجه منها، ومبالغة في الصّفح عن الذين أساءوا، ومقابلتهم بالمن والإحسان، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
[ (30) ] من (ح) .
[ (31) ] فتح الباري (8: 14) ، الحديث (4284) .

(5/93)


بَابُ بَيْعَةِ النَّاسِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ. أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَنْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جريح، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ: الْأَسْوَدَ حَضَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ، قَالَ: جَلَسَ عِنْدَ قَرْنِ مَسْفَلَةَ [ (1) ] ، قَالَ: وَقَرْنُ مَسْفَلَةَ الَّذِي إِلَيْهِ بُيُوتُ ابْنِ أَبِي ثُمَامَةَ، وَهُوَ دَارُ ابْنِ سَمُرَةَ، وَمَا حَوْلَهَا. قَالَ الْأَسْوَدُ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ إِلَيْهِ فَجَاءَهُ النَّاسُ: الصِّغَارُ، وَالْكِبَارُ، وَالرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ، فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالشَّهَادَةِ. قُلْتُ: مَا الشَّهَادَةُ؟ قَالَ:
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ بَايَعَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله [ (2) ] .
__________
[ (1) ] في الأصل: «مسقلة» وفي أسد الغابة «مصقلة» ، وفي تاج العروس: «مسفلة» محلة بأسفل مكة.
[ (2) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 415) .

(5/94)


بَابُ إِسْلَامِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ بن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- زَمَنَ الْفَتْحِ.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ، عَنْ أَبِيهِ: عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابن الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا طُوًى، قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لَابْنَةٍ لَهُ كَانَتْ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيَّةُ! أَشْرِفِي [ (1) ] بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ فَأَشْرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ! مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ: أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا وَأَرَى رَجُلًا يَشْتَدُّ بَيْنَ ذَلِكَ السَّوَادِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، فَقَالَ: تِلْكَ الْخَيْلُ يَا بُنَيَّةُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ: الْوَازِعُ [ (2) ] ، ثُمَّ قَالَ مَاذَا تَرَيْنَ فَقَالَتْ: أرى السواد انتشر قال: فَقَالَ: فَقَدْ وَاللهِ إِذًا دُفِعَتِ الْخَيْلُ فَأَسْرِعِي بِي إِلَى بَيْتِي فَخَرَجَتْ سَرِيعًا حَتَّى إِذَا هَبَطَتْ بِهِ إِلَى الْأَبْطَحِ لَقِيَتْهَا الْخَيْلُ، وَفِي عُنُقِهَا طَوْقٌ [ (3) ] لَهَا مِنْ وَرِقٍ [ (4) ] فَاقْتَطَعَهُ إِنْسَانٌ مِنْ عُنُقِهَا، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى جَاءَ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم
__________
[ (1) ] (أشرفي) : ارتفعي، وأبو قبيس: جبل بمكة.
[ (2) ] (الوازع) : الذي تلف الجيش، وفي هامش (أ) : الوازع: الذي يكون قدام الجيش.
[ (3) ] الطوق: القلادة.
[ (4) ] أي من فضة.

(5/95)


قَالَ: هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَجِيئَهُ؟ فَقَالَ: يَمْشِي هُوَ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَقُّ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَيْهِ، فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ وَقَالَ: أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ، فَقَالَ: أَنْشُدُ بِاللهِ وَالْإِسْلَامِ طَوْقَ اختي، فو الله مَا أَجَابَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ، فَمَا أَجَابَهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: يَا أُخَيَّةُ احْتَسِبِي طَوْقَكِ، فو الله إِنَّ الْأَمَانَةَ الْيَوْمَ فِي النَّاسِ لَقَلِيلٌ [ (5) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ جريح، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي قُحَافَةَ، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَقَفَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: غَيِّرُوهُ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ سَوَادًا [ (6) ] قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ:
أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَنَّأَ أَبَا بَكْرٍ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ [ (7) ] .
__________
[ (5) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 19- 20) .
[ (6) ] نقلها الصالحي في السيرة الشامية (5: 352) .
[ (7) ] وخبر إسلام أبي قحافة رواه الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات، والواقدي، عن أسماء، وانظر الواقدي (2: 824) ، البداية والنهاية (4: 294) ، نهاية الأرب (17: 310) .

(5/96)


بَابُ قِصَّةِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَقِصَّةِ امْرَأَتَيْهِمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ، قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ نِسَاءً كُنَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ أَسْلَمْنَ كُفَّارٌ مِنْهُنَّ: ابْنَةُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ابْنَ عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ بِرِدَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَانًا لِصَفْوَانَ، وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَضِيَ أَمْرًا قَبِلَهُ، وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ، فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ نَادَاهُ عَلَى رؤوس النَّاسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ جَاءَنِي بِرِدَائِكَ، وَزَعَمَ أَنَّكَ دَعَوْتَنِي إِلَى الْقُدُومِ عَلَيْكَ فَإِنْ رَضِيتُ أَمْرًا قَبِلْتَهُ وَإِلَّا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ، قَالَ: فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم:
أنزل أَبَا وَهْبٍ، فَقَالَ: لَا، وَاللهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَكَ تَسْيِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قِبَلَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى صَفْوَانَ يَسْتَعِيرُهُ أَدَاةً وَسِلَاحًا كَانَتْ عِنْدَهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ: أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا، فَقَالَ: بَلْ طَوْعًا، فَأَعَارَهُ الْأَدَاةَ وَالسِّلَاحَ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَافِرٌ فَشَهِدَ حُنَيْنًا،

(5/97)


وَالطَّائِفَ، وَهُوَ كَافِرٌ، وَامْرَأَتُهُ مسلمة فلم يفرق رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ، وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ.
قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ بَيْنَ إِسْلَامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إِسْلَامِ امْرَأَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ [ (1) ] .
وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَتْ تحت عكرمة ابن أَبِي جَهْلٍ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْيَمَنِ، وَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ وقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ صَفْوَانَ وَعِكْرِمَةَ كَمَا مَضَى فِي حَدِيثِهِمَا قَبْلَ هَذَا، وَفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ فِي قِصَّةِ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ فَلَمَّا جَلَسَ فِيهَا نَادَى بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى. فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: لَا يَجُوزُ هَاهُنَا أَحَدٌ يَدْعُو شَيْئًا إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصًا، فَقَالَ: عِكْرِمَةُ وَاللهِ لَئِنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَحْدَهُ إِنَّهُ لَفِي الْبَرِّ وَحْدَهُ أُقْسِمُ بِاللهِ لَأَرْجِعَنَّ إِلَى مُحَمَّدٍ فَرَجَعَ فَبَايَعَهُ قَالَا:
وَأَرْسَلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي أَدَاةٍ ذُكِرَتْ لَهُ عِنْدَهُ فَسَأَلَهُ إياها
__________
[ (1) ] سيرة ابن هشام (4: 31- 32) ، ومغازي الواقدي (2: 852) .

(5/98)


فقال: صفوان أين الأمان أَتَأْخُذُهَا غَصْبًا فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُمْسِكَ أَدَاتَكَ فَأَمْسِكْهَا، وَإِنْ أَعَرْتَنِيهَا فَهِيَ ضَامِنَةٌ عَلَيَّ حَتَّى تُؤَدَّى إِلَيْكَ، قَالَ صَفْوَانُ: لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ وَقَدْ أَعَرْتُكَهَا فَأَعْطَاهُ يَوْمَئِذٍ زَعَمُوا مِائَةَ دِرْعٍ وَأَدَاتَهَا وَكَانَ صَفْوَانُ كَثِيرَ السِّلَاحِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: اكْفِنَا حَمْلَهَا فَحَمَلَهَا صَفْوَانُ.
لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ [ (2) ] أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الْهُذَلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقْرَضَهُ وَمِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ [وَمِنْ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ] [ (3) ] فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الضَّعْفِ وَمِنْ ذَلِكَ الْمَالِ بَعَثَ إِلَى جَذِيمَةَ وَهُوَ فِيمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ عَنِ الواقدي.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ولَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ هَرَبَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزِّبَعْرَى إِلَى نَجْرَانَ، فَأَمَّا هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ فَأَقَامَ بِنَجْرَانَ حَتَّى مَاتَ، مُشْرِكًا وَأَمَّا ابْنُ الزِّبَعْرَى، فَإِنَّهُ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَبْيَاتًا فِي إِسْلَامِهِ وَاعْتِذَارِهِ مِنْهَا قوله:
وَلَقَدْ شَهِدْتُ بِأَنَّ دِينَكَ صَادِقٌ ... حَقٌّ، وَإِنَّكَ فِي العباد جسيم
فاغفر فذا لَكَ وَالِدَايَ كِلَاهُمَا ... زَلَلِي، فَإِنَّكَ رَاحِمٌ مَرْحُومُ
وَذَكَرَ أبياتا كثيرة [ (4) ] .
__________
[ (2) ] في المغازي (2: 851) .
[ (3) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
[ (4) ] والخبر والأبيات في سيرة ابن هشام (4: 32- 33) .

(5/99)


بَابُ إِسْلَامِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ قَالَ:
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ:
حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
إِنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا كَانَ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَخْبَاءٌ أَوْ أَهْلُ خباء- الشك من مِنَ ابْنِ بُكَيْرٍ- أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ أَوْ خِبَائِكَ ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ أَخْبَاءٍ، أَوْ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ، أَوْ خِبَائِكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ» ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ حَرَجٍ أَنْ أَطْعَمَ مِنَ الَّذِي لَهُ؟ قَالَ: لَا إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (1) ] ، وَرَوَاهُ ابْنُ المبارك عن
__________
[ (1) ] البخاري عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ في: 83- كتاب الايمان والنذور (83) باب كيف كانت يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، الحديث (6641) ، فتح الباري (11: 535) .

(5/100)


يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ فَقَالَ: فِي الْحَدِيثِ: وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ لَمْ يَشُكَّ وَقَالَ: فِي آخِرِهِ: من الذي له عيالا.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد بن حَلِيمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ فَذَكَرَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدَانَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثم أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثم قال: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ [ (3) ] فَهَلْ عَلَيَّ خرج أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟
فَقَالَ لَهَا: لَا عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [ (5) ] مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، وَابْنِ أَخِي الزهري عن الزهري.
__________
[ (2) ] رواية البخاري عن عبدان، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المبارك في المناقب، باب ذكر هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ ربيعة تعليقا.
[ (3) ] (مسيك) : شحيح.
[ (4) ] وقد تقدم تخريجه بالحاشيتين (1) و (2) .
[ (5) ] أخرجه مسلم في: 30- كتاب الاقضية، (4) باب قضية هند، الحديث (8) ، ص (3:
1339) .

(5/101)


وَأَمَّا أَبُو سُفْيَانَ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ إِسْلَامِهِ.
وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ [ (6) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عن إسماعيل ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَانَ جَالِسًا فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَوْ جَمَعْتُ لِمُحَمَّدٍ جَمْعًا إِنَّهُ لَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ إِذْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَقَالَ إِذًا يُخْزِيَكَ اللهُ قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ مَا أَيْقَنْتُ أَنَّكَ نَبِيٌّ حَتَّى السَّاعَةِ، إِنْ كُنْتُ لَأُحَدِّثُ نَفْسِي بِذَلِكَ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو السَّفَرِ وعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ مُرْسَلًا فِي مَعْنَاهُ.
وَقَدْ أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، إِجَازَةً، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَأَى أَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي وَالنَّاسُ يطؤون عَقِبَهُ، فَقَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ: لَوْ عَاوَدْتُ هَذَا الرَّجُلَ الْقِتَالَ فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي فَقَالَ إِذًا يُخْزِيَكَ اللهُ قَالَ أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِمَّا تَفَوَّهْتُ بِهِ هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي مَوْصُولًا فِي أَبْوَابِ فَتْحِ مَكَّةَ مِنْ كِتَابِ الْإِكْلِيلِ [ (7) ] .
وَفِيمَا
أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، قَالَ: أَنْبَأَنِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْفَامِيُّ إِجَازَةً، قَالَ [أَنْبَأَنِي أَبُو عُمَرَ] [ (8) ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
__________
[ (6) ] في الأصول: «محمد بن سعد الواقدي» وهو خلط من النساخ، والخبر رواه ابن سعد عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، والحاكم في الإكليل عن ابن عباس.
[ (7) ] ونقله الصالحي عنه وعن الحاكم في السيرة الشامية (5: 370) .
[ (8) ] الزيادة من (ح) .

(5/102)


إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ.
(ح) وَأَنْبَأَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْفَارِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَمْدُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ موسى ابن أَعْيَنَ- يَعْنِي الْجَزَرِيَّ-، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ.
لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ دَخَلَ النَّاسُ مَكَّةَ لَيْلَةَ الْفَتْحِ لَمْ يَزَالُوا فِي تَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ حَتَّى أَصْبَحُوا فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِهِنْدَ: أَتَرَيْنَ هَذَا مِنَ اللهِ؟ ثُمَّ أَصْبَحَ فَغَدَا أَبُو سُفْيَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتَ لِهِنْدَ: أَتَرَيْنَ هَذَا مِنَ اللهِ! نَعَمْ، هُوَ مِنَ اللهِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ مَا سَمِعَ قَوْلِي هَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا اللهُ عَزَّ وجل وهند [ (9) ] .
__________
[ (9) ] رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذهلي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (5:
370) .

(5/103)


بَابُ مُقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (1) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ فَقِيلَ هَكَذَا وَقِيلَ سَبْعَةَ عَشَرَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْمَعْنِيُّ.
(ح) وأَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قالا: حدثنا
__________
[ (1) ] فتح الباري (8: 21) ، والحديث رقم (4299) .

(5/104)


حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.
لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ زِيَادٍ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ سَبْعَةَ عَشَرَ بِمَكَّةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ [ (2) ] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ أَقَامَ سَبْعَ عَشَرَةَ قَصَرَ وَمَنْ أَقَامَ أَكْثَرَ أَتَمَّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدْتُ مَعَهُ الفتح فأقام بمكة ثمان عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا [قَوْمٌ] سَفْرٌ [ (3) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ:
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ ابن عباس [ (4) ] .
__________
[ (2) ] سنن أبي داود (2: 10) ، الحديث (1230) .
[ (3) ] سنن أبي داود (2: 9- 10) الحديث (1229) .
[ (4) ] سنن أبي داود (2: 10) ، الحديث (1231) .

(5/105)


أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رُهْمٍ، قَالُوا: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ هَذَا مُنْقَطِعٌ وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْبُخَارِيُّ [ (5) ] رَحِمَهُ اللهُ [تَعَالَى] [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْيَمَانِ أَخْبَرَكَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ الزُّهْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ وَاقِفٌ
__________
[ (5) ] قال الصالحي (5: 408) : اختلف في قدر إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة، وجمع الإمام البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة عدّ يوم الدّخول والخروج، ومن قال سبع عشرة حذفهما، ومن قال ثماني عشرة عدّ أحدهما. وأما رواية خمس عشرة فضعفّها النّوويّ من الخلاصة. قال الحافظ: وليس بجيّد لأنّ رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق كما تقدم بيانه في القصة، وإذا ثبت أنّها صحيحة فلتحمل على أن الرّاوي ظنّ أنّ الأصل سبعة عشر فحذف منها يومي الدّخول والخروج، فذكر أنها خمسة عشر، واقتضى ذلك أن رواية تسعة عشر، أرجح الرّوايات، ويرجّحها أيضا أنها أكثر الروايات الصحيحة، قال الحافظ ابن حجر: وحديث أنس لا يعارض حديث ابن عباس أي السابق في آخر القصة، لأن حديث ابن عباس في الفتح وحديث أنس كان في حجة الوداع، وبسط الكلام على بيان ذلك، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الذي اعتقده أنّ حديث أنس إنما هو في حجة الوداع فإنها هي السفرة التي أقام فيها بمكة عشرة أيام، لأنه دخل اليوم الرابع وخرج اليوم الرابع عشر، ثم قال الحافظ: ولعل البخاري أدخله في هذا الباب إشارة الى ما ذكرت، ولم يفصح بذلك تشحيذا للأذهان، ووقع في رواية الإسماعيلي: فأقام بها عشرا يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة، وكذا هو في باب قصر الصلاة عند البخاري، وهو يؤيد ما ذكرته، فإن مدة إقامتهم في سفرة الفتح حتى رجعوا الى المدينة اكثر من ثمانين يوما.
[ (6) ] الزيادة من (ح) .

(5/106)


بِالْحَزْوَرَةِ [ (7) ] فِي سُوقِ مَكَّةَ، يَقُولُ: إِنَّهُ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ [ (8) ]
__________
[ (7) ] الحزورة: هي التل الصغير.
[ (8) ] أخرجه الترمذي في المناقب، في باب فضل مكة، الحديث (3925) ، ص (5: 722) ، وقال:
«هذا حديث حسن غريب صحيح» ، ورواه ابن ماجة في المناسك عن عيسى بن حماد.

(5/107)


بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَذَلِكَ أَنَّ مَكَّةَ لَمَّا فُتِحَتْ صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ عَنْهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن بكر بن داسة، قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَتْحُ- فَتْحُ مَكَّةَ-.
لَا هِجْرَةَ [ (1) ] ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ [ (2) ] وَإِنِ اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا [ (3) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (4) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى
__________
[ (1) ] (لا هجرة) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: الهجرة من دار الحرب الى دار الإسلام باقية الى يوم القيامة! وتأولوا هذا الحديث تأويلين: أحدهما لَا هِجْرَةَ، بَعْدَ الْفَتْحِ، من مكة، لأنها صارت دار إسلام، فلا تتصور منها الهجرة. والثاني، وهو الأصح، إن الهجرة الفاضلة المهمة المطلوبة التي يمتاز بها أهلها امتيازا ظاهرا انقطعت بفتح مكة، ومضت لأهلها الذين هاجروا قبل فتح مكة لأن الإسلام قوي وعزّ بعد فتح مكة عزا ظاهرا، بخلاف ما قبله.
[ (2) ] (ولكن جهاد ونية) معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة، ولكن حصلوه بالجهاد والنية الصالحة. وفي هذا، الحثّ على نية الخير مطلقا، وانه يثاب على النية.
[ (3) ] (وإذا استنفرتم فانفروا) معناه إذا طلبكم الإمام للخروج الى الجهاد فاخرجوا. وهذا دليل على أن الجهاد ليس فرض عين بل فرض كفاية، إذا فعله من تحصل بهم الكفاية سقط الحرج عن الباقين.
وإن تركوه كلهم أثموا كلهم.
[ (4) ] أخرجه البخاري، في: 56- كتاب الجهاد، (194) - باب لا هجرة بعد الفتح.

(5/108)


ابن يَحْيَى عَنْ جَرِيرٍ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ إِمْلَاءً قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَاشِعٌ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِأَخِي مَعْبَدٍ بَعْدَ الْفَتْحِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايَعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ، قَالَ: ذَهَبَتِ الْهِجْرَةُ بِمَا فِيهَا قَالَ: قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: أُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوِ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ قَالَ: فَلَقِيتُ مَعْبَدًا بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ أَكْبَرَهُمَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ [ (6) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ عَاصِمٍ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَنْبَأَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَقَبِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ [ (8) ] يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي وَأَصْحَابِي خَيْرٌ وَالنَّاسُ خَيْرٌ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَحَدَّثْتُ بِهِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَكَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: كَذَبْتَ وَعِنْدَهُ: رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَانَا مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَيْنِ لَوْ شَاءَا حَدَّثَاكَ وَلَكِنَّ
__________
[ (5) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يحيى، في: 33- كتاب الإمارة، (20) باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام، الحديث (85) ، ص (1487) .
[ (6) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (53) باب وقال الليث.
[ (7) ] أخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة (20) باب المبايعة على، بعد فتح مكة، الحديث (84) ، ص (3: 1487) .
[ (8) ] أبو البختري لم يسمع من ابي سعيد الخدري.

(5/109)


هَذَا يَعْنِي زَيْدًا يَخَافُ أَنْ تَنْتَزِعَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ، وَهَذَا يَخَافُ أَنْ تَنْتَزِعَهُ عَنْ عِرَافَةِ قَوْمِهِ، يَعْنِي رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، قَالَ فَشَدَّ عَلَيْهِ بِالدِّرَّةِ فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ، قَالَ:
صَدَقْتَ
.

(5/110)


بَابُ إِسْلَامِ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ [ (1) ] بَعْدَ الْفَتْحِ وَدُخُولِ النَّاسِ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الحسن ابن أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَيٌّ، أَلَا تَلْقَاهُ فَتَسْمَعَ مِنْهُ؟ فَلَقِيتُ عَمْرًا فَحَدَّثَنِي بِالْحَدِيثِ قَالَ كُنَّا بِمَمَرِّ النَّاسِ فَيَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ: فَنَسْأَلُهُمْ مَا هَذَا الْأَمْرُ وَمَا لِلنَّاسِ فَيَقُولُونَ: نَبِيٌّ يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَهُ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَوْحَى إِلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمُ الْفَتْحَ وَيَقُولُونَ انْظُرُوهُ فَإِنْ ظَهَرَ فَهُوَ نَبِيٌّ فَصَدِّقُوهُ، فَلَمَّا كَانَ وَقْعَةُ الْفَتْحِ نَادَى كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، فَانْطَلَقَ أَبِي فَبَدَرَ قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ فَقَدِمَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ فَتَلَقَّيْنَاهُ فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، وَإِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ بِكَذَا، وَصَلَاةِ كَذَا وَكَذَا وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَنَظَرُوا فِي أَهْلِ حِوَائِنَا فَلَمْ يَجِدُوا أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي فَقَدَّمُونِي وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ فَإِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ بُرْدَةٌ عَلَيَّ تَقُولُ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ غَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ هَذَا، قَالَ:
فَكُسِيتُ مُعَقَّدَةً مِنْ معقّر الْبَحْرَيْنِ بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِسَبْعَةٍ فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ كفرحي بذلك.
__________
[ (1) ] له ترجمة في الإصابة (2: 68) .

(5/111)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ [ (2) ] .
__________
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي باب (53) حدثنا الليث، الحديث (4302) ، فتح الباري (8: 22- 23) ، وقال الحافظ ابن حجر.
زاد أبو داود في رواية له «قال عمرو بن سلمة: فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم» وفي الحديث حجة للشافعية في إمامة الصبي المميز في الفريضة، وهي خلافية مشهورة ولم ينصف من قال إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم، ولم يطلع النبي صلّى الله عليه وسلم على ذلك لأنها شهادة نفي» ، ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز، كما استدل ابو سعيد وجابر لجواز العزل بكونهم فعلوه على عهد النبي ولو كان منهيا عنه لنهى عنه في القرآن، وكذا من استدل به بأن ستر العورة في الصلاة ليس شرطا لصحتها بل هو سنة، ويجزي بدون ذلك لأنها واقعة حال فيحتمل ان يكون ذلك بعد علمهم بالحكم.

(5/112)


بَابُ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّرَايَا فِيمَا حَوْلَ مَكَّةَ يَدْعُونَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقِتَالٍ، وَكَانَ مِمَّنْ بَعَثَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَسِيرَ بِأَسْفَلِ تِهَامَةَ، دَاعِيًا وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا، فَوَطِئَ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَأَصَابَ مِنْهُمْ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ وَابْنَ زَنْجُوَيْهِ (ح) .
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالُوا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي- أَحْسَبُهُ قَالَ: جَذِيمَةَ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ إلى
__________
[ (1) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 43) .

(5/113)


الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا صَبَأْنَا، وَجَعَلَ خَالِدٌ بِهِمْ أَسْرًا وَقَتْلًا، قَالَ: وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرًا، حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ يَوْمًا أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقُلْتُ وَاللهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، قَالَ: فَقَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذُكِرَ لَهُ صَنِيعُ خَالِدٍ. [فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [ (2) ] وَرَفَعَ يَدَيْهِ اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (3) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ:
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ دَاعِيًا وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا فَخَرَجَ حَتَّى نَزَلَ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَهُمْ عَلَى مَائِهِمْ، وَكَانُوا قَدْ أَصَابُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَمَّهُ الْفَاكِهَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَعَوْفَ بْنَ عَبْدِ عَوْفٍ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي أَخْذِهِمُ السِّلَاحَ ثُمَّ وَضْعِهِمُ السِّلَاحَ، فَأَمَرَ خَالِدٌ بِرِجَالٍ مِنْهُمْ فَأُسِرُوا وَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا عَمِلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ [ (4) ] .
ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: اخْرُجْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَدِّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَاجْعَلِ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيْكَ فَخَرَجَ عَلِيٌّ، وَقَدْ
__________
[ (2) ] ما بين الحاصرتين ليست في (ح) .
[ (3) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (58) بَابُ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جذيمة، الحديث (4339) ، فتح الباري (8: 56) .
[ (4) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 43- 44) .

(5/114)


أَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالًا فَوَدَى لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ حَتَّى إِنَّهُ لَيُعْطِيهِمْ ثَمَنَ مِيلَغَةِ [ (5) ] الْكَلْبِ فَبَقِيَ مَعَ عَلِيٍّ بَقِيَّةٌ مِنْ مَالٍ، فَقَالَ: أُعْطِيكُمْ هَذَا احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْلَمُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيمَا لَا تَعْلَمُونَ، فَأَعْطَاهُمْ، إِيَّاهُ، قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: أَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ ابن بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عقبة بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ فِي خَيْلِ ابْنِ الْوَلِيدِ الَّتِي أَصَابَ بِهَا بَنِي جَذِيمَةَ إِذَا فَتًى مِنْهُمْ مَجْمُوعَةٌ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ بِرُمَّةٌ يَقُولُ بِحَبْلٍ فَقَالَ لِي: يَا فَتَى هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِهَذِهِ الرُّمَّةِ فَمُقَدِّمِي إِلَى هَذِهِ النِّسْوَةِ حَتَّى أَقْضِيَ إِلَيْهِنَّ حَاجَةً ثُمَّ تَصْنَعُونَ مَا بَدَا لَكُمْ، فَقُلْتُ لَيَسِيرٌ مَا سَأَلْتَ، ثُمَّ أَخَذْتُ بِرُمَّتِهِ فَقَدَّمْتُهُ إِلَيْهِنَّ فَقَالَ: أَسْلَمِي حُبَيْشْ عَلَى نَفَدِ الْعَيْشْ، ثُمَّ قال:
أَرَيتُكِ إِذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ... بُّحلية أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ [ (7) ]
أَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوَّلَ عَاشِقٌ ... تَكَلَّفَ إِدْلَاجَ السُّرَى وَالْوَدَائِقِ [ (8) ]
فَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْتُ إِذْ أَهْلُنَا مَعًا ... أَثِيبِي بِوُدٍّ قَبْلَ إِحْدَى الصَّفَائِقِ [ (9) ]
أَثِيبِي بِوُدٍّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النَّوَى ... وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ المفارق [ (10) ]
__________
[ (5) ] (ميلغة الكلب) شيء يحضر من خشب ويجعل فيه الماء ليلغ الكلب فيه اي ليشرب.
[ (6) ] سيرة ابن هشام (4: 44- 45) .
[ (7) ] حلية والخوانق: اسماء موضعين.
[ (8) ] الإدلاج: مصدر أدلج، إذا سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، والودائق جمع وديقة، وهي شدة الحر، وأراد بالادلاج ههنا مجرد السير، والسرى: أصله السير ليلا فأراد منه ههنا الليل، يقول: تكلفت السير في الليل وفي شدة الحر.
[ (9) ] الصفائق: أراد بها النوائب.
[ (10) ] تشحط: تبعد، وينأى: يبعد أيضا.

(5/115)


فَإِنِّي لَا ضَيَّعْتُ سِرَّ أَمَانَةٍ ... وَلَا رَاقَ عَيْنِي عَنْكِ بَعْدَكِ رَائِقُ [ (11) ]
سِوَى أَنَّ مَا نَالَ الْعَشِيرَةَ شَاغِلٌ ... عَنِ الْوُدِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ التَّوَامُقُ [ (12) ]
فَقَالَتْ: وَأَنْتَ حُيِيتَ عَشْرَا وَسَبْعًا وِتْرَا وَثَمَانِيًا تَتْرَى [ (13) ] ، ثُمَّ قَدَّمْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ.
قَالَ: ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنَا أَبُو فِرَاسٍ مِنْ بَنِي أَبِي سُنْبُلَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ وَقَدْ شَهِدُوا هَذَا مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالُوا فَلَمَّا قُتِلَ قَامَتْ إِلَيْهِ فَمَا زَالَتْ تَرْشُفُهُ حَتَّى مَاتَتْ عَلَيْهِ هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ لَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي مَا فِي آخِرِهِ عَنْ أَبِي فِرَاسٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [الْحُسَيْنُ ابن] [ (14) ] الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ عِصَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أَوْ سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا فَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا
قَالَ: فَبَعَثَنَا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ وَأَمَرَنَا بِذَلِكَ فَخَرَجْنَا قِبَلَ تِهَامَةَ فَأَدْرَكْنَا رَجُلًا يَسُوقُ بِظَعَائِنَ فَقُلْنَا لَهُ أَسْلِمْ قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ فَأَخْبَرَنَاهُ بِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يَعْرِفُهُ قَالَ:
أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ قَالَ: قُلْنَا نَقْتُلُكَ قَالَ: هَلْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرِيَّ حَتَّى أُدْرِكَ الظَّعَائِنَ قَالَ: قُلْنَا نَعَمْ وَنَحْنُ مُدْرِكُوكَ قَالَ: فَأَدْرَكَ الظَّعَائِنَ فَقَالَ اسلم حُبَيْشُ قَبْلَ نَفَادِ الْعَيْشِ، فَقَالَتِ الْأُخْرَى: أَسْلَمْ عَشْرَا وَتِسْعًا وِتْرَا وَثَمَانِيًا تَتْرَى، ثم قال.
__________
[ (11) ] راق: اعجب، يريد لم يعجبني بعدك احد.
[ (12) ] التوامق: الحب.
[ (13) ] ثمانيا تترى: اي تتوالى.
[ (14) ] ليست في (ح) .

(5/116)


أَرَيتُكِ إِذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ... بِحَلْيَةَ أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ
أَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوَّلَ عَاشِقٌ ... تَكَلَّفَ إِدْلَاجَ السُّرَى وَالْوَدَائِقِ
فَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْتُ إِذْ أَهْلُنَا مَعًا ... أَثِيبِي بِوُدٍّ قبل إحدى الصّفائق
أثني بِوُدٍّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النَّوَى ... وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ
قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ: شَأْنُكُمْ فَقَدَّمْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ فَانْحَدَرَتِ الْأُخْرَى مِنْ هَوْدَجِهَا فَحَنَتْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَتْ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْقَاضِي الْبَسْتِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: أَحْمَدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْبَكْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ عَنِ ابْنِ عِصَامٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَاهُنَّ فَدَنَا إِلَى هَوْدَجِ ظَعِينَةٍ مِنْهُنَّ قَدْ وَصَفَهَا مِنْ حُسْنٍ وَجَمَالٍ فَأَنْشَأَ يَقُولُ.
أَرَأَيْتِ إِنْ طَالَبْتُكُمْ فَلَحِقْتُكُمْ.
فَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: فَقَالَتْ: بَلَى: قَالَ: فَقَالَ فَلَا ذَنْبَ لِي فَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: أَثِيبِي بِوُدٍّ، ثُمَّ قال اسلم حُبَيْشْ، قَبْلَ انْقِطَاعِ الْعَيْشْ، وقال: فَقَالَتِ: أَسْلِمْ عَشْرَا وَتِسْعًا وِتْرَا وَثَمَانِيَةً تَتْرَى، ثُمَّ جَاءَ فَمَدَّ عُنُقَهُ فَقَالَ: شَأْنُكُمْ فَاصْنَعُوا مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ [فَنَزَلْنَا] [ (15) ] فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ تِلْكَ الظَّعِينَةَ نَزَلَتْ مِنْ هَوْدَجِهَا فَحَنَتْ عَلَيْهِ فَمَا زَالَتْ تَبْكِي حَتَّى مَاتَتْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَرَاغِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ
__________
[ (15) ] الزيادة من (ح) .

(5/117)


الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ عَلِيٍّ النَّسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ فَغَنِمُوا وَفِيهِمْ رَجُلٌ فَقَالَ: لَهُمْ إِنِّي لَسْتُ مِنْهُمْ إِنِّي عَشِقْتُ امْرَأَةً فَلَحِقْتُهَا، فَدَعُونِي أَنْظُرْ إِلَيْهَا نَظْرَةً، ثُمَّ اصْنَعُوا بِي مَا بَدَا لَكُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ أَدْمَاءُ طَوِيلَةٌ، فَقَالَ. لَهَا أَسْلِمِي حُبَيْشْ قَبْلَ نَفَادِ الْعَيْشْ وَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِمَعْنَاهُمَا ثُمَّ قَالَ: قَالَتْ: نَعَمْ فَدَيْتُكَ قَالَ فَقَدَّمُوهُ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَجَاءَتِ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ فَشَهِقَتْ شَهْقَةً أَوْ شَهْقَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَتْ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَحِيمٌ.

(5/118)