دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ وُفُودِ وَفْدِ هَوَازِنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ [ (1) ] مُسْلِمِينَ وَرَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَبَايَاهُمْ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا [ (2) ] أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيَّانِ، أَنَّ لَيْثَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُمَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: زَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الحكم، والمسور بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ، مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوا أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وأحبّ الحديث
__________
[ (1) ] قال الزرقاني: الجعرانة بكسر الجيم وسكون المهملة وخفة الراء وبكسر العين وشد الراء، وبسط الكلام على ضبطها في «الأوجز» وفيه قال ياقوت الحموي: بكسر الجيم إجماعا، ثم إن أصحاب الحديث يكسرون عينه ويشددون راءه، وأهل الأدب يخطئونهم ويسكنون العين ويخففون الراء، هي ماء بين مكة والطائف، وهي إلى مكة أقرب، وفيه مسجد لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وبئار متقاربة، هي من مكة على بريد من طريق العراق، وقال الباجي: بينه وبين مكة ثمانية عشر ميلا، انتهى مختصرا.
وقد قدم في عمرة الحديبية أنهم صالحوا على عدم القتال عشر سنين، لكن الكفار غدروا، وأعانت أشراف بني نفاثة على خزاعة، وهم أهل عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، واستنصر خزاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية.
[ (2) ] في (ح) : «أخبرني» .

(5/190)


إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا:
فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ مِنْ سَبْيِهِمْ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ إِلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ، فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ لَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمَرَكُمْ، فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا، فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ اللَّيْثِ [ (3) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
__________
[ (3) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ في: 64- كتاب المغازي، (54) باب قول الله تعالى (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً، وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ... ) ، فتح الباري (8: 26- 27) ، كما أخرجه البخاري في الوكالة، وفي الخمس عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ، وفي الهبة مختصرا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مريم.
وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال، عن أحمد بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي مريم، عن عمه سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ.

(5/191)


ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ إِلَى الْجِعْرَانَةِ، وَبِهَا السَّبْيُ، وَقَدِمَتْ عَلَيْهِ وُفُودُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فِيهِمْ تِسْعَةُ نَفَرٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَأَسْلَمُوا، وَبَايَعُوا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ كَلَّمُوهُ فِيمَنْ أُصِيبَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ فِيمَنْ أَصَبْتُمْ: الْأُمَّهَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ، وَالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَاتِ، وَهُنَّ مَخَازِي الْأَقْوَامِ، وَنَرْغَبُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَكَانَ رَحِيمًا جَوَّادًا كَرِيمًا فَقَالَ: سَأَطْلُبُ لَكُمْ ذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَتِ الْمَقَاسِمُ مَوَاقِعَ فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ: أَطْلُبُ لَكُمُ السَّبْيَ، أَمِ الْأَمْوَالَ؟ قَالُوا: خَيَّرْتَنَا يَا رَسُولَ اللهِ بَيْنَ الْحَسَبِ وَبَيْنَ [الْمَالِ] ، فَالْحَسَبُ أَحَبُّ إِلَيْنَا وَلَا نَتَكَلَّمُ فِي شَاةٍ وَلَا بَعِيرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: أما الَّذِي لِبَنِي هَاشِمٍ فَهُوَ لَكُمْ، وَسَوْفَ أُكَلِّمُ لَكُمُ الْمُسْلِمِينَ وَأَشْفَعُ لَكُمْ، فَكَلِّمُوهُمْ وَأَظْهِرُوا إِسْلَامَكُمْ، وَقُولُوا: نَحْنُ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَعَلَّمَهُمُ التَّشَهُّدَ، وَكَيْفَ يَتَكَلَّمُونَ، وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْهَاجِرَةَ قَامُوا فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي الْكَلَامِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَتَكَلَّمَ خُطَبَاؤُهُمْ فَأَصَابُوا الْقَوْلَ، فَأَبْلَغُوا فِيهِ، وَرَغِبُوا إِلَيْهِمْ فِي رَدِّ سَبْيِهِمْ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغُوا فَشَفَعَ لَهُمْ وَحَضَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ رَدَدْتُ الَّذِي لِبَنِي هَاشِمٍ، وَالَّذِي بِيَدِي عَلَيْهِمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ مُكْرَهٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَرِهَ أَنْ يُعْطِيَ وَيَأْخُذَ الْفِدَاءَ فَعَلَيَّ فِدَاؤُهُمْ فَأَعْطَى النَّاسُ مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [ (4) ] سَأَلُوا الْفِدَاءَ.
وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حدثني عروة ابن الزُّبَيْرِ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الحكم والمسور بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أَذِنَ لِلنَّاسِ فِي عِتْقِ سَبْيِ هَوَازِنَ: إِنِّي لَا أَدْرِي مَنْ أَذِنَ لَكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمَرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ طَيَّبُوا وأذنوا.
__________
[ (4) ] في (ح) و (ك) : «من الناس» .

(5/192)


قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ سَبْيَ هَوَازِنَ الَّذِينَ رَدَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ كَانُوا سِتَّةَ آلَافٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَإِنَّهُ خَيَّرَ نِسَاءً كُنَّ عِنْدِ رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ كَانَا قَدِ اسْتَسَرَّا الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُمَا، فَاخْتَارَتَا قَوْمَهُمَا.
وَزَعَمُوا أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ أَبَى عَلَيْهِمْ، وَحَضَّ عَلَى مَنْعِهِمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ: لَا تألوا أَنْ تَحُضَّ عَلَيْنَا مَا بَقِينَا، فَقَدْ قَتَلْنَا بِكْرَكَ وَابْنَيْكَ، وَشَفَعْنَا أُمَّكَ نُسَيْكَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَ كَانَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ زَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقْدَمَ مَكَّةَ فَيَشْتَرِيَ لِلسَّبْيِ ثِيَابَ الْمُعَقَّدِ [ (5) ] ، فَلَا يَخْرُجُ الْحُرُّ مِنْهُمْ إِلَّا كَاسِيًا، وَقَالَ: احْبِسْ أَهْلَ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ بِمَكَّةَ عِنْدَ عَمَّتِهِمْ أُمِّ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُمَيَّةَ، فَقَالَ الْوَفْدُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُولَئِكَ سَادَتُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَيْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أُرِيدُ بِهِمُ الْخَيْرَ، وَأَرْسَلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَالِكِ ابن عَوْفٍ، وَكَانَ قَدْ فَرَّ إِلَى حِصْنِ الطَّائِفِ، فَقَالَ: إِنْ جِئْتَنِي مُسْلِمًا رَدَدْتُ إِلَيْكَ أَهْلَكَ، وَلَكَ عِنْدِي ماية نَاقَةٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ فِي كُلِّ سَبْيٍ فُدِيَ مِنَ الْعَرَبِ سِتَّ فَرَائِضَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْضِي بِذَلِكَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ الْوَلَائِدَ مِنَ الْعَرَبِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: فَلَمْ يَرْضَ عُيَيْنَةُ، فَأَخَذَ عَجُوزًا وَقَالَ أُعَيِّرُ بِهَا هَوَازِنَ، فَمَا أَخْرَجَهَا عَنْ يَدِهِ حَتَّى قَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ خَدَعَهُ عَنْهَا: أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ فو الله لَقَدْ أَخَذْتُهَا مَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ، وَلَا بَطْنُهَا بِوَالِدٍ، وَلَا خَدُّهَا بِمَاجِدٍ [ (6) ] ، قَالَ حَقًّا مَا تَقُولُ قَالَ إِي
__________
[ (5) ] المعقد: ضرب من برود هجر.
[ (6) ] وفي بعض الروايات: ولا فوها ببارد، ولا زوجها بواجد.

(5/193)


وَاللهِ قَالَ فَأَبْعَدَكَ اللهُ وإياها وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا عِوَضًا [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُنَيْنٍ فَلَمَّا أَصَابَ مِنْ هَوَازِنَ مَا أَصَابَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَسَبَايَاهُمْ أَدْرَكَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ بِالْجِعْرَانَةِ وَقَدْ أَسْلَمُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لَنَا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ، وَقَدْ أَصَابَنَا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ، وَقَامَ خَطِيبُهُمْ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا فِي الْحَظَائِرِ مِنَ السَّبَايَا خَالَاتُكَ وَعَمَّاتُكَ وَحَوَاضِنُكَ [ (8) ] اللَّاتِي كُنَّ يَكْفُلْنَكَ، فَلَوْ أَنَّا مَلَحْنَا [ (9) ] ابْنَ أَبِي شَمِرٍ، أَوِ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ، ثُمَّ أَصَابَنَا مِنْهُمَا مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنَا مِنْكَ رَجَوْنَا عَائِدَتَهُمَا [ (10) ] وَعَطْفَهُمَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ ثُمَّ أَنْشَدَ أبياتا قالها
امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللهِ فِي كَرَمٍ ... فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَدَّخِرُ [ (11) ]
امْنُنْ عَلَى بَيْضَةٍ قَدْ عَاقَهَا [ (12) ] قَدَرٌ ... مُمَزَّقٌ شَمْلُهَا فِي دَهْرِهَا غِيَرُ
أَبْقَتْ لَهَا الْحَرْبُ هُتَّافًا عَلَى حَزَنٍ ... عَلَى قُلُوبِهِمُ الْغَمَّاءُ وَالْغِمَرُ
إِنْ لَمْ تَدَارَكْهُمْ نَعْمَاءُ تَنْشُرُهَا ... يَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمًا حِينَ يُخْتَبَرُ
امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... إِذْ فُوكَ يَمْلَؤُهُ مِنْ مخضها الدرر
__________
[ (7) ] والخبر رواه ابن هشام في السيرة (4: 105) ، والواقدي في المغازي (3: 951) .
[ (8) ] (حواضنك) : يريد النساء اللاتي أرضعنك لأن حاضنة رسول الله من بني سعد، وهم من هوازن.
[ (9) ] (ملحنا) : أرضعنا، والملح: الرضاع.
[ (10) ] (عائدته) : فضله.
[ (11) ] في (ح) جاء هذا البيت الثاني.
[ (12) ] كذا في (أ) و (ك) ، وفي (ح) أسيافها.

(5/194)


لَا تَجْعَلنَّا كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ ... وَاسْتَبْقِ مِنَّا فَإِنَّا مَعْشَرٌ زُهُرُ
إِنَّا لَنَشْكُرُ آلَاءً وَإِنْ كُفِرَتْ ... وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مُدَّخَرُ
قَالَ [ (13) ] رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ، أَمْ أَمْوَالُكُمْ؟
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَبَيْنَ أَمْوَالِنَا: أَبْنَاؤُنَا وَنِسَاؤُنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ وَإِذَا أَنَا صَلَّيْتُ بِالنَّاسِ فَقُومُوا وَقُولُوا إِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِالْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا سَأُعِينُكُمْ [ (14) ] عِنْدَ [ (15) ] ذَلِكَ وَأَسْأَلُ لَكُمْ فَلَمَّا صَلَّى صلى الله عليه وسلم: بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، قَامُوا، فَقَالُوا: مَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أماما كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَهُوَ لَكُمْ.
فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: ومَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم.
فقالت الْأَنْصَارُ: ومَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا.
فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا.
فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: بَلْ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم.
وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَمْسَكَ مِنْكُمْ بِحَقِّهِ فَلَهُ بِكُلِّ إِنْسَانٍ سِتُّ فَرَائِضَ [ (16) ] مِنْ أَوَّلِ فَيْءٍ تُصِيبُهُ، فَرَدُّوا إِلَى النَّاسِ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ.
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتْبَعَهُ النَّاسُ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اقْسِمْ عَلَيْنَا
__________
[ (13) ] في (ك) : «فقال» .
[ (14) ] في (ك) : «سأعطيكم» .
[ (15) ] في (ح) : «على» .
[ (16) ] (الفرائض) : جمع فريضة، وهو البعير المأخوذ في الزكاة، سمّي فريضة لأنه فرض على رب المال، ثم اتسع فيه حتى سمي البعير فريضة.

(5/195)


فَيْأَنَا حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى شَجَرَةٍ، فَانْتَزَعَتْ عَنْهُ رِدَاءَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي فَوَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ لَوْ كَانَ لَكُمْ عَدَدُ شَجَرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ مَا القيتموني: بَخِيلًا، وَلَا جَبَانًا، وَلَا كَذَّابًا.
ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِ بَعِيرٍ وَأَخَذَ مِنْ سَنَامِهِ وَبَرَةً فَجَعَلَهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، وَقَالَ: ايها الناس! والله مالي من فيئكم ألا وَلَا هَذِهِ الْوَبَرَةِ، إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، فَأَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمَخِيطَ، فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ، وَنَارٌ، وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِكُبَّةٍ مِنْ [خُيوطِ شَعَرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَخَذْتُ هَذِهِ لِأَخِيطَ بِهَا بَرْدَعَةَ بَعِيرٍ] [ (17) ] لِي دَبِرَ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَمَّا حَقِّي مِنْهَا لَكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا إِذْ بَلَغَ الْأَمْرُ هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا فَرَمَى بِهَا مِنْ يَدِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا [ (18) ] : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: [ (19) ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو وَجْزَةَ السَّعْدِيُّ يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: رَيْطَةُ بِنْتُ [هِلَالِ بْنِ] [ (20) ] حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرَةَ، وَأَعْطَى عُثْمَانَ: زَيْنَبَ بِنْتَ حَيَّانَ، وَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فُلَانَةَ، فَوَهَبَهَا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا [ (21) ] نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فبعث بجاريتي الى
__________
[ (17) ] ما بين الحاصرتين من هامش (ك) وثابت في (أ) ، و (ح) .
[ (18) ] البداية والنهاية (4: 353- 354) .
[ (19) ] في (ح) ، و (ك) : «قالا» .
[ (20) ] الزيادة من سيرة ابن هشام (4: 105) .
[ (21) ] في (ك) : «حدثني» .

(5/196)


أَخْوَالِي فِي بَنِي جُمَحَ، لِيُصْلِحُوا لِي مِنْهَا، حَتَّى أَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ آتِيَهُمْ إذ فَرَغْتُ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَشْتَدُّونَ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكُمْ؟
فَقَالُوا: رَدَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَنَا، وَأَبْنَاءَنَا، فَقُلْتُ: دُونَكُمْ صَاحِبَتَكُمْ فَهِيَ فِي بَنِي جُمَحَ فَانْطَلَقُوا فَأَخَذُوهَا. [ (22) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا [ (23) ] أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعلا- (ح) .
قَالَ: وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، أَنَّ أيوب حدثه، أنه نَافِعًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَكَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا.
[قَالَ] : وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْطَاهُ جَارِيَةً مِنَ الْخُمُسِ، فَلَمَّا أَعْتَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا النَّاسِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللهِ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْجَارِيَةِ فَخَلِّ سَبِيلَهَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن أبي الطاهر [ (24) ] .
__________
[ (22) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (4: 105) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 354) .
[ (23) ] في (ك) : «حدثني» .
[ (24) ] كذا بالأصل، والحديث أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ لا البخاري، وذلك في: 27- كتاب الأيمان، (7) باب نذر الكافر، وما يفعل فيه إذا أسلم الحديث (28) عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ عبد الله ابن وهب، عَنْ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ.
وأما البخاري، فقد أخرجه في 64- كتاب المغازي، (54) باب قول الله تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ..) عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عن أيوب، الحديث (4320) ، فتح الباري (8: 34) .

(5/197)


أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو وَجْزَةَ، أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ قَدْ أَصَابَ جَارِيَتَهُ، فَخُطِبَتْ إِلَى ابْنِ عَمٍّ لَهَا، كَانَ زَوْجَهَا وَكَانَ سَاقِطًا لَا خَيْرَ فِيهِ، فَلَمَّا رُدَّتِ السَّبَايَا سَاقَهَا فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بِهَا فِي زَمَانِ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ، فَلَقِيَهَا عُثْمَانُ فَأَعْطَاهَا شَيْئًا بِمَا كَانَ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ زَوْجَهَا قَالَ لَهَا: وَيْحَكِ هَذَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكِ مِنِّي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، زَوْجِي، وَابْنُ عَمِّي.
وَأَمَّا عَلِيٌّ فَأَعَفَّ صَاحِبَتَهُ، وَعَلَّمَهَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَفْدِ هَوَازِنَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ مَا فَعَلَ فَقَالُوا هُوَ بِالطَّائِفِ فَقَالَ: أَخْبِرُوا مَالِكًا أَنَّهُ إِنْ أَتَانِي مُسْلِمًا رَدَدْتُ إِلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَأَعْطَيْتُهُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ،
فَأُتِيَ مَالِكٌ بِذَلِكَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّائِفِ، وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ خَافَ مِنْ ثَقِيفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ مَا قَالَ، فِيَحْبِسُوهُ فَأَمَرَ بِرَاحِلَةٍ لَهُ [ (25) ] ، فَهُيِّئَتْ وَأَمَرَ بِفَرَسٍ لَهُ، فَأَتَى بِهِ الطَّائِفَ، فَخَرَجَ لَيْلًا فَجَلَسَ عَلَى فَرَسِهِ فَرَكَضَهُ، حَتَّى أَتَى رَاحِلَتَهُ حَيْثُ أَمَرَ بِهَا فَجَلَسَ عَلَيْهَا، ثُمَّ لَحِقَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكَهُ بِالْجِعْرَانَةِ، أَوْ بِمَكَّةَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَأَعْطَاهُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، فَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ حِينَ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم ليسلم:
مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ ... فِي النَّاسِ كُلِّهِمُ بِمِثْلِ مُحَمَّدِ
أَوْفَى وَأَعْطَى لِلْجَزِيلِ إِذَا اجْتَدَى ... وَإِذَا تَشَأْ يُخْبِرْكَ عَمَّا فِي غَدِ [ (26) ]
وَإِذَا الْكَتِيبَةُ عرّدت [ (27) ] أنيابها [ (28) ] ... أُّمّ العدى فيها بكل مهنّد
__________
[ (25) ] ليست في (ح) .
[ (26) ] (اجتدى) : طلبت منه الجدوى، وهي العطية.
[ (27) ] (عردت) : عرجت ومالت.
[ (28) ] في (ك) : «أبناؤها» .

(5/198)


فَكَأَنَّهُ لَيْثٌ لَدَى أَشْبَالِهِ ... وَسْطَ الْهَبَاءَةِ وَخَادِرٌ [ (29) ] فِي مَرْصَدِ [ (30) ]
فَاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنِ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، وَتِلْكَ الْقَبَائِلِ مِنْ ثُمَالَةَ، وَسَلَمَةَ، وَفِيهِمْ كَانَ يُقَاتِلُ بِهِمْ ثَقِيفًا لَا يَخْرُجُ لَهُمْ سَرْحٌ إِلَّا أَغَارَ عَلَيْهِ حَتَّى يُصِيبَهُ [ (31) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو: إِسْمَاعِيلُ بْنُ [ (32) ] نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ ابن يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ ثَوْبَانَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَمِّي عُمَارَةُ بْنُ ثَوْبَانَ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ أَخْبَرَهُ، قَالَ: كُنْتُ غلاما أحمد عَظْمَ الْبَعِيرِ، وَرَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لَحْمًا بِالْجِعْرَانَةِ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ [ (33) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ النَّجَّارِ الْمُقْرِئُ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ هَوَازِنَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أُخْتُكَ أَنَا شَيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ فَقَالَ لَهَا: إِنْ تَكُونِي صَادِقَةً فَإِنْ يَكُ مِنِّي أَثَرًا لَنْ يَبْلَى قَالَ:
__________
[ (29) ] في (ك) : بدون الواو.
[ (30) ] الأشبال: جمع شبل، وهو ولد الأسد، والخادر: الداخل في خدره والخدر: غابة الأسد، والمرصد: الموضع الذي يرصد منه ويرقب.
[ (31) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 106) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 361) .
[ (32) ] في (ح) «عن» وهو تحريف.
[ (33) ] أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في برّ الوالدين، وقال في بذل المجهود (20: 81) هي حليمة السعدية، وبه جزم السيوطي في شرح الترمذي، وقال ابن كثير: ان كان محفوظا فقد عمرت حليمة حتى الستين.

(5/199)


فَكَشَفَتْ عَنْ عَضُدِهَا ثُمَّ قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ حَمَلْتُكَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ فَعَضَضْتَنِي هَذِهِ الْعَضَّةَ، فَبَسَطَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ قَالَ: سَلِي تُعْطَيْ وَاشْفَعِي تُشَفَّعِي [ (34) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عُمَرَ بن السايب حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا يَوْمًا فَأَقْبَلَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْآخَرِ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ بين يديه [ (35) ] .
__________
[ (34) ] نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (4: 364) عن المصنف، ونقله قبله (4: 363- 364) عن ابن إسحاق.
[ (35) ] ذكره أبو داود في المراسيل، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 364) ، وفي نسخة (ك) سقط الخبر من المتن، وأثبته الناسخ في الحاشية.

(5/200)