دلائل
النبوة للبيهقي محققا جُمَّاعُ أَبْوَابِ كَيْفِيَّةِ نُزُولِ
الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَظُهُورِ آثَارِهِ
عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ رَأَى جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ
أَصْحَابِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَآثَارِ
الصِّدْقِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى.
(7/51)
بَابُ كَيْفَ كَانَ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ
وَكَيْفَ كَانَ يَكُونُ عِنْدَ نُزُولِهِ، وَمَا ظَهَرَ لِأَصْحَابِهِ فِي
ذَلِكَ مِنْ آثَارِ الصِّدْقِ
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
الْعَدْلُ، قَالَ أَخْبَرَنَا [ (1) ] أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ الْبُوشَنْجِيُّ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ
الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِينِي
أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ [
(2) ] ، فَيَفْصِمُ [ (3) ] عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ:
وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي، وَأَعِي
مَا يَقُولُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ
الْوَحْيُ، فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ،
وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ [ (4) ] عَرَقًا.
__________
[ (1) ] «قال أخبرنا» هكذا دوما في نسختي (ف) و (ك) .
[ (2) ] في صحيح ابن حبان «وهو أشدّ عليّ» .
[ (3) ] في البخاري، والموطأ: «فيفصم عني» ، ومسلم: «ثم يفصم عني» ،
والمعنى واحد: أي يقلع وينجلي ما يتغشاني منه.
قال الخطابيّ: «قال العلماء: الفصم هو القطع من غير إبانة، وأما القصم فقطع
مع الإبانة والانفصال، ومعنى الحديث: أن الملك يفارقه على أن يعود، ولا
يفارقه مفارقة قاطع لا يعود» .
[ (4) ] (يتفصد) : من الفصد وهو قطع العرق لإسالة الدم، قاله الحافظ ابن
حجر، واليوم فهو [] أخد الدم من الوريد، بواسطة ابرة واسعة القناة، و []
الدم [] سم، وفي بعض الحالات [] ذلك [] وينخدم لعلاج بعض الحالات هبوط
القلب في الحالات الأخيرة المصحوبة بعسر التنفس، وفي ضغط الدم الدماغي، وفي
ازدياد عدد كريات الدم الحمراء الأولى، وهنا شبه جبينه بالعرق المفصود
مبالغة في كثرة العرق.
(7/52)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ.
وَأَخْبَرَنَا مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
[ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي
عَمْرٍو قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَشْكِيبٌ أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ
أَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، فَتَضْرِبُ عَلَى جِرَانِهَا
مِنْ ثِقَلِ مَا يُوحَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ جَبِينُهُ لَيَطُفُّ بِالْعَرَقِ في اليوم الشالي،
إِذَا أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ.
تَابَعَهُ مَعْمَرُ بْنُ هِشَامٍ فِي أَوَّلِهِ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ
بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ
قَتَادَةَ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو
سَهْلِ بْنُ زِيَادِ القطان،
__________
[ () ] الحديث- 38- هو في (ع) (2: 264) ، وأخرجه البخاري في: 1- كتاب بدء
الوحي (2) باب حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يوسف (1: 2) ، وأخرجه البخاري
أيضا في كتاب بدء الخلق عن فَرْوَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مسهر، عن همام.
ورواه الإمام مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (23) بَابُ عرق النبي صلى
الله عليه وسلم في البرد، وحين يأتيه الوحي، ج 81، ص (1816) ، عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ ابن عيينة عن كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي
أُسَامَةَ، وعن ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بشر، عنه.
ورواه مالك في الموطأ، في: 15- كتاب الْقُرْآنِ
[ (5) ] بَابُ مَا جَاءَ فِي القرآن، ج 7 (1. 202) ، عن مَالِكٌ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ.
[ (6) ] في حديث الإفك، وقد تقدم.
(7/53)
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ
الْحَرْبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا
قَتَادَةُ، وَحُمَيْدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ
الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ
عَلَيْهِ الْوَحْيُ كُرِبَ، وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ- وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ- كَرِبَ لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ [
(7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ
بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ،
لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنَّا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَيْهِ، حَتَّى
يَنْقَضِيَ الْوَحْيُ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ. فِي فَتْحِ مَكَّةَ [ (8)
] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا [ (9) ] مُحَمَّدُ
بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
__________
[ (7) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (23) بَابُ عرق النبي
صلى الله عليه وسلم في البرد وحين يأتيه الوحي، الحديث (88) ، ص (4: 1817)
.
وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5: 317) ، 318، 331، 337) .
وأعاده مسلم في: 29- كتاب الحدود (3) باب حد الزاني، الحديث (13) ، ص (3:
1316- 1317) وأضاف إليه موضوعا آخر.
(تربّد وجهه) يعني تغير وعلته غبرة وانما حصل ذلك لعظم موقع الوحي، قال
الله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا.
[ (8) ] وهذا الحديث في صحيح مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، 31- باب فتح
مكة، الحديث (84) ، ص (1406) .
[ (9) ] في (أ) : «أخبرنا» .
(7/54)
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ،
قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي [ (9) ] أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ يُونُسَ بْنَ سُلَيْمٍ، قَالَ:
أَمْلَى عَلَيَّ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ- صَاحِبُ أَيْلَةَ-
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بن عبد القارئ. قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ
عَلَيْهِ الْوَحْيُ، يُسْمَعُ عِنْدَهُ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ سُمِعَ عِنْدَ وَجْهِهِ كَدَوِيِّ النحل [ (10)
] .
__________
[ (9) ] في (أ) : «أخبرنا» .
[ (10) ] نقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 21) ، وقال: «رواه
الترمذي والنسائي من حديث عبد الرزاق، ثم قال السائي: منكر لا نعرف أحدا
رواه غير يونس بن سليم، ولا نعرفه» .
والحديث أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 34) وتمامه:
«فمكثنا ساعة فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فقال: اللهم
زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر
علينا وارض عنا وأرضنا، ثم قال: لقد أنزلت عليّ عشر آيات من أقامهن دخل
الجنة، ثم قرأ علينا قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ حتى ختم العشر» .
قال الشيخ أحمد شاكر في شرحه للمسند (1: 255) : إسناده صحيح، نقله ابن كثير
في التفسير (6: 2- 3) عن المسند، ثم قال: «رواه الترمذي في تفسيره،
والنسائي في الصلاة من حديث عبد الرزاق، وقال الترمذي: «منكر، لا نعرف أحدا
رواه غير يونس بن سليم، ويونس لا نعرفه» .
كذا قال، ولم أجده في سنن النسائي، وهو في الترمذي (4: 151- 152) من طريق
عبد الرزاق، عن يونس بن سليم، عن الزهري، ثم رواه من طريق عبد الرزاق أيضا،
عن يونس بن سليم، عن الزهري، ثم رواه من طريق عبد الرزاق أيضا عن يونس بن
سليم، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، ثم قال: «هذا أصح من الحديث الأول سمعت
إسحاق بن منصور، يقول: روى أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن
إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن يونس بن سليم، عن يونس بن يزيد، عن الزهري هذا
الحديث، قال أبو عيسى: ومن سمع من عبد الرزاق قديما فإنهم إنما يذكرون فيه
عن يونس بن يزيد، وبعضهم لا يذكر فيه عن يونس بن يزيد، ومن ذكر فيه يونس بن
يزيد فهو أصح.
وكان عبد الرزاق ربما ذكر في هذا الحديث يونس بن يزيد، وربما لم يذكره،
وإذا لم يذكر فيه
(7/55)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي
عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ-
عَزَّ وَجَلَّ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
[ (11) ] قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا
نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْوَحْيِ كَانَ يُحَرِّكُ بِهِ
شَفَتَيْهِ، فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ مِنْهُ
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ.
قال: متعجّل بأخذه. [إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
، أَيْ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، وَقُرْآنَهُ فَنَقْرَأَهُ
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قرآنه، قَالَ: إِذَا قَرَأْنَاهُ
أَنْزَلْنَاهُ فاستمع له إنا علينا بيانه ان تبينه بِلِسَانِكَ فَكَانَ
إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ، أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ،
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (12) ] ، عن
__________
[ () ] يونس فهو مرسل. ولم يقل غير هذا، فالظاهر أن ما نسبه ابن كثير
للترمذي سهو منه، وأنه كلام النسائي لأن في «الخلاصة» أن النسائي قال: «لا
أعرفه» .
ويونس بن يزيد الصنعاني ذكره ابن حبان في «الثقات» وفي التهذيب عن النسائي،
قال: ثقة.
فلا أدري أهذا سهو آخر على النسائي، أم هو قول آخر له؟
وفي التاريخ الكبير للبخاري (4: 2: 413) : «قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ:
سألت عبد الرزاق عنه، فقال: كان خيرا من عين بقة! فظننت أنه لا شيء» ! و
«عين بقة هذه غلط فأتت على مصححي الكتاب، وصحفها بعضهم إلى غير ثقة، وصحتها
عن «التاريخ الصغير» (214) : «قال أحمد:
قال عبد الرزاق: يونس بن سليم خير من برق. يعني عمرو بن برق، قال أحمد:
فلما ذكر هذا عند ذاك علمت أن ذا ليس بشيء» .
وعمرو بن برق: هو عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ بن الأسوار اليماني، وفيه ضعف،
فالظاهر أن توثيق ابن حبان ليونس بن سليم صحيح لأن عبد الرزاق فضله على
عمرو بن برق، ثم وجدت الحديث رواه الحاكم في «المستدرك» (1: 535) بإسنادين،
أحدهما من طريق المسند، وصححه ووافقه الذهبي فهذا موافقة من الحاكم والذهبي
عن توثيق يونس بن سليم» .
[ (11) ] الآية الكريمة (16) من سورة القيامة.
[ (12) ] أخرجه البخاري في: كتاب بدء الوحي (1: 4) عن موسى بن إسماعيل،
وأبي عوانة، وفي كتاب التوحيد (9: 187) عن قتيبة بن سعيد، عن أبي عوانة، عن
موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير.
(7/56)
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة [ (13) ] .
__________
[ () ] وأخرجه مسلم في: 4- كتاب الصلاة (32) باب الاستماع للقراءة، ح (148)
، ص (1:
330) عن إسحاق بن إبراهيم، وقتيبة وغيرهما، عن جرير، وعن قتيبة، عن أبي
عوانة، كلاهما عن موسى بن أبي عائشة.
وأخرجه الترمذي مختصرا في كتاب التفسير (5: 430) من حديث سفيان بن عيينة،
عن موسى، عن سعيد، عن ابن عباس، وقال: «حسن صحيح» .
وبهذا الإسناد أخرجه النسائي في الافتتاح (2: 149) .
وأخرجه ابن حبان في صحيحه في: 2- كتاب الوحي الحديث (39) ، ص (1: 124) من
تحقيقنا.
[ (13) ] لم يذكر المصنف حديث عائشة في الوحي الذي أخرجه البخاري في أول
كتاب الوحي، وفي كتاب التعبير ومسلم في كتاب الإيمان (1: 139) ، والترمذي،
والنسائي في التفسير، وأحمد في «مسنده» (6: 232) ، ونصه كما يلي من
البخاري:
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه
وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق
الصبح. ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- وهو التعبد-
الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة
فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ،
قال:
ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال:
اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم
أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني
فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ
عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه
وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زملوني
زملوني. فزملوه حتى ذهب عنه الروع. فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت
على نفسي. فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرحم،
وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به
خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى- ابن عم خديجة- وكان
امرءا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل
بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة:
يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره
رسول الله صلّى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي
نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أو مخرجيّ هم؟ قال نعم، لم يأت رجل قط
بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب
ورقة أن توفى، وفتر الوحي.
(7/57)
بَابُ فُتُورِ الْوَحْيِ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَتْرَةً حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ وَأَحْزَنَهُ،
وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ آثَارُ ذَلِكَ،
وَنَزَلَ قَوْلُهُ- عَزَّ وَجَلَّ-[ (1) ] وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا
سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى [ (2) ] .
وَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ، وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [ (3)
] . وَقَوْلِهِ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.. إِلَى قَوْلِهِ
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ
الْخُوَارِزْمِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا [ (5) ] أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
حَمْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَسْوَدِ
بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ
قُرَيْشٍ: قَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ. فَنَزَلَتْ: وَالضُّحى،
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ [ (6)
] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ
حَفْصِ، بْنِ الْحَمَّامِيِّ
__________
[ (1) ] في (أ) و (ح) : «تعالى» .
[ (2) ] الآيات الكريمات (1- 3) من سورة الضحى.
[ (3) ] الآية الكريمة (64) من سورة مريم.
[ (4) ] أول سورة الانشراح.
[ (5) ] هذا التعبير «قال أخبرنا» «وقال حدثنا» هو من نسختي (ف) و (ك) .
أما في (ح) و (أ) فمباشرة «أخبرنا» سوى لفظ القول.
[ (6) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ في أبواب التهجد (باب)
ترك القيام للمريض، الحديث (1125) ، فتح الباري (3: 8) .
(7/58)
الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ محمد بن بشير السَّقَطِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي.، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا،
زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ
سُفْيَانَ، قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَجَاءَتْهُ. امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا
مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ
أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ-
عَزَّ وَجَلَّ- وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ
وَما قَلى.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ،
وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عن زهير
[ (7) ] .
__________
[ (7) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة الضحى، الحديث
(4950) ، فتح الباري (8: 710) ، وأخرجه مسلم في الصحيح (1: 143) ، قال
العيني:
هذا طريق آخر في حديث جندب أخرجه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ هو
بُنْدَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ هو غندر بضم الغين المعجمة وسكون
النون وضم الدال وفتحها وكلاهما لقب قوله قالت امرأة قيل أنها خديجة رضي
الله تعالى عنها وقال الكرماني فإن قلت المرأة كانت كافرة فكيف قَالَتْ يَا
رَسُولَ اللهِ قلت قالت اما استهزاء واما أن يكون هو من تصرفات الراوي
إصلاحا للعبارة وقال بعضهم بعد أن نقل كلام الكرماني هو موجه لأن مخرج
الطريقين واحد قلت اما قول الكرماني المرأة كانت كافرة فيه نظر فمن أين علم
انها كانت كافرة في هذا الطريق نعم كانت كافرة في الطريق الأول لأنه صرح
فيه بقوله اني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك وهذا القول لا يصدر عن مسلم
ولا مسلمة وهنا قال صاحبك وقال يا رسول الله ومثل هذا لا يصدر عن كافر وقول
بعضهم هذا موجه لأن مخرج الطريقين واحد فيه نظر أيضا لأن اتحاد المخرج
يستلزم أن يكون هذه المرأة هنا بعينها تلك المرأة المذكورة هناك على أن
الواحدي ذكر عن عروة وابطأ جبريل عليه الصلاة والسلام على النبي صلّى الله
عليه وسلم فخرج جزعا شديدا فقالت خديجة قد قلاك ربك لما يروى من جزعك فنزلت
وهي في تفسير محمد بن جرير عن جندب بن عبد الله فقالت امرأة من أهله ومن
قومه ودع محمدا فإن قلت ذكر ابن بشكوال ان القائل بذلك للنبي صلّى الله
عليه وسلم عائشة أم المؤمنين قال ذكره ابن سيد في تفسيره قلت هذا لا يصح
لأن هذه السورة مكية بلا خلاف واين عائشة حينئذ.
قوله الا ابطأ عنك وكأنه وقع في نسخة الكرماني ابطأك ثم تكلف في نقل كلام
والجواب عنه فقال قيل الصواب ابطأ عنك وابطأ بك أو عليك أقول وهذا ايضا
صواب اذمعناه ما أرى صاحبك يعني
(7/59)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ،، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ خَدِيجَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا أَبْطَأَ عَلَى رسول
الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ، جَزِعَ مِنْ ذَلِكَ جَزَعًا
شَدِيدًا فَقُلْتُ لَهُ مِمَّا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ: لَقَدْ قَلَاكَ
رَبُّكَ مِمَّا يَرَى مِنْ جَزَعِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: مَا
وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى.
قُلْتُ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ انْقِطَاعٌ فَإِنْ صَحَّ فَقَوْلُ
خَدِيجَةَ يَكُونُ عَلَى طَرِيقِ السُّؤَالِ أَوِ الِاهْتِمَامِ بِهِ] [
(8) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ
بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ أَبِي عِيسَى
الدَّرَابَجِرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ
الطَّنَافِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ
تَزُورَنَا أَكْثَرَ، مِمَّا تَزُورُنَا. فَنَزَلَتْ: وَما نَتَنَزَّلُ
إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ.. [ (9) ] إلى آخر الآية.
__________
[ () ] جبريل الا جعلك بطيئا في القراءة لأن بطأه في الأقراء إبطاء في
قراءته أو هو من باب حذف حرف الجر وإيصال الفعل به وهنا فصلان.
(الأول) مدة احتباس جبريل عليه الصلاة والسلام فعن ابن جريج اثنا عشر يوما
وعن ابن عباس خمسة عشر يوما وعنه خمسة وعشرين يوما وعن مقاتل أربعون يوما
وقيل ثلاثة أيام.
(والثاني) سبب الاحتباس ففيه اقوال ف
عن خولة خادمة النبي صلى الله عليه وسلم ان جروا دخل البيت فمات تحت السرير
فَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا لا ينزل
عليه الوحي فقال يا خولة ماذا حدث في بيتي قالت فقلت لو هيأت البيت وكنسته
فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا شيء ثقيل فنظرت فإذا جر وميت فألقيته
فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يرعد لحياه فقال يا خولة دثريني
فنزلت والضحى وعن مقاتل لما أبطأ الوحي قال الْمُسْلِمُونَ يَا رَسُولَ
اللهِ تلبث عليك الوحي فقال كيف ينزل عليّ الوحي وأنتم لا تنفقون براجمكم
ولا تقلمون أظفاركم وعن ابن إسحاق ان المشركين سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلم عن الخضر وذي القرنين والروح فوعدهم بالجواب الى غد ولم
يستثن فأبطأ جبرائيل عليه الصلاة والسلام اثنتي عشرة ليلة وقيل أكثر من ذلك
فقال المشركون ودعه ربه فنزل جبرائيل عليه الصلاة والسلام بسورة والضحى
وبقوله ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا انتهى فإن قلت هذا يعارض رواية
جندب قلت لا إذ يكون جوابا لذينك الشيئين أو جوابا لمن قال كائنا من كان.
[ (8) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ف) .
[ (9) ] الآية الكريمة (64) من سورة مريم.
(7/60)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ
الْبَغَوِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ
الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ
بْنُ ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي
الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، فَذَكَرَهُ
بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
كَامِلٍ القاضي، أخبرنا أحمد ابن سَعِيدٍ الْجَمَّالُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن الأوراعي، عَنِ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ
مَا هُوَ مَفْتُوحٌ عَلَى أُمَّتِي بَعْدِي، كَفْرًا كَفْرًا فَسَرَّنِي
ذَلِكَ.
فَنَزَلَتْ: وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما
قَلى. إِلَى قَوْلِهِ:.. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى.
قَالَ: أُعْطِيَ أَلْفَ قَصْرٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ، تُرَابُهَا الْمِسْكُ، فِي
كُلِّ قَصْرٍ مَا ينبغي
__________
[ (10) ] وانفرد ابن حبان بحديث رواه عن أبي يعلي، عن وهب بن بقية، عَنْ
خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن عبد الرحمن أبو الهيثم، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قال: أتاه رجل وأنا أسمع،
فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! كم انقطع الوحي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم
قبل موته؟ فقال ما سألني عن هذا أحد مذ وعيتها من أنس بن مالك، قال أنس بن
مالك: «لقد قبض من الدنيا وهو أكثر مما كان» .
ويقصد ابن حبان بذلك أن الوحي لم ينقطع عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أن أخرجه من الدنيا إلى جنته.
وفي صحيح البخاري (6: 224) عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسِ
بْنُ مَالِكٍ- رَضِيَ اللهُ عنه- أن الله تعالى تابع عَلَى رَسُولِهِ
صَلَّى اللهُ عليه وسلم الوحي قبل وفاته حتى توفّاه أَكْثَرُ مَا كَانَ
الْوَحْيُ، ثم تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعْدَ» .
وهذا الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 54- كتاب التفسير، صفحة (2312)
عن الزهري، وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ،
والإمام أحمد في «مسنده» (3: 236) عَنْ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن صالح، عن الزهري.
وقال البدر العيني (20: 14) : «تابع أي أنزل الله تعالى الوحي متتابعا
متواترا أكثر ما كان، وكان ذلك قرب وفاته، وقوله: حتى توفاه أكثر ما كان
الوحي أي الزمان الذي وقعت فيه وفاته كان نزول الوحي فيه أكثر من غيره من
الأزمنة» .
(7/61)
لَهُ.. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ
أَبَا عَلِيٍّ الْحَافِظَ يَقُولُ: لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ
غَيْرُ قَبِيصَةَ. وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ: عَنِ الثَّوْرِيِّ،
فَوَقَفَهُ.
قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ سَعْدٍ عن سُفْيَانَ مَرْفُوعًا.
وأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ،
عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ
عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ
مُرْسَلًا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ ابن مَخْلَدٍ
الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ، عَلَى مِصْرَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ مَعَهُ فَتَمَثَّلَ مَسْلَمَةُ بِبَيْتٍ
مِنْ شِعْرِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ رَأَى مَا
نَحْنُ فِيهِ الْيَوْمَ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ وَكَرَامَتِهِ، لَعَلِمَ أَنَّ
ابْنَ أَخِيهِ سَيِّدٌ قَدْ جَاءَ بِخَيْرٍ كَثِيرٍ.
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنَ عَمْرٍو: وَيَوْمَئِذٍ قَدْ كَانَ سَيِّدًا
كَرِيمًا قَدْ جَاءَ بِخَيْرٍ كَثِيرٍ.
فَقَالَ مَسْلَمَةُ: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَلَمْ يَجِدْكَ
يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى، وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى.
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: أَمَّا الْيَتِيمُ، فَقَدْ كَانَ
يَتِيمًا مِنْ أَبَوَيْهِ، وَأَمَّا الْعَيْلَةُ، فَكُلُّ مَا كَانَ
بِأَيْدِي الْعَرَبِ إِلَى الْقِلَّةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ وسليمان
ابن حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ، عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ، أَظُنُّهُ، عَنْ سعيد
(7/62)
ابن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: سَأَلْتُ رَبِّي- عَزَّ وَجَلَّ-
مَسْأَلَةً وَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ إِيَّاهَا، قُلْتُ:
يَا رَبِّ. إِنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلِي رُسُلٌ، مِنْهُمْ من كان يحي
الْمَوْتَى، وَمِنْهُمْ مَنْ سَخَّرْتَ لَهُ الرِّيحَ. قَالَ: أَلَمْ
أَجِدْكَ ضَالًّا فَهَدَيْتُكَ. قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ. [قَالَ: أَلَمْ
أَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَيْتُكَ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ] [ (11) ] قَالَ:
أَلَمْ أَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، أَلَمْ أَضَعْ عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي
أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، أَلَمْ أَرْفَعْ لَكَ ذِكْرَكَ، قُلْتُ: بَلَى يَا
رَبِّ!
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ. زَادَ عَارِمٌ، فِي
آخِرِهِ، قَالَ: فَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ،
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ.. قَالَ: لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ: أَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي، وَاللهُ أَعْلَمُ، ذِكْرَهُ عِنْدَ
الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَالْآذَانِ، وَيُحْتَمَلُ ذِكْرُهُ عِنْدَ تِلَاوَةِ
الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ الْعَمَلِ بِالطَّاعَةِ وَالْوُقُوفِ عَنِ
الْمَعْصِيَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي
قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ-: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ. قَالَ: رَفَعَ اللهُ
ذِكْرَهُ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَلَيْسَ خَطِيبٌ وَلَا مُتَشَهِّدٌ
وَلَا صَاحِبُ صَلَاةٍ إِلَّا يُنَادِي بِهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ..
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْدُونُ السِّمْسَارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْأَزْرَقُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حسّان بن
__________
[ (11) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ف) وكذا في (ح) ، وأثبته من (أ) ، و (ك)
.
(7/63)
إِبْرَاهِيمَ الْكِرْمَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ، وَلِقَوْمِكَ.. [ (12) ] قَالَ: شَرَفٌ
لَكَ وَلِقَوْمِكَ، وَفِي قَوْلِهِ: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً
فِيهِ ذِكْرُكُمْ.. [ (13) ] ، قال: فيه شرفكم.
__________
[ (12) ] الآية الكريمة (44) من سورة الزخرف.
[ (13) ] الآية الكريمة (10) من سورة الأنبياء.
(7/64)
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ مَنْ رَأَى
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ.
قَدْ ذَكَرْنَا فِيهَا أَخْبَارًا فِي ذِكْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ هَذَا
الْكِتَابِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَئِينِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ، قَالَ:
رَأَيْتُ الْغُبَارَ سَاطِعًا فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبَ
جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- حِينَ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي مَوْكِبِ جِبْرِيلَ حِينَ
سَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ،
عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 59- كتاب بدء الخلق، (6) باب ذكر الملائكة،
الحديث (3214) عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فتح الباري (6: 304) ،
وأعاده في 64- كتاب المغازي (30) باب مرجع
(7/65)
وَذَكَرْنَا،
عَنْ مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَغَيْرِهِ أَنَّ رسول الله صلى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي أَثَرٍ فَمَرَّ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي
غَنْمٍ، فَسَأَلَهُمْ: مَرَّ عَلَيْكُمْ فَارِسٌ آنِفًا؟ قَالُوا: مَرَّ
عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، عَلَى فَرَسٍ أَبْيَضَ، تَحْتَهُ نَمَطٌ
أَوْ قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ، عَلَيْهِ اللَّأْمَةُ، فَذَكَرُوا أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ.
وَكَانَ يُشَبِّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ بِجِبْرِيلَ- عَلَيْهِ
السَّلَامُ-
[ (2) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ الْحَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ هُوَ ابْنُ
غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا فَرَغَ مِنَ
الْأَحْزَابِ، دَخَلَ مُغْتَسَلًا لِيَغْتَسِلَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ،
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ، وَمَا وَضَعْنَا،
أسلحتنا. انهد إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ، يَا رَسُولَ
اللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ
التُّرَابُ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْبَزَّازُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ
الْقَوَارِيرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ
صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى بِرْزُونَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ
طَرْفُهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: رَأَيْتِيهِ. ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ [
(4) ] .
__________
[ () ] النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْأَحْزَابِ وَمَخْرَجِهِ إلى
بني قريظة، الحديث (4118) ، فتح الباري (7: 407) .
وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 173) و (3: 213) .
[ (2) ] انظر مسند الإمام أحمد (2: 107) و (3: 334) و (6: 94، 141، 146) .
[ (3) ] تقدم في ختام غزوة الأحزاب، وانظر فهرس الأحاديث.
[ (4) ] طبقات ابن سعد (8: 44) .
(7/66)
رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ.
وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَدْ أَخْرَجْنَاهُ فِي الْفَضَائِلِ.
(7/67)
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ أُمِّ
سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ
النَّهْدِيُّ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: لَا تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ
أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا،
فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصُبُ رَايَتَهُ، أَوْ
كَمَا قَالَ: وَثَبُتَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ
قَالَ: فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى
الله عليه وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: مَنْ هَذَا؟ أَوْ كَمَا قَالَتْ:
قُلْتُ: هَذَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ قَالَ: فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: مَا
حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلم يُخْبِرُ جِبْرِيلَ، أَوْ كَمَا قَالَ: فَقُلْتُ: لِأَبِي
عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟. قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ،
عَنِ الْمُعْتَمِرِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بن عبد الأعلى
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، (25) باب علامات النبوة في
الإسلام، الحديث (3634) ، فتح الباري (6: 629) عن العباس بن الوليد النرسي،
وأخرجه البخاري أيضا في أول كتاب فضائل القرآن عَنْ مُوسَى بْنِ
إِسْمَاعِيلَ.
وأخرجه مسلم في فضائل أم سلمة عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى كلاهما عن معتمر.
(7/68)
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ
فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ-
عَلَيْهِ السَّلَامُ-
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ يَعْمَرَ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا: لَقِينَا
عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرْنَا لَهُ الْقَدَرَ وَمَا يَقُولُونَ
فِيهِ، فَقَالَ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ فَقُولُوا لَهُمْ إِنَّ ابْنَ
عُمَرَ مِنْكُمْ بَرِيءٌ، وأنتم منه برءاء ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ
عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ
حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الشَّعْرِ عَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضٍ، فَنَظَرَ
الْقَوْمُ. بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: مَا نَعْرِفُ هَذَا. وَلَا
هَذَا صَاحِبُ سَفَرٍ. ثُمَّ
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ آتِيكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَجَاءَ فَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى
فَخِذَيْهِ.
فَقَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ شَهَادَةِ أَنَّ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ،
وَتُقِيمُ الصَّلَاةِ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ،
وَتَحُجُّ الْبَيْتَ.
قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ،
وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَالْبَعْثِ بِعْدَ الْمَوْتِ، وَالْقَدَرِ
كُلِّهِ.
قَالَ: فَمَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ،
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ.
(7/69)
قَالَ: فَمَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: ما
المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ.
قَالَ: فَمَا أَشْرَاطُهَا؟ قَالَ أَنْ تَرَى [ (1) ] الْحُفَاةَ
الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ، يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، وَوَلَدَتِ
الْإِمَاءُ أَرْبَابَهُنَّ.
ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ بِالرَّجُلِ: فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا.
فَلَبِثَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ
قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ عَنْ كَذَا،
وَكَذَا؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ.
جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. [وَذَكَرَ الْحَدِيثَ] [ (2) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
[ (3) ] .
وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ كَهْمَسِ [ (4) ] بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ
بُرَيْدَةَ، قَالَ فِيهِ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ،
شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يرى عليه أسر السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ
فِينَا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه
وَسَلَّمَ وَقَالَ فِي كُلِّ مَا نَجِيبُهُ بِهِ: صَدَقْتَ، قَالَ:
فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم يَوْمًا بَارِزًا
لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ. مَا الْإِيمَانُ؟
..
وَقَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ
الرَّجُلَ فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوا فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ
النَّاسَ دِينَهُمْ.
أَخْرَجَاهُ في الصحيح [ (5) ] .
__________
[ (1) ] في (ك) : «إذا رأيت» .
[ (2) ] سقطت من (ك) .
[ (3) ] هذه الرواية عند مسلم (1: 38) وسيأتي تخريجه بعد قليل.
[ (4) ] رواية كهمس عند مسلم (1: 36) وانظر الحاشية التالية.
[ (5) ] أخرجه البخاري في: 2- كتاب الإيمان (37) باب سؤال جِبْرِيلُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم
الساعة، وبيان النبي صلى الله عليه وسلم له، الفتح (1: 114) من طريق: مسدد
عن إسماعيل، وأخرجه أيضا في التفسير عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عن
جرير كلاهما عن أبي حيان، ثم أخرجه في الزكاة مختصرا عن عبد الرحيم، عن
عقيل، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي حيان.
وقد أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ ولم يخرجه البخاري لاختلاف فيه على
(7/70)
__________
[ () ] بعض رواته فمشهوره رواية كهمس بن الحسن عن عبد الله عن بريدة بن
يحيى بن يعمر عن عبد الله ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما،
وأخرجه مسلم في الإيمان وأخرجه أبو داود أيضا في السنة، عن عبيد الله بن
معاذ به، وعن مسدد عن يحيى بن سعيد به، وعن محمود بن خالد عن الفريابي عن
سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن يحيى بن يعمر بهذا الحديث
يزيد وينقص، وأخرجه الترمذي في الإيمان عن أبي عمار الحسين بن حريث الخزاعي
عن وكيع به.
وعن محمد بن المثنى عن معاذ بن معاذ به وعن أحمد بن محمد عن ابن المبارك عن
كهمس به، وقال: حسن صحيح، وأخرجه النسائي في الإيمان عن إسحاق بن إبراهيم
عن النضر بن شميل عن كهمس به، وأخرجه ابن ماجة في السنة عن علي بن محمد عن
وكيع به، قلت: رواه عن كهمس جماعة من الحفاظ، وتابعه مطر الوراق عن عبيد
الله بن بريدة، وأخرجهما أبو عوانة في صحيحه، وسليمان التيمي عن يحيى بن
يعمر، أخرجهما ابن خزيمة في صحيحه وكذا رواه عثمان وعبد الله بن بريدة لكنه
قال: يحيى بن يعمر، وحميد بن عبد الرحمن معا عن ابن عمر عن عمر رضي الله
عنه، وأخرجه أحمد في مسنده وقد خالفهم سليمان بن بريدة أخو عبد الله فرواه
عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن عمر قال بينما «نحن عند النبي صلّى الله
عليه وسلم» فجعله من مسند ابن عمر لا من روايته عن أبيه، وأخرجه أحمد أيضا
وكذا رواه أبو نعيم في الحلية من طريق عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر وكذا
روى من طريق عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر أخرجهما الطبراني وفي
الباب عن أنس رضي الله عنه، وأخرجه البزار بإسناد حسن وعن جرير البجلي
أخرجه أبو عوانة في صحيحه، وعن ابن عباس وأبي عامر الأشعري أخرجهما أحمد
بإسناد حسن.
(بيان اختلاف الروايات فيه) قوله «كان النبي صلّى الله عليه وسلم بارزا
يوما للناس» ، وفي رواية أبي داود عن أبي فروة «كان رسول الله صلّى الله
عليه وسلم يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل فطلبنا
الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه
قال فبنينا له دكانا من طين يجلس عليه وكنا نجلس بجنبه» واستنبط منه
القرطبي استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا احتاج لذلك
لضرورة تعليم ونحوه قوله: «فأتاه رجل» وفي التفسير للبخاري «إذ أتاه رجل
يمشي» وفي رواية النسائي عن أبي فروة «فأنا لجلوس عنده إذ أقبل رجل أحسن.
الناس وجها وأطيب الناس ريحا كأن ثيابه لم يمسها دنس» وفي رواية مسلم من
طريق كهمس من حديث عمر رضي الله عنه «بينما نحن ذات يوم عند رسول الله صلّى
الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر» وفي
رواية ابن حبان هنا «شديد سواد اللحية لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا
أحد حتى جلس الى النبي صلّى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه الى ركبتيه ووضع
كفيه على فخذيه» ولسليمان التيمي «ليس عليه سحناء سفر وليس من البلد فتخطى
حتى برك بين يدي النبي عليه السّلام كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده
على ركبتي النبي عليه السّلام» قلت السحناء بفتح السين والحاء المهملتين
والنون وهي الهيئة وكذلك السحنة بالتحريك قال أبو عبيدة لم أسمع أحدا
يقولها أعني السحناء بالتحريك غير الفراء قوله «فقال ما الإيمان» وزاد
البخاري في التفسير «فقال يا رسول الله ما الإيمان» قوله
(7/71)
__________
[ () ] «أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله» وفي رواية الأصيلي واتفقت
الرواة على ذكرها في التفسير قوله «وبلقائه» وكذا وقعت هنا بين الكتب
والرسل وكذا لمسلم من الطريقين ولم يقع في بقية الروايات ووقع في حديثي أنس
وابن عباس «وبالموت وبالبعث بعد الموت» قوله «ورسله» وفي رواية الأصيلي
«وبرسوله» ووقع في حديث أنس وابن عباس رضي الله عنهم «والملائكة والكتاب
والنبيين» وكذا في رواية النسائي عن أبي ذر وعن أبي هريرة قوله: «وتؤمن
بالبعث» زاد البخاري في التفسير «وبالبعث الآخر» وفي رواية مسلم في حديث
عمر رضي الله عنه «واليوم الآخر» وزاد الاسماعيلي في مستخرجه هنا «وتؤمن
بالقدر» وهي رواية أبي فروة ايضا. وفي رواية كهمس وسليمان التيمي «وتؤمن
بالقدر وخيره وشره» وكذا في حديث ابن عباس وكذا لمسلم في رواية عمارة بن
القعقاع وأكده بقوله في رواية عطاء عن ابن عمر بزيادة «حلوه ومره في الله»
قوله: «وتصوم رمضان» وفي حديث عمر رضي الله عنه «وتحج البيت إن استطعت إليه
سبيلا وكذا في حديث أنس في رواية عطاء الخراساني لم يذكر الصوم وفي حديث
أبي عامر ذكر الصلاة والزكاة فحسب ولم يذكر في حديث ابن عباس غير الشهادتين
وفي رواية سليمان التيمي ذكر الجميع وزاد بعد قوله «وتحج البيت وتعتمر
وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء» وفي رواية مطر الوراق «وتقيم الصلاة وتؤتي
الزكاة» وفي رواية مسلم «وتقيم الصلاة المكتوبة» قوله: «أن تعبد الله كأنك
تراه» وفي رواية عمارة بن القعقاع ان تخشى الله كأنك تراه وفي رواية أبي
فروة «فإن لم تره فإنه يراك» قوله «ما المسئول عنها بأعلم من السائل» وفي
رواية أبي فروة «فنكس فلم يجبه ثم أعاده فلم يجبه شيئا ثم رفع رأسه قال ما
المسؤول» قوله: «سأخبرك» وفي التفسير «سأحدثك» قوله: «عن أشراطها» وفي حديث
عمر رضي الله عنه «قال فأخبرني عن أماراتها» وفي رواية أبي فروة «ولكن لها
علامات تعرف بها» وفي رواية سليمان التيمي «ولكن إن شئت عن أشراطها قال
أجل» ونحوه في حديث ابن عباس وزاد «فحدثني» قوله «إذا ولدت الأمة ربها» وفي
التفسير «ربتها» بتاء التأنيث وكذا في حديث عمر رضي الله عنه وفي رواية
«إذا ولدت الأمة بعلها» يعني السراري وفي رواية عمارة «إذا رأيت الأمة تلد
ربتها» ونحوه لأبي فروة وفي رواية عثمان بن غياث «إذا ولدت الإماء اربابهن»
بلفظ الجمع قوله «رعاة الإبل البهم» بضم الباء الموحدة وفي رواية الأصيلي
بفتحها وفي رواية مسلم «رعاء البهم» وفي رواية «وأن ترى الحفاة العراة
العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان» وزاد الإسماعيلي في رواية «الصم
البكم» قوله: «في خمس» وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما «سبحان الله خمس»
وفي رواية عطاء الخراساني قال: «فمتى الساعة قال هي في خمس من الغيب لا
يعلمها إلا الله» قوله: «والآية» وفي رواية الاسماعيلي «وتلا الآية الى آخر
السورة «وفي رواية مسلم «الى قوله خيبر» وكذا في رواية أبي فروة ووقع
للبخاري في التفسير «الى الأرحام» قوله «فقال ردوه» وزاد في التفسير
«فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا» قوله: «جاء يعلم» وفي التفسير «ليعلم» وفي
رواية الاسماعيلي «أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا» ومثله لعمارة وفي رواية
أبي فروة «والذي بعث محمدا بالحق ما كنت بأعلم به من رجل منكم وانه لجبريل»
وفي حديث أبي عامر
(7/72)
__________
[ () ] «ثم ولي فلم نر طريقه قال النبي عليه السّلام «فسبحان الله هذا
جبريل جاء ليعلم الناس دينهم والذي نفس محمد بيده ما جاءني قط إلا وأنا
أعرفه إلا أن تكون هذه المرة» وفي رواية سليمان التيمي «ثم نهض فولى فقال
رسول الله صلّى الله عليه وسلم علي بالرجل فطلبناه كل مطلبة فلم يقدر عليه
فقال هل تدرون من هذا هذا جبريل عليه السّلام أتاكم ليعلمكم دينكم خذوا عنه
فو الذي نفسي بيده ما اشتبه عليّ منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى
ولى» وفي حديث عمر رضي الله عنه «قال ثم انطلق فلبث مليا ثم قال يا عمر
أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم»
هذا لفظ مسلم وفي رواية الترمذي قال عمر رضي الله عنه «فلقيني رسول الله
صلّى الله عليه وسلم بعد ثلاث فقال يا عمر هل تدري من السائل» الحديث
وأخرجه أبو داود بنحوه وفيه «فلبثت ثلاثا» وفي رواية أبي عوانة «فلبثنا
ليالي فلقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد ثلاث» وأخرجه مسلم في:
كتاب الإيمان (1) باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ... (1: 39) من طريق
أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب. جميعا عن ابن علية. وعن محمد بن عبد
الله بن نمير، عن محمد بن بشر، عن أبي حيان، وعن زهير عن جرير عن عمارة
كلاهما عن أبي زرعة، وأخرجه ابن ماجة في المقدمة بتمامه (9) باب في
الإيمان، (1: 24- 25) ، وأخرجه أيضا في الفتن ببعضه عن أبي بكر بن أبي
شيبة، وأخرجه أبو داود في كتاب السنة عن عثمان عن جرير عن أبي فروة
الهمداني، عن أبي زرعة، عن أبي ذر وأبي هريرة، ومن طريق عبيد الله بن معاذ
عن أبيه عن كهمس عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر (4: 223- 224- 225) ، وأخرجه
الإمام أحمد في مسنده (1: 27- 28- 51- 52- 53) ، (3: 107) .
(7/73)
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ حَارِثَةَ
بْنِ النُّعْمَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَالِسًا فِي
الْمَقَاعِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ
رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ
النُّعْمَانِ. قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَالِسٌ فِي
الْمَقَاعِدِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَمَرَرْتُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا
وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي:
هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي كَانَ مَعِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: فَإِنَّهُ
جِبْرِيلُ، وَقَدْ رَدَّ عليك السّلام [ (1) ] .
__________
[ (1) ] حارثة بن النعمان بن نفيع، ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فيمن شهد
بدرا، له ترجمة في الإصابة (1:
298) وذكر هذا الحديث وعزاه للإمام أحمد وللطبراني.
(7/74)
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ عَبَّاسٍ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ
الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَعَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ، فَكَانَ كَالْمُعْرِضِ عَنِّي،
فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ: يَا بُنَيَّ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ابْنَ عَمِّكَ
كَانَ كَالْمُعْرِضِ عَنِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي فرك فَقُلْتُ يَا
أَبَاهُ. إِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ: كَذَا، وَكَذَا، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ
عِنْدَكَ رَجُلٌ تُنَاجِيهِ وَيُنَاجِيكَ، فَهَلْ كَانَ عِنْدَكَ أَحَدٌ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَلْ رَأَيْتَهُ
يَا عَبْدَ اللهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ. هُوَ الَّذِي كَانَ يشغلني عنك
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9: 276) وقال: «رواه أحمد
والطبراني بأسانيد ورجالهما رجال الصَّحِيحِ.
(7/75)
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ
الْأَنْصَارِيِّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَدِيثِهِ مَعَهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سعيد
بن أبي عمرو، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ
جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عَادَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ،
فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَنْزِلِهِ، سَمِعَهُ يَتَكَلَّمُ فِي الدَّاخِلِ،
فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ دَخَلَ، فَلَمْ يَرَ أَحَدًا. قَالَ لَهُ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْتُكَ تُكَلِّمُ
غَيْرَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ- لَقَدْ دَخَلْتُ الدَّاخِلَ
اغْتِمَامًا بِكَلَامِ النَّاسِ مِمَّا بِي مِنَ الْحُمَّى. فَدَخَلَ
عَلَيَّ دَاخِلٌ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ بَعْدَكَ أَكْرَمَ مَجْلِسًا
وَلَا أَحْسَنَ حَدِيثًا مِنْهُ، قَالَ: ذَلِكَ جِبْرِيَلُ. وَإِنَّ
مِنْكُمْ لَرِجَالًا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يُقْسِمُ عَلَى اللهِ لا برّه.
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَذَكَرَهُ
بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
(7/76)
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ مُحَمَّدِ
بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
الْمُؤَمَّلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَرُوبَةَ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ
السُّلَمِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ
مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
مَسْلَمَةَ، قَالَ: مَرَرْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، وَاضِعًا خَدَّهُ عَلَى خَدِّ رَجُلٍ، قَالَ:
فَذَهَبْتُ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ نَادَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه
وَسَلَّمَ قَالَ: فَقُمْتُ لَهُ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَا مَنَعَكَ
أَنْ تُسَلِّمَ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ!
رَأَيْتُكَ فَعَلْتَ بِهَذَا الرَّجُلِ شَيْئًا مَا فَعَلْتَهُ بِأَحَدٍ
مِنَ النَّاسِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْطَعَ عَلَيْكَ حَدِيثَكَ، فَمَنْ كَانَ
يَا رَسُولَ اللهِ يُكَلِّمُكَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ: لَمْ يُسَلِّمْ. أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَرَدَدْنَا
عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: وَمَا قَالَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قال: ما زال جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى كُنْتُ أَنْتَظِرُ
مَتَى يَأْمُرُنِي فأورّثه
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] عباد بن موسى السعدي- أحد رواة الحديث- لم يوثقه غير ابن حبان،
والحسن البصري لم يسمع من محمد بن مسلمة ونهاية الحديث ثابتة في البخاري
ومسلم.
(7/77)
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ حُذَيْفَةَ
بْنِ الْيَمَانِ الْمَلَكَ الَّذِي رُوِيَ أَنَّهُ أَسْتَأْذَنَ رَبَّهُ
فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابُ،
قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَلِيٍّ الرَّفَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ
الْأَشَجُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ
حَبِيبٍ النَّهْرِيِّ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بْنِ
حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ خَرَجَ فَتَبِعْتُهُ،
فَإِذَا عَارِضٌ قَدْ عَرَضَ لَهُ، فَقَالَ لِي: «يَا حُذَيْفَةُ هَلْ
رَأَيْتَ الْعَارِضَ الَّذِي عَرَضَ لِي» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «ذَاكَ
مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَسْتَأْذَنَ رَبَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيَّ،
وَيُبَشِّرُنِي بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ أَنَّهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ
أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ» . لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ، وَقَدْ
أَخْرَجْتُهُ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ بِطُولِهِ
[ (1) ] .
زَادَ ابْنُ قَتَادَةَ: لَمْ يَهْبِطْ إِلَى الْأَرْضِ قَبْلَهَا، -
يَعْنِي الْمَلَكَ- وَرُوِّينَا فِي قِصَّةِ الْأَحْزَابِ أَنَّ حُذَيْفَةَ
رَأَى جَمَاعَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي بَعَثَهُ
فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم طليعة.
__________
[ (1) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (3: 381) ، وقال الذهبي: «صَحِيحٌ» .
(7/78)
بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ عِمْرَانَ
بْنِ حُصَيْنٍ الْمَلَائِكَةَ، وَتَسْلِيمِهِمْ عَلَيْهِ وَذَهَابِهِمْ
عَنْهُ حِينَ اكْتَوَى، وَعَوْدِهِمْ إليه بعد ما تَرَكَهُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ، عَنْ مطرف ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ
قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ذَاتَ يَوْمٍ: إِذَا أَصْبَحْتَ
فَاغْدُ عَلَيَّ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لِي: مَا
غَدَا بِكَ؟ قُلْتُ:
الْمِيعَادُ. قَالَ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا
فَاكْتُمْهُ عَلَيَّ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَا أُبَالِي أَنْ تُفْشِيَهُ
عَلَيَّ.
(فَأَمَّا) الَّذِي تَكْتُمُ عَلَيَّ، فَإِنَّ الَّذِي كَانَ انْقَطَعَ
قَدْ رَجَعَ، يَعْنِي تَسْلِيمَ الْمَلَائِكَةِ.
(وَالْآخَرُ) تَمَتُّعُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ فِيهَا رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مسلم
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم في: 15- كتاب الحج، (23) باب جواز التمتع، الحديث (171)
، ص (2:
900) عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عبد المجيد،
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عن محمد ابن وَاسِعٍ، عَنْ مُطَرِّفِ
بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ،
فَذَكَرَهُ.
(7/79)
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ، بْنِ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ، الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شَبَابَةُ، قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ.
(ح)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ
اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ
الْعَدَوِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الشِّخِّيرِ يُحَدِّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ لِي:
أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ
[ (2) ] ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ،
وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ انْقَطَعَ
عَنِّي، فَلَمَّا تَرَكْتُ عَادَ إِلَيَّ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ
[ (3) ] .
وَفَى رِوَايَةِ شَبَابَةَ: وَأَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ حَتَّى
اكْتَوَيْتُ، فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ، رُفِعَ عَنِّي ذَلِكَ، فَلَمَّا
تَرَكْتُ ذَلِكَ عَادَ إِلَيِّ، يَعْنِي تَسْلِيمَ الْمَلَائِكَةِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ
بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قَالَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ: إِنَّ
ابْنَ حُصَيْنٍ بَعْدَ أَنِ اكْتَوَى، وَكَانَ يأتيه آت ينبهه
__________
[ (2) ] أي أمر بالجمع بينهما.
[ (3) ] (وقد كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ حَتَّى اكتويت، ثم تركت الكي فعاد)
معنى الحديث ان عمران بن الحصين- رضي الله عنه- كانت به بواسير، فكان يصبر
على ألمها، وكانت الملائكة تسلم عليه، فاكتوى، فانقطع سلامهم عليه، ثم ترك
الكي فعاد سلامهم عليه.
[ (4) ] أخرجه مسلم في: 15- كتاب الحج، (23) باب جواز التمتع، الحديث (167)
، ص (2:
899) عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شعبة ...
(7/80)
لِلصَّلَاةِ، فَلَمَّا اكْتَوَى أَمْسَكَ
عَنْهُ، فَلَمَّا سَقَطَتْ عَنْهُ آثَارُ الْمَكَاوِي عَادَ إِلَيْهِ،
فَقَالَ لَهُمُ: اعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي كَانَ يَأْتِينِي قَدْ عَادَ
إِلَيَّ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ،
عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ فِيهِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ عَلَيَّ
فَإِنْ عِشْتُ فَاكْتُمْ عَلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ فَحَدِّثْ إِنْ شِئْتَ [
(5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي التَّارِيخِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
ابن أَبِي زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ غَزَالَةَ، قَالَتْ:
كَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ يَأْمُرُنَا أَنْ نَكْنُسَ الدَّارَ،
وَنَسْمَعُ السَّلَامَ عَلَيْكُمْ وَلَا نَرَى أَحَدًا. قَالَ أَبُو
عِيسَى: يَعْنِي هَذَا تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ.
وَفِي حَدِيثِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
حَرْبٍ، عَنْ حماد ابن سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، أَنَّ
حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرِنِي
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ. فَقَالَ:» إِنَّكَ لَا
تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرَاهُ» ، قَالَ: بَلَى فَأَرِنِيهُ. قَالَ: «فَاقْعُدْ»
. فَقَعَدَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى خَشَبَةٍ
كَانَتْ فِي الْكَعْبَةِ، يُلْقِي الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا ثِيَابَهُمْ
إِذَا طَافُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«ارْفَعْ طَرْفَكَ، فَانْظُرْ» فَرَفَعَ طَرْفَهُ، فَرَأَى قَدَمَيْهِ
مِثْلَ الزَّبَرْجَدِ كَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَخَرَّ مَغْشِيًّا
عَلَيْهِ.
هَكَذَا رُوِيَ هَذَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عمار وهو مرسل.
__________
[ (5) ] صحيح مسلم في الموضع السابق، الحديث (168) .
(7/81)
بَابٌ فِي رُؤْيَةِ أُسَيْدِ بْنِ
الْحُضَيْرِ [ (1) ] ، وَغَيْرِهِ السَّكِينَةَ وَالْمَلَائِكَةَ الَّتِي
نَزَلَتْ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ،
قَالَ، كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ، وَإِلَى جَانِبِهِ
حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ [ (2) ] فَتَغَشَّتْهُ [ (3) ] سَحَابَةٌ،
فَجَعَلَتْ تَدْنُو [ (4) ] ، وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفُرُ [ (5)
] فَلَمَّا أَصْبَحَ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ [ (6) ] تَنَزَّلَتْ
لِلْقُرْآنِ» .
__________
[ (1) ] هو أسيد بن الحضير بن سماك الأنصاري الأشهلي من السابقين الى
الإسلام وهو أحد النقباء ليلة العقبة. الإصابة (1: 49) .
[ (2) ] (بشطنين) ، تثنية شطن، وهو الحبل، وإنما كان الربط بشطنين لأجل
جموحه واستصعابه.
[ (3) ] (تغشته) أحاطت به سحابة.
[ (4) ] (تدنو) تقترب.
[ (5) ] (ينفر) بالنون والفاء، من النفرة، وفي رواية مسلم: ينقز، بالقاف
والزاي، وقال القاضي عياض: هو خطأ.
[ (6) ] (السكينة)
عَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عنه- قال: هي ريح هفافة لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ
الْإِنْسَانِ، وعنه أيضا انها ريح خجوح ولها رأسان.
وعن مجاهد: لها رأس كرأس الهر، وجناحان وذنب، وقال الربيع: هي دابة مثل
الهر لعينيها شعاع.
وقال الضحاك: هي الرحمة.
(7/82)
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، وَهُوَ
زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ،
فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى ابن يَحْيَى
[ (7) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ (رَحِمَهُ اللهُ) أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ: بَيْنَمَا
رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةً إِذْ رَأَى دَابَّتَهُ
تَرْكُضُ، أَوْ قَالَ: فَرَسَهُ تَرْكُضُ، فَنَظَرَ فَإِذَا مِثْلُ
الضَّبَابَةِ، أَوْ مِثْلُ الْغَمَامَةِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ
تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ
أَبِي دَاوُدَ
[ (8) ] .
__________
[ () ] وقال عطاء: «ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها» وهو اختيار الطبري.
وقال النووي: «المختار انها من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة»
.
وقد تكرر لفظ السكينة في القرآن الكريم فجاء في سورة الفتح الْآيَةَ (4) .
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ
لِيَزْدادُوا إِيماناً....
وقال في 18- سورة الفتح:
فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ
وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً.
وفي سورة التوبة الآية (26) .
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ
وكلها تحمل معنى الطمأنينة والإيمان.
[ (7) ] أخرجه البخاري في: 66- كتاب فضائل القرآن (1) باب فضل الكهف،
الحديث (5011) فتح الباري (9: 57) عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ.
وأخرجه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها، (36) باب نزول السكينة
لقراءة القرآن، الحديث (240) ، ص (547) عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى.
[ (8) ] أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُثَنَّى في: 6- كتاب صلاة المسافرين، (36) باب نزول السكينة لقراءة
القرآن، الحديث (241) ، ص (548) .
(7/83)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
الْحَارِثِ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ
مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطٌ إِذْ جَالَتِ
الْفَرَسُ [ (9) ] ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ
فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، ثُمَّ قَرَأَ، فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ
فَسَكَنَتْ، فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَأَشَفَقَ
أَنْ تُصِيبَهُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ،
حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ،
حَدَّثَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا
أَقْرَأُ الْبَارِحَةَ، وَالْفَرَسُ مَرْبُوطَةٌ إِذْ جَالَتْ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ ابْنَ
الْحُضَيْرِ، اقرأ ابن الخضير» ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَرَأْتُ فَجَالَتْ
فَسَكَتُّ فَسَكَنَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ ابن الخضير» ، فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ
تَطَأَ يَحْيَى [ (10) ] ، وَكَانَ قَرِيبًا، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ،
فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا هُوَ مِثْلُ الظُّلَّةِ [
(11) ] فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ، عَرَجَتْ إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى
لَا أَرَاهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَتَدْرِي مَا ذَلِكَ» ؟
قَالَ، قُلْتُ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ،
أَتَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ
إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ» .
قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصِّحَاحِ فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ،
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خباب [ (12) ] .
__________
[ (9) ] (جالت الفرس) أي وثبت.
[ (10) ] أراد ابنه يحيى، وكان قريبا من الفرس.
[ (11) ] (الظلة) هي ما يقي من الشمس كسحاب او سقف بيت..
[ (12) ] أخرجه البخاري في: 66- كتاب فضائل القرآن (15) باب نزول السكينة
عند قراءة القرآن.
(7/84)
وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ
الزُّهْرِيِّ. عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُسَيْدٍ، ومِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عن أسيد.
__________
[ () ] وأخرجه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين، (36) باب نزوب السكينة
لقراءة القرآن، الحديث (242) ، ص (548) .
(7/85)
بَابُ سَمَاعِ الصَّحَابِيِّ قِرَاءَةَ
مَنْ أَسْمَعَهُ قُرْآنَهُ وَأَخْفَاهُ شَخْصَهُ [وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَحْدَهُ]
[ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (2) ] أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي
الْحَسَنِ التَّيْمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ، كُنْتُ أَسِيرُ
مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ
ظَلْمَاءَ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ...
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا هَذَا
فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الشِّرْكِ» .
وَسِرْنَا فَسَمِعْنَا رَجُلًا يَقْرَأُ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
فَقَالَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ غُفِرَ لَهُ» . فَكَفَفْتُ رَاحِلَتِي
لَأَنْظُرَ مَنْ هُوَ. فَنَظَرْتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَمَا رَأَيْتُ
أحدا.
__________
[ (1) ] الزيادة من (ح) .
[ (2) ] كذا في (ف) ، وفي (ك) ، وفي بقية النسخ «أخبرنا» سوى لفظ «قال» .
(7/86)
بَابُ سَمَاعِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ
وَغَيْرِهِ صَوْتَ الْمَلَكِ الَّذِي أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّفَاعَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ عَوْفِ
بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَعَرَّسْنَا، وَافْتَرَشَ كُلُّ رَجُلٍ
مِنَّا ذِرَاعَ رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ بَعْضَ اللَّيْلِ، وَإِذَا
لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحَدٌ. فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
وَعَبْدُ اللهِ بْنِ قَيْسٍ قَائِمَانِ، فَقُلْتُ لَهُمَا، هَلْ
رَأَيْتُمَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ؟ فَقَالَا: لَا.
وَأَنَا أَسْمَعُ صَوْتًا، فَإِذَا مِثْلُ هَزِيزِ الرَّحَا، وَأَتَانَا
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ أَتَانِي آتٍ
مِنْ رَبِّي، فَخَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي
الْجَنَّةَ، وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ. فَقُلْنَا:
نُنَاشِدُكَ اللهَ وَالصُّحْبَةَ، لَمَا جَعَلْتَنَا مِنْ أَهْلِ
شَفَاعَتِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَنْتُمْ مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِي» ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ
فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِكَ،
فَيَقُولُ: «أَنْتَ مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِي» ، فَلَمَّا أَضَبُّوا
عَلَيْهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ
إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ شَفَاعَتِي لِمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا
يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (4: 404، 415) و (5: 232) و (6: 23،
28) .
(7/87)
بَابُ الرُّقْيَةِ [ (1) ] بِكِتَابِ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مِنَ الشِّفَاءِ
حَتَّى ظَهَرَتْ آثَارُهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنُ
قَتَادَةَ، وَأَبُو بَكْرِ مُحَمَّدُ بْنُ
__________
[ (1) ] الرّقية هي الدعاء وثبت أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يرقي الأطفال، ورقياه كانت دعاء لهم وتلاوة القرآن الكريم تبركا به،
ولم يكن يوجد فيما كان يرقي به اسم لشيطان، او ملك، او مناجاة روح او سحر.
وقد روى ابو داود في سننه في كتاب الطب، باب كيف الرقي، الحديث (3892) من
حديث أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يقول: «من
اشتكى منكم شيئا أو اشتكاه أخ له فليقل:
ربنا الله الذي في السماء، تقدّس اسمك وأمرك في السماء والأرض، كما رحمتك
في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، واغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب
الطيبين، أنزل رحمة من عندك، وشفاء من شفائك على هذا الوجع. فيبرأ بإذن
الله» .
وفي صحيح مسلم- عن أبي سعيد الخدري-: «أن جبريل عليه السّلام أتى النبي
صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، اشتكيت؟ قال: نعم. فقال جبريل عليه
السّلام: باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد
الله يشفيك، باسم الله أرقيك» .
فإن قيل: فما تقولون في الحديث الذي رواه أبو داود: «لا رقية إلا من عين او
حمة» ، والحمة:
ذوات السّموم كلها؟
فالجواب: أنه صلّى الله عليه وسلم لم يرد به نفي جواز الرقية في غيرها، بل
المراد به: لا رقية اولى وأنفع منها في العين والحمة. ويدل عليه سياق
الحديث، فإن سهل بن حنيف قال له لما اصابته العين: او في الرقي خير؟ فقال:
«لا رقية إلا في نفس او حمة» ، ويدل عليه سائر أحاديث الرّقي العامة
والخاصة
وقد روى أبو داود من حديث انس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم،
«لا رقية إلا من عين، أو حمة، أو دم لا يرقأ» .
وفي صحيح مسلم عنه أيضا: «رخص رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الرّقية من
العين والحمة والنملة» .
(7/88)
__________
[ () ] قال ابن قيم الجوزية في الطب النبوي صفحة (316) وما بعدها (الطبعة
الخامسة) من تحقيقنا ما يلي:
(فمن التعوذات والرقي) : الإكثار من قراءة المعوذتين وفاتحة الكتاب وآية
الكرسي.
(ومنها) : التعوذات النبوية: نحو: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
ونحو: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لأمة. ونحو:
أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ
وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في
الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر طوارق الليل
والنهار، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان.
(ومنها) : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن
همزات الشياطين وأن يحضرون.
(ومنها) : اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم، وكلماتك التامات، من شر ما أنت آخذ
بناصيته، اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم، اللهم إنه لا يهزم جندك، ولا يخلف
وعدك، سبحانك وبحمدك.
(ومنها) : أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شيء أعظم منه، وبكلماته التامات
التي لا يجاوزهنّ بر ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى- ما علمت منها وما لم
أعلم- من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر كل ذي شرّ لا أطيق شره، ومن شر كل ذي
شر أنت آخذ بناصيته، إن ربي على صراط مستقيم.
(ومنها) : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت، وأنت ربّ العرش
العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله،
اعلم ان الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل
شيء عددا، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، ومن شر كل دابة
أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم وان شاء قال: تحصنت بالله الذي
لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء، واعتصمت بربي ورب كل شيء، وتوكلت على الحي
الذي لا يموت، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم
الوكيل، حسبي الرب من العباد، حسبي الخالق من المخلوق، حسبي الرازق من
المرزوق، حسبي الله هو حسبي، حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا
يجار عليه، حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا وليس وراء الله مرمى، حسبي
الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم.
ومن جرب هذه الدعوات والعوذ: عرف مقدار منفعتها، وشدة الحاجة إليها، وهي
تمنع وصول اثر العائن وتدفعه بعد وصوله، بحسب قوة إيمان قائلها، وقوة نفسه
واستعداده، وقوة توكله وثبات قلبه، فإنها سلاح، والسلاح بضاربة.
(فصل) وإذا كان العائن يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين، فليدفع شرها بقوله:
اللهم بارك عليه، كما
قال النبي صلّى الله عليه وسلم، لعامر بن ربيعة- لما عان سهل بن حنيف-:
«ألا بركت» ، أي قلت:
اللهم بارك عليه.
(7/89)
إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ قَالَا:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى،
قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي
الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي
سَفَرٍ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ،
فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ رَجُلٌ: هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟
فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ:
نَعَمْ، فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرَأَ الرَّجُلُ
فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ غَنْمٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، حَتَّى ذَكَرَ
ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
فَتَبَسَّمَ، قَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ إِنَّهَا رُقْيَةٌ» ، ثُمَّ قَالَ:
«خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا إِلَيَّ بِسَهْمٍ مَعَكُمْ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَخْرَجَاهُ
مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أبي بشر
[ (2) ] .
__________
[ () ] ومما يدفع به إصابة العين، قول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله. روى
هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان إذا رأى شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه-
قال: «ما شاء الله لا قوة إلا بالله» .
ثم قال ابن القيم:
(فصل) ومن الرّقي التي ترد العين، ما ذكر عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ
التياحيّ: «أنه كان في بعض أسفاره للحج او الغزو، على ناقة فارهة، وكان في
الرّفقة رجل عائن قلّما نظر إلى شيء إلا أتلفه. فقيل لأبي عبد الله: احفظ
ناقتك من العائن. فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل. فأخبر العائن بقوله، فتحيّن
غيبة أبي عبد الله: فجاء الى رحله، فنظر الى الناقة، فاضطربت وسقطت. فجاء
ابو عبد الله، فأخبر: أن العائن قد عانها، وهي كما ترى فقال: دلوني عليه.
فدل، فوقف عليه: وقال باسم الله، حبس حابس، وحجر يابس وشهاب قابس، رددت عين
العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ
فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ
الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ فخرجت حدقتا العائن، وقامت الناقة لا بأس
بها» .
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 76- كتاب الطب (باب) النفث في الرقية، فتح
الباري (10: 198) .
وأخرجه مسلم في: 39- كتاب السلام، (باب) جواز أخذ الأجرة على الرقية،
النووي على مسلم (5: 438) .
والحديث أخرجه الأربعة (أيضا) في السنن كلهم في الطب.
(7/90)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ
قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ
خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ مَرَّ
بِقَوْمٍ وَعِنْدَهُمْ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، فَقَالَ لَهُ
بَعْضُهُمْ: أعندك
__________
[ () ] وقال ابن القيم في تأثير الرقي بالفاتحة ما يلي:
وفي تأثير الرقي بالفاتحة وغيرها، في علاج ذوات السموم، سرا بديع، فإن ذوات
السموم أثرت بكيفيات نفوسها الخبيثة كما تقدم، وسلاحها: حمتها التي تلدغ
بها، وهي لا تلدغ حتى تغضب، فإذا غضبت: ثار فيها السموم، فتقذفه بآلتها.
وقد جعل الله سبحانه لكل داء دواء، ولكل شيء ضدّا. ونفس الراقي تفعل في نفس
المرقي، فيقع بين نفسيهما فعل وانفعال- كما يقع بين الداء والدواء-: فتقوى
نفس المرقي وقوته بالرقية على ذلك الداء، فيدفعه بإذن الله. ومدار تأثير
الأدوية والأدواء، على الفعل والانفعال. وهو كما يقع بين الداء والدواء
الطبيعيين، يقع بين الداء والدواء الزوجانيين، والروحاني والطبيعي. وفي
النفث والتفل استعانة بتلك الرطوبة والهواء، والنفس المباشر للرقية والذكر
والدعاء. فإن الرقية تخرج من قلب الراقي وفمه، فإذا صاحبها شيء من أجزاء
باطنه- من الريق والهواء والنفس-: كانت أتم تأثيرا، وأقوى فعلا ونفوذا،
ويحصل بالازدواج بينهما كيفية مؤثرة، شبيهة بالكيفية الحادثة عند تركيب
الأدوية.
وبالجملة: فنفس الراقي تقابل تلك النفوس الخبيثة، وتزيد بكيفية نفسه،
وتستعين بالرقية وبالنفث على إزالة ذلك الأثر. وكلما كانت كيفية نفس الراقي
أقوى، كانت الرقية أتم، واستعانته بنفثه كاستعانة تلك النفوس الرديئة
بلسعها. وفي النفث سر آخر: فإنه مما تستعين به الأرواح الطيبة والخبيثة.
ولهذا تفعله السحرة، كما يفعله اهل الإيمان. قال تعالى: وَمِنْ شَرِّ
النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ. وذلك لأن النفس تتكيف بكيفية الغضب
والمحاربة، وترسل أنفاسها سهاما لها، وتمدها بالنفث والتفل الذي معه شيء من
ريق مصاحب لكيفية مؤثرة. والسواحر تستعين بالنفث استعانة بينة: وإن لم يتصل
بجسم المسحور، بل ينفث على العقدة ويعقدها ويتكلم بالسحر، فيعمل ذلك في
المسحور: بتوسط الأرواح السفلية الخبيثة، فتقابلها الروح الزكية الطيبة،
بكيفية الدفع والتكلم بالرقية، وتستعين بالنفث، فأيهما قوى كان الحكم له.
ومقابلة الأرواح بعضها لبعض ومحاربتها وآلتها، من جنس مقابلة الأجسام
ومحاربتها وآلتها سواء. بل الأصل في المحاربة والتقابل للأرواح.
والأجسام آلتها وجندها. ولكن: من غلب عليه الحسّ لا يشعر بتأثيرات الأرواح
وأفعالها وانفعالاتها لاستيلاء سلطان الحسن عليه، وبعده من عالم الأرواح
وأحكامها وأفعالها.
والمقصود: أن الروح إذا كانت قوية، وتكيفت بمعاني الفاتحة، واستعانت بالنفث
والتفل-:
قابلت ذلك الأثر الذي حصل من النفوس الخبيثة، فأزالته. والله أعلم.
(7/91)
شَيءٌ تُدَاوِي بِهِ هَذَا؟ فَإِنَّ
صَاحِبَكُمْ قَدْ جَاءَ بِخَيْرٍ. قَالَ: فَقَرَأَ عَلَيْهِ بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَبَرَأَ،
فَأَعْطَاهُ مِائَةَ شَاةٍ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:
«كُلْ فَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ، فَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ
حَقٍّ»
[ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ابن حَيَّانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُهُ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ [ (4)
] ، وَكَانَ تُعْجِبُهُ خِدْمَتُهُ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ يَهُودُ حَتَّى
سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم [ (5) ] ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذُوبُ وَلَا يَدْرِي مَا وَجَعُهُ،
فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ
نَائِمٌ. إِذْ أَتَاهُ مَلَكَانِ [ (6) ] ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ
رَأْسِهِ، وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ
لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ: مَا وَجَعُهُ؟
__________
[ (3) ] أخرجه ابو داود في: كتاب البيوع: الاجارة، (باب) كسب الأطباء،
الحديث (3420) ، ص (3:
266) ، وأعاده في كتاب الطب، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرقي، الحديث (3896) ، ص
(4: 13) ، وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5: 211) .
[ (4) ] لبيد بن اعصم، وفي روايات اخرى: من بني زريق، وهم بطن من الأنصار
مشهور من الخزرج، وكان بين كثير من الأنصار، وبين كثير من اليهود قبل
الإسلام حلف وودّ، فلما جاء الإسلام ودخل الأنصار فيه تبرؤا منهم، والسنة
التي وقع فيها السحر. سنة سبع قاله الواقدي.
[ (5) ] قال الإمام احمد: سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وأقام
فيه ستة أشهر، وقال الاسماعيلي: أربعين يوما، وأنكر بعض المبتدعة هذا
الحديث، وزعموا انه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، لأن كل ما أدى إلى ذلك فهو
باطل، وتجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع، وردّ ذلك عليهم بقيام
الدليل على صدقة فيما بلغه من الله تعالى، وعلى عصمته في التبليغ، وأما ما
يتعلق ببعض امور الدنيا التي لم يبعث لأجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض
البشر كالأمراض.
وقال عياض: «السحر تسلّط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده» .
[ (6) ] سماهما ابن سعد في رواية منقطعة: «جبرائيل وميكائيل عليهما السلام»
.
(7/92)
قَالَ: الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ مَطْبُوبٌ
[ (7) ] . قَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ الَّذِي
عِنْدَ رَأْسِهِ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، قَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ:
بِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ بِمِشْطٍ وَمِيشَاطَةٍ [ (8)
] ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ [ (9) ] بِذِي ذَرْوَانَ [ (10) ] ، وَهِيَ
تَحْتَ رَاعُوفَةَ الْبِئْرِ [ (11) ] .
فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا
عَائِشَةَ، فَقَالَ «يَا عَائِشَةُ! أَشَعَرْتِ أنَّ الله- عز وجل- قَدْ
أَنْبَأَنِي بِوَجَعِي» ؟ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا رَسُولُ اللهِ صلى الله
عليه وسلم وَغَدَا مَعَهُ أَصْحَابُهُ إِلَى الْبِئْرِ، فَإِذَا مَاؤُهَا
كَأَنَّهُ نُقُوعِ الْحِنَّاءِ [ (12) ] ، وَإِذَا نَخْلُهَا- الَّذِي
يَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا- قَدِ الْتَوَى سَعَفُهُ كَأَنَّهُ رؤوس الشياطين
[ (13) ] .
__________
[ (7) ] (مطبوب) أي مسحور، يقال: طبّ الرجل إذا سحر، فقد كنوا عن السحر
بالطب، وقال ابن الأنباري: «الطب من الأضداد، يقال لعلاج الداء: طب، والسحر
من الداء فيقال له طب.
[ (8) ] (في مشط ومشاطة) : المشط وهو الآية المعروفة التي يسرح بها الرأس
واللحية، والمشط: العظم العريض في الكتف، وسلاميات القدم مشط، ونبت صغير
يقال له: مشط الذئب.
قال القرطبي: يحتمل أن يكون الذي سحر فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه
وسلم أحد هذه الأربعة» .
والمشهور أنه الأول، أما (المشاطة) : فهو ما يخرج من الشعر عند التسريح،
وفيه اختلاف.
[ (9) ] (جفّ طلعة ذكر) وعاء طلع النخل، وهو الغشاء الذي يكون عليه، وقال
شمر: الجف يطلق على الذكر والأنثى، فلذلك وصفه بقوله ذكر، والطلع ما يطلع
من النخل، وهو الكم، قبل ان ينشق، ويقال: ما يبدو من الكمء طلع أيضا، وهو
شيء أبيض.
[ (10) ] (بذي ذروان) وفي بعض النسخ: بذي أروان، وهو اسم البئر.
[ (11) ] (تحت راعوفة البئر) : راعوفها وأرعوفها حجر تأتي على رأسها.
[ (12) ] (نقوع الحناء) أراد ان ماء هذا البئر لونه كلون الماء الذي ينقع
فيه الحناء يعني احمر.
وقال القرطبي: «كان ماء البئر تغير إما لرداءته وطول إقامته، وإما لما
خالطه من الأشياء التي ألقيت في البئر.
[ (13) ] (كأنها رؤوس الشياطين) في منظرها، وسماجة شكلها، وهو مثل في
استقباح الصورة.
قال القراء: فيه ثلاثة أوجه:
(أحدها) أن يشبه طلعها في قبحه برؤوس الشياطين لأنها موصوفة بالقبح.
(الثاني) ان العرب تسمي بعض الحيات شيطانا.
(الثالث) : نبت قبيح يسمى رؤوس الشياطين قيل انه يوجد باليمن.
(7/93)
قَالَ: فَنَزَلَ رَجُلٌ فَاسْتَخْرَجَ
جُفَّ طَلْعَةٍ مِنْ تَحْتِ الرَّاعُوفَةِ، فَإِذَا فِيهَا مِشْطُ رَسُولِ
اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ مُرَاطَةِ رَأْسِهِ، وَإِذَا
تِمْثَالٌ مِنْ شَمْعٍ تِمْثَالُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم،
وَإِذَا فِيهَا إِبَرٌّ مَغْرُوزَةٌ، وَإِذَا وَتَرٌ فِيهِ إِحْدَى
عَشَرَةَ عُقْدَةً فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدٌ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
الْفَلَقِ، وَحَلَّ عُقْدَةً، مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ، وَحَلَّ عُقْدَةً.
حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، [ثُمَّ قَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ
وَحَلَّ عُقْدَةً، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا] [ (14) ] ، وَحَلَّ الْعُقَدَ
كُلَّهَا [ (15) ] .
وَجَعَلَ لَا يَنْزِعُ إِبْرَةً إِلَّا وَجَدَ لَهَا أَلَمًا، ثُمَّ يَجِدُ
بَعْدَ ذَلِكَ رَاحَةً.
فَقِيلَ، يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ قَتَلْتَ الْيَهُودِيَّ. فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «قَدْ عَافَانِي اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَمَا
وَرَاءَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ أَشَدُّ» قَالَ: فَأَخْرَجَهُ.
قَدْ رُوِّينَا فِي هَذَا، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ وَرُوِّينَاهُ فِي الْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ فِي
أَبْوَابِ دَعَوَاتِهِ دُونَ ذِكْرِ المعوذتين.
__________
[ (14) ] ما بين الحاصرتين ليس في نسختي (ح) و (ف) .
[ (15) ] أخرجه البخاري في: 59- كتاب بدء الخلق (11) باب صفة إبليس وجنوده
الحديث (3268) فتح الباري (6: 334) .
وأعاده في: 76- كتاب الطب، (47) باب السحر، الحديث (5763) ، فتح الباري
(10:
221) وفي الأدب والدعوات.
وأخرجه مسلم في: 39- كتاب السلام، (17) باب السحر، الحديث (43) ، ص (1719-
1720) وابن ماجة في الطب، والإمام احمد في «مسنده» (6: 57، 63، 96) .
(7/94)
بَابُ مَا جَاءَ فِي تُحَرُّزِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ، ثُمَّ تَعْلِيمِهِ ذَلِكَ
خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَذَهَابِ مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُ
[رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ]
[ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ خَنْبَشٍ: حَدَّثَنَا كَيْفَ صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه
وَسَلَّمَ حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَحَدَّرَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه
وَسَلَّمَ مِنَ الْجِبَالِ وَالْأَوْدِيَةِ، مَعَهُمْ شَيْطَانٌ مَعَهُ
شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ، يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلم، فَزِعَ مِنْهُمْ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ
السَّلَامُ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قُلْ، قَالَ: «وَمَا أَقُولُ» ؟ قَالَ:
«قُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ، اللَّاتِي لَا
يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ
وَبَرَأَ، وَمَنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَنْ شَرِّ مَا
يَبْرَحُ فِيهَا، وَمَنْ شَرِّ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ، وَمَنْ شَرِّ مَا
يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمَنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَشَرِّ
الطَّوَارِقِ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ. يَا رَحْمَنُ» . قَالَ:
فَطُفِئَتْ نَارُ الشَّيْطَانِ، وَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
[ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ
الزَّوْزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر
__________
[ (1) ] الزيادة من (ح) فقط.
[ (2) ] أخرجه الإمام احمد في «مسنده» (3: 419) .
(7/95)
مُحَمَّدُ بْنُ خَنْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ
بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، أَنَّ خَالِدَ
بْنَ الْوَلِيدِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ. إِنَّ كَائِدًا مِنَ الْجِنِّ
يَكِيدُنِي، قَالَ: قُلْ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ
اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ
فِي الْأَرْضِ، وَمَنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَنْ شَرِّ مَا
يَعْرُجُ فِي السَّمَاءِ، وَمَنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْهَا، وَمَنْ شَرِّ
كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ» ، قَالَ:
فَفَعَلْتُ فَأَذْهَبَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنِّي.
(7/96)
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْجِنِّيِّ أَوِ
الشَّيْطَانِ الَّذِي أَرَادَ كَيْدَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ،
فَأَمْكَنَهُ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- مِنْهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ
تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ، لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي،
فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ. فَأَخَذْتُهُ وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ
إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ
كُلُّكُمْ، حَتَّى ذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ «رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي» [ (1) ] قَالَ:
فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
بَشَّارٍ [ (2) ] وَقَالَ فِيهِ غَيْرُهُ: فَذَعَتُّهُ يَعْنِي كتفته [ (3)
] .
__________
[ (1) ] الآية الكريمة (35) من سورة (ص) .
[ (2) ] أخرجه الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ في: 60- كتاب
أحاديث الأنبياء، (40) باب قول الله تعالى:
ووهبنا لداود سليمان، نعم العبد إنه أواب» ، الحديث (3423) فتح الباري (6:
457) .
وأخرجه مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بشار في: 5- كتاب المساجد ومواضع
الصلاة (8) باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة، الحديث (39) مكرر ص
(384) .
[ (3) ] (فذعته) : خنقته، وفي رواية اخرى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة:
(فدعتّه) بالدال اي فدفعته دفعا شديدا، من الدّع وهو الدفع الشديد.
(7/97)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، يَعْنِي ابْنَ
مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ
صَالِحٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ،
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ
مِنْكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ،
ثَلَاثًا، وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَلَمَّا فَرَغَ
مِنَ الصَّلَاةِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي
الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ،
وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ. فَقَالَ: «إِنَّ عَدُوَّ اللهِ إِبْلِيسَ
جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ، لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ
بِاللهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ
اللهِ التَّامَّةِ. فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَرَدْتُ
أَخْذَهُ.
وَاللهِ! لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ، لَأَصْبَحَ مُوثَقًا [
(4) ] يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ
الْمُرَادِيِّ
[ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الظَّفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ-
رَحِمَهُ اللهُ- إِمْلَاءً، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنِ
دُحَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو غَسَّانَ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ
سَمُرَةَ، يَقُولُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَهْوِي قُدَّامَهُ. فَلَمَّا صَلَّى سَأَلُوهُ:
فَقَالَ:
ذَاكَ الشَّيْطَانُ كَانَ يُلْقِي عَلَيَّ شَرَرَ النَّارِ ليثنني عَنِ
الصَّلَاةِ، فَتَنَاوَلْتُهُ. وَلَوْ أخذته
__________
[ (4) ] في نسخة (ف) : «موثوقا» .
[ (5) ] أخرجه مسلم في: 5- كتاب المساجد (8) باب جواز لعن الشيطان ... ،
الحديث (40) ، ص (1: 385) .
(7/98)
مَا انْفَلَتَ مِنِّي حَتَّى يُنَاطَ إِلَى
سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وِلْدَانُ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ
[ (6) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الظَّفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ
رَحِمَهُ اللهُ إِمْلَاءً وقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ
عَلَيَّ الشَّيْطَانُ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ فَخَنَقَتْهُ، حَتَّى
وَجَدْتُ بَرْدَ لِسَانِهِ عَلَى يَدِي، وَقَالَ: أَوْجَعْتَنِي
أَوْجَعْتَنِي وَلَوْلَا مَا دَعَا سُلَيْمَانُ، لَأَصْبَحَ مَنَاطًا إِلَى
اسْطُوَانَةٍ مِنْ أَسَاطِينِ الْمَسْجِدِ، يَنْظُرُ إِلَيْهِ وِلْدَانُ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ
[ (7) ] .
__________
[ (6، 7) ] مسند الإمام احمد (5: 104، 105) .
(7/99)
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ مَعَ كُلِّ
أَحَدٍ قَرِينَهُ مِنَ الْجِنِّ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعَانَ رَسُولَهُ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى قَرِينِهِ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ إِلَّا
بِخَيْرٍ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ
عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ
قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالُوا:
وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ وَلَكِنَّ اللهَ
أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمُ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ هَكَذَا
قُرِئَ عَلَى شَيْخِنَا بِضَمِّ الْمِيمِ [ (1) ] . وَكَذَلِكَ قَيَّدَهُ
فِي كِتَابِهِ.
وَأَخْبَرَنَا أبو عبد الله الحافظ، وَأَبُو صَادِقٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
الْفَوَارِسِ الْعَطَّارُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ
__________
[ (1) ] (فأسلم) برفع الميم وفتحها وهما روايتان مشهورتان، فمن رفع قال:
معناه اسلم انا من شره وفتنته، ومن فتح قال: إن القرين اسلم من الإسلام،
وصار مؤمنا لا يأمرني إلا بخير.
واختلفوا في الأرجح منهما:
فقال الخطابي: الصحيح المختار: الرفع ورجح القاضي عياض الفتح وهو المختار
ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا يأمرني إلا بخير.
(7/100)
الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، فَذَكَرَهُ عَالِيًا إِلَّا أَنَّهُمَا
لَمْ يُقِيمَا إِسْنَادَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (2) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى،
وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَرَادَ- وَاللهُ
أَعْلَمُ- بِالْجِنِّ وَالشَّيْطَانِ.
فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَهُ شَيْطَانٌ.
فَقَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: وَلَا أَنَا.
وَلَكِنَّ اللهَ أَعَانَنِي بِإِسْلَامِهِ، أَوْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ
حَتَّى أَسْلَمَ.
قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَلَكِنَّ اللهَ أَعَانَنِي
بِإِسْلَامِهِ إِنْ كَانَ هُوَ الْأَصْلُ يُؤَكِّدُ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ
أَنَّ قَوْلَهُ: فَأَسْلَمَ مِنَ الْإِسْلَامِ دُونَ السَّلَامَةِ،
وَكَأَنَّ شعبة أو من دون شَكَّ فِيهِ.
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ- رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى
أَنَّهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: فَلَا يَأْمُرُنِي
إِلَّا بِخَيْرٍ قَالَ: وَلَوْ كَانَ عَلَى الْكُفْرِ لَمْ يَأْمُرْ
بِخَيْرٍ.
وَزَعَمَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ
الرُّوَاةَ يَرْوُونَ، فَأَسْلَمَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا سُفْيَانَ بْنَ
عُيَيْنَةَ. فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فَأَسْلَمُ: أَيْ أَجِدُ
السَّلَامَةَ مِنْهُ.
وَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يسلم قط.
__________
[ (2) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدِ بْنِ
بَشَّارٍ في 50- كتاب صفات المنافقين، (16) باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه
لفتنة الناس، وان مع كل إنسان قرينا الحديث (69) مكرر، ص (2168) .
(7/101)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ.
(ح) وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
صَخْرٍ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ أَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ
حَدَّثَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ
عِنْدِهَا لَيْلًا قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ، فَرَأَى مَا
أَصْنَعُ. فقال: مالك يَا عَائِشَةُ! أَغِرْتِ؟
قُلْتُ: ومالي لَا أَغَارُ عَلَى مِثْلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَارَكِ شَيْطَانُكِ، قُلْتُ: وَمَعِيَ
شَيْطَانٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ. قُلْتُ: وَمَعَكَ يَا
رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ
فَأَسْلَمَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِي [
(3) ] .
وَقَالَ فِي متنه: حتى أسلم.
__________
[ (3) ] أخرجه مسلم في: 50- كتاب صفات المنافقين (16) باب تحريش الشيطان،
الحديث (70) ص (4: 2168) .
(7/102)
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَوْنِ الْأَذَانِ
حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ وَالْغِيلَانِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْحِيرِيُّ فِي
آخَرِينَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ
بَسْطَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ،
قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ قَالَ: وَمَعِي غُلَامٌ
لَنَا، أَوْ صَاحِبٌ لَنَا. فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ.
قَالَ: وَأَشْرَفَ الَّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا،
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي، فَقَالَ: لَوْ شَعَرْتُ أَنَّكَ تَلْقَى هَذَا
لَمْ أُرْسِلْكَ. وَلَكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَتَأَخَّرْ مناد
بِالصَّلَاةِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ
إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَلَّى وَلَهُ حُصَاصٌ [ (1) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ بَسْطَامٍ
[ (2) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [
(3) ] أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ،
__________
[ (1) ] (حصاص) : اي شدة العدو.
[ (2) ] أخرجه مسلم في: 4- كتاب الصلاة (8) باب فضل الأذان وهرب الشيطان
عند سماعه، الحديث (18) ، ص (1: 291) .
[ (3) ] في (أ) : «أن أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ ... » .
(7/103)
قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ غُصْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ
يَسِيرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا
تَغَوَّلَتْ لِأَحَدِكُمُ الْغِيلَانُ. فَلْيُؤَذِّنْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا
يَضُرُّهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ
الْحَسَنِ.
أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ رَجُلًا إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَلَمَّا
كَانَ ببعض الطريق، عَرَضَتْ لَهُ الْغُولُ: فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى سَعْدٍ
قَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: أَلَمْ أَقَلْ لَكُمْ إِنَّا كُنَّا
إِذَا تَغَوَّلَتْ لَنَا الْغُولُ أَنْ نُنَادِيَ بِالْأَذَانِ، فَلَمَّا
رَجَعَ إِلَى عُمَرَ، فَبَلَغَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ عَرَضَ
لَهُ يَسِيرُ مَعَهُ، فَذَكَرَ مَا قَالَ لَهُ سَعْدٌ فَنَادَى
بِالْأَذَانِ، فَذَهَبَ عَنْهُ فَإِذَا سَكَتَ عَرَضَ لَهُ، فَإِذَا
أَذَّنَ ذَهَبَ عَنْهُ.
(7/104)
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّعَوُّذِ
بِكَلِمَاتِ اللهِ تَعَالَى عَنِ الْحِرْزِ مِنَ السُّمُومِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنْ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ
مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: لَدَغَتْ رَجُلًا عَقْرَبٌ. فَبَلَغَ ذَلِكَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ قَالَ حِينَ
أَمْسَى، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ
لَمْ تَضُرُّهُ
[ (1) ] .
قَالَ: فَقَالَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِي فَلَدَغَتْهَا حية. فلم
تضرّها.
__________
[ (1) ] صحيح مسلم (4: 2081) في كتاب الذكر والدعاء.
(7/105)
بَابُ مَا فِي تَسْمِيَةِ اللهُ- عَزَّ
وَجَلَّ- مِنَ الْحِرْزِ مِنَ السُّمِّ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: نَزَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
الحيرة عَلَى أُمِّ بَنِي الْمَرَازِبَةِ، فَقَالُوا لَهُ: احْذَرِ
السُّمَّ لَا تَسْقِيكَهُ الْأَعَاجِمُ، فَقَالَ:
ائْتُونِي. فَأُتِيَ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ اقْتَحَمَهُ فَقَالَ:
«بِاسْمِ اللهِ» ، فَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا.
(7/106)
بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّيْطَانِ الَّذِي
أَخَذَ مِنَ الزَّكَاةِ وَمَا فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ مِنَ الْحِرْزِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ-
رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ،
قالا: حدثنا عثمان ابن الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَلَّانِي [ (1) ]
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ رَمَضَانَ أَنْ
أَحْتَفِظَ بِهَا، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ،
فَأَخَذْتُهُ فَقَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ،
وَشَكَا حَاجَتَهُ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ [فَأَصْبَحْتُ] [
(2) ] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ اللَّيْلَةَ؟ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ!
شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَعِيَالًا، وَجَهْدًا، فَرَحِمْتُهُ!
فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. قَالَ: إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ.
حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ. جَاءَ يَحْثُو [ (3) ]
الطَّعَامَ فَأَخَذَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَقَالَ:
لَأَرْفَعَنَّكَ [ (4) ] إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، زَعَمْتَ لِي أَنَّكَ لَا تَعُودُ، وَأَرَاكَ قَدْ عدت.
__________
[ (1) ] في رواية: «وكلّني» .
[ (2) ] الزيادة من الصحيح.
[ (3) ] (يحثو) : يأخذ.
[ (4) ] (لأرفعنك) أي لأذهبنّ بك أشكوك.
(7/107)
قَالَ: دَعْنِي. فَشَكَا عِيَالًا،
وَحَاجَةً شَدِيدَةً ( [5) ] فَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَرَحِمَهُ. فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! مَا
فَعَلَ أَسِيرُكَ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ شَكَا حَاجَةً
شَدِيدَةً، وَجَهْدًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. قَالَ:
إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ.
فَعَادَ الثَّالِثَةَ فَأَخَذَهُ فَقَالَ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذِهِ ثَلَاثُ لَيَالٍ تَزْعُمُ
أَنَّكَ لَا تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ! فَقَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي لَا
أَعُودُ، وَأُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا. إِذَا أَوَيْتَ
إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى
آخِرِهَا، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ [ (6) ] عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حافظ، ولا
يَقْرَبَنَّكَ الشَّيْطَانُ حَتَّى تُصْبِحَ.
قَالَ: وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ.
فَخَلَّى سَبِيلَهُ. فَأَصْبَحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ.
عَلَّمَنِي شَيْئًا زَعَمَ أَنَّ اللهَ يَنْفَعُنِي بِهِ، قَالَ: وَمَا
هُوَ؟ قَالَ: أَمَرَنِي إِذَا أَوَيْتُ إِلَى فِرَاشِي أَقْرَأُ آيَةَ
الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ
عَلَيَّ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُنِي الشَّيْطَانُ حَتَّى
أُصْبِحَ.
قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ، وَهُوَ كَذُوبٌ. يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ! تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثٍ؟ قُلْتُ: لَا يَا
رَسُولَ اللهِ قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ
الْهَيْثَمِ
[ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ
السُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
__________
[ (5) ] في رواية: «إنما أخذته لأهل بيت فقراء من الجن» .
[ (6) ] (لن يزال) لم يزل. كما في رواية اخرى.
[ (7) ] أخرجه البخاري في: 40- كتاب الوكالة، (10) باب إذا وكّل رجلا فترك
الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز ... ، الحديث (2311) تعليقا، فتح
الباري (4: 487) .
وأعاده مختصرا في: 66- كتاب فضائل القرآن (10) باب فضل سورة البقرة، الحديث
(5010) فتح الباري (9: 55) تعليقا وقال عثمان بن الهيثم، حدثنا عوف به.
(7/108)
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الوليد بن مزيد قال:
أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنٌ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ
كَانَ لَهُ جرين فِيهِ تَمْرٌ. وَكَانَ أَبِي يَتَعَاهَدُهُ فَوَجَدَهُ
يَنْقُصُ، فَحَرَسَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَإِذَا هُوَ بِدَابَّةٍ تُشْبِهُ
الْغُلَامَ الْمُحْتَلِمَ قَالَ:
فَسَلَّمْتُ. فَرَدَّ السَّلَامَ فَقُلْتُ مَا أَنْتَ؟ جِنِيٌّ أَمْ
إِنْسِيٌّ؟ قَالَ: فَقَالَ: جِنِيٌّ، قَالَ:
فَقُلْتُ: نَاوِلْنِي يَدَكَ فَنَاوَلَنِي. فَإِذَا يَدُهُ يَدُ كَلْبٍ
وَشَعْرُ كَلْبٍ. قَالَ: فَقَالَ أُبَيٌّ هَكَذَا خَلْقُ الْجِنِّ. قَالَ:
لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنُّ، مَا فِيهِمْ أَحَدٌ أَشَدُّ مِنِّي. قَالَ:
فَقَالَ لَهُ أُبَيٌّ:
مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّكَ تُحِبُّ
الصَّدَقَةَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ نُصِيبَ مِنْ طَعَامِكَ. قَالَ: فَقَالَ
لَهُ أُبَيٌّ: فَمَا الَّذِي يُحْرِزُنَا مِنْكُمْ؟ قَالَ: هَذِهِ
الْآيَةُ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.. آيَةَ
الْكُرْسِيِّ. قَالَ: فَتَرَكَهُ، ثُمَّ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ الْخَبِيثُ.
كَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لَاحِقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُبَيِّ
بْنِ كَعْبٍ، عَنْ جَدِّهِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ جَرِينُ
تَمْرٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ قَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ الْبُوسَنْجِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلِيُّ
بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ
خَالِدٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ
الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ: قُلْتُ
لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ:
حَدِّثْنِي عَنْ قِصَّةِ الشَّيْطَانِ حِينَ أَخَذْتَهُ، فَقَالَ جَعَلَنِي
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى صَدَقَةِ
(7/109)
الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلْتُ التَّمْرَ فِي
غُرْفَةٍ، فَوَجَدْتُ فِيهَا نُقْصَانًا، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَذَا الشَّيْطَانُ يَأْخُذُهُ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ الْغُرْفَةَ فَأَغْلَقْتُ الْبَابَ عَلَيَّ فَجَاءَتْ
ظُلْمَةٌ عَظِيمَةٌ فَغَشِيَتِ الْبَابَ، ثُمَّ تَصَوَّرَ فِي صُورَةِ
فِيلٍ، ثُمَّ تَصَوَّرَ فِي صُورَةٍ أُخْرَى، فَدَخَلَ مِنْ شَقِّ
الْبَابِ، فَشَدَدْتُ إِزَارِي عَلَيَّ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنَ التَّمْرِ،
قَالَ: فَوَثَبْتُ عَلَيْهِ فَضَبَطْتُهُ فَالْتَفَّتْ يَدَايَ عَلَيْهِ،
فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ اللهِ.
فَقَالَ: خَلِّ عَنِّي فَإِنِّي كَبِيرٌ ذُو عِيَالٍ كَثِيرٍ، وَأَنَا
فَقِيرٌ، مِنْ جِنِّ نَصِيبِينَ، وَكَانَتْ لَنَا هَذِهِ الْقَرْيَةُ،
قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ صَاحِبُكُمْ، فَلَمَّا بعث أخرجنا منها، فخلّ عني
فَلَنْ أَعُودَ إِلَيْكَ، فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، وَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَا كَانَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الصُّبْحَ، فَنَادَى مُنَادٍ بِهِ: أَيْنَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ.
فَقُمْتُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ يَا مُعَاذُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:
أَمَا إِنَّهُ سَيَعُودُ فَعُدْ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ الْغُرْفَةَ، وَأَغْلَقْتُ عَلَيَّ الْبَابُ، فَدَخَلَ
مِنْ شَقِّ الْبَابِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنَ التَّمْرِ، فَصَنَعْتُ بِهِ
كَمَا صَنَعْتُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. فَقَالَ: خَلِّ عَنِّي فَإِنِّي
لَنْ أَعُودَ إِلَيْكَ. فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ اللهِ. أَلَمْ تَقُلْ لَا
أَعُودُ. قَالَ: فَإِنِّي لَا أَعُودُ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا
يَقْرَأُ أَحَدٌ مِنْكُمْ خَاتِمَةَ الْبَقَرَةِ فَيَدْخُلَ أَحَدٌ مِنَّا
فِي بَيْتِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ [ (8) ] .
تابعه زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَبْدَ الْمُؤْمِنِ بْنَ خَالِدٍ الحنفي.
الْمَرْوَزِيَّ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَامِدٌ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قال:
__________
[ (8) ] ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6: 321) ، وقال: «رواه الطبراني
عن شيخه يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صالح، وهو صدوق إن شاء الله كما قال
الذهبي، قال ابن ابي حاتم: وقد تكلموا فيه، وبقية رجاله وثقوا» .
(7/110)
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ لِي طَعَامٌ
فَتَبَيَّنْتُ فِيهِ النُّقْصَانَ فَكُنْتُ فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا غُولٌ
قَدْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ، فَقَبَضْتُ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ: لَا أُفَارِقُكَ،
حَتَّى أَذْهَبَ بِكِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الْعِيَالِ لَا أَعُودُ. فَحَلَفَتْ
لِي فَخَلَّيْتُهَا فَجِئْتُ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: كَذَبْتَ وَهِيَ كَذُوبٌ، وَتَبَيَّنَ لِي النُّقْصَانُ، قَالَ:
فَإِذَا هِيَ قَدْ وَقَعَتْ عَلَى الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهَا. فَقَالَتْ لِي
كَمَا قَالَتْ لِي فِي الْأُولَى. وَحَلَفَتْ أَنْ لَا تَعُودَ، فَجِئْتُ
فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَذَبَتْ،
وَهِيَ كَذُوبٌ. ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي النُّقْصَانُ، فَكَمَنْتُ لَهَا،
فَأَخَذْتُهَا فَقُلْتُ: لَا أُفَارِقُكِ أَوْ أَذْهَبُ بِكِ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم. فَقَالَتْ: ذَرْنِي حَتَّى أُعَلِّمَكَ
شَيْئًا، إِذَا قُلْتَهُ لَمْ يَقْرَبْ مَتَاعَكَ أَحَدٌ مِنَّا. إِذَا
أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأَ عَلَى نَفْسِكَ وَمَالِكَ آيَةَ
الْكُرْسِيِّ فَخَلَّيْتُهَا.
فَجِئْتُ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ صَدَقْتَ وَهِيَ كَذُوبٌ، صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ.
كَذَا قَالَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَهَذَا
غَيْرُ قِصَّةِ مُعَاذٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا مَحْفُوظَيْنِ.
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ
ذَلِكَ أَيْضًا.
وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ أن زيدا بْنَ ثَابِتٍ خَرَجَ إِلَى
حَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ فَسَمِعَ جَلَبَةً، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ
الْجَانِّ: أَصَابَتْنَا سَنَةٌ، فَأَحْبَبْنَا أَنْ تُطَيِّبُوا لَنَا
مِنْ ثِمَارِكُمْ، فَنُصِيبُ مِنْهَا، ثُمَّ عَلَّمَهُ مَا يُعَوِّذُ
بَيْنَهُمْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ.
(7/111)
بَابُ مَا رُوِيَ [ (1) ] فِي شَأْنِ
الرَّجُلِ الَّذِي تَبِعَهُ شَيْطَانَانِ، ثُمَّ رُدًّا عَنْهُ، وَأُمِرَ
بِالسَّلَامِ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ
[ (2) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مَعْبَدٍ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خَيْبَرَ فَاتَّبَعَهُ رَجُلَانِ، وَآخَرُ
يَتْلُوهُمَا، يَقُولُ: ارْجِعَا، حَتَّى أَدْرَكَهُمَا، فَرَدَّهُمَا،
ثُمَّ لَحِقَ الْأَوَّلَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ شَيْطَانَانِ، وَإِنِّي
لَمْ أَزَلْ بِهِمَا، حَتَّى رَدَدْتُهُمَا عَنْكَ، فَإِذَا أَتَيْتَ عَلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ،
وَأَخْبِرْهُ أَنَّا فِي جَمْعِ صَدَقَاتِنَا. وَلَوْ كَانَ يَصْلُحُ لَنَا
لَبَعَثْنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ، وَحَدَّثَهُ فَنَهَى
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ عَنِ الخلوة.
__________
[ (1) ] في (ح) : «بَابُ مَا جَاءَ» .
[ (2) ] فِي (ح) : «عليه الصلاة والسلام» .
(7/112)
بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِنْصَارِ حَبِيبِ
بْنِ مَسْلَمَةَ [ (1) ] وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِلَا حول ولا قوة إلا
بِاللهِ [الْعُلِيِّ الْعَظِيمِ] [ (2) ] وَمَا جَاءَ فِي دُعَائِهِ مَعَ
أَصْحَابِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ
بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا
قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْيَمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الْأَشْيَاخِ
أَنَّ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ كَانَ يَسْتَحِبُّ إِذَا لَقِيَ عَدُوًّا
أَوْ نَاهَضَ حِصْنًا قَوْلَ: لَا حَوْلَ ولا قوة إلا بالله وَإِنَّهُ
نَاهَضَ يَوْمًا حِصْنًا، فَانْهَزَمَ الرُّومُ، فَقَالَهَا، وَقَالَهَا
الْمُسْلِمُونَ، فَانْصَدَعَ الْحِصْنُ [ (3) ] .
وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ
أَنَّهُ أُمِّرَ عَلَى جَيْشٍ، فَدَرَّبَ الدُّرُوبَ. فَلَمَّا أَتَى
الْعَدُوَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ:
__________
[ (1) ] هو حبيب بن مسلمة بن مالك بن وهب، ابو عبد الرحمن الفهري، نزل
الشام، قال البخاري: «له صحبة» وقال مصعب الزبيري «كان يقال له: حبيب
الروم» لكثرة جهاده فيهم، وقال ابن سعد:
كان له يوم تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم اثنتا عشرة سنة،
وقال ابن معين: اهل الشام يثبتون صحبته.
ولم يزل مع معاوية في حروبه وهو الذي فتح ارمينية، وكان مجاب الدعوة.
الإصابة (1: 309) .
تهذيب تاريخ دمشق (4: 38) .
[ (2) ] الزيادة من (ح) .
[ (3) ] تهذيب تاريخ دمشق الكبير (4: 41) .
(7/113)
لَا يَجْتَمِعُ مَلَأٌ [ (4) ] فَيَدْعُوا
بَعْضُهُمْ وَيُؤَمِّنُ بَعْضُهُمْ إِلَّا أَجَابَهُمُ اللهُ. ثُمَّ
إِنَّهُ حَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللهُمَّ احْقِنْ
دِمَاءَنَا، وَاجْعَلْ أُجُورَنَا أُجُورَ الشُّهَدَاءِ. فَبَيْنَمَا هُمْ
عَلَى ذَلِكَ، إِذْ نَزَلَ الْهِيَاطُ [ (5) ] أَمِيرُ الْعَدُوِّ،
فَدَخَلَ عَلَى حَبِيبٍ سرادقه
[ (6) ] .
__________
[ (4) ] في (ف) «قوم» .
[ (5) ] الهياط بالرومية: صاحب الجيش.
[ (6) ] الخبر في تهذيب تاريخ ابن عساكر (4: 41) وعزاه للطبراني وللبيهقي.
وقد ساق ابن عساكر جملة من اخباره، ثم قال: مات حبيب بن مسلمة بدمشق، وكانت
وفاته سنة اثنتين وأربعين، وحكى خليفة بن خياط انه توفي بأرمينية.
وحكى الواقدي في كتاب الصوائف ان حبيبا وعمرو بن العاص ماتا في سنة واحدة،
فقال معاوية لامرأته: قد كفاني الله موتة رجلين! اما أحدهما فكان يقول:
الإمرة الإمرة فلا ادري ما اصنع به يعنى عمرو واما الآخر، فكان يقول: السنة
السنة.
(7/114)
بَابُ مَا جَاءَ فِي حِرْزِ الرُّبَيِّعِ
بِنْتِ مُعَوِّذِ بن عَفْرَاءَ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ
الْمُؤَذِّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر ابن خَنْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أيوب
سليمان ابن بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ،،
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الْعَزِيزِ
الرَّبَذِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، تُخْبِرُ
عَنِ أُمِّهَا الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بن عَفْرَاءَ قَالَتْ:
بَيْنَمَا أَنَا قَابِلَةٌ، قَدْ أَلْقَيْتُ عَلَيَّ مِلْحَفَةً لِي، إِذْ
جَاءَنِي أَسْوَدُ يُعَالِجُنِي عَنْ نَفْسِي، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُوَ
يُعَالِجُنِي، أَقْبَلَتْ صحيفة من ورقة صَفْرَاءُ تَهْوِي مِنَ
السَّمَاءِ، حَتَّى وَقَعَتْ عِنْدَهُ، فَقَرَأَهَا فَإِذَا فِيهَا: بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ رَبِّ لَكِينٍ إِلَى لَكِينٍ أَمَّا
بَعْدُ- فَدَعْ أَمَتِي بِنْتَ عَبْدِيَ الصَّالِحِ، فَإِنِّي لَمْ
أَجْعَلْ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيلًا. قَالَتْ: فَانْتَهَرَنِي بِقَرْصَةٍ.
وَقَالَ: أَوْلَى لَكِ. فَمَا زَالَتِ القرصة
__________
[ (1) ] الرّبيّع بنت معوّذ بن عفراء الانصارية في بني النجار، لها صحبة
ورواية، وقد زارها النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة عرسها صلة لرحمها، عمّرت
دهرا، وروت أحاديث.
لها ترجمة في طبقات ابن سعد (8: 447) ، والإصابة (4: 300) ، وتهذيب التهذيب
(12:
418) وغيرهما وقد كانت تغزو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم
فتسقي القوم، وتخدمهم وترد القتلى الى المدينة، وتداوي الجرحى.
(7/115)
فِيهَا حَتَّى لَقِيَتِ اللهَ عَزَّ
وَجَلَّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْدَعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، قال: أخبرنا محمد ابن
قُدَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ
الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا [ (2) ] أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كانت ابنة عوف بن
عَفْرَاءَ، مُسْتَلْقِيَةً عَلَى فِرَاشِهَا، فَمَا شَعُرَتْ إِلَّا
بِزِنْجِيٍّ، قَدْ وَثَبَ عَلَى صَدْرِهَا، وَوَضَعَ يَدَهُ فِي حَلْقِهَا،
فَإِذَا صَحِيفَةٌ صَفْرَاءُ، تَهْوِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ،
حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى صَدْرِي. فَأَخَذَهَا- تَعْنِي الزَّنْجِيُّ-
فَقَرَأَهَا، فَإِذَا فِيهَا: مِنْ رَبِّ لَكِينٍ إِلَى لكين: اجتنب ابن
الْعَبْدِ الصَّالِحِ، فَإِنَّ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، فَقَامَ
وَأَرْسَلَ يَدَهُ مِنْ حَلْقِي، وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى رُكْبَتِي،
فَاسْوَدَّتْ، حَتَّى صَارَتْ مِثْلَ رَأْسِ الشَّاةِ. قَالَتْ: فَأَتَيْتُ
عَائِشَةَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهَا. فَقَالَتْ: يَا ابْنَةَ أَخِي إِذَا
حِضْتِ، فَاجْمَعِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَضُرَّكِ بإن
شَاءَ اللهُ- قَالَ: فَحَفِظَهَا اللهُ بِأَبِيهَا، إِنَّهُ عَلِيٌّ كَانَ
قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ شَهِيدًا. كَذَا فِي كِتَابِي بنت عوف بن عَفْرَاءَ.
وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بن
عَفْرَاءَ، وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيُّ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَفَاةُ،
فَاجْتَمَعَ عِنْدَهَا نَاسٌ مِنَ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ عُرْوَةُ،
وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ
عِنْدَهَا وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا، إِذْ سَمِعُوا نَقِيضًا مِنَ
السَّقْفِ فَإِذَا ثُعْبَانٌ أَسْوَدُ قَدْ سَقَطَ، كَأَنَّهُ جِذْعٌ
عَظِيمٌ، فَأَقْبَلَ يَهْوِي نَحْوَهَا إِذْ سَقَطَ رَقٌّ أَبْيَضُ فِيهِ
مَكْتُوبٌ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» .
__________
[ (2) ] في (ح) : «حدثني» .
(7/116)
مِنْ رَبِّ كَعْبٍ إِلَى كَعْبٍ- لَيْسَ
لَكَ عَلَى بَنَاتِ الصَّالِحِينَ سَبِيلٌ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى
الْكِتَابِ سَمَا حَتَّى خَرَجَ مِنْ حَيْثُ نَزَلَ..
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا بن أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ
قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي
وَقَّاصٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، وَأَنَّهُ كَانَ
يَوْمًا قَاعِدًا فِي أَصْحَابِهِ، إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ امْرَأَتِهِ،
فَقَالَ: إِنَّ فُلَانَةَ تَدْعُوكَ. فَذَكَرَ امْتِنَاعَهُ حَتَّى رَدَّتْ
إِلَيْهِ الرَّسُولَ، فَقَامَ إِلَيْهَا سَعْدٌ، فَقَالَ:
مالك أَجُنِنْتِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى حَيَّةٍ عَلَى الْفِرَاشِ. فَقَالَتْ:
تَرَى هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ يَتْبَعُنِي، إِذْ كُنْتُ فِي أَهْلِي،
وَإِنِّي لَمْ أَرَهُ مُنْذُ دَخَلْتُ عَلَيْكَ قَبْلَ يَوْمِي هَذَا.
فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: أَلَا تَسْمَعُ أَنَّ هَذِهِ امْرَأَتِي،
تَزَوَّجْتُهَا بِمَالِي، وَأَحَلَّهَا اللهُ لِي، وَلَمْ يُحِلَّ لك منها
شيء، فَاذْهَبْ. فَإِنَّكَ إِنْ عُدْتَ قَتَلْتُكَ. قَالَ: فَانْسَابَ
حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ، وَأَمَرَ سَعْدٌ إِنْسَانًا
يَتْبَعُهُ أَيْنَ يَذْهَبُ. فَاتَّبَعَهُ حَتَّى دَخَلَ مِنْ بَابِ
مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ فِي
وَسَطِهِ وَثَبَ وَثْبَةً فَإِذَا هُوَ فِي السَّقْفِ.
قَالَ: فَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
(7/117)
بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ حِرْزِ أَبِي
دُجَانَةَ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيَهِ الْمَرْوَزِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ علي ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
الْحَبِيبِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دُجَانَةَ،
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَبِي دُجَانَةَ، وَاسْمُ
أَبِي دُجَانَةَ «سِمَاكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ لَوْزَانَ
الْأَنْصَارِيُّ» أَمْلَاهُ عَلَيْنَا بِمَكَّةَ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ
بِبَابِ الصَّفَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ [ (2) ] ،
وَكَانَ مَخْضُوبَ اللِّحْيَةِ. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ
سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي سَلَمَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ
__________
[ (1) ] أبو دجانة الأنصاري، واسمه: سماك بن خرشة بن لوذان، بْنِ عَبْدِ
وُدِّ بْنِ زيد الساعدي.
كان يوم احد معلما بعصابة حمراء، وثبت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه
وسلم وبايعه على الموت، وهو ممن شارك في قتل مسيلمة الكذاب ثم استشهد
يومئذ.
وقد عَرْضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم سيفه، وقال: «مَنْ يَأْخُذُ
هَذَا السَّيْفَ بحقه؟، فأحجم الناس عنه، فقال أبو دجانة: وما حقه يَا
رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: تقاتل به فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى يفتح الله عليك
او تقتل، فأخذه بذلك الشرط. فلما كان قبل الهزيمة يوم احد خرج بسيفه مصلتا
وهو يتبختر ويرتجز شعرا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «أَنَّهَا لمشية يبغضها الله ورسوله إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا
الموطن» .
ترجمته في طبقات ابن سعد (3: 2: 101) ، الاستبصار (101- 103) ، الإصابة (4:
58) وغيرها.
[ (2) ] في (ف) : «خمس وستين ومائتين» .
(7/118)
اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَبْدُ
اللهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي زَيْدُ بْنُ
خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي خَالِدُ بْنُ أَبِي دُجَانَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبِي أَبَا دُجَانَةَ يَقُولُ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بَيْنَمَا
أَنَا مُضْطَجِعٌ فِي فِرَاشِي، إِذْ سَمِعْتُ فِي دَارِي صَرِيرًا
كَصَرِيرِ الرَّحَى، وَدَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ، وَلَمْعًا كَلَمْعِ
الْبَرْقِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَزِعًا مَرْعُوبًا، فَإِذَا أَنَا بِظِلٍّ
أَسْوَدَ مَوْلًى يَعْلُو، وَيَطُولُ فِي صَحْنِ دَارِي فَأَهْوَيْتُ
إِلَيْهِ فَمَسَسْتُ جِلْدَهُ، فَإِذَا جِلْدُهُ كَجِلْدِ الْقُنْفُذِ،
فَرَمَى فِي وَجْهِي مِثْلَ شَرَرِ النَّارِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ
أَحْرَقَنِي، [وَأَحْرَقَ دَارِي] [ (3) ] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَامِرُكَ عَامِرُ سُوءٍ يَا أَبَا دُجَانَةَ وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ! وَمِثْلُكَ يُؤْذَى يَا أَبَا دُجَانَةَ! ثُمَّ قَالَ:
ائْتُونِي بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ، فَأُتِيَ بِهِمَا فَنَاوَلَهُ عَلِيَّ
بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ: اكْتُبْ يَا أَبَا الْحَسَنِ. فَقَالَ: وَمَا
أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى مَنْ طَرَقَ الدَّارَ مِنَ الْعُمَّارِ،
وَالزُّوَّارِ، وَالصَّالِحِينَ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا
رَحْمَنُ. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ لَنَا، وَلَكُمْ فِي الْحَقِّ سَعَةً، فَإِنْ تَكُ عَاشِقًا
مُولَعًا، أَوْ فَاجِرًا مُقْتَحِمًا أَوْ رَاغِبًا حَقًّا أَوْ مُبْطِلًا،
هَذَا كِتَابُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْطِقُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ
بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ،
وَرُسُلُنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ، اتْرُكُوا صَاحِبَ كِتَابِي
هَذَا، وَانْطَلِقُوا إِلَى عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، وَإِلَى مَنْ يَزْعُمُ
أَنَّ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ.
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ
الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ ترجعون. يُغْلَبُونَ «حم» لَا يُنْصَرُونَ، حم عسق،
تُفَرِّقَ أَعْدَاءَ اللهِ، وَبَلَغَتْ حُجَّةُ اللهِ، وَلَا حَوْلَ ولا
قوة إلا بالله فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ..
قَالَ أَبُو دُجَانَةَ: فَأَخَذْتُ الْكِتَابَ فَأَدْرَجْتُهُ وَحَمَلْتُهُ
إِلَى دَارِي، وَجَعَلْتُهُ تَحْتَ رَأْسِي وَبِتُّ لَيْلَتِي فَمَا
انْتَبَهْتُ إِلَّا مِنْ صُرَاخِ صَارِخٍ يَقُولُ: يَا أَبَا دُجَانَةَ!
أحرقتنا،
__________
[ (3) ] ما بين الحاصرتين سقطت من (ف) .
(7/119)
وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، الْكَلِمَاتُ
بِحَقِّ صَاحِبِكَ لَمَا رَفَعْتَ عَنَّا هَذَا الْكِتَابَ، فَلَا عَوْدٌ
لَنَا فِي دَارِكَ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِي أَذَاكَ، وَلَا فِي جِوَارِكَ،
وَلَا فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْكِتَابُ.
قَالَ أَبُو دُجَانَةَ فَقُلْتُ لَا، وَحَقِّ صَاحِبِي رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأرفعنه حَتَّى أَسْتَأْمِرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو دُجَانَةَ: فَلَقَدْ طَالَتْ عَلَيَّ
لَيْلَتِي بِمَا سَمِعْتُ مِنْ أَنِينِ الْجِنِّ وَصُرَاخِهِمْ
وَبُكَائِهِمْ، حَتَّى أَصْبَحْتُ فَغَدَوْتُ، فَصَلَّيْتُ الصُّبْحَ مَعَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا
سَمِعْتُ مِنَ الْجِنِّ لَيْلَتِي، وَمَا قُلْتُ لَهُمْ. فَقَالَ لِي: يَا
أَبَا دُجَانَةَ ارفع عن القوم، فو الذي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيًّا
إِنَّهُمْ لَيَجِدُونَ أَلَمَ الْعَذَابِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
تَابَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ
بْنِ عُمَيْرٍ الرَّازِيِّ الْحَافِظِ عَنْ أَبِي دُجَانَةَ مُحَمَّدِ بْنِ
أَحْمَدَ هَذَا.
وَقَدْ رُوِيَ فِي حِرْزِ أَبِي دُجَانَةَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ، وَهُوَ
مَوْضُوعٌ لَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ [ (4) ] [وَاللهُ تَعَالَى اعلم
بالصواب] [ (5) ] .
__________
[ (4) ] ذكره ابن الجوزي في تذكرة الموضوعات (211) ، والسيوطي في اللآلئ
المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (2: 347) .
[ (5) ] من (ح) فقط.
(7/120)
بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْأَمَانِ مِنَ
السَّرَقِ وَالْحَرَقِ
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد عبد الله بن
محمد ابن بِنْتِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قال:
حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين ابن مَنْصُورٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي مَنْصُورُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نَهْشَلُ بْنُ
سَعِيدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ
الْأَسْماءُ الْحُسْنى [ (1) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ أَمَانٌ مِنَ
السَّرَقِ،
وَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَاهَا حَيْثُ أَخَذَ مَضْجَعَهُ، فَدَخَلَ
عَلَيْهِ سَارِقٌ فَجَمَعَ مَا فِي الْبَيْتِ وَحَمَلَهُ، وَالرَّجُلُ
لَيْسَ بِنَائِمٍ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الباب فوجد الْبَابِ مَرْدُودًا
فَوَضَعَ الْكَارَةَ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَضَحِكَ صَاحِبُ
الدَّارِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أَحْصَنْتُ بَيْتِيَ فَذَهَبَ اللِّصُّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمُقْرِئُ، قَالَ [ (2) ] : أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْفَقِيهُ
السَّرَخْسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَغْلَبُ بْنُ تَمِيمٍ! قال: حدثنا
__________
[ (1) ] الآية الكريمة (110) من سورة الإسراء.
[ (2) ] نقله السيوطي في الدر المنثور (4: 206) عن المصنف.
(7/121)
الْحَجَّاجُ بْنُ فُرَافِصَةَ، عَنْ طَلْقٍ
قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: يَا أَبَا
الدَّرْدَاءِ. احْتَرَقَ بَيْتُكَ قَالَ: مَا احْتَرَقَ بَيْتِي. ثُمَّ
جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ احْتَرَقَ بَيْتُكَ.
قَالَ مَا احْتَرَقَ. ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: يَا أَبَا
الدَّرْدَاءِ. انْبَعَثَتِ النَّارُ، فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَى بَيْتِكَ
طُفِئَتْ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ إن الله عز وجل لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ.
قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ مَا نَدْرِي أَيُّ كَلَامِكَ أَعْجَبُ.
قَوْلُكَ: مَا احْتَرَقَ، أَوْ قَوْلُكَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللهَ عَزَّ
وَجَلَّ- لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَهُ. قَالَ: ذَاكَ لِكَلِمَاتٍ
سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، مَنْ
قَالَهَا. أَوَّلَ النَّهَارِ لَمْ تُصِبْهُ مُصِيبَةٌ حَتَّى يُمْسِيَ،
وَمَنْ قَالَهَا آخِرَ النَّهَارِ لَمْ تُصِبْهُ حَتَّى يُصْبِحَ. اللهُمَّ
أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَأَنْتَ
رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ
لَمْ يَكُنْ، لَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ
الْعَظِيمِ. أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ
اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ
مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ، وَمِنْ شَرٍّ كُلِّ
دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا. إِنَّ رَبِّي عَلَى صراط مستقيم
[ (3) ] .
__________
[ (3) ] ذكره ابن السني في اليوم والليلة (20- 21) ، وسنده ضعيف.
(7/122)
بَابُ مَا جَاءَ فِي مُصَارَعَةِ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) شَيْطَانًا
لَقِيَهُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي الجنود، عَنْ زِرٍّ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ:
أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَقِيَ شَيْطَانًا فَصَرَعَهُ، أَحْسِبُهُ قَالَ لَهُ الشَّيْطَانُ:
دَعْنِي أُعَلِّمْكَ شَيْئًا، لَا تَقُولُهُ فِي بَيْتٍ فِيهِ شَيْطَانٌ
إِلَّا خَرَجَ.
أَظُنُّهُ فَعَلَّمَهُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ. قَالَ زِرٌّ فَقِيلَ لِابْنِ
مَسْعُودٍ مَنْ هُوَ؟ قَالَ: مَنْ تَرَوْنَهُ إِلَّا ابْنَ الْخَطَّابِ [
(1) ] .
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ مِنْ حَدِيثِ
الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ،
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ
الْجِنِّ لَقِيَهُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تُصَارِعَنِي؟ فَذَكَرَهُ.
وَذَكَرَ صفته.
__________
[ (1) ] ذكره الهيثمي في الزوائد (9: 70- 71) ، وعزاه للطبراني.
(7/123)
بَابُ مَا جَاءَ فِي قِتَالِ عَمَّارِ بْنِ
يَاسِرٍ مَعَ الْجِنِّ، وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم
عَنْهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ
بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ عَمَّارُ بْنُ
يَاسِرٍ يَقُولُ: قَدْ قَاتَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ. فَقِيلَ: هَذَا الْإِنْسُ قَدْ قَاتَلْتَ.
فَكَيْفَ قَاتَلْتَ الْجِنَّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلم إِلَى بِئْرٍ أَسْتَقِي مِنْهَا، فَلَقِيتُ الشَّيْطَانَ فِي
صُورَتِهِ، حَتَّى قَاتَلَنِي فَصَرَعْتُهُ، ثُمَّ جَعَلْتُ أُدْمِي
أَنْفَهُ بِفِهْرٍ مَعِي، أَوْ حَجَرٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَمَّارًا لَقِيَ الشَّيْطَانَ عِنْدَ بِئْرٍ
فَقَاتَلَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ سَأَلَنِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِالْأَمْرِ.
فَقَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ
جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمَّارٍ
بِمِثْلِهِ.
هَذَا الْإِسْنَادُ الْأَخِيرُ صَحِيحٌ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ.
أَلَيْسَ فِيكُمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ الَّذِي أَجَارَهُ اللهُ مِنَ
الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(7/124)
بَابُ مَا جَاءَ فِي سُؤَالِ إِبْلِيسَ
عَنِ الدِّينِ لِيُشَكِّكَ [ (1) ] النَّاسَ فِيهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ،
حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْبَحِ النَّاسِ وَجْهًا وَأَقْبَحِهِمْ ثِيَابًا،
وَأَنْتَنِ النَّاسِ رِيحًا، جَلْقٌ جَافٍ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ،
حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
فَقَالَ: مَنْ خَلَقَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: اللهُ. قَالَ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: اللهُ. قَالَ:
مَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ:
اللهُ. قَالَ: مَنْ خَلَقَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلم: سُبْحَانَ اللهِ، وَأَمْسَكَ بِجَبْهَتِهِ، وَطَأْطَأَ
رَأْسَهُ، وَقَامَ الرَّجُلُ فَذَهَبَ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ، فَقَالَ عَلَيَّ بِالرَّجُلِ:
فَطَلَبْنَاهُ فَكَأَنْ لَمْ يَكُنْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا إِبْلِيسُ جَاءَ يُشَكِّكُكُمْ فِي دينكم
[ (2) ] .
__________
[ (1) ] ورد هذا الباب في نسختي (ف) و (ك) متقدما وبعد بَابُ «مَا يُذْكَرُ
مِنْ حِرْزِ أَبِي دُجَانَةَ» وما أثبتناه موافق لترتيب نسختي (أ) و (ح) .
[ (2) ] اسناده صحيح، والخصيب بن ناصح وثقه ابن حبان، وقال ابو زرعة: «لا
بأس به» .
(7/125)
بَابُ مَا ظَهَرَ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ عَنِ
الْإِسْلَامِ فِي وَقْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ مِنَ النَّكَالِ، ثُمَّ مَنْ قَتَلَ مَنْ شَهِدَ
بِالْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دَلَائِلِ
النُّبُوَّةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّصْرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ:
كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ،
وَآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم
فَانْطَلَقَ هَارِبًا، حَتَّى لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ:
فَرَفَعُوهُ. قَالُوا، هَذَا كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ، فَأُعْجِبُوا
بِهِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ [ (1) ] فَحَفَرُوا لَهُ،
فَوَارَوْهُ، فأصبحت الأرض قد نبدته عَلَى وَجْهِهَا [ (2) ] ، فَتَرَكُوهُ
مَنْبُوذًا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي
النَّضْرِ [ (3) ] .
زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنْ سُلَيْمَانَ مِرَارًا [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر أحمد
__________
[ (1) ] (قصم الله عنقه) اي أهلكه.
[ (2) ] (نبذته) أي طرحته.
[ (3) ] أخرجه مسلم في: 50- كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، الحديث (14) ، ص
(4: 2145) .
[ (4) ] يقصد بذلك تكملة الحديث «ثم عادوا فحضروا لَهُ، فَوَارَوْهُ،
فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، ثم عادوا
فَحَفَرُوا لَهُ، فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ
عَلَى وجهها، فتركوه منبوذا» .
(7/126)
ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ
مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ،
وَآلَ عِمْرَانَ، قَالَ: فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَعَادَ نَصْرَانِيًّا وَكَانَ يَقُولُ: مَا
أَرَى يحسن محمدا إِلَّا مَا كُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللهُ-
عَزَّ وَجَلَّ- فَأَقْبَرُوهُ، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ.
قَالُوا: هَذَا عَمَلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، إِنَّهُ لَمَّا لَمْ
يَرْضَ دِينَهُمْ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا، فَأَلْقَوْهُ. قَالَ:
فَحَفَرُوا لَهُ، فَأَعْمَقُوا فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ
وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ،
وَأَنَّهُ مِنَ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ
الْوَارِثِ، وَرَوَاهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
بِمَعْنَاهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَمِمَّا زَادَ: فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْبَلُهُ
الْأَرْضُ، فَذُكِرَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ أَتَى الْأَرْضَ الَّتِي مَاتَ
فِيهَا، فَوَجَدَهُ مَنْبُوذًا.
فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا دَفَنَّاهُ مِرَارًا، فَلَمْ تَقْبَلْهُ
الْأَرْضُ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُوسُ بْنُ
الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ
قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ
بْنُ حَسَنٍ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ
قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ
عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ السُّمَيْطِ بْنِ السُّمَيِّرِ، عَنْ عِمْرَانَ
بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ، بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَرِيَّةً، قَالَ: فَحَمَلَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مِنَ المشركين،
__________
[ (5) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، (25) باب علامات النبوة في
الإسلام، الحديث (3617) ، فتح الباري (6: 624) .
(7/127)
فَلَمَّا غَشِيَهُ بِالرُّمْحِ، قَالَ:
إِنِّي مُسْلِمٌ، فَقَتَلَهُ، قَالَ: ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ. إِنِّي قَدْ أَحْدَثْتُ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ:
وَمَا أَحْدَثْتَ؟ قَالَ: إِنِّي حَمَلْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ. فَلَمَّا غَشَيْتُهُ بِالرُّمْحِ قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ.
فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مُتَعَوِّذٌ، فَقَتَلْتُهُ، قَالَ: «فَهَلَّا شَقَقْتَ
عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ» ؟
فَقَالَ: وَيَسْتَبِينُ لِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: فَقَدْ قَالَ لَكَ
بِلِسَانِهِ، فَلَمْ تُصَدِّقْ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ» .
قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثِ الرَّجُلُ أَنْ مَاتَ فَدَفَنَّاهُ، فَأَصْبَحَ
عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. قَالَ:
فَقُلْنَا: عَدُوٌّ نَبَشَهُ. قَالَ: فَأَمَرْنَا غِلْمَانَنَا،
وَمَوَالِيَنَا فَحَرَسُوهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ:
فَقُلْنَا: اغْفَلُوا عَنْهُ، فَحَرَسْنَاهُ فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ. قَالَ:
فَأَتَيْنَا النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَنَاهُ، قَالَ:
إِنَّهَا لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللهَ أَحَبَّ أَنْ
يُعَظِّمَ الذَّنْبَ. ثُمَّ قَالَ، «اذْهَبُوا إِلَى سَفْحِ هَذَا
الْجَبَلِ، فَانْضِدُوا عَلَيْهِ من الحجارة»
[ (6) ] .
__________
[ (6) ] الحديث بإسناده وعن عمران بن حصين أخرجه ابن ماجة في: 36- كتاب
الفتن، (1) باب الكف عمن قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» الحديث (3930) ،
ص (1296) وقال في «مجمع الزوائد» : «هذا إسناد حسن والسميط وثقه العجلي،
وروى له مسلم في صحيحه» .
والحديث له شاهد في صحيح مسلم في: 1- كتاب الإيمان، الحديث (158) ، ص (1:
96) في سرية اسامة بن زيد الى الحرقات من جهينة.
(7/128)
بَابُ مَا أُعْطِيَ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ
الْآيَاتِ وَمَا أُعْطِيَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنَ الْآيَةِ الْكُبْرَى، الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا قَوْمُهُ،
حَتَّى آمَنَ عَلَيْهَا مَنْ أَرَادَ اللهُ بِهِ مِنْهُمْ خَيْرًا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَ:
«مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ، إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ
الْآيَاتِ ما مثله من عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي
أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ
أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يوسف، وغيره
عَنِ اللَّيْثِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ
[ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ علي
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 66- كتاب فضائل القرآن (1) باب كيف نزل الوحى
وأول ما نزل.
الحديث (4981) ، ص (9: 3) ، وأعاده البخاري في الاعتصام عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ عبد الله.
وأخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان، (71) باب وجوب الإيمان برسالة نَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلم الحديث (239) ، ص (1: 134) عَنْ
قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ.
(7/129)
الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ
الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «مَا صُدِّقَ نَبِيٌّ مَا صُدِّقْتُ. إِنَّ
مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا رَجُلٌ
وَاحِدٌ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
عَنْ حُسَيْنٍ الجعفي [ (2) ] .
__________
[ (2) ] أخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان، (85) باب فِي
قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم «أنا أول الناس يشفع في الجنة،
وَأَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا» ،
الحديث (332) ، ص (1: 188) .
(7/130)
بَابُ مَا جَاءَ فِي نُزُولِ الْقُرْآنِ
وَهُوَ نُزُولُ الْمَلَكِ بِمَا حَفِظَ مِنْ كَلَامِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-
إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نُزُولِهِ بِهِ مُفَصَّلًا عَلَى نبينا
صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ وَقْتِ الْبَعْثِ إِلَى حَالِ الْوَفَاةِ
[صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
[ (1) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ
الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
فِي قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
[ (2) ] . قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ جُمْلَةً
وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ بِمَوقِعِ النُّجُومِ،
فَكَانَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ
عليه وَسَلَّمَ، بَعْضُهُ فِي أَثَرِ بَعْضٍ.
قَالَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ
عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ
فُؤادَكَ، وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا ... [ (3) ] .
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا
لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ
__________
[ (1) ] من (ح) .
[ (2) ] الآية الكريمة (1) من سورة القدر.
[ (3) ] الآية الكريمة (32) من سورة الفرقان.
(7/131)
بِعِشْرِينَ سَنَةً: وَلا يَأْتُونَكَ
بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [ (4) ] .
وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ
وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [ (5) ] .
__________
[ (4) ] الآية الكريمة (33) من سورة الفرقان.
[ (5) ] الآية الكريمة (106) من سورة الإسراء.
(7/132)
بَابُ تَتَابُعِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ فِي
آخِرِ عُمُرِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى
النَّيْسَابُورِيُّ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ
سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
مُحَمَّدٍ النَّاقِدِ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عن صالح ابن كَيْسَانَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسٌ أَنَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ-
تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِهِ. أَكْثَرُ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةِ
مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَبْلَ وَفَاتِهِ، حَتَّى تُوُفِّيَ. وأَكْثَرُ مَا
كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عن عمرو الناقد [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 66- كتاب فضائل القرآن (1) باب كيف نزول الوحي
وأول ما نزل، فتح الباري (9: 3) ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ.
وأخرجه مسلم في: 54- كتاب التفسير، الحديث (2) ، ص (4: 2312) عَنْ عَمْرِو
بْنِ مُحَمَّدٍ.
قوله: تابع أي: انزل الله تعالى الوحي متتابعا متواترا أكثر ما كان، وكان
ذلك قرب وفاته اي الزمان الذي وقعت فيه وفاته كان نزول الوحي أكثر من غيره
من الأزمنة.
(7/133)
بَابُ آخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ جَمِيعًا
وَمَا فِيهَا مِنْ نَعْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّبِيعِيُّ
بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي
غَرَزَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ
عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْلَمُ آخِرَ
سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ جَمِيعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ.. إِذا جاءَ
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ.. قَالَ: صَدَقْتَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
وَغَيْرِهِ، عَنْ جعفر ابْنِ عَوْنٍ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ
الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِذا جاءَ
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قَالَ، أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلم أَعْلَمَهُ. إِذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ
أَجَلِكَ.
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم في: 54- كتاب التفسير، الحديث (21) عَنْ أَبِي بَكْرِ
بْنِ أبي شيبة، ص (4:
2318) .
(7/134)
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (2) ] فِي
الصَّحِيحِ كَمَا مَضَى. وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ
لَهُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مِثْلَ مَا تَعْلَمُ [ (3) ] .
__________
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة النصر (4) باب
قوله «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً»
، الحديث (4970) ، فتح الباري (8: 734- 735) .
[ (3) ] جمع السيوطي في «الدر المنثور» (6: 406) جملة اخبار عن سورة النصر،
وبعضها يرجح أنها آخر ما نزل من القرآن، وبعضها يرجح انه قد نعيت الى رسول
الله صلّى الله عليه وسلم نفسه فيها بعد ان أتم الله- سبحانه- نصره. وسيأتي
بيان ذلك في الباب التالي باب آخر سورة نزلت، وآخر آية أنزلت.
(7/135)
بَابُ آخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ وَآخَرِ
آيَةٍ نَزَلَتْ فِيمَا قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، ثُمَّ فِيمَا قَالَ
غَيْرُهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ
اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ:
آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي
الْكَلالَةِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمَةَ، عَنْ
وَكِيعٍ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ
يَقُولُ: آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ، بَرَاءَةٌ، وَآخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يَسْتَفْتُونَكَ....
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ،
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غندر عن شعبة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم في: 23- كتاب الفرائض، (3) باب آخر آية أنزلت آية
الكلالة، الحديث (10) ص (3: 1236) .
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، (4) سورة النساء (27) باب
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ.
(7/136)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ الْمُنَادِي.
(ح) وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْبَاغَنْدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ... [ (3) ]
نَزَلَتْ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْتِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَاحِدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا [ (4) ] .
زَادَ الْمُنَادِي فِي رِوَايَتِهِ نَزَلَتْ بِمِنًى كَذَا فِي رِوَايَةِ
الْكَلْبِيِّ.
وَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (5)
] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى. عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ.
النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
آخِرُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ
فِيهِ إِلَى اللَّهِ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ
__________
[ () ] وأخرجه مسلم في: 23- كتاب الفرائض (3) باب آخر آية أنزلت آية
الكلالة، الحديث (11) ، ص (3: 1236) .
[ (3) ] الآية الكريمة (281) من سورة البقرة.
[ (4) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور (1: 37) وقال: أخرجه الفريابي، وعبد
بن حميد، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل من طريق الْكَلْبِيِّ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
[ (5) ] فِي (ف) : «أخبرني» .
[ (6) ] ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (1: 369- 370) ، وقال: أخرجه أبو
عبيد، وعبد بن حميد، والنسائي وان جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في
المصاحف، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل من طريق ابن عباس،
وأخرج ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ السدي، وعطية العوفي مثله.
(7/137)
أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
آخِرُ آيَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ، آيَةُ
الرِّبَا [ (7) ] . وَإِنَّا لَنَأْمُرُ بِالشَّيْءِ لَا نَدْرِي، لعلَّ
لَيْسَ بِهِ بأسٌ وَنَنْهَى عَنِ الشَّيْءِ لعلَّ بِهِ بأسٌ [ (8) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ آخِرُ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ- آيَةُ الرِّبَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
طَاهِرٍ الْمُحَمَّدْ آبَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي الشَّعْرَانِيَّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شَاهُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَرُوزِيُّ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي
رَأَيْتُ خَمْسَةَ أَوْثُقٍ مِنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
__________
[ (7) ] آية الربا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ تُبْتُمْ
فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ، وَإِنْ
كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الآيات (278- 280) من سورة البقرة.
[ (8) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة (53) باب
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى الله) ، الحديث (4544) ، فتح
الباري (8: 205) عن قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سُفْيَانُ، عَنْ
عَاصِمٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
ونقله السيوطي في الدر المنثور (6: 365) وقال: «أخرجه البخاري، وأبو عبيد،
وابن جرير، والبيهقي في الدلائل من طريق الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ.
قَالَ ابن حجر (8: 205) فتح الباري: المراد بالآخرية في الربا تأخر نزول
الآيات المتعلقة به من سورة البقرة، وأما حكم تحريم الربا فنزوله سابق لذلك
بمدة طويلة على ما يدل عليه قوله تعالى في آل عمران في أثناء قصة أحد: يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً.
[ (9) ] نقله السيوطي في الدر المنثور (1: 365) ، وعزاه للمصنف.
(7/138)
الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ:
آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ [ (10) ]
.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي
إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ، بْنِ زَيْدٍ، عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ،
قَالَ:
آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... [
(11) ] .
قُلْتُ: هَذَا الِاخْتِلَافُ يَرْجِعُ- وَاللهُ أَعْلَمُ- إِلَى أَنَّ
كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ، أَوْ
أَرَادَ أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ أَوَاخِرِ الْآيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ.
وَاللهُ أَعْلَمُ [ (12) ] .
__________
[ (10) ] انظر الحاشية التالية.
[ (11) ] الآية الكريمة (129) من سورة التوبة، وذكره السيوطي في الدر
المنثور (3: 295) ، وقال:
أخرجه ابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وابن منيع في «مسنده» وابن جرير،
وابن المنذر، وأبو الشيخ، وابن مردويه.
[ (12) ] وقال السيوطي في «الإتقان في علوم القرآن» (1: 101) فيه اختلاف
فروى الشيخان عن البراء ابن عازب، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ، نَزَلَتْ:
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ وآخر سورة نزلت
براءة.
وأخرج البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخر آية نزلت آية الرّبا.
وروى البيهقي عن عمر مثله، والمراد بها قوله تَعَالَى: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا وعند
أحمد وابن ماجة عن عمر: مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ آية الربا.
وعند ابن مردويه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قال: خطبنا عمر. فقال:
إن من آخر القرآن نزولا آية الربا.
وأخرج النسائي من طريق عكرمة، عن ابن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن:
وَاتَّقُوا يَوْماً
(7/139)
__________
[ () ] تُرْجَعُونَ فِيهِ.. الآية.
وأخرج ابن مردويه نحوه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس بلفظ «آخر آية
نزلت» .
وأخرجه ابن جرير من طريق العوفي والضحاك، عن ابن عباس.
وقال الفريابي في تفسيره: حدّثنا سفيان، عن الكلبيّ عن ابن صالح، عن ابن
عباس، قال:
آخر آية نزلت: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ..
الآية، وكان بين نزولها وبين موت النبي صلّى الله عليه وسلم أحد وثمانون
يوما.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، قال: آخر ما نزل من القرآن كله:
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ.. الآية، وعاش النبي
صلّى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال، ثم مات ليلة الاثنين
لليلتين خلتا من ربيع الأول.
وأخرج ابن جرير مثله عن ابن جريج.
وأخرج من طريق عطية عن أبي سعيد، قال: كان آخر آية وَاتَّقُوا يَوْماً
تُرْجَعُونَ.. الآية.
وأخرج أبو عبيد في الفضائل عن ابن شهاب، قال: آخر القرآن عهد بالعرش آية
الربا وآية الدين.
وأخرج ابن جريج من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، أنه بلغه أن أحدث
القرآن عهدا بالعرش آية الدين مرسل صحيح الإسناد.
قلت: ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا: وَاتَّقُوا يَوْماً
وآية الدين، لأنّ الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف، ولأنها
في قصة واحدة، فأخبر كل عن بعض ما نزل بأنه آخر، وذلك صحيح، وقول البراء:
آخر ما نزل: يَسْتَفْتُونَكَ، أي في شأن الفرائض.
وقال ابن حجر في شرح البخاري: طريق الجمع بين القولين في آية الربا:
وَاتَّقُوا يَوْماً أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا، إذ هي
معطوفة عليهن، ويجمع بين ذلك وبين قول البراء بأن الآيتين نزلتا جميعا،
فيصدق أن كلا منهما آخر بالنسبة لما عداهما. ويحتمل أن تكون الآخرة في آية
النساء مقيدة بما يتعلق بالمواريث بخلاف آية البقرة. ويحتمل عكسه، والأول
أرجح لما في آية البقرة من الإشارة إلى معنى الوفاق المستلزمة لخاتمة
النزول. انتهى.
وفي المستدرك عن أبي بن كعب، قال: آخر آية نزلت: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ
مِنْ أَنْفُسِكُمْ..
إلى آخر السورة.
وروى عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن مردويه، عن أبي، انهم جمعوا
القرآن في خلافة أبي بكر، وكان رجال يكتبون، فلما انتهوا إلى هذه الآية من
سورة براءة ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ
قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ظنّوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن، فقال لهم أبي بن
كعب: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين: لَقَدْ
جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ.. إلى قوله: وَهُوَ رَبُ
(7/140)
__________
[ () ] الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وقال: هذا آخر ما نزل من القرآن، قال: فختم
بما فتح به. بالله الذي لا إله إلّا هو وهو قوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا
أَنَا فَاعْبُدُونِ.
وأخرج ابن مردويه، عن أبي أيضا، قال: آخر القرآن عهدا بالله هاتان الآيتان:
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وأخرجه ابن الأنباريّ بلفظ
«أقرب القرآن بالسماء عهدا» .
وأخرج أبو الشيخ في تفسيره من طريق عليّ بن زيد، عن يوسف المكي، عن ابن
عباس قال:
آخر آية نزلت: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ.
وأخرج مسلم عن ابن عباس، وقال: «آخر سورة نزلت إذا جاء نصر الله والفتح» .
وأخرج الترمذي والحاكم عن عائشة، قالت: «آخر سورة نزلت المائدة، فما وجدتم
فيها من حلال فاستحلوه..» الحديث.
وأخرجا أيضا عن عبد الله بن عمرو، قال: آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح.
قلت: يعني إذا جاء نصر الله. وفي حديث عثمان المشهور: براءة من آخر القرآن
نزولا.
قال البيهقي: يجمع بين هذه الاختلافات- ان صحت- بأنّ كل واحد أجاب بما
عنده.
وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى
النبي صلّى الله عليه وسلم، وكل ما قاله بضرب من الاجتهاد، وغلبة الظن،
ويحتمل أن كلا منهم أخبر عن آخر ما سمعه من النبي صلّى الله عليه وسلم في
اليوم الذي مات فيه أو قبل مرضه بقليل، وغيره سمع منه بعد ذلك، وإن لم
يسمعه هو. ويحتمل أيضا أن تنزل الآية التي هي آخر آية تلاها الرسول صلّى
الله عليه وسلم مع آيات نزلت معها فيؤمر برسم ما نزل معها بعد رسم تلك فيظن
أنه آخر ما نزل في الترتيب انتهى.
(7/141)
بَابُ ذِكْرِ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ
بِمَكَّةَ وَالَّتِي نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدِ بْنُ زِيَادٍ الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ابن وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ النَّحْوِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ
أَبِي الْحَسَنِ، قَالَا:
أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الَّذِي خَلَقَ ... ، وَن، وَالْقَلَمِ..، وَالْمُزَّمِّلَ،
وَالْمُدَّثِّرَ، وتَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ..،
وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ..، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى..،
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى..، وَالْفَجْرِ، وَالضُّحَى، وَالِانْشِرَاحَ
أَلَمْ نَشْرَحْ..،
وَالْعَصْرِ، والعاريات، والكوثر، وأَلْهاكُمُ..، وأَ رَأَيْتَ..، وقُلْ
يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ..، وأصحاب الفيل، والفَلق، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
النَّاسِ..، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ..، وَالنَّجْمِ، وعَبَسَ
وَتَوَلَّى..، وإِنَّا أَنْزَلْناهُ..، وَالشَّمْسِ وَضُحاها..،
وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ..، وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ..، ولِإِيلافِ
قُرَيْشٍ ... ،
وَالْقَارِعَةَ، وَلَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ ... ، وَالْهُمَزَةَ،
والمرسلات، ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ..، وَلَا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ
... ، وَالسَّماءِ
(7/142)
وَالطَّارِقِ..، واقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ..، ص وَالْقُرْآنِ ... ، وَالْجِنَّ، وَيس، وَالْفُرْقَانَ،
وَالْمَلَائِكَةَ، وَطه، وَالْوَاقِعَةَ، وَطسم، وَطس، وَطسم، وَبَنِي
إِسْرَائِيلَ، وَالتَّاسِعَةَ، وَهُودَ، وَيُوسُفَ، وَأَصْحَابَ الْحِجْرِ،
وَالْأَنْعَامَ، وَالصَّافَّاتِ، وَلُقْمَانَ، وَسَبَأَ، وَالزُّمَرَ، وَحم
الْمُؤْمِنِ، وَحم الدُّخَانِ، وَحم السَّجْدَةِ، وحمعسق، وَحم
الزُّخْرُفِ، وَالْجَاثِيَةَ، وَالْأَحْقَافَ، وَالذَّارِيَاتِ،
وَالْغَاشِيَةَ، وَأَصْحَابَ الْكَهْفِ، وَالنَّحْلَ، وَنُوحَ،
وَإِبْرَاهِيمَ، وَالْأَنْبِيَاءَ، وَالْمُؤْمِنُونَ، وَالم السَّجْدَةَ،
وَالطُّورِ، وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ... ،
والحاقة، وسَأَلَ سائِلٌ ... ، عَمَّ يَتَساءَلُونَ ... ، وَالنَّازِعَاتِ،
وإِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ... ، وإِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ... ،
وَالرُّومَ، وَالْعَنْكَبُوتَ.
وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ:
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ... ، وَالْبَقَرَةُ، وَآلُ عِمْرَانَ،
وَالْأَنْفَالُ، وَالْأَحْزَابُ، والمائدة، والممتحنة، والنساء، إِذا
زُلْزِلَتِ..، وَالْحَدِيدُ، وَمُحَمَّدٌ وَالرَّعْدُ، وَالرَّحْمَنُ،
وهَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ ... ، والطلاق، لَمْ يَكُنِ ... ،
وَالْحَشْرُ، وإِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ..، وَالنُّورُ، وَالْحَجُّ،
والمنافقون، والمجادلة، والحجرات، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ
تُحَرِّمُ..،
وَالصَّفُّ، وَالْجُمُعَةُ، وَالتَّغَابُنُ، وَالْفَتْحُ، وَبَرَاءَةٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالتَّاسِعَةُ يُرِيدُ سُورَةَ يُونُسَ قُلْتُ:
وَقَدْ سَقَطَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ،
والأعراف، كهيعص ... فِيمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ [ (1) ] .
وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ
__________
[ (1) ] نقله السيوطي في الإتقان (1: 40- 41) عن المصنف.
(7/143)
عَبْدِ اللهِ بْنِ زُرَارَةَ الرَّقِّيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خُصَيْفٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:
إِنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
مِنَ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ... فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا
الْحَدِيثِ، وَذَكَرَ السُّوَرَ الَّتِي سَقَطَتْ مِنَ الرِّوَايَةِ
الْأُولَى فِي ذِكْرِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ. وَلِهَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدٌ
فِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، مَعَ
الْمُرْسَلِ الصَّحِيحِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ [ (2) ] .
وَفِي بَعْضِ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ بِمَكَّةَ آيَاتٌ نَزَلَتْ
بِالْمَدِينَةِ، فَأُلْحِقَتْ بِهَا، قد ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا
الْمَوْضِعِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر
مُحَمَّدُ بْنُ بَالَوَيْهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
قَالَ:
مَا كَانَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.. نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَمَا
كَانَ «يا أيها الناس» فَبِمَكَّةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ
نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من الْقُرْآنِ،
فِيهِ ذِكْرُ الْأُمَمِ وَالْقُرُونِ، وَمَا يُثَبِّتُ بِهِ الرَّسُولَ،
فَإِنَّمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ مِنَ الْفَرَائِضِ والسنن نزل
بالمدينة [ (3) ] .
__________
[ (2) ] نقله السيوطي في الإتقان (1: 41- 42) .
[ (3) ] قال القاضي أبو بكر في الانتصار: «إنما يرجع في معرفة المكي
والمدني الى حفظ الصحابة والتابعين ولم يرد عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ قول لأنه لم يؤمر به، ولم يجعل الله علم ذلك
من فرائض الأمة، وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ
والمنسوخ فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول» .
(7/144)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى إِمْلَاءً، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ بن جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ
مَاهَكَ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا
أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. أَرِينِي مُصْحَفَكِ. قَالَتْ: لما.
قَالَ لَعَلِّي أُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ. فَإِنَّا نَقْرَأُهُ
عِنْدَنَا غَيْرَ مُؤَلَّفٍ قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ
قَبْلُ إِنَّهُ نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ
الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ
النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ
نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ
الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ
الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ
أَلْعَبُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَالسَّاعَةُ
أدهى وأمرّ» [ (4) ] .
وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، والنساء، إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ
قَالَ: فَأَخْرَجَتِ الْمُصْحَفَ لَهُ. فَأَمْلَيْتُ أَنَا السُّوَرَ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ وَقَالَ:
فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ، أَيِ السُّوَرَ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (5) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن أَحْمَدَ بْنِ دُلَّوَيْهِ
الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ
الْأَحْوَلِ، عَنِ أُمِّ عَمْرٍو بِنْتُ عَبْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ:
حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَسِيرٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْمَائِدَةِ،
فَانْدَقَّتْ كَفُّ رَاحِلَتِهِ الْعَضْبَاءَ من ثقل السورة.
__________
[ (4) ] الآية الكريمة (26) من سورة القمر.
[ (5) ] أخرجه البخاري في: 66- كتاب فضائل القرآن، (6) باب تأليف القرآن،
الحديث (4993) ، فتح الباري (9: 38- 39) ، وأخرجه في تفسير سورة اقتربت
الساعة وانشق القمر، مختصرا، فتح الباري (8: 619) .
(7/145)
بَابُ مَا جَاءَ فِي عَرَضِ الْقُرْآنِ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً،
وَعَرْضِهِ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ مَرَّتَيْنِ
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ مِنْ كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ،
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، اعْتَكَفَ
عِشْرِينَ يَوْمًا [ (1) ] .
قَالَ: وَكَانَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ كُلَّ رَمَضَانَ. فَلَمَّا
كَانَ الْعَامُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ [
(2) ] .
رَوَى الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ.
وَرَوَى الْحَدِيثَ الثَّانِي عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي بكر.
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 33- كتاب الاعتكاف، (17) باب الاعتكاف في العشر
الأوسط من رمضان، الحديث (2044) ، فتح الباري (4: 284) ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ أبي شيبة.
وأخرجه أبو داود في الصوم، باب أين يكون الاعتكاف؟ الحديث (2466) ، ص (2:
332) ، عن هناد، عن أبي بكر، عن أبي حصين..
وأخرجه ابن ماجة في: 7- كتاب الصيام، (58) بَابُ مَا جَاءَ فِي الاعتكاف،
الحديث (1769) ، ص (1: 562) عن هنّاد.
وأخرجه الدارمي في الصوم، والإمام أحمد في «مسنده» (2: 336، 355) .
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 66- كتاب فضائل القرآن، (7) باب كيف كان جبريل
يعرض الْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، الحديث (4998) ،
فتح الباري (9: 43) .
(7/146)
بَابُ مَا جَاءَ فِي تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ
[ (1) ] ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ،
وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (2) ] وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ فِيمَا
نُسِخَ مِنْ رَسْمِهِ وَفِيمَا لَمْ يُنْسَخْ مِنْهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ
الْأَدِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وهب ابن جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ:
سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ
الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ [ (3) ] .
قُلْتُ: وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ تَأْلِيفَ مَا نَزَلَ
مِنَ الْكِتَابِ: الْآيَاتِ الْمُتَفَرِّقَةَ فِي سُوَرِهَا، وَجَمْعَهَا
فَيهَا بِإِشَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ
كَانَتْ مُثْبَتَةً فِي الصُّدُورِ،
__________
[ (1) ] اصطلح على الرمز لها بجمع القرآن، قال الخطابي: إنما لم يجمع صلى
الله عليه وسلم القرآن في المصحف، لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه
أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك، وفاء
بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق
بمشورة عمر. وأما ما
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ... »
الحديث، فلا ينافي ذلك، لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة، وقد
كان القرآن كتب كله فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم،
لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
[ (2) ] الآية الكريمة (9) من سورة الحجر.
[ (3) ] أخرجه الترمذي في آخر كتاب المناقب، باب فضل الشام واليمن، الحديث
(3954) ، ص (5:
734) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، وقال: «حسن غريب» .
(7/147)
مَكْتُوبَةً فِي الرِّقَاعِ، وَاللِّخَافِ،
والعشب، فَجَمَعَهَا مِنْهَا فِي صُحُفٍ، بِإِشَارَةِ أَبِي بَكْرٍ،
وَعُمَرَ، ثُمَّ نَسَخَ مَا جَمَعَهُ فِي الصُّحُفِ، فِي مَصَاحِفَ بإشارة
عثمان ابن عَفَّانَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) عَلَى مَا رَسَمَ الْمُصْطَفَى
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيْهِ بْنِ أَحْمَدَ
الْمَرْوَزِيُّ- قَدِمَ عَلَيْنَا- مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ إِمْلَاءً
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ
بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ [ (4) ] ، قَالَ:
أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ [ (5) ]
فَأَتَيْتُهُ. فَإِذَا عُمَرُ جَالِسٌ عِنْدَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ جَاءَنِي، فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ
اسْتَحَرَّ [ (6) ] يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ [ (7) ] ،
وَإِنِّي أَخْشَى إِنِ اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي
الْمَوَاطِنِ كلها [ (8) ] ، فيذهب
__________
[ (4) ] هو زيد بن ثابت بن لوذان، بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عوف الإمام
الكبير، شيخ المقرئين، كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم على
النبي وعمره احدى عشرة سنة بعد مقتل والده يوم بعاث فأسلم وجود الخط، وكتب
الوحي، وحفظ القرآن وأتقنه، وأحكم الفرائض وتولى قسمة الغنائم يوم اليرموك،
وانتدبه الصديق لجمع القرآن، وعثمان لكتابة المصحف، وثوقا بحفظه، وكان عمر
يستخلفه إذا حج.
طبقات ابن سعد (2: 358) ، التاريخ الكبير (3: 380) ، المعرفة والتاريخ
للفسوي (1:
300) ، أخبار القضاة (1: 107) ، العبر (1: 53) وغيرها.
[ (5) ] (مقتل أهل اليمامة) أي عقب قتل اهل اليمامة والمراد بأهل اليمامة
هنا من قتل بها من الصحابة في الوقعة مع مسيلمة الكذاب.
[ (6) ] (استحرّ) : اشتدّ.
[ (7) ] ووقع من تسمية القراء الذين أراد عمر في رواية سفيان بن عيينة
المذكورة قتل سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ولفظه: «فلما قتل سَالِمٌ
مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ خشي عمر أن يذهب القرآن، فجاء إلى أبي بكر وسالم
هو أحد مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنه.
[ (8) ] (بالقراء بالمواطن) أي في المواطن أي الأماكن التي يقع فيها القتال
مع الكفار.
(7/148)
قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ
نَجْمَعَ الْقُرْآنَ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ
يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عُمَرُ:
هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ. حَتَّى
شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ
الَّذِي رَآهُ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ
عَاقِلٌ، لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ، فَاجْمَعْهُ [
(9) ] .
قال زيد: فو الله لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ، مَا
كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرُونِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ.
قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ
يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي
شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
قَالَ: فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ من الرقاع [ (10) ] والعشب [
(11) ] ، وَاللِّخَافِ [ (12) ] ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ
آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ- مَعَ خُزَيْمَةَ- أَوْ أَبِي خزيمة [ (13) ]
__________
[ (9) ] أخرج مسلم في صحيحه من حديث أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن» وهذا
الحديث لا ينافي ذلك، فقد كان القرآن كله كتب فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى
الله عليه وسلم لكنه غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
[ (10) ] (الرقاع) : جمع رقعة وقد تكون من جلد أو كاغد.
[ (11) ] (العسب) : جريد النخل، كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف
العريض، وقيل العسيب: طرف الجريدة العريض الذي لم ينبت عليه الخوص والذي
ينبت عليه الخوص هو السعف.
[ (12) ] (اللخاف) : هي صفائح الحجارة الرقاق فيها عرض ودقة. وقيل هي الخزف
يصنع من الطين المشوي.
[ (13) ] كذا بالأصل، ووقع في رواية عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ «مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ» أخرجه أحمد
والترمذي.
ووقع في رواية شعيب عن الزهري «مع خزيمة الأنصاري» .
وأخرج الطبراني في مسند الشاميين من طريق أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ
فقال فيه: «خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ.
الْأَنْصَارِيِّ» .
(7/149)
الْأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ
أَحَدٍ غَيْرِهِ [ (14) ] لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ
رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (15) ] . فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا، فَكَانَتِ
الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ
عِنْدَ عُمَرَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتَ
عُمَرَ [ (16) ] .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُهَا.
فَالْتَمَسُوهَا، فَوَجَدُوهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ
الْأَنْصَارِيِّ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا
اللَّهَ عَلَيْهِ [ (17) ] . فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: فَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ [ (18) ] قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ
يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي فَتْحِ
أَرْمِينِيَّةَ، وَأَذْرَبِيجَانَ. قَالَ: فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ
اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ..
أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ،
كَمَا اخْتَلَفَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَبَعَثَ عُثْمَانُ إِلَى
حَفْصَةَ: أَرْسِلِي بِالصُّحُفِ، نَنْسَخْهَا فِي الْمَصَاحِفِ، ثُمَّ
نَرُدَّهَا عَلَيْكِ، فَبُعِثَ بِهَا إِلَيْهِ، فَدَعَا زَيْدَ بْنَ
ثَابِتٍ، فَأَمَرَهُ وَعَبْدَ
__________
[ () ] قال ابن حجر (9: 15) .
من قال «مع أبي خزيمة» أصح وأن الذي وجد معه الآية من الأحزاب (خزيمة) ،
والذي وجد معه الآية من سورة التوبة (أبو خزيمة) بالكنية.
(وأبو خزيمة) هو أوس بن يزيد بن اصرم.
[ (14) ] (لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غيره) أي مكتوبة، لما تقدم من انه
كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة.
[ (15) ] الآية الكريمة (128) من سورة التوبة.
[ (16) ] (عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ) : أي في خلافة عثمان، الى أن شرع
عثمان في كتابة المصحف، وإنما كان ذلك عند حفصة لأنها كانت وصية عمر.
[ (17) ] الآية الكريمة (23) من سورة الأحزاب.
[ (18) ] هو حذيفة بن اليمان.
(7/150)
الله بن الزبير، وسعيدا بْنَ الْعَاصِ،
وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ أَنْ يَنْسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ.
وَقَالَ: مَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدٌ فَاكْتِبُوهُ بِلِسَانِ
قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَكَتَبُوا الصُّحُفَ فِي
الْمَصَاحِفِ فَبَعَثَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ، وَأَمَرَ بِمَا
سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ صُحُفٍ أَنْ
تُمْحَى أَوْ تُحْرَقَ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَاخْتَلَفُوا يَوْمَئِذٍ فِي «التَّابُوتِ» فَقَالَ
زَيْدٌ: «التَّابُوةُ» ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَابْنُ
الزُّبَيْرِ: «التَّابُوتُ» ، فَرَفَعُوا اخْتِلَافَهُمْ إِلَى عُثْمَانَ
فَقَالَ: اكْتُبُوهَا «التَّابُوتَ» ، فَإِنَّهَا بِلِسَانِهِمْ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ
بِهَذَا الْحَدِيثِ، بِالْأَسَانِيدِ الَّتِي حَدَّثَنَا بِهَا أَبُو
الْوَلِيدِ. إِلَّا أَنَّ أَبَا الْوَلِيدِ ذَكَرِ فِي حَدِيثِهِ، أَنَّ
عُثْمَانَ أَمَرَ الْقَوْمَ أَنْ يَنْسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ.
فَذَكَرَهُمْ، وَذَكَرَ فِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَخَالَفَهُ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ،
وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ عُثْمَانَ، رَدَّ
الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ رَدَّ الصَّحِيفَةَ إِلَى
حَفْصَةَ.
وَوَصَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا،
هُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي التَّابُوتِ. فَقَالَ الرَّهْطُ
الْقُرَشِيُّونَ: التَّابُوتُ. وَقَالَ زَيْدُ: «التَّابُوهُ» فَرَفَعُوا
اخْتِلَافَهُمْ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: اكْتُبُوهُ التَّابُوتَ فَإِنَّهَ
لِسَانُ قُرَيْشٍ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ [ (19) ] .
قُلْتُ: وَالَّذِي يَعْمَلُ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ كَانَتْ مُؤَلَّفَةً فِي
سُوَرِهَا، مَا رُوِّينَا فِي
__________
[ (19) ] أخرجه البخاري في: 66- كتاب فضائل القرآن، (3) باب جمع القرآن،
الحديث (4986) ، فتح الباري (9: 10- 11) .
(7/151)
كِتَابِ السُّنَنِ [ (20) ] أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قَرَأَ فِي صَلَاةِ كَيْتَ
بِسُورَةِ كَيْتَ، وَفِي صَلَاةِ كَيْتَ بِسُورَةِ كَيْتَ، وَأَنَّ
جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ حَفِظُوا جَمِيعَ الْقُرْآنَ، وَحَفَظُوهُ فِي
صُدُورِهِمْ، مِنْهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ،
وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ.
وَذَكَرُوا مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ، قَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي كِتَابِ
الْمَدْخَلِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ آيَاتِ الْقُرْآنِ،
كَانَتْ مُؤَلَّفَةً فِي سُوَرِهَا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ فِي صُدُورِ
الرِّجَالِ مُثْبَتَةً، وَعَلَى الرِّقَاعِ وَغَيْرِهَا مَكْتُوبَةً.
فَرَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ جَمْعَهَا فِي صُحُفٍ. ثُمَّ رَأَى
عُثْمَانُ نَسْخَهَا فِي مَصَاحِفَ. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِلَّا أَنَّ
سُورَةَ بَرَاءَةٌ كَانَتْ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ، لَمْ
يُبَيِّنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضِعَهَا مِنَ
التَّأْلِيفِ، حَتَّى خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا
شَبِيهَةٌ بِالْأَنْفَالِ، فَقَرَنَتْهَا الصَّحَابَةُ بِالْأَنْفَالِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ
أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ
الْعَوْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ الْقَيْسِيُّ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ
قَالَا: حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: قُلْتُ
لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى
الْأَنْفَالِ؟
وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَةٌ؟ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ،
فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ «بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ.
مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟
__________
[ (20) ] السنن الكبرى (2: 42- 43) .
[ (21) ] أخرجه الترمذي في كتاب التفسير، تفسير سورة التوبة، الحديث (3086)
، ص (5: 272- 273) .
(7/152)
فَقَالَ عُثْمَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ
تَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ، ذَوَاتُ عَدَدٍ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ
عَلَيْهِ الشَّيْءُ، يَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُهُ، فَيَقُولُ:
ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا.
وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ
الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا] [ (22) ] . فَكَانَتِ الْأَنْفَالُ
مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وبراءة مِنْ آخِرِ
الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةٌ بِقِصَّتِهَا، فَقُبِضَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا
أَنَّهَا مِنْهَا، فَظَنَنَّا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْتُ
بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ [ (23) ] .
__________
[ (22) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ف) ، وثابت في بقية النسخ.
[ (23) ] قال الترمذي: «لا نعرفه الا من حديث عوف عن يزيد الفارسي، عن ابن
عباس، ويزيد الفارسي قد رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ غير حديث ويقال: هو
يزيد بن هرمز ويزيد الرقاشي هو يزيد بن أبان الرقاشي ولم يدرك ابن عباس
إنما روى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وكلاهما من أهل البصرة ويزيد الفارسي
أقدم من يزيد الرقاشي.
والحديث أخرجه: أبو داود في «مسنده» (1: 208) عن عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، عَنْ
هشيم، عن عوف، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس، بلفظ: السبع الطوال، وأخرجه
أبو داود بعده من طريق مروان بن معاوية، وأخرجه الترمذي في كتاب التفسير،
سورة التوبة (5: 272) ، من طريق يحيى بن سعيد، ومحمد بن جعفر، وابن أبي
عدي، وسهل بن يوسف، وقال: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عوف عن يزيد
الفارسي ... ويقال: هو يزيد بن هرمز وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 221)
، من طريق هوذة بن خليفة، و (2: 330) من طريق روح بن عبادة، والبيهقي في
«السنن الكبرى» (2: 42) من طريق إسحاق الأزرق، كلهم عن عوف بن أبي جميلة،
عن يزيد الفارسي عن ابن عباس.
فمن هو يزد الفارسي؟.
(1) قال البخاري في الكبير (4: 2: 367) تحت اسم: يزيد بن هرمز، قال عبد
الرحمن [بن مهدي] : يزيد الفارسي، هو ابن هرمز، قال: فذكرته ليحيى فلم
يعرفه.
(2) قال أبو حاتم في الجرح والتعديل (4: 2: 293) : يزيد بن هرمز، اختلفوا
فيه، هل هو يزيد الفارسي، أم لا؟ فقال عبد الرحمن بن مهدي فيما سمعت أبي
يحكي عن علي بن المديني عنه أنه قال: يزيد الفارسي، هو يزيد بن هرمز، وكذا
قاله أحمد بن حنبل: يزيد بن هرمز هو يزيد
(7/153)
لَفْظُ حَدِيثِ هَوْذَةَ، وَحَدِيثُ رَوْحٍ
قَرِيبٌ مِنْهُ.
قُلْتُ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّمَا لَمْ يَجْمَعْهُ فِي مُصْحَفٍ وَآخَرَ، لِأَنَّهُ كَانَ
لَا يَأْمَنُ وُرُودَ النَّسْخِ عَلَى أَحْكَامِهِ وَرُسُومِهِ فَلَمَّا
خَتَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ دِينَهُ بِوَفَاةِ نَبِيِّهِ صَلَّى الله عليه
وسلم وكان قَدْ وَعَدَ لَهُ حِفْظَهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (24) ] وَفَّقَ
خُلَفَاءَهُ لِجَمْعِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ
وَحَفِظَهُ كَمَا وَعَدَهُ، وَالَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي
الْمُعَوِّذَتَيْنِ إِنَّمَا هُوَ فِي إِثْبَاتِ رَسْمِهِمَا لَا أَنَّهُ
خَالَفَ غَيْرَهُ فِي نُزُولِهِمَا.
وَالَّذِي رُوِيَ عَنْهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي اخْتِلَافِ
الْقِرَاءَةِ، فَإِنَّمَا هي القراءة
__________
[ () ] الفارسي، وأنكر: يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ أن يكونا واحدا،
فعن عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: ذكرت ليحيى قول عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ مَهْدِيٍّ فإن يزيد الفارسي، هو يزيد بن هرمز، فلم يعرفه.
قال أبو حاتم: سمعت أبي يقول: يزيد بن هرمز هذا، ليس بيزيد الفارسي، هو
سواه، وكان يزيد ابن هرمز من أبناء الفرس الذين كانوا بالمدينة وجالسوا أبا
هريرة، وليس هو بيزيد الفارسي البصري الذي يروي عن ابن عباس، روى عنه عوف
الأعرابي.
الى هذا الحد وقع الخلاف بين يزيد الفارسي، ويزيد بن هرمز. فإن كان يزيد
الفارسي هو البصري، فهو مجهول، مختلف فيه. وان كان هو يزيد بن هرمز، فقد
ضعفه البخاري، ولم يخرج له في صحيحه، وكتبه في كتابه «الضعفاء الصغير»
ترجمة رقم 407 ص 122، وعليه فلا صحة لدعوى الحاكم ان الحديث على شرط
الشيخين. فهذه الدعوى لا تقوم عليها الحجة، ولم يخرج ليزيد الفارسي هذا
البخاري ولا مسلم في «صحيحيهما» .
وحتى ابن حبان الذي صحح الحديث، كتب في ثقاته (5: 531) يزيد بن هرمز المدني
هو الذي يروي عنه عوف الأعرابي، ويقول: حدثنا يزيد الفارسي عن ابن عباس.
فعدهما واحدا.
فهذا يزيد الفارسي وقد انفرد برواية الحديث، إما مجهول لا يعرفه يحيى بن
معين، ويشتبه امره على عبد الرحمن بن مهدي، واحمد، والبخاري، فيعطي كل واحد
منهم رأيا مختلفا فيه، ويثبته البخاري في الضعفاء بالاسمين: ابن هرمز، او
الفارسي.
فضلا عن ذلك ففيه تشكيك في معرفة سور القرآن، الثابتة بالتواتر القطعي،
والمشافهة الحية، قراءة، وسماعا، وكتابة، وفيه تشكيك في إثبات البسملة في
أوائل السور، كأنّ عثمان كان يثبتها برأيه، وينفيها برأيه- وحاشاه من ذلك-
رضي الله عنه.
[ (24) ] الآية الكريمة (9) من سورة الحجر.
(7/154)
الْأُولَى، وَكَأَنَّهُمَا فِيمَا خَالَفَا
فِيهِ لَمْ يَشْهَدِ النَّسْخَ.
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَلَى
أَقْضَانَا، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَقْرَأُنَا، وَإِنَّا لَنَدَعُ
كَثِيرًا مِمَّا يَقُولُ أُبَيٌّ [ (25) ] . وَأُبَيٌّ يَقُولُ: أَخَذْتُهُ
مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَنْ أَدَعَهُ
لِشَيْءٍ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [ (26) ] .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ: حَمْزَةُ ابن الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ
الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي
ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ.
وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ عَنْ فَاطِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عليه وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ-
عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ
مَرَّةً، وإنه عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أَرَى أَجَلِي
إِلَّا قَدْ حَضَرَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا مَضَى.
وَرُوِّينَا عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْقِرَاءَةُ
الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، هَذِهِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي يَقْرَأُهَا
النَّاسُ.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ،
__________
[ (25) ] طبقات ابن سعد (2: 339- 340) .
[ (26) ] الآية الكريمة (106) من سورة البقرة.
(7/155)
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْحَمِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ،
فَذَكَرَهُ. قُلْتُ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نُزُولِ
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» قُرْآنًا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا
فِي عَدَدِ النُّزُولِ. وَفِي إِثْبَاتِ الصَّحَابَةِ رَسْمَهَا، حَيْثُ
كَتَبُوهَا فِي مَصَاحِفِهِمْ، دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَنِ
ادَّعَى نُزُولَهَا حَيْثُ كُتِبَتْ وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِّينَا فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ ما يؤكل مَا ذَكَرْنَا فِي
جَمْعِ الْقُرْآنِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
وَذَكَرْنَا فِيهِ أَيْضًا وُجُوهَ النَّسْخِ، وَهُوَ أَنَّ مِنَ
الْقُرْآنِ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ، وَبَقِيَ رَسْمُهُ، وَذَكَرْنَا مِثَالَ
هَذَيْنِ، وَمِنْهُ مَا نُسِخَ رَسْمُهُ وَحُكْمُهُ.
وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ وَرَدَ مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً، كُنَّا
نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا غَيْرَ
أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ من مال لا
تبغي وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا
التُّرَابُ» وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً تشبهها بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ
فَأُنْسِيتُهَا. غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا، يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ فتُكتَبَ شَهَادَةً
فِي أَعْنَاقِكُمْ، فتُسألون عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
النَّضْرِ الْجَارُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ
أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى
فَذَكَرَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ [ (27) ] .
__________
[ (27) ] أخرجه مسلم في: 12- كتاب الزكاة (40) باب لو أنّ لابن آدم واديين
... ، الحديث (119) ، ص (2: 726) .
(7/156)
وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ وَرَدَ مَا فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ
بْنِ الْبَغْدَادِيِّ بِهُرَاةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُمَامَةَ أَنَّ
رَهْطًا مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلم، أَخْبَرُوهُ أَنَّ رَجُلًا قَامَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ
يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَ سُورَةً «قَدْ كَانَ وَعَاهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ
مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ إِلَّا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» فَأَتَى
بَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَصْبَحَ، لِيَسْأَلَ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ. ثُمَّ جَاءَ
آخَرُ وَآخَرُ، حَتَّى اجْتَمَعُوا فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا
جَمَعَهُمْ، فَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِشَأْنِ تِلْكَ السُّورَةِ،
ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُمْ، وَسَأَلُوهُ عَنِ السُّورَةِ فَسَكَتَ سَاعَةً
لَا يُرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: نُسِخَتِ الْبَارِحَةَ،
فَنُسِخَتْ مِنْ صُدُورِهِمْ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَانَتْ فِيهِ.
قُلْتُ: وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ
سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ:
وَابْنُ الْمُسَيِّبِ جَالِسٌ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ
[ (28) ] .
وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ.
وَأَمَّا مَا لَمْ يُنْسَخْ رَسْمُهُ فَإِنَّهُ بَقِيَ [ (29) ] ، بِحَمْدِ
اللهِ، ونعمته، محفوظا إلى
__________
[ (28) ] لا يوضح الخبر ما هي الآية، وأبو امامة قال ابن حجر هو اسعد بْنِ
سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ.
[ (29) ] قسم السيوطي النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب أحدها: ما نسخ تلاوته
وحكمه معا، قالت عائشة: كان فيما أنزل: «عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس
معلومات، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وهنّ مما يقرأ
من القرآن» ، رواه الشيخان. وقد تكلموا في قولها: «وهنّ مما يقرأ» : فإنّ
ظاهره بقاء التلاوة، وليس كذلك.
وأجيب بأن المراد: قارب الوفاة، أو أنّ التلاوة نسخت أيضا، ولم يبلغ ذلك كل
الناس إلا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فتوفى
وبعض الناس يقرؤها.
وقال أبو موسى الأشعريّ: نزلت ثم رفعت.
وقال مكيّ: هذا المثال فيه المنسوخ غير متلوّ، والناسخ أيضا غير متلوّ، ولا
أعلم له نظيرا، انتهى.
(7/157)
الْآنَ، وَيَبْقَى مَا بَقِيَ الدَّهْرُ
كَذَلِكَ مَحْفُوظًا حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ لَا تَجْرِي عَلَيْهِ
زِيَادَةٌ: وَلَا نُقْصَانٌ كَمَا قَالَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- لَا
يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ
مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ... [ (30) ] .
__________
[ () ] الضرب الثاني: ما نسخ حكمه دون تلاوته، وهذا الضرب هو الذي فيه
الكتب المؤلفة، وهو على الحقيقة قليل جدا، وإن اكثر الناس من تعداد الآيات
فيه، فإن المحققين منهم كالقاضي أبي بكر ابن العربي بين ذلك وأتقنه.
والذي أقوله: إن الذي أورده المكثرون أقسام: قسم ليس من النسخ في شيء ولا
من التخصيص، ولا له بهما علاقة بوجه من الوجوه، وذلك مثل قوله تعالى:
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ، ونحو
ذلك. قالوا: إنه منسوخ بآية الزكاة، وليس كذلك بل هو باق، أمّا الأولى
فإنها خبر في معرض الثناء عليهم بالإنفاق، وذلك يصلح ان يفسّر بالزكاة
وبالإنفاق على الأهل وبالإنفاق في الأمور المندوبة كالإعانة والإضافة، وليس
في الآية ما يدل على أنها نفقة واجبة غير الزكاة، والآية الثانية يصلح
حملها على الزكاة، وقد فسّرت بذلك.
وكذا قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ، قيل: إنها
ممّا نسخ بآية السيف، وليس كذلك، لأنه تعالى أحكم الحاكمين أبدا، لا يقبل
هذا الكلام النّسخ، وإن كان معناه الأمر بالتفويض وترك المعاقبة.
وقوله في البقرة: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً، عدّه، بعضهم من المنسوخ
بآية السيف. وقد غلّطه ابن الحصّار بأنّ الآية حكاية عمّا أخذه على بني
إسرائيل من الميثاق، فهو خبر لا نسخ فيه، وقس على ذلك.
وقسم هو من قسم المخصوص، لا من قسم المنسوخ، وقد اعتنى ابن العربي بتحريره
فأجاد، كقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا،
وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ... ،
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، وغير ذلك من
الآيات التي خصّت باستثناء أو غاية، وقد أخطأ من أدخلها في المنسوخ.
ومنه قوله: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، قيل إنه نسخ
بقوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، وإنما هو مخصوص
به.
وقسم رفع ما كان عليه الأمر في الجاهلية أو في شرائع من قبلنا، أو في أوّل
الإسلام ولم ينزل في القرآن، كإبطال نكاح نساء الآباء، ومشروعية القصاص
والدّية، وحصر الطّلاق في الثلاث، وهذا إدخاله في قسم الناسخ قريب، ولكن
عدم إدخاله أقرب، وهو الذي رجّحه مكّيّ وغيره، ووجّهوه بأن ذلك لوعدّ في
الناسخ لعدّ جميع القرآن منه، إذ كلّه أو أكثره رافع لما كان عليه الكفّار
وأهل الكتاب. قالوا: وإنما حقّ الناسخ والمنسوخ ان تكون آية نسخت آية.
انتهى.
[ (30) ] الآية الكريمة (42) من سورة فصلت.
(7/158)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ
بْنُ أَبِي الْمَعْرُوفِ الْفَقِيهُ، قال: أخبرنا أبو سهل الأسفرائيني،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْحَذَّاءُ
قَالَ: حدثنا علي ابن عَبْدِ اللهِ الْمَدِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ
الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ، وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ
الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ. قَالَ: حَفِظَهُ اللهُ
مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَا يَزِيدُ فِيهِ بَاطِلًا وَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ
حَقًّا، ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ
لَحافِظُونَ [ (31) ] . قَالَ: هَذِهِ نَظِيرَتُهَا [ (32) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الْهَاشِمِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ
بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ العزيز ابن جُرَيْجٍ الطُّومَارِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ فَهْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ
أَكْثَمَ يَقُولُ: كَانَ لِلْمَأْمُونِ وَهُوَ أَمِيرٌ إِذْ ذَاكَ مَجْلِسُ
نَظَرٍ، فَدَخَلَ فِي مجلسة النَّاسِ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ، حَسَنُ الثَّوْبِ.
حَسَنُ الْوَجْهِ، طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، قَالَ فَتَكَلَّمَ.
فَأَحْسَنَ الْكَلَامَ الْعِبَارَةَ قَالَ: فَلَمَّا أَنْ تَقَوَّضَ
الْمَجْلِسُ، دَعَاهُ الْمَأْمُونُ فَقَالَ لَهُ إِسْرَائِيلِيٌّ؟: قَالَ
نَعَمْ! قَالَ لَهُ: أَسْلِمْ حَتَّى أَفْعَلَ بِكَ، وَأَصْنَعَ،
وَوَعَدَهُ، فَقَالَ: دِينِي، وَدِينُ آبَائِي، فَانْصَرَفَ، فَلَمَّا
كَانَ بَعْدَ سَنَةٍ جَاءَنَا مُسْلِمًا، قَالَ:
فَتَكَلَّمَ عَلَى الْفِقْهِ، فَأَحْسَنَ الْكَلَامَ. فَلَمَّا أَنْ
تَقَوَّضَ [ (33) ] الْمَجْلِسُ دَعَاهُ الْمَأْمُونُ.
فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ صَاحِبَنَا بِالْأَمْسِ؟ قَالَ لَهُ بَلَى! قَالَ:
فَمَا كَانَ سبب إسلامك؟
__________
[ (31) ] الآية الكريمة (9) من سورة الحجر.
[ (32) ] وقال ابن عباس: عزيز من عبد الله، كريم على الله أعزه الله، فلا
يتطرق إليه باطل.
وقال السدي: ينبغي ان يعزّ ويجلّ وألا يلغى فيه.
وقيل: عزيز من الشيطان ان يبدله.
وقال مقاتل: «منع من الشيطان والباطل.
وقال سعيد بن جبير: «لا يأتيه التكذيب» .
وقال ابن جريج: لا يأتيه الباطل فيما أخبر عما مضى ولا فيما أخبر عما يكون.
تفسير القرطبي (5: 367) .
[ (33) ] في (أ) : «تعوّد» .
(7/159)
قَالَ: انْصَرَفْتُ مِنْ حَضْرَتِكَ. فأجبت
أَنْ أَمْتَحِنَ هَذِهِ الْأَدْيَانَ، وَأَنَا مَعَ مَا تَرَانِي حَسَنُ
الْخَطِّ فَعَمَدْتُ إِلَى التَّوْرَاةِ. فَكَتَبْتُ ثَلَاثَ نُسَخٍ
فَزِدْتُ فِيهَا وَنَقَصْتُ، وَأَدْخَلْتُهَا الْكَنِيسَةَ فَاشْتُرِيَتْ
مِنِّي، وَعَمَدْتُ إِلَى الْإِنْجِيلِ. فَكَتَبْتُ ثَلَاثَ نَسْخٍ
فَزِدْتُ فِيهَا، ونقصت وَأَدْخَلْتُهَا الْبَيْعَةَ فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي،
وَعَمَدْتُ إِلَى الْقُرْآنِ فَعَمِلْتُ ثَلَاثَ نَسْخٍ، وَزِدْتُ فِيهَا
وَنَقَصْتُ وَأَدْخَلْتُهَا [إِلَى] [ (34) ] الْوَرَّاقِينَ،
فَتَصَفَّحُوهَا، فَلَمَّا أَنْ وَجَدُوا فِيهَا الزِّيَادَةَ،
وَالنُّقْصَانَ، رَمَوْا بِهَا فَلَمْ يَشْتَرُوهَا. فَعَلِمْتُ أَنَّ
هَذَا كِتَابٌ مَحْفُوظٌ، فَكَانَ هَذَا سَبَبُ إِسْلَامِي.
قَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ. فَحَجَجْتُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، فَلَقِيتُ
سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فَذَكَرْتُ لَهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ لِي
مِصْدَاقُ هَذَا فِي كِتَابِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: قُلْتُ: فِي
أَيِّ مَوْضِعٍ؟ قَالَ: فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجل في التَّوْرَاةِ،
وَالْإِنْجِيلِ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ [ (35) ] فَجَعَلَ
حِفْظَهُ إِلَيْهِمْ. فَضَاعَ. وَقَالَ- عَزَّ وَجَلَّ- إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (36) ] فَحَفِظَهُ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا فَلَمْ يَضِعْ.
قُلْتُ: وَفِي الْكِتَابِ، ثُمَّ فِي أَخْبَارِ السَّلَفِ، دَلَالَةٌ عَلَى
أَنَّ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ كَانُوا إِذَا غَيَّرُوا شَيْئًا مِنْ
أَدْيَانِهِمْ، غَيَّرُوهُ أَوَّلًا مِنْ كُتُبِهِمْ. وَاعْتَقَدُوا
خِلَافَهُ بِقُلُوبِهِمْ، ثُمَّ أَتْبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، أَقْوَالَهُمْ
وَأَفْعَالَهُمْ. وَفِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ حَفِظَ اللهُ تَعَالَى
عَلَيْهِمْ كِتَابَهُ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم،
وَثَبَّتَهُمْ عَلَى عَقَائِدِهِمْ، حَتَّى لَا يُغَيِّرُوا شَيْئًا
مِنْهَا. وَإِنْ كَانَ فِعْلًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِشَهْوَةٍ أَوْ
بِغَفْلَةٍ خِلَافَهَا- وَالْحَمْدُ لِلَّهِ- عَلَى حِفْظِ دِينِهِ،
وَعَلَى مَا هَدَانَا لِمَعْرِفَتِهِ وَنَسْأَلُهُ الثَّبَاتَ إِلَى
الْمَمَاتِ، وَالْمَغْفِرَةَ يَوْمَ تُحْشَرُ الْأَمْوَاتُ إِلَهٌ سُمَيْعُ
الدُّعَاءِ، فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ وعلى آله وسلم.
__________
[ (34) ] سقطت من (ف) .
[ (35) ] الآية الكريمة (44) من سورة المائدة.
[ (36) ] [الحجر- 9] .
(7/160)
|