سيرة ابن
هشام ت السقا شِعْرُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي
مَرْثِيَّتِهِ الرَّسُولَ
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيِّ:
بِطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرَّسُولِ وَمَعْهَدُ ... مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو
الرَّسُومُ وَتَهْمُدُ [2]
وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ ... بِهَا مِنْبَرُ
الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ [3]
وَوَاضِحُ آثَارٍ وَبَاقِي مَعَالِمَ ... وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلَّى
وَمَسْجِدُ [4]
بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا ... مِنْ اللَّهِ نُورٌ
يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ [5]
مَعَارِفُ لَمْ تطمس على الْعَهْد آيها ... أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ
مِنْهَا تَجَدَّدُ [6]
عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَّسُولِ وَعَهْدَهُ ... وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ
فِي التُّرْبِ مُلْحِدُ [7]
ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرَّسُولَ فَأَسْعَدَتْ ... عُيُونٌ وَمِثْلَاهَا
مِنْ الْجَفْنِ تُسْعَدُ [8]
__________
[1] كَانَ عتاب بن أسيد والى مَكَّة حِين توفى رَسُول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أمره عَلَيْهَا.
[2] طيبَة: اسْم مَدِينَة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والرسم: مَا بَقِي من آثَار الدَّار. وَتَعْفُو: تدرس وتتغير. وتهمد: تبلى.
[3] تمتحى: تَزُول. والآيات: العلامات.
[4] المعالم: جمع معلم، وَهُوَ مَا يعرف بِهِ الشَّيْء.
[5] الحجرات: جمع حجرَة. يعْنى مساكنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[6] لم تطمس: لم تغير.
[7] الملحد: الّذي يضع الْمَيِّت فِي لحده.
[8] تسعد: تعين.
(2/666)
يُذَكِّرْنَ آلَاءَ الرَّسُولِ وَمَا أَرَى
... لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي تَبَلَّدُ [1]
مُفَجَّعَةً قَدْ شَفَّهَا فَقْدُ أَحْمَدَ ... فَظَلَّتْ لِآلَاءِ
الرَّسُولِ تُعَدِّدُ [2]
وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عَشِيرَهُ ... وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدَ
مَا قَدْ تَوَجَّدُ [3]
أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنَ جُهْدَهَا ... عَلَى طَلَلِ
الْقَبْرِ الَّذِي فِيهِ أَحْمَدُ [4]
فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَتْ ... بِلَادٌ ثَوَى فِيهَا
الرَّشِيدُ الْمُسَدَّدُ
وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمَّنَ طَيِّبًا ... عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ
صَفِيحٍ مُنَضَّدُ [5]
تَهِيلُ عَلَيْهِ التُّرَبَ أَيْدٍ وَأَعْيُنٍ ... عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ
بِذَلِكَ أَسْعَدُ [6]
لَقَدْ غَيَّبُوا حُلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً ... عَشِيَّةَ عَلَّوْهُ
الثَّرَى لَا يُوَسَّدُ
وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيُّهُمْ ... وَقَدْ وَهَنَتْ
مِنْهُمْ ظُهُورٌ وَأَعْضُدُ
يُبَكُّونَ من تبكى السّماوات يَوْمَهُ ... وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ
فَالنَّاسُ أَكَمَدُ [7]
وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيَّةُ هَالِكٍ ... رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ
فِيهِ مُحَمَّدُ؟
تَقَطَّعُ فِيهِ مَنْزِلُ الْوَحْيِ عَنْهُمْ ... وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ
يَغُورُ وَيُنَجَّدُ [8]
يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ ... وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ
الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ
إمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمْ الْحَقَّ جَاهِدًا ... مُعَلِّمُ صِدْقٍ إنْ
يُطِيعُوهُ يُسْعَدُوا
عَفْوٌ عَنْ [9] الزَّلَّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ ... وَإِنَّ يُحْسِنُوا
فاللَّه بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ
وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ ... فَمِنْ عِنْدِهِ
تَيْسِيرُ مَا يُتَشَدَّدُ
فَبَيْنَا هُمْ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ بَيْنَهُمْ [10] ... دَلِيلٌ بَهْ
نَهْجُ الطَّرِيقَةِ يُقْصَدُ [11]
__________
[1] الآلاء: النعم، جمع ألى وَإِلَى (بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا وتحريك
اللَّام) .
[2] شفها: أضعفها.
[3] العشير: الْعشْر. وتوجد، من الوجد. وَهُوَ الْحزن.
[4] تذرف الْعين: تسيل بالدمع. والطلل: مَا شخص من الْآثَار.
[5] الصفيح: الْحِجَارَة العريضة. والمنضد: الّذي جعل بعضه على بعض.
[6] تهيل: تصب.
[7] أكمد: أَحْزَن.
[8] يغور: يبلغ الْغَوْر، وَهُوَ المنخفض من الأَرْض. وينجد: يبلغ النجد،
وَهُوَ الْمُرْتَفع من الأَرْض.
[9] فِي أ: «من»
[10] فِي أ: «وَسطهمْ» .
[11] النهج: الطَّرِيق الْبَين.
(2/667)
عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنْ
الْهُدَى ... حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا
عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثَنَّى جُنَاحَهُ ... إلَى كَنَفٍ يَحْنُو
عَلَيْهِمْ وَيَمْهَدُ [1]
فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ النُّورِ إذْ غَدَا ... إلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ
مِنْ الْمَوْتِ مُقْصِدُ [2]
فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إلَى اللَّهِ رَاجِعًا ... يُبَكِّيهِ حَقُّ
الْمُرْسَلَاتِ وَيُحْمَدُ [3]
وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا ... لِغَيْبَةِ مَا
كَانَتْ مِنْ الْوَحْيِ تُعْهَدُ [4]
قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللَّحْدِ ضَافَهَا ... فَقِيدٌ يُبَكِّينَهُ
بَلَاطٌ وَغَرْقَدُ [5]
وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ ... خَلَاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ
وَمَقْعَدُ
وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمَّ أَوْحَشَتْ ... دِيَارٌ وَعَرَصَاتٌ
وَرَبْعٌ وَمَوْلِدُ [6]
فَبَكِّي رَسُولَ اللَّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً ... وَلَا أَعْرِفَنَّكِ
الدَّهْرَ دمعك يجمد
وَمَالك لَا تَبْكِينَ ذَا النِّعْمَةِ الَّتِي ... عَلَى النَّاسِ مِنْهَا
سَابِغٌ يُتَغَمَّدُ [7]
فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدُّمُوعِ وَأَعْوِلِي ... لِفَقْدِ الَّذِي لَا
مِثْلُهُ الدَّهْرَ يُوجَدُ [8]
وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ ... وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى
الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ
أَعَفَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً بَعْدَ ذِمَّةٍ ... وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا
لَا يُنَكَّدُ [9]
وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطَّرِيفِ وَتَالِدٍ ... إذَا ضَنَّ مِعْطَاءٌ بِمَا
كَانَ يُتْلَدُ [10]
وَأَكْرَمَ صِيتًا فِي الْبُيُوتِ إذَا انْتَمَى ... وَأَكْرَمَ جَدًّا
أَبْطَحِيًّا يُسَوَّدُ [11]
__________
[1] الكنف: الْجَانِب والناحية.
[2] مقصد: مُصِيب، يُقَال: أقصد السهْم: إِذا أصَاب.
[3] المرسلات (هُنَا) : الْمَلَائِكَة. ويروى: «جن المرسلات» يُرِيد
الْمَلَائِكَة المستورين عَن أعين الْآدَمِيّين.
[4] بِلَاد الْحرم (بِضَم الْحَاء وَكسرهَا) : يعْنى مَكَّة وَمَا اتَّصل
بهَا من الْحرم.
[5] ضافها: نزل بهَا. وبلاط: مستو من الأَرْض. والغرقد: شجر.
[6] عرصات: ساحات، سكنت الرَّاء ضَرُورَة.
[7] سابغ: كثير تَامّ. ويغمد: يستر.
[8] أعولى: ارفعى صَوْتك بالبكاء.
[9] لَا ينكد: لَا يكدر بالمن الّذي يفْسد النائل.
[10] الطريف: المَال المستحدث. والتالد: المَال الْقَدِيم الْمَوْرُوث.
وضن: بخل. ويتلد: يكْتَسب قَدِيما.
[11] الصيت: الذّكر الْحسن. والأبطحى: الْمَنْسُوب إِلَى أبطح مَكَّة،
وَهُوَ مَوضِع سهل متسع.
(2/668)
وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي
الْعُلَا ... دَعَائِمَ عِزٍّ شَاهِقَاتٍ تُشَيَّدُ [1]
وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبَتًا ... وَعُودًا غَذَّاهُ
الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ [2]
رَبَّاهُ وَلِيدًا فَاسْتَتَمَّ تَمَامُهُ ... عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ
رَبٌّ مُمَجَّدٌ
تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفِّهِ ... فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ
وَلَا الرَّأْيُ يُفْنَدُ [3]
أَقُولُ وَلَا يُلْقَى [4] لِقَوْلِي عَائِبٌ ... مِنْ النَّاسِ إلَّا
عَازِبُ الْعَقْلِ مُبْعَدُ [5]
وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ ... لَعَلِّي بِهِ فِي جَنَّةِ
الْخُلْدِ أَخْلَدُ
مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ... وَفِي نَيْلِ ذَاكَ
الْيَوْمِ أَسْعَى وَأَجْهَدُ
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَا بَالُ عَيْنِكَ لَا تَنَامُ كَأَنَّمَا ... كُحِلَتْ مَآقِيهَا
بِكُحْلِ الْأَرْمَدِ [6]
جَزَعًا عَلَى الْمَهْدِيِّ أَصْبَحَ ثَاوِيًا ... يَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ
الْحَصَى لَا تَبْعَدْ
وَجْهِي يَقِيكَ التُّرْبَ لَهْفِي لَيْتَنِي ... غُيِّبْتُ قَبْلَكَ فِي
بَقِيعِ الْغَرْقَدِ [7]
بِأَبِي وَأُمِّي مَنْ شَهِدْتُ وَفَاتَهُ ... فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
النَّبِيُّ الْمُهْتَدِي
فَظَلِلْتُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مُتَبَلِّدًا ... مُتَلَدَّدًا يَا لَيْتَنِي
لَمْ أُولَدْ [8]
أَأُقِيمُ بَعْدَكَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَهُمْ ... يَا لَيْتَنِي صُبِّحْتُ
سَمَّ الْأَسْوَدِ [9]
أَوْ حَلَّ أَمْرُ اللَّهِ فِينَا عَاجِلًا ... فِي رَوْحَةٍ مِنْ
يَوْمِنَا أَوْ مِنْ غَدٍ
__________
[1] الذروات: الأعالي. وشاهقات: مرتفعات. وَفِي أ: «شامخات» .
[2] المزن: السَّحَاب. وأغيد: ناعم متثن.
[3] يفند: يعاب.
[4] فِي أ: «وَلَا يلفى لما قلت» .
[5] عَازِب الْعقل: بعيد الْعقل.
[6] المآقي: مجاري الدُّمُوع من الْعين الْوَاحِد مأقى. والأرمد: الّذي
يشتكي وجع الْعين. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي ديوَان حسان:
«مَا بَال عَيْني ... »
[7] بَقِيع الْغَرْقَد: مَقْبرَة أهل الْمَدِينَة. وَرِوَايَة هَذَا
الْبَيْت فِي الدِّيوَان:
«جَنْبي يقيك..» إِلَخ
[8] متلدد: متحير.
[9] صبحت: سقيت صباحا. وَالْأسود: ضرب من الْحَيَّات.
(2/669)
فَتَقُومُ سَاعَتُنَا فَنَلْقَى طَيِّبًا
... مَحْضًا ضَرَائِبُهُ كَرِيمَ الْمَحْتِدِ [1]
يَا بِكْرَ آمِنَةَ الْمَبَارِكَ بِكْرُهَا ... وَلَدَتْهُ مُحْصَنَةٌ
بِسَعْدِ الْأَسْعَدِ
نُورًا أَضَاءَ عَلَى الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا ... منْ يُهْدَ لِلنُّورِ
الْمُبَارَكِ يَهْتَدِي
يَا رَبِّ فَاجْمَعْنَا مَعًا وَنَبِيَّنَا ... فِي جَنَّةٍ تَثْنَى
عُيُونُ الْحُسَّدِ [2]
فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ فَاكْتُبْهَا لَنَا ... يَا ذَا الْجَلَالِ
وَذَا الْعلَا والسّؤدد
وَاَللَّهِ أَسْمَعُ مَا بَقِيتُ بِهَالِكٍ ... إلَّا بَكَيْتُ عَلَى
النَّبِيِّ مُحَمَّدِ [3]
يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النَّبِيِّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيَّبِ فِي
سَوَاءِ الْمَلْحَدِ [4]
ضَاقَتْ بِالْأَنْصَارِ الْبِلَادُ فَأَصْبَحُوا ... سُودًا وُجُوهُهُمْ
كَلَوْنِ الْإِثْمِدِ [5]
وَلَقَدْ وَلَدْنَاهُ وَفِينَا قَبْرُهُ ... وَفُضُولَ نِعْمَتِهِ بِنَا
لَمْ نَجْحَدْ [6]
وَاَللَّهُ أَكْرَمَنَا بِهِ وَهَدَى بِهِ ... أَنْصَارَهُ فِي كُلِّ
سَاعَةِ مَشْهَدِ
صَلَّى الْإِلَهُ وَمَنْ يَحُفُّ بِعَرْشِهِ ... وَالطَّيِّبُونَ عَلَى
الْمُبَارَكِ أَحْمَدْ [7]
قَالُ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
نَبِّ الْمَسَاكِينَ أَنَّ الْخَيْرَ فَارَقَهُمْ ... مَعَ النَّبِيِّ
تَوَلَّى عَنْهُمْ سَحَرَا [8]
مَنْ ذَا الَّذِي عِنْدَهُ رَحْلِي وَرَاحِلَتِي ... وَرِزْقُ أَهْلِي إذَا
لَمْ يُؤْنِسُوا الْمَطَرَا [9]
أَمْ مَنْ نُعَاتِبَ لَا نَخْشَى جَنَادِعَهُ ... إذَا اللِّسَانُ عَتَا
فِي الْقَوْلِ أَوْ عَثَرَا [10]
كَانَ الضِّيَاءَ وَكَانَ النُّورَ نَتْبَعُهُ ... بَعْدَ الْإِلَهِ
وَكَانَ السَّمْعَ وَالْبَصَرَا
فَلَيْتَنَا يَوْمَ وَارَوْهُ بِمُلْحِدِهِ ... وَغَيَّبُوهُ وَأَلْقَوْا
فَوْقَهُ الْمَدَرَا
__________
[1] الضرائب: الطبائع. والمحتد: الأَصْل.
[2] تثنى: تصرف وتدفع.
[3] وَالله أسمع: أَي وَالله لَا أسمع.
[4] سَوَاء الملحد: وسط الْقَبْر.
[5] الإثمد: كحل أسود يكتحل بِهِ.
[6] ولدناه: يُشِير إِلَى أَن بنى النجار أخوال النَّبِي عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام من قبل آبَائِهِ.
[7] وَردت هَذِه القصيدة فِي ديوَان حسان باخْتلَاف فِي بعض كلماتها وترتيب
أبياتها.
[8] نب: نبئ وَأعلم، سهله، ثمَّ عَامله مُعَاملَة المعتل.
[9] لم يؤنسوا الْمَطَر: لم يحسوه.
[10] الجنادع: أَوَائِل الشَّرّ: وعتا: زَاد وطغى.
(2/670)
لَمْ يَتْرُكِ اللَّهُ مِنَّا بَعْدَهُ
أَحَدًا ... وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَهُ أُنْثَى وَلَا ذَكَرَا
ذَلَّتْ رِقَابُ بَنِي النَّجَّارِ كُلِّهِمْ ... وَكَانَ أَمْرًا مِنْ
امْرِ اللَّهِ قَدْ قُدِرَا
وَاقْتُسِمَ الْفَيْءُ دُونَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... وَبَدَّدُوهُ جِهَارًا
بَيْنَهُمْ هَدَرًا [1]
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا:
آلَيْتُ مَا فِي جَمِيعِ النَّاسِ مُجْتَهِدًا ... مِنِّي أَلْيَةَ بَرَّ
غير إفناد [2]
تا الله مَا حَمَلَتْ أُنْثَى وَلَا وَضَعَتْ ... مِثْلَ الرَّسُولِ
نَبِيِّ الْأُمَّةِ الْهَادِي
وَلَا بَرَا اللَّهُ خَلْقًا مِنْ بَرِيَّتِهِ ... أَوْفَى بِذِمَّةِ جَارٍ
أَوْ بِمِيعَادِ
مِنْ الَّذِي كَانَ فِينَا يُسْتَضَاءُ بِهِ ... مُبَارَكَ الْأَمْرِ ذَا
عَدْلٍ وَإِرْشَادِ
أَمْسَى نِسَاؤُكَ عَطَّلْنَ الْبُيُوتَ فَمَا ... يَضْرِبْنَ فَوْقَ قَفَا
سِتْرٍ بِأَوْتَادِ
مِثْلَ الرَّوَاهِبِ يَلْبَسْنَ الْمَبَاذِلَ قَدْ ... أَيْقَنَّ
بِالْبُؤْسِ بَعْدَ النِّعْمَةِ الْبَادِي [3]
يَا أَفْضَلَ النَّاسِ إنِّي كُنْتُ فِي نَهَرٍ ... أَصْبَحْتُ مِنْهُ
كَمِثْلِ الْمُفْرَدِ الصَّادِي [4]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَجُزُ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ
إسْحَاقَ [5] .
انْتَهَى الْجُزْءُ الرَّابِعُ مِنْ سِيرَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ تمّ الْكتاب
__________
[1] هدرا: بَاطِلا.
[2] الألية: الْيَمين وَالْحلف. والإفناد: الْعَيْب. وَرِوَايَة الشّطْر
الأول من هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان:
«آلَيْت حلفة بر غير ذِي دخل»
[3] المباذل: جمع مبذل (بِكَسْر الْمِيم) وَهُوَ الثَّوْب الّذي يبتذل
فِيهِ.
[4] الصادي: العاطش. وَقد وَردت هَذِه القصيدة فِي الدِّيوَان بِبَعْض
اخْتِلَاف عَمَّا هُنَا.
[5] فِي م، ر بعد هَذَا وَردت الْعبارَة الْآتِيَة:
وجد بآخر بعض النّسخ مَا نَصه: وَهَذَا آخر الْكتاب وَالْحَمْد للَّه
كثيرا، وَصلَاته وَسَلَامه على سيدنَا مُحَمَّد وَآله الطيبين الطاهرين،
وَصَحبه الأخيار الرَّاشِدين.
أنشدنى أَبُو مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن
البرقي قَالَ: أوعب أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام كتاب السِّيرَة
وبحضرته رجال من فصحاء الْعَرَب، فَقَالَ:
تمّ الْكتاب وَصَارَ فِي الْفَرْض ... عشْرين جُزْءا كلهَا ترْضى
كملت بِلَا لحن وَلَا خطل ... فِي الشكل والإعجام وَالْقَرْض
(2/671)
|