عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي

ج / 1 ص -5-            بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر:
تنفيذًا للعهد الذي قطعته مؤسستنا على نفسها، وانسجاما مع الخط الذي رسمته لمسيرتها في خدمة لغة الضاد قراء العربية، وتحقيقا لغايتها في العمل على نشر أمهات الكتب والذخائر العربية والإسلامية، وخدمة التراث الإنساني.
وتحقيقا لهذه الأهداف فقد رأينا العمل على إصدار كتاب السيرة النبوية الجليلة المسمى عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. لما لهذا السفر النفيس من قيمة علمية وتاريخية وإسلامية كبيرة، تتضح جلية ويبرز من خلالها الجهد المضني والبحث الدقيق الذي قدمه مؤلفه الإمام الحافظ أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى المعروف بابن سيد الناس المتوفى سنة 734هـ.
ويتضمن هذا الكتاب بحثا دقيقا وشاملا لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مبينا شمائله ونسبه ومولده ورضاعته ومعجزاته منذ الصغر مرورا بدقائق حياته في طفولته وشبابه وزواجه ودعوته حتى وفاته.
كما يتضمن الكثير من أخباره ومغازيه وبعوثه. كما يتطرق الحديث إلى ذكر أعمامه وأزواجه وأولاده وحليته وغيرها كثير مما ذكره العلماء.
وقد عمدنا إلى طبع هذا الكتاب بطريقة التصوير الطباعي

 

ج / 1 ص -6-            -الأوفست- حرصا على قيمة الكتاب العلمية وتحاشيا للتصحيف والتحريف والأغلاط والتشويه، وحرصا على روح الطبعة التي أخذناها عنها، سيما وأنها نسخة محققة ومقابلة على عدة نسخ بواسطة المشاهير ذوي الباع الطويل في هذا الحقل ومنهم السيدان المبارك والتنوخي.
هذا ولم نألو جهدا أو نقصر في العمل على إخراجه بطباعة أنيقة فاخرة بحلة قشيبة ممتازة.
ولا نجد بدا من التنويه بما لهذه السيرة من مزايا على ما سبقها من مؤلفات تبحث في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فهي تعتبر من أمهات السير المعتمدة على وثيق الأخبار، وفيها وفي مقدمتها وشهرتها ما يغني عن التعريف بها.
وإذ تفخر مؤسستنا بنشر هذا السفر النفيس فإنها تعد لتقديم المزيد من كتب التراث ونفائس الحضارة العربية والإسلامية، وتعاهد القراء الكرام على المثابرة وبوضع الجهد والإمكانيات في العمل على إغناء المكتبة العربية بالمزيد من النفائس والذخائر خدمة للتراث الإنساني.
والله من وراء القصد.

 

ج / 1 ص -9-            ترجمة المؤلف:
قال ابن العماد في كتابه "شذرات الذهب في أخبار من ذهب ج6 ص108": وفيها "أى سنة 734" توفي فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الشافعى الإمام الحافظ اليعمرى الأندلسي الإشبيلي المصرى المعروف بابن سيد الناس. قال ابن قاضي شهبة: ولد في ذى القعدة -وقيل في ذي الحجة- سنة إحدى وسبعين وستمائة بالقاهرة، وسمع الكثير من الجم الغفير، وتفقه على مذهب الشافعى، وأخذ علم الحديث عن والده وابن دقيق العيد، ولازمه سنين كثيرة وتخرج عليه وقرأ عليه أصول الفقه، وقرأ النحو على ابن النحاس، وولي دار الحديث بجامع الصالح، وخطب بجامع الخندق. وصنف كتبا نفيسة: منها السيرة الكبرى سماها "عيون الأثر" في مجلدين، واختصره في كراريس وسماه نور العيون، وشرح قطعة من كتاب الترمذي إلى كتاب الصلاة في مجلدين، وصنف في منع بيع أمهات الأولاد مجلدا ضخما يدل على علم كثير.
وذكره الذهبي في معجمه المختص وقال: أحد أئمة هذا الشأن كتب بخطه المليح كثيرا، وخرج وصنف وصحح وعلل وفرع وأصل وقال الشعر البديع، وكان حلو النادرة حسن المحاضرة، جالسته وسمعت قراءته، وأجاز لى مروياته.
وقال ابن كثير: اشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقة والنحو وعلم السير والتاريخ وغير ذلك، وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين.

 

ج / 1 ص -10-         وقد حرر وحبر وأجاد وأفاد ولم يسلم من بعض الانتقاد، وله الشعر والنثر الفائق وحسن التصنيف والترصيف والتعبير وجودة البديهة وحسن الطوية والعقيدة السلفية والاقتداء بالأحاديث النبوية، ولم يكن بمصر في مجموعه مثله في حفظ الأسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والأشعار والحكايات.
وقال ابن ناصر الدين: كان إماما حافظا عجيبا مصنفا بارعًا شاعرا أديبا دخل عليه واحد من الإخوان يوم السبت حادى عشر شعبان فقام لدخوله ثم سقط من قامته فلقف ثلاث لقفات ومات من ساعته. ودفن بالقرافة عند ابن أبي جمرة رحمهما الله تعالى. انتهى ما ذكره صاحب الشذرات باختصار بعضه.
وقال الحسينى "في ذيل تذكرة الحفاظ ص16": ابن سيد الناس الإمام العلامة المفيد الأديب البارع المتقن فتح الدين أبو الفتح محمد بن الإمام الحجة أبي عمرو محمد ابن حافظ المغرب أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن سيد الناس الأندلسي اليعمرى المصرى الشافعى. ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة. وأجاز له النجيب عبد اللطيف وجماعة، وسمع من العز الحرانى وغازي الحلاوي وابن الأنماطي وخلق، وقدم دمشق ليالي وفاة ابن البخاري فلم يدركه، وسمع ابن المجاور ومحمد بن مؤمن والتقي الواسطي وخلق، قال الذهبي: هو أحد أئمة هذا الشأن كتب بخطه المليح كثيرا، وخرج وصنف وعلل وفرع وأصل، وقال الشعر البديع، وكان حلو النادرة كيس المحاضرة جالسته وسمعت بقراءته وأجاز لى مروياته. مات فجأة في حادى عشر شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ودفن بالقرافة، وكان أثريا في المعتقد يحب الله تعالى ورسوله. وقال السيوطي "في ذيل طبقات الحفاظ ص350": الإمام العلامة المحدث الحافظ الأديب البارع أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن محمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن سيد الناس بن أبي الوليد بن منذر بن عبد الجبار بن سليمان اليعمري الأندلسي

 

ج / 1 ص -11-         الأصل المصري. ولد في ذى القعدة سنة إحدى وسبعين وستمائة، وسمع من غازي والعز وخلائق نحو الألف، ولازم ابن دقيق العيد وتخرج عليه، وأعاد عنده، وكان يحبه ويثني عليه، وأخذ العربية عن البهاء بن النحاس، وكتب الخط المغربي والمصري فأتقنهما، وكان أحد الأعلام الحفاظ إماما في الحديث ناقدا في الفن خبيرا بالرجال والعلل والأسانيد عالما بالصحيح والسقيم، له حظ من العربية. حسن التصنيف، صحيح العقيدة، أديبا شاعرا بارعا متفننا في البلاغة ناظما ناثرا مترسلا، ولي درس الحديث بالظاهرية وغيرها. وصنف السيرة الكبرى والصغرى وشرح الترمذي لم يكمله فأتمه الحافظ أبو الفضل العراقي. مات في شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ولسم يخلف في مجموعه مثله.

 

ج / 1 ص -12-         بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الكتاب:
الحمد لله محلي محاسن السنة المحمدية بدرر أخبارها، ومجلي ميامن السيرة النبوية عن غرر آثارها، ومؤيد من اقتبس نور هدايته من مشكاة أنوارها، ومسدد من التمس عز حمايته من أزرق سنانها وأبيض بتارها، ومسهل طريق الجنة لمن اتبع مستقيم صراطها واهتدى بضياء منارها، ومذلل سبيل الهداية لمن اقتفى سرائر سيرها وسير أسرارها. أحمده على ما أولى من نعم قعد لسان الشكر عن القيام بمقدارها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغنا من ميادين القبول غاية مضمارها وتسوغنا من مشارع الرحمة أصفى مواردها وأعذب أنهارها وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ابتعثه وقد طمت1 بحار الكفر بتيارها وطغت شياطين الضلال بعنادها وإصرارها، وعتت طائفة الأوثان وعبدة الأصنام على خالقها وجبارها، فقام بأمره حتى تجلت غياهب ظلمها عن سنا أبدارها، وجاهد في الله حق جهاده حتى أسفر ليل جهلها عن صباح نهارها. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حازت نفوسهم الأبية من مراضيه غاية أوطارها. وفازت من سماع مقاله ورواية أحواله ورؤية جلاله بملء مسامعها وأفواهها وأبصارها. وسلم تسليما كثيرا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أى ارتفعت وزادت.

 

ج / 1 ص -13-         وبعد فلما وقفت على ما جمعه الناس قديما وحديثا من المجاميع في سير النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه وأيامه إلى غير ذلك مما يتصل به. لم أر إلا مطيلا مملا أو مقصرا بأكثر المقاصد مخلا، والمطيل إما معتن بالأسماء والأنساب، والأشعار والآداب أو آخر يأخذ كل مأخذ في جمع الطرق والروايات. ويصرف إلى ذلك ما تصل إليه القدرة من العنايات. والمقصر لا يعدو المنهج الواحد، ومع ذلك فلا بد وأن يترك كثيرا مما فيه من الفوائد، وإن كانوا رحمهم الله هم القدوة في ذلك، ومما جمعوه يستمد من أراد ما هنالك، فليس لي في هذا المجموع إلا حسن الاختيار من كلامهم. والتبرك بالدخول في نظامهم. غير أن التصنيف يكون في عشرة أنواع كما ذكره بعض العلماء فأحدها جمع المتفرقات، وهو ما نحن فيه، فإني أرجو أن الناظر في كتابي هذا لا يجد ما ضمنته إياه في مكان ولا مكانين ولا ثلاثة ولا أكثر من ذلك إلا بزيادة كثيرة تتعب القاصد، وتتعذر بها على أكثر الناس المقاصد فاقتضى ذلك إن جمعت هذه الأوراق وضمنتها كثيرا مما انتهى إلي من نسب سيدنا ونبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولده، ورضاعه، وفصاله، وإقامته في بنى سعد، وما عرض له هنالك من شق الصدر وغيره، ومنشائه، وكفالة عبد المطلب جده إياه إلى أن مات، وانتقاله إلى كفالة عمه أبي طالب بعد ذلك، وسفره إلى الشام، ورجوعه منه، وما وقع له في ذلك السفر من إظلال الغمامة إياه وأخبار الكهان والرهبان عن نبوته. وتزويجه خديجة عليها السلام، ومبدأ البعث والنبوة ونزول الوحى، وذكر قوم من السابقين الأولين في الدخول في الإسلام، وما كان من الهجرتين إلى أرض الحبشة، وانشقاق القمر، وما عرض له بمكة من الحصار بالشعب، وأمر الصحيفة وخروجه إلى الطائف، ورجوعه بعد ذلك إلى مكة وذكر

 

ج / 1 ص -14-         العقبة، وبدء إسلام الأنصار، والإسراء، والمعراج، وفرض الصلاة وأخبار الهجرة إلى المدينة ودخوله عليه السلام المدينة، ونزوله حيث نزل، وبناء المسجد واتخاذ المنبر، وحنين الجذع، ومغازيه وسيره وبعوثه، وما نزل من الوحي في ذلك، وعمره وكتبه إلى الملوك، وإسلام الوفود، وحجة الوداع، ووفاته صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، ثم اتبعت ذلك بذكر أعمامه وعماته وأزواجه وأولاده وحليته وشمائله وعبيده وإمائه ومواليه وخيله وسلاحه وما يتصل بذلك مما ذكره العلماء في ذلك على سبيل الاختصار والإيجاز سالكا في ذلك ما اقتضاه التاريخ من إيراد واقعة بعد أخرى لا ما اقتضاه الترتيب من ضم الشيء إلى شكله ومثله حاشا ذكر أزواجه وأولاده عليه السلام فإني لم أسق ذكرهم على ما اقتضاه التاريخ بل دخل ذلك كله فيما اتبعت به باب المغازي والسير من باب الحلي والشمائل ولم استثن من ذلك إلا ذكر تزويجه عليه السلام خديجة عليها السلام لما وقع في أمرها من أعلام النبوة.
وقد اتحفت الناظر في هذا الكتاب من طرف الأشعار بما يقف الاختيار عنده. ومن نتف الأنساب بما لا يعدو التعريف حده ومن عوالي الأسانيد بما يستعذب الناهل ورده. ويستنجح الناقل قصده. وأرحته من الإطالة بتكرار ما يتكرر منها وذلك إني عمدت إلى ما يتكرر النقل منه من كتب الأحاديث والسنن والمصنفات على الأبواب والمسانيد وكتب المغازي والسير وغير ذلك مما يتكرر ذكره فأذكر ما أذكره من ذلك بأسانيدهم إلى منتهى ما في مواضعه وأذكر أسانيدي إلى مصنفي تلك الكتب في مكان واحد عند انتهاء الغرض من هذا المجموع. وأما ما لا يتكرر النقل منه إلا قليلا أو ما لا يتكرر منه نقل فما حصل من الفوائد الملتقطة والأجزاء المتفرقة فإني أذكر تلك الأسانيد عند ذكر ما أورده بها ليحصل بذلك الغرض من الاختصار وذكر الأسانيد مع عدم التكرار. فأما الأنساب فمن ذكرته استوعبت نسبه إلى أن يصل إلى فخذه أو بطنه المشهور

 

ج / 1 ص -15-         أو أبعد من ذلك من شعبه أو قبيلته بحسب ما يقتضيه الحال إن وجدته فإن تكرر ذكره لم أرفع في نسبه واكتفيت بما سلف من ذلك غير أني أنبه على المكان الذى سبق فيه نسبه مرفوعا بعلامة أرسمها بالحمرة فمن ذكر في السابقين الأولين أعلمت له "3" وللمهاجرين الأولين إلى أرض الحبشة "ها" وللثانية "هب" ولمهاجرة المدينة "ه" ولأهل العقبة الأولى "عا" والثانية "عب" وللمذكورين في النقباء "ق" ولأهل العقبة الثالثة "عج" وللبدريين "ب" ولأهل أحد "أ"، وعمدتنا فيما نورده من ذلك على محمد بن إسحاق إذ هو العمدة في هذا الباب لنا ولغيرنا غير أني قد أجد الخبر عنده مرسلا وهو عند غيره غير مسندا فأذكره من حيث هو مسند ترجيحا لمحل الإسناد. وإن كانت في مرسل ابن إسحاق زيادة اتبعته بها ولم أتتبع إسناد مراسيله وإنما كتبت ذلك بحسب ما وقع لي، وكثيرا ما أنقل عن الواقدي من طريق محمد بن سعد وغيره أخبارا ولعل كثيرا منها لا يوجد عند غيره فإلى محمد بن عمر انتهى علم ذلك أيضا في زمانه، وإن كان قد وقع لأهل العلم كلام في محمد بن إسحاق وكلام في محمد بن عمر الواقدي أشد منه فسنذكر نبذة مما انتهى إلي من الكلام فيهما جرحا وتعديلا فإذا انتهى ما أنقله من ذلك أخذت في الأجوبة عن الجرح فصلا فصلا بحسب ما يقتضيه النظر ويؤدي إليه الاجتهاد والله الموفق: فأما ابن إسحاق فهو محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار ويقال: ابن يسار بن كوثان1 المديني مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف أبو بكر وقيل أبو عبد الله رأى أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وسمع القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وأبان بن عثمان بن عفان ومحمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبى طالب وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ونافعا مولى ابن عمر والزهري وغيرهم، وحدث عنه أئمة العلماء منهم يحيى بن سعيد الأنصاري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بضم الكاف وثاء مثلثة وآخره نون.

 

ج / 1 ص -16-         وسفيان الثوري وابن جريج وشعبة والحمادان وإبراهيم بن سعد وشريك بن عبد الله النخعي وسفيان بن عيينة ومن بعدهم. ذكر ابن المديني عن سفيان بن عيينة أنه سمع ابن شهاب يقول: لا يزال بالمدينة علم ما بقي هذا يعني ابن إسحاق، وروى ابن أبي ذئب عن الزهري أنه رآه مقبلا، فقال: لا يزال بالحجاز علم كثير ما بقي هذا الأحول بين أظهرهم، وقال ابن علية: سمعت شعبة يقول: محمد بن إسحاق صدوق في الحديث، من رواية يونس بن بكير عن شعبة: محمد بن إسحاق أمير المحدثين وقيل له لم قال لحفظه، وقال ابن أبي خيثمة حدثنا ابن المنذر عن ابن عيينة أنه قال ما يقول أصحابك في محمد بن إسحاق قال: قلت: يقولون: إنه كذاب قال: لا تقل ذلك. قال ابن المديني: سمعت سفيان بن عيينة سئل عن محمد بن إسحاق فقيل له: ولم يرو أهل المدينة عنه قال: جالسته منذ بضع وسبعين سنة وما يتهمه أحد من أهل المدينة ولا يقولون فيه شيئا، وسئل أبو زرعة عنه فقال: من تكلم في محمد بن إسحاق هو صدوق، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال ابن المديني: مدار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ستة؛ فذكرهم، ثم قال: وصار علم الستة عند اثني عشر أحدهم ابن إسحاق. وسئل ابن شهاب عن المغازي فقال: هذا أعلم الناس بها يعني ابن إسحاق. وقال الشافعي من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق، وقال أحمد بن زهير سألت يحيى بن معين عنه فقال: قال عاصم بن عمر بن قتادة: لا يزال في الناس علم ما عاش محمد بن إسحاق، وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا هارون بن معروف قال: سمعت أبا معاوية يقول: كان ابن إسحاق من أحفظ الناس فكان إذا كان عند الرجل خمسة أحاديث أو أكثر جاء فاستودعها محمد بن إسحاق فقال: احفظها عليّ فإن نسيتها كنت قد حفظتها علي، وروى الخطيب بإسناد له إلى ابن نفيل ثنا عسبد الله بن فائد قال: كنا إذا جلسنا إلى محمد بن إسحاق فأخذ في

 

ج / 1 ص -17-         فن من العلم قضى مجلسه في ذلك الفن، وقال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمر والنصري1 محمد بن إسحاق قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه منهم سفيان وشعبة وابن عيينة والحمادان وابن المبارك وإبراهيم بن سعد وروى عنه من الأكابر يزيد بن أبي حبيب. وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا مع مدحة ابن شهاب له. وقد ذاكرت دحيما قول ملك يعني فيه فرأى أن ذلك ليس للحديث إنما هو لأنه اتهمه بالقدر، وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الناس يشتهون حديثه وكان يرمي بغير نوع من البدع. وقال ابن نمير كان يرمي بالقدر، وكان أبعد الناس منه، وقال البخاري ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد وقال علي بن المديني عن سفيان ما رأيت أحدا يتهم محمد بن إسحاق وقال أبو سعيد الجعفي: كان ابن إدريس معجبا بابن إسحاق كثير الذكر له ينسبه إلى العلم والمعرفة والحفظ، وقال إبراهيم الحربي حدثني مصعب قال: كانوا يطعنون عليه بشيء من غير جنس الحديث، وقال يزيد بن هارون: ولو سود أحد في الحديث لسود محمد بن إسحاق. وقال شعبة فيه أمير المؤمنين في الحديث. وروى يحيى بن آدم ثنا أبو شهاب قال: قال لي شعبة بن الحجاج: عليك بالحجاج بن أرطاة2 وبمحمد بن إسحاق، وقال ابن علية: قال شعبة: أما محمد بن إسحاق وجابر الجعفي فصدوقان وقال يعقوب ابن شيبة سألت ابن المديني: كيف حديث محمد بن إسحاق صحيح؟ قال: نعم حديثه عندي صحيح. قلت له: فكلام مالك فيه قال لم يجالسه ولم يعرفه ثم قال علي بن إسحاق أى شيء حدث بالمدينة قلت له: فهشام بن عروة قد تكلم فيه قال علي: الذى قال هشام ليس بحجة لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها وسمعت عليا يقول: إن حديث محمد بن إسحاق ليتبين فيه الصدق يروى مرة حدثنى أبو الزناد ومرة ذكر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة.
2 في الأصل "أرطاط" وهو غلط ظاهر.

 

ج / 1 ص -18-         أبو الزناد وروى عن رجل عن من سمع منه يقول: حدثني سفيان بن سعيد عن سالم أبى النضر عن عمر "صوم يوم عرفة" وهو من أروى الناس عن أبي النضر ويقول: حدثنى الحسن بن دينار عن أيوب عن عمرو بن شعيب في "سلف وبيع" وهو من أروى الناس عن عمرو بن شعيب وقال علي: لم أجد لابن إسحاق إلا حديثين منكرين نافع عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة" والزهري عن عروة عن زيد بن خالد "إذا مس أحدكم فرجه" هذين لم يروهما عن أحد والباقون يقول ذكر فلان ولكن هذا فيه ثنا، وقال مرة وقع إلي من حديثه شيء فما أنكرت منه إلا أربعة أحاديث ظننت أن بعضه منه وبعضه ليس منه، وقال البخاري: رأيت علي بن المديني يحتج بحديثه وقال لي: نظرت في كتابه فما وجدت عليه إلا حديثين ويمكن أن يكونا صحيحين، وقال العجلي ثقة، وروى المفضل بن غسان عن يحيى بن معين ثبت في الحديث، وقال يعقوب بن شيبة سألت يحيى بن معين عنه في نفسك شيء من صدقه قال: لا هو صدوق. وروى ابن أبي خيثمة عن يحيى ليس به بأس وقال ابن المديني: قلت لسفيان: كان ابن إسحاق جالس فاطمة بنت المنذر فقال أخبرني أنها حدثته وأنه دخل عليها، فاطمة هذه هي زوج هشام بن عروة وكان هشام ينكر على ابن إسحاق روايته عنها ويقول: لقد دخلت بها وهي بنت تسع سنين وما رآها مخلوق حتى لحقت بالله، وقال الأثرم سألت أحمد بن حنبل عنه فقال: هو حسن الحديث.