عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي ج / 1 ص -33-
ذكر نسب سيدنا ونبينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
محمد بن عبد
الله بن عبد المطلب ويدعى شيبة الحمد بن هاشم
وهو عمرو العلي بن عبد مناف واسمه المغيرة بن
قصي ويسمى زيدا ويدعى مجمعا أيضا قال الشاعر:
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا
به جمع الله القبائل من فهر
ابن كلاب بن مرة بن كعب
بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن
إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا هو الصحيح المجمع عليه في
نسبه، وما فوق ذلك مختلف فيه. ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل نبي
الله بن إبراهيم خليل الله عليهما السلام وإنما الخلاف في عدد من بين
عدنان وإسماعيل من الآباء فمقل ومكثر وكذلك من إبراهيم إلى آدم عليهما
السلام لا يعلم ذلك على حقيقته إلا الله: روينا عن ابن سعد أخبرنا هشام
أخبرني أبي أبو سلمة عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب لم يجاوز معد بن عدنان بن أدد ثم
يمسك ويقول:
"كذب النسابون قال الله عز وجل:
{وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}". وقال ابن عباس لو شاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه
لعلمه. وعن عائشة رضي الله عنها: ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء عدنان ولا
قحطان إلا تخرصا. وقد روي نحو ذلك عن عمر وعكرمة وغير واحد. والذى رجحه
بعض النسابين في نسب عدنان أنه ابن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن
سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار بن الذبيح إسماعيل بن الخليل إبراهيم بن
تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ
ج / 1 ص -34-
ابن
أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبي عليه
السلام بن يارد بن مهلاييل بن قنيان بن أنوش بن شيث وهو هبة الله بن
آدم عليهما أفضل الصلاة والسلام.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم القاروثي الإمام بدمشق أنبأ الحسين بن علي
العلوي ببغداد أنبأ ابن ناصر قراءة عليه وأنا أسمع أنبأ أبو طاهر بن
أبي الصقر الأنباري أنبأ القاضي أبو البركات أحمد بن عبد الواحد بن
الفضل الفراء أنبأ الشريف أبو جعفر محمد بن عبد الله بن ظاهر الحسيني
ثنا أبو سليمان أحمد بن محمد بن المكي بالمدينة سنة تسع وتسعين ومائتين
ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ابن
أبي ذئب عمن لا يتهم عن عمرو بن العاصي فذكر حديثا وفيه قال يعني رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله
اختار العرب على الناس واختارني على من أنا منه ثم أنا محمد بن عبد
الله"... حتى بلغ النضر بن كنانة ثم قال:
"فمن قال غير هذا فقد كذب". وبه عن عبد العزيز بن محمد عن ابن أبي ذئب عن جبير بن أبى صالح عن
ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص قال: قيل: يا رسول الله قتل فلان لرجل من
ثقيف فقال:
"أبعده الله
إنه كان يبغض قريشا". وروينا من
طريق مسلم ثنا محمد بن مهران الرازى ومحمد بن عبد الرحيم بن سهم جميعا
عن الوليد بن مسلم ثنا ابن مهران ثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد أنه
سمع واثلة بن الأسقع يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن
الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش
بني هاشم واصطفاني من بنى هاشم.
والعرب على ست طبقات: شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة. وسميت
الشعوب لأن القبائل تشعبت منها. وسميت القبائل لأن العمائر تقابلت
عليها فالشعب تجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع
البطون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل: فيقال مضر شعب رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكنانة قبيلته وقريش عمارته وقصي بطنه وهاشم
فخذه وبنو العباس فصيلته. هذا قول الزبير، وقيل بنو عبد المطلب فصيلته
وعبد مناف بطنه وسائر ذلك كما تقدم. وقيل بعد الفصيلة العشيرة وليس بعد
العشيرة شيء. وقيل الفصيلة هي العشيرة وقيل غير ذلك.
ج / 1 ص -35-
ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن
كلاب:
قال الزبير:
وكان عبد الله أحسن رجل رؤي في قريش قط وكان أبوه عبد المطلب قد مر به
فيما يزعمون على امرأة من بني أسد بن عبد العزى، وهي أخت ورقة بن نوفل،
وهي عند الكعبة، فقالت له: أين تذهب يا عبد الله؟ قال: مع أبي. قالت:
لك مثل الإبل التى نحرت عنك وكانت مائة وقع عليَّ الآن قال: أنا مع أبي
ولا أستطيع خلافه ولا فراقه وأنشد بعض أهل العلم في ذلك لعبد الله بن
عبد المطلب1:
أما الحرام فالممات دونه
والحل لا حل فأستبينه
كيف بالأمر الذى تبغينه
أخبرنا الإمام العلامة
أبو العباس أحمد بن إبراهيم الواسطي سماعا بدمشق أنبأ الأمير أبو محمد
الحسن بن علي العلوي ببغداد سماعا عليه قال: أخبرنا الحافظ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هنا في هامش نسخة دار الكتب المصرية: بلغ.
ج / 1 ص -36-
أبو
الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي السلامي قراءة عليه وأنا أسمع قال:
أنبأ أبو طاهر بن أبي الصقر أنبأ القاضي أبو البركات أحمد بن عبد
الوهاب الفراء أنبأ الشريف أبو جعفر محمد بن عبد الله الحسيني ثنا أبو
بكر الخضر بن داود بمكة ثنا الزبير بن بكار حدثني سفيان بن عيينة عن
جعفر بن محمد عن أبيه قال:
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} قال: أحدكم من أنفسكم لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية قال: وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح".
وروينا عن ابن سعد قال: أنبأ هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه
قال كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا
شيئا مما كان من أمر الجاهلية. وروينا -مرفوعا- من حديث ابن عباس
وعائشة رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
"خرجت من نكاح
غير سفاح".
رجع إلى الأول: فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهيب بن عبد مناف بن
زهرة وهو يومئذ سيد بني زهرة سنا وشرفا فزوجه آمنة بنت وهب وهي يومئذ
أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه
ووقع عليها فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج من عندها فأتى
المرأة التى عرضت عليه ما عرضت فقال لها: ما لك لا تعرضين على اليوم ما
عرضت بالأمس فقالت له: فارقك النور الذى كان معك بالأمس فليس لي بك
اليوم حاجة وقد كانت سمعت من أخيها ورقة بن نوفل أنه كائن في هذه الأمة
نبي. قال أبو عمر كان تزوجها وعمره ثلاثون سنة وقيل خمس وعشرون وقيل
بينهما ثمانية وعشرون عاما. وتزوج عبد المطلب في ذلك المجلس هالة بنت
وهيب بن عبد مناف فولدت له حمزة والمقوم وحجلا وصفية أم الزبير. قال
محمد بن السائب الكلبى: لما تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة أقام
عندها ثلاثا وكانت تلك السنة عندهم إذا دخل الرجل على امرأته في أهلها.
ج / 1 ص -37-
ذكر حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال ابن
إسحاق ويزعمون فيها يتحدث الناس والله أعلم أن أمه كانت تحدث أنها أتيت
حين حملت به فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع إلى الأرض
فقولي أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا. ومن طريق محمد بن
عمر عن علي بن زيد عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أبيه عن عمته قالت:
كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به أمه آمنة بنت
وهب كانت تقول ما شعرت بأني حملت به ولا وجدت له ثقلة1 كما يجد النساء
إلا أني أنكرت رفع حيضتي، وربما كانت تقول وأتاني آت وأنا بين النائم
واليقظان فقال: هل شعرت أنك حملت فكأني أقول: ما أدري؛ فقال: إنك قد
حملت بسيد هذه الأمة ونبيها وذلك يوم الاثنين... الحديث وأمهلني حتى
دنت ولادتي أتاني فقال: قولي أعيذه بالواحد. وعن الزهري قال: قالت
آمنة: لقد علقت به فما وجدت له مشقة حتى وضعته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة "ثقلًا".
ج / 1 ص -38-
ذكر وفاة عبد الله بن عبد المطلب:
قال ابن
إسحاق ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب أن هلك وأم رسول الله صلى
الله عليه وسلم حامل به. هذا قول ابن إسحاق. وغيره يقول: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان في المهد حتى توفي أبوه، رويناه عن الدولابي.
وذكر ابن أبى خيثمة أنه كان ابن شهرين وقيل ابن ثمانية وعشرين شهرا.
وقبره في المدينة في دار من دور بني عدي بن النجار كان خرج إلى المدينة
يمتار تمرا وقيل بل خرج به إلى أخواله زائرا وهو ابن سبعة أشهر. وفى
خبر سيف بن ذى يزن: مات أبوه فكفله جده وعمه. وروى ابن وهب عن يونس عن
ابن شهاب قال بعث عبد المطلب ابنه عبد الله يمتار له تمرا من يثرب فمات
بها وهو شاب عند أخواله ولم يكن له ولد غير رسول الله -صلى الله عليه
وسلم.
والذى رجحه الواقدي وقال هو أثبت الأقاويل عندنا في موت عبد الله وسنه
أنه كان خرج إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات ففرغوا من
تجاراتهم وانصرفوا فمروا بالمدينة وعبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض
فقال: أنا أتخلف عند أخوالى بني عدي بن النجار وأقام عندهم مريضا شهرا
ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا: خلفناه
عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده
الحارث فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة قيل: كان بينه وبين ابنه
عليه السلام ثمانية عشر عاما. وقد تقدم في تزويج عبد الله آمنة ما حكي
عن السلف في ذلك. |