عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي ج / 1 ص -402-
سرية زيد بن حارثة:
إلى الفردة
اسم ماء.
قال ابن إسحاق: وكان من حديثها أن قريشا خافوا
من طريقهم التي يسلكون إلى الشام حين كان من
وقعة بدر ما كان فسلكوا طريق العراق فخرج منهم
تجار فيهم أبو سفيان بن حرب ومعهم فضة كثيرة
وهي عظم تجارتهم واستأجروا رجلا يقال له: فرات
بن حيان يدلهم في ذلك الطريق وبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فلقيهم على
ذلك الماء فأصاب تلك العير وما فيها وأعجزه
الرجال فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال حسان بن ثابت بعد أحد في غزوة بدر
الآخرة يؤنب قريشا في أخذها تلك الطريق:
دعوا فلجات الشام قد حال دونها
جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم
وأنصاره حقا وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من بطن عالج
فقولا لها ليس الطريق هنالك
وقال ابن سعد كانت لهلال
جمادى الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهرا من مهاجره وهي أول سرية خرج
فيها زيد أميرا. والفردة من أرض نجد من الربذة. والغمرة ناحية ذات عرق،
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعترض العير لقريش فيها صفوان بن
أمية وحويطب بن عبد العزى وعبد الله بن أبي ربيعة ومعه مال كثير وآنية
فضة وزن ثلاثين ألف درهم. وكان دليلهم فرات بن حيان فخرج بهم
ج / 1 ص -403-
على
ذات عرق طريق العراق وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم فوجه زيد
بن حارثة في مائة راكب فاعترض لها فأصابوا العير وأفلت عيان القوم
وقدموا بالعير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخمسها فبلغ الخمس
قيمة عشرين ألف درهم وقسم ما بقي على أهل السرية. وأسر فرات بن حيان
فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: إن تسلم تترك فأسلم فتركه
رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتل وحسن إسلام فرات بعد ذلك. وفيه
قال عليه السلام:
"إن منكم رجالا
نكلهم إلى إسلامهم منهم فرات".
والفردة بالفاء المفتوحة وسكون الراء، وضبطها بعضهم بفتح القاف والراء
والله أعلم بالصواب1.
آخر الجزء الأول من تجزئة اثنين من السيرة النبوية على صاحبها أفضل
الصلاة والسلام لله الحمد والمنة يتلوه الثاني بغزوة أحد2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هامش الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".
2 كذا في الأصل وقد تابعناه في التجزئة.
ج / 1 ص -405-
غزوة أحد:
قرأت على
أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي أخبركم أبو نصر موسى بن عبد
القادر الجيلي قراءة عليه وأنتم تسمعون قال: أنا أبو القاسم سعيد بن
أحمد ابن البناء قال أنا أبو القاسم بن أحمد بن محمد البسري قال. أنا
أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص فثنا عبد الله فثنا العباس بن
الوليد فثنا أبو عوانة عن عمرو بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أحدا هذا جبل يحبنا ونحبه".
وكانت في شوال سنة ثلاث يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت منه عند ابن
عائذ، وعند ابن سعد لسبع ليال خلون منه على رأس اثنين وثلاثين شهرا من
مهاجره وقيل للنصف منه. وكان من حديث أحد قال ابن إسحاق: كما حدثني
محمد بن مسلم الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة
والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كلهم
قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا
الحديث. عن يوم أحد قالوا أو من قال منهم لما أصيب يوم بدر من كفار
قريش أصحاب القليب ورجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره مشى
عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من
قريش ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم وأبناؤهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان بن
حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا: يا معشر قريش إن
محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك
منه ثأرا بمن أصاب منا ففعلوا. وقال ابن سعد لما رجع من حضر بدرا من
المشركين إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان بن حرب موقوفة في
دار الندوة فمشت أشراف قريش إلى أبي سفيان فقالوا: نحن طيبو أنفس أن
تجهزوا بربح هذه العير جيشا إلى محمد فقال أبو
ج / 1 ص -406-
سفيان
فأنا أول من أجاب إلى ذاك وبنوا عبد مناف فباعوها فصارت ذهبا وكانت ألف
بعير والمال خمسين ألف دينار فسلم إلى أهل العير رؤوس أموالهم وأخرجوا
أرباحهم وكانوا يربحون في تجاراتهم لكل دينار دينارا. قال ابن إسحاق:
ففيهم كما ذكر لي بعض أهل العلم أنزل الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ
حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ
يُحْشَرُونَ} فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو
سفيان وأصحاب العير بأحابيشها1 ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة.
قال ابن سعد وكتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بخبرهم كله فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن الربيع
بكتاب العباس. رجع إلى خبر بن إسحاق: وكان أبو عزة عمرو بن عبد الله
الجمحي قد من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وكان فقيرا ذا
عيال وحاجة وكان في الأسار فقال: يا رسول الله إني فقير ذو عيال وحاجة
قد عرفتها فامنن علي صلى الله عليك فمن عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال له صفوان بن أمية: يا أبا عزة إنك رجل شاعر فأعنا بلسانك
فاخرج معنا فقال: إن محمدا قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه قال: بلى
فأعنا بلسانك فلك الله علي إن رجعت أن أغنيك وإن أصبت أن أجعل بناتك مع
بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر فرجع أبو عزة ومشافع بن عبد مناف
يستنفران الناس بأشعار لهما فأما أبو عزة فظفر به رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعد الوقعة بحمراء الأسد فقال: يا محمد أقلني فقال:
"لا والله لا
تمسح عارضيك بمكة تقول: خدعت محمدا مرتين"،
ثم أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه وقال سعيد بن المسيب فيه: قال عليه
السلام:
"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له: وحشي يقذف بحربة له
قذف الحبشة قلما يخطئ بها فقال له: اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عم
محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق وخرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة
وأن لا يفروا فأقبلوا حتى نزلوا بعينين -جبل ببطن السبخة من قناة على
شفير الوادي مقابل المدينة- فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمسلمون قد نزلوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التحبش: التجمع، وقيل حالفوا قريشا تحت جبل يسمى حبشيا فسموا بذلك.
ج / 1 ص -407-
حيث
نزلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين:
"إني قد رأيت والله خيرا، رأيت بقرا تذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلما
ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة".
وعن ابن هشام: "فأما البقر فناس من أصحابي يقتلون وأما الثلم الذي رأيت
في سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل"، وقال ابن عقبة: ويقول: رجال كان
الذي رأى بسيفه الذي أصاب وجهه فإن العدو أصابوا وجهه صلى الله عليه
وسلم يومئذ وقصموا رباعيته وجرحوا شفته وسيأتي ذكر من فعل ذلك. وعن ابن
عائذ أن الرؤيا كانت ليلة الجمعة. رجع إلي الأول قال ابن إسحاق: قال
يعني النبي صلى الله عليه وسلم:
"فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا
بشر مقام وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها"، وكان رأي عبد الله بن أبي بن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه
وسلم رأى أن لا يخرج إليهم، فقال رجل من المسلمين ممن أكرم الله
بالشهادة يوم أحد وغيره ممن فاته بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا فلم يزالوا برسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل فلبس لأمته1 وذلك يوم الجمعة حين فرغ
من الصلاة وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له: مالك بن عمرو
أحد بني النجار فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إليهم،
وقد ندم الناس، وقالوا: استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن
لنا ذلك، فلما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول
الله استكرهناك ولم يكن لنا ذلك، فإن شئت فاقعد، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
"ما ينبغي للنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل" فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه. قال ابن هشام
واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس، قال ابن إسحاق: حتى إذا كانوا
بالشوط بين المدينة وأحد انخزل2 عنه عبد الله بن أبي بثلث الناس وقال:
أطاعهم وعصاني ما ندري على ما نقتل أنفسنا؟ فرجع بمن تبعه من قومه من
أهل النفاق والريب واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام يقول: يا قوم
أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اللأمة: الدرع.
2 أي انفرد.
ج / 1 ص -408-
من
عدوهم قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكنا لا نرى أنه يكون
قتال قال: فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف قال أبعدكم الله أعداء
الله فسيغني الله عنكم نبيه، قال ابن عقبة فلما رجع عبد الله بن أبي
بثلثمائة سقط في أيدي الطائفتين من المسلمين وهما أن يقتتلا وهما بنو
حارثة وبنو سلمة كما يقال. أخبرنا الإمام الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن
علي بن أحمد بن الواسطي قراءة عليه وأنا أسمع؛ قال: أنا المشايخ أبو
البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب البغدادي وأبو نصر موسى بن عبد
القادر الجيلي وأبو الفضل محمد بن محمد بن السباك قال الأولان: أنا أبو
القاسم سعيد بن أحمد بن محمد بن البنا، وقال الثاني: أنا أبو المعالي
محمد بن محمد بن الجيان قال الأول: أنا وقال الثاني: أنبأنا أبو القاسم
بن البسري قال: أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن الذهبي فثنا عبد الله
بن محمد فثنا أبو بكر بن أبي شيبة فثنا أبو أسامة عن شعبة عن عدي بن
ثابت عن عبد الله بن يزيد عن البراء بن عازب قال: لما خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى أحد خرج معه بأناس فرجعوا قال: فكان أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فقالت فرقة: نقتلهم وقالت فرقة
لا نقتلهم قال فنزلت:
{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ
بِمَا كَسَبُوا}
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة". وعن ابن إسحاق من غير طريق زياد عن الزهري أن الأنصار يوم أحد
قالوا: يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود فقال لا حاجة لنا
فيهم قال زياد: وحدثني محمد بن إسحاق قال: ومضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى سلك في حرة بني حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف
واستله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحب الفأل ولا يعتاف1:
"يا صاحب السيف شم2
سيفك فإني أرى السيوف ستستل اليوم"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
"من رجل يخرج بنا على القوم من كثب -أي من قرب-
من طريق لا يمر بنا عليهم"، فقال
أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث أنا يا رسول الله فنفذ به في حرة
بني حارثة وبين أموالهم حتى سلك في مال لمربع بن قيظي وكان رجلا منافقا
ضرير البصر فلما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله من العيافة زجر الطير.
2 أي سل.
ج / 1 ص -409-
سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثي1 في وجوههم
التراب ويقول: إن كنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإني لا أحل لك
أن تدخل حائطي وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: والله
لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها في وجهك فابتدره القوم
ليقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر"، وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل قبل نهي رسول الله
صلى الله عليه وسلم فضربه بالقوس في رأسه فشجه ومضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد في عروة الوادي إلى الجبل فجعل ظهره
وعسكره إلى أحد وقال لا يقاتلن أحد حتى آمره بالقتال وقد سرحت قريش
الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين فقال رجل من
الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال أترعى زروع
بني قيلة ولما تضارب؛ وتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو
في سبعمائة رجل وأمر على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف
وهو معلم يومئذ بنياب بيض، والرماة خمسون رجلا فقال: انضح الخيل عنا
بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين
من قبلك، وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ودفع اللواء
إلى مصعب بن عمير أخي بني عبد الدار. وقال ابن عقبة وكان حامل لواء
المهاجرين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنا عاصم إن
شاء الله لما معي، فقال له طلحة: هل لك يا عاصم في المبارزة؟ قال: نعم،
فبدره ذلك الرجل فضربه بالسيف على رأس طلحة حتى وقع السيف في لحيته
فقتله فكان قتل صاحب لواء المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"إني مردف
كبشا"، فلما صرع صاحب اللواء انتشر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وصاروا كتائب متفرقة فجاسوا العدو ضربا حتى أجهضوهم2 عن أثقالهم وحملت
خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات كل ذلك تنضح بالنبل3 فترجع مفلولة
وحمل المسلمون على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: يرمي.
2 أي: نحوهم وأزالوهم.
3 أي: ترمي بالنبل.
ج / 1 ص -410-
المشركين فنهكوهم قتلا، وذكر ابن عائذ أن طلحة المذكور في هذا الخبر هو
ابن عثمان أخو شيبة من بني عبد الدار وكان بيده لواء المشركين يومئذ
وأن الرجل الذي كان بيده لواء المسلمين المهاجرين علي بن أبي طالب،
والذي قاله ابن هشام في هذه القصة قال: ويقال: إن أبا سعيد بن أبي طلحة
خرج بين الصفين فنادى أنا قاصم من يبارزني مرارا فلم يخرج إليه أحد
فقال: يا أصحاب محمد زعمتم أن قتلاكم إلى الجنة وأن قتلانا في النار
كذبتم واللات لو تعلمون ذلك حقا لخرج إلي بعضكم فخرج إليه علي بن أبي
طالب فاختلفا ضربتين فقتله علي رضي الله عنه قال ابن هشام وأجاز رسول
الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ورافع بن خديج أحد
بني حارثة وهما ابنا خمس عشرة سنة وكان قد ردهما فقيل له: إن رافعا رام
فأجازه فلما أجاز رافعا قيل له: يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعا
فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد أسامة بن زيد وعبد الله بن
عمر وزيد بن ثابت وأسيد بن ظهير ثم أجازهم يوم الخندق وهم أبناء خمس
عشرة سنة. قرأت على أبي الهيجاء غازي بن أبى الفضل أخبركم أبو علي حنبل
بن عبد الله بن الفرج سماعا قال أنا أبو القاسم بن الحصين قال: أنا أبو
علي بن المذهب قال: أنا أبو بكر القطيعي فثنا عبد الله بن أحمد فثنا
أبي فثنا يحيى عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن النبي صلى
الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم عرضه
يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه. رواه أبو داود عن الإمام
أحمد. وأخبرتنا السيدة مؤنسة خاتون ابنة السلطان الملك العادل سيف
الدين أبي بكر بن أيوب رحمهما الله ورحم سلفها سماعا قالت: أخبرتنا أم
هانئ عفيفة بنت أحمد الفارقانية إجازة قالت: أنا أبو طاهر عبد الواحد
بن محمد بن أحمد بن الدشتج قال: أنا أبو نعيم الحافظ قال: أنا أبو علي
محمد بن أحمد بن الصواف فثنا جعفر بن أحمد فثنا هشام بن عمار فثنا
إسماعيل بن عياش فثنا أبو بكر الهذلي عن نافع أن عمر بن عبد العزيز
سأله هل تدرون ما شهد عبد الله بن عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم من
المغازي فقال: نعم حدثنا عبد الله بن عمر قال: كانت غزوة بدر وأنا ابن
ثلاث عشرة سنة فلم أخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم كانت غزوة أحد
وأنا ابن أربع عشرة سنة فخرجت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآني
ج / 1 ص -411-
استصغرني فردني وخلفني في حرس المدينة في نفر ردهم منهم زيد بن ثابت
وعرابة بن أوس ورافع بن خديج وكان رافع أطولنا يومئذ فأنفذه النبي صلى
الله عليه وسلم فلم يرده معنا وكانت غزوة الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة
وأنفذني فغزوت معه فلما حدث هذا الحديث دعا كاتبه فقال: اعجل علي كاتبا
إلى الأمصار كلها فإن رجالا يقدمون إلي يستفرضون لأبنائهم وإخوانهم
فانظروا من فرضت له فاسألوهم عن أسنانهم فمن كان منهم ابن خمس عشرة سنة
فافرضوا له في المقاتلة ومن كان دون ذلك فافرضوا له في الذرية. كذا وقع
في هذا الخبر أوس بن عرابة وإنما هو عرابة بن أوس وأبوه أوس بن قيظي
كان من كبار المنافقين وهو أحد القائلين إن بيوتنا عورة. وعرابة الذي
يقول فيه الشماخ بن ضرار:
رأيت عرابة الأوسي يسمو
إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
وقد رد رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم أحد أيضا البراء بن عازب وأبا سعيد الخدري وزيد بن
أرقم وسعد بن عقيب بن عمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة الأنصاري
الحارثي وسعد بن حبتة1 جد أبي يوسف الفقيه وهو سعد بن بحير2 بن معاوية
حليف بني عمرو بن عوف أمه حبتة بنت مالك وزيد بن جارية من بني عمرو بن
عوف، وذكره ابن أبي حاتم فيمن اسم أبيه على حرف الحاء يعني ابن حارثة
فوهم في ذلك وهو أخو مجمع بن جارية وجابر بن عبد الله. وليس بالذي يروي
عنه الحديث. قال ابن إسحاق وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف رجل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح التاء المثناة من فوق
ثم تاء التأنيث. قال في القاموس حبتة بنت الحباب من الأنصار صحابية، من
نسلها أبو يوسف القاضي، قال البرهان الحلبي: صريح كلامه أنها أسلمت
قال: ولم أر لها ذكرا في الصحابة إنما ذكروا حبتة أخت خوات بن جبير بن
النعمان بن أمية الأنصاري.
2 بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة وسكون الياء.
ج / 1 ص -412-
ومعهم
مائتا فرس. قال ابن عقبة: وليس في المسلمين فرس واحد قال الواقدي: لم
يكن مع المسلمين يوم أحد من الخيل إلا فرس رسول الله صلى الله عليه
وسلم وفرس أبي بردة. قال ابن عقبة فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن
الوليد وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل. قال ابن سعد: وجعلوا على الخيل
صفوان بن أمية وقيل عمرو بن العاص وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة
وكانوا مائة وفيهم سبعمائة دارع والظعن خمس عشرة امرأة. وشاع خبرهم في
الناس ومسيرهم حتى نزلوا ذا الحليفة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
عينين له أنسا ومؤنسا ابني فضالة الظفريين ليلة الخميس لخمس مضت من
شوال فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم وأنهم قد حلوا إبلهم
وخيلهم في الزرع الذي بالعريض حتى تركوه ليس به خضراء ثم بعث الحباب بن
المنذر بن الجموح إليهم أيضا فدخل فيهم فحزرهم وجاءه بعلمهم وبات سعد
بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة في عدة ليلة الجمعة عليهم السلاح
في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرست المدينة حتى أصبحوا
وذكر الرؤيا واختلافهم في الخروج كما سقناه فصلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم الجمعة بالناس ثم وعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد وأخبرهم أن
لهم النصر ما صبروا وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح الناس بذلك ثم صلى
بالناس العصر وقد حشدوا وحضر أهل العوالي ثم دخل رسول الله صلى الله
عليه وسلم بيته ومعه أبو بكر وعمر فعمماه ولبساه، وصف الناس ينتظرون
خروجه فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير استكرهتم رسول الله صلى الله
عليه وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقد لبس لأمته وأظهر الدرع وحزم وسطها بمنطقة من أدم1 من حمائل
سيف واعتم وتقلد السيف وألقى الترس في ظهره فندموا جميعا على ما صنعوا.
وقالوا ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك فقال:
"لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين
أعدائه" وعقد ثلاثة ألوية لواء للأوس بيد أسيد بن الحضير ولواء المهاجرين
بيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال ابن القيم في الهدى: وكان له. ومنطقة من أديم منشور فيها ثلاث
حلق من فضة وأبزيم من فضة والطرف من فضة. كذا قال بعضهم، وقال ابن
تيمية لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شد على وسطه منطقة.
ج / 1 ص -413-
علي بن
أبي طالب وقيل: بيد مصعب بن عمير ولواء للخزرج بيد الحباب بن المنذر
وقيل: بيد سعد بن عبادة وفى المسلمين مائة دارع وخرج السعدان أمامه
يعدوان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دارعين، واستعمل على المدينة ابن أم
مكتوم وعلى الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين وأدج رسول الله
صلى الله عليه وسلم في السحر ودليله أبو خيثمة الحارثي فحانت الصلاة
يعني الصبح فصلى وانخزل1 حينئذ ابن أبي من ذلك المكان بثلاثمائة ومعه
فرس وفرس لأبي بردة بن نيار وهو يقول: عصاني وأطاع الولدان ومن لا أرى
له.
رجع إلى خبر ابن إسحاق: قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من يأخذ هذا السيف بحقه" فقام إليه رجال فأمسكه عنهم حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة
أخو بني ساعدة، فقال: وما حقه يا رسول الله قال: أن تضرب به في وجه
العدو حتى ينحني، قال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه فأعطاه إياه، وكان
أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب إذا كانت، وحين رآه عليه السلام
يتبختر قال:
"إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن". وكان أول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر عبد بن عمرو بن صفي بن
مالك بن النعمان أحد بني ضبيعة وكان فيما ذكر ابن إسحاق عن عاصم بن عمر
بن قتادة خرج حين خرج إلى مكة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
معه خمسون غلاما من الأوس وبعض الناس يقول: خمسة عشر وكان يعد قريشا أن
لو لقي قومه لم يتخلف عليه منهم رجلان فلقيهم في الأحابيش وعبدان أهل
مكة فنادى: يا معشر الأوس أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عينا
يا فاسق وكان يسمى في الجاهلية الراهب. فسماه رسول الله صلى الله عليه
وسلم الفاسق فلما سمع ردهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتلهم
قتالا شديدا ثم راضخهم بالحجارة. قال ابن إسحاق: وقد قال أبو سفيان
لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرضهم على القتال يا بني عبد الدار
إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما يؤتى الناس من
قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا
وبينه فنكفيكموه فهموا به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: انفرد.
ج / 1 ص -414-
وتوعدوه وقالوا: نحن نسلم إليك لواءنا ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع
وذلك أراد أبو سفيان فلما التقى الناس قامت هند بنت عتبة في النسوة
اللاتي معها وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويحرضنهم فقالت هند
فيما تقول:
ويها بني عبد الدار
وبها حماة الأدبار
ضربا بكل بتار
وتقول:
إن تقبلوا نعانق
ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
فاقتتل الناس حتى حميت
الحرب، قاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس. قال ابن هشام وحدثني غير
واحد أن الزبير بن العوام قال: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة فقلت: والله لأنظرن ما
يصنع فاتبعته فأخذ عصابة له حمراء فعصب بها رأسه وقالت الأنصار: أخرج
أبو دجانة عصابة الموت وهكذا كان يقول إذا عصب بها فخرج وهو يقول:
أنا الذي عاهدني خليلي
ونحن بالسفح لدى النخيل
أن لا أقوم الدهر في الكيول1
اضرب بسيف الله والرسول
فجعل لا يلقى أحدا إلا
قتله. وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا دفف2 عليه فجعل كل
واحد منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا فاختلفا
ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه وضربه أبو
دجانة فقتله ثم رأيته حمل بالسيف على رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف
عنها. قال ابن إسحاق، وقال أبو دجانة: رأيت إنسانا يحمش3 الناس حمشا
شديدا فعمدت إليه فلما حملت عليه السيف ولول فأكرمت سيف رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة. وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل
أرطاة بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: مؤخر الصفوف، وهو بفتح الكاف وضم الياء المثناة من تحت المشددة .
2 أي: أجهز عليه.
3 أي: يحرضهم على القتال.
ج / 1 ص -415-
شرحبيل
بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء
ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني فقال له: هلم يابن مقطعة البظور.
وكانت أمه ختانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله قال وحشي غلام جبير
بن مطعم والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه فما يليق شيئا مثل
الجمل الأورق إذ تقدم إليه سباع بن عبد العزي فضربه ضربة فكأنما أخطأ
رأسه وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته1 حتى
خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي، فغلب، فوقع، فأمهلته حتى إذ مات جئته،
فأخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر، ولم يكن لي بشيء حاجة غيره. وقاتل
مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل وكان الذي قتله
ابن قمئة الليثي وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش
فقال: قتلت محمدا فلما قتل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الراية عليا. وقال ابن سعد: قتل مصعب بن عمير فأخذ اللواء ملك في صورة
مصعب وحضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل وحكى دنو القوم بعضهم من بعض
والرماة يرشقون خيل المشركين فتولى هو أرب فصاح طلحة بن أبي طلحة صاحب
اللواء من يبارز فبرز له علي فقتله. وهو كبش الكتيبة الذي تقدمت
الإشارة إليه في الرؤيا، ثم حمل لواءهم عثمان بن أبى طلحة فحمل عليه
حمزة فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره2 ثم حمله أبو سعيد
بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته فقتله ثم حمله مسافع
بن طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله ثم حمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم
فقتله ثم حمله كلاب بن طلحة فقتله الزبير بن العوام ثم حمله الجلاس بن
طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله. ثم حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله علي بن
أبي طالب ثم حمله شريح بن قارظ فلسنا ندري من قتله ثم حمله صواب غلامهم
فقتل قتله سعد بن أبي وقاص، وقيل: علي وقيل: قزمان وهو أثبت الأقاويل.
رجع إلى خبر ابن إسحاق والتقى حنظلة بن أبي عامر الغسيل وأبو سفيان
فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأوس فدعا أبا سفيان فضربه شداد فقتله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن صاحبكم -يعني
حنظلة-
لتغسله
الملائكة"، فسئلت صاحبته فقالت: خرج وهو جنب حين سمع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الثنة: ما بين السرة والعانة.
2 أي: صدره.
ج / 1 ص -416-
الهاتفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لذلك
غسلته الملائكة"، ثم أنزل
الله تعالى نصره على المسلمين فحشوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر
وكانت الهزيمة لا شك فيها. وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير
عن أبيه عباد عن عبد الله بن الزبير أنه قال والله لقد رأيتني أنظر إلى
خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير إذ
مالت الرماة إلى العسكر حتى كشفنا القوم عنه وخلوا ظهورنا للخيل فأتينا
من خلفنا وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل فانكفأنا وانكفأ القوم علينا
بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم. قال ابن
إسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت
علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلاثوا به1 وكان آخر من أخذ اللواء منهم
صواب فقاتل به حتى قطعت يداه ثم برك عليه فأخذه بصدره وعنقه حتى قتل
عليه. قال ابن سعد فلما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين لا
يلوون على شيء ونساؤهم يدعون بالويل وتبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم
حيث شاءوا حتى أجهضوهم2 عن العسكر ووقعوا ينتهبون العسكر ويأخذون ما
فيه من الغنائم وتكلم الرماة الذين على عينين واختلفوا بينهم وثبت
أميرهم عبد الله بن جبير في نفر يسير دون العشرة مكانه وقال: لا أجاوز
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغنى ووعظ أصحابه وذكرهم أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذا قد انهزم المشركون فما مقامنا ههنا فانطلقوا يتبعون العسكر
وينتهبون معهم وخلوا الجبل، ونظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة
أهله فكر بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل فحملوا على من بقي من الرماة
فقتلوهم وقتل أميرهم عبد الله بن جبير وانتقضت صفوف المسلمين واستدارت
رحاهم وجالت الريح فصارت دبورا وكانت قبل ذلك صبا. ونادى إبليس أن
محمدا قد قتل واختلط المسلمون فصاروا يقتتلون على غير شعار ويضرب بعضهم
بعضا ما يشعرون به من العجلة والدهش ونادى المشركون بشعارهم بالعزى
بالهبل. فأوجعوا في المسلمين قتلا ذريعا وولى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: اجتمعوا حوله.
2 أي: أزالوهم.
ج / 1 ص -417-
من ولى
منهم يومئذ، قال موسى بن عقبة ولما فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال رجل منهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فارجعوا إلى
قومكم فيؤمنونكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم فإنهم داخلو البيوت وقال رجل
منهم لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا وقال آخرون إن كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون على دينكم وعلى ما كان
عليه نبيكم حتى تلقوا الله عز وجل شهداء منهم أنس بن ملك بن النضر شهد
له بها سعد بن معاذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: كذا وقع في
هذا الخبر أنس بن مالك بن النضر وإنما هو أنس بن النضر عم أنس بن ملك
بن النضر. رجع إلى خبر ابن سعد وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
يزول يرمي عن قوسه حتى صارت شظايا ويرمي بالحجر وثبت معه عصابة من
أصحابه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر الصديق وسبعة من
الأنصار حتى تحاجزوا. وروى البخاري لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم
إلا اثنا عشر رجلا. وعن أبي طلحة غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد
فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم
الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدو إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقذف بالحجارة حتى وقع لشقه وأصيبت رباعيته وشج في
وجهه وكلمت1 شفته وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص. قال ابن إسحاق
فحدثني حميد الطويل عن أنس بن ملك قال كسرت رباعية النبي صلى الله عليه
وسلم يوم أحد وشج وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل يمسح الدم وهو
يقول:
"كيف يفلح
قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم"،
فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك:
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ
يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}، قال
ابن هشام: وذكر لي ربيح2 بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن
أبي سعيد الخدري أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يومئذ فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى وأن عبد الله بن
شهاب الزهري شجه في وجهه وأن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: جرحت.
2 بضم الراء وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة وحاء مهملة. قال
الترمذي قال البخاري منكر الحديث، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
ج / 1 ص -418-
حلقتان
من المغفر في وجنته ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من
الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون فأخذ علي بن
أبي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعه طلحة بن عبد الله حتى
استوى قائما ومص مالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري الدم من وجهه ثم
ازدرده1 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من مس دمي دمه لم تصبه النار". وذكر عبد العزيز بن محمد الدراوردي أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال:
"من سره أن
ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبد الله". وعن عيسى بن طلحة عن عائشة عن أبي بكر الصديق أن أبا عبيدة بن
الجراح نزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت
ثنيته ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى فكان ساقط الثنيتين. وروينا عن
ابن عائذ قال: أنا الوليد بن مسلم قال: فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن
جابر أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فجرحه في وجهه قال
لما رماه فأصابه: خذها وأنا ابن قمئة، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"أقماك الله عز وجل"، قال ابن
جابر انصرف ابن قمئة من ذلك اليوم إلى أهله فخرج إلى غنمه فوافاها على
ذروة جبل فأخذ فيها يعترض عليها ويشد عليه تيسها فنطحه نطحة أرداه من
شاهقة الجبل فتقطع. قال ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين غشيه القوم:
"من رجل يشتري لنا نفسه"، كما حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود
بن عمر وقال فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار وبعض الناس
يقول: إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن فقاتلوا دون رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجلا رجلا يقتلون دونه حتى كان آخرهم زيادا وعمارة فقاتل حتى
أثبته الجراحة، ثم فاءت فيئة من المسلمين فأجهضوهم عنه فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
"أدنوه مني"،
فأدنوه منه فوسده قدمه، فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم. قال ابن هشام: فقالت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد،
فذكر سعيد بن أبي يزيد الأنصاري أن أم سعيد ابنة سعد بن الربيع كانت
تقول دخلت على أم عمارة فقلت: يا خالة أخبريني خبرك، فقالت: خرجت أول
النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ابتلعه.
ج / 1 ص -419-
فيه
ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة
والريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى خلصت
الجراحة إلي فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت: من أصابك بهذا؟
قالت: ابن قمئة أقماه الله لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أقبل يقول: دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب
بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني هذه
الضربة ولكن ضربته ضربا على ذلك ولكن عدو الله كان عليه درعان، قال ابن
إسحاق: وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه يقع
النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل ورمى سعد بن أبي وقاص
دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سعد: فلقد رأيته يناولني النبل
ويقول:
"ارم فداك أبي وأمي"، حتى إنه
ليناولني السهم ما له من نصل، فيقول:
"ارم به"، وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى
عن قوسه حتى اندقت سيتها1 فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده. وأصيبت
يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته فحدثني عاصم بن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بيده فكانت أحسنَ عينيه وأحدَّهما.
وذكر الأصمعي عن أبي معشر المدني قال: وفد أبو بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم بديوان أهل المدينة إلى عمر بن عبد العزيز رجلا من ولد قتادة بن
النعمان فلما قدم عليه قال له: ممن الرجل؟ فقال:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه
فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فعادت كما كانت لأول أمرها
فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد
حكاه أبو عمر قال ابن
سعد: ورمي يومئذ أبو رهم الغفاري كلثوم بن الحصين بسهم فوقع في نحره.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ، قال ابن إسحاق:
وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سية القوس ما عطف من طرفيها والجمع سيات.
ج / 1 ص -420-
الناس
قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر لي ابن شهاب الزهري كعب بن
ملك قال: عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي يا معشر
المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن انصت فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه
وسلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب معه أبو بكر وعمر وعلي وطلحة
والزبير والحارث بن الصمة ورهط من المسلمين. قال موسى بن عقبة بايعوه
على الموت فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركه أبي بن خلف
وهو يقول: أين محمد لا نجوت إن نجوت. قال ابن عقبة: قال سعيد بن
المسيب: فاعترض له رجال من المسلمين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فخلوا طريقه واستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار يقي رسول
الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فقتل مصعب بن عمير وأبصر رسول الله صلى
الله عليه وسلم ترقوة أبي بن خلف من فرجة من سابغة الدرع والبيضة فطعنه
بحربته فوقع أبي عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم قال سعيد فكسر ضلعا من
أضلاعه قال: ففي ذلك نزلت:
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وقال ابن إسحاق في هذا الخبر: كان أبي بن خلف كما حدثني صالح بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة
فيقول: يا محمد إن عندي العود -فرسا له- أعلفه كل يوم فرقاس ذرة أقتلك
عليها فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بل أنا
أقتلك إن شاء الله"، فلما رجع
إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم قال: قتلني والله
محمد، قالوا له: ذهب والله فؤادك والله إن بك من بأس، قال: إنه قد كان
قال لي بمكة:
"أنا أقتلك"،
فوالله لو بصق علي لقتلني فمات عدو الله بسرف1 وهم قافلون به إلى مكة،
وقال ابن عقبة: قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي
المجاز لماتوا أجمعون.
رجع إلى الأول فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب
خرج علي بن أبى طالب حتى ملأ درقته من المهراس فجاء به إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليشرب منه، فوجد له ريحا، فعافه، فلم يشرب منه وغسل
عن وجهه الدم وصب على رأسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح السين وكسر الراء موضع في طريق مكة.
ج / 1 ص -421-
وهو
يقول:
"اشتد غضب الله على من دمي وجه نبيه". فحدثني صالح بن كيسان عن من حدثه عن سعد بن أبي وقاص أنه كان
يقول: والله ما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل عتبة بن أبي وقاص وإن
كان ما علمت لسيئ الخلق مبغضا في قومه ولقد كفاني منه قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
"اشتد غضب الله على من دمي وجه رسوله"1. قال ابن إسحاق فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب معه
أولئك النفر من أصحابه إذ علت عالية من قريش الجبل فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
"اللهم إنه لا
ينبغي لهم أن يعلونا"، فقاتل عمر
بن الخطاب ورهط من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل، ونهض رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها وقد كان بدن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ظاهر بين درعين فلما ذهب لينهض لم يستطع، فجلس تحته
طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم كما حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن
عبد الله بن الزبير بن العوام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول يومئذ:
"أوجب طلحة حين صنع برسول
الله صلى الله عليه وسلم ما صنع".
قال ابن هشام: وبلغني عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم يبلغ الدرجة المبنية في الشعب وذكر عمر مولى غفرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم صلى الظهر يوم أحد قاعدا من الجراح التي أصابته وصلى
المسلمون خلفه قعودا. قال ابن إسحاق وقد كان الناس انهزموا عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضهم إلى المنعى دون الأعوص.
وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال: فلما خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن
اليمان وثابت بن وقش في الإطام2 مع النساء والصبيان فقال أحدهما لصاحبه
وهما شيخان كبيران: لا أبا لك ما ننتظر فوالله إن بقي لواحد منا من
عمره إلا ظمء حمار3 إنما نحن هامة اليوم أو غدا أفلا نأخذ أسيافنا ثم
نلحق برسول الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية الأصل بلغ مقابلة لله الحمد.
2 جمع أطم بالضم: بناء مرتفع.
3 أي شيء يسير، وإنما خص الحمار؛ لأنه أقل الدواب صبرا عن الماء.
ج / 1 ص -422-
صلى
الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما فأما ثابت بن
وقش فقتله المشركون وأما حسيل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين
فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة: أبي والله أبي، قالوا: والله إن
عرفناه، وصدقوا فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فأراد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين
فزاده عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا. قال ابن إسحاق: وحدثني
عاصم بن عمر بن قتادة قال: كان فينا رجل أتى1 ولا ندري ممن هو يقال له:
قزمان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكره يقول:
"إنه لمن أهل النار". قال:
فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا فقتل وحده ثمانية أو سبعة من
المشركين. وكان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل إلى دار بني ظفر، قال:
فجعل رجال من المسلمين يقولون والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر،
قال: بماذا أبشر؟ فوالله إن قاتلت إلا على أحساب قومي، ولولا ذلك لما
قاتلت، قال: فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه،
وكان ممن قتل يومئذ مخيريق وقد تقدم خبره، وكان الحارث بن سويد بن
الصامت منافقا لم ينصرف مع عبد الله بن أبي في حين انصرافه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مع جماعته عن غزوة أحد. ونهض مع المسلمين فلما
التقى المسلمون والمشركون عدا على المجذر بن زياد وعلى قيس بن زيد أحد
بني ضبيعة فقتلهما وفر إلى الكفار وكان المجذر قد قتل في الجاهلية سويد
بن الصامت والد الحارث المذكور في بعض حروب الأوس والخزرج. ثم إن
الحارث رجع إلى المدينة إلى قومه وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخبر من السماء ونزل جبريل عليه فأخبره أن الحارث بن سويد قدم فانهض
إليه واقتص منه لمن قتله من المسلمين غدرا يوم أحد فنهض رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم فيه فخرج إليه الأنصار
أهل قباء في جماعتهم وفى جملتهم الحارث بن سويد وعليه ثوب مورس فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم عويم بن ساعدة بضرب عنقه، فقال الحارث:
لم يا رسول الله؟ فقال:
"بقتلك المجذر بن زياد وقيس بن زيد" فما راجعه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: غريب، يقال رجل أتى وأتاوى.
ج / 1 ص -423-
الحارث
بكلمة وقدمه عويم فضرب عنقه ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم
ينزل عندهم. هذا عن أبي عمر النمري، والمأمور بضرب عنقه عند بعضهم
عثمان بن عفان وعند آخرين بعض الأنصار، وفى قتل المجذر سويدا خلاف بين
أهل النقل. قال ابن إسحاق: وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد
بن معاذ عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة قال: كان يقول:
حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو،
فيقول: أصيرم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش قال الحصين: فقلت
لمحمود بن لبيد: كيف كان شأن الأصيرم؟ قال: كان يأبى الإسلام على قومه
فلما كان يوم خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد بدا له في الإسلام
فأسلم ثم أخذ سيفه فغدا حتى دخل في عرض الناس فقاتل حتى أثبته الجراحة
قال: فبينا رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم
به فقالوا: والله إن هذا للأصيرم ما جاء به لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا
الحديث فسألوه ما جاء بك أحدب على قومك أو رغبة في الإسلام، فقال: بل
رغبة في الإسلام آمنت بالله ورسوله وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني ثم لم يلبث أن
مات في أيديهم فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"إنه لمن أهل الجنة"،
وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن أشياخ من بني سلمة أن عمرو بن الجموح كان
رجلا أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون المشاهد مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه فأتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه
والخروج معك فيه فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك"، وقال لبنيه:
"ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله يرزقه شهادة"، فخرج معه فقتل يوم أحد، وذكر أبو عمر في خبره قال: فأخذ سلاحه
وولى فلما ولى أقبل على القبلة وقال اللهم ارزقني الشهادة ولا تردني
إلى أهلي خائبا. وفيه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"والذي نفسي بيده إن منكم من لو أقسم على الله لأبره منهم عمرو بن
الجموح ولقد رأيته يطأ في الجنة بعرجته"، وقيل: حمل هو
ج / 1 ص -424-
وابنه
خلاد حين انكشف المسلمون فقتلا جميعا. قال ابن إسحاق ووقعت هند بنت
عتبة كما حدثني صالح بن كيسان والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدعن الآذان والأنف حتى اتخذت هند
من آذان الرجال وأنفهم خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وأقرطتها
وحشيا غلام جبير بن مطعم وبقرت من كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن
تسيغها فلفظتها، ثم علت على صخرة مشرفة، فصرخت بأعلى صوتها فقالت:
نحن جزيناكم بيوم بدر
والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر
ولا أخي وعمه وبكر
شفيت نفسي وقضيت نذري
شفيت وحشي غليل صدري
فشكر وحشي علي عمري
حتى ترم أعظمي في قبري
فأجابتها هند بنت أثاثة
بن عباد بن المطلب فقالت:
خزيت في بدر وبعد بدر
يا بنت وقاع عظيم الكفر
صبحك الله غداة الفجر
بالهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع حسام يفري
حمزة ليثي وعلى صقري
إذ رام شيب وأبوك غدري
فخضبا منه ضواحي النحر
ونذرك السوء فشر نذر
ثم إن أبا سفيان حين
أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته أنعمت، فقال: إن الحرب
سجال يوم بيوم بدر، أعل هبل أي أظهر دينك فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"قم يا عمر فأجبه فقل: الله أعلى وأجل لا سواء، قتلانا في الجنة
وقتلاكم في النار"
وقال: إن لنا العزى ولا عزى لكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم" عن ابن عائذ وغيره رجع فلما أجاب عمر أبا سفيان قال له أبو سفيان:
هلم إلي يا عمر، فقال رسول الله صلى الله
ج / 1 ص -425-
عليه
وسلم لعمر:
"ائته فانظهر ما شأنه"، فجاءه، فقال أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدا؟ قال عمر:
اللهم لا، وإنه يسمع كلامك الآن، قال: أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر
لقول ابن قمئة إني قتلت محمدا ثم نادى أبو سفيان أنه قال في قتلاكم مثل
والله ما رضيت ولا سخطت ولا نهيت ولا أمرت ولما انصرف أبو سفيان
وأصحابه نادى إن موعدكم بدر للعام القابل فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لرجل من أصحابه:
"قل: نعم هو بيننا وبينكم موعد"، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال ابن
عائذ سعد بن أبي وقاص فقال:
"اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ وماذا يريدون؟ فإن كانوا قد
جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا
الإبل فهم يريدون المدينة والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرن إليهم
فيها ثم لأناجزنهم"، قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ما يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا
الإبل ووجهوا إلى مكة وفرغ الناس لقتلاهم، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم كما حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة
المازني أخو بني النجار:
"من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات؟"، فقال رجل
من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل، فنظر فوجده جريحا في
القتلى وبه رمق، قال: فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني
أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: أنا في الأموات، فأبلغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع
يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى به نبيا عن أمته وأبلغ قومك عني
السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله
أن يخلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف، قال: ثم لم أبرح حتى مات، قال: فجئت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره. قال ابن إسحاق وخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده
ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع أنفه وأذناه. أخبرنا أبو
الفضل عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى وأبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بن
عبد الوهاب بقراءة والدي عليهما وأنا أسمع متفرقين قالا: أنا أبو حفص
عمر بن محمد بن طبرزد قال: أنا أبو القاسم هبة الله بن
ج / 1 ص -426-
محمد
بن الحصين الشيباني قال: أنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان قال أنا
أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي فثنا حامد بن محمد فثنا
بشر بن الوليد فثنا صالح المري عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة بن عبد
المطلب حين استشهد فنظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه
ونظر قد مثل به فقال -رحمة الله- عليك فإنك كنت ما علمتك فعولا للخيرات
وصولا للرحم ولولا حزن من بعدي عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواه
شتى أما والله مع ذلك لأمثلن بسبعين منهم، قال فنزل جبريل عليه السلام
والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعد بخواتيم سورة النحل:
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ
وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}
إلى آخر السورة فصبر النبي صلى الله عليه وسلم، فكفر عن يمينه وأمسك
عما أراد. قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن مقسم مولى عبد الله بن
الحارث عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجى1
ببرده ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ثم أتى بالقتلى يوضعون إلى جنب
حمزة، فصلى عليه وعليهم معهم حتى صلى عليهم ثنتين وسبعين صلاة. وقد
روينا حديث مقسم هذا عن ابن عباس أتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم أحد فجعل يصلي على عشرة عشرة الحديث من طريق ابن ماجه عن محمد بن
عبد الله بن نمير عن أبي بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم به.
وروينا عن ابن سعد قال: أنا أبو المنذر البزار، فثنا سفيان الثوري عن
حصين عن أبي مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد.
وقال ابن عقبة لم يغسلهم ولم يصل على أحد منهم كما يصلي على الموتى ولم
يدفنهم2 في غير ثيابهم التى قتلوا فيها. قال أبو عمر: واختلف في صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد ولم يختلف عنه في أنه أمر
أن يدفنوا بثيابهم ودمائهم ولم يغسلوا ومثل يومئذ بعبد الله بن جحش بن
رئاب غير أنه لم يبقر3 عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: غطى.
2 في نسخة "يكفنهم".
3 يبقر أي يشق.
ج / 1 ص -427-
كبده.
وروى ابن وهب عن أبي صخر عن ابن قسيط عن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص عن
أبيه أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تأتي ندعو الله فخلوا في
ناحية فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه
شديدا حرده أقاتله فيك ويقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ
سلبه فأمن عبد الله بن جحش ثم قال: اللهم ارزقني غدا رجلا شديدا بأسه
شديدا حرده أقاتله فيك ويقاتلني فيقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفى وأذني.
فإذا لقيتك قلت: يا عبد الله فيم جدع أنفك وأذنك فأقول: فيك وفي رسولك
فيقول الله: صدقت، قال سعد: كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي
لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه معلقان في خيط، وذكر الزبير في
الموفقيات إن عبد الله بن جحش انقطع سيفه يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى
الله عليه وسلم عرجون نخلة فصار في يده سيفا يقال: إن قائمه منه وكان
يسمى العرجون ولم يزل يتناقل حتى بيع من بغا التركي بمائتي دينار. يقال
إنه قتل يومئذ عبد الله أبو الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي ودفن هو
وحمزة بن عبد المطلب في قبر واحد. قال ابن سعد ودفن عبد الله بن عمرو
بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد ودفن خارجة بن زيد وسعد بن الربيع
في قبر واحد، ودفن النعمان بن مالك وعبدة بن الخشخاش في قبر واحد وكان
الناس أو عامتهم قد حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها فنادى
منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا القتلى إلى مضاجعهم فأدرك
المنادي رجلا واحدا لم يكن دفن فرد وهو شماس بن عثمان المخزومي، وسيأتي
لوفاة شماس ذكر في أشعار أحد إن شاء الله تعالى. وأما أبو عمر فقال:
يومئذ احتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة فردهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليدفنوا حيث قتلوا. قال الواقدي: وولي رسول الله صلى
الله عليه وسلم تركة عبد الله بن جحش واشترى لابنه مالا بخيبر، وعبد
الله لأميمة بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أشرف على القتلى:
"أنا شهيد على هؤلاء وما من جريح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم
القيامة يدمي جرحه اللون لون الدم والريح ريح مسك".
روينا عن أبي بكر الشافعي بالإسناد المذكور آنفا فثنا محمد بن علي بن
إسماعيل فثنا قطن فثنا حفص فثنا إبراهيم عن عباد بن إسحاق عن
ج / 1 ص -428-
محمد
بن مسلم الزهري عن عبد الله بن ثعلبة أنه أخبره أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لقتلى أحد:
"زملوهم بجراحهم إنه ليس مكلوم يكلم في الله تعالى إلا وهو يأتي يوم
القيامة لونه لون دم وريحه ريح مسك". وكذلك رواه محمد بن مصعب عن الأوزاعي عن الزهري وغيره يخالفه. قال
الدارقطني: الصواب رواية الليث ومن وافقه. ورووه عن الزهري عن عبد
الرحمن بن كعب عن جابر ويومئذ قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن
أبي وقاص:
"ارم فداك أبي وأمي". قرئ على عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي وأنا أسمع أخبركم أبو
علي حنبل بن عبد الله بن الفرج بن سعادة الرصافي قراءة عليه وأنت حاضر
في الخامسة قال: أنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، قال: أنا
أبو علي الحسن بن علي بن المذهب قال: أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن
حمدان بن مالك القطيعي، قال: أنا عبد الله بن أحمد فثنا أبي فثنا وكيع
فثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن شداد عن علي، قال: ما
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدا بأبويه إلا سعد بن مالك
فإني سمعته يقول له يوم أحد:
"ارم سعد فداك أبي وأمي" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهداء:
"انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه إمام أصحابه في القبر"، وكانوا
يدفنون الثلاثة والاثنين في القبر، وقال ابن سعد: وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
"ادفنوا عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما
من الصفاء"،
قال فحفر عنهما وعليهما نمرتان1 وعبد الله قد أصابه جرح في وجهه، فيده
على جرحه، فأميطت يده عن وجهه فانبعث الدم، فردت يده إلى مكانها فسكن
الدم. وقال: أنا عمرو بن الهيثم أبو قطن فثنا هشام الدستوائي عن أبي
الزبير عن جابر قال: صرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين
فأخرجناهم بعد أربعين سنة لينة أجسادهم تنثني أطرافهم. قرئ على الحرة
الأصيلة أم محمد شامية بنت الحافظ صدر الدين أبي علي الحسن بن محمد بن
محمد بن البكري وأنا أسمع بالقاهرة سنة ثمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كل شملة مخططة من مآزر الأعراب فهي نمرة كأنها أخذت من لون النمر لما
فيها من السواد والبياض.
ج / 1 ص -429-
وسبعين
وستمائة أخبرك الشيخ أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد الدارقذي قراءة عليه
وأنت تسمعين، فأقرت به قال: أنا أبو غالب أحمد بن الحسن بن أحمد بن
البناء قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أنا القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين
بن خلف ابن الفراء قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أنا أبو الحسن علي بن
معروف بن محمد البزاز قراءة عليه في رجب سنة ست وثمانين وثلاثمائة،
قال: أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي فثنا خلاد بن
أسلم، قال: أخبرني النضر بن شميل فثنا شعبة فثنا محمد بن المنكدر، قال:
سمعت جابرا، قال: قتل أبي يوم أحد فجئت إليه وقد مثل به وهو مغطى الوجه
فكشفت عن وجهه وجعلت أبكي وجعل الناس ينهوني ورسول الله صلى الله عليه
وسلم لا ينهاني وجعلت فاطمة بنت عمر عمتي تبكيه، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
"لا تبكيه فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه". وقرأت على عبد الله محمد بن أبي الفتح الحنبلي الصوري وأبي النور
إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي، قلت للأول: أخبرك أبو البركات بن ملاعب،
والثاني: أخبركم أبو نصر موسى بن عبد القادر، قالا: أنا سعيد بن
البناء، قال: أنا أبو القاسم بن البسري، قال: أنا أبو طاهر المخلص فثنا
يحيى يعني ابن صاعد فثنا عبد الله بن محمد بن المسور فثنا سفيان، قال:
أنا كوفي لنا قال أنا محمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن
جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أعلمت أن الله
أحيا أباك فقال له: تمنه، فقال: أرد إلى الدنيا فأقتل، فقال: قد قضيت
أنهم إلى الدنيا لا يرجعون". كذا وقع في هذه الرواية عن سفيان، قال: أنا كوفي لنا قال: أنا
محمد بن يحيى وكأنه تصحيف ولعل الصواب فيه ثنا سفيان قال: أنا كوفي لنا
قال: محمد بن علي عن ابن عقيل وهو محمد بن علي بن ربيعة السلمي أبو
عتاب الكوفي ابن عم منصور بن المعتمر وأخوه لأمه رأى ربعي بن حراش. روى
عن ابن عقيل وغيره وروى عنه سفيان بن عيينة وغيره وثقه يحيى بن معين
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه هو من الشيعة قلت ما حاله قال: صدوق لا بأس
به صالح الحديث ووقع في ترجمته وهم عن ابن أبي حاتم تبع فيه البخاري
على عادته نبه عليه أبو بكر الخطيب وقد أثبته هناك، وكذا ذكر هذا الخبر
أبو عمر بن عبد البر قال: وروى ابن عيينة عن محمد بن علي السلمي عن عبد
الله بن محمد بن عقيل عن جابر فذكره. ويومئذ نهى رسول الله صلى الله
ج / 1 ص -430-
عليه
وسلم عن النوح قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل
بن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم بأحد فلما نعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ قالوا: خيرا يا أم فلان هو بحمد الله تعالى كما تحبين،
قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، قال: فأشير لها إليه حتى إذا رأته، قالت:
كل مصيبة بعدك جلل -تريد صغيرة- وكان لطلحة بن عبد الله يومئذ المقام
المحمود في الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الزبير وغيره:
وأبلى طلحة بلاء حسنا يوم أحد ووقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه
واتقى عنه النبل بيده حتى شلت أصبعه وضرب الضربة في رأسه وحمل رسول
الله صلى الله عليه وسلم على ظهره حتى استقل على الصخرة وقال رسوا الله
صلى الله عليه وسلم: "أوجب طلحة لي".
وقرأت على أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بسفح قاسيون أخبرتكم أم
الفضل زينب بنت محمد بن أحمد بن عقيل القيسية قراءة عليها وأنت تسمع
سنة ست وستمائة قالت: أنا الفقيه أبو الفتح نصر الله قال: محمد بن عبد
القوي المصيصي قراءة عليه ونحن نسمع قال: أنا الحافظ أبو بكر أحمد بن
علي بن ثابت الخطيب قراءة عليه وأنا أسمع قال: أنا الحسن بن أبي بكر
قال: أنا محمد بن عبد الله الشافعي فثنا محمد بن أحمد بن النضر الأزدي
فثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق يعني الفزاري عن حميد عن أنس قال:
غاب عمي أنس بن النضر عن قتال أهل بدر فقال: غبت عن أول قتال قاتله
رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين أما والله أما والله لئن أشهدني
الله قتالا ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون،
فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء لأصحابه وأبرأ إليك مما جاء
به هؤلاء المشركون ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أين يا سعد؟ واها
لريح الجنة والله إني لأجد ريحها دون أحد. قال سعد: فما استطعت أصنع ما
صنع مضى حتى استشهد، قال: قال أنس: ما عرفته إلا ببنانه لأنه مثل به
وجدنا فيه بضعة وثمانين أثرا من بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح ورمية
بسهم فكنا نتحدث أن فيه وفى أصحابه نزلت:
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ
عَلَيْهِ} وروينا عن ابن إسحاق عن حميد الطويل عن أنس بن النضر
ج / 1 ص -431-
يومئذ
سبعين ضربة فما عرفته إلا أخته عرفته ببنانه. أخبرتنا السيدة الأصيلة
مؤنسة خاتون بنت السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب رحم
الله سلفها فيما قرأته عليها عن عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارقانية
إجازة قالت: أنا أبو طاهر عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن الصباغ قال:
أنا أبو نعيم الحافظ قال: أنا أبو علي بن الصواف فثنا محمد بن نضر يعني
أبا جعفر الصايغ فثنا إبراهيم يعني ابن حمزة فثنا عبد العزيز يعني ابن
محمد عن عبيد الله يعني ابن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب
قال لأخيه زيد بن الخطاب يوم أحد: خذ درعي هذه يا أخي، فقال له: إني
أريد من الشهادة مثل ما تريد فتركاها جميعا. قال ابن إسحاق ولما انتهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال:
"اغسلي عن هذا دمه يا بنية فوالله لقد صدقني اليوم"، وناولها علي بن أبي طالب سيفه وقال: وهذا فاغسلي عنه دمه فوالله
لقد صدقني اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة". وروينا عن ابن عقبة ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف
علي مختضبا دما قال:
"إن تكن
أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح والحارث بن الصمة
وسهل بن حنيف"، ثم قال:
"أخبروني عن الناس ما فعلوا؟ وأين عامتهم؟"،
ثم قال:
"إن المشركين
لن يصيبوا منا مثلها حتى نتيحهم"،
ومثل المشركون يومئذ بقتلى المسلمين إلا ما كان من حنظلة ابن أبي عامر
فإن أباه كان معهم، فلذلك لم يمثلوا به وذكره ابن عقبة وقال: قال سهل
بن سعد الساعدي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"،
وانهزم قوم من المسلمين منهم عثمان بن عفان وسعد بن عثمان وأخوه عقبة
بن عثمان من بني زريق وخارجة بن عامر الأنصاري ثم عفا الله عنهم ونزل
فيهم:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} الآية، قال ابن عقبة: تولوا حتى انتهوا إلى بير جرم. وروينا عن
محمد بن سعد، قال أبو النمر الكناني: هو جد شريك بن عبد الله بن أبي
نمر المحدث شهد أحدا مع المشركين، وقال: رميت يومئذ بخمسين مرماة،
فأصبت منها بأسهم وإني لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن
أصحابه لمحدقون به وإن النبل ليمر عن يمينه وعن شماله ويقصر بين يديه
ويخرج من ورائه، ثم هداه الله للإسلام.
ج / 1 ص -433-
ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار:
الأحابيش
الذين حالفوا قريشا هم بنو المصطلق سعد بن عمرو وبنو الهون بن خزيمة
اجتمعوا بذنبة حبشي وهو جبل بأسفل مكة فتحالفوا بالله: إنا ليد على
غيرنا ما سجى ليل ووضح نهار وما رسا حبشي مكانه فسموا أحابيش باسم
الجبل، قال حماد الراوية: سموا أحابيش لاجتماعهم والتجمع في كلام العرب
هو التحبش، قاله ابن قتيبة في كتاب المعارف له: رأيت ذلك بخط جدي رحمه
الله وقال: إنه قرأه عليّ أبي على شيخه عمر بن محمد الأزدي. والثلم
ساكن اللام في السيف والثلم مفتوح اللام ثلم الوادي. وذكر أبا حيثمة
الحارثي دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينبه عليه ابن هشام
والذي ذكره ابن سعد وغيره أبو حثمة وهو عندهم والد سهل بن أبي حثمة،
قال أبو عمر: وليس في الصحابة أبو خيثمة إلا عبد الله بن خيثمة السالمي
له خبر معروف في غزوة تبوك وأبو خيثمة عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي
والد خيثمة بن عبد الرحمن صاحب عبد الله بن مسعود، وأبو حثمة هذا عبد
الله وقيل: عامر بن ساعدة بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث
بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس نسبه كذلك أبو عمر، ونضحت النشاب
بالحاء المهملة رميت. وذكر الرجز الذي قالته هند بنت عتبة:
إن تقبلوا نعانق
وأوله:
نحن بنات طارق
نمشي على النمارق
وكذا ذكره ابن سعد فقال:
روي هذا الشعر لهند بنت عتبة كما قال ابن إسحاق والشعر ليس لها وإنما
هو لهند بنت بياضة بن طارق بن رياح بن طارق الإيادي، قالته حين لقيت
إياد جيش الفرس بجزيرة الموصل وكان رئيس إياد بياضة بن طارق. ووقع في
شعر أبي دؤاد الإيادي وذكر أبو رياش وغيره أن بكر
ج / 1 ص -434-
ابن
وائل لما لقيت تغلب يوم قصة ويسمى يوم التحليق أقبل الفند1 الزماني
ومعه ابنتان وكانت إحداهما تقول:
نحن بنات طارق
فطارق على رواية من رواه
لهند بنت عتبة أو لبنت الفند الزماني تمثيل واستعارة لا حقيقة شبهت
أباها بالنجم الطارق في شرفه وعلوه، وعلى رواية من رواه لهند بنت بياضة
حقيقة لا استعارة لأنه اسم جدها، قال البطليوسي والأظهر أنه لبنت بياضة
وإنما قاله غيرها متمثلا. وقال أبو القاسم السهيلي على قول من قال
أرادت به النجم لعلوه وهذا التأويل عندي بعيد لأن طارقا وصف للنجم
لطروقه فلو أرادته لقالت: بنات الطارق فعلى تقدير الاستعارة يكون
"بنات" مرفوعا وعلى تقدير أن يكون الشعر لابنة بياضة بن طارق يكون
منصوبا على المدح والاختصاص نحو: نحن بني ضبة أصحاب الجمل والكيول آخر
القوم أو آخر الصفوف. ولولت المرأة دعت بالويل. ما يليق ما يبقى.
والهنذ معجم الذال القطع ومهملها الهدم. وقوله فكأنما أخطأ رأسه أخطأ
الشيء إذا لم يتعمده أي كان في إلقائه رأسه كأنه لم يتعمده ولا قصده.
ويحمس الناس بالسين المهملة يشجعهم من الحماسة وبالمعجمة من أحمشت
النار أوقدتها أي يغضبهم، وذكر خبر قتادة بن النعمان في ذهاب عينه
ورجوعها وقد روى أن عينيه جميعا سقطتا رواه محمد بن أبي عثمان عن ملك
بن أنس عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد عن أخيه
قتادة بن النعمان قال أصيبت عيناي يوم أحد فسالتا على وجنتي فأتيت بهما
النبي صلى الله عليه وسلم فأعادهما مكانهما وبصق فيهما فعادتا تبرقان.
قال الدارقطني هذا حديث غريب عن ملك تفرد به عمار بن نصر وهو ثقة ورواه
الدارقطني عن إبراهيم الحربي عن عمار بن نصر هذا، وذكر قتل خسيل أبي
حذيفة بن اليمان ويقال: الذي قتله خطأ عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن
مسعود. والهامة كانت العرب تقول: إن روح الميت تصير هامة ومنه وكيف
حياة أصداء وهام، وظمؤ حمار: الحمار أقصر الدواب ظمأ وأطولها الإبل،
وقوله عليه السلام:
"من رجل ينظر
ما صنع سعد بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بكسر الفاء وسكون النون ودال مهملة هو لقب، واسمه سهل الزماني كذا
قاله شيخنا مجد الدين في قاموسه ولفظة الفند بالكسر الحبل العظيم أو
قطعة منه ويفتح وفى الصحاح والفند قطعة من الحبل طولا والفند الزماني
الشاعر انتهى.
ج / 1 ص -435-
الربيع"، لم يسم في الخبر، قال الواقدي: هو محمد بن مسلمة وذكر أبو عمر أنه
أبي بن كعب، وذكر السهيلي في حديث ابن إسحاق عمن لا يتهم عن مقسم عن
ابن عباس في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد أنه يعني بمن
لا يتهم الحسن بن عمارة وضعف الحديث به، لكن قد ذكرناه من رواية يزيد
ابن أبي زياد عن مقسم من طريق ابن ماجه، ويزيد أخرج له مسلم مقرونا
بغيره في الأطعمة، وصحح الترمذي حديثه في غير ما موضع، وبينه وبين
الحسن بن عمارة بون بعيد، وقد رأيت قبل هذا موضعا تكلم فيه السهيلي على
رواية لابن إسحاق عمن لا يتهم فقال: هو الحسن بن عمارة، وهذا يحتاج إلى
نقل عن ابن إسحاق وأقل ما في ذلك نقل عن معاصر له أو قريب منه في
الطبقة وإلا فما المانع من أن يكون الذي لا يتهمه في هذا الخبر هو يزيد
ابن أبي زياد فكثيرا ما يروي عنه وهو أجدر بالثناء عليه، وقد روى الخبر
عنه أبو بكر بن عياش كما أو ردناه، وعند ابن إسحاق رجل آخر يقال له
يزيد بن أبي زياد، وهو يزيد بن زياد بن أبي زياد ميسرة يروي عن محمد بن
كعب القرظي مستور الحال، وأوجب طلحة أحدث شيئا يستوجب به الجنة. الآتي
الغريب لا يدرى من أين أتى وكذا وقع في هذا الخبر عند ابن إسحاق، وذكره
ابن سعد فقال قزمان بن الحارث من بني عبس حليف لبني ظفر. الوقاع
السباب. ضاحية الشيء ناحيته، أنعمت أفعال اسم للفعل الحسن، وأنعم زاد،
وقال السهيلي: معناه أنعمت الأزلام وكان استقسم بها حين خروجه إلى أحد.
قال ابن إسحاق وكان فيما أنزل الله من القرآن يوم أحد ستون آية من سورة
آل عمران فيها صفة ما كان في يومهم يقول الله تعالى لنبيه صلى الله
عليه وسلم:
{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ
لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
ج / 1 ص -437-
ذكر من استشهد يوم أحد من المهاجرين:
عندهم من
بني هاشم بن عبد مناف: حمزة بن عبد المطلب بن هاشم. ومن بني أمية بن
عبد شمس: عبد الله بن جحش حليف لهم من بني أسد بن حزيمة. ومن بني عبد
الدار بن قصي: مصعب بن عمير. ومن بني مخزوم بن يقظة: شماس بن عثمان،
وزاد ابن عقبة خامسا وهو سعد مولى حاطب من بني أسد بن عبد العزى، وزاد
ابن سعد: عبد الله وعبد الرحمن ابني الهبيب من بني سعد بن ليث ووهب بن
قابوس المزني وابن أخيه الحارث بن عقبة بن قابوس ومالكا ونعمان ابني
خلف بن عوف بن دارم بن عنز بن وائلة بن سهم بن مازن بن الحارث بن
سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة كانا طليعتين للنبي صلى الله عليه
وسلم فقتلا يوم أحد شهيدين ودفنا في قبر؛ أحد عشر، وزاد أبو عمر: وثقف
بن عمرو الأسلمي حليف بني عبد شمس وعقربة أبا بشير بن عقربة الجهني،
وذكر أن خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم القرشي شهد أحدا
ونالته بها جراحات مات منها بالمدينة وليس ذلك بشيء والمعروف أنه مات
بالمدينة على رأس خمسة وعشرين شهرا بعد رجوعه من بدر، وتأيمت منه حفصة
بنت عمر فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان على رأس ثلاثين
شهرا كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وكل ذلك قبل أحد. وفى قول أبي عمر:
عدي بن سعيد بن سهم وهم ثان؛ إنما هو عدي بن سعد بن سهم وسعد وسعيد
ابنا سهم فعدي من ولد سعد والله أعلم ومن الأنصار ثم من الأوس ثم من
بني عبد الأشهل عمرو بن معاذ وابن أخيه الحارث بن أوس والحارث بن أنس
وعمارة بن زياد وسلمة وعمرو ابنا ثابت بن وقش وأبوهما وعمهما رفاعة
وحسيل بن جابر أبو حذيفة بن اليمان حليف لهم وصيفي وخباب ابنا قيظي،
وعند ابن سعد صيفي والحباب ابنا قيظي بن عمرو بن سهل بن مخرمة بن قلع
بن حريس بن عبد الأشهل
ج / 1 ص -438-
وكان
ابن الكلبي يقول: حريس بن جشم أخي عبد الأشهل ليس ولده. والمشهور
الأول، وعمهما عباد بن سهل وعمه معبد بن مخرمة عند ابن سعد وعنده أيضا
عامر بن يزيد بن السكن وعند ابن إسحاق في أخبار الوقعة مقتل زياد بن
السكن حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من يشري لنا نفسه"، قال: فقام زياد بن السكن في خمسة من الأنصار فقاتلوا حتى قتلوا،
وكان زياد آخرهم قال: وبعض الناس يقول: هو عمارة بن يزيد ويزيد بن
السكن بن رافع وسهل رومي بن وقش ورافع بن يزيد وقرة بن عقبة بن قرة
حليف لهم وفي عدادهم من ولد جشم بن الحارث أبي عبد الأشهل عندهم إياس
بن أوس بن عتيك، ومن حلفائهم حبيب بن زيد بن تيم بن أمية بن خفاف بن
بياضة، قال أبو عمر: وقيل بل قتل بصفين كذا ذكره ابن سعد حبيب بن زيد
في حلفاء بني عبد الأشهل ورأيته في موضع آخر من ولد مرة بن مالك بن
الأوس وهو حبيب بن زيد بن تيم بن أمية بن بياضة بن خفاف بن سعيد بن مرة
بن مالك قاله ابن الكلبي، وعبيد بن التيهان وهو عند ابن عقبة وأبي معشر
وابن القداح عتيك وابن عمارة ينسبه إلى جشم بن الحارث هذا وغيره يقول
من حلفائهم وليس من أنفسهم، وقد سبق ذلك عند ذكر أخيه أبي الهيثم. قال
أبو عمر1 وقيل: قتل بصفين، وعند ابن سعد: سهل بن عدي بن زياد بن عامر
بن جشم أخي عبد الأشهل بن جشم بن الحارث ويسار مولى أبي الهيثم بن
التيهان، أربعة وعشرون انفرد منهم ابن سعد عن ابن إسحاق بتسعة. ومن بني
ظفر يزيد بن حاطب بن أمية بن رافع بن سويد بن حرام بن الهيثم بن ظفر.
ومن بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو وهو النبيت بن مالك بن
الأوس وعند ابن سعد قيس بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة،
والأقدي وابن عمارة يقولان فيه قيس بن محرث قال: ابن عمارة أما قيس بن
الحارث فقتل يوم اليمامة. ومن بني عمرو بن عوف ثم من بني أمية ابن زيد
بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف: رفاعة بن عبد المنذر عند ابن سعد وفيه
نظر. ومن بني ضبيعة بن زيد أبو سفيان2 بن الحارث بن قيس بن زيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعل أبا عمر قال ذلك في غير الاستيعاب.
2 هو متفق مع أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله
عليه وسلم في الكنية واسم الأب.
ج / 1 ص -439-
ابن
ضبيعة وحنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن النعمان بن مالك بن أمية بن ضبيعة
قتله أبو سفيان بن حرب وكان حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر فكان أبوه
أبو سفيان يقول: حنظلة بحنظلة. ومن بني عبيد بن زيد أخي ضبيعة أنيس بن
قتادة ومن حلفاء بني زيد بن مالك من بني العجلان عبد الله بن سلمة بن
مالك بن الحارث بن عدي بن الجد بن العجلان وهو عند ابن إسحاق حليف لبني
السلم بن امرئ القيس، ومن بني العجلان وأنيف من بلي حلفاء بني زيد، عند
ابن سعد: ثابت بن الدحداح ويقال الدحداحة بن نعيم بن غنم بن إياس، ومن
بني معاوية بن مالك بن عمرو بن عوف: سبيع بن حاطب بن قيس بن هئبشة بن
الحارث بن أمية بن معاوية وقال فيه ابن عقبة: سويبق ومن حلفائهم مالك
بن نميلة1 ذكره ابن سعد وابن هشام وليس عند ابن إسحاق في روايتنا وقال
أبو عمر ذكره إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق. ومن بني ثعلبة بن عمرو بن
عوف أبو حبة -بالباء- ابن عمرو بن ثابت عند آخرين منهم ابن سعد أبو حنة
-بالنون- بن ثابت وعبد الله بن جبير. ومن بني السلم بن امرئ القيس بن
مالك بن الأوس: خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن
حارثة بن غنم بن السلم وهو أبو سعد بن خيثمة. ومن بني خطمة وهو عبد
الله بن جشم بن مالك بن الأوس، عند ابن هشام: الحارث بن عدي بن خرشة بن
أمية بن عامر بن خطمة؛ أربعة عشر، منهم تسعة متفق عليهم ومن الخزرج ثم
من بني النجار ثم من بني سواد بن غنم بن مالك بن النجار؛ وابن سعد
يقول: سواد بن مالك بن النجار، وابن سعد يقول: سواد بن مالك بن غنم بن
النجار والمعروف أن ولد غنم بن مالك ثلاثة: عوف وثعلبة وسواد. كذا قال
ابن الكلبي: عمرو بن قيس وابنه قيس وثابت بن عمرو وعامر بن مخلد وزاد
ابن سعد عن ابن القداح: وعبد الله بن قيس، وخالفه الواقدي فزعم أنه
تأخر إلى خلافة عثمان وزاد ابن هشام فيهم: مالك بن إياس ولم يوصل نسبه،
ومن بني مبذول وهو عامر بن مالك بن النجار أبو هبيرة بن الحارث بن
علقمة بن عمرو بن ثقف بن مبذول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نميلة بالنون المضمومة وهي أمه، وهو مالك بن ثابت المزني، وقيل
"تميلة" بالتاء المثناة من فوق وقيل نملة.
ج / 1 ص -440-
كذا هو
عند ابن إسحاق وابن سعد يقول: ثقف بن مالك بن مبذول قلت وعمرو بن مبدول
ومالك بن مبذول معروفان، وكان الواقدي يقول فيه أبو أسيرة وابن عمه
عمرو بن مطرف بن علقمة ومنهم من يقول فيه مطرف بن عمرو، ومن بني مغالة
وهم من بني عمر بن مالك بن النجار: أوس بن ثابت غير أن الواقدي أنكر
ذلك وزعم أنه بقي إلى خلافة عثمان، ومن بني عدي بن النجار: أنس بن
النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي وزاد ابن
سعد: عامر بن أمية وزاد ابن هشام في بني عمر بن مالك إياس بن عدي ولم
يصل نسبه، ومن بني مازن النجار قيس بن مخلد وكيسان عبد لهم زاد ابن سعد
ورافع مولى غزية بن عمرو، ومن بني دينار بن النجار سليم بن الحارث
والنعمان بن عبد عمرو وزاد ابن سعد: وأبو حرام عمرو بن قيس بن مالك بن
كعب بن عبد الأشهل، ومن بني الحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد وسعد بن
الربيع بن عمرو وأوس بن الأرقم بن زيد بن قيس بن نعمان بن مالك الأغر،
زاد ابن سعد: والحارث بن ثابت بن سفيان بن عدي بن عمرو بن امرئ القيس
بن مالك الأغر والحارث بن ثابت بن عبد الله بن سعد بن عمرو بن قيس بن
عمرو بن امرئ القيس بن مالك، ومن بني الأبجر وهو خدرة بن عوف بن الحارث
بن الخزرج مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر كذا هو عند
ابن إسحاق وابن الكلبي وخليفة بن خياط وابن سعد يخالفهم فيسقط عبيد
الأول، وأما أبو عمر فأسقطه في نسب أبي سعيد الخدري كما فعل ابن سعد
وأثبته في نسب أبيه كما قال غيره وسعيد بن سويد بن قيس بن عامر بن عباد
بن الأبجر وهو سعد بن سويد بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن أبجر عند
الدمياطي وسعد بن سويد بن عبيد بن أبجر عند ابن سعد. وعقد أبو عمر
ترجمتين في كتابه في الصحابة إحداهما في باب سعد والأخرى في باب سعيد،
وقال في كل منهما: قتل بأحد شهيدا ويحتمل أن يكون واحدا وقع الاختلاف
فيه، وعتبة بن ربيع بن رافع بن معاوية بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن
الأبجر، وابن سعد يقول: معاوية بن عبيد بن الأبجر وعبد الله بن الربيع
بن قيس ذكره ابن الكلبي، ومن بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ثعلبة بن سعد
بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن
ج / 1 ص -441-
عمرو
بن الخزرج بن ساعدة وثقف بن فروة بن البدي وبعضهم يفتح قافه أيضا ويقال
فيه: ثقيب، ويقال في البدي: البدن بن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن
الخزرج وعبيد بن مسعود بن البدن قاله ابن عقبة، وعبد الله بن عمرو بن
وهب بن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة وضمرة حليف
لهم من جهينة وهو ضمرة بن عمرو بن كعب بن عمرو بن عدي بن عامر بن رفاعة
بن كليب بن مودعة بن مودعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن
جهينة، ومن القواقلة وهم بنو غنم وبنو سالم ابني عوف بن عمرو بن عوف بن
الخزرج: العباس بن عبادة بن نضلة ونوفل بن عبد الله بن نضلة المذكور،
وغير ابن إسحاق يقول: نوفل بن ثعلبة بن عبد الله بن نضلة والنعمان بن
مالك، ومن حلفائهم: المجذر بن ذياد1 وعبدة بن الخشخاش، ويقال فيه:
عبادة، ومن بني الحبلي وهو سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج: رفاعة بن
عمرو بن زيد وزيد بن وديعة ذكره الدمياطي. ومن بني سلمة ثم من بني حرام
عبد الله بن عمرو أبو جابر وعمرو بن الجموح وابنه خلاد وأبو أيمن مولى
عمرو، وهذا هو المشهور، قال أبو عمر: ويقال هو ابنه. ومن بني سواد بن
غنم سليم بن عمرو ومولاه عنترة وسهل بن قيس. ومن بني زريق ذكوان بن عبد
قيس، زاد ابن سعد: ورافع بن مالك، ومن بني حبيب بن عبد حارثة بن مالك
بن غضب بن جشم بن الخزرج: عبيد بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد بن
ثعلبة بن عدي بن مالك بن زيد بن مناة بن حبيب، سبعة وأربعون عند ابن
إسحاق منهم سبعة وثلاثون فجميعهم ستة وتسعون منهم من المهاجرين ومن ذكر
معهم أحد عشر ومن الأنصار خمسة وثمانون ومن الأوس ثمانية وثلاثون ومن
الخزرج سبعة وأربعون منهم عند ابن إسحاق من المهاجرين أربعة ومن
الأنصار واحد وستون ومن الأوس أربعة وعشرون ومن الخزرج سبعة وثلاثون
والباقون عن موسى بن عقبة وعن ابن سعد وعن ابن هشام وقد ذكر أبو عمر
فيهم زياد بن السكن أبا عمارة بن زياد وقد حكينا عن ابن إسحاق كيف وقع
ذكره عنده وهو داخل في المعدودين من بني عبد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المجذر بضم الميم وفتح الجيم والذال المعجمة المشددة. ابن ذياد بكسر
الذال المعجمة.
ج / 1 ص -442-
الأشهل، وممن ذكره أبو عمر في الاستيعاب أبا زيد الأنصاري وهو أبو بشير
بن أبي زيد ذكره عن ابن الكلبي وفى باب الباء في باب بشير ابنه وذكر في
كتاب الصحابة حارثة بن عمرو الأنصاري من بني ساعدة ولم يصل نسبه، وذكر
الحافظ أبو محمد الدمياطي في نسب الأوس له خداش بن قتادة بن ربيعة بن
خالد بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد أخا أنيس بن قتادة وقال: شهد
بدرا وقتل بأحد قاله ابن الكلبي وقد ذكرنا أخاه أنيسا في شهداء أحد.
وذكر أبو عمر في كتابه في المغازي منهم عمير بن عدي الخطمي وغيره يقول
في عمير لم يشهد أحدا وكان ضرير البصر فقد تجاوزوا بهذه الزيادات
المائة على أنه قد ذكر أن قتلى أحد سبعون، ومن الناس من يجعل السبعين
من الأنصار خاصة وكذلك قال ابن سعد في باب غزوة أحد لكنهم في تراجم
الطبقات له زادوا على ذلك ويذكر في تفسير قوله تعالى:
{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} أنه تسلية للمؤمنين عمن أصيب منهم يوم أحد بأنهم أصابوا من
المشركين يوم بدر سبعين قتيلا وسبعين أسيرا فإن صح ذلك نقلا وحملا
فالزيادة ناشئة عن الخلاف في التفصيل وليست زيادة في الجملة. وقتل من
كفار قريش يوم أحد ثلاثة وعشرون رجلا منهم حملة اللواء من بني عبد
الدار بن قصي عشرة قد سبق ذكرهم ومنهم أبو يزيد بن عمير بن هاشم بن عبد
مناف بن عبد الدار والقاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.
ومن بني أسد بن عبد العزى عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد.
ومن بني زهرة بن كلاب أبو الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي حليف لهم
وسباع ابن عبد العزى واسمه عمرو بن نضلة من غبشان بن سليم بن ملكان
حليف لهم من خزاعة، ومن بني مخزوم هشام بن أبي أمية بن المغيرة والوليد
بن العاصي بن هشام بن المغيرة وأبو أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وخالد
بن الأعلم حليف لهم، ومن بني جمح عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب بن
حذافة بن جمح وهو أبو عزة وأبي بن خلف بن وهب بن حذافة قتله رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ومن بني عامر بن لؤي عبيدة بن جابر وشيبة بن مالك،
وذكر غير ابن إسحاق فيهم شريح بن قارظ والله أعلم.
ومما قيل من الشعر يوم أحد قول حسان بن ثابت يذكر أصحاب اللواء من بني
عبد الدار:
ج / 1 ص -443-
منع النوم بالعشاء الهموم
وخيال إذا تغور النجوم
من حبيب أصاب قلبك منه
سقم فهو داخل مكتوم
لم تفتها شمس النهار بشيء
غير أن الشباب ليس يدوم
رب حلم أضاعه عدم الما
ل وجهل غطى عليه النعيم
لا تسبنني فلست بسبي1
إن سبي من الرجال الكريم
ما أبالي أنب بالحزن تيس
أم لحاني بظهر غيب لئيم
ولي البأس منكم إذ رحلتم
أسرة من بني قصي صميم
تسعة تحمل اللواء وطارت
في رعاع من القنا مخزوم
وأقاموا حتى اتيحوا جميعا
في مقام وكلهم مذموم
وأقاموا حتى أزيروا شعوبا2
والقنا في نحورهم محطوم
وقريش تفر منا لواذا3
أن يقيموا وخف منها الحلوم
لم تطق حمله العواتق منهم
إنما يحمل اللواء النجوم
ومن أبيات لعبد الله بن
الزبعرى ولم يكن أسلم يومئذ:
يا غراب البين أسمعت فقل
إنما تنطق شيئا قد فعل
كل عيش ونعيم زائل
وبنات الدهر يلعبن بكل
أبلغن حسان عنا آية
فقريض الشعر يشفى ذا العلل
كم قتلنا من كريم سيد
ماجد الجدين مقدام بطل
صادق النجدة قرم4 بارع
غير ملتاث5 لدى وقع الأسل
حين حكت بقباء بركها
واستحر القتل في عبد الأشل
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جذع الخزرج من وقع الأسل
فقتلنا الضعف من أشرافهم
وعدلنا ميل بدر فاعتدل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السب بكسر السين المهملة هو الذي يساب.
2 أي: الموت.
3 أي: مستخفين.
4 أي: سيد.
5 أي: غير مضطرب، وسيأتي تفسير باقي الألفاظ.
ج / 1 ص -444-
وقال
حسان يبكي حمزة من أبيات:
أتعرف الدار عفا رسمها
بعدك صوب المسبل الهاطل
ساءلتها عن ذا فاستعجمت
لم تدر ما مرجوعة السائل
دع عنك دارا قد عفا رسمها
وأبك على حمزة ذي النائل
المالئ الشيزي إذا أعصفت
غبراء في ذي الشبم الماحل
والتارك القرن لذي لبدة
يعثر في ذي الخرص الذائل
واللابس الخيل إذا أخجمت
كالليث في غابته الباسل
أبيض في الذروة من هاشم
لم يمر دون الحق بالباطل
مال شهيدا بين أسيافكم
شلت يدا وحشي من قاتل
أي امرئ غادر في ألة
مطرورة مارنة العامل
أظلمت الأرض لفقدانه
وأسود نور القمر الناصل
صلى عليه الله في جنة
عالية مكرمة الداخل
كنا نرى حمزة حرزا لنا
من كل أمر نابنا نازل
وقال كعب بن مالك يبكي
حمزة أيضا:
طرقت همومك فالرقاد مسهد
وجزعت أن سلخ الشباب الأعيد
ودعت فؤادك للهوى ضمرية
فهواك غوري وصحبك منجد
فدع التمادي في الغواية سادرا
قد كنت في طلب الغواية تفند
ولقد أنى لك أن تناهى طائعا
أو تستفيق إذا نهاك المرشد
ولقد هددت لفقد حمزة هدة
ظلت بنات الجوف منها ترعد
ولو أنها فجعت حراء بمثلها
لرأيت رأسي صخرها يتهدد
قرم تمكن في ذؤابة هاشم
حيث النبوة والندى والسؤدد
والعاقر الكوم الجلاد إذا غدت
ريح يكاد الماء منها يجمد
والتارك القرن الكمى مجدلا
يوم الكريهة والقنا يتقصد
ج / 1 ص -445-
وتراه يرفل في الحديد كأنه
ذو لبدة شثن البراثن أربد
عم النبي محمد وصفيه
ورد الحمام فطاب ذاك المورد
وأتى المنية معلما في أسرة
نصروا النبي ومنهم المستشهد
ولقد أخال بذاك هندا بشرت
لتميت داخل عصة لا تبرد
مما أصبحنا بالعقنقل قومها
يوما تغيب فيه عنها الأسعد
وببئر بدر إذ يرد وجوههم
جبريل تحت لوائنا ومحمد
حتى رأيت لدى النبي سراتهم
قسمين نقتل من نشاء ونطرد
فأقام بالعطن المعطن منهم
سبعون عتبة منهم والأسود
وابن المغيرة قد ضربنا ضربة
فوق الوريد لها رشاش مزبد
وأمية الجمحي قوم ميله
عضب بأيدي المؤمنين مهند
فأتاك فل المشركين كأنهم
والخيل تثقفهم نعام شرد
شتان من هو في جهنم ثاويا
أبدا ومن هو في الجنان مخلد
وقال كعب يذكر يوم أحد
أنشده ابن هشام:
سائل قريشا غداة السفح من أحد
ماذا لقينا وما لاقوا من الهرب
كنا الأسود وكانوا النمر إذ زحفوا
ما إن تراقب من آل ولا نسب
فكم تركنا بها من سيد بطل
حامي الذمار كريم الجد والحسب
فينا الرسول شهاب ثم يتبعه
نور مضيء له فضل على الشهب
الحق منطقه والعدل سيرته
فمن يجبه إليه ينج من تبب1
نجد المقدم ماضي الهم معتزم
حين القلوب على رجف من الرعب
يمضي ويذمرنا من غير معصية
كأنه البدر لم يطبع على الكذب
بدا لنا فاتبعناه نصدقه
وكذبوه فكنا أسعد العرب
جالوا وجلنا فما فاءوا ولا رجعوا
ونحن نتبعهم لم نأل في الطلب
لسنا سواء وشتى بين أمرهما
حزب الآله وأهل الشرك والنصب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي من الهلاك والخسران.
ج / 1 ص -446-
وقال
ضرار بن الخطاب الفهري يذكر يوم أحد من أبيات:
ما بال عينك قد أزرى بها السهد1
كأنما جال في أجفانها الرمد
أمن فراق حبيب كنت تألفه
قد حال من دونه الأعداء والبعد
أم ذاك من شغب قوم لا جداء بهم
إذ الحروب تلظت نارها تقد
ما ينتهون عن الغي الذي ركبوا
وما لهم من لؤي ويحهم عضد
وقد نشدناهم بالله قاطبة
فما تردهم الأرحام والنشد
حتى إذا ما أبوا إلا محاربة
واستحصدت بيننا الأضغان والحقد
سرنا إليهم بجيش في جوانبه
قواضب البيض والمحبوكة السرد
فأبرز الحين قوما من منازلهم
فكان منا ومنهم ملتقى أحد
وقد تركناهم للطير ملحمة
وللضباع إلى أجسادهم تفد
وقالت نعم امرأة شماس بن
عثمان تبكي شماسا وكان أصيب يوم أحد رحمه الله ورضي عنه:
يا عين جودي بفيض غير إبساس2
على كريم من الفتيان لباس
صعب البديهة ميمون نقيبته
حمال ألوية ركاب أفراس
أقول لما أتى الناعي له جرعًا
أودى الجواد وأودى المطعم الكاس
وقلت لما خلت منه مجالسه
لا يبعد الله منا قرب شماس
فأجابها أخوها يعزيها:
اقني حياءك في عز وفي كرم
فإنما كان شماس من الناس
لا تقتلي النفس إذ حانت منيته
في طاعة الله يوم الروع والباس
قد كان حمزة ليث الله فاصطبري
فذاق يومئذ من كاس شماس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: الأرق.
2 أي على غير مهل.
ج / 1 ص -447-
وذكر
أبو عمر البيتين الأول والأخير من هذه الأبيات الثلاثة ونسبها لحمان
يعزي أخت شماس فيه، وهو شماس بن عثمان بن الشريد بن هرمي بن عامر بن
مخزوم. كذا نسبه ابن الكلبي، وزاد فيه أبو عمر سويدا بين الشريد وهرمي
وليس بشيء. وشماس لقب واسمه عثمان بن عثمان قتل يوم أحد ابن أربع
وثلاثين سنة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرمي ببصره يمينا
ولا شمالا يومئذ إلا رأى شماسا في ذلك الوجه يذب بسيفه عنه حتى غشي
رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم فترس بنفسه دونه حتى قتل فحمل إلى
المدينة وبه رمق فأدخل على عائشة فقالت أم سلمة ابن عمي يدخل على غيري
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احملوه إلى أم سلمة فحمل إليها فمات
عندها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إلى أحد فيدفن هنالك
كما هو في ثيابه التي مات فيها بعد أن مكث يوما وليلة إلا أنه لم يأكل
ولم يشرب ولم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يغسله، وكان
خارجة بن زيد بن أبي زهير قد أخذته الرماح يوم أحد فجرح بضعة عشر جرحا
فمر به صفوان بن أمية فعرفه فأجهز عليه ومثل به وقال: هذا ممن أعزى
بأبي على يوم بدر يعني أباه أمية بن خلف. وقد ذكر بعضهم خارجة فيمن قتل
أمية. ولما قتل صفوان بن أمية من قتل يوم أحد قال الآن شفيت نفسي حين
قتلت الأماثل من أصحاب محمد قتلت ابن قوقل وابن أبي زهير وأوس بن أرقم.
ج / 1 ص -448-
ذكر فوائد تتعلق بما ذكرناه من الأشعار:
قال السهيلي
في قول حسان:
وجهل غطى عليه النعيم
رواية يونس بن حبيب غطا
مخففة الطاء ومعناه عنده علا عليه النعيم. وقوله:
لم تطق حمله العواتق منهم
يريد بذلك أنه عندما قتل
صواب مولى بني عبد الدار وكان عاشر مقتول تحت لوائهم سقط فرفعته امرأة
منهم هي عمرة بنت علقمة كما ذكرناه من قبل ثم طرحته. وفى شعر ابن
الزبعرى عبد الأشل1 يريد عبد الأشهل. والشيزي خشب تعمل منه القصعة وقيل
القصعة من خشب الجوز. الخرص الرمح القصير وجمعه خرصان. ومراه جحده.
والآلة الحربة. وسنان طرير ذو هيئة حسنة. ومارنة لبنة، عامل الرمح
صدره، والناصل الخارج. والكوم جمع كوماء وهي الطويلة السنام. والجلاد
أدسم الإبل لبنا. وقال ابن القوطية ثفن الرجل ثفنا ضربه وثفن الكثيبة
طردها، ذمرته لمته وحضضته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل "عبد الأشهل".
ج / 1 ص -449-
فضل شهداء أحد:
روينا عن
ابن إسحاق قال: حدثني إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لما أصيب
إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل
من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم
ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا: ياليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا
يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب، فقال الله -تبارك وتعالى-
فأنا أبلغهم عنكم"، فأنزل
الله عز وجل على نبيه هذه الآيات:
{وَلا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ
أَحْيَاءٌ} الآيات. وذكر ابن إسحاق ههنا حدثني الحارث بن فضيل عن محمود بن
لبيد عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الشهداء على بارق نهر1 بباب الجنة في قبة خضراء يأتيهم فيها رزقهم
بكرة وعشيا".
قرأته على السيدة مؤنسة خاتون ابنة السلطان الملك العادل سيف الدين أبي
بكر بن أيوب -رحم الله سلفها- أخبرتك الشيخة أم هانئ عفيفة بنت أحمد بن
عبد الله كتابة عن أبي طاهر عبد الواحد بن محمد بن أحمد الصباغ قال:
أنا أبو نعيم قال: أنا أبو علي بن الصواف فثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى
الحلواني فثنا سعيد بن سليمان فثنا عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق
فذكره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وفي رواية "على حافة نهر". |