أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ت: علي عمر

ج / 2 ص -164-        باب: بطاح مكة وربوعها
ذكر منى:

ما ذكر من أمر الوقود بمكة ليلة هلال شهر المحرم:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن عمير، عن عطاء بن أبي رباح أن عمر بن عبد العزيز، أمر أهل مكة أن يوقدوا ليلة هلال المحرم للحاج مخافة السرق. حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن مزاحم، عن كلثوم بن جبر أن عمر بن عبد العزيز قال: يا أهل مكة أوقدوا ليلة هلال المحرم لرحيل الحاج، يحذر عليهم السرق.
ما جاء في منزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى وحدود منى:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أحمد بن محمد، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج قال قلت لعطاء: أين منى؟ قال: من العقبة إلى محسر، قال عطاء: فلا أحب أن ينزل أحد إلا فيما بين العقبة إلى محسر.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي أخبرنا مسلم، عن ابن جريج قال: أخبرنا نافع قال: كان ابن عمر يقول قال عمر: لا يبيتن أحد من الحاج وراء العقبة، حتى يكونوا بمنى، ويبعث من يدخل من ينزل من الأعراب من وراء العقبة، حتى يكون بمنى، وبه أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال: قال عطاء: سمعنا أنه يكره أن ينزل أحد دون العقبة هلم إلينا يعني إلى مكة.

 

ج / 2 ص -165-        موضع منزل النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنى، ومنازل أصحابه -رضي الله عنهم:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم، عن طاوس قال: كان منزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم، بمنى على يسار مصلى الإمام، وكان ينزل أزواجه موضع دار الإمارة، وكان ينزل الأنصار خلف دار الإمارة، وأومأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم، إلى الناس أن انزلوا ههنا وههنا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان عن حميد بن قيس، عن محمد بن الحارث التيمي، عن رجل من قومه يقال له: معاذ أو ابن معاذ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعلم الناس مناسكهم بمنى، قال: ففتح الله أسماعنا حتى أنا لنسمعه، ونحن في رحالنا قال:
"ينزل المهاجرون شعب المهاجرين، وينزل الأنصار الشعب بمنى الذي من وراء دار الإمارة، ونزل الناس منازلهم، قال: "وارموا بمثل حصى الخذف".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار، عن طلق قال: سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- زيد بن صوجان، أين منزلك بمنى؟ قال: في الشق الأيسر، قال عمر: ذلك منزل الداج فلا تنزله، قال سفيان: ثم يقول عمر: ومنزلي منزل الداج، والداج هم التجار.
باب ما ذكر من النزول بمنى، وأين نزل النبي -صلى الله عليه وسلم، منها:
حدثنا أبو الوليد، قال: وأخبرني جدي، عن عبد المجيد عن ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، عن عبد الله بن أبي بكر قال:

 

ج / 2 ص -166-        قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا قدمنا مكة إن شاء الله تعالى، نزلنا بالخيف"، والخيف مسجد منى الذي تحالفوا فيه علينا قلت لعثمان: أي حلف؟ قال: الأحزاب، قال عثمان بن أبي سليمان، عن طلحة بن عبد الله بن أبي بكر قال: كان منزلنا بمنى يريد منزل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه، الصخرة التي عليها المنارة.
ما ذكر من البناء بمنى، وما جاء في ذلك:
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي قال: حدثني سفيان، عن إسماعيل بن أمية أن عائشة أم المؤمنين استأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم، في بناء كنيف بمنى، فلم يأذن لها.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة، حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه قال: قدمت مكة سنة مائة وعليها عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد أميرًا، فقدم عليه كتاب من عمر بن عبد العزيز ينهى عن كراء بيوت مكة، ويأمر بتسوية منى فجعل الناس يدسون إليهم الكراء سرًا ويسكنون.
ما جاء في مسجد الخيف1 وفضل الصلاة فيه:
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي أحمد بن محمد، ومحمد بن أبي عمر العدني قالا: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن أشعث بن سوار، عن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في مسجد الخيف: شفاء الغرام 1/ 423، والجامع اللطيف ص292.

 

ج / 2 ص -167-        عكرمة، عن ابن عباس قال: صلى في مسجد الخيف سبعون نبيًا، كلهم مخطمون بالليف، قال مروان: يعني رواحلهم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن خصيف، عن مجاهد أنه قال: حج خمسة وسبعون نبيًا كلهم قد طاف بالبيت، وصلى في مسجد منى، فإن استطعت أن لا تفوتك صلاة في مسجد منى فافعل. حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: لو كنت من أهل مكة لأتيت مسجد منى كل سبت.
وبه عن ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية أن خالد بن مضرس، أخبره أنه رأى أشياخًا من الأنصار يتحرون مصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أمام المنارة، قريبًا منها، قال جدي: الأحجار التي بين يدي المنارة، وهي موضع مصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لم نزل نرى الناس، وأهل العلم يصلون هنالك ويقال له: مسجد العيشومة، وفيه عيشومة أبدًا خضراء في الجذب، والخضب بين حجرين من القبلة، وتلك العيشومة قديمة لم تزل ثم.
ما جاء في مسجد الكبش1:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا داود بن عبد الرحمن، عن ابن خيثم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: الصخرة التي بمنى التي بأصل ثبير هي الصخرة، التي ذبح عليها إبراهيم عليه السلام فداء ابنه إسحاق، هبط عليه من ثبير كبش أعين، أقرن، له ثعاء فذبحه، قال: وهو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في مسجد الكبش: شفاء الغرام 1/ 422.

 

ج / 2 ص -168-        الكبش الذي قربه ابن آدم عليه السلام، فتقبل منه كان مخزونًا حتى فدى به إسحاق، وكان ابن آدم الآخر قرب حرثًا فلم يتقبل منه.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي، حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم، عن أبيه قال: لما فدى الله إسماعيل عليه السلام بالذبح نظر إبراهيم، فإذا الكبش منهبطًا من ثبير على العرق الأبيض، الذي يلي باب شعب علي -رضي الله عنه، فخلى إسماعيل وسعى يتلقى الكبش ليأخذه، فحاد عنه فلم يزل يعرض له ويرده حتى أخذه على أقيصر، وهو الصفا الذي بأصل الجبل على باب شعب علي الذي يقال: بنت عليه لبابة بنت علي بن عبد الله بن عباس المسجد الذي يقال له: مسجد الكبش، ثم اقتاده إبراهيم حتى ذبحه في المنحر، ولقد سمعت من نذكر انه ذبحه على أقيصر.
من أول من رمى الجمار، وما جاء في ذلك:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج أخبرني خصيف بن عبد الرحمن، عن مجاهد أنه حدثه قال: لما قال إبراهيم عليه السلام:
{أَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128]، أمر أن يرفع القواعد من البيت، ثم أري الصفا والمروة، وقيل: هذا من شعائر الله، ثم خرج به جبريل فلما مر بجمرة العقبة إذا بإبليس، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم ارتفع إبليس إلى الجمرة الثانية، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم ارتفع إبليس إلى الجمرة القصوى، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم انطلق إلى المشعر الحرام، ثم أتى به عرفة، فقال له جبريل: هل عرفت ما أريتك ثلاث مرات؟ قال نعم، قال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27]، قال: كيف أقول؟ قال، قل: "يأيها الناس أجيبوا ربكم" ثلاث مرات، قالوا: لبيك اللهم لبيك، قال: فمن

 

ج / 2 ص -169-        أجاب إبراهيم يومئذ فهو حاج، قال خصيف قال لي مجاهد: حين حدثني بهذا الحديث أهل القدر لا يصدقون بهذا الحديث.
في أول من نصب الأصنام بمنى:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق أن عمرو بن لحي نصب بمنى سبعة أصنام، نصب صنما على القرين الذي بين مسجد منى والجمرة الأولى على بعض الطريق، ونصب على الجمرة الأولى صنما، وعلى المدعا صنما، وعلى الجمرة الوسطى صنما، ونصب على شفير الوادي صنما، وفوق الجمرة العظمى صنما، وعلى الجمرة العظمى صنما، وقسم عليهن حصى الجمار إحدى وعشرين حصاة يرمى كل وثن منها بثلاث حصيات، ويقال للوثن حين يرمى: أنت أكبر من فلان، الصنم الذي يرمى قبله.
في رفع حصى الجمار:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خيثم عن أبي الطفيل قال: قلت له: يا أبا الطفيل هذه الجمار ترمى في الجاهلية، والإسلام كيف لا تكون هضابا تسد الطريق؟ قال: سألت عنها ابن عباس فقال: إن الله تعالى وكل بها ملكًا فما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه ترك.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان عن سليمان بن أبي

 

ج / 2 ص -170-        المغيرة، عن ابن أبي نعيم عن أبي سعيد الخدري قال: ما تقبل من الحصى رفع يعني حصى الجمار.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي، عن مسلم بن خالد عن ابن خيثم قال: سألت أبا الطفيل قلت: هذه الجمار ترمى منذ كان الاسلام، كيف لا تكون هضابًا تسد الطريق؟ فقال أبو الطفيل: سألت عنها ابن عباس فقال: إن الله تعالى وكل بها ملكًا فما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه ترك.
في ذكر حصى الجمار كيف يرمى به:
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي، أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن مسلم بن هرمز أنه سمع سعيد بن جبير يقول: إنما الحصى قربان فما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه فهو الذي يبقى، وبه عن ابن جريج قال: أخبرت أن نفيعًا كان جالسًا عند ابن عمر إذ قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن ما كنا نترائى في الجاهلية من الحصى، والمسلمون اليوم أكثر ثم إنه لضحضاح، فقال ابن عمر: إنه والله ما قبل الله من امرئ حجة إلا رفع حصاه.
حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قال عطاء: ثم سألت ابن عباس فقلت: يا أبا عباس إني توسطت الجمرة فرميت بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فوالله ما وجدت له مسا، فقال ابن عباس: ما من عبد إلا وهو موكل به ملك يمنعه مما لم يقدر عليه، فإذا جاء القدر لم يستطع منعه منه، والله ما قبل الله من امرئ حجة إلا رفع حصاه.

 

ج / 2 ص -171-        من أين ترمى الجمرة؟ وما يدعى عندها وما جاء في ذلك:
حدثنا أبو الوليد، قال حدثني جدي: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: قال عطاء: ارم الجمرة من المسيل ولم يكن يوجبه، قال: ثم ارجع من أسفل من المسيل كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع، قال: فإن دهمك الناس فارمها من حيث شئت فلا بأس ولا حرج، قلت لعطاء: من أين أرمي السفليين؟ قال: أعلهما كما يصنع من أقبل من أسفل منى، قال: فإن دهمك الناس فارمهما من فرعهما ولم يكن يوجبه، قال: فإن كثر عليك الناس فلا حجر من أي نواحيها رميتها، قال عطاء: ولا يضرك أي طريق سلكت نحو الجمرة.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال أخبرني هارون، عن ابن أبي عائشة، عن عدي بن عدي، عن سليمان بن ربيعة الباهلي قال: نظرنا عمر -رضي الله عنه- يوم النفر الأول، فخرج علينا ولحيته تقطر ماء، في يده حصيات، وفي حجره حصيات، ماشيًا يكبر في طريقه حتى رمى الجمرة الأولى، ثم مضى حتى انقطع من فضض الحصى، وحيث لا يناله حصى من رمى فدعا ساعة، ثم مضى إلى الجمرة الوسطى ثم الأخرى، قال ابن جريج قال عطاء: وإذا رميت قمت عند الجمرتين السفليين، قلت: حيث يقوم الناس الآن، قال: نعم فدعوت بما بدا لك ولم أسمع بدعاء معلوم في ذلك، قلت: ألا يقام عند التي عند العقبة؟ قال: لا، ولا يقام عند شيء من الجمار يوم النفر، قلت: أبلغك ذلك عن ثبت، قال: نعم، وحق سنة على الراكب والراجل والمرأة، والناس أجمعين القيام عند الجمرتين القصويين.
قال ابن جريج: وأخبرني نافع أن ابن عمر كان يقوم عند الجمرتين

 

ج / 2 ص -172-        القصويين من مكة، ولا يقوم عند التي عند العقبة، قال: فيقوم عندهما فيطيل القيام ويكبر ويدعو.
قال ابن جريج قال لي عطاء: رأيت ابن عمر يقوم عند الجمرتين، قدر ما كنت قارئا سورة البقرة.
قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن عثمان بن خيثم، أخبرني محمد بن الأسود بن خلف قال: أدركت الناس يتزودون الماء في الأدوات إلى الجمار من طول القيام. قال ابن خيثم: وأخبرني سعيد بن جبير أنه رمى مع ابن عباس فوقف عند الجمرتين، قدر قراءة سورة من السبع، فقلت له: يا أبا عبد الله بن خيثم القائل إن من الناس من يبطئ، ومنهم من يسرع، قال: قدر قراءتي، قلت: فإنك من أسرع الناس قراءة، قال: كذلك حزيت.
قال ابن خيثم: وأخبرت عن الأزدي خبر سعيد بن جبير إياي فقال: كذلك أحزي قيامي بقدر سورة من السبع، قال ابن جريج قلت لعطاء: استقبل البيت في الدعاء عند الجمرتين، فقال لي ما قال لي في الموقف بعرفة آخر ما ذاكرت عطاء في هذا الباب شاهد قوله حزيت.
حدثنا أبو الوليد قال جدي: أنشدني مسلم بن خالد عند قوله: حزيت لأبي ذؤيب الهذلي:

فلو كان حولي حازيان وطارق                   وعلق أنجاسا على المنجس

إذا لأتتني حيث كنت منيتي                    تحث بها هاد إلي منقرس

 

ج / 2 ص -173-        ما ذكر من اتساع منى أيام الحج ولم سميت منى؟ وأسماء جبالها، وشعابها:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى أخبرنا سليم بن مسلم عن عبيد الله بن أبي زياد، عن أبي الطفيل قال: سمعت ابن عباس يسأل عن منى ويقال له: عجبا لضيقه في غير الحج، فقال ابن عباس: إن منى يتسع بأهله كما يتسع الرحم للولد.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أبو عبد الله يعني ابن عمر، عن الكلبي أن ابن عباس -رضي الله عنه، قال: إنما سميت منى منى؛ لأن جبريل حين أراد أن يفارق آدم عليه السلام قال له: تمن، قال: أتمنى الجنة، فسميت منى لأمنية آدم عليه السلام.
حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني محمد بن يحيى عن عبد الله بن أبي الوزير عمر بن مطرف، عن أبيه قال: إنما سميت منى لما يمنى فيها من الدماء، قال أبو الوليد: اسم الجبل الذي مسجد الخيف بأصله الصفائح، واسم الجبل الذي في وجاهه على يسارك إذا أتيت من مكة القابل، وهو من الأنبرة، وقال بعض أهل العلم: إنما سميت منى لما يمنى فيها من الدماء، قال تمنى تقدر، قال الشاعر:

منت لك أن تلاقيك المنايا                     أحاد أحاد في الشهر الحلال

ويروى: منى لك أن تلاقيني.
قال أبو محمد الخزاعي: أخبرنا أحمد بن عمر قال: أخبرني عبد الحميد بن أبي غسان قال: قال الكلبي: وإنما سميت الجمار الجمار؛ لأن آدم عليه السلام كان يرمي ابليس فيجمر من بين يديه، والإجمار الإشراع، قال لبيد بن ربيعة:

 

ج / 2 ص -174-                         وإذا حركت غرزي أجمرت           أو قرابى عدو جون قد أبل1

قد أبل: أي قد أكل الربل، والإبل التي تأكل الربل، يقال: إبل بلولة.
قال الفرزدق:

وكنت أرى أن قد سمعت ندائيا            ولو نأت على أثري أن يجمروني ورائيا

يقول: كنت أرى أن قد سمعت ندائي، ولو نأت نفسي أن يجمروني ورائيا، قال أحمد بن عمرو: وأنشدني رجل من أهل فارس في أبيات يمدح بها النبي، صلى الله عليه وسلم:

يا أيها الرجل الذي تهوى به                  وجناء مجمرة المناسم عرمس

ما جاء في صفة مسجد منى وذرعه وأبوابه:
حدثنا أبو الوليد، قال: ذرع مسجد الخيف من وجهه في طوله من حدته التي تلي دار الإمارة إلى حدته التي تلي عرفة، مائتا ذراع وثلاثة وتسعون ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا، ومن حدته التي تلي الطريق السفلى في عرضه إلى حدته التي تلي الجبل مائتا ذراع وأربعة أذرع، واثنتا عشرة إصبعًا، وطوله مما يلي الجبل من حدته السفلى إلى حدته التي تلي دار الإمارة مائتا ذراع، وأربعة وستون ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا، وعرضه مما يلي دار الإمارة مائتا ذراع، وفي قبلة المسجد مما يلي دار الإمارة ثلاث ظلال، وفي شقه الذي يلي الطريق ظلة واحدة، وفي شقه الذي يلي أسفل منى ظلة واحدة، وفي شقه الذي أسفل منىظلة واحدة، وفي شقه الذي يلي الجبل ظلة واحدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اللسان: أبل.

ج / 2 ص -175-        وفيه من الأساطين مائة وثماني وستون أسطوانة، منها في القبلة ثماني وسبعون مما يلي بطن المسجد من ذلك أربع وعشرون، وفي شقه الأيمن أربع وثلاثون، وفي أسفله وهو الذي يلي عرفات خمس وعشرون، وفي شقه الأيسر الذي يلي الجبل إحدى وثلاثون، منه واحدة في الظلة.
وعلى الأساطين من الطاقات مائة طاقة، وتسع عشرة طاقة منها في القبلة سبع وعشرون، ومنها في بطن المسجد ثلاث وعشرون، ومنها في الشق الأيمن خمس وثلاثون، ومنها في الشق الذي يلي عرفات أربع وعشرون، ومنها في الجانب الذي يلي الجبل ثلاث وثلاثون، طول الطاقات في السماء تسعة أذرع واثنتا عشرة إصبعًا، وما بين كل أسطوانتين خمسة أذرع واثنتا عشرة إصبعًا، وبعضها يزيد وينقص في طول الطاقات، وما بين الأساطين.
وعلى الأساطين الداخلة في الظلال جوائز خشب دوم طول كل أسطوانة في السماء أحد عشر ذراعًا، وطول السقف في السماء اثنا عشر ذراعًا، وفيه من القناديل مائة قنديل وواحد وسبعون قنديلًا، منها في القبلة أحد وثمانون قنديلًا، ومنها في الشق الأيمن خمسة وثلاثون، ومنها في الشق الذي يلي عرفات أربعة وعشرون، ومنها في الشق الذي يلي الجبل أحد وثلاثون، وذرع عرض الظلال من أوسطها الظلة التي تلي القبلة سبعة وثلاثون ذراعًا، وعرض الظلة التي تلي الشق الأيمن اثنا عشر ذراعًا، وعرض الظلة التي تلي عرفات عشرة أذرع، وعرض الظلة التي تلي الجبل أحد عشر ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا.
وفي وسط المسجد منارة مربعة عرضها ستة أذرع، واثنتا عشرة إصبعًا في مثله، وطولها في السماء أربعة وعشرون ذراعًا، وفيها من الدرج إحدى وأربعون درجة من ذلك من خارج درجتان، وفيها ثمان مستراحات، وفيها ثمان كواء، وبابها طاق، وفوقها ثمان شرافات في كل وجه شرافتان.
وذرع ما بين المنارة إلى قبلة المسجد مائة ذراع وتسعة وعشرون ذراعًا، ومن

 

ج / 2 ص -176-        المنارة إلى الجدر الذي يلي عرفات مائة ذراع وعشرة أذرع، ومن المنارة إلى الجدر الذي يلي الطريق أحد وتسعون ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا، ومن المنارة إلى الجدر الذي يلي الجبل تسعون ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا، وفي المسجد سقاية طولها خمسون ذراعًا، ودخولها في الأرض تسعة أذرع، وعرضها خمسة أذرع، ولها بابان عليهما باب ساج، وهي بين المنارة، وبين الجدر الذي يلي الطريق، وفي زاوية مؤخر المسجد الذي يلي الطريق درجة مربعة، يصعد فيها إلى سطوح المسجد طولها خمسة عشر ذراعًا، واثنتا عشرة إصبعًا، وفيها من الدرج سبع وثلاثون درجة، وفيها من المستراحات تسع، ومن الكواء عشر وبابها طاق في ظلة المسجد التي تلي عرفات، وعلى درجات المسجد من خارج ثلاثمائة، وثلاث وخمسون شرافة ونصف شرافة، منها على جدر القبلة سبع وسبعون، ومنها على الجدر الذي يلي الطريق مائة وثلاث شرافات ونصف، ومنها على الجدر الذي يلي عرفة سبعون، ومنها على الجدر الذي يلي الجبل مائة وثلاث شرافات، وعلى جدرات المسجد من داخل من الشرف ثلاثمائة وثمان وعشرون، منها على جدر القبلة أربع وستون، ومنها على الجدر الذي يلي الطريق خمس وثمانون، ومنها على الجدر الذي يلي عرفات أربع وتسعون، ومنها على الجدر الذي يلي الجبل خمس وثمانون، وعلى جدرات المسجد من الميازيب من داخل، وخارج ستة وثمانون، منها مما يلي دار الإمارة خمسة عشر، ومنها مما يلي الطريق أربعة وعشرون، ومنها مما يلي عرفة تسعة، ومنها مما يلي الجبل خمسة عشر، ومنها في بطن المسجد مما يلي دار الإمارة اثنان وعشرون، وفي الجدر الذي يلي الجبل واحد.
وذرع طول جدرات المسجد من نواحيه من داخل اثنا عشر ذراعًا، واثنتا عشرة إصبعًا، وبعضها يزيد وينقص، وذرع جدرات المسجد من خارج ثلاثة

 

ج / 2 ص -177-        عشر ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا، وطول الجدر الذي يلي عرفة أحد عشر ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا، وذرع طول الجدر الذي يلي الجبل تسعة أذرع، وطول الجدر الذي يلي دار الإمارة اثنا عشر ذراعًا.
ذكر سعة مسجد منى وتكسيره:
قال أبو الوليد: طول المسجد من حد الطاقات، التي تلي القبلة إلى حد الطاقات، التي تلي عرفة من وسطه مائة ذراع واحد وثلاثون ذراعًا، واثنتا عشرة إصبعًا، وعرضه من حد الظلة التي تلي الطريق إلى الظلة، التي تلي الجبل مائة ذراع وستة وستون ذراعًا وسبع أصابع، يكون تكسيره أحد وعشرون ألف ذراع وثمانمائة وسبعة وستون ذراعًا وثلاث أصابع، وذرع طوله من وسطه من دار الإمارة إلى الجدر الذي يلي عرفات مائتا ذراع وثمانون ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا، وعرضه من وسط الجدر الذي يلي الطريق إلى الجدر، الذي يلي الجبل مائة ذراع وتسعة وثمانون ذراعًا، وتسع أصابع يكون مكسرًا ثلاثة وخمسون ألفًا وستة وتسعون ذراعًا، وربع ذراع.
صفة أبواب مسجد الخيف، وذرعها:
قال أبو الوليد: فيه عشرون بابًا، منها في الجدر الذي يلي الطريق تسعة أبواب شارعة في الرحبة على السوق، طول كل باب منها ثمانية أذرع، واثنتا عشرة إصبعًا، وعرض كل باب خمسة أذرع، وبعضها يزيد وينقص في العرض، ومنها في الجدر الذي يلي عرفات خمسة طول كل باب منها ثمانية

 

ج / 2 ص -178-        أذرع واثنتا عشرة إصبعًا، وعرض كل باب خمسة أذرع، وبعضها يزيد، وينقص في العرض، ومنها في الجدر الذي يلي الجبل أربعة أبواب، منها ثلاثة أبواب طول كل باب منها ثمانية أذرع، وعرض الباب الأول منها خمسة أذرع، وعرض الثاني أربعة أذرع وأربع أصابع، وعرض الثالث ثلاثة أذرع، وثماني عشرة إصبعًا، والباب الرابع طوله سبعة أذرع، وعرضه ثلاثة أذرع، وفي قبلة المسجد بابان في دار الإمارة الباب الأول منهما طوله ستة أذرع، واثنتا عشرة إصبعًا، وعرضه ذراعان، والباب الثاني طوله أربعة أذرع وست أصابع، وعرضه ذراعان.
ذرع منى والجمار، ومأزمي منى إلى محسر:
قال: ومن حد مسجد منى، الذي يلي عرفات إلى وسط حياض الياقوتة ثلاثة آلاف، وسبعماية وثلاثة وخمسون ذراعًا، ومن وسط حياض الياقوتة إلى حد محسر ألفا ذراع، ومن مسجد منى إلى قرن الثعالب ألف ذراع وخمسمائة وثلاثون ذراعًا، وذرع ما بين مأزمي منى من الجبل إلى الجبل خمسون ذراعًا، وذرع الطريق طريق العقبة من العلم، الذي على الجدار إلى الجدار الذي بحذائه سبعة، وستون ذراعًا الطريق المفروشة بحجارة يمر عليها سيل منى، من ذلكتسعة وعشرون ذراعًا، وعرض الجدر الذي بين الطريقين ذراعان، وطوله ذراع وبعضه يزيد، وبعضه ينقص في الطول، وعرض الطريق الأعظم العقبة المدرجةستة وثلاثون ذراعًا، ومن جمرة العقبة، وهي من أول الجمار مما يلي مكة إلى الجمرة الوسطى أربعمائة ذراع وسبعة وثمانون ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا، ومن الجمرة الوسطى إلى الجمرة الثالثة، وهي تلي مسجد منى ثلاثمائة ذراع وخمسة أذرع، ومن الجمرة التي تلي مسجد منى إلى أوسط أبواب المسجد، ألف ذراع وثلاثمائة ذراع وواحد وعشرون ذراعًا.

 

ج / 2 ص -179-        وذرع منى من جمرة العقبة إلى وادي محسر سبعة آلاف ومائتا ذراع، وعرض منى من مؤخر المسجد الذي يلي الجبل إلى الجبل الذي بحذائه ألف ذراع وثلاثمائة ذراع، وذرع عرض طريق شعب على عليه السلام، وهو حيال جمرة العقبة ستة وعشرون ذراعًا، وعرض الطريق الأعظم حيال الجمرة الأولى، وهي الطريق الوسطى، وهي التي سلكها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر من مزدلفة حين غدا من قزح إلى الجمرة، ولم تزل الأئمة أئمة الحج تسلكها، حتى تركت من سنة المائتين، وجاء أمراء لا يعرفون ذلك سلكوا الطريق الملاصقة المسجد، وليست بطريق النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمانية وثلاثون ذراعًا، والدكان الذي في حد الجمرة بينهما.
ذرع ما بين المزدلفة إلى منى1، وذرع مسجد المزدلفة وصفة أبوابه:
قال: ومن حد مؤخر مسجد منى إلى مسجد مزدلفة ميلان، وذرع مسجد مزدلفة تسعة وخمسون ذراعًا وشبر في مثله، ويكون مكسرًا ثلاثة آلاف ذراعوخمسمائة ذراع وأحد وأربعون ذراعًا، والمسجد يدور حوله جدار ليس بمظلل، وذرع طول جدر القبلة في السماء سبعة أذرع، وثماني عشرة إصبعًا معطوفًا في الشق الأيمن عشرة أذرع، وفي الشق الأيسر مثله، وبقية الجدرين الأيمن، والأيسر ومؤخر المسجد ثلاثة أذرع في السماء، وفيه من الأبواب ستة: باب في القبلة، وبابان في الجدر الأيمن، وبابان في الجدر الأيسر، وباب في مؤخر المسجد سعته ستة وأربعون ذراعًا.
وعلى الجدرات من الشرف سبع وخمسون شرافة منها على جدار القبلة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: عرف الطيب ورقه 11، وهو ينقل عن المؤلف.

 

ج / 2 ص -180-        ست عشرة، ومنها على الجدر الأيمن تسع عشرة، ومنها على الجدر الأيسر ثماني عشرة شرافة، وذرع ما بين مؤخر مسجد المزدلفة من شقه الأيسر إلى قزح أربعمائة ذراع وعشرة أذرع، وقزح عليه أسطوانة من حجارة مدورة تدوير حولها أربعة وعشرون ذراعًا، وطولها في السماء اثنا عشر ذراعًا، فيها خمس وعشرون درجة، وهي على أكمة مرتفعة كان يوقد عليها في خلافة هارون الرشيد بالشمع ليلة المزدلفة، وكانت قبل ذلك توقد عليها النار بالحطب، فلما مات هارون الرشيد أمير المؤمنين، كانوا يضعون عليها مصابيح كبار يسرج فيها بفتل جلال، فكان ضوءها يبلغ مكانًا بعيدًا، ثم صارت اليوم توقد عليها مصابيح صغار، وفتل رقاق ليلة المزدلفة.
ذرع ما بين مزدلفة إلى عرفة، ومأزمي عرفة ومسجد عرفة، وأبوابه والحرم والموقف1:
قال: وذرع ما بين مأزمي عرفة مائة ذراع وذراعان واثنتا عشرة إصبعًا، وذرع ما بين مسجد مزدلفة إلى مسجد عرفة ثلاثة أميال، وثلاثة آلاف وثلاثمائة وتسعة عشر ذراعًا، وذرع سعة مسجد عرفة من مقدمه إلى مؤخره مائة ذراع وثلاثة وستون ذراعًا، ومن جانبه الأيمن إلى جانبه الأيسر بين عرفة، والطريق مائتا ذراع وثلاثة عشر ذراعًا.
ويدور حول المسجد جدر طول جدر القبلة ثمانية أذرع في السماء، واثنتا عشرة إصبعًا، وعطفه في الشق الأيمن عشرون ذراعًا، وعطفه في الشق الأيسر مثله وذرع طول الجدرين الأيمن، والأيسر بعد العطف ثلاثة أذرع، وأربع أصابع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب ورقة 11، وهو ينقل عن المؤلف.

 

ج / 2 ص -181-        وعلى جدرات المسجد من الشرف مائتا شرافة، وثلاث شرافات ونصف، منها على در القبلة أربع وستون، وعلى العطف مع جدر القبلة من الجانب الأيمن ثمان، وعلى العطف مع جدر القبلة من الجانب الأيسر ثمان، ومنها على بقيته سبع وخمسون ونصف، ومنها على مؤخر المسجد عشر في الأيمن، وفي الأيسر أربع. وفي مسجد عرفة من الأبواب عشرة أبواب: باب في القبلة عليه طاق طوله تسعة أذرع، وعرضه ذراعان وثمان عشرة إصبعًا، وفي الجدر الأيمن أربعة أبواب، وفي الأيسر أربعة أبواب عرض كل باب ستة أذرع، وسعة الباب الذي يلي الموقف ماية ذراع وأحد وثلاثون ذراعًا.
ومن حد مؤخر المسجد الأيمن إلى حد مؤخره الأيسر جدر مدور طوله ثلاثمائة ذراع وأربعون ذراعًا، وعرضه من وسطه من جدر المسجد ثمانية وستون ذراعًا، والأبواب التي في الجدر الأيمن في الجبر، وعلى الجدر من الشرافات مائة شرافة وخمس شرافات، وطول الجدر في السماء ستة أذرع، وفي مؤخر المسجد الأيمن في طرف الجبر دكان مربع طوله في السماء خمسة أذرع، وسعة أعلاه سبعة أذرع وثمان عشرة إصبعًا في ستة أذرع، وثمان عشرة إصبعًا يؤذن عليه يوم عرفة.
وفي المسجد محراب على دكان مرتفع، يصلي عليه الإمام وبعض من معه، ويصلي بقية الناس أسفل، وارتفاع الدكان ذراعان.
قال أبو الوليد: ومن حد الحرم إلى مسجد عرفة ألف ذراع، وستمائة ذراع وخمسة أذرع، ومن نمرة وهو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك، إذا خرجت من مأزمي عرفة تريد الموقف، وتحت جبل نمرة غار أربعة أذرع في خمسة أذرع، ذكروا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينزله يوم عرفة، حتى يروح إلى الموقف، وهو منزل الأيمة إلى اليوم، والغار داخل في جدار دار الإمارة في بيت في الدار، ومن الغار إلى مسجد عرفة ألفا ذراع وأحد عشر ذراعًا، ومن مسجد

 

ج / 2 ص -182-        عرفة إلى موقف الإمام عشية عرفة ميل يكون الميل خلف الإمام، إذا وقف وهو حيال جبل المشاة.
عدد الأميال من المسجد الحرام إلى موقف الإمام بعرفة، وذكر مواضعها:
قال أبو الوليد: من باب المسجد الحرام، وهو الباب الكبير باب بني عبد شمس الذي يعرف اليوم ببني شيبة إلى أول الأميال، وموضعه على جبل الصفا، والميل الثاني في حد جبل العيرة، والميل حجر طوله ثلاثة أذرع، وهو من الأميال المروانية، وموضع الميل الثالث بين مأزمي منى، وموضع الميل الرابع دون الجمرة الثالثة التي تلي مسجد الخيف بخمسة عشر ذراعًا، وموضع الميل الخامس وراء قرين الثعالب بمائة ذراع، وموضع الميل السادس في جدر حائط محسر، وبين جدار حائط محسر، ووادي محسر خمسمائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعًا، وموضع الميل السابع دون مسجد مزدلفة بمائتي ذراع وسبعين ذراعًا، والميل حجر مرواني طوله ثلاثة أذرع، وموضع الميل الثامن في حد الجبل دون مأزمي عرفة وهو بحيال سقاية زبيدة، والطريق بينه وبين سقاية زبيدة، وهو على يمينك وأنت متوجه إلى عرفات، وموضع الميل التاسع بين مأزمي عرفة بفم الشعب الذي يقال له: شعب المبال، الذي بال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين دفع من عرفة يريد المزدلفة، وهذا الميل بحيال سقاية شعب السقيا سقاية خالصة، وموضع الميل العاشر حيال سقاية ابن برمك، وبينهما طريق، وهو حد جبل المنظر، وموضع الميل الحادي عشر في حد الدكان، الذي يدور حول قبلة المسجد بعرفة، مسجد إبراهيم خليل الرحمن، وبينه وبين جدار المسجد خمسة وعشرون ذراعًا، وموضع الميل الثاني عشر

 

ج / 2 ص -183-        خلف الإمام حيث يقف عشية عرفة على قرن يقال له: النابت، بينه وبين موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- عشرة أذرع، فيما بين المسجد الحرام وبين موقف الإمام بعرفة، بريد سواء لا يزيد ولا ينقص.
ما جاء في ذكر المزدلفة، وحدودها والوقوف بها، والنزول وقت الدفعة منها والمشعر الحرام، وإيقاد النار عليه ودفعة أهل الجاهلية1:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: المزدلفة كلها موقف، قال ابن جريج: قلت لنافع مولى ابن عمر: أين كان يقف ابن عمر بجمع كلما حج؟ قال: على قزح نفسه، لا ينتهي حتى يتخلص فيقف عليه مع الإمام كلما حج.
قال ابن جريج: قال محمد بن المنكدر: أخبرني من رأى أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- واقفًا على قزح.
حدثني جدي، حدثني سفيان، عن عمار الدهني، عن أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص، ونحن بعرفة عن المشعر الحرام، فقال: إن اتبعتني أخبرتك، فدفعت معه حتى إذا وضعت الركاب أيديها في الحرم، قال: هذا المشعر الحرام، قلت: إلى أين؟ قال: إلى أن تخرج منه.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن محمد بن عمر، عن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب ورقة 12 نقلًا عن المؤلف.

 

ج / 2 ص -184-        إسحاق بن عبد الله بن خارجة، عن أبيه قال: لما أفضى سليمان بن عبد الملك بن مروان من المأزمين نظر إلى النار التي على قزح، فقال لخارجة بن زيد: يا أبا زيد، من أول من صنع هذه النار ههنا؟ قال خارجة: كانت في الجاهلية وصنعتها قريش، وكانت لا تخرج من الحرم إلى عرفة تقول: نحن أهل الله، قال خارجة: فأخبرني رجال من قومي أنهم رأوها في الجاهلية وكانوا يحجون، منهم حسان بن ثابت في عدة من قومي، قالوا: قصي بن كلاب قد أوقد بالمزدلفة نارًا، حيث وقف بها حتى يراها من دفع من عرفة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى، عن محمد بن عمر، عن أبي دخشم الجهني غنيم بن كليب، عن أبيه عن جده قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم، في حجته وقد دفع من عرفة إلى جمع، والنار توقد بالمزدلفة وهو يؤمها، حتى نزل قريبًا منها.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى، عن محمد بن عمر عن كثير عن عبد الله المزني، عن نافع عن ابن عمر قال: كانت النار توقد على عهد رسولالله -صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان -رضي الله عنهم.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن محمد بن عمر، عن سعيد بن عطاء بن أبي مروان الأسلمي، عن أبيه عن جده، قال: رأيت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقف على يسار النار، قال: فسألت سعيد بن عطاء كيف نزل عمر عن يسار النار، قال: يستقبل الكعبة، ثم يجعل النار عن يمينه.
حدثنا أبو الوليد، قال: وحدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: قال لي عطاء: بلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم، كان ينزل ليلة جمع في منزل الأئمة الآن ليلة جمع، -يعني دار الامارة التي في قبلة مسجد مزدلفة-، قال ابن جريج: قلت لعطاء: وأين المزدلفة؟ قال: المزدلفة إذا أفضت من مأزمي عرفة فذلك إلى محسر، وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة، ولكن

 

ج / 2 ص -185-        مفضاهما، قال: قف أيهما شئت وأحب إلي أن تقف دون قزح، هلم إلينا، قال عطاء: فإذا أفضت من مأزمي عرفة، فانزل في كل ذلك عن يمين وشمال، قلت له: انزل في الجرف إلى الجبل، الذي يأتي عن يميني حين أفضي إذا أقبلت من المأزمين؟، قال: نعم، إن شئت وأحب إلي أن تنزل دون قزح هلم إلي وحذوه، قلت لعطاء: فأحب إليك أن أنزل على قارعة الطريق؟، قال: سواء إذا انحفظت عن قزح هلم إلينا، وهو يكره أن ينزل الناس على الطريق، قال: يضيق علىالناس فإن نزلت فوق قزح إلى مفضى مأزمي عرفة، فلا بأس إن شاء الله.
قلت لعطاء: أرأيت قولك انزل أسفل قزح أحب إليك، من أجل أي شيء تقول ذلك؟ قال: من أجل طريق الناس، إنما ينزل الناس فوقه فيضيقون على الناس طريقهم، فيؤذي ذلك المسلمين في طريقهم، قلت: هل لك إلى ذلك؟
قال: لا، قلت: أرأيت إن اعتزلت منازل الناس، وذهبت في الجرف الذي عن يمين المقبل من عرفة ولست قرب واحد، قال: لا أكره ذلك، قلت: أذلكأحب إليك أم أنزل أسفل من قزح في الناس؟ قال: سواء ذلك كله إذا اعتزلت ما يؤذي الناس من التضييق عليهم في طريقهم، قلت لعطاء: إنما ظننت أنك تقول: نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- أسفل من قزح، فأنا أحب أن أنزل أسفل منه، قال: لا، والله ما بي ذلك ما لشيء منها أثره على غيره، قلتلعطاء: أين تنزل أنت؟ قال: عند بيوت ابن الزبير الأولى عند حائط المزدلفة في بطحاء هنالك.
قال ابن جريج: أخبرني عطاء أن ابن عباس كان يقول: ارفعوا عن محسر وارتفعوا عن عرنات، قلت: ماذا؟ قال: أما قوله ارتفعوا عن عرنات فعشيةعرفة في الموقف، أي لا تقفوا بعرنة، وأما قوله: ارفعوا عن محسر ففي المنزل بجمع، أي لا تنزلوا محسرًا لا تبلغوه، قلت لعطاء: وأين محسر؟ وأين تبلغ من جمع؟ وأين يبلغ الناس من منزلهم من محسر؟ قال: لم أر

 

ج / 2 ص -186-        الناس يخلفون بمنازلهم القرن الذي يلي حائط محسر، الذي هو أقرب قرن في الأرض من محسر على يمين الذاهب، الذي يأتي من مكة عن يمين الطريق، قال: ومحسر إلى ذلك القرن يبلغه محسر وينقطع إليه، قال: فأحسب أنها كدية محسر حتى ذلك القرن، قال: فلا أحب أن ينزل أحد أسفل من ذلك القرن تلك الليلة.
في ذكر طريق ضب1:
ضب طريق مختصر من المزدلفة إلى عرفة، وهي في أصل المأزمين عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة، وقد ذكروا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سلكها حين غدا من منى إلى عرفة، قال ذلك بعض المكيين.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: أخبرني الزنجي عن ابن جريج قال: سلك عطاء طريق ضب، فقيل له في ذلك: فقال: لا بأس بذلك إنها هي الطريق. حدثنا أبو الوليد قال: حدثني عبد الله بن محمد بن سليمان بن منصور السهامي، حدثنا محمد بن زياد عن أبي قرة، عن ابن جريج عن عطاء قال: سلك عطاء طريق ضب، قال هي طريق موسى بن عمران عليه السلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: عرف الطيب ورقة 12، وهو ينقل عن المؤلف.

 

ج / 2 ص -187-        ذكر عرفة:
منزل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من نمرة1:
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: سألت عطاء أين كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينزل يوم عرفة؟ قال: بنمرة منزل الخلفاء إلى الصخرة الساقطة بأصل الجبل عن يمينك، وأنت ذاهب إلى عرفة، يلقى عليها ثوب يستظل به -صلى الله عليه وسلم.
ذكر عرفة وحدودها، والموقف بها2:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن نجيح عن مجاهد قال: قال ابن عباس حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى أجبال عرنة إلى الوصيق، إلى ملتقى الوصيق إلى وادي عرفة قال: وموقف النبي -صلى الله عليه وسلم- عشية عرفة بين الأجبل النَّبِعة والنُّبَيْعة والنابت، وموقفه منها على النابت، وهي الظراب التي تكتنف موضع الإمام، والنابت عند النشرة التي خلف موقف الإمام، وموقفه -صلى الله عليه وسلم، على ضرس من الجبل النابت، مضرس بين أحجار هنالك ناتئة في الجبل الذي يقال له الآل بعرفة عن يسار طريق الطائف، وعن يمين الإمام وله يقول: نابغة بني ذيبان:

بمصطحبات من لصاف وثبرة                       يزرن إلالاً سيرهن التدافع


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: عرف الطيب ورقة 12، وهو ينقل عن المؤلف.
2 انظر في ذلك: عرف الطيب ورقة 12، وهو ينقل عن المصنف.

 

ج / 2 ص -188-        ذكر منبر عرفة:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن الزنجي، عن عمرو بن دينار قال: رأيت منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في زمان ابن الزبير ببطن عرنة، حيث يصلي الإمام الظهر، والعصر عشية عرفة مبنيًا بحجارة ضفيرة قد ذهب به السيل، فجعل ابن الزبير منبرًا من عيدان.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن عبد الله بن صفوان، عن خال له يقال له: يزيد بن شيبان قال: كنا في موقف لنا بعرفة قال: يبعده عمرو بن دينار من موقف الإمام جدًا قال يزيد: فأتانا ابن مربع الأنصاري، فقال: إني رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليكم يأمركم أن تقفوا على مشاعركم هذه، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم عليه السلام.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان، عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: أضللت بعيرًا لي يوم عرفة، فخرجت أطلبه حتى جيت عرفة، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، واقف بعرفة مع الناس فقلت: هذا رجل من الحمس، فما له خرج من الحرم يعني قريشًا كانت تسمى الحمس، والأحمسي المشدد في دينه، فكانت قريش لا تجاوز الحرم تقول: نحن أهل الله لا نخرج من الحرم، وكان سائر الناس يقف بعرفة، وذلك قول الله عز وجل:
{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، قال سفيان: جاءهم إبليس، فقال: إنكم إن خرجتم من الحرم إلى الحل زهدت العرب في حرمكم فخذلهم عن ذلك.
وبه قال سفيان: عن حميد بن قيس عن مجاهد قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم، يقف بعرفة سنيه كلها لا يقف مع قريش في الحرم، يعني إذا كان رسول الله

 

ج / 2 ص -189-        صلى الله عليه وسلم، بمكة قبل الهجرة.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: عرفة كلها موقف، وفجاج منى كلها منحر، ومزدلفة كلها موقف.
وبه حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار عن طاوس، عن ابن عباس أنه قال: ارفعوا عن عرنات، وعن محسر، يعني في الموقف.
وبه حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح قال: رأيت الفرزدق جاء إلى قوم من بني تميم في مسجد لهم بعرفة، معهم مصاحف لهم يبعد مكانهم من موقف الإمام فوقف عليهم ففداهم بالأب والأم، وقال: إنكم على إرث من إرث آبائكم.
ذكر الشعب الذي بال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الدفعة:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: لا صلاة إلا بجمع، قال ابن جريج: قال عطاء: أردف النبي -صلى الله عليه وسلم- من عرفة أسامة بن زيد حتى جاء جمعًا، فلما جاء الشعب الذي يصلي فيه الآن الخلفاء المغرب، يعني خلفاء بني مروان نزل فيه فأهراق الماء ثم توضأ، فلما رأى أسامة نزول النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل أسامة، فلما توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- وفرغ قال لأسامة:
"لم نزلت؟" وعاد أسامة فركب معه، ثم انطلق حتى جاء جمعًا، فصلى بها المغرب والعشاء، قال: فلم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبي في ذلك، حتى دخل جمعًا يخبر ذلك عنه أسامة بن زيد.
قال ابن جريج: أخبرني عامر بن مصعب، عن سعيد بن جبير قال:

 

ج / 2 ص -190-        دفعت مع عبد الله بن عمر بن الخطاب من عرفة، حتى إذا وازنا بالشعب الذي يصلي فيه الخلفاء المغرب، دخله ابن عمر فتنفض فيه، ثم توضأ وركب فانطلقنا حتى جاء جمعًا، فأقام هو بنفسه الصلاة ليس فيها أذان، ولا إقامة بالأولى فصلى المغرب، فلما سلم التفت إلينا فقال: الصلاة ولم يؤذن بالأولى، ولم يقم لها، قال ابن جريج: وكان عطاء لا يعجبه أن ابن عمر لم يقم للعشاء، قال عطاء: لكل صلاة إقامة لا بد.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي، عن سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن عقبة وابن أبي حرملة عن كريب، عن ابن عباس قال: أخبرني أسامة بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بال في الشعب ليلة المزدلفة، ولم يقل أهراق الماء، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: أخبرني موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: سمعت أسامة بن زيد يقول: أنا رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم، يوم عرفة، فلما جئنا الشعب أو إلى الشعب، نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال: فأهراق الماء. ثم توضأ فلم يتم الوضوء فقلت: يا رسول الله ألا تصلي؟ قال:
"الصلاة أمامك"، فركبنا حتى جئنا جمعًا فنزل فتوضأ، فأتم الوضوء ثم أذن بالصلاة فصلى المغرب، ثم صلى العشاء ولم يصل بينهما شيئًا، قال: وكان عطاء إذا ذكر له الشعب، قال: اتخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، مبالًا، واتخذتموه مصلا يعني خلفاء بني مروان، وكانوا يصلون فيه المغرب.
حدثنا أبو الوليد قال: سألت جدي عن الشعب، الذي بال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ليلة المزدلفة حين أفاض من عرفة فقال: هو الشعب الكبير الذي بين مأزمي عرفة على يسار المقبل من عرفة يريد المزدلفة في أقصى المأزم مما يلي نمرة، وبين يدي هذا الشعب الميل، ومن هذا الميل إلى سقاية زبيدة، التي في أول المزدلفة مثل الميل عندها دينها إلى المزدلفة قليلًا، وهو أقصى هذا الشعب فيه صخرة كبيرة، وهي الصخرة التي لم أزل أسمع من أدركت من أهل العلم

 

ج / 2 ص -191-        يزعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم، بال خلفها، استتر بها، ثم لم تزل أئمة الحج تدخل هذا الشعب فتبول فيه، وتتوضأ فيه إلى اليوم.
قال أبو محمد: أحسب أن جد أبي الوليد أوهم، وذلك أن أبا يحيى بن أبي ميسرة أخبرني أنه الشعب الذي في بطن المأزم على يمينك، وأنت مقبل من عرفة بين الجبلين إذا أفضيت من مضيق المأزمين، وهو أقرب وأوصل بالطريق؛ لأن الشعب الذي ذكره جد أبي الوليد الأزرقي، يبعد عن الطريق.
ذكر المواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة، وما فيها من آثار النبي -صلى الله عليه وسلم، وما صح من ذلك:
قال أبو الوليد:
مولد النبي1، أي البيت الذي ولد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم، وهو في دار محمد بن يوسف، أخي الحجاج بن يوسف كان عقيل بن أبي طالب، أخذه حين هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم، وفيه وفي غيره يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع حين قيل له: أين ننزل يا رسول الله؟ وهل ترك لنا عقيل من ظل؟ فلم يزل بيده وبيد ولده حتى باعه ولده من محمد بن يوسف، فأدخله في داره التي يقال لها البيضاء، وتعرف اليوم بابن يوسف، فلم يزل ذلك البيت في الدار، حتى حجت الخيزران أم الخليفتين موسى وهارون فجعلته مسجدًا يصلى فيه، وأخرجته من الدار وأشرعته في الزقاق، الذي في أصل تلك الدار يقال له: زقاق المولد.
حدثنا أبو الوليد قال: سمعت جدي، ويوسف بن محمد يثبتان أمر المولد، وأنه ذلك البيت لا اختلاف فيه عند أهل مكة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب ورقة 12.

 

ج / 2 ص -192-        حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى، عن أخيه قال: حدثني رجل من أهل مكة يقال له: سليمان بن أبي مرحب، مولى بني خثيم قال: حدثني ناس كانوا يسكنون ذلك البيت، قبل أن تشرعه الخيزران من الدار، ثم انتقلوا عنه حين جعل مسجدًا، قالوا لا والله ما أصابتنا فيه جائحة، ولا حاجة فأخرجنا منه فاشتد الزمان علينا.
ومنزل خديجة1 ابنة خويلد، زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو البيت الذي كان يسكنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وخديجة وفيه ابتنى بخديجة، وولدت فيه خديجة أولادها جميعًا وفيه توفيت خديجة، فلم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم، ساكنًا فيه حتى خرج إلى المدينة مهاجرًا، فأخذه عقيل بن أبي طالب، ثم اشتراه منه معاوية، وهو خليفة فجعله مسجدًا يصلي فيه، وبناه بناءه هذا، وحدد الحدود التي كانت لبيت خديجة لم تغير فيما ذكر عن من يوثق به من المكيين، وفتح معاوية فيه بابًا من دار أبي سفيان بن حرب هو قائم إلى اليوم، وهي الدار التي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم، يوم الفتح: "
من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن" وهي الدار التي يقال لها اليوم: دار ريطة بنت أبي العباس أمير المؤمنين، وفي بيت خديجة هذا صفيحة من حجارة مبني عليها في الجدر، جدر البيت الذي كان يسكنه النبي -صلى الله عليه وسلم، قد اتخذ قدام الصفيحة مسجدًا، وهذه الصفيحة مستقبلة في الجدر من الأرض، قدر ما يجلس تحتها الرجل، وذرعها ذراع في ذراع وشبر.
قال أبو الوليد: سألت جدي أحمد بن محمد، ويوسف بن محمد بن إبراهيم، وغيرهما من أهل العلم من أهل مكة عن هذه الصفيحة، ولم جعلت هنالك؟ وقلت لهم أو لبعضهم: إني أسمع الناس يقولون: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كان يجلس تحت تلك الصفيحة، فيستدرى بها من الرمي بالحجارة إذا جاءته من دار أبي لهب، ودار عدي بن أبي الحمراء الثقفي، فأنكروا ذلك وقالوا: لم نسمع بهذا من ثبت، ولقد سمعنا من يذكرها من أهل العلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب ورقة 12.

 

ج / 2 ص -193-        فأصح ما انتهى إلينا من خبر ذلك، أن أهل مكة كانوا يتخذون في بيوتهم صفائح من حجارة تكون شبه الرفاف توضع عليها المتاع، والشيء من الصيني والداجن يكون في البيت، فقل بيت يخلو من تلك الرفاف.
قال جدي: وأنا أدركت بعض بيوت المكيين القديمة، فيها رفاف من حجارة يكون عليها بعض متاع البيت، قال فيقولون: إن تلك الصفيحة التي في بيت خديجة من ذلك.
ومسجد في دار الأرقم1 بن أبي الأرقم المخزومي، التي عند الصفا يقال لها: دار الخيزران كان بيتًا، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم، مختبئا فيه، وفيه أسلم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه.
ومسجد بأعلى مكة2 عند الردم، عند بئر جبير بن مطعم، يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم، صلى فيه، وقد بناه عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وبنى عنده جنبذًا يسقى فيه الماء.
ومسجد بأعلى مكة أيضًا يقال له مسجد الجن3، وهو الذي يسميه أهل مكة مسجد الحرس، وإنما سمي مسجد الحرس أن صاحب الحرس، كان يطوف بمكة حتى إذا انتهى إليه، وقف عنده ولم يجزه حتى يتوافى عنده عرفاؤه، وحرسه يأتونه من شعب بني عامر، ومن ثنية المدنيين، فإذا توافوا عنده رجع منحدرًا إلى مكة، وهو فيما يقال له: موضع الخط الذي خط رسول الله -صلى الله عليه وسلم، لابن مسعود ليلة استمع عليه الجن، وهو يسمى مسجد البيعة يقال: إن الجن بايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الموضع.
ومسجد يقال له مسجد الشجرة4 بأعلى مكة، في دبر دار منارة بحذاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب ورقة 12.
2 عرف الطيب ورقة 12.
3 عرف الطيب ورقة 13.
4 عرف الطيب ورقة 12.

 

ج / 2 ص -194-        هذا المسجد مسجد الجن، يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم، دعى شجرة كانت في موضعه، وهو في مسجد الجن، فسألها عن شيء فأقبلت تخط بأصلها وعروقها الأرض حتى وقفت بين يديه، فسألها عما يريد ثم أمرها فرجعت، حتى انتهت إلى موضعها.
ومسجد بأعلى مكة عند سوق الغنم عند قرن مسقلة، ويزعمون أن عنده بايع النبي -صلى الله عليه وسلم، الناس بمكة يوم الفتح.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن الزنجي، عن ابن جريج حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم أن محمد بن الأسود بن خلف الخزاعي، أخبره أن أباه الأسود حضر رسول الله -صلى الله عليه وسلم، عند قرن مسقلة بالمعلاة قال: فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم، جاءه الرجال والنساء والصغار، والكبار فبايعهم على الإسلام والشهادة قال: قلت: وما الشهادة؟ قال محمد بن الأسود: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله.
ومسجد السرر1، وهو المسجد الذي يسميه أهل مكة مسجد عبد الصمد بن علي كان بناه.
ومسجد2 بعرفة عن يمين الموقف يقال له: مسجد إبراهيم، وليس بمسجد عرفة الذي يصلي فيه الإمام.
ومسجد يقال له: مسجد الكبش3 بمنى قد كتبت ذكره في موضع ذكر منى، وما جاء فيه.
ومسجد بأجياد4 وموضع فيه يقال له: المتكأ سمعت جدي أحمد بن محمد، ويوسف بن محمد بن إبراهيم يسألان عن المتكأ، وهل يصح عندهما أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب ورقة 12.
2 عرف الطيب ورقة 12.
3 عرف الطيب ورقة 12.
4 عرف الطيب ورقة 12.

 

ج / 2 ص -195-        أن النبي -صلى الله عليه وسلم، اتكأ فيه، فرأيتهما ينكران ذلك ويقولان: لم نسمع به من ثبت، قال لي جدي: سمعت الزنجي مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم القداح، وغيرهما من أهل العلم يقولون: إن أمر المتكأ ليس بالقوي عندهم بل يضعفونه غير أنهم يثبتون أن النبي -صلى الله عليه وسلم، صلى بأجياد الصغير لا يثبت ذلك الموضع ولا يوقف عليه، قال: ولم أسمع أحدًا من أهل مكة يثبت أمر المتكأ.
ومسجد على جبل أبي قبيس يقال له: مسجد إبراهيم1، سمعت يوسف بن محمد بن إبراهيم يسأل عنه، هل هو مسجد إبراهيم خليل الرحمن؟ فرأيته ينكر ذلك، ويقول: إنما قيل هذا حديثًا من الدهر، لم أسمع أحدًا من أهل العلم يثبته.
قال أبو الوليد: وسألت أنا جدي عنه فقال لي: متى بني هذا المسجد، إنما بني حديثًا من الدهر، ولقد سمعت بعض أهل العلم من أهل مكة يسأل عنه، أهذا المسجد مسجد إبراهيم خليل الرحمن؟ فينكر ذلك ويقول: بل هو مسجد إبراهيم القبيسي لإنسان كان في جبل أبي قبيس ساسي يسأل عنده، فقلت لجدي: فإني سمعت بعض الناس يقول: إن إبراهيم خليل الرحمن حين أمر بالأذان في الناس بالحج، صعد على جبل أبي قبيس، فأذن فوقه فأنكر ذلك وقال: لا، لعمري ما بين أصحابنا اختلاف أن إبراهيم خليل الرحمن، حين أمر بالأذان في الناس بالحج، قام على مقام إبراهيم فارتفع به المقام، حتى صار أطول من الجبال، وأشرف على ما تحته، فقال: أيها الناس أجيبوا ربكم قال: وقد كنت ذكرت ذلك عند موضع ذكر المقام مفسرًا.
ومسجد بذي طوى -بين ثنية المدنيين المشرفة على مقبرة مكة، وبين الثنية التي تهبط على الحصحاص، وذلك المسجد بنته زبيدة بأزج.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي، أخبرنا الزنجي، عن ابن جريج،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب ورقة 12.

 

ج / 2 ص -196-        عن موسى بن عقبة أن نافعًا حدثه، أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كان ينزل بذي طوى حين يعتمر، وفي حجته حين حج تحت سمرة في موضع المسجد.
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي أخبرنا مسلم، عن ابن جريج قال: وحدثني نافع أن ابن عمر حدثه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كان ينزل بذي طوى فيبيت به حتى يصلي الصبح حين يقدم مكة، ومصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ذلك على أكمة غليظة ليس بالمسجد الذي بني ثم، ولكنه أسفل من الجبل الطويل، الذي قبل الكعبة يجعل المسجد الذي بني بيسار المسجد بطرف الأكمة، ومصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أسفل منه على الأكمة السوداء، تدع من الأكمة عشرة أذرع، أو نحوها بيمين، ثم يصلي مستقبل الفرضين من الجبل الطويل الذي بينه، وبين الكعبة.
ذكر حراء، وما جاء فيه1:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي، حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني، عن معمر أخبرني الزهري، عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها، أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم، من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءته مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد والتبرر الليالي ذوات العدد،ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة ابنة خويلد، فيتزود بمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه فقال: اقرأ، "قال: "
فقلت: "ما أنا بقارئ"، قال: "فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب ورقة 12-13.

 

ج / 2 ص -197-        فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أقرأ، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}"، حتى بلغ: {مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أحمد بن محمد، حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: جاءت خديجة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، بحيس وهو بحراء فجاءه جبريل فقال: يا محمد هذه خديجة قد جاءت تحمل حيسًا معها، والله يأمرك ان تقرئها السلام وتبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، فلما أن رقيت خديجة قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم:
"يا خديجة إن جبريل قد جاءني، والله يقرءك السلام ويبشرك ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب"، فقالت خديجة: الله السلام ومن الله السلام، وعلى جبريل السلام.
ذكر طريق النبي، صلى الله عليه وسلم، من حراء إلى ثور:
قال أبو الوليد: قال جدي: وبلغني عن محمد بن عبد الرحمن بن هشام المخزومي الأوقص، قال: كانت طريق النبي -صلى الله عليه وسلم، من حراء إلى ثور في شعب الرخم على الثنية، التي تخرج على بئر خالد بن عبد الله القسري التي بين مأزمي منى يقال لها: القسرية، وهي الثنية التي عن يسار الذاهب إلى منى من مكة، ثم سلك النبي -صلى الله عليه وسلم، في الشعب الذي بنى ابن شيحان سقاية بفوهته، ثم في الثنية التي تخرج على المفجر، فحبس ابن علقمة أعطيات الناس سنة، وهو أمير مكة، فضرب بها الثنية التي بين شعب الرخم، وبين بئر خالد بن عبد الله القسري، وبناها ودرج أبو جعفر أمير المؤمنين الثنية، التي بين شعب الرخم، وبين

 

ج / 2 ص -198-        بئر خالد بن عبد الله القسري، وبناها ودرج أبو جعفر أمير المؤمنين الثنية الاخرى التي تخرج إلى المفجر.
باب ذكر ثور وما جاء فيه1:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن أبي عمر العدني، عن سعيد بن سالم القداح، عن عمر بن جميل الجمحي، عن ابن أبي مليكة أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لما خرج هو وأبو بكر إلى ثور جعل أبو بكر يكون أمام النبي -صلى الله عليه وسلم، مرة وخلفه مرة، قال: فسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: إذا كنت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك، وإذا كنت خلفك، خشيت أن تؤتى من أمامك، حتى انتهى إلى الغار، وهو في ثور قال أبو بكر -رضي الله عنه: كما أنت حتى أدخل يدي فأحسه، فإن كانت فيه دابة أصابتني قبلك قال: وبلغني أنه كان في الغار حجر فألقم أبو بكر -رضي الله عنه رجله، ذلك الحجر فرقًا أن يخرج منه دابة، أو شيء يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ذكر مسجد البيعة، وما جاء فيه:
قال أبو الوليد: حدثني جدي، حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن عبد الله ابن عثمان بن خيثم، عن أبي الزبير محمد بن مسلم أنه حدثه جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، لبث بمكة عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ، ومنازلهم بمنى:
"من يؤويني وينصرني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب ورقة 13.

 

ج / 2 ص -199-        حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة"، فلا يجد أحدًا يؤويه ولا ينصره، حتى إن الرجل يرحل صاحبه من مضر، أو اليمن فيأتيه قومه أو ذو رحمه فيقولون: احذر فتى قريش لا يفتنك يمشي بين رجالهم، يدعوهم إلى الله عز وجل، يشيرون إليه بأصابعهم، حتى بعثنا الله عز وجل له من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله، فيسلمون بإسلامه حتى لم تبق دار من دور يثرب، إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام.
ثم بعثنا الله عز وجل له، فأتمرنا واجتمعنا سبعين رجلًا منا فقلنا: حتى متى ندع رسول الله -صلى الله عليه وسلم، يطرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم، فتواعدنا شعب العقبة، واجتمعنا فيه من رجل ورجلين حتى توافينا عنده، فقلنا: يا رسول الله على ما نبايعك؟ قال:
"تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى التفقد في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقوموا في الله لا تأخذكم في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب، فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، وأبناءكم وأزواجكم ولكم الجنة".
فقمنا إليه نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين رجلًا إلا أنا، فقال: رويدًا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي، إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم، وعلى قتل خياركم ومفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون على أنفسكم خيفة، فذروه هو أعذر لكم عند الله، قالوا: أمط عنا يدك يا أسعد بن زرارة، لا تذر هذه البيعة ولا نستقبلها، فقمنا إليه رجلًا رجلًا يأخذ علينا شرطه، ويعطينا على ذلك الجنة.

 

ج / 2 ص -200-        في مسجد الجعرانة1:
حدثنا أبو الوليد: حدثني جدي قال: قال لي داود بن عبد الرحمن العطار، وسألته عن حديث فقال لي: اكتب هذا الحديث، فإن أهل العراق يستطرفونه ويسألوني عنه كثيرًا.
حدثنا عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي مع حجته.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن الزنجي، عن ابن جريج قال: أخبرني زياد أن محمد بن طارق أخبره أنه اعتمر مع مجاهد من الجعرانة، فأحرم من وراء الوادي حيث الحجارة المنصوبة، قال: من ههنا أحرم النبي -صلى الله عليه وسلم، وإني لأعرف أول من اتخذ هذا المسجد على الأكمة، بناه رجل من قريش سماه، واشترى ما لا عنده نخلًا فبنى هذا المسجد، قال ابن جريج: فلقيت أنا محمد بن طارق فسألته فقال: اتفقت أنا ومجاهد بالجعرانة، فأخبرني أن المسجد الأقصى الذي من وراء الوادي بالعدوة القصوى، مصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان بالجعرانة، قال: فأما هذا المسجد الأدنى، فإنما بناه رجل من قريش واتخذ ذلك الحائط.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن عبد المجيد، عن ابن جريج عن مزاحم بن أبي مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن مخرش الكعبي أن النبي -صلى الله عليه وسلم، خرج ليلًا من الجعرانة حين المساء معتمرًا، فدخل مكة ليلًا فقضى عمرته، ثم خرج من تحت ليلته، فأصبح بالجعرانة كبائت حتى إذا زالت الشمس خرج من الجعرانة في بطن سرف، حتى جامع الطريق، طريق المدينة بسرف، قال مخرش: فلذلك خفيت عمرته على كثير من الناس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب ورقة 13.

 

 

ج / 2 ص -201-        مسجد التنعيم وما جاء فيه1:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن ابن خيثم، عن يوسف بن ماهك، عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه، عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال لعبد الرحمن:
"أردف أختك -يعني عائشة- فأعمرها2 من التنعيم فإذا أهبطت بها الأكمة فمرها فلتحرم، فإنها عمرة متقبلة".
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار، أنه سمع عمرو بن أوس يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-، يقول: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن أردف عائشة فأعمرها من التنعيم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خيثم قال: رأيت عطاء بن أبي رباح ومجاهدًا، وعبد الله بن كثير الداري، وناسًا من القراء إذا كانت ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان، خرجوا إلى خيمة جمانة فاعتمروا منها قال ابن خيثم: ثم تركوا ذلك، قال يحيى: حين كبروا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج حدثنا الحجاج بن زياد أنه رأى ابن الزبير عند خيمة جمانة وراءها شيئًا بالتنعيم اعتمر على برذون أبيض، فقلت: من معه؟ قال: معه أربعة نفر أو خمسة من الأحراس، قال الزنجي: فسألت الحجاج أنا بعد، فأخبرني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في مسجد التنعيم: عرف الطيب ورقة 13، الجامع اللطيف ص294، شفاء الغرام 1/ 429.
2 أعمر فلان فلائًا: أعانه على أداء العمرة.

 

ج / 2 ص -202-        قال: رأيت ابن الزبير يصلي في مسجد من وراء خيمة جمانة على يمينك، وأنت ذاهب فلا أراه إلا معتمرًا.
حدثنا أبو الوليد، حدثنا جدي، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: رأيت عطاء يصف الموضع الذي اعتمرت منه عائشة -رضي الله عنها، قال: فأشار إلى الموضع الذي ابتنى فيه محمد بن علي الشافعي، المسجد الذي من وراء الأكمة وهو المسجد الخراب1، قال الخزاعي: ثم عمره أبو العباس عبد الله بن محمد بن داود، وجعل على بئره قبة وهو أمير مكة، ثم بنته العجوز وجودتهوأحسنت بناءه في سنة.
ما جاء في مقبرة مكة، وفضائلها:
حدثنا أبو الوليد قال: قال جدي: لا نعلم بمكة شعبًا يستقبل ناحية من الكعبةليس فيه انحراف، إلا شعب المقبرة فإنه يستقبل وجه الكعبة كله مستقيما2.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، أخبرنا الزنجي، عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن أبي خداش، عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال:
"نعم المقبرة هذه، مقبرة أهل مكة".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل بن الوليد بن هشام، عن يحيى بن محمد بن عبد الله بن صيفي أنه قال: من قبر في هذه المقبرة بعث آمنا يوم القيامة، يعني مقبرة مكة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب ورقة 13.
2 الجامع اللطيف ص303.

 

ج / 2 ص -203-        حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني جدي عن الزنجي قال: كان أهل الجاهلية، وفي صدر الاسلام يدفنون موتاهم في شعب أبي دب، من الحجون إلى شعب الصفى صفى السباب، وفي الشعب اللاصق بثنية المدنيين الذي هو مقبرة أهل مكة اليوم، ثم تمضي المقبرة مصعدة لاصقة بالجبل إلى ثنية أذاخر بحائط خرمان، وكان يدفن في المقبرة التي عند ثنية أذاخر، آل أسيد بن أبي العيص بن أبي أمية بن عبد شمس، وفيها دفن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما، ومات بمكة في سنة أربع وسبعين، وقد أتت له أربع وثمانون، وكان نازلًا على عبد الله بن خالد بن أسيد في داره، وكان صديقًا له، فلما حضرته الوفاة أوصاه أن لا يصلي عليه الحجاج، وكان الحجاج بمكة واليًا بعد مقتل ابن الزبير فصلى عليه عبد الله بن خالد بن أسيد ليلًا، على ردم آل عبد الله عند باب دارهم، ودفنه في مقبرته هذه عند ثنية أذاخر بحائط خرمان1.
ويدفن في هذه المقبرة مع آل أسيد آل سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر مخزوم، وهم يدفنون فيها جميعًا إلى اليوم، وشعب أبي دب الذي يعمل فيه الجزارون بمكة بالمعلاة، وأبو دب رجل من بني سواة بن عامر سكنه، فسمي به، وعلى فم هذا الشعب سقيفة من حجارة بناها أبو موسى الأشعري، ونزلها حين انصرف من الحكمين، وقال: أجاور قومًا لا يعذرون، يعني أهل القبور، وقد زعم بعض المكيين أن في هذا الشعب قبر آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، أم رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: قبرها في دار رائعة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن عبد المجيد بن أبي رواد، عن ابن جريج أنه حدث عن عبد الله بن مسعود أنه قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم، يومًا وخرجنا معه حتى انتهينا إلى المقابر، فأمرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجامع اللطيف ص305.

 

ج / 2 ص -204-        انتهى إلى قبر منها فجلس إليه، فناجاه طويلًا ثم ارتفع صوته ينتحب باكيًا، فبكينا لبكاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل إلينا، فتلقاه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: ما الذي أبكاك يا رسول الله؟ فقد أبكانا وأفزعنا، فأخذ بيد عمر ثم أومأ إلينا فأتيناه، فقال: "أفزعكم بكائي؟" فقلنا: نعم يا رسول الله، فقال ذلك مرتين أو ثلاثًا ثم قال: "إن القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، ثم استأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}"، [التوبة: 113] الآية: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114] الآية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "فأخذني ما يأخذ الولد للوالد من الرقة فذلك الذي أبكاني، إلا أني قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، وأكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث، وعن نبيذ الأوعية فزوروا القبور، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة، وكلوا من لحوم الأضاحي وادخروا ما شئتم فإنما نهيت إذ الخير قليل، فوسعه الله على الناس، ألا وإن وعاء لا يحرم شيئًا وكل مسكر حرام". قال ابن جريج: وأخبرني ابن أبي مليكة في حديث رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ائتوا موتاكم فسلموا عليهم أو صلوا -شك الخزاعي- فإن لكم عبرة"، قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ورأيت عائشة أم المؤمنين تزور قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر، مات بالحبشي فلم يحمل إلى مكة، والحبشي جبل بأسفل مكة على بريد منها، وفي هذه المقبرة يقول كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي:

كم بذاك الحجون من حي صدق            من كهول أعفة وشباب

سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو              سى إلى النخل من صفي السباب

أهل دار تبايعوا للمنايا                         ما على الدهر بعدهم من عتاب

فارقوني وقد علمت يقينا                     ما لمن ذاق ميتة من إياب

 

ج / 2 ص -205-        قال أبو الوليد: فكان أهل مكة يدفنون موتاهم في جنبتي الوادي يمنة وشامة في الجاهلية وفي صدر الإسلام، ثم حول الناس جميعًا قبورهم في الشعب الأيسر لما جاء من الرواية فيه، ولقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "نعم الشعب، ونعم المقبرة". ففيه اليوم قبور أهل مكة إلا آل عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، وآل سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فهم يدفنون في المقبرة العليا بحائط خرمان.
ما جاء في مقبرة المهاجرين التي بالحصحاص1:
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: كان بمكة ناس قد دخلهم الإسلام ولم يستطيعوا الهجرة، فلما كان يوم بدر خرج بهم كرهًا فقتلوا فأنزل الله فيهم:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا، إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا، فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 97، 98]، فكتب بذلك من كان بالمدينة إلى من كان بمكة ممن أسلم، فقال رجل من بني بكر، وكان مريضًا: أخرجوني إلى الروح يريد المدينة، فخرجوا به، فلما بلغوا الحصحاص مات، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] إلى آخر الآية.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: حدثت أن سعد بن أبي وقاص اشتكى خلاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في مقبرة المهاجرين: الجامع اللطيف ص306.

 

ج / 2 ص -206-        بمكة حين ذهب إلى الطائف، فلما رجع النبي -صلى الله عليه وسلم، قال لعمرو بن القاري: "يا عمرو بن القاري إن مات فههنا"، فأشار له إلى طريق المدينة".
قال ابن جريج: وحدثث أيضًا عن نافع بن سرجس، قال: عدنا أبا واقد البكري في وجعه الذي مات فيه، فمات فدفن في قبور المهاجرين التي بفخ، قال ابن جريج: ومات ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، فدفنوا هنالك في قبور المهاجرين، قال: وتبعث تلك القبور التي دون فخ نافع بن سرجس القائل، قال ابن جريج: وما زلت أسمع، وأنا غلام أنها قبور المهاجرين.
وعن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن رجال من قومه قالوا: لما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة وكان جندع بن ضمرة بن أبي العاص رجلًا مسلمًا، فاشتكا بمكة فلما خاف على نفسه، قال: أخرجوني من مكة فإن حرها شديد، قالوا: فأين تريد؟ فأشار بيده نحو المدينة وإنما يريد الهجرة فأدركه الموت بأضاة بني غفار، فأنزل الله تعالى:
{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100]، فيقال: إنه دفن في مقبرة المهاجرين بطرف الحصحاص، وبه سميت "مقبرة المهاجرين"، قال أبو الوليد: وقبر ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم، وهي خالة عبد الله بن عباس على الثنية، التي بين وادي سرف، وبين أضاءة بني غفار ماتت بسرف فدفنت هنالك، وأضاءة بني غفار التي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل عليه السلام، وأنا بأضاءة بني غفار فقال: يا محمد إن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف فقلت: أسأل الله المعافاة، قال: فإنه يأمرك أن تقرأه على حرفين، قلت: أسأل الله المعافاة، قال: فإنه يأمرك أن تقرأه على ثلاثة أحرف، فقلت أسأل الله المعافاة، قال: فإن الله يأمرك أن تقرأه على سبعة أحرف كلها شاف كاف".
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي عن الزنجي، عن ابن جريج، عن عطاء قال: حضرت مع ابن عباس جنازة ميمونة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم بسرف، فقال ابن عباس: هذه زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فإذا رفعتم نعشها فلا تزلزلوا، ولا تزعزعوا وارفقوا إذا حملتم، فإنه كان عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسع فكان يفرض لثمان ولا يفرض لواحدة.

 

ج / 2 ص -207-        آبار مكة:
ذكر الآبار التي بمكة قبل زمزم:
حدثنا أبو الوليد، وحدثني محمد بن يحيى قال: سمعت عبد العزيز بن نمران يقول: بئر كرآدم:
بلغني أن آدم عليه السلام حين أهبط إلى مكة حفر بئرًا تسمى كرآدم1 من المفجر في شعب حواء، وأخبرني عن الثقة، عن ابن عباس -رضي الله عنه، قال: لما انتشرت قريش بمكة وكثر ساكنها، قلت عليهم المياه، واشتدت المؤنة في الماء حفرت بمكة آبارًا.
بئر رُمّ:
فحفر مرة بن كعب بن لؤي بئرًا يقال لها: رم2، وبلغني أن موضعها عند طرف الموقف بعرنة قريبًا من عرفة.
بئر خم:
قال إسحاق: وحفر كلاب بن مرة بئرًا يقال لها: خم3 كانت مشربًا للناس في الجاهلية، ويقال: إنها كانت لبني مخزوم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 4/ 96.
2 الفاكهي 4/ 97.
3 الفاكهي 4/ 97.

 

ج / 2 ص -208-        بئر العجول:
وقال بعض أهل العلم: كان قصي بن كلاب حفر بئرًا بمكة لم يحفر أول منه وكان يقال لها: العجول كان موضعها في دار أم هانئ بنت أبي طالب بالحزورة: وهي البئر التي دفع هاشم بن عبد مناف، أخا بنى ظويلم بن عمرو النصري فيها فمات، وكانت العرب إذا قدموا مكة يردونها، ويتراجزون عليها فقال قائل فيها:

أروى من العجول ثمت انطلق

إن قصيًا قد وفى وقد صدق

بالشبع للحي وري المغتبق1

بئر الردم:
وبئرًا عند الردم: لأعلى ردم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في أصل الردم، في أعلى الوادي خلف دار آل جحش بن رئاب الأسدي التي يقال لها: دار أبان بن عثمان يقال: إن قصيًا حفرها، فدثرت، وإن جبير بن مطعم بن عدي نثلها وأحياها، وعندها مسجد يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم، صلى فيه، بناه عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد.
بئر بَذَّر:
قال ابن إسحاق: وحفر هاشم بن عبد مناف بذر، وقال حين حفرها: لأجعلنها للناس بلاغًا، وهي البئر التي في حق المقوم بن عبد المطلب في ظهر دار طلوب مولاة زبيدة في أصل المستنذر، ويقال: إن قصيًا حفرها فنثلها أبو لهب، وهي التي تقول فيها بعض بنات عبد المطلب:
نحن حفرنا بذر، بجانب المستنذر، نسقي الحجيج الأكبر2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع معجم البلدان 4/ 87، وفتوح البلدان للبلاذري ق1/ 56، وأخبار مكة للفاكهي 4/ 97.
2 أخبار مكة للفاكهي 4/ 107.

 

ج / 2 ص -209-        بئر سجلة:
وذكروا أيضًا أن هاشمًا حفر سجلة1، وهي البئر التي يقال لها: بئر جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، دخلت في دار أمير المؤمنين التي بين الصفا، والمروة في أصل المسجد الحرام التي يقال لها: دار القوارير أدخلها حماد البربري حين بنى للرشيد هارون أمير المؤمنين، وكانت البئر شارعة في المسعى يقال: إن جبير بن مطعم ابتاعها من ولد هاشم، وقال بعض المكيين: وهبها له أسد بن هاشم حين ظهرت زمزم، ويقال: وهبها عبد المطلب حين حفر زمزم، واستغنى عنها للمطعم بن عدي، وأذن له أن يضع حوضًا عند زمزم من أدم يسقى فيه منها، ويسقى الحاج، وهو أثبت الأقاويل عندنا.
بئر الطوي:
وحفر عبد شمس بن عبد مناف بئرًا يقال لها: الطوي2 وموضعها في دار ابن يوسف بالبطحاء.
بئر الجفر:
وحفر أمية بن عبد شمس بئرًا يقال لها: الجفر3، وهي في وجه المسكن الذي كان لبني عبد الله بن عكرمة بن خالد بن عكرمة، المخزومي بطرف أجياد الكبير واشترى ذلك المسكن ياسر خادم زبيدة، فأدخله في المتوضآة التي عملها على باب أجياد الكبير.
بئر أم جعلان:
وكانت لبني عبد شمس بئر يقال لها: أم جعلان4 موضعها دخل في المسجد الحرام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 4/ 99.
2 الفاكهي 4/ 101.
3 أخبار مكة للفاكهي 4/ 101.
4 الفاكهي 4/ 101.

 

ج / 2 ص -210-        بئر العَلُوق:
وكانت لهم أيضًا بئر يقال لها: العلوق1 بأعلى مكة عند دار أبان بن عثمان.
بئر شُفَيَّة:
وكانت لبني أسد بن عبد العزى بئر يقال لها: شفية2 موضعها في دار أم جعفر يقال لها: بئر الأسود3.
بئر السُّنْبُلَة:
وكانت لبني جمح بئر يقال لها: السنبلة4 كانت لخلف بن وهب في خط الحزامية بأسفل مكة، قبالة دار الزبير بن العوام يقال لها اليوم: بئر أبي ويقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم، بصق فيها وأن ماءها جيد من الصداع.
بئر أم حردان:
وكانت عند ردم بني جمح بئر يقال لها: أم حردان5 ذكر أنه لا يدرى من حفرها، ثم صارت لبني جمح.
بئر رمرم:
وكانت لبني سهم بئر يقال لها: رمرم6 يقال: إنها دخلت في المسجد الحرام حين وضعه أبو جعفر أمير المؤمنين في ناحية بني سهم.
بئر الغمر:
وكانت لبني سهم أيضًا بير يقال لها: الغمر لم يذكر موضعها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 4/ 102.
2 الفاكهي 4/ 102، ولديه "ويقال: سقية".
3 الفاكهي 4/ 102.
4 الفاكهي 4/ 102.
5 الفاكهي 4/ 103.
6 لدى الفاكهي: "مرمر".

 

ج / 2 ص -211-        وقد سمعنا في البئار حديثًا جامعًا، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى، عن الواقدي، عن هشام بن عمارة، عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم قال: أخبرني أبي قال: سألني عبد الملك بن مروان: من أين كانت أولية قريش تشرب الماء قبل قصي، وكعب بن لوي؟ وعامر بن لؤي؟، قال: فقال أبي: لا تسأل عن هذا أحدًا أبدا أعلم به مني سألت عن ذلك مشيخة جلة، دخل الإسلام على أحدهم.
بئر اليُسَيْرة1:
وقد أفند فقال: كان أول من حفر بئرًا مرة، حفر بئرًا يقال لها: اليسيرة خارجة من الحرم، فكانوا يشربون منها دهرًا، إذا كثرت الأمطار شربوا، وإذا أقحطوا ذهب ماؤها، وكانوا يشربون من أغادير في رؤوس الجبال.
بئر الرواء:
ثم كان مرة حفر بئرًا أخرى يقال لها: بير الرواء2، وهما خارجتان من مكة وهما في بواديهما مما يلي عرفة، وهم يومئذ حول مكة، وخزاعة تلي البيت وأمر مكة. ثم حفر كلاب بن مرة خم ورم والجفر3، وهذه أبيار كلاب بن مرة كلها خارجًا من مكة، ثم كان قصي حين جمع قريشًا، وسميت قريش لتقرشها، وهو التجمع بعد التفرق، وأهل مكة على ما كان عليه الآباء من الشرب من رءوس الجبال، ومن هذه الآبار التي خارج من مكة، فلم يزل الأمر على ذلك حتى هلك قصي، ثم ولده من بعده يفعلون ذلك حتى هلك أعيان بني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، مثله في أخبار مكة للفاكهي 4/ 104، وفتوح البلدان للبلاذري. وفي أ، ب "السيرة".
2 أخبار مكة للفاكهي 4/ 104.
3 كذا في أ، ب: ومثله لدى الفاكهي. وفي الأصل: "الحفر"، وتحت حاء الكلمة علامة الإهمال للتأكيد.

 

ج / 2 ص -212-        قصي: عبد الدار، وعبد مناف، وعبد العزى، وعبد بنو قصي، فخلف أبناؤهم في قومهم على ما كان من فعلهم1.
فلما انتشرت قريش، وكثر ساكن مكة قلت عليهم المياه، واشتدت عليهم المؤنة، وعطش الناس بمكة أشد العطش، فكان أول من حفر عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، فحفر الطوي، وهي التي بأعلى مكة عند البيضاء دار محمد بن يوسف، وحفر هاشم بن عبد مناف بذر، وهي البئر التي عند المستنذر في خطم الخندمة على فم شعب أبي طالب، وقال حين حفرها: لأجعلنها بلاغًا للناس، وحفر هاشم سجلة، وهي بئر مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف التي يسقي عليها اليوم، قال عبد الملك: والله القديم ما تحريت الصدق لك وعليك قال: ثم ماذا؟ قال: ثم ابتاعها مطعم بن عدي من أسد بن هاشم، وبنو هاشم تزعم أن عبد المطلب بن هاشم، وهبها له حين حفر زمزم واستغنى عنها، وسأله مطعم بن عدي أن يضع حوضًا من أدم إلى جنب زمزم يسقي فيه من ماء بئره، فأذن له في ذلك وكان يفعل ذلك، قال محمد بن جبير: فكثرت المياه بمكة بعد ما حفرت زمزم، حتى روي القاطن والبادي، ودنت لها بكر وخزاعة فارتووا منها لا تنزح، قال عبد الملك: ثم ماذا؟
بئر الجفر:
قال محمد بن جبير: ثم حفر أمية بن عبد شمس الجفر لنفسه.
بئر ميمون:
وحفر ميمون بن الحضرمي حليفك بئره، وكانت آخر بئر حفرت من هذه الآبار في الجاهلية قال: رأيت2 قول الله تعالى:
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 4/ 104.
2 ب: رأيت والمثبت رواية الأصل، أ.

 

ج / 2 ص -213-        غَوْرًا} [الملك: 30] قال: يعني تلك الآبار التي كانت تغور، فيذهب ماؤها: {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30]، زمزم ماؤها معين.
قال غير محمد بن جبير: مجاهد وعطاء وغيرهما من أهل العلم في قوله تعالى:
{فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30]، قالوا: زمزم، وبئر ميمون بن الحضرمي. قال محمد بن جبير: فلما حفرت بنو عبد مناف آبارها سقوا الناس، واستقوا الناس عليها فشق ذلك على قبائل قريش ورأوا أنهم لا ذكر لهم في تلك الآبار، حفرت قريش آبارًا، وجعلوا يبتارون بها في الري والعذوبة حتى كاد أن يكون في ذلك شر طويل، فمشت في ذلك كبراء قريش فأقصر الشر، وحفرت بنو أسد بن عبد العزى شفية بير بني أسد بن عبد العزى.
بئر أم أحراد:
وحفرت بنو عبد الدار أم أحراد، وحفرت بنو جمح السنبلة، وهي بئر خلف بن وهب، وحفرت بنو سهم الغمر.
بئر السقيا:
وحفرت بنو مخزوم السقيا بئر هشام بن المغيرة.
بئر الثريا:
وحفرت بنو تيم الثريا، وهي بئر عبد الله بن جدعان.
بئر النقع:
وحفرت بنو عامر بن لؤي النقع قال عبد الملك: يا أبا سعيد إن هذا العلم لو سألت عنه جميع قومك ما عرفوه. قال محمد بن جبير: ليأتين عليهم زمان لا يعرفون ما هو أظهر من هذا، قال عبد الملك: إي والله.

 

ج / 2 ص -214-        باب الآبار التي حفرت بعد زمزم في الجاهلية:
قال أبو الوليد: الآبار التي حفرت في الجاهلية بعد زمزم بئر في دار محمد بن يوسف البيضاء، حفرها عقيل بن أبي طالب ويقال: حفرها عبد شمس بن عبد مناف، ونثلها عقيل بن أبي طالب يقال لها: الطوي1.
بئر الأسود:
وبئر الأسود بن البحترى، كانت على باب دار الأسود عند الخياطين2، دخلت في دار زبيدة الكبئرة عند الخياطين، والبئر قائمة في أسفل الدار إلى اليوم.
ركايا قدامة:
وركايا قدامة بن مظعون حذاء أضاءة النبط3 بعرنة في شقها الذي يلي مكة4 قريبًا من اليسيرة.
بئر حويطب:
وبئر حويطب بن عبد العزى في بطن وادي مكة بفناء دار حويطب5.
بئر خالصة:
والبئر التي نثلت خالصة مولاة الخيزران بالسقيا في المسيل، الذي يفرغ بين مأزمي عرفة ومسجد إبراهيم إلى هنا6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 4/ 112.
2 كذا في الأصل، ومثله لدى الفاكهي 4/ 13 وفي أ، ب: "الحناطين" بالحاء المهلمة والنون.
3 لدى الفاكهي: "القبط".
4 الفاكهي 4/ 113.
5 الفاكهي 4/ 113.
6 الفاكهي 4/ 114.

 

ج / 2 ص -215-        بئر زهير:
وبئر بأجياد في دار زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي.
ذكر الآبار الإسلامية1:
بئر الياقوتة:
قال أبو الوليد: الياقوتة التي بمنى حفرها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في خلافته، فعملها الحجاج بن يوسف بعد مقتل ابن الزبير، وضرب فيها وأحكمها.
بئر عمرو:
وبئر عمر بن عثمان بن عفان التي بمنى في شعب آل عمرو.
بئر الشركاء:
وبئر الشركاء بأجياد لبني مخزوم.
بئر عكرمة:
وبئر عكرمة بأجياد الصغير في الشعب الذي يقال له: الأيسر.
بئر الصلا:
وبئار الأسود بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي: الصلا في أصل ثنية أم قردان.
بئر الطلوب:
وبئر يقال لها: الطلوب كانت لعمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في الآبار الإسلامية: الفاكهي 4/ 114.

 

ج / 2 ص -216-        في شعب عمرو بالرمضة دون الميثب.
بئر أبي موسى:
وبئر أبي موسى الأشعري بالمعلاة على فم أبي دب بالحجون، حفرها حين انصرف من الحكمين إلى مكة.
بئر شوذب:
وبئر شوذب كانت عند باب المسجد عند باب بني شيبة، فدخلت في المسجد الحرام حين وسعه المهدي في خلافته في الزيادة الأولى سنة إحدى وستين ومائة وشوذب مولى لمعاوية بن أبي سفيان.
بئر البرود:
والبرود بفخ حفرها خراش بن أمية الخزاعي الكعبي، وله يقول الشاعر:

بين البرود وبين بلدح نلتقي1

بئر بكار:
وبئر بكار بذي طوي، عند ممادر بكار، وبكار رجل من أهل العراق كان سكن مكة وأقام بها.
بئر وردان:
وبئر وردان. ووردان مولى المطلب بن أبي وداعة بذي طوي عند سقاية سراج بفخ، وسراج مولى بني هاشم.
بئر الصلاصل:
وبئر الصلاصل بفم شعب البيعة عند العقبة، عقبة منى، ولها يقول أبو طالب:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 4/ 115.

 

ج / 2 ص -217-                         ونسلمه حتى نصرع1 حوله       ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وينهض قوم في الحديد إليكم                نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

بئر السقيا:
وبئر السقيا عند المأزمين، مأزمي عرفة عملها عبد الله بن الزبير بن العوام، رحمه الله تعالى2.
ما جاء في العيون التي أجريت في الحرم3:
حائط الحمام:
قال أبو الوليد: كان معاوية بن أبي سفيان رحمه الله قد أجرى في الحرم عيونا. واتخذ لها أخيافًا فكانت حوائط، وفيها النخل والزرع، منها حائط الحمام: وله عين وهو من حمام معاوية الذي بالمعلاة إلى موضع بركة أم جعفر، وذلك الموضع الساعة يقال له: حائط الحمام، وإنما سمي حائط الحمام؛ لأن الحمام كان في أسفله.
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم، عن أبيه عن علقمة بن نضلة قال: قال رجل من بني سليم لعمر بن الخطاب بمكة: يا أمير المؤمنين أقطعني خيف الأرين حتى أملأه عجوة، فقال له عمر: نعم، فبلغ ذلك أبا سفيان بن حرب، فقال: دعوة فليملأه ثم لينظر أينا يأكل جناه، فبلغ ذلك السلمي فتركه، وكان أبو سفيان يدعيه، فكان معاوية بعد هو الذي عمله وملأه عجوة، قال: وكان له مشرع يرده الناس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في شفاء الغرام: "يصرع".
2 الفاكهي 4/ 116.
3 انظر في ذلك: أخبار مكة للفاكهي 4/ 121.

ج / 2 ص -218-        حائط عوف:
ومنها حائط عوف موضعه من زقاق خشبة دار مبارك التركي، ودار جعفر بن سليمان، وهما اليوم من حق أم جعفر، ودار مال الله، وموضع الماجلين ماجلي أمير المؤمنين هارون الذي بأصل الحجون، فهذا كله موضع حائط عوف إلى الجبل، وكانت له عين تسقيه، وكان فيه النخل، وكان له مشرع يرده الناس.
حائط الصفي:
ومنها حائط يقال له: الصفي، موضع من دار زينب بنت سليمان، التي صارت لعمرو بن مسعدة، والدار التي فوقها إلى دار العباس بن محمد، التي بأصل نزاعة الشوى1 وكانت له عين، وكان له مشرع يرده الناس يقول فيه الشاعر:

سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو            سى إلى النخل من صفي السباب2

حائط مورِّش:
ومنها حائط يقال له حائط مورش، ومورش كان قيما عليه في موضع دار محمد بن سليمان بن علي، ودار لبابة بنت علي، ودار ابن قثم اللواتي بفم شعب الخوز، وكان فيه النخل، وكانت له عين، ومشرع يرده الناس إلى اليوم، وكان فيه النخل، والزرع حديثًا من الدهر على طريق منى وطريق العراق3.
حائط خرمان:
ومنها حائط خرمان، وهو من ثنية أذاخر إلى بيوت جعفر العلقمي، وبيوت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، ومثله لدى الفاكهي 4/ 122. وفي ب: "المشوى".
2 الفاكهي 4/ 122.
3 الفاكهي 4/ 123.

 

ج / 2 ص -219-        ابن أبي الرزام وماجله1 قايم إلى اليوم، وكان فيه النخل والزرع حديثًا من الدهر، وكانت له عين ومشرع يرده الناس2.
حائط مقيصرة:
ومنها حائط مقيصرة3، وكان موضعه نحو بركتي سليمان بن جعفر إلى قصر أمير المؤمنين المنصور أبي جعفر، وكانت له عين ومشرع، وكان فيه النخل4.
حائط حراء:
ومنها حائط حراء وضفيرته قائمة إلى اليوم، وكان فيه النخل، وكان له مشرع يرده الناس5.
حائط ابن طارق:
ومنها حائط ابن طارق بأسفل مكة، وكانت له عين تمر في بطن وادي مكة تحت الأرض، وكانت له عين ومشرع، وكان فيه النخل6.
حائط فخ:
ومنها حائط فخ وهو قائم إلى اليوم7.
حائط بلدح:
ومنها حائط بلدح8.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لدى الفاكهي: "ومدخله".
2 الفاكهي 4/ 123.
3 لدى الفاكهي: "ومقيصرة قيم كان لمعاوية فنسب إليه".
4 الفاكهي 4/ 122.
5 الفاكهي 4/ 123.
6 الفاكهي 4/ 125.
7 الفاكهي 4/ 125.
8 الفاكهي 4/ 126.

 

ج / 2 ص -220-        فهذه العيون العشرة أجراها معاوية رحمه الله تعالى، واتخذها بمكة، واتخذت بعد ذلك ببلدح عيون سواها، منها:
حائط ابن العاص:
عين سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ببلدح، وهي قائمة إلى اليوم.
حائط سفيان:
وحائط سفيان، والخيف الذي أسفل منه، وهما اليوم لأم جفعر.
وكانت عيون معاوية تلك قد انقطعت، وذهبت فأمر أمير المؤمنين الرشيد بعيون منها فعملت، وأحييت وصرفت في عين واحدة يقال لها: الرشا تسكب في الماجلين اللذين أحدهما لأمير المؤمنين الرشيد بالمعلاة، ثم تسكب في البركة التي عند المسجد الحرام، ثم كان الناس بعد يقطع هذه العيون في شدة من الماء، وكان أهل مكة، والحاج يلقون من ذلك المشقة، حتى أن الراوية لتبلغ في الموسم عشرة دراهم وأكثر وأقل الماء1.
فبلغ ذلك أم جعفر بنت أبي الفضل، جعفر بن أمير المؤمنين المنصور، فأمرت في سنة أربع وتسعين، ومائة بعمل بركتها التي بمكة فأجرت لها عينًا من الحرم فجرت بماء قليل لم يكن فيه ري لأهل مكة، وقد غرمت في ذلك غرمًا عظيمًا، فبلغها فأمرت جماعة من المهندسين أن يجروا لها عيونًا من الحل، وكان الناس يقولون: إن ماء الحل لا يدخل الحرم؛ لأنه يمر على عقاب جبال، فأرسلت بأموال عظام ثم أمرت من يزن عينها الأولى، فوجدوا فيها فسادًا فأنشأت عينًا أخرى إلى جانبها وأبطلت تلك العيون، فعملت عينها هذه بأحكم ما يكون من العمل، وعظمت في ذلك رغبتها، وحسنت نيتها فلم تزل تعمل فيها حتى بلغت ثنية خل، فإذا الماء لا يظهر في ذلك الجبل، فأمرت بالجبل فضرب فيه، وأنفقت في ذلك من الأمول ما لم يكن تطيب به نفس كثير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الماء: لم ترد في الأصل.

 

ج / 2 ص -221-        من الناس حتى أجراها الله عز وجل لها.
وأجرت فيها عيونًا من الحل منها عين من المشاش، واتخذت لها بركًا تكون السيول إذا جاءت تجتمع فيها، ثم أجرت لها عيونًا من حنين، واشترت حائط حنين فصرفت عينه إلى البركة، وجعلت حائطه سدًا يجتمع فيه السيل، فصارت لها مكرمة لم تكن لأحد قبلها، وطابت نفسها بالنفقة فيها بما لم تكن تطيب نفس أحد غيرها به، فأهل مكة، والحاج إنما يعيشون بها بعد الله عز وجل، ثم أمر أمير المؤمنين المأمون صالح بن العباس في سنة عشر، ومائتين أن يتخذ له بركًا في السوق خمسًا لئلا يتعنى أهل أسفل مكة والثنية، وأجيادين والوسط إلى بركة أم جعفر، فأجرى عينًا من بركة أم جعفر من فضل مائها في عين تسكب في بركة البطحاء، عند شعب بن يوسف في وجه دار ابن يوسف، ثم يمضي إلى بركة عند الصفا، ثم يمضي إلى بركة عند الحناطين، ثم يمضي إلى بركة بفوهة سكة الثنية ،دون دار أويس، ثم يمضي إلى بركة عند سوق الحطب بأسفل مكة، ثم يمضي في سرب ذلك إلى ما جل أبي صلاية، ثم إلى الماجلين اللذين في حائط ابن طارق بأسفل مكة، وكان صالح بن العباس لما فرغ منها ركب بوجوه الناس إليها، فوقف عليها حين جرى فيها الماء، ونحر عند كل بركة جزورًا، وقسم لحمها على الناس.

 

ج / 2 ص -222-        ربوع مكة:
ما ذكر من أمر الرباع1:
رباع قريش وحلفائها:
أولها رباع بني عبد المطلب بن هاشم، قال أبو الوليد: الدار التي صارت لابن سليم الأزرق، وهي إلى جنب دار بني مرحب، صارت لإسماعيل بن إبراهيم الحجبي، وهي قبالة دار حويطب بن عبد العزى، إلى منتهى دار إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله، فلولده الحارث بن عبد المطلب، أول ذلك الحق وهي الدار التي اشتراها ابن أبي الكلوح البصري، والحق الذي يليه، وهو الشعب شعب ابن يوسف، وبعض دار ابن يوسف لأبي طالب، والحق الذي يليه وبعض دار ابن يوسف المولد، مولد النبي -صلى الله عليه وسلم، وما حوله لأبي النبي -صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن عبد المطلب2.
والحق الذي يليه حق العباس بن عبد المطلب، وهي دار خالصة مولاة الخيزران، ثم حق المقوم بن عبد المطلب، وهي دار طلوب مولاة زبيدة، ثم حق أبي لهب وهي دار أبي يزيد اللهبي. فهذا آخر حقهم في هذا الموضع3.
وذكر غير واحد من المكيين أن الشعب الذي يقال له: شعب ابن يوسف كان لهاشم بن عبد مناف دون الناس، قالوا: وكان عبد المطلب قد قسم حقه بين ولده، ودفع إليهم ذلك في حياته حين ذهب بصره، فمن ثم صار للنبي -صلى الله عليه وسلم، حق أبيه عبد الله بن عبد المطلب، وللعباس بن عبد المطلب أيضًا، الدار التي بين الصفا والمروة، التي بيد ولد موسى بن عيسى التي إلى جنب الدار، التي بيد جعفر بن سليمان، ودار العباس هي الدار المنقوشة التي عندها العلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في الرباع: أخبار مكة للفاكهي 3/ 263.
2 الفاكهي 3/ 263.
3 الفاكهي 3/ 269.

 

ج / 2 ص -223-        الذي يسعى منه من جاء من المروة إلى الصفا بأصلها1، ويزعمون أنها كانت لهاشم بن عبد مناف، وفي دار العباس هذه حجران عظيمان يقال لهما: إساف ونائلة صنمان كانا يعبدان في الجاهلية هما في ركن الدار.
ولهم أيضًا دار أم هانئ بنت أبي طالب، التي كانت عند الخياطين2 عند المنارة فدخلت في المسجد الحرام، حين وسعه المهدي في الهدم الآخر سنة سبع وستين ومائة3.
رباع حلفاء بني هاشم:
دار الأسود بن خلف الخزاعي، وهي دار طلحة الطلحات باعها عبد الله بن القاسم بن عبيدة بن خلف الخزاعي، من جعفر بن يحيى البرمكي بثمانية آلاف4 دينار: وهي دار الإمارة التي عند الحذائين بناها حماد البربري للرشيد هارون أمير المؤمنين5.
ولهم أيضًا دار القدر، التي هي في زقاق أصحاب الشيرق6، باعها عبد الرحمن بن القاسم بن عبيدة بن خلف الخزاعي، من الفضل بن الربيع بعشرين ألف دينار7.
ولآل حكيم بن الأوقص السلمي -حلفاء بني هاشم، دار حمزة في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 720.
2 كذا في الأصل، ومثله لدى الفاكهي. وفي أ، ب: "الحناطين".
3 الفاكهي 3/ 271.
4 كذا في الأصل ومثله لدى الفاكهي، وفي أ، ب: "بمائة ألف".
5 الفاكهي 3/ 273.
6 هو دهن من السمسم، ويقال له الشيرج.
7 الفاكهي 3/ 274.

 

ج / 2 ص -224-        السويقة، ودار درهم في السويقة1.
وللملحيين الخزاعيين أيضًا دار أم إبراهيم التي في زقاق الحذائين، اشتراها معاوية منهم، وكان يقال لها: دار أوس2.
وللملحيين أيضًا: دار ابن ماهان في زقاق الحذائين3.
ولبني عتوارة من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة، دار عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق، ومن دار الطلحيين التي بالبطحاء إلى باب شعب بن عامر، فذلك الربع لهم أيضًا4.
رباع بني عبد المطلب بن عبد مناف:
الدار التي بفوهة شعب ابن عامر يقال لها: دار قيس بن مخرمة، كانت لهم جاهلية5.
وزعم بعض الناس أن دار عمرو بن سعيد بن العاص، التي في ظهر دار سعيد كانت لهم فخرجت من أيديهم6، وقال غير هؤلاء: بل كانت هذه الدار لقوم من بني بكر، وهم أخوال سعيد بن العاص فاشتراها منهم، وهو أشهر القولين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 274.
2 الفاكهي 3/ 274.
3 الفاكهي 3/ 274.
4 الفاكهي 3/ 274.
5 الفاكهي 3/ 275.
6 الفاكهي 3/ 275.

 

ج / 2 ص -225-        رباع حلفائهم:
لآل عتبة بن فرقد السلمي: دارهم وربعهم التي عند المروة، وهو شق المروة السوداء دار الحرشي المنقوشة، وزقاق آل أبي ميسرة يقال لها: دار ابن فرقد1.
رباع بني عبد شمس بن عبد مناف:
لآل حرب بن أمية بن عبد شمس: دار أبي سفيان بن حرب، التي بين الدارين يقال لها: دار ريطة ابنة أبي العباس، وهي الدار التي قال النبي -صلى الله عليه وسلم، يوم الفتح: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن2.
 حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم عن أبيه، عن علقمة بن نضلة قال: اصعد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، المعلاة في بعض حاجته فمر بأبي سفيان بن حرب، يهني جملًا له، فنظر إلى أحجار قد بناها أبو سفيان شبه الدكان في وجه داره يجلس عليه في فيء الغداة، فقال له عمر: يا أبا سفيان ما هذا البناء الذي أحدثته في طريق الحاج؟ فقال أبو سفيان: دكان نجلس عليه في فيء الغداة، فقال له عمر: لا أرجع من وجهي هذا حتى تقلعه وترفعه، فبلغ عمر حاجته، فجاء والدكان على حاله، فقال له عمر: ألم أقل لك لا أرجع حتى تقلعه؟ قال أبو سفيان: انتظرت يا أمير المؤمنين أن يأتينا بعض أهل مهنتنا، فيقلعه ويرفعه فقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 276.
2 الفاكهي 3/ 277.

 

ج / 2 ص -226-        عمر -رضي الله عنه: عزمت عليك لتقلعنه بيدك، ولتنقلنه على عنقك، فلم يراجعه أبو سفيان حتى قلعه بيده، ونقل الحجارة على عنقه، وجعل يطرحها في الدار، فخرجت إليه هند ابنة عتبة، فقالت: يا عمر أمثل أبي سفيان تكلفه هذا وتعجله عن أن يأتيه بعض أهل مهنته! فطعن بمخصرة كانت في يده في خمارها فقالت هند ونقحتها بيدها: إليك عني يابن الخطاب، فلو في غير هذا اليوم تفعل هذا لاضطمت عليك الأخاشب، قال: فلما قلع أبو سفيان الحجارة ونقلها، استقبل عمر القبلة وقال: الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله؛ عمر بن الخطاب رجل من بني عدي بن كعب، يأمر أبا سفيان بن حرب سيد بني عبد مناف بمكة، فيطيعه ثم ولى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني سليمان بن حرب بإسناد له قال: كان المسلمون يرون للسلطان عزمة، فلقب أهل الكوفة سعيد بن العاص في إمارة عثمان بن عفان أشعر بركا، فقام فصعد المنبر فقال: عزمت على من كان لي عليه سمع وطاعة، سماني أشعر بركا، إلا قام، فقام الذي سماه، فقال: أيها الأمير من الذي يجترئ أن يقوم فيقول: أنا الذي سميتك أشعر بركا، وأشار إلى صدره أو إلى نفسه.
حدثنا أبو الوليد، وحدثني جدي، حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم بن عقبة، عن أبيه عن علقمة بن نضلة قال: وقف أبو سفيان بن حرب على ردم الحذاءين، فضرب برجله فقال: سنام الأرض إن لها سنامًا، زعم ابن فرقد، يعني عتبة بن فرقد السلمي، أني لأعرف حقي من حقه، له سواد المروة، ولي بياضها، ولي ما بين مقامي هذا إلى تجنى، وتجنى ثنية قريبة من الطائف، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، فقال: إن أبا سفيان لقديم الظلم ليس لأحد حق إلا ما أحاطت عليه جدراته1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 227-278.

 

ج / 2 ص -227-        حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: ابتنى معاوية بمكة دورًا منها الست المتقاطرة ليس لأحد بينها فصل1، أولها دار البيضاء التي على المروة، وبابها من ناحية المروة، ووجهها شارع على الطريق العظمى بين الدارين، وكانت فيها طريق إلى جبل الديلمي، فلم تزل حتى أقطعها العباس بن محمد بن علي فسد تلك الطريق، فهي مسدودة إلى اليوم، ثم قبضت بعد من العباس بن محمد، فهي في الصوافي، وإنما سميت دار البيضاء أنها بنيت بالجص ثم طليت به، فكانت كلها بيضاء، وجدر الدار الرقطاء إلى جنبها، وإنما سميت الرقطاء؛ لأنها بنيت بالآجر الأحمر، والجص الأبيض فكانت رقطاء، ثم كانت قد أقطعها الغطريف بن عطاء، ثم قبضت منه، فهي اليوم في الصوافي2.
ودار المراجل، تلي دار الرقطاء بينهما الطريق إلى جبل الديلمي، وإنما سميت دار المراجل؛ لأنها كانت فيها قدور من صفر لمعاوية يطبخ فيها طعام الحاج، وطعام شهر رمضان، فصارت دار المراجل لولد سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس أقطعها3، ويقال: إنها كانت لآل المؤمل الندويين فابتاعها منهم معاوية4.
ويقال: إن دار الرقطاء والبيضاء كانتا لآل أسيد بن أبي العيص بن أمية، فابتاعها منهم معاوية.
ودار ببة5 إلى جنب دار المراجل على رأس الردم، ردم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، وببة عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وهي الدار التي صارت لعيسى بن موسى6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في أ، ب ومثله لدى الفاكهي، وفي الأصل: "وصل".
2 الفاكهي 3/ 287.
3 الفاكهي 3/ 287.
4 الفاكهي 3/ 287.
5 صحابي، أخو معاوية لأمه.
6 الفاكهي 3/ 288.

 

ج / 2 ص -228-        ودار سلم1 ابن زياد، وهي التي إلى جنب دار ببة، وسلم بن زياد كان قيمًا عليها وكان يسكنها، ودار الحمام وهي التي إلى جنب دار سلمة بينهما زقاق النار، يقال: إن دار الحمام كانت لعبد الله بن عامر بن كريز، فناقله بها معاوية إلى دار ابن عامر التي في الشعب، شعب ابن عامر2.
ودار رابعة3 وهي مقابل دار الحمام، وهي التي في وجهها دور بني غزوان بأصل قرن مسقلة، ودار أوس، وهي الدار التي يدخل إليها من زقاق الحذاءين يقال لها اليوم: دار سلسبيل، يعني أم زبيدة، كانت لآل أوس الخزاعي، فابتاعها منهم معاوية وبناها4.
ودار سعد، وسعد هذا هو سعد القصير5، غلام معاوية كان بناها سعد بالحجارة المنقوشة فيها التماثيل مصورة في الحجارة، وكانت فيها طريق تمر فيها المحامل والقباب من السويقة إلى المروة، وكان بينها وبين دار عيسى بن علي، ودار سلسبيل طريق في زقاق ضيق، فصارت لعبد الله بن مالك بن الهيثم الخزاعي، فهدمها وسد الطريق التي كانت في بطنها، وأخرج للناس طريقًا تمر بها المحامل والقباب، فكان الزقاق الضيق بينها6، وبين دار سلسبيل أم زبيدة، ودار عيسى بن علي، وهي دار عبد الله بن مالك، التي إلى جنب دار عيسى بن علي في زقاق الجزارين، وقد زعم بعض الناس أنها كانت لسعد بن أبي طلحة بن عبد العزى العبدري، وكان معاوية اشتراها منهم7.
ودار الشعب بالثنية عند الدارين8 يقال لها اليوم: دار الزنج، ويقال: إنها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تحرف في ب إلى "سلمة".
2 الفاكهي 3/ 289.
3 كذا في الأصل، ومثله لدى الفاكهي. وفي أ، ب "رابغة" بالغين المعجمة.
4 الفاكهي 3/ 288.
5 لدى الفاكهي: "القصر".
6 كذا في الأصل، أ، ومثله لدى الفاكهي. وفي ب: "بينهما".
7 الفاكهي 3/ 290.
8 في الأصل: "المدارين".

 

ج / 2 ص -229-        كانت من حق بني عدي، ويقال: انها كانت لبني جمح، فابتاعها منهم معاوية وبناها.
ودار جعفر بالثنية أيضًا إلى جنب دار عمرو بن عثمان فيها طريق مسلوكة يقال: إنها كانت لبني عدي ويقال: لبني هاشم فابتاعها منهم وبناها.
ودار البخاتي في خط الحزامية كانت فيها بخاتي معاوية، إذا حج وفيها بئر وهي اليوم لولد أبي عبد الله الكاتب.
ودار الحدادين التي بسوق الليل مقابل سوق الفاكهة، وسوق الرطب في الزقاق الذي بين دار حويطب، ودار ابن أخي سفيان بن عيينة التي بناها، ودار الحدادين هذه كانت فيما مضى يقال لها: دار مال الله كان يكون فيها المرضى وطعام مال الله1.
حدثني أبو الوليد قال: حدثني حمزة بن عبد الله بن حمزة بن عتبة، عن أبيه قال: أدركت فيها المرضى، وما نعرفها إلا بدار مال الله، وهي من رباع بني عامر ابن لؤي فابتاعها منهم معاوية.
ولآل حرب أيضًا دار لبابة ابنة علي بن عبد الله ابن عباس، التي عند القواسين كانت لحنظلة بن أبي سفيان، وهي لهم ربع جاهلي2.
ودار زياد، وكان موضعها رحبة بين دار أبي سفيان، ودار حنظلة بن أبي سفيان في وجه دار سعيد بن العاص، ودار الحكم بن أبي العاص، وكانت تلك الرحبة يقال لها: بين الدارين يعنون دار أبي سفيان، ودار حنظلة بن أبي سفيان، وكانت إذا قدمت العير من السراة والطائف، وغير ذلك تحمل الحنطة، والحبوب والسمن، والعسل تحط بين الدارين وتباع فيها، فلما استلحق معاوية زياد بن سمية خطب إلى سعيد بن العاص أخته، فرده فشكاه إلى معاوية،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 289.
2 الفاكهي 3/ 288.

 

ج / 2 ص -230-        فقال معاوية لزياد بن سمية: لأقطعنك أشرف ربع مكة، ولأسدن عليه وجه داره، فأقطعه هذه الرحبة فسدت وجه دار سعيد، ووجه دار الحكم فتكلم مروان في دار الحكم، حين سدوا وجهها وبقيت بغير طريق، فترك له تسعة أذرع قدر ما يمر فيه حمل حطب، ولم يترك لسعيد من الطريق إلا نحوًا من ثلاثة أذرع لا يمرها حمل حطب1.
وكان يقال: لدار زياد هذه دار الصرارة، وكانت من دور معاوية دار الديلمي التي على الجبل الديلمي، وإنما سميت دار الديلمي أن غلامًا لمعاوية يقال له: الديلمي هو الذي بناها، والدار التي في السويقة يقال لها: دار حمزة تصل حق آل نافع بن عبد الحارث الخزاعي، اشتراها من آل أبي الأعور السلمي، فكانت له حتى كانت فتنة ابن الزبير، فاصطفاها ووهبها لابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير، فيه تعرف اليوم بدار حمزة، وهي اليوم في الصوافي2.
رباع آل سعيد بن العاص بن أمية:
قال أبو الوليد: دار أبي أحيحة سعيد بن العاص، التي إلى جنب دار الحكم، وهي لهم ربع جاهلي، ولهم دار عمرو بن سعيد الأشدق وهي شرى، كانت لقوم من بني بكر، وهم أخوال سعيد بن العاص.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 288.
2 الفاكهي 3/ 296.

 

ج / 2 ص -231-        ربع آل أبي العاص بن أمية:
لآل عثمان بن عفان دار الحناطين، التي يقال لها: دار عمرو بن عثمان، ذكر بعض المكيين أنها كانت لآل السباق بن عبد الدار، وقال بعضهم: كانت لآل أمية بن المغيرة، ودار عمرو بن عثمان التي بالثنية يقال: إنها كانت لآل قدامة بن مظعون الجمحي، ولآل الحكم بن أبي العاص، دار الحكم التي إلى جنب دار سعيد بن العاص بين الدارين، بنحر طريق من سلك من زقاق الحكم، ويقال: إن دار الحكم هذه كانت لوهب بن عبد مناف بن زهرة، جد رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أبي أمه فصارت لأمية بن عبد شمس، أخذها عقلًا في ضرب إليته، ولتلك الضربة قصة مكتوبة.
ولهم دار عمر بن عبد العزيز، كانت لناس من بني الحارث بن عبد مناف، ثم اشتراها عمر وأمر ببنائها وهو وال على مكة، والمدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك، فمات الوليد بن عبد الملك قبل أن يفرغ منها، فأمر عمر بن عبد العزيز بإتمام بنائها، وكان بناؤها للوليد من ماله، فلما أن فرغ منها عمر بن عبد العزيز، قدم في الموسم وهو والي الحج في خلافة سليمان، فلما نظر إليها لم ينزلها، ثم تصدق بها على الحجاج، والمعتمرين وكتب في صدقتها كتابًا، وأشهد عليه شهودًا، ووضعه في خزانة الكعبة عند الحجبة، وأمرهم بالقيام عليها، وأسكنها الحاج والمعتمرين، فكانوا يفعلون ذلك1.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: أخبرني عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة، عن أبيه بهذه القصة كلها، وكان صديقًا لعمر بن عبد العزيز عالمًا بأمره، قال أبو الوليد: قال لي جدي: فلم تزل تلك الدار في يد الحجبة يلونها، ويقومون عليها حتى قبضت أموال بني أمية، فقبضت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 291.

 

ج / 2 ص -232-        فيما قبض فأقطعها أبو جعفر أمير المؤمنين، يزيد بن منصور الحجبي الحميري خال المهدي، فلما استخلف المهدي قبضها من يزيد بن منصور، وردها على ولد عمر بن عبد العزيز فأسلموها إلى الحجبة، فلم تزل بأيديهم على ما كانت عليه.
قال أبو الوليد: وأخبرني جدي قال: ففيها عمل تابوت الكعبة الكبير، وهي في أيدي الحجبة، ثم تكلم فيها ولد يزيد من منصور في خلافة الرشيد هارون، أمير المؤمنين، فردت عليهم ثم باعوها، فاشتراها أمير المؤمنين الرشيد، ثم ردت أيضًا في خلافة الرشيد إلى الحجبة، فكانت في أيديهم حتى قبضها حماد البربري، فلم تزل في الصوافي حتى ردها المعتصم بالله أبو إسحاق أمير المؤمنين، على ولد عمر بن عبد العزيز في سنة سبع وعشرين ومائتين، وهي في يد ولد عمر بن عبد العزيز اليوم، ودار مروان بن محمد بن مروان بالثنية، كانت شري من بني سهم1.
ربع آل اسيد بن أبي العيص:
لهم دار عبد الله بن خالد بن أسيد، التي كانت على الردم الأدنى2، ردم آل عبد الله، وهي لهم ربع جاهلي3.
ولهم الدار التي فوقها على رأس الردم، بينها وبين دار عبد الله، زقاق بن هربد4، وهذه الدار لأبي عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وهو ربع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 291.
2 لدى الفاكهي: "الأعلى".
3 الفاكهي 3/ 278.
4 الفاكهي 3/ 279.

 

ج / 2 ص -233-        عتاب بن أسيد، والدار التي وراء دار عثمان في الزقاق، وكان على بابها كتاب أبي عمر المعلم لهم أيضًا شرى.
ولهم دار حماد البربري، التي إلى جنب دار لبابة، كانت لولد عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد فباعوها، ولهم دار الحارث، ودار الحصين اللتان بالمعلاة في سوق ساعة، عند فوهة شعب ابن عامر، والحصين بن عبد الله بن خالد بن أسيد.
ربع آل ربيعة بن عبد شمس:
لهم دار عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، التي بين دار أبي سفيان ودار ابن علقمة، ثم كانت قد صارت للوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فبناها بناءها الذي هو قائم إلى اليوم، ويقال: كان فيها حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي، الذي كانت قريش أمرته على سقائها، وهو الذي يقول فيه الحارث بن أمية الأصغر:

أقرر بالأباطح كل يوم                      مخافة أن يشردني حكيم1

قال أبو الوليد: قال جدي: هذه الدار هي دار عتبة بن ربيعة، التي كان يسكن في الجاهلية، ودار عتبة بن ربيعة أيضًا بأجياد الكبير في ظهر دار خالد بن العاص بن هشام المخزومي، وهي دار موسى بن عيسى، التي عملت متوضآت لأمير المؤمنين يقال: إنها كانت لعبد شمس بن عبد مناف2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 281.
2 الفاكهي 3/ 279.

 

ج / 2 ص -234-        ولآل عدي بن ربيعة بن عبد شمس:
الدار التي صارت لجعفر بن يحيى بن خالد بن برمك بفوهة أجياد الكبير، عمرها جعفر بن يحيى بالحجر المنقوش والساج، اشتراها جعفر بن يحيى من أم السائب بنت جميع الأموية بثمانين ألف دينار، وكانت هذه الدار لأبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، زوج زينب بنت النبي -صلى الله عليه وسلم، وفيها ابتنى بزينب ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أهدتها إليها أمها خديجة بنت خويلد، وفيها ولدت ابنته أمامة بنت زينب، فلما أسلم وهاجر أخذها بنو عمه، مع ما أخذوا من رباع المهاجرين.
ربع آل عقبة بن أبي معيط:
الدار التي يقال لها: دار الهرابذة من الزقاق، الذي يخرج على النجارين، يلي ربع كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، إلى المسكن الذي صار لعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، إلى الزقاق الآخر الأسفل، الذي يخرج على البطحاء أيضًا عند حمام بن عمران العطار، فذلك الربع يقال له: ربع أبي معيط.
ربع كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس:
قال أبو الوليد: الدار التي في ظهر دار أبان بن عثمان، مما يلي الوادي عند النجارين إلى زقاق بن هربذ، وإلى ربع أبي معيط، فذلك الربع ربع كريز بن

 

ج / 2 ص -235-        ربيعة بن حبيب بن عبد شمس في الجاهلية، ولعبد الله بن عامر بن كريز داره التي في الشعب، والشعب كله من ربعه من دار قيس بن مخرمة إلى دار حجير، ما وراء دار حجير إلى ثنية أبي مرحب إلى موضع، نادر من الجبل كالمنحوت، وهو قائم إلى اليوم شبه الميل يقال: إن ذلك كان علمًا بين معاوية، وبين عبد الله بن عامر، فما وراء ذلك إلى الشعب، هو لعبد الله بن عامر، وما كان في وجهه مما يلي حائط عوف بن مالك، فذلك لمعاوية رحمه الله1.
ولولد أمية بن عبد شمس الأصغر:
الدار التي بأجياد الكبير عند الحواتين يقال لها: دار عبلة في ظهرها دار الدومة، فهذه الدار للحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس، زعم بعض المكيين أنها كانت لأبي جهل بن هشام، فوهبها للحارث بن أمية على شعر قاله فيه، وقال بعضهم: اشتراها منه بزق خمر2.
وللعبلات أيضًا حق بالثنية، في حق بني عدي في مهبط الخزنة3.
ولآل سمرة بن حبيب بن عبد شمس داران بأسفل مكة عند خيام عنقود، وعنقود: إنسان كان يبيع الرءوس هنالك4.
ولهم أيضًا دار بأعلى مكة في وجه شعب بن عامر، مقابل زقاق النار في موضع سوق الغنم القديم، يقال لها اليوم: دار سمرة5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 283-284.
2 الفاكهي 3/ 281.
3 الفاكهي 3/ 281.
4 الفاكهي 3/ 284.
5 الفاكهي 3/ 284.

 

ج / 2 ص -236-        رباع حلفاء بني عبد شمس:
دار جحش بن رئاب الأسدي، هي الدار التي بالمعلاة عند ردم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، يقال لها: دار أبان بن عثمان عندها الرواسون، فلم تزل هذه الدار في أيدي ولد جحش، وهم بنو عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أمهم أميمة1 بنت عبد المطلب2.
فلما أذن الله عز وجل لنبيه -صلى الله عليه وسلم، وأصحابه في الهجرة إلى المدينة، خرج آل جحش جميعًا الرجال، والنساء إلى المدينة مهاجرين، وتركوا دارهم خالية، وهم حلفاء حرب بن أمية بن عبد شمس، فعمد أبو سفيان بن حرب إلى دارهم هذه، فباعها بأربعمائة دينار من عمرو بن علقمة العامري من بني عامر بن لؤي، فلما بلغ آل جحش أن أبا سفيان، قد باع دارهم أنشأ أبو أحمد بن جحش يهجو أبا سفيان ويعيره ببيعها، وكانت تحته الفارعة بنت أبي سفيان:

أبلغ أبا سفيان عن                             أمر في عواقبه ندامه

دار ابن أختك بعتها                             تقضي بها عنك الغرامه

وحليفكم باللّه رب                              الناس مجتهد القسامه

اذهب بها، اذهب بها                           طوقتها طوق الحمامه3

فلما كان يوم فتح مكة، أتى أبو أحمد بن جحش، وقد ذهب بصره إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فكلمه فيها، وقال: يا رسول الله، إن أبا سفيان عمد إلى دارنا فباعها، فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فساره بشيء، فما سمع أبو أحمد بعد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تحرف في ب إلى "أمية"، وصوابه من الأصل، أ، والفاكهي وسيرة ابن هشام.
2 الفاكهي 3/ 292.
3 الفاكهي 3/ 293-294. وسيرة بن هشام 2/ 500.

 

ج / 2 ص -237-        ذلك ذكرها بشيء، فقيل لأبي أحمد بعد ذلك: ما قال لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال لي: "إن صبرت كان خيرًا لك، وكانت لك بها دار في الجنة"، قال: قلت أنا أصبر، فتركها أبو أحمد1، ثم اشتراها بعد ذلك يعلى بن منبه2 التميمي، حليف بني نوفل بن عبد مناف فكانت له3.
وكان عثمان بن عفان قد استعمله على صنعاء، ثم عزله وقاسمه ماله كله كما كان عمر يفعل بالعمال إذا عزلهم، قاسمهم أموالهم، فقال له عثمان: حين عزله يا أبا عبد الله كم لك بمكة من الدور؟ فقال: لي بها دور أربع، قال: فإني مخيرك ثم اختار قال: افعل ما شئت يا أمير المؤمنين، فاختار يعلى دار غزوان بن جابر بن شبيب بن عتبة بن غزوان، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ذات الوجهين التي كانت بباب المسجد الأعظم الذي يقال له: باب بني شيبة، وكان عتبة بن غزوان لما هاجر دفعها إلى أمية بن أبي عبيدة بن همام بن يعلى بن منبه، فلما كان عام الفتح، وكلم بنو جحش بن رئاب الأسدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم، في دارهم، فكره لهم أن يرجعوا في شيء من أموالهم أخذ منهم في الله تعالى، وهجروه لله أمسك عتبة بن غزوان، عن كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم، في دار هذه ذات الوجهين، وسكت المهاجرون فلم يتكلم أحد منهم في دار هجرها لله سبحانه4.
وسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم، عن مسكنيه كليهما، مسكنه الذي ولد فيه، ومسكنه الذي ابتنى فيه بخديجة بنت خويلد، وولد فيه ولده جميعًا، وكان عقيل بن أبي طالب أخذ مسكنه الذي ولد فيه.
وأما بيت خديجة، فأخذه معتب بن أبي لهب، وكان أقرب الناس إليه جوارًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 292.
2 تحرف في أ، ب إلى: "منبه" بالباء. وصوابه من الأصل، وجمهرة ابن حزم، ص 229 ومنيه: أمه.
3 الفاكهي 3/ 293.
4 الفاكهي 3/ 297.

 

ج / 2 ص -238-        فباعه بعد من معاوية بمائة ألف درهم، وكان عتبة بن غزوان يبلغه عن يعلى أنه يفخر بداره فيقول: والله لا ظني، سآتي دل بن علي فآخذ داري منه، فصارت دار آل جحش بن رئاب لعثمان بن عفان، حين قاسم يعلى دوره، فكانت في يد عثمان وولده لم تخرج من أيديهم من يومئذ، وإنما سميت دار أبان؛ لأن أبان بن عثمان كان ينزلها في الحج والعمرة، إذا قدم مكة فلذلك سميت به، وقال أبو أحمد بن جحش بن رئاب يذكر الذي بينه، وبين بني أمية من الرحم والصهر، والحلف وكان حليفهم، وأمه أميمة بنت عبد المطلب، وكانت تحته الفارعة بنت أبي سفيان، فقال أبو أحمد بن جحش بن رئاب:

أبني أمية كيف أظلم فيكم                     وأنا ابنكم وحليفكم في العسر

لا تنقضوا حلفي وقد حالفتكم                 عند الجمار عشية النفر

وعقدت حبلكم بحبلي جاهدًا                 وأخذت منكم أوثق النذر

ولقد دعاني غيركم فأبيتهم                    وذخرتكم لنوائب الدهر

فوصلتم رحمي بحقن دمي                    ومنعتم عظمي من الكسر

لكم الوفاء وأنتم أهل له                         إذ في سواكم أقبح الغدر1

منع الرقاد فما أغمض ساعة                   هم يضيق بذكره صدري2

قال: ولآل جحش بن رئاب أيضًا الدار، التي بالثنية في حق آل مطيع بن الأسود، ويقال لها: دار كثير بن الصلت دار الطاقة، ابتاعها كثير بن الصلت من آل جحش بن رئاب في الإسلام3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصول، ولدى الفاكهي: "إذ في بيوت سواكم [ ] الغدر"، وعلق محققه على ما بين حاصرتين بقوله: سقطت من هنا لفظة لم أعرفها. وهكذاأجاء البيت في المنمق ص287، وجاء عند الأزرقي: "إذا في سواكم أقبح الغدر"، ثم قال ولا يستقيم الوزن على الروايتين.
قلت: ما عند الأزرقي صواب، والأبيات من الكامل.
3 الفاكهي 3/ 294.
3 الفاكهي 3/ 296.

 

ج / 2 ص -239-        ربع آل الأزرق بن عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني، حليف المغيرة بن أبي العاص بن أمية:
دار الأزرق دخلت في المسجد الحرام1، كانت إلى جنب المسجد جدرها وجدر المسجد واحد، وكان وجهها شارعًا على باب بني شيبة، إذ كان المسجد متقدمًا لاصقًا بالكعبة، وكانت على يسار من دخل المسجد بجنب دار خيرة بنت سباع الخزاعية دار خيرة في ظهرها، وكان عقبة بن الأزرق، يضع على جدرها مما يلي الكعبة مصباحًا عظيمًا، فكان أول من استصبح لأهل الطواف حتى استخلف معاوية، فأجرى للمسجد قناديل، وزيتًا من بيت المال فكانوا يثقبون تحت الظلال، وهذا المصباح يضيء لأهل الطواف، فلم يزالوا يستصبحون فيه لأهل الطواف، حتى ولي خالد بن عبد الله القسري لعبد الملك بن مروان، فكان قد وضع مصباح زمزم، الذي مقابل الركن الأسود، وهو أول من وضعه، فلما وضعه منع آل عقبة بن الأزرق، أن يصبحوا على دارهم فنزع ذلك المصباح، فلم تزل تلك الدار بأيديهم، وهي لهم ربع جاهلي حتى وسع ابن الزبير المسجد ليالي فتنة ابن الزبير، فأدخل بعض دارهم في المسجد واشتراه منهم بثمانية عشر ألف دينار، وكتب لهم بالثمن كتابًا إلى مصعب بن الزبير بالعراق.
فخرج بعض آل عقبة بن الأزرق إلى مصعب، فوجدوا عبد الملك بن مروان قد نزل به يقاتله، فلم يلبث أن قتل مصعب فرجعوا إلى مكة، فكلموا عبد الله بن الزبير فكان يعدهم حتى نزل به الحجاج، فحاصره وشغل عن إعطائهم، فقتل قبل أن يأخذوا شيئًا من ثمنها.
فلما قتل كلموا الحجاج في ثمن دارهم، وقالوا: إن ابن الزبير اشتراها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 297.

 

ج / 2 ص -240-        للمسجد، فأبى أن يعطيهم شيئًا وقال: لا والله لا بردت عن ابن الزبير هو ظلمكم، فادعوا عليه فلو شاء أن يعطيكم لفعل، فلم تزل بقيتها في أيديهم، حتى وسع المهدي أمير المؤمنين المسجد الحرام، فدخلت فيه فاشتراها منهم بنحو من عشرين ألف دينار، فاشتروا بثمنها دورًا بمكة عرضًا منها، وكانت صدقة محرمة، فتلك الدور اليوم في أيديهم، وكان دخولها في المسجد الحرام في سنة إحدى وستين ومائة.
ولآل الأزرق بن عمرو أيضًا دارهم، التي عند المروة إلى جنب دار طلحة بن داود الحضرمي، يقال لها: دار الأزرق وهي في أيديهم إلى اليوم، وهي لهم ربع جاهلي1، وهم يروون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخلها على الأزرق بن عمرو عام الفتح، وجاءه في حاحة فقضاها له، وكتب له كتابًا أن يتزوج الأزرق في أي قبائل قريش شاء وولده، وذلك الكتاب مكتوب في أديم أحمر، فلم يزل ذلك الكتاب عندهم، حتى دخل عليهم السيل في دارهم، التي دخلت في المسجد الحرام سيل الجحاف في سنة ثمانين، فذهب بمتاعهم وذهب ذلك الكتاب في السيل، وذلك أن الأزرق قال له: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، إني رجل لا عشيرة لي بمكة، وإنما قدمت من الشام وبها أصلي وعشيرتي، وقد اخترت المقام بمكة فكتب له ذلك الكتاب.
ربع أبي الأعور:
قال أبو الوليد: ربع أبي الأعور السلمي، واسمه عمرو بن سفيان بن قايف بن الأوقص، الدار التي تصل حق آل نافع بن عبد الحارث الخزاعي، وهذه الدار شارعة في السويقة، البئر التي في بطن السويقة بأصلها يقال لها: دار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 298.

 

ج / 2 ص -241-        حمزة، وهي من دور معاوية كان اشتراها من آل أبي الأعور السلمي، فلما كانت فتنة ابن الزبير اصطفاها في أموال معاوية، فوهبها لابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير، فبه تعرف اليوم، وهي اليوم في الصوافي.
ودار يعلى بن منبه كانت في فناء المسجد الحرام، يقال لها ذات الوجهين كان لها بابان، وكان فيها العطارون، وكانت مما يلي دار بني شيبة دخلت في المسجد الحرام، حين وسعه المهدي سنة إحدى وستين ومائة، وكانت هذه الدار لعتبة بن غزوان حليف بني نوفل، فلما هاجروا أخذها يعلى بن منبه، وكان استوصاه بها حين هاجر، فلما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح، فتكلم أبو أحمد بن جحش في داره، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما قال، وكره أن يرجعوا في شيء هجروه لله تعالى وتركوه، فسكت عنها عتبة بن غزوان.
وكان ليعلى بن منبه أيضًا داره، التي في الحناطين، ابتاعها من آل صيفي فأخرجه منها الذر، وهي الدار التي صارت لزبيدة بلصق المسجد الحرام عند الحناطين1.
ربع آل داود بن الحضرمي، واسم الحضرمي عبد الله بن عمار، حليف عتبة بن ربيعة:
قال أبو الوليد: لهم داراهم التي عند المروة يقال لها: دار طلحة بين دار الأزرق بن عمرو الغساني، ودار عتبة بن فرقد السلمي2.
ولهم أيضًا الدار التي إلى جنب هذه الدار عند باب دار الأزرق أيضًا يقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 298 ولديه: "الخياطين"، والذر: صغار النمل.
2 الفاكهي 3/ 298.

 

ج / 2 ص -242-        لها: دار حفصة، ويقال لها: دار الزوراء1.
ومن رباعهم أيضًا الدار التي عند المروة في صف دار عمر بن عبد العزيز، ووجهها شارع على المروة، الحجامون في وجهها2، وهي اليوم في الصوافي اشتراها بعض السلاطين3، اشترتها رملة بنت عبد الله بن عبد الملك بن مروان، وزوجها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان، فتصدقت بها ليسكنها الحاج والمعتمرون، وكان في دهليز دارها هذه شراب من أسوقة محلاة، ومحمضة تسقي فيها في الموسم، وكان لهشام بن عبد الملك، وهو خليفة شراب من أسوقة محمضة ومحلاة، يسقي في الموسم على المروة في فسطاط في موضع الجنبذ، الذي يسقي فيه الماء على المروة، فمنع محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي، خال هشام بن عبد الملك بن مروان، وهو أمير على مكة رملة بنت عبد الله بن عبد الملك أن تسقي على المروة شرابها، فشكت ذلك إلى عمها هشام بن عبد الملك فكتب لها: إذا انقضى الحاج أن تسقى في الصدر، فلم تزل تلك الدار يسقى فيها شراب رملة من وقوف وقفتها عليها بالشام، ويسكن هذه الدار الحاج والمعتمرون، حتى اصطفيت حين خرجت الخلافة من بني مروان، وهذه الدار من دار عمر بن عبد العزيز إلى حق أم أنمار القارية.
والدار التي على ردم آل عبد الله عندها الحمارون، بلصق دار آل جحش بن رئاب، وهي بيوت صغار كانت لقوم من الأزد يقال لهم: البراهمة، ومسكنهم السراة، وهم حلفاء آل جرب بن أمية، فاشتراها منهم خالد بن عبد الله القسري، فهي تعرف اليوم بدار القسري ثم اصطفيت4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 299.
2 عند الفاكهي: "في دبرها".
3 الفاكهي 3/ 299.
4 الفاكهي 3/ 299.

 

ج / 2 ص -243-        رباع بني نوفل بن عبد مناف:
قال أبو الوليد: كانت لهم دار جبير بن مطعم، عند موضع دار القوارير اللاصقة بالمسجد الحرام بين الصفا والمروة، اشتريت منهم في خلافة المهدي أمير المؤمنين حين وسع المسجد الحرام، قال: فأقطعت تلك الرحبة جعفر بن يحيى في خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين، ثم قبضت في أموال جعفر فبناها حماد البربري للرشيد بالرخام، والفسيفساء من خارجها، وبنى باطنها بالقوارير والمينا الأصفر والأحمر1.
وكانت لهم أيضًا دار دخلت في المسجد الحرام يقال لها: دار بنت قرظة2.
وكانت لهم الدار التي إلى جنب دار ابن علقمة، صارت للفضل بن الربيع3، اشتراها من أهل نافع بن جبير بن مطعم وبناها، وهي الدار التي احترقت على الصيادلة، كانت لنافع بن جبير خاصة من بين ولد جبير.
ولهم دار عدي بن الخيار، كانت عند العلم الذي على باب المسجد، الذي يسعى منه من أقبل من المروة إلى الصفا، وكانت صدقة، فاشترى لهم بثمنها دورًا، فهي في أيدي ولد خيار بن عدي إلى اليوم4.
ولهم دار ابن أبي حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل، دخلت في المسجد الحرام، وكانت صدقة، فاشترى لهم بثمنها دورًا فهي في أيديهم إلى اليوم5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 30.
2 الفاكهي 3/ 301.
3 الفاكهي 3/ 302.
4 الفاكهي 3/ 302.
5 الفاكهي 3/ 302.

 

ج / 2 ص -244-        رباع حلفاء بني نوفل بن عبد مناف:
قال أبو الوليد: دار عتبة بن غزوان من بني مازن بن منصور، كانت إلى جنب المسجد الحرام يقال لها: ذات الوجهين، قد كتبت قصتها في رباع يعلى بن مُنْيَة، ودخلت هذه الدار في المسجد الحرام1.
ودار حجير بن أبي إهاب بن عزيز بن قيس بن عبد الله بن دارم التميمي، وكانت قبلهم لآل معمر بن خطل الجمحي، وهي الدار التي لها بابان، باب شارع على فوهة سكة قُعَيْقِعان، وباب إلى السكة التي تخرج إلى المسجد إلى باب قعيقعان، ثم صارت ليحيى بن خالد بن برمك، اشتراها من آل حجير بستة وثلاثين ألف دينار، ثم هي اليوم في الصوافي، وهي الدار التي صارت للصفار، ثم صارت للسلطان بعد2.
رباع بني الحارث بن فهر:
قال أبو الوليد: قال جدي: لهم ربع دبر قرن القرظ، بين ربع آل مرة بن عمرو الجمحيين، وبين الطريق التي لآل وابصة مما يلي الخليج3.
وللضحاك بن قيس الفهري دار عند دار آل عفيف السهميين، بينها وبين حق آل المرتفع4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 303.
2 الفاكهي 3/ 304.
3 الفاكهي 3/ 304.
4 الفاكهي 3/ 305.

 

ج / 2 ص -245-        وعلى ردم بني جمح دار يقال لها: دار قراد فنسب الردم إليهم بذلك، وكان الذي عمل ذلك الردم عبد الملك بن مروان، عام سيل الجحاف مع ما عمل من الضفائر، والردم هو الذي يقول فيه الشاعر:

سأملك1 عبرة وأفيض أخرى                        إذا جاوزت ردم بني قراد2

رباع بني أسد بن عبد العزى:
قال أبو الوليد: كانت لهم دار حميد بن زهير اللاصقة بالمسجد الحرام، في ظهر الكعبة، كانت تفيء على الكعبة بالعشي، وتفيء الكعبة عليها بالبكر، فدخلت في المسجد الحرام في خلافة أبي جعفر3.
ولهم دار أبي البختري بن هاشم بن أسد، وقد دخلت في دار زبيدة التي عند الحناطين4.
ولهم في سكة الحزامية دار الزبير بن العوام، ودار حكيم بن حزام، والبيت الذي تزوج فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، خديجة بنت خويلد في دار حكيم بن حزام، وسقيفة فيما هنالك، وخير مما يلي دار الزبير، وفي الخير باب يأخذ إلى دار الزبير5.
ولعبد الله بن الزبير الدور التي بقعيقعان الثلاث المصطفة، يقال لها: دور الزبير، ولم يكن الزبير ملكها، ولكن عبد الله ابتاعها من آل عفيف بن نبيه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عند الفاكهي: "سأحبس".
2 الفاكهي 3/ 304.
3 الفاكهي 3/ 306.
4 الفاكهي 3/ 308، ولديه "الخياطين".
5 الفاكهي 3/ 308.

 

ج / 2 ص -246-        السهميين ومن ولد منية1.
وفيها دار يقال لها: دار الزنج، وإنما سميت دار الزنج؛ لأن ابن الزبير كان له فيها رقيق زنج2.
وفي الدار العظمى منهن بئر حفرها عبد الله بن الزبير، وفي هذه الدار طريق إلى الجبل الأحمر، وإلى قرارة المدحاة، موضع كان أهل مكة يتداحون فيه بالمداحي والمراصع3.
وكانت لعبد الله بن الزبير أيضًا دار بقعيقعان يقال لها: دار الخشني، وكانت له دار البخاتي كانت بين دار العجلة ودار الندوة، وكانت إلى جنبها دار فيها بيت مال مكة، كانت من دور بني سهم، ثم كان عبد الملك بن مروان قبضها بعد من ابن الزبير، ثم دخلت الدار التي كان فيها بيت المال في دار العجلة، حين بناها يقطين بن موسى للمهدي أمير المؤمنين، وصارت الأخرى للربيع، ثم هي اليوم في الصوافي، وهي التي يسكنها صاحب البريد، وإنما سميت تلك الدار دار البخاتي؛ لأن ابن الزبير جعل فيها بخاتيًا كان أتى بها من العراق4.
ولهم دارا مصعب بن الزبير اللتان عند دار العجلة، كانتا للخطاب بن نفيل العدوي، ولهم دار العجلة ابتاعها عبد الله بن الزبير من آل سمير بن موهبة السهميين، وإنما سميت دار العجلة؛ لأن ابن الزبير حين بناها عجل، وبادر في بنائها، فكانت تبنى بالليل والنهار حتى فرغ منها سريعًا، وقال بعض المكيين: إنما سميت دار العجلة؛ لأن ابن الزبير كان ينقل حجارتها على عجلة اتخذها على البخت والبقر5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تحرف في الأصول إلى: "منبه" بالباء بعد النون، والخبر لدى الفاكهي 3/ 308.
2 الفاكهي 3/ 308.
3 الفاكهي 3/ 308.
4 الفاكهي 3/ 308-309.
5 الفاكهي 3/ 309.

 

ج / 2 ص -247-        رباع بني عبد الدار بن قصي:
كانت لهم دار الندوة، وهي دار قصي بن كلاب، التي كانت قريش لا تشاور، ولا تناظر، ولا يعقدون لواء الحرب، ولا يبرمون إلا فيها، يفتحها لهم بعض ولد قصي، فإذا بلغت الجارية منهم أدخلت دار الندوة، فجاب عليه فيها درعها عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، ثم انصرفت إلى أهلها فحجبوها أو بعض ولده، وكانت بيده من بين ولد عبد الدار، وإنما كانت قريش تفعل هذا في دار قصي تيمنًا بأمره، وتبركًا به، وكان عندهم كالدين المتبع، وكان قصي الذي جمع قريشًا، وأسكنهم مكة وخط لهم الرباع، ولم يكن يدخل دار الندوة من غير بني قصي، إلا ابن أربعين سنة ويدخلها بنو قصي جميعًا، وحلفاؤهم كبيرهم وصغيرهم، فلم تزل تلك بأيدي ولد عامر بن هاشم، حتى باعها ابن الرهين العبدري، وهو من ولده من معاوية بمائة ألف درهم، وقد دخل أكثر دار الندوة في المسجد الحرام، وقد بقيت منها بقية هي قائمة إلى اليوم على حالها1.
قال أبو محمد الخزاعي: قد جعلت مسجدًا، وصل بالمسجد الكبير في خلافة المعتضد بالله، وقد كتبت قصتها في موضعه.
ولهم دار شيبة بن عثمان، وهي إلى جنب دار الندوة وفيها خزانة الكعبة، وهي دار أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، ولها باب في المسجد الحرام2.
ولهم ربع في جبل شيبة ما وراء دار عبد الله بن مالك بن الهيثم الخزاعي، إلى دار الأزرق بن عمرو بن الحارث الغساني، إلى ما سال من قرارة جبل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 310-311.
2 الفاكهي 3/ 312.

 

ج / 2 ص -248-        شيبة إلى دار درهم1.
وربع بني المرتفع فذلك كله لبني شيبة بن عثمان، وزعم بعض الناس أن دار عبد الله بن مالك كانت لهم يقال: كانت لسعد بن أبي طلحة، ثم صارت لمعاوية، ولهم ربع بني المرتفع في السويقة إلى دار ابن الزبير، الدنيا التي بقعيقعان يقال: إن ذلك الربع كان لآل النباش بن زرارة التميمي2.
وقال بعض أهل العلم: كان ذلك الربع لأبي الحجاج بن علاط السلمي، وكانت عنده امرأة منهم يقال لها: فاطمة ابنة الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار، فخرج مهاجرًا فأخذوا ربعه، وزعم بعض المكيين أنه كانت لهم الدار التي عند الخياطين التي يقال لها: دار عمرو بن عثمان كانت لآل السباق بن عبد الدار، وزعم غير هؤلاء أنها كانت لأبي أمية بن المغيرة المخزومي.
رباع حلفاء بني عبد الدار بن قصي:
قال أبو الوليد: رباع آل نافع بن عبد الحارث الخزاعيين، الربع المتصل بدار شيبة بن عثمان، ودار الندوة إلى السويقة إلى دار حمزة التي بالسويقة، إلى ما دون السويقة، والزقاق الذي يسلك منه إلى دار عبد الله بن مالك، وإلى المروة، وينقطع ربعهم من ذلك الزقاق عند دار أم إبراهيم، التي في دار أوس ومعهم فيه حق الملحيين، وهو الربع الذي صار لابن ماهان3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 312.
2 الفاكهي 3/ 312-313.
3 الفاكهي 1/ 313.

 

ج / 2 ص -249-        رباع بني زهرة:
قال أبو الوليد: كانت لهم بفناء المسجد الحرام دار دخلت في المسجد الحرام، كانت عند دار يعلى بن منية1 ذات الوجهين2.
وكانت لهم دار مخرمة بن نوفل، التي بين الصفا والمروة التي صارت لعيسى بن علي عند المروة3.
ولهم حق آل أزهر بن عبد عوف على فوهة زقاق العطارين، فيها العطارون وهي في أيديهم إلى اليوم4.
ولهم دار جعفر بن سليمان التي في زقاق العطارين، كانت لعوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة، وهو أبو عبد الرحمن بن عوف5.
رباع حلفاء بني زهرة:
قال أبو الوليد: دار خيرة بنت سباع بن عبد العزى الخزاعية الملحية، كانت في أصل المسجد الحرام تصل دار جبير بن مطعم، ودار الأزرق بن عمرو الغساني، فدخلت في المسجد الحرام6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تحرف في الأصول إلى: "منبه" بالباء بعد النون.
2 الفاكهي 3/ 314.
3 الفاكهي 3/ 314.
4 الفاكهي 3/ 315.
5 الفاكهي 3/ 315.
6 الفاكهي 3/ 316.

 

ج / 2 ص -250-        وللغسانيين أيضًا الدار التي تصل دار أوس ودار عيسى بن علي فيها الحذاءون، يقال لها: دار ابن عاصم، وصار وجهها لجعفر بن أبي جعفر أمير المؤمنين، ثم اشتراها الرشيد هارون أمير المؤمنين، وأما مؤخر الدار فهي في أيدي العاصميين إلى اليوم1.
ربع آل قارظ القاريين:
وهي الدار التي يقال لها دار الخلد على الصيادلة بين الصفا، والمروة بناها بناءها هذا حماد البربري، قال الأزرقي: وأما بناؤها هذا مما عمل لأم جعفر المقتدر بالله، وقد أقطعها في أيامه واشتراها الرشيد هارون أمير المؤمنين بين دار آل الأزهر، وبين دار الفضل بن الربيع، التي كانت لنافع بن جبير بن مطعم.
ربع آل أنمار القاريين:
الربع الشارع على المروة على أصحاب الأدم من ربع آل الحضرمي إلى رحبة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مقابل زقاق الخرازين2، الذي يسلك على دار عبد الله بن مالك، ووجه هذا الربع بين الدارين مما يلي البرامين، فيه دار أم أنمار القارية كانت برزة من النساء، وكانت رجال قريش يجلسون بفناء بيتها يتحدثون، وزعموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم، كان يجلس في ذلك المجلس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 316.
2 عند الفاكهي: "الجزارين".

 

ج / 2 ص -251-        ويتحدث بفناء بيتها1.
وفي هذا الربع بيت قديم جاهلي على بنيانه الأول يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم، دخل هذا البيت2.
وفي وجه هذا الربع مسجد صغير بين الدارين عند البرامين، زعم بعض المكيين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى فيه3.
فاشترى السري بن عبد الله بن كثير بن عباس بعض هذا الربع وهو أمير مكة، فلما عزل وسخط عليه اصطفاه أمير المؤمنين أبو جعفر، وكان فيه حق قد كان بعض بني أمية اشتراه فاصطفي منهم، ثم اشترى أمير المؤمنين أبو جعفر بقيته من ناس من القاريين، فهو في الصوافي إلى اليوم إلا القطعة، التي كانت لابن حماد البربري، وليحيى بن سليم الكاتب، فاشتراها ابن عمران النخعي، ثم صارت لعبد الرحمن بن إسحاق قاضي بغداد.
ربع آل الأخنس بن شريق:
دار الأخنس التي في زقاق العطارين من الدار، التي بناها حماد البربري لهارون أمير المؤمنين إلى دار القدر، التي للفضل بن الربيع، وهذا الربع لهم جاهلي، ولآل الأخنس أيضًا الحق الذي بسوق الليل على الحدادين مقابل دار الحوار، شراء من بني عامر بن لؤي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 317.
2 الفاكهي 3/ 318.
3 الفاكهي 3/ 318.

 

ج / 2 ص -252-        ربع آل عدي بن أبي الحمراء الثقفي:
لهم الدار التي في ظهر دار ابن علقمة في زقاق أصحاب الشيرق يقال لها: دار العاصميين1 من دار القدر التي للفضل بن الربيع إلى بيت النبي -صلى الله عليه وسلم، الذي يقال له: بيت خديجة، وهو لهم ربع جاهلي2.
ربع بني تيم:
قال أبو الوليد: دار أبي بكر الصديق في خط بني جمح، وفيها بيت أبي بكر -رضي الله عنه- الذي دخله عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وهو على ذلك البناء إلى اليوم، ومنه خرج النبي -صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- إلى ثور مهاجرًا3.
ولهم دار عبد الله بن جدعان، كانت شارعة على الوادي على فوهتي سكتي أجيادين، أجياد الكبير، وأجياد الصغير، وهي الدار التي قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لقد حضرت في دار ابن جدعان حلفًا لو دعيت إليه الآن لأجبت، وهو حلف الفضول كان في دار ابن جدعان، وقد دخلت هذه الدار في وادي مكة حين وسع المهدي المسجد الحرام، ودخل الوادي القديم في المسجد، وحول الوادي في موضعه الذي هو فيه اليوم4".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  عند الفاكهي: "العصاميين".
2 الفاكهي 3/ 316.
3 الفاكهي 3/ 319.
4 الفاكهي 3/ 320.

 

ج / 2 ص -253-        وكان في موضعه دور من دور الناس، إلا قطعة فضلت في دار ابن جدعان وهي دار أبي1 عزارة، ودار المليكيين2 التي عند الغزالين إلى جنب دار العباس بن محمد، التي على الصيارفة3.
ولهم حق أبي معاذ عند المروة، ولهم حق كان لعثمان بن عبد الله بن عثمان بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة عند سكة أجياد، دخلت في الوادي، ولهم دار درهم بالسويقة شراء4.
رباع بني مخزوم وحلفائهم:
قال أبو الوليد: لهم أجيادان الكبير والصغير، ما أقبل منهما على الوادي إلى منتهى آخرهما إلا حق بني جدعان، وآل عثمان التيمي، وأجيادان جميعًا لبني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، إلا دار السائب التي يقال لها سقيفة، ودار العباس بن محمد التي على الصيارفة، فإنها من ربع العائذيين، ولأهل هبار من الأزد معهم حق بأجياد الصغير، وهبار رجل من الأزد كان الوليد بن المغيرة تبناه صغيرًا في الجاهلية، فأحبه وأقطعه، وحق آل هبار هذا بين ربع خالد بن العاص بن هشام، وبين دار زهير بن أبي أمية5.
ومعهم أيضًا بأجياد الكبير حق الحارث بن أمية الأصغر عبد شمس بن عبد مناف يقال له: دار عبلة.
ولآل هشام بن المغيرة من ذلك دار خالد بن العاص بن هشام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، ومثله لدى الفاكهي، وفي أ، ب "ابن".
2 كذا في الأصول، ولدى الفاكهي: "المكيين".
3 الفاكهي 3/ 320.
4 الفاكهي 3/ 320-321.
5 الفاكهي 3/ 322-323.

 

ج / 2 ص -254-        ودار الدومة، وفي دار الدومة كان منزل أبي جهل بن هشام، وإنما سميت دار الدومة أن ابنة لمولى لخالد بن العاص بن هشام يقال له: أبو العداء1، كانت تلعب بلعب لها من مقل2، فدفنت مقلة فيها وجعلت تقول: قبر ابنتي، وتصب عليها الماء حتى خرجت الدومة وكبرت، فسميت دار الدومة3.
ومنزل أبي جهل الذي كان فيه هشام بن سليمان.
ولآل هشام بن سليمان دار الساج بأجياد الصغير أيضًا، وحق آل عبد الرحمن بن الحارث الموضع، الذي يقال له: المربد.
ودار الشركاء لآل هشام بن المغيرة أيضًا، وإنما سميت دار الشركاء؛ لأن الماء كان قليلًا بأجياد، فتخارج آل سلمة بن هشام وآخرون معهم، فاحتفروا بئر الشركاء في الدار، فقيل: بئر الشركاء، ثم قيل: دار الشركاء، وهي لآل سلمة بن هشام، وهم يزعمون أنهم حفروا البئر4.
ودار العلوج بمجتمع أجيادين، كانت لخالد بن العاص بن هشام، وإنما سميت دار العلوج أنه كان فيها علوج له.
ولهم دار الأوقص، عند دار زهير بأجياد الصغير أيضًا5.
ولهم دار الشطوى، كانت لآل عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة، ولآل هشام بن المغيرة أيضًا حق بأسفل مكة عند دار سمرة بن حبيب، يقال: دفن فيها هشام بن المغيرة، وقد اختصم فيها آل هشام بن المغيرة، وآل مرة بن عمرو الجمحيون إلى الأوقص محمد بن عبد الرحمن بن هشام، وهو قاضي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي "يقال لها". أم العذراء".
2 المقل "ثمر شجر الدوم" الدوم شجرة تشبه النخلة.
3 الفاكهي 3/ 322.
4 الفاكهي 3/ 323.
5 الفاكهي 3/ 324.

 

ج / 2 ص -255-        أهل مكة فشهد عثمان بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، إن خالد بن سلمة أخبره إن معاوية بن أبي سفيان، ساوم خالد بن العاص بن هشام بذلك الربع فقال: وهل يبيع الرجل موضع قبر أبيه؟ فقسمه الأوقص بين آل مرة، وبين المخزوميين، بعث مسلم بن خالد الزنجي فقسمه بينهم1.
ولآل زهير بن أبي أمية بن المغيرة دار زهير بأجياد2.
وقد زعم بعض المكيين أن الدار التي عند الخياطين يقال لها: دار عمرو بن عثمان، كانت لأبي أمية بن المغيرة، وحق آل حفص بن المغيرة عند الضفيرة بأجياد الكبير، وحق آل أبي ربيعة بن المغيرة دار الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وقد زعم بعض المكيين أنه كان للواصبيين، فاشتراه الحارث بن عبد الله، ويقال: كان في الجاهلية لمولى لخزاعة يقال له: رافع، فباعه ولده3.
رباع بني عائذ من بني مخزوم:
قال أبو الوليد: دار أبي نهيك، وقد دخل أكثرها في الوادي، وبقيتها دار العباس بن محمد التي بفوهة أجياد الصغير على الصيارفة، باعها بعض ولد المتوكل بن أبي نهيك4.
ودار السائب بن أبي السائب العائذي، وقد دخل بعضها في الوادي، وبقيتها في الدار التي يقال لها: دار سقيفة، فيها البزازون عند الصيارفة، فيها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 324-325.
2 الفاكهي 3/ 325.
3 الفاكهي 3/ 326.
4 الفاكهي 3/ 326.

 

ج / 2 ص -256-        حق عبد العزيز بن المغيرة بن عطاء بن أبي السائب، وصار وجهها لمحمد بن يحيى بن خالد بن برمك، وفي هذه الدار البيت الذي كانت فيه تجارة النبي -صلى الله عليه وسلم، والسائب بن أبي السائب في الجاهلية، وكان السائب شريكًا للنبي -صلى الله عليه وسلم، وله يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "نعم الشريك السائب، لا مشاري ولا مماري، ولا صخاب في الأسواق"1.
ومن حق آل عائذ دار عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عائذ في أصل جبل أبي قبيس، من دار القاضي محمد بن عبد الرحمن السفياني إلى دار ابن صيفي، التي صارت ليحيى بن خالد بن برمك، إلى منارة المسجد الحرام الشارعة على المسعى2، وكان بابها، عند المنارة ومن عند بابها كان يسعى من أقبل من الصفا يريد المروة، فلما أن وسع المهدي المسجد الحرام في سنة سبع وستين ومائة وأدخل الوادي في المسجد الحرام، أدخلت دار عباد بن جعفر هذه في الوادي اشتريت منهم، وصيرت بطن الوادي اليوم، إلا ما لصق منها بالجبل جبل أبي قبيس، وهو دار ابن روح، ودار ابن حنظلة إلى دار ابن برمك.
ومن رباع بني عائذ دار ابن صيفي، وهي الدار التي صارت ليحيى بن خالد بن برمك فيها البزازون3.
ومن رباع بني مخزوم حق آل حنطب، وهو الحق المتصل بدار السائب من الصيارفة إلى الصفا، تلك المساكن كلها إلى الصفاء حق ولد المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم4.
ولهم حق السفيانيين دار القاضي محمد بن عبد الرحمن، من دار الأرقم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 326.
2 الفاكهي 3/ 328.
3 الفاكهي 3/ 329.
4 الفاكهي 2/ 329.

 

ج / 2 ص -257-        إلى دار ابن روح العائذي، فذلك الربع لسفيان، والأسود بني عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم1.
وللسفيانيين أيضًا حق في زقاق العطارين، الدار التي مقابل دار الأخنس بن شريق، فيها ابن أخي الصمة يقال لها: دار الحارث لناس من السفيانيين يقال لهم: آل أبي قزعة، ومسكنهم السراة2.
وربع آل الأرقم بن أبي الأرقم، واسم أبي الأرقم عبد مناف بن أبي جندب، أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، الدار التي عند الصفا يقال لها: دار الخيزران، وفيها مسجد يصلى فيه كان ذلك المسجد بيتًا كان يكون فيه النبي -صلى الله عليه وسلم، يتوارى فيه من المشركين، ويجتمع هو وأصحابه فيه عند الأرقم بن أبي الأرقم ويقرئهم القرآن، ويعلمهم فيه، وفيه أسلم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه3.
ولبني مخزوم حق الوابصيين4 الذي في خط الحزامية بين دار الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وبين دار الزبير بن العوام5.
ولبني مخزوم دار خزابة6، وهي الدار التي عند اللبانين بفوهة خط الحزامية، شارعة في الوادي صار بعضها لخالصة، وبعضها لعيسى بن محمد بن إسماعيل المخزومي، وبعضها لابن غزوان الجندي7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 330.
2 الفاكهي 3/ 330.
3 الفاكهي 3/ 330.
4 كذا في الأصل، أ، ومثله لدى الفاكهي. وفي ب: "الواصبين".
5 الفاكهي 3/ 330.
6 كذا في الأصل ومثله لدى الفاكهي. وفي أ، ب: "خرابة" بالخاء المعجمةوالراء المهلمة.
7 الفاكهي 3/ 330.

 

ج / 2 ص -258-        رباع بني عدي بن كعب:
قال أبو الوليد: كان بين بني عبد شمس بن عبد مناف، وبين بني عدي بن كعب حرب في الجاهلية، وكانت بنو عدي تدعى لعقة الدم، وكانوا لا يزالون يقتتلون بمكة، وكانت مساكن بني عدي ما بين الصفا إلى الكعبة، وكانت بنو عبد شمس يظفرون عليهم ويظهرون، فأصابت بنو عبد شمس منهم ناسًا، وأصابوا من بني عبد شمس ناسًا، فلما رأت ذلك بنو عدي علموا أن لا طاقة لهم بهم حالفوا بني سهم، وباعوا رباعهم إلا قليلًا، وذكروا أن ممن لم يبع آل صداد، فقطعت لهم بنو سهم كل حق أصبح لبني عدي في بني سهم حق نفيل بن عبد العزى، وهو حق عمر بن الخطاب، وحق زيد بن الخطاب بالثنية، وحق مطيع بن الأسود هؤلاء الذين باعوا مساكنهم، وكانت بنو سهم من أعز بطن في قريش، وأمنعه، وأكثره فقال الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، وهو يذكر ذلك ويتشكر لبني سهم:

أسكنني قوم لهم نائل                             أجود بالعرف من اللافظه1

سهم فما مثلهم معشر                           عند مثيل الأنفس الفائظه

كنت إذا ما خفت ضيمًا حنت                     دوني رماح للعدى غائظه2

وقال الخطاب بن نفيل بن عبد العزى أيضًا، وبلغه أن أبا عمرو بن أمية يتوعده:

أيوعدني أبو عمرو ودوني                              رجال لا ينهنهها الوعيد

رجال من بني سهم بن عمرو                        إلى أبياتهم يأوي الطريد

جحاجحة شياظمة كرام                               مراججة إذا قرع الحديد


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اللافظة: البحر. والعرف: الجود.
2 الخبر والشعر لدى الفاكهي 3/ 334-335.

 

ج / 2 ص -259-                           خضارمة ملاوثة ليوث  خلال بيوتهم كرم وجود

ربيع المعدمين وكل جار                         إذا نزلت بهم سنة كؤود

هم الرأس المقدم من قريش                  وعند بيوتهم تلقى الوفود

فكيف أخاف أو أخشى عدوًا                    ونصرهم إذا دعووا عتيد

فلست بعادل عنهم سواهم                   طوال الدهر ما اختلف الجديد1

ولبني عدي خط ثنية كدا، على يمين الخارج من مكة إلى حق الشافعيين على رأس كدا، ولهم من الشق الأيسر حق آل أبي طرفة الهذليين، الذي على رأس كدا، فيه أراكة ناتئة شارعة على الطريق يقال لها: دار الأراكة2.
ومعهم في هذا الشق الأيسر حقوق ليست لهم معروفة، منها حق آل كثير بن الصلت الكندي إلى جنب دار مطيع، كانت لآل جحش بن رئاب الأسدي3. ومعهم حق لآل عبلة بأصل الخزنة، وكان للخطاب بن نفيل الداران اللتان صارتا لمصعب بن الزبير دخلتا في دار العجلة، وفي المسجد الحرام بعضها، وزعم بعض المكيين أن دار المراجل كانت لآل المؤمل العدوي، باعوها فاشتراها معاوية وبناها4.
وكانت للخطاب بن نفيل دار صارت لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه، كانت بين دار مخرمة بن نوفل، التي صارت لعيسى بن علي، وبين دار الوليد بن عتبة بين الصفا والمروة، وكان لها وجهان، وجه على ما بين الصفا والمروة، ووجه على فج بين الدارين، فهدمها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 335-336.
2 الفاكهي 3/ 336.
3 الفاكهي 3/ 336.
4 الفاكهي 3/ 336.

ج / 2 ص -260-        في خلافته، وجعلها رحبة ومناخًا للحاج تصدق بها على المسلمين، وقد بقيت منها حوانيت فيها أصحاب الأدم.
سمعت جدي أحمد بن محمد يذكر أن تلك الحوانيت، كانت أيضًا رحبة من هذه الرحبة، ثم كانت مقاعد يكون فيها قوم يبيعون في مقاعدهم، وفي المقاعد صناديق يكون فيها متاعهم بالليل، وكانت الصناديق بلصق الجدر، ثم صارت تلك المقاعد خيامًا بالجريد والسعف، فلبثت تلك الخيام ما شاء الله، وجعلوا يبنونها باللبن النيئ، وكسار الآجر حتى صارت بيوتًا صغارًا، يكرونها من أصحاب المقاعد في الموسم من أصحاب الأدم بالدنانير الكثيرة، فجاءهم قوم من ولد عمر بن الخطاب من المدينة، فخاصموا أولئك القوم فيها إلى قاض من قضاة أهل مكة، فقضى بها للعمريين، وأعطى أصحاب المقاعد قيمة بعض ما بنوا، فصارت حوانيت تكرى من أصحاب الأدم، وهي في أيدي ولد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، إلى اليوم.
ربع بني جمح:
لهم خط بني جمح عند الردم الذي ينسب إليهم، وكان يقال له: ردم بني قراد، دار أبي بن خلف ودار السجن سجن مكة، كانت لصفوان بن أمية، فابتاعها منه نافع بن عبد الحارث الخزاعي وهو أمير مكة، ابتاعها لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بأربعة آلاف درهم، ولهم دار صفوان التي عند دار المنذر بن الزبير، ولهم دار صفوان السفلى عند دار سمرة1.
ولهم دار مصر بأسفل مكة، فيها الوراقون كانت لصفوان بن أمية2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 337.
2 الفاكهي 3/ 342.

 

ج / 2 ص -261-        ولهم جنبتا خط بني جمح يمينًا وشمالًا، وكانت لهم دار حجير بن أبي إهاب فباعوها من أبي إهاب بن عزيز التميمي، حليف المطعم بن عدي بن نوفل.
ولهم دار قدامة بن مظعون في حق بني سهم.
ولهم دار عمرو بن عثمان التي بالثنية.
ولهم حق آل جذيم في حق بني سهم، ويقال: إن تلك الدار كانت لآل مظعون، فلما هاجروا خلوها فغلب عليها آل جذيم، ولهم دار أبي محذورة في بني سهم.
رباع بني سهم:
لهم دار عفيف التي في السويقة، إلى قعيقعان إلى ما جاز سيل قعيقعان من دار عمرو بن العاص إلى دار غباة السهمي، إلى ما جاز الزقاق، الذي يخرج على دار أبي محذورة إلى الثنية، وكانت لهم دار العجلة، ومعهم لآل هبيرة الجشميين حق في سند جبل زَرْزَرْ، ودار قيس بن عدي جد ابن الزبعري، هي الدار التي كانت اتخذت متوضآت، ثم صارت ليعقوب بن داود المطبقي1.
ودار ياسر خادم زبيدة، ما بين دار عبيد الله بن الحسن إلى دار غباة السهمي2. ولهم حق آل قمطة3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 343-344.
2 الفاكهي 3/ 346.
3 الفاكهي 3/ 347.

 

ج / 2 ص -262-        رباع حلفاء بني سهم:
قال أبو الوليد: دار بديل بن ورقاء الخزاعي، التي في طرف الثنية1.
رباع بني عامر بن لؤي:
قال أبو الوليد: لهم من وادي مكة على يسار المصعد، في الوادي من دار العباس بن عبد المطلب، التي في المسعى دار جعفر بن سليمان، ودار ابن حوار، مصعدا إلى دار أبي أحيحة سعيد بن العاص2.
ومعهم فيه حق لآل أبي طرفة الهذليين، وهو دار الربيع، ودار الطلحيين،
والحمام، ودار أبي طرفة، فأول حقهم من أعلى الوادي دار هند بنت سهيل، وهو ربع سهيل بن عمرو، وهذه الدار أول دار بمكة عمل لها بابان3.
وذلك أن هند بنت سهيل استأذنت عمر -رضي الله عنه- أن تجعل على دارها بابين، فأبى أن يأذن لها، وقال: إنما تريدون أن تغلقوا دوركم دون الحاج والمعتمرين، وكان الحاج والمعتمرون ينزلون في عرصات دور مكة، فقالت هند: والله يا أمير المؤمنين ما أريد إلا أن أحفظ على الحاج متاعهم، فأغلقها عليهم من السرق، فأذن لها فبوبتها4.
وأسفل منها دار الغطريف بن عطاء، والرحبة التي خلفها في ظهر دار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 348.
2 الفاكهي 3/ 348.
3 الفاكهي 3/ 348-349.
4 الفاكهي 3/ 350.

 

ج / 2 ص -263-        الحكم، كانت لعمرو بن عبد ود، ثم صارت لآل حويطب، وأسفل من هذه الدار دار حويطب بن عبد العزى1، في أسفل من هذه الدار دار الحدادين. كانت لبعض بني عامر فاشتراها معاوية، وبناها والدار التي أسفل منها، التي فيها الحمام، ودار السلماني فوق دار الربيع كانت لرجل من بني عامر بن لوي يقال له: العباس بن علقمة، وأسفل من هذه الدار دار الربيع وحمام العائذيين، ودار أبي طرفة، ودار الطلحيين كانت لآل أبي طرفة الهذليين.
وأسفل من هذه الدار دار محمد بن سليمان، كانت لمخرمة بن عبد العزى، أخي حويطب بن عبد العزى، ودار ابن الحوار من رباع بني عامر، وابن الحوار من موالي بني عامر في الجاهلية، وربعهم جاهلي.
وأسفل من دار ابن الحوار دار جعفر بن سليمان، كانت من رباع بني عامر بن لؤي، ودار بن الحوار لولد عبد الرحمن بن زمعة اليوم.
ولبني عامر بن لوي من شق وادي مكة، اللاصق بجبل أبي قبيس في سوق الليل من حق الحارث بن عبد المطلب، الذي على باب شعب بن يوسف منحدرًا إلى دار ابن صيفي، التي صارت ليحيى بن خالد بن برمك، وفيه حق لآل الأخنس بن شريق، شرى من بني عامر بن لؤي، دار الحصين عند المروة في زقاق الخرازين. ولهم دار أبي سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى، وهي الدار التي بين دار أبي لهب، ودار حويطب بن عبد العزى ودار الحدادين، ودار الحكم بن أبي العاص، فيها الدقاقون والمزوقون.
ولهم دار ابن أبي ذئب التي أسفل من دار أبي لهب، في زقاق مسجد خديجة بنة خويلد، وهي في أيديهم إلى اليوم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفاكهي 3/ 352.