المعجب في تلخيص أخبار المغرب

ص -241-    ولاية أبي محمد عبد العزيز بن أبي يعقوب الأول
ثم ذكر لي أن عامتهم ومعظمهم اجتمعوا على تقديم السيد الأجل أبي محمد عبد العزيز ابن أمير المؤمنين أبي يعقوب يوسف ابن أمير المؤمنين أبي محمد عبد المؤمن بن علي، رحمهما الله ونضر وجهيهما وجزاهما خيرًا عن صلاحهما وإصلاحهما.
وأبو محمد عبد العزيز هذا من أصاغر أولاد أبي يعقوب؛ أمه حرة اسمها: مريم، صنهاجية من أهل قلعة بني حماد، تزوجها أمير المؤمنين أبو يعقوب في حياة أبيه؛ وكانت سُبيت هي وأمها: ملكة فيمن سبوا من أهل القلعة؛ فأعتقهما أبو محمد عبد المؤمن، وزوَّج مريم هذه لابنه أبي يعقوب، فولدت له ثمانية من الولد: أربعة ذكور، وأربع بنات؛ فالذكور هم: إبراهيم، وموسى، وإدريس، وعبد العزيز هذا المذكور، وهو أصغرهم؛ توفي موسى بظاهر مدينة تاهرت؛ قتله العرب أصحاب الميورقي في شهور سنة 605؛ وتوفي إبراهيم منهم بإشبيلية وأنا بها في شهور سنة 612؛ وتوفي أبو العلاء إدريس منهم بإفريقية كما سيأتي. والبنات هن: زينب، ورقية، وعائشة، وعُلَيَّة.
لم يتول أبو محمد عبد العزيز هذا شيئًا من أمرهم في حياة أبيه، ولا في حياة أخيه أبي يوسف؛ فلما ولي أبو عبد الله الأمر1 ولاه مدينة مالقة وأعمالها من جزيرة الأندلس؛ وذلك في شهور سنة 598؛ ثم عزله عنها في شهور 603، وولاه أمر قبيلة هَسْكُورة، وهي ولاية ضخمة؛ فلم يزل واليًا عليها إلى أن عزله عنها وولاه أمر سجلماسة، فلم يزل واليًا عليها بقية مدته ومدة ابنه أبي يعقوب، إلى أن قتل هذا الثائر المتقدم الذكر في ولاية أبي يعقوب بن أبي عبد الله؛ فعزله أبو يعقوب عن سجلماسة وولاه مدينة إشبيلية حين عزل عنها أخاه أبا العلاء وولاه أمر إفريقية، فلم يزل أبو العلاء إدريس واليًا بإفريقية إلى أن مات بها في رمضان من سنة 620 على ما بلغني، رحمة الله عليه.
فهذه جملة أخبار هذا الرجل، أبي محمد عبد العزيز المذكور بالولاية لأمرهم كما قالوا؛ ولئن كان ما قالوا حقًّا وتم هذا الأمر له، ليملأنها خيراً وعدلاً، ولتزكُوَنَّ2 الأرض وتُخرج بركاتها، ولترسلن السماء مدرارها؛ بيُمْن نقيبته3 وحسن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أي: الناصر محمد بن أبي يوسف.
2- زكا الشيء زُكُوًّا، وزَكَاءً، وزَكَاةً: نما وزاد.
3- اليمن: البركة. النقيبة: السجية والطبيعة.

 

ص -242-    سيرته وحميد سريرته. هذا إذا ساعده الدهر وقيض1 الله له أعوانًا صالحين؛ فإنه -ما علمت- صوام قوام، مجتهد في دينه، شديد البصيرة في أمره، قوي العزيمة، شديد الشكيمة2، لا تأخذه في الحق لومة لائم؛ أرطب الناس لسانًا بذكر الله، وأتلاهم لكتاب الله؛ شهدته والولاية قد اكتنفته، وأمور الرعية قد استغرقت أوقاته، وهو في كل ذلك لا يخل بشيء من أوراده، ولا يترك وظيفة من الوظائف التى  رتبها على نفسه؛ من أخذ العلم وقراءة القرآن، وأذكار رتبها على أوقات الليل والنهار. شهدت هذا كله منه بنفسي، لا أنقله عن أحد ولا أستند فيه إلى رواية؛ هذا مع دماثة خلق3، ولين جانب وخَفْض جَناح لأصحابه ولمن علم فيه خيرًا من المسلمين أو ظنه مضافًا إلى سخاء نفس وطلاقة وجه.
صفته
أبيض تعلوه صفرة، جميل الوجه جدًّا، معتدل القامة، متناسب الأعضاء.
وله من الولد -على علمي- ثلاثة: محمد، وهو أكبرهم, وعبد الرحمن, وأحمد, وبنات.
هذا تلخيص التعريف بأخبار دولة المصامدة من أول قيام أمرهم -وهو سنة 515- إلى وقتنا هذا -وهو سنة 621- فذلك مائة سنة وست سنين، على الإجمال لا على التفصيل.
وإنما أوردنا من ذلك ما تدعو الحاجة إليه، وتجشم الضرورة من عُني بالأخبار إلى معرفته، من غير  تعرض إلى ما لا حاجة بنا إليه، من ذكر أولاد عبد المؤمن، وأولاد أولاده، وأولاد أولاد أولاده، وتفاصيل أخبارهم في ولايتهم وعزلهم وأمهاتم وكتابهم وحجابهم ووزرائهم؛ إذ لو تتبعنا ذلك لخرج هذا المجموع عن حد التلخيص، ولحق بالكتب المبسوطة. هذا على أنا لو كفينا ضرورات المعاش، وأعفينا من كد الزمان، لأوردنا من ذلك ما أحاط به العلم وبلغته الرواية وحصلته المشاهدة.
ولم أثبت في هذه الأوراق المحتوية على دولة المصامدة وغيرها إلا ما حققته نقلًا من كتاب، أو سماعًا من ثقة عدل، أو مشاهدةً بنفسي؛ هذا بعد أن تحريت الصدق وتوخيت الإنصاف في ذلك. وجهدت ألا أنقص أحدًا ذرة مما له، ولا أزيده

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- قيض الله له الشيء: قدره له, وهيأه.
2- الشكيمة: قوة القلب، أو الانتصار من الظلم.
3- الدماثة: السهولة, واللين.

 

ص -243-    خردلة1 مما لا يستحقه؛ وبالله أستعين، وإياه أسأل، وإليه أضرع في إلهام الصواب والسداد في القول والعمل، فهو حسبي ونعم الوكيل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الخردلة: واحدة الخردل: نبات عشبي حِرِّيف، ينبت في الحقول وعلى حواشي الطرق، وتستعمل بزوره في الطب.