تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار

سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف.
ودخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف واستهل المحرم بيوم الخميس الموافق الرابع عشر أمشير القبطي سابع شباط الرومي وفي ذلك اليوم انتقلت الشمس لبرج الحوت. وفيه نزل إسمعيل بك بموكب وشق في وسط القاهرة إلى بولاق وسافر بالعسكر في منتصف المحرم.
وفي يوم الجمعة سادس عشرة اجتمع طائفة مصطفى كتخدا القزدغلي ومعه من أعيان الينكجرية خمسة عشر نفرا واتفقوا أنهم لا يرضون افرنج أحمد باش اوده باشا فإما يلبس الضلمة أو يكون جربجيا في الوجاق وإن لم.

 

ج / 1 ص -66-    يرض باحد الأمرين يخرج المذكورون من الوجاق ويذهبون إلى أي وجاق شاؤوا. وكان الاجتماع بباب العزب وساعدهم على ذلك أرباب البلكات الستة وصمموا أيضا على رجوع الثمانية انفار الذين كانوا اخرجوهم من باب الينكجرية ومشت الصناجق بينهم والاختيارية وصاروا يجتمعون تارة بمنزل قيطاس بك الدفتردار وتارة بمنزل إبراهيم بك أمير الحاج سابقا ثم اجمع رأي الجميع على نقل الثمانية انفار المذكورين ومن انضم إليهم من الوجاقات إلى باب العزب وإن يخرجوا انفارا كثيرة من مصر منفيين منهم ثلاثة من الكتخدائية وعشرة من الجربجية والباقي من الينكجرية وعرضوا في شأن ذلك للباشا فاتفق الأمر على أن من كان منهم مكتوبا لسفر الموسقو فليذهب مع المسافرين ومن لم يكن مكتوبا فيعطى عرضه ويذهب إلى باب العزب. وحضر كاتب العزب والينكجرية في المقابلة واخرجوا من كان اسمه في السفر وما عداهم اعطوهم عرضهم وتفرقوا عن ذلك. ووقع الحث على سفر من خرج اسمه في المسافرين وعدم اقامتهم بمصر وإن يلحقوا بالمسافرين بثغر الأسكندرية.
وفي ثالث عشر صفر قدم ركب الحاج صحبة أمير الحاج ايواز بك. وفيه اجتمع حسن جاويش القزدعلي الذي كان سردار القطار والأمير سليمان جربجي تابع القزدغلي سردار الصرة وإبراهيم جربجي سردار جداوي وطلبوا عرضهم من باب مستحفظان فذهب إليهم اختيارية بابهم واستعطفوهم فلم يوافقوهم ثم طلب موسى جربجي تابع بن الأمير مرزان أن يخرج أيضا من الوجاق وينقلوا اسمه من الجملية فلم يوافقه رضوان اغا فذهب موسى جربجي إلى إبراهيم بك وأيواز بك وقيطاس بك وسألهم أن يتشفعوا له في ذلك فلم يوافق رضوان أغا فاتفق رأيهم أن يعرضوا للباشا بأن يعزل رضوان اغا المذكور ويتولى علي اغات الينكجرية سابقا وإن يعزل سليمان كتخدا الجاويشية ويولى عوضه إسمعيل أغا تابع إبراهيم بك فامتنع.

 

ج / 1 ص -67-    الباشا من ذلك وكان اختيارية الجملية توافقوا مع الأمراء الصناجق على عزل رضوان أغا فلما رأوا امتناع الباشا أخذوا الصندوق من منزل رضوان أغا واجتمعوا بمنزل باشجاويش واجتمع أهل كل وجاق ببابهم واستمروا على ذلك أياما. واما الينكجرية الذين انتقلوا إلى العزب فإنهم اجتمعوا بباب العزب وقطعوا الطريق الموصلة إلى القلعة ومنعوا من يريد الطلوع إلى باب الينكجرية من العسكر والاتباع ولم يبق في الطريق الموصلة إلى القلعة إلا باب المطبخ ثم توجهوا للسواقي لاجل منع الماء عن القلعة فمنعهم العسكر من الوصول إليها فكسروا كشب السواقي التي بعرب اليسار وقطعوا الاحبال والقواديس ثم أن نفرا من انفار الينكجرية أراد الطلوع من طريق المحجر فضربوه وشجوا رأسه ومنعوه فمضى من طريق الجبل ودخل من باب المطبخ واجتمع بافرنج أحمد وبقية الينكجرية وعرفهم حاله فأخذه جماعة منهم وعرضوا أمره على خليل باشا وقاضي العسكر فقال هؤلاء صاروا بغاة خارجين عن الطاعة حيث فعلوا ذلك ومنعونا الماء والزاد أخافوا الناس وسلبوهم فقد جاز قتالهم ومحاربتهم وذلك سابع عشر صفر ثم أن أحمد أوده باشا أستاذن الباشا في محاربة باب العزب وضربهم بالمدافع والمكاحل فأذن له في ذلك.
ومن ذلك الوقت تعوق القاضي عن النزول وأخافوه واستمر مع الباشا إلى انقضاء الفتنة مدة سبعين يوما ورجع افرنج أحمد وشرع في المحاربة وضرب على باب العزب بالمدافع وذلك من بعد الزوال إلى بعد العشاء وقتل من طائفة العزب أربعة انفار بالمحجر. ثم في صبيحة ذلك اليوم اجتمع من الأمراء الصناجق الأمير ايواز بك أمير الحاج والأمير إبراهيم أبو شنب وقانصوه بك ومحمود بك ومحمد بك تابع قيطاس بك الدفتردار واتفقوا على أن يلبسوا آلة الحرب ويذهبوا إلى الرميلة معونة للعزب على الينكجرية فأخبروا أن أيوب بك ركب مدافع على طريق المارين على منزله.

 

ج / 1 ص -68-    وعلى قلعة الكبش وربما أنهم إذا طلعوا إلى الرميلة يذهب أيوب بك وينهب منازلهم فامتنعوا من الركوب وجلسوا في منازلهم بسلاحهم خوفا من طارق. واستمر افرنج أحمد يحارب ثلاثة أيام بلي إليها واجتمع على رضوان اغا طائفة من نفره وتذاكروا فيمن كان سببا لاثارة الفتنة. فقالوا سليم جربجي ومحمد افندي بن طلق ويوسف افندي وأحمد جربجي تو إلى فقالوا: لا نرضي هؤلاء الأربعة بعد اليوم أن يكونوا اختيارية علينا ثم ركبوا وتوجهوا إلى منزل قيطاس بك وأرسلوا من كل بلك اثنين من الاختيارية إلى منزل أيوب بك يطلبون رضوان أغا فاركبوه في موكب عظيم وكتبوا تذاكر للاربعة الاختيارية المذكورين بأنهم يلزمون بيوتهم ولا يركبون لاحد ولا يجتمع بهم أحد. ثم ركب رضوان أغا إلى منزل أيوب بك وتذاكروا في الصلح وكتبوا تذكرة لأحمد باشا بابطال الحرب فأبى من الصلح فكتبوا عرضا إلى الباشا عن لسان الصناجق وأغوات الوجاقات الخمس برفع المحاربة فأرسل الباشا إلى الينكجرية فامتثلوا امره وابطلوا الحرب وضرب المدافع ثم أن الصناجق والاغوات أرسلوا يطلبون جماعة من اختيارية الينكجرية ليتكلموا معهم في الصلح فأجابوا إلى الحضور غير أنهم تعللوا إلى الحضور بانقطاع الطريق من العسكر المقيمين بالمحجر فأرسلوا إلى حسن كتخدا العزب فأرسل إليهم من أحضرهم وخلت الطريق فاجتمع رأي الينكجرية على ارسال حسن كتخدا سابقا وأحمد بن مقز كتخدا سابقا أيضا فاجتمعوا بالعسكر والصناجق بمنزل إسمعيل بك وحضر معهم جميع أهل الحل والعقد وتشاوروا في اخماد هذه الفتنة وأرسلوا إلى باب الينكجرية فقالوا نحن لا نأبى الصلح بشرط أن هؤلاء الثمانية الذين كانوا سببا لاثارة هذه الفتنة لا يكونون في باب العزب بل يذهبون إلى وجاقاتهم الأصلية ولا يقيمون فيه وإن يسلموا الأمير حسن الاخميمي للباشا يفعل فيه رأيه.

 

ج / 1 ص -69-    فأبى أهل باب العزب ذلك ولم يرضوه فأرسل الأمراء الصناجق كتخداتهم إلى افرنج أحمد ومعهم اختيارية الوجاقات الخمسة يشفعون عنده بان الانفار والثمانية يرجعون كما ذكرتم إلى وجاقاتهم ويعفون من النفي ومن طلب الأمير حسن فلم يوافق افرنج أحمد على ذلك وقال: إن لم يرضوا بشرطي وإلا حاربتهم ليلا ونهارا إلى أن أخفى آثار ديار العزب فتفرقوا على غير صلح ثم اجتمع الأمراء الصناجق والاغوات في رابع شهر ربيع بمنزل إبراهيم بك بقناطر السباع وتذاكروا في اجراء الصلح على كل حال وكتبوا حجة على أن من صدر منه بعد اليوم ما يخالف رضا الجماعة يكون خصم الجماعة المذكورين جميعا. وكلموا أيوب بك أن يرسل إلى افرنج أحمد بصورة الحال وإن يمنع المحاربة إلى تمام الأمر المشروع فبطل الحرب نحو خمسة عشر يوما وأخذ افرنج أحمد مدة هذه الأيام في تحصين جوانب القلعة وعمل متاريس ونصب مدافع وتعبية ذخيرة وجبخانة ملأوا الصهاريج وحضر في أثناء ذلك محمد بك حاكم الصعيد ونزل بالبساتين فأقام ثلاثة أيام ودخل في اليوم الرابع ومعه السواد الأعظم من العرب والمغارية والهوارة ونزل ببيت آق بردى بالرميلة وحارب من جامع السلطان حسن من منزل يوسف اغات الجراكسة سابقا فلم يظفر وقتل من جماعته نحو ثلاثين نفرا وظهر عليه محمد بك المعروف بالصغير تابع قيطاس بك من انضم إليه من اتباع إبراهيم بك وأيواز بك ومماليكه وكانوا تترسوا في ناحية سوق السلاح ووضعوا المتاريس في شبابيك الجامع وانتقل من محله وذهب إلى طولون وتترس هناك وهجم على طائفة العزب الذين كانوا بسبيل المؤمن على حين غفلة وصحبته ذو الفقار تابع أيوب بك فوقع بينهم مقتلة عظيمة من الفريقين فلم يطق العزب المقاومة فتركوا السبيل وذهبوا إلى باب العزب وربط محمد بك جماعة من عسكره في مكانهم.

 

ج / 1 ص -70-    ثم أن الشيخ الخليفي طلع إلى باب الينكجرية وتكلم مع أحمد أوده باشا والاختيارية في أمر الصلح فقام عليه افرنج أحمد وأسمعه ما لا يليق وأرسل إلى الطبجية وأمرهم بضرب المدافع على حين غفلة فانزعج الناس وقاموا وقام الشيخ ومضى وأما سكان باب العزب فإنهم أخذوا ما امكنهم من أمتعتهم وتركوا منازلهم ونزلوا المدينة وتفرقوا في حارات القاهرة. وحصل عند الناس خوف شديد وأغلقوا الوكائل والخانات والأسواق ورحل غالب السكان القريبين من القلعة مثل جهة الرميلة والحطابة والمحجر خوفا من هدم المنازل عليهم. وكان الأمر كما ظنوه فإن غالبها هدم من المدافع واحترق والذي سلم منها حرقه عسكر طوائف الينكجرية بالنار. ولم يصب باب العزب شيء من ذلك ما عدا مجلس الكتخدا فإنه انهدم منه جانب وكذلك موضع الأغا لاغير. ثم أن افرنج أحمد توافق مع أيوب بك وعينوا عمر أغا جراكسة وأحمد أغا تفكجيان ورضوان أغا جمليان فقعدوا بمن انضم إليهم بالمدرسة بقوصون وجامع مزدادة بسويقة العزى وجامع قجماس بالدرب الاحمر ليقطعوا الطريق على العزب واختار افرنج أحمد نحو تسعين نفرا من الينكجرية واعطى كل شخص دينارا طرلي وأرسلهم بعد الغروب إلى الاماكن المذكورة فأما رضوان أغا فإنه تعلل واعتذر عن الركوب وأما أحمد أغا فإنه توجه إلى المحل الذي عين له فتحارب مع طائفة من الصناجق والعزب في الجنابكية وأما الذين ربطوا بجامع مزدادة فلم يأتهم أحد إلى الصباح فأخذوا الفطور من الذاهبين به إلى باب العزب.
وفي أثناء ذلك نزل رجل أوده باشا من العزب من السلطان حسن يريد منزله فقبض عليه طائفة من الاخصام وسلبوه ثيابه وتركوه بالقميص وأرسلوه إلى افرنج أحمد فلما بلغ العزب ذلك أرسلوا طائفة منهم إلى المقيمين بجامع مزدادة فدخلوا من بيت الشريف يحيى بن بركات ونقبوا

 

ج / 1 ص -71-    منزل عمر كتخدا مستحفظان إذ ذاك وما بجواره من المنازل إلى أن وصلوا منزل مراد كتخدا. فبمجرد ما رآهم العسكر الذين بجامع مزدادة فروا وأما عمر أغات جراكسة المقيم بجامع قجماس فإنه وزع أتباعه جهة باب زويلة وجهة التبانة فحصل لأهل تلك الخطة خوف شديد خصوصا من كان بيته بالشارع. فأرسلت العزب صالح جربجي الرزاز بجملة من عسكر العزب ومن انضم إليهم من الينكجرية الذين انقلبوا إلى العزب كأتباع الأمير حسن باشجاويش سابقا والأمير حسن جاويش تابع القزدغلي والأمير حسن جلب كتخدا وجماعة محمد جاويش كدك فحاربوا مع من بجامع قجماس واستولى صالح جربجي عليه وعلى المتاريس التي بشبابيكه وملك الأمير حسن جاويش تابع القزدغلي جامع المرداني وأقام به وحسن جاويش جلب أقام بجامع مع أصلم وانتشرت طوائفهم بتلك الاخطاط والاماكن فاطمأن الساكنون بها وأما عمر أغا الجراكسة فإنه لما فر من جامع قجماس ذهب إلى جامع المؤيد داخل زويلة ثم أن محمد بك أرسل بطلبه فركب ومر على أحمد أغا التفكجية فأركبه معه وذهبا إلى محمد بك الصعيدي بالصليبية وحصل لأهل خط قوصون خوف عظيم بسبب إقامة أحمد أغا بالسلمانية ورحل غالبهم من المنازل فلما رحل عنهم اطمأنوا وتراجعوا وحضرت طائفة من المتفرقة إلى محل أحمد أغا التفكجية وعملوا متاريس على رأس عطفة الحطب ومكثوا هناك أياما قلائل ثم رحلوا عنها. فأتى علي كتخدا الساكن بالداودية بطائفة من العزب فتملكوا ذلك الموضع وجلسوا به ثم أن طائفة من المتفرقة والاسباهية هجموا على منزل الأمير قرا إسمعيل كتخدا مستحفظان فدخلوا من بيت مصطفى بك بن ايواز ونقبوا الحائط بينه وبين منزل قرا إسمعيل كتخدا فلما وصل الخبر إلى العزب عينوا له بيرقا من عسكر العزب ورئيسهم أحمد جربجي تابع ظالم علي كتخدا فلم يمكنه الدخول من جهة الباب فخرق صدر دكان وتوصل منه.

 

ج / 1 ص -72-    إلى منزل أحمد افندي كاتب الجراكسة سابقا ثم نقبوا منه محلا توصلوا منه إلى منزل إسمعيل كتخدا ودخلوا على طائفة البغاة فوجدوهم مشغولين في نهب اثاث المنزل المذكور فهجموا عليهم هجمة واحدة فألقوا ما بايديهم من السلب ورجعوا القهقرى إلى المحل الذي دخلوا منه من بيت مصطفى بك فتبعوهم وتقاتل الفريقان إلى أن كانت الدائرة على المتفرقة والاسباهية ونهب العزب منزل مصطفى بك لكونه مكن البغاة من الدخول إلى منزله ولكونه كان مصادقا لأيوب بك. ثم أن أحمد جربجي المذكور انتقل بمن معه من العسكر إلى قوصون ودخل جامع الماس وتحصن به. وكان محمد بك حاكم جرجا يمر من هناك ويمضي إلى الصليبة فانتهز أحمد جربجي فرصة هو أنه وجد منزل حسين كتخدا الجزايرلي خاليا فدخل فيه فرأى داخله قصدا متصلا بمنزل محمد كتخدا عزبان المعروف بالبيرقدار بعلو دهليز منزله وطبقاته تشرف على الشارع فكمن فيه هو وطائفة ممن معه ليغتال محمد بك إذا مر به وإذا بمحمد بك قد خرج من عطفة الحطب مارا إلى جهة الصليبة فضربوه بالبندق فأصيب أربعة من طائفته فقتلوا فظن أن الرصاص أتاه من منزل محمد كتخدا البيرقدار فوقف على بابه واضرم النار فيه فاحترق أكثر المنزل ونهبوا ما فيه من أثاث ومتاع. ثم أن النار اتصلت بالأماكن المجاورة له والمواجهة فاحترقت البيوت والرباع والدكاكين التي هناك من الجهتين من جامع الماس إلى تربة المظفر يمينا وشمالا وأفسدت ما بها من الأمتعة والذي لم يحترق نهبته البغاة وخرجت النساء حواسر مكشفات الوجوه فأستولى أحمد جربجي على جامع الماس وعلي كتخدا الساكن بالداودية أقام بالمدرسة السليمانية وأما اطراف القاهرة فإنها تعطلت من المارة وعلى الخصوص طريق بولاق ومصر العتيقة والقرافة لكون أيوب بك أرسل إلى حبيب الدجوى يستعين به فحضر منهم طائفة وكذلك اخلاط الهوارة الذين حضروا من الصعيد صحبة.

 

ج / 1 ص -73-    محمد بك فاحتاطوا بالاطراف يسلبون الخلق واستاقوا جمال السقائين حتى كاد أهل مصر يموتون عطشا وصار العسكر فرقتين ايواز بك وقيطاس بك الدفتردار وإبراهيم بك أمير الحاج سابقا ومحمد بك وقانصوه بك وعثمان بك بن سليمان بك ومحمود بك وبلكات الأسباهية الثلاثة والجاويشية والعزب عصبة واحدة وأيوب بك ومحمد بك الكبير وأغوات الأسباهية من غير الانفار ومحمد أغا متفرقة باشا وأهل بلكه وسليمان أغا كتخدا الجاويشية وبلك الينكجرية المقيمين بالقلعة صحبة افرنج أحمد والباشا وقاضي العسكر الجميع عصبة واحدة وأخذوا عندهم نقيب الأشراف بحيلة واحتبسوه عندهم وأغلقوا جميع أبواب القلعة ما عدا باب الجبل وامتنع الناس من النزول من القلعة والطلوع إليها من الباب المذكور. واستمر افرنج أحمد ومن معه يضربون المدافع على باب العزب ليلا ونهارا وبباب العزب خلق كثيرون منتشرون حوله وما قاربه من الحارات ورتبوا لهم جوامك تصرف عليهم كل يوم فلما طال الأمر اجتمع الأمراء الصناجق بجامع بشتك بدرب الجماميز واتفقوا على عزل الباشا وأقامة قائمقام من الأمراء فأقاموا قانصوه بك قائمقام نائبا ولوا اغوات البلكات وهم الأسباهية الثلاثة فولوا على الجملية سالح أغا وعلى الجراكسة مصطفى أغا وعلى التفكجية محمد أغا بن ذي الفقار بك وإسمعيل اغا جعلوه كتخدا الجاويشية وعبدالرحمن أغا متفرقة باشا وقلدوا الزعامة الأمير حسن الذي كان زعيما وعزله الباشا بعبد الله أغا فلما أحكموا ذلك وبلغ الخبر طائفة الينكجرية الذين بالقلعة توجهوا إلى خليل باشا واخبروه بالصورة فكتب لاغوات البلكات الثلاث ومتفرقة باشا يأمرهم بمحاربة الصناجق ومن معهم لكونهم بغاة خارجين على نائب السلطان. ثم اتفق مع افرنج أحمد على اتخاذ عسكر جديد يقال لهم سردن كجدي ويعطى لكل من كتب اسمه خمسة دنانير وخمسة عثامنة فكتبوا

 

ج / 1 ص -74-    ثمانمائة شخص وعلى كل مائة بيرقدار ورئيس يقال له أغات السردن كجدي. ثم محمد بك الصعيدي اتفق مع افرنج أحمد بان يهجم على طائفة العزب من طريق قراميدان ويكسر باب العزب المتوصل منه إلى قراميدان ويهجم على العزب. ووصل خبر ذلك إلى العزب فاستعدوا له وكمنوا قريبا من الباب المذكور فلما كان بعد العشاء الاخيرة هجموا على الباب المذكور وكان العزب أحضروا شيأ كثيرا من حطب القرطم وطلوه بالزيت والقار والكبريت فلما تكامل عسكر محمد بك أوقدوا النار في ذلك الحطب فأضاء لهم قراميدان وصار كالنهار ثم ضربوهم بالبندق ففروا فصار كل من ظهر لهم ضربوه فقتلوا منهم طائفة كثيرة وولوا منهزمين ثم أن قانصوه بك صار يكتب بيورلديات وأوامر ويرسلها إلى محمد بك الصعيدي يأمره بالتوجه إلى ولايته آمنا على نفسه وتحصيل ما عليه من الأموال السلطانية فأرعد وابرق. ثم أن جماعة من العزب أخذوا حسن الوالي المولى من طرف قائمقام مصر وذهبوا وصحبتهم جماعة من اتباع الأمراء الصناجق إلى باب الوالي ليملكوه فلما بلغ الخبر عبدالله أغا الوالي أخذ فرشه وفر إلى بيت أيوب بك وفر الأود باشا أيضا فلما لم تجد العزب أحدا في بيت الوالي توجهوا لمنزل عبدالله الوالي لينهبوه فقام عليهم جماعة من أتباع سليمان كتخدا الجاويشية ومن بجوارهم من الجند فهزموا العزب وقتلوا منهم رجلا فأقام حسن الوالي بباب قيظاس بك الدفتردار فلما اتسع الخرق أرسل الباشا إلى إبراهيم بك وأيواظ بك وقيطاس بك يطلبهم إلى الديوان ليتداعوا مع الينكجرية فلما حضر تابع الباشا وقرأ عليهم الفرمان أجابوا بالسمع والطاعة واعتذروا عن الطلوع بانقطاع الطرق من الينكجرية وترتيب المدافع ولولا ذلك لتوجهنا إليه. فلما يئس الباشا منهم اتفق مع أيوب بك ومن انضم إليه من العسكر على محاربتهم وبرز الجميع إلى خارج البلد.

 

ج / 1 ص -75-    فلما كان يوم الأحد ثالث ربيع الأول أرسلوا أيوب بك ومحمد بك إلى العزبان ليأخذوا جمال السقائين وحميرهم ومنع الماء عن البلد فأخذوا جميع ما وجدوه فعز الماء ووصل ثمن القربة خمسة أنصاف فضة فأمر الأمراء الآخرون طائفة من العسكر أن يركبوا إلى جهة قصر العيني ويستخلصوا الجمال ممن نهبهم فتوجهوا وجلسوا بالمساطب ينتظرون من يمر عليهم بالجمال. فلما بلغ محمد بك حضورهم هناك مع طائفة هوارة وهجموا عليهم وهم غير مستعدين فأندهشوا ودافعوا عن أنفسهم ساعة ثم فروا وتأخر عنهم جماعة لم يجدوا خيلهم لكون سواسهم أخذوها وفروا فقتلهم محمد بك وأرسل رؤوسهم للباشا فانسر سرورا عظيما واعطى ذهبا كثيرا.
فلما رجع المنهزمون إلى منزل قانصوه بك وأيواظ بك لم يسهل عليهم ذلك واتفقوا على البروز إليهم فركبوا في يوم الإثنين رابع عشر ربيع الثاني وخرج الفريقان إلى جهة قصر العيني والروضة فتلاقيا وتحاربا وتقاتلا قتالا عظيما تجندلت فيقالا بطل وقتل من الجند خاصة زيادة عن الأربعمائة نفر من الفريقين خلاف العربان والهوارة وغيرهم. وقصد ايواظ بك محمد بك الصعيدي فأنهزم إلى جهة المجراة فساق خلفه وكان الصعيدي قد اجلس أنفارا فوق المجراة مكيدة وحذرا فضربوا على ايواظ بك بالرصاص ليردوه فأصيب برصاصة في صدره فسقط عن جواده وتفرقت جموعه وأخذ الاخصام رأسه. وبينما القوم في المعركة إذ ورد عليهم الخبر بموت ايواظ بك فانكسرت نفوسهم وذهبوا في طلبه فوجدوه مقتولا مقطوع الرأس فحمله أتباعه ورجع القوم إلى منازلهم. ولما قطعوا رأس ايواظ بك وذهبوا بها إلى محمد بك قال: هذه رأس من قالوا: رأس قليدهم ايواظ بك فأخذها وذهب بها عند أيوب بك ورضوان. فقال أيوب بك: هذه رأس من قال: رأس قليدهم. فبكى أيوب بك وقال: حرم علينا عيش مصر.

 

ج / 1 ص -76-    قال محمد بك: هذا رأس قليدهم وراحت عليهم. قال له أيوب بك: أنت ربيت في أين إما تعلم أن ايواظ بك وراءه رجال وأولاد ومال. وهذه الدعوة ليس للقاسمية فيها جناية والآن جرى الدم فيطلبون ثأرهم ويصرفون مالا ولا يكون إلا ما يريده الله. ولما ذهبوا بالرأس إلى الباشا فرح فرحا شديدا وظن تمام الأمر له ولمن معه واعطى ذهبا وبقاشيش ودفنوا ايواظ بك وطلبوا من أيوب بك الرأس فأرسلها لهم بعد ما سلخها الباشا فدفنوها مع جثته. ثم أن أيوب بك كتب تذكرة وأرسلها إلى إبراهيم أبو شنب يعزيه في ايواظ بك ويقول له: إن شاء الله تعالى بعد ثلاثة أيام نأخذ خاطر الباشا ويقع الصلح. وأرادوا بذلك التثبيط حتى يأخذوا من الباشا دراهم يصرفونها ويرتبوا أمرهم.
وام ما كان من أمر اتباع ايواظ بك فركب يوسف الجزار وأخذ معه إسمعيل بن ايواظ بك المتوفي وأحمد كاشف وذهبوا عند قانصوه بك فوجدوا عنده إبراهيم بك وأحمد بك مملوكه وقيطاس بك وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك الصغير المعروف بقطامش جالسين وعليهم الحزن والكآبة. فلما استقر بهم الجلوس بكى قيطاس بك فقال له يوسف الجزار: وما فائدة البكاء دبروا أمركم. قالوا: كيف العمل. قال يوسف الجزار: هذه الواقعة ليس لنا فيها علاقة انتم فقارية في بعضكم واننا الآن انجرحنا ومات منا واحد خلف الفا وخلف مالا اعملوني صنجقا وأمير حاج وسر عسكر واعملوا ابن سيدي إسمعيل صنجقا يفتح بيت أبيه وفيه البركة واعطوني فرمانا من الذي جعلتموه قائمقام وحجة من نائب الشرع الذي أقمتموه أيضا على أن الذي سقطت عدالته يسقط عنه حلوان البلاد ونحن نصرف الحلوان على العسكر والله يعطي النصر لمن يشاء من عباده. ففعلوا ذلك وراضوا أمورهم في الثلاثة أيام وتهيأ الفريقان للمبارزة وخرجوا يوم السبت تاسع عشر ربيع الثاني وكان

 

ج / 1 ص -77-    أيوب بك حصن منزله فاتفق رايهم على محاربة العسكر المجتمعة أولا ثم محاصرة المنزل فخرج أيوب بك على جهة طولون ووقعت حروب وأمور ثم رجعوا إلى منازلهم فلما رأى طائفة العزب تطاول الأمر وعدم التوصل إلى القلعة وامتناع من فيها وضرب المدافع عليهم ليلا ونهارا اجمع رأيهم على أن يولوا كتخدا على الينكجرية ويجلسوه بباب الوالي بطائفة من العسكر وينادوا في الشوارع بان كل من كانت له علوفة في وجاقات مستحفظان يأتي تحت البيرق بالبوابة ومن لم يأت بعد ثلاثة أيام ينهب بيته. ففعلوا ذلك وعملوا حسن جاويش قريب المرحوم جلب خليل كتخدا لكونها نوبته والبسه قانصوه بك قائمقام قفطانا وركب وإمامه الوالي والبيرق والعسكر والمنادي إمامه ينادي بما ذكر إلى أن نزل بيت الوالي واحضروا الأودة باشا المتولي إذ ذاك واجلسوه محله وطاف البلد بطائفته وكذلك العسكر.
وفي يوم الخميس هجمت الينكجرية من البذرم على باب العزب ومعهم محمد بك الكبير وكتخدا الباشا وافرنج أحمد فعندما نزل أولهم من البذرم وكان العزب قد اعدوا في الزاوية التي تحت قصر يوسف مدفعين ملآنين بالرش والفلوس الجدد فضربوا عليهم فوقع محمد اغا سر كدك والبيرقدار وانفار منهم فولوا منهزمين يطأ بعضهم بعضا. فأخذت العزب رؤوس المقتولين فأرسلوها إلى قانصوه بك. ثم أن قائمقام والصناجق اتفقوا على تولية علي اغا مستحفظان لضبطه واهتمامه فلما أرسلوا له أبى أن يقبل ذلك فتغيب من منزله فركب يوسف بك الجزار ومحمد بك الصغير وعثمان بك في عدة كبيرة ودخلوا على منزل علي اغا فلم يجدوه واخبروا بالمكان الذي هو فيه فطلبوه فأتى بعد امتناع وتخويف وتوجه معهم إلى قائمقام فالبسه قفطان الأغاوية يوم الخميس رابع عشري ربيع الثاني وعاد إلى منزله بالقفطان يقدمه العسكر مشاة بالسلاح

 

ج / 1 ص -78-    والملازمون معلنين بالتكبير وبلفظ الجلالة كما هي عادتهم في المواكب. وفي صبيحة ذلك اليوم عين قائمقام بمعرفة حسن كتخدا مستحفظان طائفة من العسكر إلى بولاق صحبة أحمد جربجي ليجلسوه في التكية وصحبته والي بولاق واغا من المتفرقة عوضا عن اغات الرسالة الذي بها من جانب الباشا. فاجلسوه في منزله ونهبوا ما وجدوه لأغات الرسالة الأول من فرش وامتعة وخيل وغير ذلك.
وفي صبيحة يوم السبت سادس عشريه خرج الفريقان إلى خارج القاهرة من باب قناطر السباع واجتمعوا بالقرب من قصر العيني ومعهم المدافع وآلات الحرب فتحارب الفريقان من ضحوة النهار إلى العصر وقتل من الفريقين من دنا اجله وأيوب بك ومحمد بك بالقصر. ثم تراجع الفريقان إلى داخل البلد وتاخرت طائفة من العزب فأتى إليهم محمد بك الصعيدي واحتاط بهم وحاصرهم وبلغ الخبر قانصوه بك فأرسل إليهم يوسف بك ومحمد بك وعثمان بك فتقاتلوا مع محمد بك الصعيدي وهزموه وتبعوه إلى قنطرة السد وقد كان أيوب بك داخل التكية المجاورة لقصر العيني فلما رأى الحرب ركب جواده ونجا بنفسه فبلغ يوسف بك أنه بالتكية فقصدوه واحتاطوا بالقصر فأخبرهم الدراويش بذهابه فلم يصدقوهم ونهبوا القصر واخرجوه واحرقوه وعادوا إلى منازلهم.
وفي صبيحة يوم الأحد ذهب يوسف بك الجزار ونهب غيظ افرنج أحمد الذي بطريق بولاق ثم اجتمعوا في محل الحرب وتحاربوا ولم يزالوا على ذلك وفي كل يوم يقتل منهم ناس كثير.
وفي ثاني جمادي الأولى اجتمع الأمراء الصناجق بمنزل قائمقام وتنازعوا بسبب تطاول الحرب وامتداد الأيام ثم اتفقوا على أن ينادوا في المدينة بان من له اسم في وجاق من الوجاقات السبعة ولم يحضر إلى بيت اغاته نهب ماله وقتل. وأمهلوهم ثلاثة أيام ونودي بذلك في عصريتها،

 

ج / 1 ص -79-    وكتب قائمقام بيورلدى إلى من في القلعة من طائفة الينكجرية والكتخدائية والجربجية والأوده باشية والنفر باننا امهلناكم ثلاثة أيام فمن لم ينزل منكم بعدها ولم يمتثهل نهبنا داره وهدمناها وقتلنا من ظفرنا به ومن فر رفعنا اسمه من الدفتر فتلاشى أمرهم واختلفت كلمتهم.
وفي رابعه خرج الأمراء والاغوات إلى محل الحرب وأرسلوا طائفة كبيرة من العسكر المشاة لمحاصرة منزل أيوب بك فتحارب الفرسان إلى آخر النهار وأما الرجالة فإنهم تسلقوا من منزل إبراهيم بك وتوصلوا إلى منزل عمر اغا الجراكسة فتحاربوا مع من فيه إلى أن اخلوه ودخلوا فيه وشرعوا ليلا في نقب الربع المبني على علو منزل أيوب بك فنقبوه وكمنوا فيه. فلما كان صبيحة يوم الأحد خامس عشره حملوا حملة واحدة على منزل أيوب بك وضربوا البنادق فلم يجدوا من يمنعهم بل فر كل من فيه وركب أيوب بك وخرج هاربا من باب الجبل فلم يعلم اين توجه فملوا منزله ونهبوه مع كونه كان مستعدا وركب في اعالي منزله المدافع وفي قلعة الكبش فأرسل له افرنج أحمد بيرقا وعساكر فلم يفده ذلك شيئا ونهبوا أيضا منزل أحمد اغا التفكجية بعدما قتلوه ببيت قائمقام ولحق من لحق بايوب بك وفر الجميع إلى جهة الشام وفر محمد بك إلى جهة الصعيد ووقع النهب في بيوت من كان من حزبهم ونهبوا بيت يوسف اغا ناظر الكسوة سابقا وبيت محمد اغا متفرقة باشا وبيت محمد بك الكبير وأحرقوه وبيت أحمد جربجي القونيلي وأحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من الربع والدكاكين. فلما حصل ذلك واجتمع العساكر بمنزل قائمقام بالاسلحة وآلات الحرب وذلك سادس جمادى الأولى فأرسلوا طائفة إلى جبل الجيوشي فركبوا مدافع على محل الباشا ومدافع على قلعة المستحفظان واحاطوا بالقلعة من اسفل وضربوا ستة مدافع على الباشا ورموا بنادق. فنصب الباشا بيرقا أبيض يطلب.

 

ج / 1 ص -80-    الأمان وفر من كان داخل القلعة من العسكر. فبعضهم نزل بالحبال من السور وبعضهم خرج من باب المطبخ فعند ذلك هجمت العساكر الخارجة على الباب ودخلوا الديوان فأرسل الباشا القاضي ونقيب الأشراف يأخذان له امانا من الصناجق والعسكر فتلقوهما وأكرموهما وسألوهما عن قصدهما فقالا لهم أن الباشا يقرئكم السلام ويقول لكم: أنا كنا اغتررنا بهؤلاء الشياطين وقد فروا المراد أن تعلمونا بمطلوبكم فلا نخالفكم. فقالوا له:ما اعلموه أن الصناجق والأمراء والاغوات والعسكر قد اتفقوا على عزله وإن قانصوه بك قائمقام وأما الباشا فإنه ينزل ويسكن في المدينة إلى أن نعرض الأمر على الدولة ويأتينا جوابهم. فأرسل القاضي نائبه إلى الباشا يعرفه عن ذلك فأجابه بالطاعة واستأمنهم على نفسه وماله واتباعه وركب من ساعته في خوصه يقدمه قائمقام واغات مستحفظان عن يمينه واغات المتفرقة عن شماله واختيارية الوجاقات من خلفه وإمامه ونزل من باب الميدان وشق من الرميلة على الصليبة والعامة قد اصطفت بشافهونه بالسب واللعن إلى أن دخل بيت على اغا الخازندار بجوار المظفر وهجم العسكر على باب مستحفظان فملكوه ونهبوا بعض اسباب حسين اغا مستحفظان. وخرج حسين اغا من باب المطبخ فلما رآه يوسف بك اشار إلى العسكر فقطعوه وقطعوا إسمعيل افندي بالمحجر وكذلك عمر اغات الجراكسة بحضرة إسمعيل بن ايواظ وخازنداره ذو الفقار وقع في عرض بلدية علي خازندار وحسن كتخدا الجلفي فحمياه من القتل وذو الفقار هذا هو الذي قتل إسمعيل بك بن ايواظ وصار اميرا كما يأتي ذكر ذلك في موضعه فقتلوه بباب العزب ونزل افرنج أحمد وكجك أحمد اوده باشا إلى المحجر متنكرين فعرفهما الجالسون بالمحجر فقبضوا عليهما وذهبوا بهما إلى باب العزب وقطعوا رؤوسهما وذهبوا بهما إلى بيت ايواز بك. وطلع علي اغا إلى محل حكمه وطلع حسن كتخدا من باب الوالي.

 

ج / 1 ص -81-    و إمامه العساكر بالاسلحة إلى باب مستحفظان والبيرق إمامه. ونزل جاويش إلى أحمد كتخدا برمقس فوجده في بيت إسمعيل كتخدا عزبان فأخذه وطلع به إلى الباب فخنقوه وأخذوه إلى منزله في تابوت. وركب علي اغا وإمامه الملازمون بالبيرشان فطاف البلد وأمر بتنظيف الاتربة واحجار المتاريس وبناء النقوب والبس قائمقام اغوات البلكات السبع قفاطين وطلع الذين كانوا بباب العزب من الينكجرية إلى بابهم وعدتهم ستمائة إنسان.
وفي حادي عشر جمادى الأولى لبس يوسف بك الجزار على إمارة الحاج ومحمود بك على السويس وعين يوسف بك المذكور مصطفى اغات الجراكسة للتجريدة على الشرقية.
وفي رابع عشره لبس محمد بك الصغير على ولاية الصعيد وخرج من بيته بموكب إلى الاثر وصحبته الطوائف الذين عينوا معه من السبع بلكات بسر دارياتهم وبيارقهم وعدتهم خمسمائة نفر منهم مائتان من الينكجرية والعزب وثلثمائة نفر من الخمس بلكات اعطوا كل نفر من المائتين ألف نصف فضة ترحيلة ولكل شخص من الثلثمائة ألف وخمسمائة نصف فضة وسافروا رابع جمادي الآخرة وكان محمد بك الكبير خرج مقبلا وصحبته الهوارة فخرج وراءه يوسف بك الجزار وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش فوصلوا دير الطين فلاقاهم شيخ الترابين فاخبرهم أنه مر من ناحية التبين نصف الليل فرجعوا إلى منازلهم وبلغهم في حال رجوعهم أن خازندار رضوان اغا تخلف عند الدراويش بالتكية فقبضوا عليه وقطعوا دماغه ولم يزل محمد بك الصعيدي حتى وصل اخميم وصحبته الهوارة وقتل ما بها من الكشاف ونهب البلاد وفعل افعالا قبيحة. ثم ذهب إلى اسيوط وأرسل إلى قامئمقام جرجا فتصرف في جميع تعلقاته وأرسلها إليه نقودا ونزل مختفيا إلى بحري ومر من انيابة نصف الليل ولم يزل سائرا إلى دمياط ونزل في مركب افرنجي وطلع إلى حلب ووصل

 

ج / 1 ص -82-    خبره إلى السردار فجمع السردارة والعسكر ولحقوه على البرج فلم يدركوه ثم أنه ركب من حلب وذهب إلى دار السلطنة من البروكان أيوب بك ومحمد اغا متفرقة وكتخدا الجاويشة سليمان اغا وحسن الوالي وصلوا قبله وقابلوا الوزير واعلموه بقصتهم وعرضوا عليه الفتوى وعرض الباشا والقاضي فاكرمهم وانزلهم في مكان ورتب لهم تعيينا. ثم اتاهم محمد بك وقابل معهم الوزير أيضا فخلع عليه وولاه منصبا. وأما رضوان اغا فإنه تخلف ببلاد الشام ومحمد اغا الكور صحبته.
وفي تاسع عشر جمادى الأولى رجع يوسف بك ومصطفى اغا من الشرقية.
وفي سابع جمادى الآخرة تقلد محمد بك ابن إسمعيل بك ابن ايواظ بك الصنجقية ثم إنهم اجتمعوا في بيت قائمقام وكتبوا عرضحال بصورة ما وقع وطلبوا ارسال باشا واليا على مصر وذكروا فيه أن الخزنة تصل صحبة محمد بك الدالي وانقضت الفتنة وما حصل بها من الوقائع التي لخصنا بعضها وذكرناه على سبيل الاختصار واستمر خليل باشا بمصر حتى حضر والي باشا وحاسبوه وسافر في ثامن عشر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين ومائة وألف وكاننت أيام فتن وحروب وشرور.
تولية والي باشا على مصر.
ثم تولى على مصر والي باشا فوصل إلى مصر وطلع إلى القلعة في أواخر رجب سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف.
وفي شوال قلدوا أحمد بك الأعسر تابع إبراهيم بك صنجقية وزادوه كشوفية البحيرة وكان قانصوه بك قائمقام قبل وصول الباشا رسم باخراج تجريدة إلى هوارة المفسدين الذين اتوا إلى مصر صحبة محمد بك الصعيدي ورجعوا صحبته واخربوا اخميم وقتلوا الكشاف وأمير التجريدة محمد بك قطامش وصحبته ألف عسكري واعطوا كل عسكري.

 

ج / 1 ص -83-    ثلاثة آلاف نصف فضة من مال البهار سنة تاريخه وإن يكون محمد بك حاكم جرجا عن سنة ثلاث وعشرين وأربعة وعشرين وقضى اشغاله وبرز خيامه إلى الآثار ثم طلب الوجه البلي إلى أن وصل إلى اسيوط فقبض على كل من وجده من طرف محمد بك الصعيدي وقتله ومنهم حسين اوده باشا ابن دقماق ثم انتقل إلى منفلوط وهربت طوائف الهوارة بأهلها إلى الجبل الغربي واتت إليه هوارة بحري صحبة الأمير حسن فاخبروه بما وقع لهم وساروا صحبته إلى جرجا فنزل بالصيوان وابرز فرمانا قرىء بحضرة الجميع باهراق دم هوارة قبلي وأمر بالركوب عليهم إلى اسنا وتسلط عليهم هوارة تجري ونهبوا مواشيهم واغنامهم ومتاعهم وطواحينهم واشتفوا منهم وكل من وجدوه منهم قتلوه ولم يزل في سيره حتى وصل قنا وقوص ثم رجع إلى جرجا ثم أن هوارة قبلي التجأوا إلى إبراهيم بك أبو شنب والتمسوا منه أن ياخذ لهم مكتوبا من قيطاس بك بالامان ومكتوبا إلى حاكم الصعيد كذلك وفرمانا من الباشا بموجب ذلك فأرسل إلى قيطاس بك تذكرة صحبة أحمد بك الأعسر يترجى عنده فاجاب إلى ذلك وأرسلوا به محمد كاشف كتخدا وبرجوع التجريدة والعفو عن الهوارة. ورجع محمد كاشف والتجريدة وصحبته التقادم والهدايا وأرسلوا إلى إبراهيم بك مركب غلال وخيولا مثمنة وأغناما.
وفي أواخر شوال ورد اغا من الدولة وعلى يده مرسومات منها محاسبة خليل باشا واستعجال الخزينة وبيع بلاد من قتل في أيام الفتنة وكذلك أملاكهم.
وفي شهر رمضان قبل ذلك جلس بجامع المؤيد فكثر عليه الجمع وازدحم المسجد وأكثرهم اتراك ثم انتقل من الوعظ وذكر ما يفعله أهل مصر بضرايح الأولياء وأيقاد الشموع والقناديل على قبور الأولياء وتقبيل اعتابهم وفعل ذلك كفر يجب على الناس تركه وعلى ولاة الأمور السعي.

 

ج / 1 ص -84-    في ابطال ذلك. وذكر أيضا قول الشعراني في طبقاته أن بعض الأولياء اطلع على اللوح المحفوظ أنه لا يجوز ذلك ولا تطلع الانبياء فضلا عن الأولياء على اللوح المحفوظ وانه لا يجوز ذلك ولا تطلع الانبياء فضلا عن والتكايا ويجب هدم ذلك. وذكر أيضا وقوف الفقراء بباب زويلة في ليالي رمضان. فلما سمع حزبه ذلك خرجوا بعد صلاة التراويح ووقفوا بالنبابيت والاسلحة فهرب الذين يقفون بالباب فقطعوا الجوخ والاكر المعلقة وهم يقولون اين الأولياء: فذهب بعض الناس إلى العلماء بالأزهر واخبروهم بقول ذلك الواعظ وكتبوا فتوى واجاب عليها الشيخ أحمد النفراوي والشيخ أحمد الخليفي بأن كرامات الأولياء لا تنقطع بالموت وإن انكاره على اطلاع الأولياء على اللوح المحفوظ لا يجوز ويجب على الحاكم زجره عن ذلك. وأخذ بعض الناس تلك الفتوى ودفعها للواعظ وهو في مجلس وعظه فلما قرأها غضب وقال: يا ايها الناس إن علماء بلدكم أفتوا بخلاف ما ذكرت لكم وإني أريد أن أتكلم معهم وأباحثهم في مجلس قاضي العسكر فهل منكم من يساعدني على ذلك وينصر الحق. فقال له الجماعة: نحن معك لا نفارقك. فنزل عن الكرسي واجتمع عليه العامة زيادة عن ألف نفس ومر بهم من وسط القاهرة إلى أن دخل بيت القاضي قريب العصر فانزعج القاضي وسألهم عن مرادهم فقدموا له الفتوى وطلب منه أحضار المفتين والبحث معهما. فقال القاضي: اصرفوا هؤلاء الجموع ثم نحضرهم ونسمع دعواكم. فقالوا ما تقول في هذه الفتوى قال باطلة. فطلبوا منه أن يكتب لهم حجة ببطلانها. فقال أن الوقت قد ضاق والشهود ذهبوا إلى منازلهم وخرج الترجمان. فقال لهم: فضربوه واختفى القاضي بجريمة. فما وسع النائب إلا أنه كتب لهم حجة حسب مرادهم ثم اجتمع الناس في يوم الثلاثاء عشرينه وقت الظهر بالمؤيد لسماع الوعظ على عادتهم فلم يحضر

 

ج / 1 ص -85-    لهم الواعظ فأخذوا يسألون عن المانع من حضوره. فقال بعضهم اظن أن القاضي منعه من الوعظ. فقام رجل منهم وقال: ايها الناس من أراد أن ينصر الحق فليقم معي. فتبعه الجم الغفير فمضى بهم إلى مجلس القاضي فلما رآهم القاضي ومن في المحكمة طارت عقولهم من الخوف وفر من بها من الشهود ولم يبق إلا القاضي فدخلوا عليه وقالوا له: اين شيخنا فقال: لا أدري. فقالوا له: قم واركب معنا إلى الديوان ونكلم الباشا في هذا الأمر ونسأله أن يحضر لنا اخصامنا الذين افتوا بقتل شيخنا ونتباحث معهم فإن اثبتوا دعواهم نجوا من ايدينا وإلا قتلناهم. فركب القاضي معهم مكرها وتبعوه من خلفه وإمامه إلى أن طلعوا إلى الديوان فسأله الباشا عن سبب حضوره في غير وقته. فقال: انظر إلى هؤلاء الذين ملأوا الديوان والحوش فهم الذين اتوا بي وعرفه قصتهم وما وقع منهم بالامس واليوم وإنهم ضربوا الترجمان وأخذوا مني حجة قهرا وأتوا اليوم واركبوني قهرا. فأرسل الباشا إلى كتخدا الينكجرية وكتخدا العزب وقال لهما: اسألوا هؤلاء عن مرادهم. فقالوا نريد أحضار النفراوي والخليفي ليبحثا مع شيخنا فيما افتيا به عليه فاعطاهم الباشا بيورلديا على مرادهم ونزلوا إلى المؤيد وأتوا بالواعظ واصعدوه إلى الكرسي فصار يعظهم ويحرضهم على اجتماعهم في غد بالمؤيد ويذهبون بجمعيتهم إلى القاضي وحضهم على الانتصار للدين وقمع الدجالين. وافترقوا على ذلك وأما الباشا فإنه لما اعطاهم البيورلدي أرسل بيورلديا إلى إبراهيم بك وقيطاس بك بعرفهم ما حصل وما فعله العامة من سوء الأدب وقصدهم تحريك الفتن وتحقيرنا نحن والقاضي وقد عزمت أنا والقاضي على السفر من البلد. فلما قرأ الأمراء ذلك لم يقر لهم قرار وجمعوا الصناجق والاغوات ببيت الدفتردار واجمعوا رايهم على أن ينظروا هذه العصبة من أي وجاق ويخرجوا من حقهم وينفي ذلك الواعظ من البلد.

 

ج / 1 ص -86-    وأمروا الأغا أن يركب ومن رآه منهم قبض عليه وأن يدخل جامع المؤيد ويطرد من يسكنه من السفط. فلما كان صبيحة ذلك اليوم ركب الأغا وأرسل الجاويشية إلى جامع المؤيد فلم يجدوا منهم أحدا وجعل يفحص ويفتش على افراد المتعصبين فمن ظفر به أرسله إلى باب اغاته فضربوا بعضهم ونفوا بعضهم وسكنت الفتنة.