تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
ج / 2 ص -5-
سنةإحدى ومائتين وألف.
في يوم الإثنين سابع المحرم حضر إسمعيل بك في
تجريدة إلى مصر فركب بمفرده وهو ملثم بمنديل وحضر عند حسن باشا وقابله
وهو أول اجتماعه به وجلس معه مقدار درجتين لا غير وأستاذ نه في القيام
فخلع عليه فروة سمور وقام وذهب إلى بيت مملوكه علي بك جركس وهو بيت
أيوب بك الصغير الذي في الحبانية وكان السبب في حضوره على هذه الصورة
أنه في يوم الخميس ثالث المحرم التقوا مع الأمراء القبليين واتفقوا
معهم عند المنشية فكان بينهم وقعة عظيمة وقتل من الفريقين جملة كبيرة
وأبلى فيها المصريون البحرية والقبلية مع بعضهم وتنحت عنهم العساكر
العمثانية ناحية وهجمت القبالي وألقوا بأنفسهم في نار الحرب وطلب كل
غريم غريمه ثم اندفعت العثمانية مع البحرية وظهر من شجاعة عابدي باشا
ما تحدث به الفريقان في شجاعته وأصيب إسمعيل بك برشة رصاص دخلت في فمه
وطلعت من خده فولى منهزما وألقى نفسه في البحر وركب في قنجة وحضر إلى
مصر على الفور ولم يدر ماذا جرى بعده فلما حضر على هذه الصورة وأشيع
وقوع الكسرة والهزيمة على التجريدة اضطربت الأقاويل واختلفت الروايات
وكثرت الأكاذيب وارتج العثمانيون.
ج / 2 ص -6-
وأرسل حسن باشا الرسل لإحضار العساكر التي
بالاسكندرية وكذلك أرسل إلى بلاد الروم.
وفي يوم السبت ثاني عشرة حضر حسن بك الجداوي وجماعة من الرجاقات
والعساكر فذهب حسن بك إلى حسن باشا وقابله وقد أصيب بسيف على يده فخلع
عليه فروة ثم ذهب إلى بيته القديم وهو بيت الداودية وكذلك حضر بقية
الأمراء الصناجق وأصيب قاسم بك بضربة جرحت أنفه وكذلك حضر عابدي باشا
وطلع إلى قصر العيني وأقام به.
وفيه حضر ططرى وعلى يده مرسوم بعزل محمد باشا عن ولاية مصر وولاية
عابدي باشا مكانه وأن محمد باشا يتوجه إلى ولاية ديار بكر عوضا عن
عابدي باشا فشرع عابدي باشا في نقل عزاله إلى بولاق فتحدث الناس أن ذلك
من فعل حسن باشا لأن بينهما أمورا باطنية.
وفي يوم الإثنين عمل حسن باشا ديوانا في بيته اجتمع فيه جميع الأمراء
والصناجق والمشايخ وألبس إسمعيل بك خلعة وجعله شيخ البلد وكبيرها وألبس
حسن بك خلعة وقلده أمير الحاج فخرجوا من مجلسه وهم كاظمون لغيظهم هذا
وأسمعيل بك متململ من جرحه والسيد عثمان الحمامي يعالجه وأخرج من عنقه
ست عشرة زردة من زرد الزرخ فإن الرصاص لما أصابه منعه الزرخ من الغوص
في الجسد فغاص نفس الزرد فأخرجه السيد عثمان بالالة واحدة بعد واحدة
بغاية المشقة والألم ثم عالجه بالادهان والمراهم حتى برىء في أيام
قليلة.
وفيه حضر إلى إسمعيل بك رجل بدوي وأخبر أن الجماعة القبليين زحفوا إلى
يجري ووصلت أوائلهم إلىبني سويف وأخبر أنه مات منهم مصطفى بك الداودية
ومصطفى بك السلحدار وعلي أغا خازندار مراد بك سابقا ونحو خمسة عشر
أميرا من الكشاف وأن نفوسهم قويت على الحرب.
وفي يوم الثلاثاء حضر إسمعيل أغا كمشيش وكان ممن تخلف في الأسر.
ج / 2 ص -7-
عند القلبين فأفرجوا عنه وأرسلوا معه مكاتبة
يذكرون فيها طلب الصلح وتوبتهم السابقة واستعدادهم للحرب أن لم يجابوا
في ذلك.
وفي يوم الأربعاء نزل محمد باشا من القلعة وذهب إلى بولاق.
وفي يوم الخميس نودي على النفر والالضاشات والأجناد والمماليك بأن يتبع
كل شخص متبوعه وبابه ومن وجد بعد ثلاثة أيام بطالا ولم يكن معه ورقة
يستحق العقوبة وكذلك حضور الغائبين بالأرياف.
وفيه أخذ أحمد القبطان المعروف بحمامجي أوغلي المراكب الرومية التي
بقيت في النيل وجملة نقاير وصعد بهم إلى ناحية دير الطين قريبا من
التبين وشرعوا في عمل متاريس وحفر خنادق هناك ونقلوا جملة مدافع أيضا
وكان أشيع طلوع عابدي باشا إلى القلعة في ذلك اليوم فلم يطلع وحضر عند
حسن باشا وتكلم معه كلاما كثيرا وقال كيف أطلع وأتسلطن في هذا الوقت
والأعداء زاحفون على البلاد وأولاد أخي قتلوا في حربهم ولا أطلع حتى
أخذ بثأرهم أو أموت ثم قام من عنده ورجع إلى قصر العيني.
وفيه سافر عمر كاشف الشعراوي لملاقاة الحجاج إلى القلزم وحضرت مكاتيب
الجبل على العادة القديمة وأخبروا بالأمن والراحة.
وفي يوم الجمعة خرج رضوان بك بلغيا وسليمان الشابوري وعبد الرحمن بك
عثمان وبرزوا خيامهم ناحية البساتين.
وفيه عمل حسن باشا ديوانا وخلع على ثلاثة أشخاص من أمراء حسن بك
الجداوي وقلدهم صناجق وهم شاهين وعلي وعثمان.
وفيه حضر إلى مصر ذو الفقار الخشاب كاشف الفيوم المعروف بأبي سعدة.
وفي يوم السبت خرج غالب الأمراء إلى ناحية البساتين وورد الخبر عن
القبليين أنهم لم يزالوا مقيمين في ناحية بني سويف.
وفيه أنفق حسن باشا ثلث النفقة على العسكر فأعطى إسمعيل بك عشرين ألف
دينار وحسن بك خمسة عشر ألفا ولكل صنجق عشرة آلاف.
ج / 2 ص -8-
ولكل طائفة وجاق أربعة آلاف فاستقل الينكجرية
حصتهم وكتبوا لهم عرضحال يطلبون الزيادة في نفقتهم.
وفيه طلب حسن باشا دراهم سلفة من التجار فوزعوها على أفرادهم فحصل
لفقرائهم الضرر وهرب أكثرهم وأغلقوا حوانيتهم وحواصلهم فصاروا يسمرونها
وكذلك البيوت وطلبوا أيضا الخيول والبغال والحمير وكبسوا البيوت
والأماكن لاستخراجها وعزت الخيول جدا وغلت أثمانها.
وفي يوم الإثنين قبض حسن باشا على إسمعيل اغا كمشيش المتقدم ذكره وأمره
بقتله وأخرجوه من بين يديه وعلى رأسه دفية فشفع فيه الوجاقلية فعفا عنه
من القتل وسجنوه وسبب ذلك أنه أحضر صحبته عدة مكاتيب سرا خطابا لبعض
أنفار فظهروا على ذلك فوقع له ما وقع.
وفيه عمل حسن باشا ديوانا عظيما جمع فيه الأمراء والأعيان وقرأوا
مكاتبات أرسلها القبليون يطلبون الصلح والأمان ويذكرون العابدي باشا ما
نهب له في المعركة وأن يرسل قائمة بذلك ويردون له ما ضاع بتمامه فقال
عابدي باشا لحسن بك الجداوي: ما تقول في هذا الكلام؟ قال أقول: لا
نأخذه إلا بالسيف كما أخذوه منا بالسيف وانفض الديوان ووقع الاتفاق على
أن يكتبوا لهم جوابا عن رسالتهم ملخصة أن كان قصدهم الصلح والأمان
وقبول التوبة فإنهم يجابون إلى ذلك ويحضر إبراهيم بك ومراد بك ويأخذ
لهم حضرة القبطان أمانا شافيا من مولانا السلطان اينما يريدون في غير
الإقليم المصري يتعيشون فيها بعيالهم وأولادهم وما شاؤوا من مماليكهم
واتباعهم وأما بقية الأمراء فإن شاؤوا حضروا إلى مصر وأقاموا بها
وكانوا من جملة عسكر السلطان وأن شاؤوا عينوا لهم أماكن من الجهات
القبلية يقيمون بها وأن أبوا ذلك فليستعدوا للحرب والقتال.
وفي يوم الثلاثاء قبض حسن باشا على عمر كاشف الذي سكنه بالشيخ الظلام
وعلي محمد أغا البارودي وأمر بحبسهما عند إسمعيل بك وسبب.
ج / 2 ص -9-
ذلك المكاتبات التي تقدم ذكرها مع إسمعيل آغا
كمشيش.
وفي يوم الأربعاء سافر محمد أفندي مكتوبجي حسن باشا بالمكاتبة إلى
القبليين.
وفي يوم الخيس نزل الاغا والجاويشية ونادوا على جميع الالضاشات بالذهاب
إلى بولاق ليسافروا في المراكب صحبة الوجاقلية وكل من بات في بيته
إستحق العقوبة وطاف الاغا عليهم يخرجهم من أماكنهم ويقف على الخانات
ويسأل على من بها منهم ويأمرهم بالخروج فأغلق الناس حوانيتهم وبطل سوق
خان الخليلي في ذلك اليوم وخرج منهم جماعة ذهبوا إلى بولاق ومنهم من
طلع إلى الأبواب حسب الأمر وحصل لفقرائهم كرب شديد لكونهم لم يأخذوا
نفقة بل رسموا لهم أنهم يأكلون على سماط بلكهم ويعلقون على دوابهم
وطعامهم البقسماط والارز والعدس لا غير وذلك لعزة اللحم وعدم وجوده فإن
اللحم الضاني بالمدينة بثلاثة عشر نصف فضة أن وجد والجاموسي بثمانية
انصاف وزاد سعر الغلة بعد الانحطاط وكذلك السمن والزيت.
وفي يوم الأحد سابع عشرينه حضر محمد أفندي المكتوبجي من عند الجماعة
وصحبته علي أغا مستحفظان بجواب الرسالة السابق ذكرها فأخبر أنهم
ممتثلون لجميع ما يؤمرون به ما عدا السفر إلى غير مصر فإن فراق الوطن
صعب ويذكر عنهم أنه لم يشق عليهم شيء أعظم من تمكن أخصامهم من البلاد
أعني إسمعيل بك وحسن بك وذلك هو السبب الحامل لهم على القدوم والمحاربة
فإن لم يقبل منهم ذلك فالقصد أن يبرز لحربهم أخصامهم دون العساكر
العثمانية فتكون الغلبة لنا أو علينا فإن كانت علينا وظفروا بنا
استحقوا الإمارة دوننا وأن كانت لنا وظفرنا بهم فالأمر لكم بعد ذلك أن
شئتم قبلتم توبتنا ورددتم لنا مناصبنا وشرطتم علينا شروطكم فقمنا بها
قياما لا نتحول عنه أبدا ما بقينا وأن شئتم وجهتمونا.
ج / 2 ص -10-
إلى أي جهة امتثلنا ذلك فلما ذكرا ذلك لحسن
باشا قال لعلي أغا أنا ما جئت إلى مصر لا عمل لهم على قدر عقولهم وإنما
السلطان امرني بما أمرت به فإن كانوا مطيعين فليمتثلوا الأمر وإلا
فسيلقون وبال عصيانهم وكتب لعلي أغا جوابا بذلك وخلع عليه فروة سمور
وسافر من وقته ورجع إلى أصحابه وصحبته شخص من طرف الباشا ولما ذهب
إليهم محمد أفندي المكتوبجي انعموا عليه وأكرموه واعطاه مراد بك خاصة
ألف ريال فجعل يثني عليهم ويمدح مكارم أخلاقهم.
واستهل شهر صفر الخير أوله يوم الخميس فيه حضرت خزينة حسن باشا من ثغر
اسكندرية فدفع باقي النفقة للعسكر والأمراء.
وفيه وصل الخبر أن الأمراء القبالي زحفوا إلى بحري ووصلت أوائلهم إلى
بر الجيزة وآخرهم بالرقق وفردوا الكلف على بلاد الجيزة.
وفيه طلب إسماعيل بك دراهم سلفة من التجار فاعتذروا بقلة الموجود
بأيديهم وأغنياؤهم جلوا إلى الحجاز ولم يدفعوا له شيئا وادعى على تجار
البن بمبلغ دراهم باقي حساب من مدته السابقة فصالحوه عنها بأربعة آلاف
دينار.
وفي يوم الجمعة نودى على المحمدية المقيمين بمصر أنهم يذهبون إلى
إسمعيل بك ويقابلونه سواء كان جنديا أو أميرا أو مملوكا ومن تأخر استحق
العقوبة وقبض على أنفار منهم وسجنوا بالقلعة وختم على دورهم من جملتهم
جعفر كاشف الساكن عند بيت القاضي من ناحية بين القصرين.
وفي تلك الليلة أعني ليلة الأحد وقعت حادثة لشخص من الأجناد يقال له
إسمعيل كاشف أبو الشراميط بيته في عطفة بخط الخيمية قتله مماليكه وسبب
ذلك على ما سمعنا تقصيره في حقهم وفي تصرفه عدة حصص جارية في التزامه
فكتب تقاسيطها بتمامها باسم زوجته ولم يكتب لهم شيئا من ذلك وكان جبارا
ظالما معدودا في جملة كشاف مراد بك فلما حصلت المناداة على المحمدية
ذهب إلى إسمعيل بك وقابله فطرده وأمره
ج / 2 ص -11-
بلزوم بيته وأن لا يخرج منه فذهب إلى بتيه
وأرسل إلى إسمعيل بك حصانين بعددهما أحدهما مركوبه والثاني لاحد
مماليكه وأرسل معهما درعين على سبيل التقدمة والهدية ليستميل خاطره
وكان مملوكه صاحب الحصان غائبا في شغل فلما حضر لم يجد الجواد فسأل عنه
فأخبره خشداشه بصورة الحال فدخل إلى سيده وسأله فنهره وشتمه فخرج
مقهورا وجلس يتحدث مع رفيقه فقالوا لبعضهم هذا الرجل سيدنا لا نرى منه
إلا الاذى ولا نرى منه احسانا ولاحلاوة لسان كذلك الحصص كتبها لزوجته
ولم يفعل معنا خيرا عاجلا ولا آجلا وحملهم الغيظ على أنهم دخلوا عليه
بعد العشاء وقتلوه فصرخت زوجته من أعلى ونزلت إليهم فقتلوها أيضا هي
وجاريتها فسمعت الجيران وكثر العائط وحضر الوالي فوقف المملوكان وضربا
عليه بنادق الرصاص ونقبا بيوت الجيران ونطا منها فلم يزل حتى قبض
عليهما وقتلهما على رأس العطفة وأصبح الخبر شائعا بين الناس بذلك.
وفي يوم الأحد المذكور حضر نجاب الحج وأخبر أن العرب وقفت للحجاج في
طريق المدينة وحاربوهم سبعة أيام وانجرح أمير الحاج وقتل غالب أتباعه
وخازنداره ومن الحجاج نحو الثلث ونهبوا غالب حمولهم بسبب عوائدهم
القديمة.
وفي يوم الإثنين شق الاغا وإمامه المنادى يقول أن إبراهيم بك ومراد بك
مطرودا السلطان ومن كان مختفيا أو غائبا وأراد الظهور أو الحضور فليظهر
أو يحضر وعليه الأمان ولا بأس عليه ومن خألف فلا يلومن إلا نفسه.
وفيه انتقل عساكر القليونجية وعدوا إلى البر الغربي ونصبوا هناك متاريس
وأما الأمراء القبليون فإنهم اخرجوا أثقالهم من المراكب وطلعوها
بأجمعها إلى البر وتركوا المراكب ذهبت إلى حال سبيلها وانحازوا جميعا
ج / 2 ص -12-
عند الأهرام.
وفي يوم الثلاثاء نودي على جميع الالضاشات بالخروج إلى الوطاق وكذلك
المقيمون بالقلعة فتكدر الناس لذلك واختفوا في الدور ولبس كثير منهم
ملابس الفقهاء والمجاورين وسبب ذلك عدم قدرتهم على الخروج من غير مصرف
فإذا خرج فقير الحال لا يجد ما يأكله ولا ما ينفقه عياله في غيبته ولا
يفيده إلا مقاساة الجوع والبرد والغربة والمشقة.
وفي يوم الأحد حادي عشره نزل الحجاج ودخلوا مصر على حين غفلة وهم في
أسوأ حال من العري والجوع ونهبت جميع أحمال أمير الحاج وأحمال التجار
وجمالهم وأثقالهم وأمتعتهم واسر العرب جميع النساء بالأحمال وكان أمرا
شنيعا جدا ثم أن الحجاج استغاثوا بأحمد باشا الجزار أمير الحاج الشامي
فتكلم مع العرب في أمر النساء فأحضروهن عرايا ليس عليهن إلا القمصان
وأجلسوهن جميعا في مكان وخرجت الناس افواجا فكل من وجد امرأته أو أخته
أو أمه أو بنته وعرفها اشتراها ممن هي في اسره وصارت المرأة من نساء
العرب تسوق الأربعة من الجمال والخمسة باحمالها فلا تجد مانعا وسبب ذلك
كله رعونة أمير الحاج فإنه لما أراد أن يتوجه بالحجاج إلى المدينة أرسل
إلى العرب فحضر إليه جماعة من أكابرهم فدفع لهم عوائد سنتين وقسط
البواقي على السنين المستقبلة بموجب الفرمان وحجز عنده أربعة أشخاص
رهائن فبدا له أن كواهم بالنار في وجوههم فبلغ ذلك أصحابهم فقعدوا
للحجاج في الطريق فبلغ أمير الحاج ذلك فذهب من طريق أخرى فوجدهم رابطين
فيها أيضا فقاتلوه قتالا هينا ففر هاربا وترك الحجاج والعرب فنهبوا
حملته وقتلوا مماليكه ولم يبق معه إلا القليل فهرب بمن بقي معه واختفى
عن الحجاج ثلاثة أيام ولم يره أجد وفعلت العرب في الحجاج ما فعلوه
وأخذوا ما أخذوه فلم ينج منهم إلا من طال عمره وسلم نفسه أو افتداها
ج / 2 ص -13-
إلى غير ذلك وأخذوا المحمل أيضا ولم يردوه.
وفي يوم الإثنين ثاني عشرة هجمت القبليون على المتاريس وأرادوا أن
يملكوها في غفلة آخر الليل لعلمهم أن الأمراء والباشا ذهبوا إلى مصر
واشتغلوا بالحجاج وكان حسن باشا ذلك اليوم لما بلغه حضور الحجاج ركب من
فوره وذهب إلى العادلية فقابل أمير الحاج ورجع من ليلته إلى الوطاق
فلما هجموا على المتاريس كان المتترسون مستيقظين فضربوا عليهم المدافع
من البر والبحر من الفجر إلى شروق الشمس فرجعوا إلى مكانهم من غير طائل
ثم هجموا أيضا يوم الثلاثاء بعد الظهر فضربوا عليهم ورجعوا.
وفي يوم الأربعاء ركب الأمراء القبليون وحملوا أحمالهم وصعدوا إلى
دهشور وجلسوا هناك وحضر منهم جماعة من الأجناد بأمان وانضموا إلى
البحريين.
وفي أواخره أمر حسن باشا بمحاسبة محمد باشا المعزول فذهب إليه أرباب
الخدم والعكاكيز واختيارية الوجاقات والافندية وذهبوا إليه ببولاق
وتحاسبوا معه ودققوا عليه في الحساب فطلع عليه ألف ومائتان وخمسة
وعشرون كيسا فطلب أن يخصم منها باقي عوائده التي بذمم الأمراء وغيرهم
فعرفوا حسن باشا عن ذلك فلم يقبل وقال: أن كان له شيء عند أجد يأخذه
منه ولا بد من أحضار الدراهم التي طلعت عليه فإني محتاج إلى ذلك في
المصاريف اللازمة للعسكر فشددوا عليه في الطلب فضاق خناقه واعتذر وبكي
وكتب على نفسه تمسكا بذلك واستوحشا من بعضهما فسعى فيض الله أفندي
الرئيس بينهما في إزالة ذلك ثم ذهب محمد باشا إلى حسن باشا واجتمع معه
في قصر الآثار.
وفيه حضرت مكاتبة من القبالي يطلبون الأمان وأن يعينوا لهم أماكن في
الجهة القبلية يقيمون بها ويعيشون هناك فأجيبوا إلى ذلك ويختاروا
ج / 2 ص -14-
مكانا يريدونه بشرط أن يكونوا جماعة قليلة
ويحضر باقي الأمراء والعسكر إلى مصر بالأمان فلم يرضوا بالافتراق ولم
يجابوا إلا بمثل الجواب الأول واستقروا ناحية بني سويف ورجعت عنهم عرب
الهنادي وفارقوهم.
واستهل ربيع الأول بيوم الجمعة فيه حضر ططرى من الدولة وعلى يده مثال
لحسن باشا بأن يقيم بمصر ولا يخرج مع العساكر بل يستمر محافظا في
المدينة فتحقق الناس إقامته عدم سفره.
وفيه شرع حسن باشا في عمل شر كفلك فشرعوا في عمله على ساحل بولاق تجاه
الديوان وهو عبارة عن متريز مصنوع من أخشاب ممتدة على مقصات من خشب وهي
قطع مفصلات يجمعها أغربة من جديد وعلى تلك المدادات عدة حراب حديد
مستمرة عليها محددة الأطراف وبين كل مقصين سفل الأخشاب الممتدة مدفع
موضوع على شبه بسطة من الخشب ومساحة ذلك نحو أربعمائة وخمسين ذراعا وهو
يوضع على هيئات مختلفة مربعا ومدورا والعسكر من داخله متحصنين به وإذا
هجمت عليه الخيول رشقت بها تلك الحرب.
وفي يوم الإثنين رابعه ركبت طوائف العسكر والوجاقات ومروا بنظامهم من
تحت قصر الآثار وحسن باشا ينظرهم فأعجبه نظامهم وترتيبهم وحسن زيهم ثم
تتابعوا في التعدية.
وفي ليلة الخميس رابع عشرة كسف جرم القمر جميعه وكان ابتداؤه من رابع
ساعة إلى ثامن ساعة من الليل.
وفي منتصفة حضرت عساكر من الاضات مثل قبرس وقرمان وغير ذلك وجاء الخبر
عن الأمراء القبالي أنهم وصلوا إلى أسيوط وتخلف عنهم جملة من المماليك
والاتباع في نواحي المنية وغيرها فمنهم من حضر إلى مصر ومنهم من اختفى
في البلاد
ج / 2 ص -15-
وفيه اشتكت الناس من غلاء الأسعار وتكلم
الشيخ العروسي مع حسن باشا بسبب ذلك وقال له في زمن العصاة: كان
الأمراء ينهبون ويأخذون الاشياء من غير ثمن والحمد لله هذا الأمر ارتفع
من مصر بوجودكم وما عرفنا موجب الغلاء أي شيء فقال: أنا لا أعرف اصطلاح
بلادكم وتشاور مع الاختيارية في شأن ذلك فوقع الاتفاق على عمل جميعة في
باب الينكجرية وأحضار الاغا والمحتسب والمعلمين ويعملون تسعيرة وينادون
بها ومن خألف أو احتكر شيئا قتل فلما كان يوم السبت سادس عشرة اجتمعوا
في باب مستحفظان وحضر الشيخ العروسي أيضا واتفقوا على تسعيرة في الخبز
واللحم والسمن وغير ذلك وركب الاغا وبجنبه المحتبسب ونادوا في الأسواق
فجعلوا اللحم الضاني بثمانية انصاف وكان بعشرة والجاموسي ستة بعد سبعة
والسمن المسلي بثمانية عشر والزبد بأربعة عشر والخبز عشر آواق بنصف فضة
وهكذا فعزت الاشياء وقل وجود اللحم وإذا وجد كان في غاية الرداء مع ما
فيه من العظم والكبد والفشة والكرشة.
وفي أواخره وصل الخبر بأن رضوان بك قرابة علي بك الكبير المنافق وعلي
بك الملط وعثمان بك وجماعة علوية حضروا إلى عرضي التجريدة وأخذوا
الأمان من إسمعيل بك وعابدي باشا وأنهم قادمون إلى مصر وأن القبالي
استقروا بوادي طحطأ مكانهم الأول الذي قاتلوا فيه.
شهر ربيع الثاني في يوم الخميس خامسه وصل المذكور إلى مصر وقابلوا حسن
باشا وتوجهوا إلى بيوتهم.
وفي يوم الأحد ثامنه ضربوا مدافع كثيرة وقت الضحى وكان أشيع في أمسه أن
التجريدة نصرت وقتل من القبالي أناس كثيرة فلما سمعت الناس تلك المدافع
ظنوا تحقيق ذلك وكثرت الأكاذيب والأقاويل ثم تبين أن لا شيء وأنها بسبب
رجوع بعض مراكب رومية من ناحية الفشن بسبب.
ج / 2 ص -16-
قلة ماء النيل ومن عادتهم أنهم إذا وصلوا
للمرساة ضربوا مدافع فيجابوا بمثلها.
وفي منتصفه حضر محمد كتخدا الاشقر بسبب تجهيز ذخيرة ولوازم ومصاريف
فهيئت وأرسلت وكذلك قبل ذلك مرارا كثيرة وأخبر أن التجريدة وصلت إلى
دجرجا وأن القبالي ارتحلوا منها وصعدوا إلى قوق وتباعدوا عن البلد نحو
ست ساعات ثم انقطعت الأخبار.
واستهل شهر جمادى الأولى فيه زاد قلق حسن باشا بسبب تأخر الجوابات وطول
المدة.
وفيه عين حسن باشا على محمد باشا برشيد وشدد عليه في طلب الدراهم
وضايقوه حتى باع امتعته وحوايجه وغلق ما عليه وتوفيت زوجته فحزن عليها
حزنا شديدا مع ماهو فيه من الكرب ولم يفده من فعائله وهمته التي فعلها
بمصر عند قدوم حسن باشا شيء وجازاه بعد ذلك بأقبح المجازاة فإنه لولا
أفاعيله وتمويهاته وأكاذيبه ما تمكن حسن باشا من دخول مصر فإنه كان
يعظم الأمر على الأمراء المصريين ويهول تهويلات كثيرة عليهم وعلى
المشايخ واختيارية الوجاقات ويقول: إياكم والعناد وإياكم أن توقعوا
حربا فانكم تخربون بلادكم وتكونون سببا في هلاك أهلها فإنه بلغني أنه
تعين مع حسن باشا كذا كذا الفا من الجنس الفلاني وكذا كذا ألفا من جنس
العسكر الفلاني وأنهم متأخرون في الحضور عنه تحت الاحتياج وكذلك في
عساكر البر الواصلة من الجهة الشامية ومعهم ثمانون ألف ثور ومائة ألف
جاموس برسم جر المدافع وفي المدافع ما يصحبه خمسون ثورا ونحو ذلك حتى
ادخل عليهم الوهم وظنوا صدقة وانحلت عرا الناس عنهم وخصوصا بما منا هم
به من إقامة العدل ومنع الظلم والجور وغير ذلك حتى جذب قلوب العالم
وتحولوا عن الأمراء وتمنوا زوالهم في أسرع وقت وهيج الناس وأثارهم قبل
وصول حسن
ج / 2 ص -17-
باشا وملك القلعة ومهد له الأمور فجزاه بعد
تمكنه بالخذلان والعزل والحساب والتدقيق وغير ذلك.
وفي يوم الأربعا ثالثه ورد نجاب وصحبته مكتوب من عابدي باشا إلى حسن
باشا وأخبر بوقوع الحرب بين الفريقين في يوم الجمعة ثامن عشرين الآخر
عند الأمير ضرار وكانت الهزيمة على القبالي ولكن بعد أن كسروا الجردة
مرتين وهجموا على شركفلك فضربوا عليهم من داخله بالمدافع والبنادق وقتل
لاجين بك عند شركفلك وقتل الكثير من عرب الهنادى وقبض على كبيرهم أسيرا
ومات من المصاحبين للعسكر ذو الفقار الخشاب وجماعة من الوجاقلية منهم
على جربجي المشهدي وكانت الحرب بينهم نحو ست ساعات وكانت وقعة عظيمة
وقتل من الفريقين ما لا يحصى وكان حضور هذا النحاب على الفور من غير
تحقيق فلما ورد ذلك سر الباشا سرورا كثيرا وأمر بعمل شنك فضربوا مدافع
كثيرة من قصر العيني والقلعة وضربوا النوبة السلطانية في برج القلعة
وكذلك نوبة حسن باشا تحت القصر وأرسل المبشرين إلى الأعيان كالشيخ
البكري والشيخ السادات وأكابر الوجاقات وحضروا جميعا للتهنئة.
وفي سادسة حضرت عدة مكاتبات من أمراء التجريد فأخبروا فيها بتلك
الواقعة وأن القبالي صعدوا بعد الهزيمة إلى عقبة الهو على جرائد الخيل
فلم يصعدوا خلفهم لصعوبة المسلك على الأجمال والاثقال وأنهم منتظرون
حضور مراكبهم وما فيها من الذخيرة فيحملوا لإحمال ويسيرون بأجمعهم
خلفهم من الطريق المستقيم التي توصل إلى خلف العقبة واخبروا أيضا أنهم
استولوا على حملاتهم ومتاعهم حتى بيع الجمل وعليه النقاقير بخمسة ريال
ونحو ذلك
ج / 2 ص -18-
من الحوادث في هذه الأيام.
وقوع الموت الذريع في الأبقار حتى صارت تتساقط
في الطرقات ومات لابن بسيوني غازي بناحية سنديون خاصة مائة وستون ثورا
وقس على ذلك.
وفي عاشره طلب الباشا حوضا ليعمله حنفية فأخبره الحاضرون وعرفوه بالحوض
الذي تحت الكبش المعروف بالحوض المرصود فأمر بأحضاره فأرسلوا إليه
الرجال والحمالين وأرادوا رفعه من مكانه فأزدحمت عليه الناس من الرجال
والنساء لما تسامعوا بذلك لينظروا ما شاع وثبت في أذهانهم من أن تحته
كنزا وهو مرصود على شيء من العجائب أو نحو ذلك وأن الباشا يريد الكشف
عن أمره فلما حصل ذلك الإزدحام ووجده الحمالون ثقيلا جدا وهم لا يعرفون
صناعة جر الاثقال وحركوه عن مكانه يسيرا وبلغ الباشا ما حصل من إزدحام
العامة أمر بتركه فتركوه ومضوا فذهب العامة في أكاذيبهم كل مذهب فمنهم
من يقول: إنهم لما حركوه وأرادوا جره رجع بنفسه ثانيا ومنهم من يقول
غير ذلك من السخافات.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرة وصل نيف وثلاثون رأسا من قتلى القبليين
فألقوهم عند باب القلعة بالرميلة على سرير من جريد النخل وأبقوهم ثلاثة
أيام ثم دفنوهم ووجد فيهم راس عزوز كتخدا عزبان.
وفي ذلك اليوم أمر الباشا بشنق رجلين من الغيطانية تشاجرا مع طائفة من
العسكر وضرباهم وأخذا سلاحهم ورفعت الشكوى إلى الباشا فأمر بشنق
الغيطانية ظلما على الشجرة التي عند القنطرة فيما بين طريق مصر القديمة
وطريق الناصرية.
وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه نظر أصحاب الدرك عدة هجانة مرت من ناحية
الجبل معهم أمتعة وثياب مرسلة إلى القبالي من نسائهم فركبوا
ج / 2 ص -19-
خلفهم فلم يدركوهم واشاعوا أنهم قبضوا
عليهم من غير أصل ووصل خبرهم حسن باشا فاغتاظ من الاغا والوالي وأمرهما
بالذهاب إلى بيوتهم ويسمرونها عليهن ففعلوا ذلك وقبضوا على الاغوات
الطواشية والسقائين وحصلت ضجة في البلد بين الظهر والعصر بسبب ذلك وفرت
زوجة إبراهيم بك إلى بيت شيخ السادات ثم أن رضوان بك قرابة علي بك تشفع
في تسمير البيوت فقبلت شفاعته وأرسل لمعادي الخبيري والجيزة ومنعهم من
التعدية وحجزهم إلى البر الشرقي.
وفي يوم الثلاثاء وردت نجابة وعلى أيديهم مكاتبات من عابدي باشا يخبر
فيها بأن يحيى بك وحسن كتخدا الجربان حضرا إليه بأمان وخلع عليهم فراوي
وصحبتهم عدة من الكشاف والمماليك وذلك بعد أن وصلوا إلى اسنا وأن
القبالي ذهبوا إلى ناحية ابريم فتخلف عنهم المذكورون.
وفي يوم الخميس سادس عشرينه حضر إسمعيل القبطان وكان بصحبته حمامجي
أوغلي وأخبر أن العسكر العثمانية ملكوا أسوان وأن الأمراء القبالي
ذهبوا إلى إبريم وأنهم في أسوأ حال من العري والجوع وغالب مماليكهم
لابسون الزعابيط مثل الفلاحين وتخلف عنهم كثير من اتباعهم فمنهم من حضر
إلى عابدي باشا بأمان ومنهم من تشتت في البلاد ومنهم من قتله الفلاحون
وغير ذلك من المبالغات.
وفي يوم الإثنين خلع حسن باشا علي رضوان بك العلوي وقلده كشوفية
الغربية وقلد علي بك الملط كشوفية المنوفية وقرر لهما على كل بلد أربعة
آلاف نصف قضة ونزلا إلى طندتا لأجل خفارة مولد السيد أحمد البدوي.
وفي هذا الشهر عمت البلوى بموت الأبقار والثيران في سائر الإقليم
البحري ووصل إلى مصر حتى أنها صارت تتساقط في الطرقات وغيطان المرعى
وجافت الأرض منه فمنها ما يدركونه بالذبح ومنها ما يموت
ج / 2 ص -20-
ورخص سعر اللحم البقري جدا لكثرته حتى صار
يباع بمصر آخر النهار كل رطلين بنصف فضة مع كونه سمينا غير هزيل وعافته
الناس وبعضهم كان يخاف من أكله وأما الأرياف فكان يباع فيها بالأحمال
وبيعت البقرة بما خلعها بدينار وكثر عويل الفلاحين وبكاؤهم على البهائم
وعرفوا بموتها قدر نعمتها وغلا سعر السمن واللبن والاجبان بسبب ذلك
لقلتها.
شهر جمادى الآخرة استهل بيوم الأربعاء وكان ذلك يوم النوروز السلطاني
وانتقال الشمس لبرج الحمل.
وفي يوم الإثنين سافر حمامجي اوغلي بالجوابات إلى الجهة القبلية وفيها
الأمر بحضور عابدي باشا وأسمعيل بك وباقي الأمراء إلى مصر وأن حسن بك
ومحمد بك المبدول ويحيى بك يقيمون باسنا محافظين.
وفي يوم الخميس سادس عشره نودي على النساء أن لا يخرجن إلى موسم
الخماسين المعروف عند القبط بشم النسيم وذلك يوم الإثنين صبيحة عيدهم.
وفي عشرينه نودي بأبطال المعامله بالذهب الفندقلي الجديد واستمرت
المناداة على النساء في عدم خروجهن إلى الأسواق وسبب ذلك وقائعهن مع
العسكر منها أنهم وجدوا ببيت يوسف بك سكن حمامجي اوغلي نحو سبعين امرأة
مقتولة ومدفونة بالاسطبلات ومن النساء من لعبت على العسكر وأخذت ثيابه
وأمثال ذلك فنودي عليهن بسبب ذلك فتضرر المحترفات منهن مثل البلانات
والدايات وبياعات الغزل والقطن والكتان ثم حصل الاطلاق وسومحن في
الخروج.
وفي خامس عشرينه حضرت نجابة من قبلي وحضر أيضا حمامجي اوغلي وأخبروا أن
الباشا والأمراء وصلوا إلى دجرجا.
شهر رجب الفرد استهل بيوم الخميس فيه قبض حسن باشا على أحمد قبودان
المعروف بحمامجي اوغلي وحبسه وحبس أيضا تابعه عثمان.
ج / 2 ص -21-
التوقتلي كان يسعى معه في الخبائث وكذلك
رجل يقال له مصطفى خوجة.
وفي يوم الخميس سابعه نودي على النساء انهن إذا خرجن لحاجة يخرجن في
كمالهن ولا يلبسن الحبرات الصندل ولا الإفرنجي ولا يربطن على رؤوسهن
العمائم المعروفة بالقازدغلية وذلك من مبتدعات نساء القازدغلية وذلك
أنهن يربطن الشاشيات الملونة المعروفة بالمدورات ويجعلنها شبه الكعك
ويملنها على جباههن معقوصات بطريقة معلومة لهن وصار لهن نساء يتولين
صناعة ذلك بأجرة على قدر مقام صاحبتها ومنهن من تعطي الصانعة لذلك
دينارا أو أكثر أو أقل وفعل ذلك جميع النساء حتى الجواري السود.
وفي يوم الأحد حادي عشرة حضر عابدي باشا وأسمعيل بك وعلي بك الدفتردار
ورضوان بك بلفيا وحسن بك رضوان ومحمد بك كشكش وعبد الرحمن بك عثمان
وسليمان بك الشابوري وباقي الوجاقلية إلى مصر وذهبوا إلى بيوتهم وبات
الباشا في مصر القديمة.
وفي صبحها يوم الإثنين ركب عابدي باشا وطلع إلى القلعة من غير موكب
وطلع من جهة الصليبة وذلك قبل آذان الظهر بنحو خمس درجات فلما استقر
بها ضربوا له مدافع من الأبراج وبعد انقضاء المدافع ارعدت السماء رعودا
متتابعة إلى العصر وأمطرت مطرا غزيرا وذلك رابع عشرين برموده القبطي
وتاسع عشر نيسان الرومي وأما حسن بك الجداوي فإنه تخلف بقنا هو واتباعه
وكذلك عثمان بك وسليم بك الإسماعيلي باسنا وعلي بك جركس بارمنت وعثمان
بك وشاهين بك الحسيني ويحيى بك باكير بك ومحمد بك المبذول كذلك تخلفوا
متفرقين في البنادر لأجل المحافظة وقاسم بك أبو سيف في منصبه بدجرجا
وأراد الباشا وأسمعيل بك أن يبقوا طائفة من الوجاقلية ومعهم طائفة من
العسكر فأبوا وقالوا: حتى نذهب إلى مصر ونعدل حالنا وبعد ذلك نأتي
ج / 2 ص -22-
وفي ذلك اليوم وصل الخبر بأن القبالي رجعوا
إلى اسوان وشرعوا في التعدية إلى أسنا فأرسل إسمعيل بك إلى الاختيارية
فحضروا عنده بعد العصر وتكلموا في شأن ذلك بحضرة علي بك أيضا وكذلك
اجتمعوا في صبحها يوم الثلاثاء وانفصل المجسر كالأول.
وفي أواخره وصل الخبر أنهم زحفوا إلى بحرى وأن حسن بك تأخر عنهم.
شهر شعبان المكرم في أوائله جاء الخبر أنهم وصلوا إلى دجرجا وأن حسن بك
والأمراء وصدوا في التأخر إلى المنية وعملت جمعيات ودواوين بسبب ذلك
وشرعوا في طلوع تجريدة ثم وقع الاختلاف بين الباشا والأمراء واستقر
الأمر بينهم في الرأي أن يراسلوهم في الصلح وأنهم يقيمون في البلاد
التي كانت بيد إسمعيل بك وحسن بك ويرسلوا أيوب بك الكبير والصغير
وعثمان بك الاشقر وعثمان بك المرادي يكونوا بمصر رهائن وكتبوا بذلك
مكاتبات وأرسلوها صحبة محمد أفندي المكتوبجي وسليمان كاشف قنبور والشيخ
سليمان الفيومي.
وفيه قررت المظالم على البلاد وهي المعروفة برفع المظالم وكان حسن باشا
عندما قدم إلى مصر أبطلها وكتب برفعها فرمانات إلى البلاد فلما حضر
إسمعيل بك حسن له اعادتها فأعيدت وسموها التحرير وكتب بها فرمانات
وعينت بها المعينون وتفرقوا في الجهات والأقاليم بطلبها مع ما يتبعها
من الكلف وحق الطرق وغيرها فدهى الفلاحون وأهل القرى بهذه الداهية
ثانيا على ما هم فيه من موت البهائم وهياف الزرع وسلاطة الفيران
الكثيرة على غيطان الغلة والمقاثي وغيرها وما هم فيه من تكلف المشاق
الطارىء عليهم أيضا بسبب موت البهائم في الدراس وادارة السواقي بأيديهم
وعوافيهم أو بالحمير أو الخيل أو الجمال لمن عنده مقدرة على شرائها
وغلت أثمانها بسبب ذلك إلى الغاية فتغيرت قلوب الخلق جميعا على حسن
باشا وخاب ظنهم فيه وتمنوا زواله وفشا شر جماعته وعساكره
ج / 2 ص -23-
القليونجية في الناس وزاد فسقهم وشرهم
وطمعهم وانتهكوا حرمةالمصر وأهله إلى الغاية.
وفي خامسه يوم الأربعاء توفي أحمد كتخدا المجنون وقلدوا مكانه في
كتخدائية مستحفظان رضوان جاويش تابعه عوضا عنه.
وفيه قتل عثمان التوقتلي بالرميلة رفيق حمامجي اوغلي بعد أن عوقب
بانواع العذاب مدة حبسه واستصفيت منه جميع الأموال التي كان يملكها
واختلسها ودل على غيرها حمامجي اوغلي واستمر حمامجي اوغلي في الترسيم.
وفيه قبض على سراج متوجه إلى قبلي ومعه دراهم وامتعة وغير ذلك فأخذت
منه ورمي عنقه ظلما بالرميلة.
واستهل شهر رمضان المعظم بيوم الأحد فيه اختصرت الأمراء من وقدة
القناديل في البيوت عن العادة وعبى إسمعيل بك هدية جليلة وأرسلها إلى
حسن باشا وهي سبع فروق وخمسون تفصيلة هندي عال مختلفة الاجناس وأربعة
آلاف تصفية دنانير نقد مطروقة وجملة من بخور العود والعنبر وغير ذلك
فأعطى للشيالين على سبيل الانعام أربعة عشر قرشا رومية عنها خمسمائة
وستون نصفا فضة.
وفي يوم الثلاثاء عاشره حضر المحمل صحبة رجل من الأشراف وذلك أنه لما
وقع للحجاج من العربان ما وقع في العام الماضي ونهبوا الحجاج وأخذوا
المحمل بقي عندهم إلى أن جيش عليهم الشريف سرور وحاربهم وقاتلهم قتالا
شديدا وأفنى منهم خلائق لا تحصى واستخلص منهم المحمل وأرسله إلى مصر
صحبة ذلك الشريف وقيل أن الشريف الذي حضر به هو الذي افتداه من العرب
بأربعمائة ريال فرانسة فلما حضر خرج إلى ملاقاته الإشاير والمحملدارية
وأرباب الوظائف ودخلوا به من باب النصر وإمامه الإشاير والطبول والزمور
وذلك الشريف راكب إمامه أيضا
ج / 2 ص -24-
وفي ذلك اليوم بعد أذان العصر بساعتين وقعت
حادثة مهولة مزعجة يخط البندقانيين وذلك أن رجلا عطارا يسمى أحمد ميلاد
وحانوته تجاه خان البهار اشترى جانب بارود انكليزي من الفرنج في
برميلين وبطة ووضعها في داخل الحانوت فحضر إليه جماعة من أهل الينبع
وساوموه على جانب بارود وطلبوا منه شيئا اليروه ويجربوه فأحضر البطة
وصب منها شيئا في المنقد الذي يعد فيه الدراهم ووضعوه على قطعة كاغد
وأحضروا قطعة يدك وطيروا ذلك البارود عن الكاغد فأعجبهم ومن خصوصية
البارود الانكليزي إذا وضع منه شيء على كاغد وطير فالنار لا تؤثر في
الكاغد ثم رموا بالقطعة اليدك على مصطبة الحانوت وشرع يزن لهم وهم
يضعونه في ظرفهم ويتساقط فيما بين ذلك من حباته وانتشر بعضها إلى ناحية
اليدك وهم لا يشعرون فاشتعلت تلك الحبات واتصلت بما في أيديهم وبالبطة
ففرقعت مثل المدفع العظيم واتصلت النار بذينك البرميلين كذلك فارتفع
عقد الحانوت وما جاوره بما على تلك العقود من الأبنية والبيوت والربع
والطباق في الهواء والتهبت بأجمعها نارا وسقطت بمن فيها من السكان على
من كان أسفلها من الناس الواقفين والمارين وصارت كوما يظن من لم يكن
رآه قبل ذلك أنه له مائة عام وذلك كله في طرفة عين بحيث أن الواقف في
ذلك السوق أو المار لم يمكنه الفرار والبعيد أصيب في بعض أعضائه أما من
النار أو الردم وكان السوق في ذلك الوقت مزدحما بالناس خصوصا وعصرية
رمضان وذلك السوق مشتمل على غالب حوائج الناس وبه حوانيت العطارين
والزياتين والقبانية والصيارف وبياعي الكنافة والقطائف والبطيخ
والعبدلاوي ودكاكين المزينين والقهاوي وغالب جيران تلك الجهة وسكان
السبع قاعات وشمس الدولة يأتون في تلك الحصة ويجلسون على الحوانيت لأجل
التسلي والحاصل أن كل من كان حاصلا بتلك البقعة في ذلك الوقت سواء كان
عاليا أو متسفلا أو مارا أو واقفا لحاجة أو جالسا أصيب البتة وكان ذلك
ج / 2 ص -25-
العطار يبيع غالب الأصناف من رصاص وقصدير
ونحاس وكحل وكبريت وعنده موازين شبه الجلل فلما اشتعل ذلك البارود صارت
تلك الجلل وقطع الرصاص والكحل والمغناطيس تتطاير مثل جلل المدافع حتى
أحرقت واجهة الربع المقابل لها وكان خان البهار مقفولا متخربا وبابه
كبير مسماري فصدمه بعض الجلل وكسر واشتعل بالنار واتصل بالطباق التي
تعلو ذلك الخان ووقعت ضجة عظيمة وكل من كان قريبا وسلم أسرع يطلب
الفرار والنجاة وما يدري أي شيء القضية فلما وقعت تلك الضجة وصرخت
النساء من كل جهة وانزعجت الناس انزعاجا شديدا وارتجت الأرض واتصلت
الرجة إلى نواحي الأزهر والمشهد الحسيني ظنوها زلزلة وشرع تجار خان
الحمزاوي في نقل بضائعهم من الحواصل فإن النار تطايرت إليه من ظاهره
وحضرالاغا والوالي فتسلم الاغا جهة الحمزاوي وتسلم الوالي جهة شمس
الدولة وتتبعوا النار حتى أخمدوها وختموا على دكاكين الناس التي بذلك
لخط وأرسلوا ختموا بيت أحمد ميلاد الذي خرجت النار من حانوته بعد أن
أخرجوا منه النساء ثم أفرجوا عنهم بأمر اسمعيل بك وأحضروا في صبحها نحو
المائتين فاعل وشرعوا في نبش الأتربة وإخراج القتلى وأخذ ما يجدونه من
الأسباب والأمتعة وما في داخل الحوانيت من البضائع والنقود وما سقط من
الدور من فرش وأوان ومصاغ النساء وغير ذلك شيئا كثيرا حتى الحوانيت
التي لم يصبها الهدم فتحوها وأخذوا ما فيها وأصحابها ينظرون ومن طلب
شيئا من متاعه يقال له هو عندنا حتى تثبته هذا إذا كان صاحبه ممن يخاطب
ويصغى إليه وقيامه قائمة ومن يقرأ ومن يسمع ووقفت اتباعهم بالنبابيت من
كل جهة يطرودن الناس ولا يمكنون أحدا من أخذ شيء جملة كافية وأما
القتلى فإن من كان في السوق أو قريبا من تلك الحانوت والنار فإنه احترق
ومن كان في العلو من الطباق انهرس ومنهم من احترق بعضه وأنهرس باقيه
وإذا ظهر وكان عليه شيء أو معه شيء أخذوه وأن كانت امرأة
ج / 2 ص -26-
جردوها وأخدوا حليها ومصاغها ثم لا يمكنون
أقاربهم من أخذهم إلا بدراهم يأخذونها وكأنما فتح لهم باب الغنيمة ولما
كشفوا عن أحمد ميلاد وحانوته وجدوه تمزق واحترق وصار قطعا مثل الفحم
فجمعوا منه ست قطع وأخذوا شيئا كثيرا من حانوته ودراهم وودائع كانت
أسفل الحانوت لم تصبها النار وكتم عليها الردم والتراب وكذلك حانوت رجل
زيات انهدم على صاحبه فكشفوا عنه وأخرجوه ميتا وأخذوا من حانوته مبلغ
دراهم وكذلك من بيت صباغ الحرير بجوار الحمزاوي انهدمت داره أيضا
وأخذوا ما فيها ومن جملتها صندوق ضمنه دراهم لها صورة ونحو ذلك واستمر
الحال على ذلك أربعة أيام في حفر ونبش واخراج قتلى وجنائز وبلغت القتلى
التي أخرجت نيفا عن مائة نفس وذلك خلاف من بقي تحت الردم منهم إمام
الزاوية المجاورة لذلك فإنها انخسفت أيضا على الإمام وبقى تحت الردم
ولم يجدوا بقية اعضاء أحمد ميلاد وفقدوا دماغه فجمعوا اعضاءه ووضعوها
في كيس قماش ودفنوه وسدوا على تلك الخطة من الجهتين وتركوها كما هي مدة
أيام ونظفت وعمرت بعد ذلك فكانت هذه الحادثة من أعظم الحوادث المزعجة.
وفي يوم الخميس حضر الرسل من عند القبليين وحضر أيوب بك الكبير رهينة
عن المماليك المحمدية وعثمان بك الطنبرجي عن مراد بك وعبد الرحمن بك عن
إبراهيم بك فذهبوا إلى حسن باشا وقابلوه وكذلك قابلوا عابدي باشا ثم
اجتمع الأمراء عند حسن باشا وتكلموا في شأن هؤلاء الجماعة وقالوا:
هؤلاء ليسوا المطلوبين ولم يأت إلا أيوب بك الكبير من المطلوبين ولم
يأت عثمان بك الأشقر وأيوب بك الصغير فاتفق الرأي على أعادة الجواب
فكتبوا جوابات أخرى وأرسلوها صحبة سلحدار حسن باشا.
وفي هذا الشهر اخذت القرصان ثلاثة غلايين وفيها أناس من اتباع
ج / 2 ص -27-
الدولة وأعيانها ووصل الخبر بوقوع حريق
عظيم ببندر جدة وتوفي أحمد باشا وإليها وعبى علي بك الدفتردار كساوى
للأمراء فأرسل إلى إسمعيل بك وحسن بك الجداوي ورضوان بك وباقي الصنادق
والأمراء حتى لحريمهم وأتباعهم وأرسل أيضا لطائفة الفقهاء وفتح السفر
لجهة الموسقو وتقليد باكير قبطان باشا قائمقام عن حسن باشا.
وفي منتصفه وقعت حادثة بثغر بولاق بين طائفة الفليونجية والفلاحين باعة
البطيخ وذلك أن شخصا قليونجيا ساوم على بطيخة وأعطاه دون ثمنها فامتنع
وتشاجر معه فوكزه العسكري بسكين فزعق الفلاح على شيعته وزعق الآخر على
رفقائه فاجتمع الفريقان ووقع بينهم مقتله كبيرة قتل فيها من الفلاحين
نحو ثلاثين إنسانا ومن القليونجية نحو أربعة.
وفي يوم الأحد ثاني عشرينه قررت تفريدة على بلاد الأرياف أعلى وأوسط
وأدنى الأعلى خمسة وعشرون ألف نصف فضة والأوسط سبعة عشر ألف والادنى
تسعة آلاف وذلك خلاف ما يتبعها من الكلف وحق الطرق.
وفيه رفعوا خفارة البحرين عن بن حبيب وكذلك الموارد والتزم بها رضوان
بك على خمسين كيسا يقوم بها في كل سنة لطرف الميري وسبب ذلك منافسة
وقعت بينه وبين بن حبيب فإنه لما تولى المنوفية ومر على دجوة أرسل له
بن حبيب تقدمة فاستقلها ثم أرسل إليه بعد ارتحاله من الناحية يطلب منه
جمالا وأشياء فامتنع بن حبيب فأرسل يطلبه ليقابله فلم يذهب إليه واعتذر
ولما رجع نزل إليه ابنه علي بالضيافة فعاتبه علىامتناع أبيه من مقابلته
وأضمر له في نفسه وتكلم معه حسن باشا في رفع ذلك عنهم والتزم بالقدر
المذكور وطريقة العثمانية الميل إلى الدنيا بأي وجه كان فأخرج فرمانا
بذلك.
وفي ثاني شوال برزت الأمراء المعينون لجمع الفردة وهم سليم بك
الإسماعيلي للغربية وشاهين بك الحسيني لأقليم المنصورة علي بك
ج / 2 ص -28-
الحسيني لإقليم المنوفية ومحمد بك كشكش
للشرقية وعثمان بك الحسيني للجيزة وعثمان كاشف الإسماعيلي للفيوم ويوسف
كاشف الإسماعيلي للبهنسا وأحمد كاشف للجيزة.
وفي ثامنة حضر سلحدار الباشا وسليمان كاشف قنبور المسافران بالجوابات
إلى الأمراء القبليين وذلك أنهم أرسلوا بطلب بلاد أخرى زيادة على ما
عينوا لهم وقالوا: إن هذه البلاد لا تكفينا فأمر لهم حسن باشا بخمسة
بلاد أخرى فقال إسمعيل بك: اطلبوا منهم حلوانها فقال إسمعيل كاشف قنبور
اجعلوا ما أخذ من بيوتهم في نظير الحلوان فقال: كذلك.
وفي عاشره حضر قاصد من الحجاز بمراسلة من الشريف سرور يخبر فيها بعصيان
عرب جرب وغيرهم وقعودهم على الطريق ومنعهم السبيل.
ويحتاج أن أمير الحاج يكون في قوة واستعداد وأن الحرب قائمة بينهم وبين
الشريف وخرج إليهم في نحو خمسة عشر ألفا وفي منتصفه كمل عمارة التكية
المجاورة لقصر العيني المعروفة بتكية البكتاشية وخبرها أن هذه التكية
موقوفة على طائفة من الأعجام المعروفين بالبكتاشية وكانت قد تلاشى
أمرها وآلت إلى الخراب وصارت في غاية من القذارة ومات شيخها وتنازع
مشيختها رجل أصله من سراجين مراد بك وغلام يدعي أنه من ذرية مشايخها
المقبورين فغلب على الغلام ذلك الرجل لانتسابه إلى الأمراء وسافر إلى
اسكندرية فصادف مجيء حسن باشا واجتمع به وهو بهيئة الدراويش وهم يميلون
لذلك النوع وصار من اخصائه لكونه من أهل عقيدته وحضر صحبته إلى مصر
وصار له ذكر وشهرة ويقال له الدرويش صالح فشرع في تعمير التكية
المذكورة من رشوات مناصب المكوس التي توسط لأربابها مع حسن باشا فعمرها
وبنى اسوارها وأسوار الغيطان الموقوفة عليها المحيطة بها وأنشأ بها
صهريجا في فسحة القبة ورتب لها تراتيب ومطبخا وأنشأ خارجها مصلى
ج / 2 ص -29-
باسم حسن باشا فلما تم ذلك عمل وليمة ودعا
جميع الأمراء فحصل عندهم وسوسة واعتدوا وركبوا بعد العصر بجميع
مماليكهم واتباعهم وهم بالاسلحة متحذرين فمد لهم سماطا وجلسوا عليه
واوهموا الأكل لظنهم الطعام مسموما وقاموا وتفرقوا في خارج القصر
والمراكب وعمل شنك وحرافة نفوط وبارود ظنوا غرابته ثم ركبوا في حصة من
الليل وذهبوا إلى بيوتهم.
وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج المحمل وأمير الحجاج غيطاس بك في موكب
محتقر بدون الينكجرية والعزب مثل العام الماضي فخرجوا إلى الحصوة
وأقاموا هناك ولم يذهبوا إلى البركة.
وفي يوم الثلاثاء غايته ارتحل الحجاج من الحصوة إلى البركة بعد العصر
وارتحلوا في ضحوة يوم الأربعاء غرة شهر القعدة.
شهر القعدة الحرام في ثالثه يوم الجمعة الموافق لثالث عشر مسرى القبطي
أو في النيل المبارك أذرعه ونودى بذلك وعمل الشنك وركب حسن باشا في
صبحها وكسروا السد بحضرته وجرى الماء في الخليج ولم يحضر عابدي باشا
لمرضه.
وفي سادسه نودى على المماليك أن لا يركبوا من بيوت أسيادهم منفردين
أبدا فترك ذلك في جملة المتروكات وتزوج المماليك وصار لهم بيوت وخدم
ويركبون ويغدون ويروحون ويشربون الدخان وهم راكبون في الشارع الأعظم
وفي أيديهم شبكات الدخان من غير انكار وهم في الرق ولا يخطر ببالهم
خروجهم عن الأدب لعدم انكار أسيادهم وترخيصهم لهم في الأمور فإذا مات
بعض الأعيان بادر أجد المماليك إلى سيده الأمير صاحب الشوكة وقبل يده
وطلب منه أن ينعم عليه بزوجة الميت فيجيبه إلى ذلك ثم تراه ركب في
الوقت والساعة ذهب إلى بيت المتوفي ولو قبل خروج جنازته ونزل في البيت
وجلس فيه وتصرف في تعلقاته وحازه وملكه بما فيه وأقام بمجلس الرجال
ينتظر انقضاء العدة ويأمر وينهي
ج / 2 ص -30-
ويطلب الغداء والعشاء والفطور والقهوة
والشربات من الحريم ويتصرف تصرف الملاك وربما وافق ذلك غرض المرأة فإذا
رأته شابا مليحا قويا وكان زوجهاالمقبور بخلاف ذلك أظهرت له المخبآت
والمدخرات فيصبح أميرا من غير تأمر وتتعدد عنده الخيول والخدام
والفراشون والأصحاب ويركب ويذهب ويجيء إلى بيت سيده وفي حاجاته وغير
ذلك فجرى يوما بمجلس حسن باشا ذكر ركوب المماليك على انفرادهم في
الأسواق بحضرة بعض الاختيارية فقالوا أنه قلة أدب وخلاف العادة القديمة
التي رأيناها وتربينا عليها فقال الباشا: اكتبوا فرمانا بمنع ذلك
ففعلوا ذلك ونادوا به من قبيل الشغل الفارغ.
وفي سابعه ثقل عابدي باشا في المرض وأشيع موته.
وفي حادي عشره حضر حسين بك المعروف بشفت من قبلي في جملة الرهائن وقابل
الباشا وأقام بمصر.
وفي منتصفه عوفي عابدي باشا من مرضه وشرعوا في طلب المال الشتوي فضج
الملتزمون وتكلم الوجاقلية في الديوان وقالوا: من أين لنا ما ندفعه وما
صدقنا بخلاص المظالم والصيفي والفردة ولم يبق عندنا ولا عند الفلاحين
شيء أعطونا الجامكية ثم ندفعها لكم في المال الشتوي فانحط الرأي على
كتابة رجع الجامكية وفرح الناس بذلك ثم تبين له لا أجد يأخذ رجعة إلا
بقدر ما عليه من الميري وأن زاد له شيء يبقى له وديعة بالدفتر وأن لم
يكن له جامكية يدفع ما عليه نقدا فصار بعض الملتزمين يأتي بأسماء
برانية وينسبها لنفسه لأجل غلاق المطلوب منه فاتضحت تلك النسبة له
بمراجعة الدفتر ثم منعوا كتابة الرجع وصار الافندية يكشفون على الدفاتر
ويملون ويسددون بأنفسهم فمن زاد له شيء تبقى بالدفتر ومن زاد عليه شيء
طلب منه.
وفي عشرينه ذهب الأمراء إلى حسن باشا وهم إسمعيل بك وحسن بك وعلي وباقي
الأمراء فتكلم معهم بسبب الأموال التي جعلها عليهم
ج / 2 ص -31-
والميري المطلوب منهم ومن اتباعهم وقال لهم
أنا مسافر بعد الأضحى ولا بد من تشهيل المطلوب فاعتذروا وطلبوا المهلة
فشنع عليهم ووبخهم بالكلام التركي ومن جملة ما قال لهم: أنتم وجوهكم
مثل الحيط وأمثال ذلك فخرجوا من عنده وهم في غاية من القهر وكان ذلك
باغراء إسمعيل بك ولما ذهب إسمعيل بك إلى بيته طلب أمراءه وشنع عليهم
كما شنع عليه الباشا وحلف أن كل من تبقى عليه شيء ولو ألف درهم سلمه
للباشا يقطع رأسه.
وفي يوم الخميس غايته طلعوا عند عابدي باشا فطالبهم بالميري أيضا وشنع
عليهم وخصوصا قاسم بك أباسيف وحلف أنه يحبسهم حتى يدفعوا ما عليهم.
واستهل شهر ذي الحجة الحرام
بيوم الجمعة وفيه حضر الاغا وعلى يده مقرر لعابدي باشا على السنة
الجديدة.
وفيه أيضا قوى عزم حسن باشا على السفر إلى بلاد الروم وأعطى لإسمعيل بك
جملة مدافع وقنابر وآلات حرب وصنع له قليونا صغيرا وقرر ألفا وخمسمائة
عسكري يقيمون بمصر.
وفي يوم الخميس رابع عشرة عمل حسن باشا ديوانا بالقصر وحضر عنده عابدي
باشا والمشايخ وسائر الأمراء بسبب قراءة مراسيم حضرت من الدولة فقرأوا
منها ثلاثة وفيها طلب حسن باشا إلى الديار الرومية بسبب حركة السفر إلى
الجهاد وأن الموسقو زحفوا على البلاد واستولوا على ما بقي من بلاد
القرم وغيرهم والثاني فيه ذكر العفو عن إبراهيم بك ومراد بك من القتل
وأن يقيم إبراهيم بك بقنا ومراد بك باسنا ولا أذن لهم في دخول مصر جملة
كافية.
وفيه نودي على صرف الريال الفرانسة بمائة نصف فضة وكان وصل إلى مائة
وعشرة فتضرر الناس من ذلك.
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه ركب الأمراء باسرهم لوداع حسن باشا
ج / 2 ص -32-
وكان في عزمه النزول في المراكب بعد صلاة
الجمعة فلما تكاملوا عنده قبض على الرهائن وهم عثمان بك المرادي
المعروف بالطنبرجي وحسين بك شفت وعبد الرحمن بك الإبراهيمي ثم أمر
بالقبض على حسن كتخدا الجربان وسليمان كاشف قنبور فهرب حسن كتخدا وساق
جواده فتبعه جماعة من العسكر فلم يزل رامحا وهم خلفه حتى دخل بيت حسن
بك الجداوي ودخل إلى باب الحريم وكان حسن بك بالقصر فرجع العسكر
واخبروا الباشا بحضرة إسمعيل بك فطلب حسن بك وسأله إسمعيل بك فقال: إن
كان في بيتي خذوه فأرسلوا وأحضروه ووضعوه صحبة المقيدين.
وفي يوم السبت ثالث عشرينه سافر حسن باشا من مصر وأخذ معه الرهائن
وسافر صحبته إبراهيم بك قشطة ليشيعه إلى رشيد وزار في طريقه سيدي أحمد
البدوي بطندتا ولم يحصل من مجيئه إلى مصر وذهابه منها إلا الضرر ولم
يبطل بدعة ولم يرفع مظلمة بل تقررت به المظالم والحوادث فإنهم كانوا
يفعلونها قبل ذلك مثل السرقة ويخافون من إشاعتها وبلوغ خبرها إلى
الدولة فينكرون عليهم ذلك وخابت فيه الأمال والظنون وهلك بقدومه إليها
ثم التي عليها مدار نظام العالم وزاد في المظالم التحرير لأنه كان
عندما قدم أبطل رفع المظالم ثم أعاده بإشارة إسمعيل بك وسماه التحرير
فجعله مظلمة زائدة وبقى يقال: رفع المظالم والتحرير فصار يقبض من
البلاد خلاف أموال الخراج عدة أقلام منها المضاف والبراني وعوائد
الكشوفية والفرد المتعددة ورفع المظالم والتحرير ومال الجهاد وغير ذلك
ولو مات حسن باشا بالاسكندرية أو رشيد لهلك عليه أهل الإقليم اسفا
وبنوا على قبره مزارا وقبة وضريحا يقصده للزيارة.
من مات في هذه السنة من
الأعيان.
توفي الإمام العالم العلامة أوحد وقته في الفنون العقلية والنقلية
شيخ
ج / 2 ص -33-
أهل الإسلام وبركة الأنام
الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي
حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدردير
ولد ببني عدي كما أخبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده وحبب إليه
طلب العلم فورد الجامع الأزهر وحضر دروس العلماء وسمع الأولي عن الشيخ
محمد الدقري بشرطه والحديث على كل من الشيخ أحمد الصباغ وشمس الدين
الحفني وبه تخرج في طريق القوم وتفقه على الشيخ علي الصعيدي ولازمه في
جل درسه حتى أنجب وتلقن الذكر وطريق الخلوتيه من الشيخ الحفني وصار من
أكبر خلفائه كما تقدم وأفتى في حياة شيوخه مع كمال الصيانة والزهد
والعفة والديانة وحضر بعض دروس الشيخين الملوي والجوهري وغيرهما ولكن
جل اعتماده وانتسابه على الشيخين الحفني والصعيدي وكان سليم الباطن
مهذب النفس كريم الاخلاق وذكر لنا عن لقبه أن قبيلة من العرب نزلت
ببلده كبيرهم يدعى بهذا اللقب فولد جده عند ذلك فلقب بلقبه تفاؤلا
لشهرته وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل أورد فيه خلاصة ما ذكره
الاجهوري والزرقاني واقتصر فيه على الراجح من الأقوال ومتن في فقه
المذهب سماه أقرب المسالك لمذهب مالك ورسالة في متشابهات القرآن ونظم
الخريدة السنية في التوحيد وشرحها وتحفة الاخوان في آداب أهل العرفان
في التصوف وله شرح على ورد الشيخ كريم الدين الخلوتي وشرح مقدمة نظم
التوحيد للسيد محمد كمال الدين البكري ورسالة في المعاني والبيان
ورسالة أفرد فيها طريقة حفص ورسالة في المولد الشريف ورسالة في شرح قول
الوفائية يا مولاي يا واحد يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم وشرح على
مسائل كل صلاة بطلت على الإمام والأصل للشيخ البيلي وشرح على رسالة في
التوحيد من كلام دمرداش ورسالة في الأستعارات الثلاث وشرح على آداب
البحث ورسالة في شرح صلاة السيد أحمد البدوي وشرح على الشمائل لم يكمل
ورسالة في صلوات شريف اسمها المورد البارق في الصلاة على أفضل.
ج / 2 ص -34-
الخلائق والتوجه الأسني بنظم الأسماء
الحسنى ومجموع ذكر فيه أسانيد الشيوخ ورسالة جعلها شرحا على رسالة قاضي
مصر عبد الله أفندي المعروف بططر زاده في قوله تعالى:
{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}
الآية وله غير ذلك ولما توفي الشيخ علي الصعيدي تعين المترجم شيخا على
المالكية ومفتيا وناظرا على وقف الصعايدة وشيخا على طائفة الرواق بل
شيخا على أهل مصر بأسرها في وقته حسا ومعنى فإنه كان رحمه الله يأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق ولا يأخذه في الله لومة لائم وله
في السعي على الخير يد بضياء تعلل أياما ولزم الفراش مدة حتى توفي في
سادس شهر ربيع الأول من هذه السنة وصلى عليه بالأزهر بمشهد عظيم حافل
ودفن بزاويته التي أنشأها بخط الكعكبيين بجوار ضريح سيدي يحيى بن عقب
وعندما أسسها أرسل إلي وطلب مني أن أحرر له حائط المحراب على القبلة
فكان كذلك وسبب إنشائه للزاوية أن مولاي محمد سلطان المغرب كان له صلات
يرسلها لعلماء الأزهر وخدمة الآضرحة وأهل الحرمين في بعض السنين وتكرر
منه ذلك فأرسل على عادته في سنة ثمان وتسعين مبلغا وللشيخ المترجم قدرا
معينا له صورة وكان لمولاي محمد ولد تخلف بعد الحج وأقام بمصر مدة حتى
نفذ ما عنده من النفقة فلما وصلت تلك الصلة أراد أخذها ممن هي في يده
فامتنع عليه وشاع خبر ذلك في الناس وأرباب الصلات وذهبوا إلى الشيخ
بحصته فسأل عن قضية بن السلطان فأخبروه عنها وعن قصده وأنه لم يتمكن من
ذلك فقال: والله هذا لا يجوز وكيف اننا نتفكه في مال الرجل ونحن أجانب
وولده يتلظى من العدم هو أولى مني وأحق أعطوه قسمي فأعطاه ذلك ولما رجع
رسول ابيه أخبر السلطان والده بما فعل الشيخ الدردير فشكره على فعله
وأثنى عليه واعتقد صلاحه وأرسل له في ثاني عام عشرة امثال الصلة
المتقدمة مجازاة للحسنة فقبلها الأستاذ وحج منها ولما رجع من الحج بنى
هذه الزاوية مما بقى ودفن بها رحمه
ج / 2 ص -35-
الله ولم يخلف بعده مثله.
ومات الشيخ الإمام العلامة المتفنن المتقن المعمر الضرير الشيخ محمد
المصيلحي الشافعي أجد العلماء أدرك الطبقة الأولى وأخذ عن شيوخ الوقت
وأدرك الشيخ محمد شنن المالكي وأخذ عنه وأجازه الشيخ مصطفى العزيزي
والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ أحمد الملوي والحفني والدفري والشيخ علي
قايتباي والشيخ حسن المدابغي وناضل ودرس وأفاد وأقر وانتفع عليه الطلبة
ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري وانقرض أشياخ الطبقة الأولى نوه بذكره
واشتهر صيته وحف به تلامذته وغيرهم ونصبوه شبكة لصيدهم وآلة لاقتناصهم
وأخذوه إلى بيوت الأمراء في حاجاتهم وعرضوا به المتصدرين من الاشياخ في
الرياسة ويرى أحقيته لها لسنة وأقدميته ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري
وتقدم الشيخ أحمد العروسي في مشيخة الأزهر كان المترجم غائبا في الحج
فلما رجع وكان الأمر قد تم للعروسي أخذه حمية المعاصرة وأكثرها من
اغراء من حوله فيحركونه للمناقضة والمناكدة حتى أنه تعدى على تدريس
الصلاحية بجوار مقام الإمام الشافعي المشروطة لشيخ الأزهر بعد صلاة
الجمعة فلم ينازعه الشيخ أحمد العروسي وتركها له حسما للشر وخوفا من
ثوران الفتن والتزم له الاغضاء والمسامحة في غالب الأطوار ولم يظهر
الالتفات لما يعانوه أصلا حتى غلب عليهم بحلمه وحسن مسايرته حتى أنه
لما توفي المترجم ورجع إليه تدريس الصلاحية لم يباشر التصدر في الوظيفة
بلى قرر فيها تلميده العلامة الشيخ مصطفى الصاوي وأجلسه وحضر افتتاحه
فيها وذلك من حسن الرأي وجودة السياسة توفي المترجم ثاني عشر شوال من
هذه السنة وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين ومات الإمام
العلامة واللوذعي الفهامة لسان المتكلمين وأستاذ المحققين الفقيه
النبيه المستحضر الأصولي المنطقي الفرضي الحيسوب
الشيخ عبد الباسط السنديوني الشافعي
تفقه على أشياخ العصر المتقدمين وأجازه.
ج / 2 ص -36-
أكابر المحدثين ولازم الشيخ محمد الدفري
وبه تخرج في الفقه وغيره وأنجب ودرس وأفاد وأفنى في حياة شيوخه وكان
حسن الالقاء جيد الحافظة يملي دروسه عن ظهر قلبه وحافظته عجيب
الأستحضار للفروع الفقهية والعقلية والنقلية ومما شاهدته من استحضاره
أنه وردت فتوى في مسالة مشكلة في المناسخة فتصدى لتحريرها وقسمتها
جماعة من الأفاضل ومنهم الشيخ محمد الشافعي الجناجي وناهيك به في هذا
الفن وتعبوا فيها يوما وليلة حتى حرروها على الوجه المرضي ثم قالوا:
دعنا نكتبها في سؤال على بياض ونرسلها للمتصدرين للأفتاء وننظر ماذا
يقولون في الجواب: ولو بالمهلة ففعلوا ذلك وأرسلوها للشيخ المترجم مع
بعض الناس وهو لا يعلم بشيء مما عانوه فغاب الرسول مدة لطيفة وحضر
بالجواب على الوجه الذي تعب فيه الجماعة يوما وليلة فقضعوا عجبا من
جودة استحضاره وحدة ذهنه وقوة فهمه إلا أنه كان قليل الورع عن بعض
سفاسف الأمور اتفق أنه تنازع مع عجوز في فدان ونصف طين مدة سنين وأهين
بسببها مرارا في أيام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي والشيخ الحفني
ورأيته مرة يتداعى معها عند شيخنا الشيخ أحمد العروسي فنهاه الشيخ
العروسي عنها ولامه فلم ينته ولم يزل ينازعها وتنازعه إلى أن مات وغير
ذلك أمور يستحي من ذكرها في حق مثله وبذلك قلت وجاهته بين نظرائه توفي
في أول جمادى الآخرة من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بتربة المجاورين
رحمه الله وغفر لنا وله.
ومات الشيخ الفاضل الصالح
المجذوب صاحب الأحوال محمد ابن أبي بكر بن محمد المغربي
الطرابلسي الشهير بالاثرم ولد بقربه انكوان من اعمال طرابلس في حدود
سنة خمس وأربعين وبها نشأ وتنتسب جدوده إلى خدمة الولي الصالح الشهير
سيدي أحمد زروق قدس سره وغلب عليه الجذب في مبادىء أمره وحفظ جملة من
كلام الشيخ المشار إليه ومن كلام غيره وكان مبدأ أمره فيما أخبرنا أنه
توجه إلى تونس
ج / 2 ص -37-
رجع وكان وقتا شديد الحر فخلع ثيابه فأخذه
البرد والرعدة في الحال ومرض نحو ثمانية أيام حتى توفي نهار الثلاثاء
ثالث جمادى الثانية وجهز وكفن وصلي عليه بمشهد حافل بالأزهر ودفن تحت
جدار قبة الإمام الشافعي في مدافن الرزازين وحزنت عليه الناس كثيرا وقد
رآه اصحابه بعد موته في منامات عدة تدل على حسن حاله في البرزخ رحمه
الله.
ومات الإمام العلامة والفاضل
الفهامة صفوة النبلاء ونتيجة الفضلاء الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد
السحيمي الحنفي القلعاوي تفقه على والده وعلى الشيخ
أحمد الحماقي وحضر معنا على شيخنا الشيخ مصطفى الطائي الهداية وانجب
ودرس في فقه المذهب والمعقول مع الحشمة والديانة ومكارم الأخلاق
والصيانة توفي سادس عشر شوال ودفن عند والده بباب الوزير.
ومات الأجل العمدة الشريف
الصالح السيد عبد الخالق بن أحمد ابن عبد اللطيف بن
محمد تاج العارفين المنتهي نسبه إلى سيدي عبد القادر الحسني الجيلي
المصري ويعرف بابن بنت الجيزي وهو أخو السيد محمد الجيزي المتوفي قبل
ذلك من بيت الثروة والعز والسيادة تولى بعد اخيه الكتابة ببيت النقابة
ومشيخة القادرية واحسن السير والسلوك مع الوقار والحشمة وكان إنسانا
حسنا كثير الحياء متجمعا عن الناس مقبلا عن شأنه وفيه رقة طبع مع
الأخلاق المهذبة والتواضع للناس والانكسار رحمه الله.
ومات الأمير الصالح المبجل أحمد جاويش أرنؤد باش اختيار وجاق التفكجية
وكان من أهل الخير والدين والصلاح عظيم اللحية منور الشيبة مبجلا عند
أعاظم الدولة يندفع في نصرة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ويسمعون لقوله: وينصتون لكلامه ويتقونه ويحترمونه لجلالته ونزهته عن
الآغراض وكان يحب أهل الفضائل ويحضر دروس العلماء ويزورهم ويقتبس من
أنوار علومهم ويذهب كثيرا إلى سوق
ج / 2 ص -38-
رجع وكان وقتا شديد الحر فخلع ثيابه فأخذه
البرد والرعدة في الحال ومرض نحو ثمانية أيام حتى توفي نهار الثلاثاء
ثالث جمادى الثانية وجهز وكفن وصلي عليه بمشهد حافل بالأزهر ودفن تحت
جدار قبة الإمام الشافعي في مدافن الرزازين وحزنت عليه الناس كثيرا وقد
رآه اصحابه بعد موته في منامات عدة تدل على حسن حاله في البرزخ رحمه
الله.
ومات الإمام العلامة والفاضل
الفهامة صفوة النبلاء ونتيجة الفضلاء الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد
السحيمي الحنفي القلعاوي تفقه على والده وعلى الشيخ
أحمد الحماقي وحضر معنا على شيخنا الشيخ مصطفى الطائي الهداية وانجب
ودرس في فقه المذهب والمعقول مع الحشمة والديانة ومكارم الأخلاق
والصيانة توفي سادس عشر شوال ودفن عند والده بباب الوزير.
ومات الأجل العمدة الشريف
الصالح السيد عبد الخالق بن أحمد ابن عبد اللطيف بن
محمد تاج العارفين المنتهي نسبه إلى سيدي عبد القادر الحسني الجيلي
المصري ويعرف بابن بنت الجيزي وهو أخو السيد محمد الجيزي المتوفي قبل
ذلك من بيت الثروة والعز والسيادة تولى بعد اخيه الكتابة ببيت النقابة
ومشيخة القادرية واحسن السير والسلوك مع الوقار والحشمة وكان إنسانا
حسنا كثير الحياء متجمعا عن الناس مقبلا عن شأنه وفيه رقة طبع مع
الأخلاق المهذبة والتواضع للناس والانكسار رحمه الله.
ومات الأمير الصالح المبجل أحمد جاويش أرنؤد باش اختيار وجاق التفكجية
وكان من أهل الخير والدين والصلاح عظيم اللحية منور الشيبة مبجلا عند
أعاظم الدولة يندفع في نصرة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ويسمعون لقوله: وينصتون لكلامه ويتقونه ويحترمونه لجلالته ونزهته عن
الآغراض وكان يحب أهل الفضائل ويحضر دروس العلماء ويزورهم ويقتبس من
أنوار علومهم ويذهب كثيرا إلى سوق
ج / 2 ص -39-
الكتبيين ويشتري الكتب ويوقفها على طلبة
العلم واقتنى كتبا نفيسة ووقفها جميعها في حال حياته ووضعها بخزانة
الكتب بجامع شيخون العمري بالصليبة تحت يد الشيخ موسى الشيخوني الحنفي
وسمع على شيخنا السيد مرتضى صحيح البخاري ومسلم وأشياء كثيرة والشمائل
والثلاثيات وغير ذلك وبالجملة فكان من خيار من أدركنا من جنسه ولم يخلف
بعده مثله توفي في ثامن شوال من السنة وقد ناهز التسعين.
ومات
الأمير المبجل أحمد كتخدا
المعروف بالمجنون أجد الأمراء المعروفين والقراصنة
المشهورين وهو من مماليك سليمان جاويش القازدغلي ثم انضوى إلى عبد
الرحمن كتخدا وانتسب إليه وعرف به وأدرك الحوادث والفتن التليدة
والطارفة ونفى من نفى في أمارة علي بك الغزاوي في سنة ثلاث وسبعين إلى
بحري ثم إلى الحجاز وأقام بالمدينة المنورة نحو اثنتي عشرة سنة وقادا
بالحرم المدني ثم رجع إلى الشام وأحضره محمد بك أبو الذهب إلى مصر
وأكرمه ورد إليه بلاده وأحبه واختص به وكان يسامره ويأنس بحديثه ونكاته
فإنه كان يخلط الهزل بالجد ويأتي بالمضحكات في خلال المقبضات فلذلك سمي
بالمجنون وكان بلد ترسا بالجيزة جارية في التزامه وعمر بها قصرا وانشأ
بجانبه بستانا عظيما زرع فيه أصناف الأشجار والنخيل والرياحين ويجلب من
ثماره إلى مصر للبيع والهدايا ويرغب فيها الناس لجودتها وحسنها عن
غيرها وكذلك أنشأ بستانا بجزيرة المقياس في غاية الحسن وبنى بجانبه
قصرا يذهب إليه في بعض الاحيان ولما حضر حسن باشا إلى مصر ورأى هذا
البستان اعجبه فاخذه لنفسه واضافه إلى أوقافه وبنى المترجم أيضا داره
التي بالقرب من الموسكي داخل درب سعادة ودارا على الخليج المرخم اسكن
فيه بعض سراريه وكان له عزوة ومماليك ومقدمون واتباع وإبراهيم بك أوده
باشه من مماليكه ورضوان كتخدا الذي تولى بعده كتخدا الباب وكان مقدمة
في المدد السابقة يقال له: المقدم فوده له شأن وصوله بمصر وشهرة في
القضايا والدعاوى ولم يزل طول المدد السابقة جاويشا فلما
ج / 2 ص -40-
كان آخر مدة حسن باشا قلدوه كتخدا مستحفظان
ولم يزل معروفا مشهورا في أعيان مصر إلى أن توفي في خامس شعبان من
السنة.
ومات الأمير الجليل محمد بك
الماوردي وهو مملوك سليمان اغا كتخدا الجاويشية زوج أم
عبد الرحمن كتخدا وخشداشينه حسن بك الأزبكاوي الذي قتل بالمساطب كما
تقدم وحسن بك المعروف بأبي كرش فكان الثلاثة أمراء يجلسون بديوان
الباشا وسيدهم كتخدا الجاويشية واقف في خدمته على أقدامه ومرت له محن
في تنقلاته ورحلاته إلى البلاد عندماتملك علي بك وخرج المترجم منفيا
وهاربا من مصر مع من خرج وباشر الحروب باسيوط وذهب إلى الشام وغيرها
لكن لم اتحقق وقائعه ولم يزل حتى حضر إلى مصر في أيام أبي الذهب وقد
صار ذا شيبة وتزوج ببنت الشيخ العناني وأقام ببيتهم بسوق الخشب خاملا
حتى مات في هذه السنة وكان لا بأس به وتقلد في المدد السابقة اغاوية
مستحفظان ثم الصنجقية ونظارة الجامع الأزهر |