تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
ودخلت سنة أربع ومائتين والف.
في
المحرم وصلت الأخبار بأن الموسقو أغاروا على عدة قلاع
ومسالك اسلامية منها جهات الاوزي وكانت تغل على اسلامبول كالصعيد على
مصر وأن اسلامبول واقع بها غلاء عظيم.
وفي أواخره حضر واحد أغا وبيده مرسومات بسبب الأمراء القبليين بأنهم أن
كانوا تعدوا الجهات التي صالحوا عليها حسن باشا ولم يدفعوا المال ولا
الغلال فلازم من محاربتهم ومقاتلتهم وأن لم يمتثلوا يخرجوا إليهم
ويقاتلوهم فإن السلطان اقسم بالله أنه يزيل الفريقين ولا يقبل عذرهم في
التأخير فقرأوا تلك المرسومات في الديوان ثم أرسلوها مع مكاتبات صحبة
واحد مصرلي وآخر من طرف الاغا القادم بها وآخر من طرف الباشا.
وفي أوائل ربيع الأول رجع الرسل بجوابات من الأمراء القبليين ملخصها
أنهم لم يتعدوا ما حددوه مع حسن باشا إلا بأوامر من عابدي باشا فإنه
حدد لنا من منفلوط ثم إسمعيل بك بنى حاجزا وقلاعا وأسوارا بطرا وذلك
دليل وقرينة على أن ما وراء ذلك يكون لنا وأنه اختص بالإقاليم البحرية
وترك لنا الأقاليم القبلية ولا مزية للامراء الكائنين بمصر علينا فإنه
يجمعنا واياهم أصل واحد وجنس واحد وأن كنا ظلمة فهم أظلم منا وأما
الغلال والمال فإننا أرسلنا لهم جانب غلال فلم ترجع المراكب التي
ارسلناها ثانيا فيرسلوا لنا مراكب ونحن نبيعها ونرسلها وذكروا أيضا
أنهم أرسلوا صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقا إلى اسلامبول ونحن في
انتظار رجوعه بالجواب فعند رجوعه يكون العمل بمقتضى ما يأتي به من
المرسومات ولا نخألف أمر السلطان
ج / 2 ص -86-
وفي شهر جمادى الأولى وردت أخبار بعزل وزير
الدولة وشيخ الإسلام وأغات الينكجرية ونفيهم وأن حسن باشا تولى الصدارة
وهو بالسفر وأنه محصور بمكان يقال له إسمعيل لأن الموسقو أغاروا على ما
وراء إسمعيل وأخذوا ما بعده من البلاد ثم إنه هادن الموسقو وصالحهم على
خمسة أشهر إلى خروج الشتاء وأن السلطان أحضر الأمراء المصرلية الرهائن
المنفيين بقلعة ليميا وهم عبد الرحمن بك الإبراهيمي وعثمان بك المرادي
وسليمان كاشف وأما حسين بك فإنه مات بليميا ولما حضروا أنزلوهم في
قناقات وعين لهم رواتب ويحضرهم السلطان في بعض الأحيان إلى الميدان
ويعملوا رماحة بالخيول وهو ينظر إليهم ويعجبه ذلك ويعطيهم أنعاما وورد
الخبر أيضا أن صالح أغا وصل إلى اسلامبول فصالح على الأمراء القبالي
وتم الأمر بواسطة نعمان أفندي منجم باشا ومحمود بك وأرسلوا بالأوراق
إلى حسن باشا فحنق لذلك ولم يمضه وانحرف علي نعمان أفندي ومحمود بك
وأمر بعزلهما من مناصبهما ونفيهما واخراجهما من دار السلطنة فنفى نعمان
أفندي إلى أماسيه ومحمود بك إلى جهة قريبة من اسلامبول وشاط طبيخهم
وسافر صالح اغا من اسلامبول.
وفي شهر شعبان ورد الخبر بموت حسن باشا وكان موته في منتصف رجب وكأنه
مات مقهورا من الموسقو.
وفي ثاني عشر رمضان حصل زلزلة لطيفة في ساس ساعة من الليل.
وفيه أيضا وصل ثلاثة أشخاص من الديار الرومية فأخذوا ودائع كانت لحسن
باشا بمصر فتسلموها ممن كانت تحت أيديهم ورجعوا.
وفي ليلة الجمعة ثالث عشر شوال قبل الفجر احترق بيت إسمعيل بك عن آخره.
وفي خامس عشرينه عزل حسن كتخدا المحتسب من الحسبة وقلدوها رضوان أغا
محرم من وجاق الجاويشية فأنهى حسن أغا أنه كان متكفلا
ج / 2 ص -87-
بجراية الجامع الأزهر فإن كان المتولي
يتكفل بها مثله استمر فيها وإلا ردوا له المنصب وهو يقوم بها للمجاورين
كما كان فلما قالوا لرضوان اغا: ذلك فلم يسمعه إلا القيام بذلك وهي
دسيسة شيطانية لا أصل فإن أخبار الجامع الأزهر لها جهات بعضها معطل
والناظر عليه علي بك الدفتردار وحسن اغا كتخداه يصل ويقطع من أي جهة
أراد من الميري أو من خلافه فدس هذه الدسيسة يريد بها تعجيز المتولي
ليرجع إليه المنصب ومعلوم أن المتولي لم يتقلد ذلك إلا برشوة دفعها
ويلزم من نزوله عنها ضياع غرامته وجرسته بين اقرانه فما وسعه إلا
القيام بذلك وفردها على مظالم الحسبة التي يأخذها من السوقة ويدفعها
للخباز يصنع بها خبزا للمجاورين والمنقطعين في طلب العلم ليكون قوتهم
وطعامهم من الظلم والسحت المكرر وذلك نحو خمسة آلاف نصف فضة في كل يوم
واشتهر ذلك وعلمه العلماء والمجاوزون وغيرهم وربما طالبوه بالمنكسر أو
اعتذروا بقولهم الضرورات تبيح المحظورات.
وفي ليلة السبت ثالث شهر الحجة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في النيل
أذرعه وكسر السد بحضرة الباشا والأمراء على العادة وجرى الماء في
الخليج.
وفيه وقعت واقعة بين عسكر القليونجية والارنؤدية بسوق السلاح وقتل
بينهم جماعة من الفريقين ثم تحزبوا احزابا فكان كل من واجه حزبا من
الطائفة الأخرى أو انفرد ببعض منها قتلوه ووقع بينهم ما لا خير فيه
وداخل الناس الخوف من ذلك فيكون الإنسان مارا بالطريق فلا يشعر إلا
وكرشه وطائفة مقبلة وبأيديهم البنادق والرصاص وهم قاصدون طائفة من
أخصامهم بلغهم أنهم في طريق من الطرق واستمر هذا الأمر بينهم نحو خمسة
أيام ثم ادرك القضية إسمعيل بك وصالحهم.
وفي أواخره حضر جماعة من الأرنؤد إلى بيت محمد أغا البارودي وقبضوا منه
مبلغ دراهم من علوفتهم ونزلوا عند الخليج المرخم وازدحموا
ج / 2 ص -88-
في المركب فانقلبت بهم وغرق منهم نحو ستة
انفار وقيل تسعة وطلع من طلع في أسوأ حال.
ذكر من مات في هذه السنة.
ومات في هذه السنة العلامة
الرحلة الفهامة الفقيه المحدث المفسر المحقق المتبحر الصوفي الصالح
الشيخ سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الشافعي الأزهري المعروف بالجمل
ويعرف أبوه وجده بشننت ولد بمنية عجيل أحدى قرى الغربية وورد مصر ولازم
الشيخ الحفني فشملته بركته وأخذ عنه طريق الخلوتية ولقنه الأسماء وأذن
له واستخلفه وتفقه عليه وعلى غيره من فضلاء العصر مثل للشيخ عطية
الاجهوري ولازم دروسه كثيرا واشتهر بالصلاح وعفة النفس ونوه الشيخ
الحفني بشأنه وجعله اماما وخطيبا بالمسجد الملاصق لمنزله على الخليج
ودرس بالاشرفيه والمشهد الحسيني في الفقه والحديث والتفسير وكثرت عليه
الطلبة وضبطت من املائه وتقريراته وقرأ المواهب والشمائل وصحيح البخاري
وتفسير الجلالين بالمشهد الحسيني بين المغرب والعشاء وحضره أكبر الطلبة
ولم يتزوج وفي آخر أمره تقشف في ملبسه ولبس كساء صوف وعمامة صوف
وطيلسانا كذلك واشتهر بالزهد والصلاح ويتردد كثيرا لزيارات المشايخ
والأولياء ولم يزل على حاله حتى توفي في حادي عشر القعدة من السنة.
ومات الإمام الفاضل العلامة
الصالح المتجرد القانع الصوفي الشيخ علي ابن عمر بن أحمد بن عمر بن
ناجي بن فنيش العوني الميهي الشافعي الضرير نزيل طندتا
ولد بالميه إحدى قرى مصر وأول من قدمها جده فنيش وكان مجذوبا من بني
العونة العرب المشهورين بالبحيرة فتزوج بها وحفظ المترجم القرآن وقدم
الجامع الأزهر وجوده على بعض القراء واشتغل بالعلم على مشايخ عصره ونزل
طندتا فتديرها ودرس العلم
ج / 2 ص -89-
بالمسجد المجاور وللمقام الأحمدي وانتفع به
الطلبة وآل به الأمر إلى أن صار شيخ العلماء هناك وتعلم عليه غالب من
بالبلد علم التجويد وهو فقيه مجود ماهر حسن التقرير جيد الحافظة يحفظ
كثيرا من النقول الغريبة وفيه أنس وتواضع وتقشف وانكسار وورد مصر في
المحرم من هذه السنة ثم عاد إلى طندتا وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول من
السنة ولم يتعلل كثيرا ودفن بجانب قبر سيدي مرزوق من أولاد غازي في
مقام مبنى عليه رحمه الله تعالى.
ومات الفاضل النحرير الذي وقف الأدب عند بابه ولاذت أربابه باعتابه
النبيه النبيل واللوذعي الجليل
قاسم بن عطاء الله المصري
الأديب ولد بمصر وبها نشأ وقرأ في الفنون على بعض أهل عصره وحفظ الملحة
والألفية وغيرهما واشتهر بفن الأدب والتوشيح والزجل وكان يعرف أولا
بالزجال أيضا لاتقانه فيه وصار وحيد عصره في هذه الفنون بحيث لا يجاريه
أجد مع ما لديه من الارتجال في الشعر مع غاية الحسن وأما في فن التاريخ
فإليه المنتهى مع السلاسة والتناسب وعدم التكلف فيه.
ومات الخواجا المعظم
والناخودة المكرم الحاج أحمد أغا بن ملا مصطفى الملطيلي
كان من أعيان التجار المشهورين وأرباب أهل الوجاهة المعتبرين عمدة في
بابه عدة لاحبابه ومن يلوز بجنابه وينتمي لسدته وأعتابه محتشما في نفسه
مبجلا بين أبناء جنسه توفي يوم الأربعاء ثاني عشرين القعدة ولم يخلف
بعده مثله.
ومات صاحبنا النبيه المفوه
الفصيح المتكلم الكاتب المنشيء حسين ابن محمد المعروف بدرب الشمسي
وهو أجد أخوة حسن أفندي من بيت المجد والرياسة والشرف والفضيلة وكان من
نوادر العصر في لفصاحة واستحضار المسائل الغربية والنكات والفوائد
الفقهية والطبية وعنده حرص على صيد الشوارد وأدرك بمصر أوقاتا ولذات في
الأيام السابقة قبل أن يخرجهم علي بك من مصر في سنة اثنتين وثمانين
ونفيهم إلى الحجاز
ج / 2 ص -90-
وبعد رجوعهم في سنة سبع وثمانين ولكن دون
ذلك ولم يزل يرفل في حلل السيادة حتى تعلل نحو عشرين يوما وتوفي في شهر
رمضان من السنة وصلى عليه بمصلى أيوب بك ودفن عند اسلافه وخلفه من بعده
ابنه حسن جربجي الموجود الآن بارك الله فيه ورحم سلفه.
ومات العمدة المفضل والملاد
المبجل الشيخ عبد الجواد بن محمد ابن عبد الجواد الأنصاري الجرجاوي
الخير المكرم الجواد من بيت الثروة والفضل جدوده مالكية فتحنف كان من
أهل المآثر في إكرام الضيوف والوافدين وله حسن توجه مع الله تعالى
وأوراد وأذكار وقيام الليل يسهر غالب ليله وهو يتلو القرآن والاحزاب
ووردة مصر مرارا وفي آخره انتقل إليها بعياله واشترى منزلا واسعا بحارة
كتامة المعروفة الآن بالعينية وصار يتردد في دروس العلماء مع إكرامهم
له ثم توجه إلى الصعيد ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات فقتلوه غيلة في
هذه السنة رحمه الله تعالى.
ومات الأمير المبجل صالح
فندي كاتب وجاق التفجية وهو من مماليك إبراهيم كتخدا
القازدغلي نشأ من صغره في صلاح وعفة وحبب إليه القراءة وتجويد الخط
فجوده على حسن أفندي الضيائي والأنيس وغيرهما حتى مهر فيه وأجازوه على
طريقتهم واصطلاحهم واقتنى كتبا كثيرة وكان منزله مأوى ذوي الفضائل
والمعارف وله اعتقاد حسن وحب في المرحوم الوالد ولا ينقطع عن زيارته في
كل جمعة مرة أو مرتين وكان مترهفا في مأكله وملبسه معتبرا في ذاته
وجيها منور الوجه والشيبة له من اسمه نصيب وعنده حزم ومماليكه أحمد
ومصطفى تمرض نحو سنة وعجز عن ركوب الخيل وصار يركب حمارا عاليا ويستند
على اتباعه ولم يزل حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى وأنقضت هذه
السنة |