شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام
ج / 1 ص -308-
الباب التاسع عشر:
ذكر عدد أساطين المسجد
الحرام غير الزيادتين وصفتها:
رُوِّينا عن الأزرقي بالسند المتقدم إليه أن عدد
الأساطين التي بجوانب المسجد الحرام وأبوابه: أربعمائة أسطوانة وأربعة
وثمانون أسطوانة1، منها على الأبواب، عشرون أسطوانة. ووصف الأزرقي جميع
هذه الأساطين2.
والأساطين التي هي الآن في جوانب المسجد الحرام وأبوابه، على غير ما
ذكره الأزرقي في العدد أو الصفة الآن، لأن في الجوانب الأربعة من
المسجد الحرام غير الزيادتين، أربعمائة أسطوانة وتسعة وستين أسطوانة،
وعلى أبواب المسجد من داخله وخارجه سبعة وعشرون أسطوانة، فتصير جملة
الأساطين بجوانب المسجد الحرام وما على أبوابه أربعمائة أسطوانة وستة
وتسعين أسطوانة بتقديم التاء على السين غير ما في الزيادتين وذلك يزيد
على ما ذكره الأزرقي عشرة أساطين.
وجملة الأساطين التي بالجانب الشرقي: ثمانية وثمانون أسطوانة، كلها
رخام خلا واحدة في الصف الأوسط عند باب علي. فإنها آجُر مجصَّص.
وجملة الأساطين التي في هذا الجانب الشمالي ويقال له الشامي، الذي يلي
دار الندوة ودار العجلة: مائة أسطوانة وأربعة أساطين، منها الأسطوانة
الحمراء، وهي الثانية والعشرون من عدد الصف المقدم من هذا الجانب،
وجميع الأساطين التي في هذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 1 كان عددها عام 984هـ: 496 أسطوانة "انظر: تاريخ عمارة المسجد
الحرام ص: 101".
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 88.
ج / 1 ص -309-
الجانب رخام، خلا أربعة عشرة أسطوانة من
آخر الصف الأوسط مما يلي دار العجلة وباب السدرة فإنها حجارة منحوتة.
وجملة الأساطين التي في الجانب الغربي: سبعة وثمانون أسطوانة، كلها
حجارة منحوتة، وهي مما عمل بعد الحريق للمسجد الحرام لتكسر أساطينه
الرخام التي كانت فيه قبل الحريق.
وجملة الأساطين التي في الجانب الجنوبي وهو اليماني مائة وأربعون
أسطوانة، وجميعها رخام خلا خمسة وعشرين أسطوانة فإنها غير رخام، وهي
حجارة منحوتة، خلا اثنين فآجر مجصص وجميع ما في جوانب المسجد الحرام
وأبوابه الآن من الأساطين الرخام: ثلاثمائة أسطوانة وأربعون أسطوانة،
وجميع ما فيه من الأساطين غير الرخام: مائة أسطوانة وسبعة وعشرون
أسطوانة كلها حجارة منحوتة، خلا ثلاثة أساطين فإنها أجر مجصص، وقد تقدم
بيان موضع هذه الأساطين، والأساطين الحجارة المنحوتة وكذا الأساطين
الرخام في جوانب المسجد الحرام وأبوابه.
ذكر عدد الأساطين التي بصحن المسجد الحرام
وصفتها:
فأما عددها: فمائتين وثلاثون أسطوانة، وأما
صفتها: فأربعة عشر منها حجارة منحوتة دقيقة، والباقي آجر مجصص، وبين كل
من الأساطين خشبة ممدودة راكبة عليها وعلى المقابل لها، لأجل القناديل
التي تعلق فيها، وكان في موضع هذه الأساطين قبل ذلك أخشاب على صفة
الأساطين، وعمل ذلك للاستضاءة بالقناديل حول الكعبة. وكلام القاضي عز
الدين بن جماعة يوهم أن ذلك وقع بعد العشرين وسبعمائة1 وأن الأساطين
الحجارة جعلت في سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ثم ثارت ريح عاصفة في سنة
إحدى وخمسين فألقتها ثم جددت فيها.
وكلام ابن محفوظ المكي يوهم أن إحداث هذا الدائر للقناديل في سنة ست
وثلاثين وسبعمائة2، والله أعلم.
وجدد بعض هذه الأساطين في عصرنا وفيما قبله غير مرة. ذكر الأزرقي أنه
كان حول الطواف عشرة أعمدة من صفر تستصبح بها على أهل الطواف بعث بها
الواثق العباسي، وأن أول من استصبح لأهل الطواف: جده عقبة بن الأزرقي.
الغساني3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هداية السالك 1/ 1334.
2 إتحاف الورى 3/ 207، ودرر الفرائد "ص: 305".
3 أخبار مكة للأزرقي "1/ 286".
ج / 1 ص -310-
ذكر عدد أساطين زيادة دار الندوة:
عدد أساطين هذه الزيادة: ستة وستون أسطوانة في
جميع جوانبها الأربعة، منها في الجهة الشرقية اثنتا عشرة، ومنها في
الجهة الشامية عشرون، ومنها في الجهة الغربية إحدى عشرة، ومنها في
الجهة الجنوبية ثلاث وعشرون.
ذكر عدد أساطين زيادة إبراهيم:
عدد أساطين هذه الزيادة سبع وعشرون أسطوانة
حجارة منحوتة، منها في الرواق الشرقي الذي يلي المسجد الكبير: سبع عشرة
في صفين، وأربعة من هذه الأساطين السبعة عشر لاصقة بجدار رباط الخوزي
ورباط رامشت، بكل رباط اثنتان، وفي الجانب الشمالي ستة أساطين، واحدة
منها لاصقة بجدار الإيوان الغربي، وفي الجانب الجنوبي ستة أساطين،
واحدة منها لاصقة بالمنارة التي كانت بهذه الزيادة وسيأتي إن شاء الله
تعالى ذكر شيء من خبرها، وليس بالجانب الغربي من هذه الزيادة أساطين
كما قدمناه في صفتها1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "كان عدد الأسطوانات الرخام التي وجدت بالمسجد الحرام حتى "984" في
جوانبه الأربعة غير الزيادة في باب زيادة "دار الندوة" وزيادة باب
إبراهيم أربعمائة وتسعة وستين أسطوانة. وما كان على الأبواب سبع وعشرون
فيكون مجموع ذلك "496" أسطوانة" كلها من الأساطين الرخام. عدا أسطوانة
كانت من الحجر الصوان المنحوت. أما الأساطين التي كانت في زيادة دار
الندوة فمجموعها "27" أسطوانة. وفي زيادة باب إبراهيم "27" أسطوانة.
أما ما هو موجود بالمسجد الحرام بعد عمارة السلطان سليم عام "984هـ"
فكانت "311" أسطوانة من الرخام من الحجر الصوان المنحوت وأما عدد
الأعمدة أو الدعائم المعمولة من الحجر الشمسي أو الحجر الصوان فمجموعها
مائتان وست وسبعون عمودا، وهي قد عملت على ثلاثة أشكال معظمها على شكل
مثمن الأضلاع. وقليل منها على شكل مسدس ومربع. "أما العقود فقد كانت في
عموم أروقة المسجد الحرام في عصر أمير المؤمنين الخليفة محمد المهدي
ذات عقود مطوية في رءوس الأسطوانات الرخام وعددها 484 طاقا. وعدد طاقات
زيادة دار الندوة "68" طاقا وزيادة باب إبراهيم "36" طاقا وقد أحصى
كتاب "تاريخ عمارة المسجد الحرام" عدد العقود التي أنشئت في العمارة
التي جرت سنة "984هـ" وكان "881" عقدا، وعقود صغار على مائة عقد".
والقبب والطواجن بعد نفس العمارة التي تمت عام 984هـ" "152" قبة. وأما
الطواجن فجملتها "232" طاجنا، وعدد شرفات المسجد الحرام: "993"، من
خارجه: "495" شرفة، ومن داخله "498" شرفة.
ذكر عدد طاقات المسجد الحرام وشرفاته وقناديله:
أما عدد الطاقات التي بجوانب المسجد الحرام وهي
العقود التي على الأساطين بجوانبه الأربعة غير الزيادتين: فأربعمائة
طاق: وأربعمائة وثمانون طاقا. من ذلك بالجانب الشرقي: تسعة وتسعون طاقا
في ثلاثة صفوف.
ومن ذلك بالجانب الشامي: مائة وستة وخمسون في ثلاثة صفوف.
ومن ذلك بالجانب الغربي: ثمانية وثمانون في ثلاثة صفوف.
ومن ذلك بالجانب الجنوبي وهو اليماني مائة وواحد وأربعون في ثلاثة
صفوف.
وفيما ذكره الأزرقي في عدد طاقات المسجد الحرام مخالفة لما ذكرناه،
لأنه قال: وعلى الأساطين أربعمائة طاقة وثمان وتسعون طاقة1 وبيّن ما في
كل جهة منها. وقد ذكرناها في أصل هذا الكتاب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقة 2/ 84.
ج / 1 ص -311-
ذكر عدد طاقات زيادة دار الندوة:
جملة هذه الطاقات التي على الأساطين بهذه
الزيادة في جوانبها الأربعة: ثمانية وستون طاقا، منها في الجهة
الشرقية: أربعة عشر في صفين.
ومنها في الجهة الشامية: أربعة وعشرون في صفين.
ومنها في الجهة الشرقية أربعة عشر.
ومنها في الجهة الجنوبية: أربع وعشرون في صفين، في كل صف منها اثنا
عشر.
وذلك غير الطاقات التي في جدار المسجد الكبير في هذه الجهة، وهي إحدي
عشرة طاقة، وغير ما على الأبواب من الطاقات، والطاقات هي العقود.
ذكر عدد طاقات زيادة باب إبراهيم:
عدد طاقات هذه الزيادة ستة وثلاثون طاقا: منها:
خمسة على جدر دار زبيدة ورباط الخوزي.
ومنها: خمسة على الجدر المقابل لهذا الجدار، وهو جدر رباط رامشت،
والباقي على الأساطين، منها: ستة عشر على الأساطين التي في الجانب
الشرقي، ثمانية في كل صف.
ومنها خمسة على الأساطين التي في الجانب الشمالي.
ومنها: خمسة على الأساطين التي في الجانب الغربي.
ج / 1 ص -312-
شرفات المسجد الحرام:
وأما عدد شرفاته التي تلي بطن المسجد الحرام
فهي: أربعمائة وثلاثة وعشرون شرافة، وسبعة أنصاف شرافات. منها في
الجانب الشرقي: إحدى وثمانون شرافة ونصف.
ومنها في الجانب الشمالي: مائة وخمسة وعشرون شرافة ونصفان.
ومنها في الجانب الغرب: سبعة وتسعون شرافة وأربعة أنصاف.
ومنها في الجانب الجنوبي: مائة وثمانية وعشرون شرافة.
وفي نحو النصف من كل جهة من هذه الأربعة جهات شباك كبير مخرم من آجر
معقود بالنورة.
وأما الشرافات التي على جدار المسجد الحرام من خارجه، فهي: اثنان
وخمسون شرافة منها: خمس عشرة شرافة على باب المسجد المعروف بباب
العباس.
ومنها: إحدى عشرة شرافة على باب المسجد المعروف بباب علي.
ومنها: إحدى عشرة شرافة على باب المسجد المعروف بباب بازان بالجانب
الجنوبي.
ومنها: ثلاثة شرافات على باب أجياد بالجانب الجنوبي أيضا.
ومنها: ست شرافات على الباب الذي يليه.
ومنها: ست شرافات على الباب الذي يليه أيضا.
وما ذكرناه من عدد الشراريف مخالف لما ذكره الأزرقي في ذلك، لأنه قال:
الشراف الذي على جدران المسجد الحرام من خارجه مائتا شرافة واثنتان
وسبعون شرافة1... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 95.
ذكر عدد الشرافات التي بزيادة دار الندوة:
والجوانب الأربع من هذه الزيادة التي تلي بطنها:
اثنتان وسبعون شرافة، في كل جهة ثماني عشرة، وكلها متساوية في الشكل،
إلا التي في الأركان فإنها مخالفة لها في الصفة.
ذكر عدد الشرافات التي بزيادة باب إبراهيم:
عدد الشرافات التي بجوانب هذه الزيادة مما يلي
بطنها: بضع وأربعون، منها: عشر في الجهة الشرقية.
ومنها: اثنتا عشرة في الجنوبية، وكذلك في الشمالية وفي الغرب: ست
بمحاذاة القبة، وبقية الصف خال، والظاهر أنه كان هناك شرافات فتخربت،
والله أعلم.
ج / 1 ص -313-
ذكر عدد قناديل المسجد الحرام:
وأما ذكر عدد قناديل المسجد الحرام الآن المرتبة
فيه غالبا فهي ثلاثة وتسعون قنديلا بتقديم التاء على السين منها في
الجانب الشرقي: سبعة قناديل.
ومنها في الجانب الشمالي: أحد عشر قنديلا.
ومنها في الجانب الغربي: سبعة أيضا بتقديم السين على الباء كالجانب
الشرقي.
ومنها في الجانب الجنوبي: ثمانية قناديل.
ومنها في الدائرة التي حول المطاف ثلاثون قنديلا.
ومنها في مقام الخليل إبراهيم: أربعة قناديل.
ومنها في كل مقام من المقامات الأربعة حول المطاف: خمسة قناديل.
ومنها: قنديل على باب بني شيبة من خارجه.
ومنها: ثلاثة قناديل بزيادة دار الندوة في كل جانب منها قنديل، خلاف
الجانب الشرقي منها فإنه لا قنديل فيه.
ومنها: قنديل عند باب الزيادة بالجانب الغربي المعروف بباب إبراهيم من
داخله فهذه القناديل المرتبة في المسجد الحرام غالبا.
ويزاد فيه في شهر رمضان من كل سنة ثلاثون قنديلا في الدائر الذي حول
المطاف، وزاد في هذا الدائر في كل من المقامات الأربعة وفي مقام
إبراهيم عدة قناديل في بعض ليالي العشر الأخير من رمضان في كل سنة عند
ختم المصلين، فهذه الأماكن للقرآن الكريم ويزاد في هذا الدائر في زمن
الموسم نظير ما يزاد فيه في شهر رمضان ويزاد في جوانب المسجد الحرام
الأربعة في زمن الموسم عدة قناديل، في سلاسل معلقة في الرواق الأوسط من
هذه الجوانب، وهي التي فيها القناديل المرتبة المشار إليها. إلا أن في
الرواق الثالث من الجانب الشمالي الذي يلي زيادة دار الندوة ست سلاسل
مفرقة. وفي الرواق الأوسط من هذا الجانب أيضا تسع سلاسل بتقديم التاء
على السين، وفي الرواق الأوسط من هذا الجانب أيضا تسع سلاسل بتقديم
التاء على السين، وفي الرواق الأوسط من هذا الجانب الجنوبي: عشر سلاسل،
وفيه وفي الجانب الشرقي والغربي سلاسل مقطعة، وجميع هذه السلاسل لا
قناديل فيها، وعدد قناديل المسجد الحرام وسلاسله الآن تنقص كثيرا عما
ذكره الأزرقي في قناديل المسجد الحرام، لأنه ذكر أن فيه من القناديل
أربعمائة قنديل وخمسة وستين قنديلا1... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 98.
ذكر عدد أبواب المسجد الحرام وأسمائها وصفاتها:
للمسجد الحرام -الآن- تسعة عشر بابا بتقديم
التاء على السين، تفتح على ثمانية وثلاثين طاقا، منها:
في الجانب الشرقي أربعة
أبواب:
الأول: ثلاث طاقات، وهو الباب المعروف بباب بني شيبة، ويقال له
أيضا باب السلام.
الثاني: طاقان، ويعرف بباب الجنائز؛ لأن الجنائز يخرج بها منه في
الغالب. ذكر الأزرقي أنه باب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج
منه ويدخل إلى منزله دار خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في زقاق
العطارين1. وذكر أنه كان طاقا واحدا، ولم أدر متى جعل له طاقان، إلا
أنه كان على ذلك من سنة تسع وتسعين وخمسمائة؛ لأن ابن جبير ذكره هكذا
في أخبار رحلته، وكانت في هذه السنة2.
الباب الثالث: ثلاث طاقات، يعرف بباب العباس بن عبد المطلب رضي الله
عنه، لأنه يقابل داره بالمسعى، وعرفه بذلك الأزرقي1، وسماه ابن الحاج
في "منسكه" باب الجنائز، لأنه قال لما ذكر صفة السعي: ثم ينزل عن الصفا
ماشيا حتى يحاذي العلم الأخضر، وهو أول بطن الوادي، يسعى سعيا في
الهرولة حتى يجاوز العلم الأخضر الذي عند باب الجنائز. وهو آخر بطن
الوادي، فيمشي على هيئته حتى يأتي المروة... انتهى.
ولعل تسميته له بباب الجنائز والله أعلم، لأن الجنائز كان يصلى عليها
فيه، كما ذكر الفاكهي3. وذكر أيضا موضعين غيره من أبواب المسجد الحرام
كان يصلى على الجنائز فيهما، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبا.
الباب الرابع: ثلاث طاقات أيضا، ويعرف بباب علي، وقد عرفه بذلك ابن
جبير، لأنه قال: وباب علي رضي الله عنه2، وعرفه الأزرقي بباب بني
هاشم4.
وبالجانب الجنوبي سبعة
أبواب:
الأول: طاقان، ويقال له باب بازان، لأن عين مكة المعروفة ببازان
قربه، وعرفه الأزرقي بباب ابن عائذ5.
الثاني: طاقان، ويعرف بباب البغلة بباء موحدة وغين معجمة ولم أدر ما
سبب هذه التسمية والشهرة، وعرفه الأزرقي بباب بني سفيان6.
الثالث: باب الصفا، لأنه يليه، وهو خمسة أبواب. قال الأزرقي: ويقال له
اليوم باب بني مخزوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 78.
2 رحلة ابن جبير "ص: 82".
3 أخبار مكة للفاكهي 2/ 189.
4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 88.
5 أخبار مكة للأزرقي 2/ 89.
6 هو باب بني سفيان بن عبد الأسد.
ج / 1 ص -315-
الباب الرابع: طاقان، ويعرف بباب أجياد
الصغير. وسماه بذلك ابن جبير1، وسماه أيضا بباب الخلقيين، قال الأزرقي:
ويقال له باب بني مخزوم2.
الباب الخامس: طاقان أيضا، ويعرف بباب المجاهدية، لأن عنده مدرسة الملك
المؤيد المجاهد صاحب اليمن، ويقال له باب الرحمة، وما عرفت سبب هذه
التسمية، وهو من أبواب بني مخزوم على ما ذكره الأزرقي.
الباب السادس: طاقان أيضا، ويعرف الآن بباب مدرسة الشريف عجلان صاحب
مكة، لأنها عنده. قال الأزرقي: ويقال لهذا الباب باب بني تيم.
الباب السابع: طاقان، ويعرف الآن بباب أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله
عنها، وعرفه بذلك الأزرقي، ويقال له الآن أيضا باب الملاعبة، لأنه
بحذاء دار تنسب للقواد تسمى الملاعبة. ووجدت بخط الشيخ أبي طيبة محمد
بن أحمد بن أمين الأقشهري، نزيل الحرمين الشريفين تعريف هذا الباب بباب
الفرج.
والجانب الغربي ثلاثة أبواب:
الأول: طاقان، ويعرف بباب عزورة، وهي الحزورة التي صحفت بهذه
اللفظة كما سبق بيانه، قال الأزرقي: ويقال له باب بني حكيم بن حزام،
وبني الزبير بن العوام والغالب عليه باب الحزامية، لأنه يلي الحزامية.
الثاني: طاق واحد كبير، يقال له: باب إبراهيم في الزيادة التي بهذا
الجانب، وإبراهيم المنسوب إليه هذا الباب خياط كان عنده على ما قيل كما
ذكر ذلك أبو عبيد البكري في كتابه "المسالك والممالك"، وذكر أن العوام
نسبوه إليه، ووقع للحافظ أبي القاسم ابن عساكر3، وابن جبير وغيرهما من
أهل العلم ما يقتضي أن إبراهيم المنسوب إليه هذا الباب هو إبراهيم
الخليل عليه السلام وذلك بعيد، لأنه لا وجه لنسبته إليه، والله أعلم.
الباب الثالث: طاق واحد، ويعرف بباب العمرة، لأن المعتمرين من التنعيم
يخرجون منه ويدخلون منه في الغالب. وذكر تسميته بباب العمرة: ابن جبير
في رحلته1، والمحب الطبري في "القرى"، وسماه الأزرقي بباب بني سهم2.
وبالجانب الشمالي -ويقال له
الشامي- خمسة أبواب:
الأول: طاق واحد ويعرف بباب السدة، وسماه بذلك ابن جبير في رحلته،
وغيره. ويقال له على -ما ذكر الأزرقي: باب عمرو بن العاص رضي الله عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رحلة ابن جبير "ص: 82".
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 90.
3 هو صاحب تاريخ دمشق وغيره، توفي سنة 571هـ.
ج / 1 ص -316-
الثاني: طاق واحد، ويعرف بباب العجلة،
لكونه عند دار العجلة.
الثالث: طاق واحد، بزيادة دار الندوة في ركنها الغربي.
الرابع: طاقان بالزيادة المذكورة في جانبها الشامي.
الخامس: طاق واحد، يعرف بباب الدريبة عند المنارة التي عند باب بني
شيبة.
فهذه أبواب المسجد الحرام الآن وأسماؤها ..... وقد ذكر الأزرقي رحمه
الله- عدد أبوابه وصفاتها وأسمائها1، وقد تغير بعده كثير من ذلك في
العدد والصفة والتسمية.
أما العدد: فلأنه ذكر أنها ثلاثة وعشرون بابا، فيها ثلاثة وأربعون
طاقا.
وأما الصفة: فلأن بعض الأبواب التي ذكرها زال عنها مكانه. وذلك أربعة
أبواب بالجانب الغربي، وأربعة أبواب بالجانب الشامي، وبعضها تغيرت صفته
مع بقائه على مكانه.
وأما التسمية فلأنه لا يعرف منها الآن كما ذكره الأزرقي إلا خمسة أبواب
باب بني شيبة، وباب العباس، وباب الصفا، وباب أم هانئ وباب العجلة وقد
ذكرنا في أصل هذا الكتاب كلامه بنصه وبينا ما فيه، مع ما ذكره ابن جبير
في أبواب المسجد الحرام وأسمائها، ولم يذكر ابن جبير فيها باب بني
سفيان2.
ولم أذكر في أبواب المسجد الحرام أبواب الدور التي في المسجد، وإن كان
الأزرقي ذكرها، لأنها أبواب للدور لا للمسجد، وفي غالب هذه الدور أبواب
صغار يخرج منها إلى سطح المسجد، وكانت سدت قبيل سنة ثمانمائة، أو فيما
بعدها حسما لمادة مفاسد تقع في سطح المسجد، ثم فتحت واستمرت إلى الآن
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ونشير إلى أبواب المسجد الحرام التي ذكر الفاكهي أن فيها كان يصلى على
الجنائز، وهي: باب بني شيبة، وباب العباس، وباب الصفا.
قال الفاكهي: وكان الناس فيما مضى من الزمان يصلون على الرجل المذكور
في المسجد الحرام3... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 86.
2 رحلة ابن جبير "ص: 82، 83".
3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 97، وقد ظلت هذه الأبواب كما هي في العدد منذ
ذلك العهد حتى عهد الملك "سعود بن عبد العزيز" الذي قام بأول توسعة
للحرم بعد أن ظل "1609" عاما بدون زيادة، حيث قال بزيادة أبواب الحرم
إلى "51" بابا ما بين صغير وكبير، ثم جاء خادم الحرمين الشريفين الملك
فهد ليدخل التكنولوجيا الحديثة للتسهيل على زوار بيت الله الحرام، فقام
بزيادة أبواب الحرم، حيث ضمت التوسعة مدخلا رئيسيا هو "باب الملك فهد"،
و"14" مدخلا فرعيا ومدخلان =
ج / 1 ص -317-
ومراده بالمذكور: المشهور. والناس اليوم
يصلون على الموتى جميعا داخل المسجد الحرام، إلا أن المذكور من الناس
يصلون عليه عند باب الكعبة. ويذكر أنهم كانوا إنما يصلون عند باب
الكعبة على الأشراف وقريش، وأدركناهم يصلون عند باب الكعبة على غيرهم
من الأعيان، وبعض الناس تسامح في ذلك بالنسبة لغير قريش والأشراف،
وتسامح أيضا في إخراج غيرهم، وإن عظم قدره من باب بني شيبة، ولم أر في
الخروج بالموتى من باب بني شيبة شيئا يستأنس به، وعندي: أن الخروج
بالموتى من المسجد من الباب المعروف بباب الجنائز أولى، لأنه كان طريق
النبي صلى الله عليه وسلم من منزل زوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله
عنها إلى المسجد الحرام، ولذلك قيل له: باب النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الصلاة على الموتى عند باب الكعبة: فرأيت فيه خبرا ذكره الأزرقي
يقتضي أن آدم عليه السلام صُلِّيَ عليه عند باب الكعبة1، والذين لا
يُصلَّى عليهم عند باب الكعبة يُصلَّى عليهم خلف مقام إبراهيم عليه
السلام عند مقام الشافعي، وبعضهم يُصلَّى عليه عند باب الحزورة، وهم
الفقراء الطرحاء، وذلك داخل المسجد الحرام أمام الرواق، لكون ذلك
بالقرب من الموضع الذي يغسلونهم فيه، وكونه إلى موضع دفنهم أقرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= للبدروم، وبذلك أصبح عدد المداخل الرئيسية للحرم4 مداخل وعدد المداخل
الفرعية 54 مدخلا، وست مداخل للبدرومات، هذا غير المداخل الفرعية
العلوية للطابق الثاني. وكذلك السلالم الكهربائية المتحركة. وفي عهد
خادم الحرمين الشريفين تم استخدام سطح المسجد الحرام للصلاة فيه، وهو
يستوعب أكثر من 80000 مصلٍّ بعد تحسينه وإعداد ثلاث مبان للسلالم
المتحركة التي يستخدمها زوار بيت الله الحرام من الاتجاهات الأربع خارج
المسجد. وقد وجه خادم الحرمين الشريفين أوامره لزيادة عدد السلالم
المتحركة والثابتة في مبنى التوسعة بعد أن تمت تهيئة الأسطح بالسلالم
لمساعدة المصلين على الصعود بكل يسر إلى هذه الساحات. وقد صممت هذه
السلالم بشكل يسهل حركة الصعود. وقد أضيف مبنيان للسلالم المتحركة.
أحدهما في شمال مبنى التوسعة. والآخر جنوبه .... ومساحة كل منهما
"375م". ويحتوي على مجموعتين من السلالم طاقة كل منهما "15" ألف شخص في
الساعة. إضافة إلى مجموعتين أخريين من السلالم المتحركة داخل حدود
المبنى على جانبي المدخل الرئيسي وبذلك يصبح مجموع السلالم المتحركة
داخل حدود المبنى على جانب المدخل الرئيسي. وبذلك يصبح مجموع السلالم
المتحركة سبعة عشر تنتشر حول الحرم كله لخدمة الدول الأول والأسطح
بإجمالي "56" سلما كهربائيا بطاقة حركة "105000" شخص في الساعة. أما
السلالم وقد أضيفت ستة سلالم في التوسعة ليصبح المجموع 13 "سلما في
الحرم المكي كله. وزعتا على جانبي بوابة الملك فهد وعلى المداخل
الثانوية شمال التوسعة وجنوبها. والسبعة الباقية موزعة على جوانب
المبنى القائم وقد أنشئت هذه السلالم بالخرسانة المسلحة وكسيت بالرخام.
وقد استهلكت الأعمال الإنشائية لأساسات مباني السلالم الكهربائية ما
مقداره "1186"م3 من الخرسانة المسلحة. وبالنسبة للسلالم الثابتة فقد
بلغت كمياتها من الخرسانة المسلحة "49"م3 من نوع "ب" و"1174" م3 من
نوع.
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 98.
ج / 1 ص -318-
ذكر منائر المسجد الحرام:
للمسجد الحرام الآن خمس منائر، منها أربعة في
أركانه، وواحدة في زيادة الندوة، وذكر ابن جبير أنه كان بالمسجد الحرام
سبع منائر عد فيها هذه الخمسة، ثم قال: وأخرى على باب الصفا وهي
أصغرها، وهي علم لباب الصفا وليس يصعد إليها لضيقها، قال: وعلى باب
إبراهيم صومعة1... انتهى.
وهذه الصومعة هي التي يقال لها الآن: خزانة القاضي نور الدين علي
النويري، وأعلاها الآن منهدم، هدمه بعض أمراء مكة، لإشرافها على داره
على ما قيل والله أعلم.
وعمَّر أبو جعفر المنصور من منائر المسجد الحرام: منارة باب العمرة.
وعمر ابنه المهدي منها: المنارة التي على باب بني شيبة، والمنارة التي
على باب علي، والمنارة التي على باب الحزورة.
وعمر الخواجا جمال الدين محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني وزير صاحب
الموصل منائر المسجد الحرام على ما ذكر بعض مشايخنا، والله أعلم بحقيقة
ذلك2.
وأخبرني من اعتمده، أنه رأى اسمه مكتوبا في منارة باب العمرة، بما
معناه أنه أمر بعمارتها في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة3.
وعمرت منارة باب الحزورة في زمن الملك الأشرف شعبان بن حسين صاحب
الموصل وكانت سقطت في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة4، وسلم الناس منها،
فوصل المعمرون لعمارتها في موسم هذا السنة، وفرغ منها في المحرم مفتتح
شهور سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة5.
وعمرت منارة باب بني شيبة في زمن مولانا السلطان الملك الناصر فرج ابن
الملك الظاهر برقوق، وذلك بعد أن سقطت في آخر شعبان سنة تسع
وثمانمائة6، وابتدأ في عمارتها سنة عشر، ولم يكمل بناءها إلا في آخر ذي
القعدة من السنة التي بعدها واستحسنت عمارتها.7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رحلة ابن جبير "ص: 68".
2 وقد قام السلطان العثماني سليمان القانوني بتجديدها سنة "931" ثم
جددها الشريف سرور سنة "1201هـ".
2 إتحاف الورى 2/ 517.
4 العقد الثمين 5/ 10، وبدائع الزهور 1/ 2/ 97، ودرر الفرائد "ص: 311".
5 إتحاف الورى 3/ 313.
6 إتحاف الورى 3/ 454.
7 إتحاف الورى 3/ 457.
ج / 1 ص -319-
وذكر الفاكهي منائر المسجد الحرام الأربعة
التي بجوانبه الأربعة، وبدأ في ذكرها بمنارة باب بني سهم. ثم بمنارة
باب الحزورة ثم بالمنارة التي فيها الميل الذي يهرول الساعي بين الصفا
والمروة عنده، ثم بمنارة باب بني شيبة.
وذكر الفاكهي أن في منارة باب بني سهم يؤذن صاحب الوقت بمكة، ومراده
بصاحب الوقت والله أعلم: الذي يقال له في هذا الزمان رئيس المؤذنين،
وهذا يخالف ما عليه الناس اليوم بمكة، لأن منارة صاحب الوقت الآن هي
منارة باب بني شيبة1.
وذكر الفاكهي أن في منارة باب الحزورة يسحر المؤذن في شهر رمضان، ولم
يذكر أن ذلك يصنع في غيرها، فدل ذلك على أن اختصاصها به، والذي عليه
المؤذنون الآن بمكة أنهم يسحرون في جميع منائر المسجد الحرام الخمس،
وإنما لم يذكر الأزرقي والفاكهي المنارة الخامسة التي بزيادة الندوة
لحدوثها بعدهما2.
ونختم هذه الترجمة بمنائر في غير المسجد الحرام كان يؤذن فيها بمكة
وظاهرها، ذكرها الفاكهي ونص ما ذكره الفاكهي: ذكر عدد المنارات التي
على رؤوس الجبال بمكة. وكان أهل مكة فيما مضى من الزمان لا يؤذنون على
رؤوس الجبال، وإنما كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 2/ 202- 203.
2 ظلت هذه المنائر على حالها وقد تم تجديدها وبيان ذلك كما يلي:
1- منارة باب العمرة التي عمرها "محمد الجواد الأصفهاني" وزير صاحب
الموصل سنة "551هـ. وجددت سنة "931هـ" في عهد السلطان: "سليمان
القانوني"، ثم في عهد الشريف سرور سنة "1201"هـ.
2- منارة باب الوداع التي عمرها الملك الأشرف شعبان سنة "771هـ" بعد
سقوطها.
3- منارة باب علي التي هدمها السلطان العثماني "سليمان بن سليم" عام
"970م"، ثم أعاد بناءها.
4- منارة قايتباي، وكانت أجمل المنائر السبع.
5- منارة باب السلام التي هدمت في عصر السلطان الناصر فرج بن برقوق
الجركسي، ثم أمر السلطان مراد الثالث بإعادة إعمارها سنة "983هـ".
6- منارة السلطان سليمان، التي كانت تعرف بمنارة الحكمة.
7- منارة باب زيادة التي أعاد بناءها الملك الأشرف برسباي سنة "838هـ"
بعد سقوطها، ثم هدمت على يد الأمير سودون المحمدي سنة "1113هـ".
وقد تم إزالة جميع هذه المنائر عند التوسعة السعودية الأولى عام
"1374هـ" وأبدلت بسبع منائر جديدة ذات طراز معماري واحد، وقد وزعت هذه
المنائر الجديدة على الأبواب الرئيسية كل باب بمنارتين وبالقرب من باب
الصفا المنارة السابعة. وبعد الزيادة الضخمة التي تمت في عهد خادم
الحرمين الشريفين، أضيفت مئذنتان جديدتان تتشابهان في شكلهما مع المآذن
السبع. وبذلك وصل عدد المنائر تسع منائر.
ج / 1 ص -320-
الأذان في المسجد الحرام وحده، فكان الناس
تفوتهم الصلاة من كان منهم في فجاج مكة، ونائيا عن المسجد، حتى كان في
زمن أمير المؤمنين هارون، فقدم عبد الله بن مالك أو غيره من نظرائه
بمكة، ففاتته الصلاة ولم يسمع الأذان، فأمر أن يتخذ على رؤوس الجبال
منارات تشرف على فجاج مكة وشعابها، يؤذن فيها للصوات، وأجرى على
المؤذنين في ذلك أرزاقا، ولعبد الله بن مالك الخزاعي على جبل أبي قبيس
المشرف على المسجد الحرام منارة على القبلة بعينها، ومنارة أخرى
بحذائها مشرفة على أجياد، ومنارة إلى جنب المنارة التي على القبلة،
وأخرى تحتها، فتلك أربع منارات، ولعبد الله بن مالك منارة على جبل
مرازم المشرف على شعب ابن عامر، وجبل الأعرج.
ثم أمر بُغا مولى أمير المؤمنين الذي يكنى بأبي موسى1 بمنارة على رأس
الفلق، فبنيت به، ولعبد الله بن مالك منارة تشرف على المجزرة، وله هناك
منارتان على جبل تفاحة، ولعبد الله بن مالك منارة على رأس الجبل
الأحمر. بناها على موضع منه يقال له الكبش مرتفع على جبل الأحمر، وعليه
منارة لبغا أيضا.
ولعبد الله بن مالك منارة على جبل خليفة بن عمر البكري ومعها منارة
لبغا أيضا، ولعبد الله على كُدَيّ منارة تشرف على وادي مكة، ولبغا
منارة على جبل المقبرة، وله أيضا منارة على جبل الحزورة، وله منارتان
على جبل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وعلى جبل الأنصار الذي يلي
"أجياد" منارة، وله منارة على ثنية أم الحارث، تشرف على الحصحاص، ولبغا
منارة على جبل معدان مشرفة على حائط خرمان، وله أيضا منارة تشرف على
الخضراء وبئر ميمون، ولبغا أيضا منارة بمنى عند مسجد الكبش، فكانت هذه
المنارات عليها قوم يؤذنون فيها للصلوات وتُجرى عليهم الأرزق في كل
شهر، ثم قطع ذلك عنهم، فترك ذلك بعضُهم، وبقي منها مناراتٌ يؤذن عليها،
يجري على من يؤذن فيها: عبد العزيز بن عبد الله السهمي اليوم... انتهى.
وقد ترك الأذان على جميع هذه المنارات في عصرنا، إلا أن في شهر رمضان
يسحر جماعة من الناس على جبال بمكة، في كل جبل إنسان، ويؤذن كل منهم في
الجبل الذي يسحر عليه، وهي: جبل أبي قبيس، والجبل الذي على القرارة
المعروف بلعلع، وفي الجبل الأحمر، ويقال له جبل الحارثي نسبة إلى مؤذن
كان يسحر فيه.
ويؤذن، وللمؤذن على هذه الجبال جامكية2 يسيرة تصل من مصر مع ما يصل
لمؤذني المسجد الحرام وأرباب الوظائف به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو: بغا الكبير، أبو موسى التركي. أحد قواد المتوكل وأكبرهم له
فتوحات ووقعات، مات حوالي سنة "250هـ" انظر ترجمته في :الوافي بالوفيات
10م 172، 173 رقم 4656".
2 الجامكية: هو اصطلاح كان شائعا في عصر المماليك، وهو يعني: مخصصات أو
مرتبات شهرية أو سنوية.
ج / 1 ص -321-
ذكر ما صنع في المسجد الحرام
لمصلحته أو لنفع الناس به:
مما صنع في المسجد الحرام لمصلحته: قبة كبيرة
بين زمزم وسقاية العباس رضي الله عنه لحفظ الأشياء الموقوفة لمصالح
المسجد، وما فيها من الربعات والمصاحف الشريفة، منها: مصحف عثمان رضي
الله عنه على ما يقال، وفيها ما يقتضي أنها عمرت في زمن الناصر
العباسي، وكانت موجودة قبل ذلك على ما ذكر ابن عبد ربه في "العقد"1،
وقد تقدم أنه توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وذكرها ابن جبير في
أخبار رحلته، وذكر أنها تنسب لليهودية2، ولم يبين سبب هذه التسمية
والنسبة، وعمر بعضها في سنة إحدى وثمانمائة3.
ومن ذلك "المزولة" التي بصحن المسجد الحرام، وهي من عمل الوزير الجواد،
واسمه مكتوب في اللوح النحاسي المعمول لمعرفة الوقت، وهو بأعلى هذه
المزولة، يقال لها أيضا ميزان الشمس، وبينها وبين ركن الكعبة الشامي
الذي يقال له العراقي: ثلاثة وأربعون ذراعا بذراع الحديد وثمن ذراع.
ومنها ظلة للمؤذنين في سطح المسجد، تظلهم من الشمس، ذكرها الأزرقي4،
ولا أثر لها الآن.
ومنها: فسقية من رخام بين زمزم والركن والمقام، عملها "خالد القسري"5
في ولايته لمكة بأمر سليمان بن عبد الملك، وساق إليها ماء عذبا ضاهى به
زمزم، وقيل: إنه عمل ذلك بأمر الوليد بن عبد الملك، ذكر هذا القول
السهيلي6، والأول ذكره الأزرقي7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العقد الفريد 6/ 258.
2 رحلة ابن جبير "ص: 66.
3 إتحاف الورى 3/ 416.
4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 99.
5 كان أمير العراقيين من قبل الخليفة هشام بن عبد الملك، وولي مكة سنة
89هـ وقتل سنة 126هـ.
6 الروض الأنف 1/ 224.
7 أخبار مكة للأزرقي 2/ 60.
ج / 1 ص -322-
ثم بطلت فلم يبق لها أثر، وذلك في سنة
اثنين وثلاثين ومائة، أبطلها داود بن علي العباسي لما قدم مكة واليا
عليها لابن أخيه أبي العباس السفاح1.
ومما جعل في المسجد الحرام لينتفع الناس بذلك: المنابر التي يخطب
عليها، وأول من خطب على منبر بمكة معاوية بن أبي سفيان2، وهو منبر صغير
على ثلاث درجات، قدم به من الشام لما حج، وكانت الخلفاء والولاة قبل
ذلك يخطبون يوم الجمعة قياما على أرجلهم في وجه الكعبة وفي الحجر، وكان
منبر معاوية يعمر إذا تخرب، ولم يزل يخطب عليه حتى حج هارون الرشيد،
وأهدى له منبر منقوش عظيم في تسع درجات، أهداه له عامله على مصر موسى
بن عيسى، فكان منبر مكة وجعل المنبر القديم بعرفة، ثم أمر الواثق
العباس بعمل منبر بمكة، ومنبر بمنى، ومنبر بعرفة، هذا ما ذكره الأزرقي
من خبر المنابر3.
وذكر الفاكهي ذلك، وزاد أن المنتصر ابن المتوكل العباس لما حج في خلافة
أبيه، جعل منبرا عظيما يخطب عليه بمكة ثم خرج وخلفه بها... انتهى .
وجعل بعد ذلك عدة منابر للمسجد الحرام منها: منبر عمله وزير المقتدر4
العباسي. وكان منبرا هائلا استقام بألف دينار ولما وصل إلى مكة أحرق،
لأنه كان بعث به ليخطب عليه للخليفة المقتدر فمنع من ذلك المصريون
وخطبوا للمستنصر العبيدي صاحب مصر، وأحرقوا المنبر المشار إليه.
ومنها: منبر عمل في دولة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر في سنة ست وستين
وسبعمائة5.
ومنها: منبر بعث به الملك الظاهر برقوق صاحب مصر سنة سبع وتسعين
وسبعمائة، وهو باق يخطب عليه الخطباء إلى تاريخه6، وأصلح بعد وصوله إلى
مكة غير مرة.
ومنها منبر حسن أنفذه الملك المؤيد صاحب مصر في موسم سنة ثماني عشرة
وثمانمائة، فخطب عليه في سابع ذي الحجة7، وهجرت الخطبة على الذي قبله،
وأنفذ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 166.
2 أخبار مكة للفاكهي 2/ 203.
3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 100.
4 تولى المقتدر الخلافة من سة 295-320هـ.
5 إتحاف الورى 3/ 304.
6 أي إلى تاريخ هذا التأليف، وفي إتحاف الورى 3/ 396: أن هذا المنبر ظل
يخطب عليه حتى سنة 818هـ.
7 إتحاف الورى 3/ 528.
ج / 1 ص -323-
معه درجة حسنة للكعبة، فنصبت للرقي عليها
إلى الكعبة، وأعرض عن التي قبلها وكانت عملت في سنة ست وستين وسبعمائة
من قبل الأشرف شعبان صاحب مصر، وكان مدة الرقي عليها إلى الكعبة اثنتين
وخمسين سنة أو تزيد قليلا، وكان مدة الخطبة على المنبر الذي عمل في
دولة الأشرف إحدى وثلاثين سنة أو تزيد قليلا، والله أعلم1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وأهديت بعض المنابر على مر القرون من بعد حتى أهدى السلطان سليمان
العثماني سنة "173هـ = 1654م" منبرا وهو مصنوع من المرمر البراق الناصع
البياض. ويحتوي على ثلاث عشرة درجة. وفي أعلاه أربعة أعمدة من المرمر
تحمل قبة مستطيلة صنعت من الخشب المتين. وصفحت بألواح من الفضة طليت
بالذهب. وفي أعلى القبة هلال. ويبلغ طول المنبر اثني عشر مترا تقريبا.
ذكر صفة المقامات التي هي الآن بالمسجد الحرام
ومواضعها:
أما صفة المقامات فإنها غير مقام الحنفي
أسطوانتان من حجارة، عليها عقد مشرف من أعلاه، وفيه خشبة معترضة فيها
خطاطيف للقناديل، وما بين الأسطوانتين من مقام الشافعي لا بناء فيه وما
بينهما في مقام المالكي والحنبلي مبنى بحجارة مبيضة بالنورة، وفي وسط
هذا البناء محراب، وكان عمل هذه الثلاثة المقامات على هذه الصفة في سنة
سبع وثمانمائة1. رغبة في بقائها، فقد ذكرنا صفتها القديمة في أصل هذا
الكتاب.
وأما صفة مقام الحنفي الآن: فأربع أساطين من حجارة منحوتة، عليها سقف
مدهون مزخرف، وأعلا السقف مما يلي السماء مدكوك بالآجر، مطلي بالنورة،
وبين الأسطوانتين المتقدمتين بناء فيه محراب مرخم، وكان ابتداء عمله
على هذه الصفة في شوال، أو في ذي القعدة من سنة إحدى وثمانمائة، وفرغ
منه في أوائل سنة اثنتين وثمانمائة2.
وأنكر عمله على هذه الصفة، جماعة من العلماء من مشايخنا وغيرهم، منهم:
العلامة زين الدين الفارسكوري الشافعي3، وألف في ذلك تأليفا حسنا، ثم
أخبرني بالقاهرة في أوائل سنة اثنين وثمانمائة أن شيخنا شيخ الإسلام
سراج الدين البلقيني4،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 442.
2 إتحاف الورى 3/ 412.
3 هو عبد الرحمن بن علي بن خلف أبو المعالي، ولي قضاء المدينة المنورة
ولكنه لم يباشره، وجاور بمكة وصنف بها شيئا في مقام إبراهيم، توفي
808هـ "انظر ترجمته في الضوء اللامع 4/ 69، 97".
4 هو: عمر بن رسلان بن نصير، برع في الفقه وأصوله، وتولى القضاء وتأهل
للتدريس والفتيا، توفي سنة 805هـ" انظر ترجمته في الضوء اللامع 6/ 85 -
90".
ج / 1 ص -324-
وابنه سيدنا ومولانا قاضي القضاة بالديار
المصرية الآن شيخ الإسلام جلال الدين1 أبقاه الله ورحم سلفه وقضاة
القضاء بالديار المصرية في هذه السنة أفتوا بهدم هذا المقام، وتعزير من
أفتى بجواز بنائه على هذه الصفة، وأن ذلك جنحة فيه، وأن وَلِيّ الأمر
بمصر رسم بهدمه، فعارض في ذلك بعض ذوي الهوى، فتوقف في ذلك. وسبب
الإنكار في بناء هذا المقام، ما حصل فيه من كثرة شغل الأرض بالبناء
وقلة الانتفاع بموضعه في الليالي الحارة لأجل سقفه إلا بمشقة فادحة،
وما يتوقع من إفساد أهل اللهو فيه، لأجل سترته لهم وغير ذلك.
وأما مواضعها في المسجد الحرام: فإن مقام الشافعي خلف مقام إبراهيم
الخليل عليه السلام والحنفي بين الركنين الشامي والغربي، والمالكي بن
الركن الغربي واليماني والحنبلي تجاه الحجر الأسود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو عبد الرحمن بن رسلان، توفي سنة 824هـ "انظر ترجمته في الضوء
اللامع 4/ 106- 113".
ذكر ذرع ما بين كل من هذه المقامات وبين الكعبة:
أما مقام الشافعي: فبينه وبين جدار الكعبة
الشرقي تسعة وثلاثون ذراعًا ونصف ذراع بذراع الحديد، وبينه وبين
الأسطوانتين المؤخرتين ساباط مقام إبراهيم عليه السلام تسعة أذرع ونصف.
وأما مقام الحنفي: فإن من جدار محرابه إلى وسط جدار الحجر اثنين
وثلاثين ذراعا إلا سدس ذراع.
وقد تقدم في الباب السابع عشر في أخبار الحجر مقدار ما بين جدار دائر
الحجر من داخله إلى جدار البيت، وعرض جدار الحجر، فأغنى ذلك عن ذكره
هنا، ومن جدار محرابه إلى حاشية المطاف: عشرة أذرع ونصف بالعتبة، وعرض
العتبة نصف ذراع وقيراطان.
وأما مقام المالكي: فإن من جدار محرابه إلى وسط جدار الكعبة على
الاستواء: سبعة وثلاثين ذراعا وثلثا ذراع، ومن جدار المحراب إلى حاشية
المطاف بالعتبة عشرة أذرع وثلث.
وأما مقام الحنبلي فإن من جدار محرابه إلى الحجر الأسود: ثمانية وعشرين
ذراعا إلا ثلثا بعتبة الحاشية، والذراع المحرر به هو ذراع الحديد1.
وكان تحرير ذلك بحضوري. وقد ذكرنا في أصل هذا الكتاب ارتفاع هذه
المقامات وذرعها بزيادة في ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المقامات الأربعة تغيرت صفتها مع مرور الزمن، أما مكانها حول المطاف
فلم يتغير حتى عام "1360م"، وعندما قام جلالة الملك "سعود" رحمه الله
بالتوسعات الأولى للحرم قام بإزالة هذه المقامات عام "1377هـ"، حيث
كانت مصدرا لتعدد الجماعات، وسببا من أسباب التفرقة. وقد كان المغفور
له الملك "عبد العزيز آل سعود" رحمه الله قد أبطل الصلاة فيها عام
"1343هـ" بعد إجماع العلماء على أن الصلاة فيها بدعة ابتدعتها
الجماعات.
ج / 1 ص -325-
ذكر كيفية صلاة الأئمة بهذه
المقامات وحكم صلاتهم بها:
أما كيفية صلاتهم: فإنهم يصلون مرتين، الشافعي،
ثم الحنفي، ثم المالكي، ثم الحنبلي، وذكر ابن جبير ما يقتضي أن المالكي
كان يصلي قبل الحنفي1، وأدركناه كذلك، ثم تقدم عليه الحنفي بعد التسعين
بتقديم التاء على السين وسبعمائة، واضطراب كلام ابن جبير في الحنفي
والحنبلي، لأنه ذكر ما يقتضي أن كلا منهما يصلي قبل الآخر، وهذا كله في
غير صلاة المغرب فإنهم يصلونها جميعا في وقت واحد، وسبب اجتماعهم في
هذه الصلاة: أنه يحصل للمصلين لبس كثير بسبب التباس أصوات المبلغين،
واختلاف حركات المصلين، وهذا الفعل ضلال في الدين، لما فيه من المنكرات
التي لا تخفى إلا على من غلب عليه الهوى. ولم يزل العلماء ينكرون ذلك
قديما وحديثا نسأل الله زوال البدعة ثم زالت هذه البدعة بسعي جماعة من
أهل الخير فيها عند ولي الأمر أثابهم الله تعالى، وذلك أن في موسم سنة
إحدى عشرة وثمانمائة ورد أمر السلطان الملك الناصر فرج نصره الله تعالى
بأن الإمام الشافعي بالمسجد الحرام يصلي المغرب بمفرده دون الأئمة
الباقين، فنفذ أمره الشريف بمكة كما رسم به2. واستمر هذا الحال إلى أن
ورد أمر الملك المؤيد أبي النصر شيخ صاحب مصر بأن الأئمة الثلاثة يصلون
المغرب كما كانوا يصلون قبل ذلك. ففعلوا ذلك، وأول وقت فعل فيه ذلك
ليلة السادس من ذي الحجة من سنة ست عشرة وثمانمائة3.
وكذلك تجمع الأئمة الثلاثة غير الشافعي على صلاة العشاء في رمضان،
ويجتمع أيضا هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم من الأئمة بالمسجد الحرام في
صلاة التراويح في المسجد، وتحصل بسبب اجتماعهم في ذلك: المنكر القبيح
الذي كان يقع دائما في صلاة المغرب وأعظم، لكثرة الأئمة، فلا حول ولا
قوة إلا بالله.
وأما حكم صلاة الأئمة الثلاثة: الحنفي والمالكي، والحنبلي، في الفرائض
على الصفة التي يصفونها، فاختلف فيه آراء العلماء المالكية، لأن الشيخ
الإمام أبا القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الحباب المالكي4 أفتى في
سنة خمسين وخمسمائة بمنع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رحلة ابن جبير "ص: 79".
2 إتحاف الورى 3/ 466.
3 إتحاف الورى 3/ 509.
4 لم نعثر على ترجمته، وانظر الخبر في إتحاف الورى 2/ 516.
ج / 1 ص -326-
الصلاة بأئمة متعددة، وجماعات مترتبة بحرم
الله تعالى، وعدم جوازها على مذاهب العلماء الأربعة. ثم إن بعض الناس
استفتى في ذلك بعض علماء الإسكندرية، فأفتوا بخلاف ما رآه ابن الحباب،
والذي أفتى بذلك. شداد بن المقدم، وعبد السلام بن عتيق، والشيخ أبو
طاهر بن عوف بن الزهري.
ولما وقف ابن الحباب على فتاويهم أملى في الرد عليهم أشياء كثيرة حسنة،
ونقل إنكار ذلك عن جماعة من العلماء. الشافعية، والحنفية، والمالكية،
حضروا الموسم بمكة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، فمن الشافعية: أبو النجيب
مدرس النظامية، ويوسف الدمشقي صاحب أسعد البهتي، ونقل عنهما أنهما
قالا: وأما صلاة المغرب فهي أشنع وأبشع، وأقره العطاري في بقية فقهاء
نيسابور، ومحمد بن جعفر الطائي يعني صاحب الأربعين. ومن الحنفية: الشرف
الغزنوي. ومن المالكية: عمر المقدسي، وأقام الدلالة على فسادها، وأنها
مخالفة لرأي مالك وأصحابه، وذكر ابن الحباب أن أبا بكر الطرسوسي، ويحيى
الزياتي شيخ شداد بن المقدم لم يصليا خلف إمام المالكية بالحرم الشريف
ركعة مع كونه مغموصا عليه، قال: ولا شيء أقبح من جهل الإنسان بحال
شيوخه.
وأما وقت حدوثهم: فلم أعرفه تحقيقا، ورأيت ما يدل على أن الحنفي
والمالكي كانا موجودين في سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وأن الحنبلي لم
يكن فيه موجودا وذلك لأن الحافظ أبا طاهر السلفي1 حج في هذه السنة،
ورأى فيها أبا محمد بن العرضي القروي المقرئ إمام مقام الخليل عليه
السلام وذكر أنه أول من يصلي من أئمة الحرم المقدسي قبل المالكية
والحنفية والزيدية... انتهى.
ووجه الدلالة من هذا على ما ذكرناه من أن الحنبلي لم يكن موجودا في هذه
السنة: عدم ذكر السلفي له، وذكره لإمام الزيدية، ولو كان الحنبلي
موجودا حينئذ لذكره السلفي، فإنه أولى بالذكر من إمام الزيدية، والله
أعلم.
ووجدت ما يدل على أنه كان موجودا في عشر الأربعين وخمسمائة، وقد ذكرت
ذلك في أصل هذا الكتاب، والله أعلم.
وكان بعض المتعصبين على الحنابلة قلع حطيمهم من مكة، لأن أبا المظفر
سبط ابن الجوزي قال في كتابه "مرآة الزمان" في ترجمة "مرجان" خادم
المقتفي العباسي2 بعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو: أحمد بن محمد الأصفهاني السلفي، صاحب كتاب "معجم السفر" المتوفى
سنة 576هـ.
2 هو: أبو عبد الله الحسيني المقتفي لأمر الله، بويع بالخلافة سنة
530هـ واستمر فيها إلى أن توفي سنة 555هـ.
ج / 1 ص -327-
أن ذكر عنه أنه قال: قصدي أن أقلع مذهب
الحنابلة، لأنه لما حج قلع الحطيم1 الذي كان لهم بمكة، وأبطل إمامتهم
بها وبالغ في أذاهم... انتهى2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رحلة ابن جبير "ص: 79".
2 ظل المقام إلى قبل عام "1387هـ-1967م" داخل مقصورة نحاسية مربعة
الشكل. وعليها قبة قائمة على أربعة أعمدة، غير أن ازدياد عدد الحجاج في
تلك السنوات حتى ضاق المطاف حول الكعبة من استيعابهم، وأصبح ذلك من
عوامل إعاقة الحركة حول بيت الله الحرام. مما أدى إلى مناقشات مستفيضة
بين علماء المسلمين. وقضي الأمر إلى قرار من رابطة العالم الإسلامي في
جلسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي المنعقدة في 25/ 12/
1384هـ بإزالة جميع الزوائد الموجودة حول المقام. وإبقاء المقام في
مكانه على أن يجعل عليه صندوق من البللور السميك القوي على قدر وارتفاع
مناسب يمنع تعثر الطائفين. وتتسنى معه رؤية المقام. فعمل له غطاء من
البللور الممتاز. وأحيط هذا الغطاء بحاجز وعملت له قاعدة من الرخام
فوقها قاعدة نحاسية نصبت حول المقام لا تزيد مساحتها عن 180× 130 سم
وبارتفاع "75 سم" وتم هذا في رجب عام "1387هـ = 1967م".
وفي يوم السبت 18/ 7/ 1387هـ جرى رفع الستار عن الغطاء البللوري في حفل
جليل بيد الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله. |