البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

باب ذكر أمم أهلكوا بعامة وذلك قبل نزول التوراة بدليل قوله تعالى: (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعدما أهلكنا القرون الاولى الآية) [ القصص: 43 ].
كما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والبزار من حديث عوف الاعرابي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء أو من الارض بعد ما أنزلت التوراة على وجه الارض غير القرية التى مسخوا قردة.
ألم تر أن الله تعالى يقول: (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الاولى) ورفعه البزار في رواية له.
والاشبه والله أعلم وقفه فدل على أن كل أمة أهلكت بعامة قبل موسى عليه السلام: فمنهم:
اصحاب الرس قال الله تعالى في سورة الفرقان (وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا.
وكلا ضربنا له الامثال وكلا تبرنا تتبيرا) [ الفرقان: 38 - 39 ] وقال تعالى في صورة ق (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الايكة
__________
(1) مسند أحمد ج 2 / 23.
(2) رواه الترمذي الحكيم في نوادر الاصول.
ورواه الترمذي أبو عيسى في سننه كتاب صفة القيامة (38) باب 48 ح / 2496.
وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن قد رواه شيبان وغير واحد عن الاعمش ونحو هذا ورفعوه.
وروى بعضهم عن الاعمش ولم يرفعه.
(3) سعد ويقال طلحة، عن ابن عمر، وعنه عبد الله (الرازي) وثقة الكاشف (1 / 280) أو سعيد ويقال طلحة مولى سعد مجهول من الرابعة تقريب التهذيب 1 / 290.
[ * ]

(1/261)


وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد) [ ق: 12 - 14 ] وهذا السياق والذي قبله يدل على أنهم أهلكوا ودمروا وتبروا وهو الهلاك.
وهذا يرد اختيار ابن جرير من أنهم أصحاب الاخدود الذين ذكروا في سورة البروج (1)، لان أولئك عند ابن اسحق وجماعة كانوا بعد المسيح عليه السلام وفيه نظر أيضا.
وروى ابن جرير قال قال ابن عباس أصحاب الرس (2) ; أهل قرية من قرى ثمود.
وقد ذكر الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في أول تاريخه عند ذكر بناء دمشق عن تاريخ أبي القاسم عبد الله بن عبد الله بن جرداد وغيره: أن أصحاب الرس كانوا بحضور فبعث الله إليهم نبيا يقال له حنظلة بن صفوان فكذبوه وقتلوه فسار عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح بولده من الرس فنزل الاحقاف وأهلك الله أصحاب الرس وانتشروا في اليمن كلها وفشوا مع ذلك في الارض كلها حتى نزل جيرون بن سعد بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح دمشق وبنى مدينتها وسماها جيرون وهي إرم ذات العماد وليس أعمدة الحجارة في موضع أكثر منها بدمشق، فبعث الله هود بن عبد الله بن رباح بن خالد بن الحلود بن عاد إلى عاد، يعني أولاد عاد
بالاحقاف، فكذبوه وأهلكهم الله عزوجل، فهذا يقتضي أن أصحاب الرس قبل عاد بدهور متطاولة فالله أعلم (3).
وروى ابن أبي حاتم، عن أبي بكر بن أبي عاصم عن أبيه عن شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس قال الرس بئر بآذربيجان.
وقال الثوري عن أبي بكر عن عكرمة قال الرس بئر رسوا فيها نبيهم أي دفنوه فيها (4).
وقال بن جريج قال عكرمة أصحاب الرس بفلج وهم أصحاب ياسين.
وقال قتادة فلج من قرى اليمامة قلت: فإن كانوا أصحاب ياسين كما زعمه عكرمة فقد أهلكوا بعامة قال الله تعالى في قصتهم (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) [ يس: 29 ] وستأتي قصتهم بعد هؤلاء وإن كانوا غيرهم وهو الظاهر فقد أهلكوا أيضا وتبروا * وعلى كل تقدير فينافي ما ذكره ابن جرير.
وقد ذكر أبو بكر محمد ابن الحسن النقاش: أن أصحاب الرس كانت لهم بئر ترويهم وتكفي أرضهم جميعا وكان لهم ملك عادل حسن السيرة فلما مات وجدوا عليه وجدا عظيما فلما كان بعد أيام تصور لهم الشيطان في صورته وقال إني لم أمت ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم ففرحوا أشد الفرح وأمر بضرب حجاب بينهم وبينه وأخبرهم أنه لا يموت أبدا فصدق به أكثرهم وافتتنوا به وعبدوه فبعث الله فيهم نبيا وأخبرهم (5) أن هذا شيطان يخاطبهم من وراء الحجاب ونهاهم عن
__________
(1) قال تعالى: (قتل أصحاب الاخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود (4 - 6).
(2) الرس: في كلام العرب البئر التي تكون مطوية والجمع رساس.
وفي الصحاح: الرس بئر كانت لبقية من ثمود.
والرس أيضا عند العرب: الدفن.
(3) تاريخ ابن عساكر 1 / 15 تهذيب.
(4) عن عكرمة: دفنوه حيا.
(5) في نسخة: فأخبرهم، وهو مناسب أكثر.
[ * ]

(1/262)


عبادته وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له قال السهيلي وكان يوحي إليه في النوم وكان اسمه حنظلة بن صفوان فعدوا عليه فقتلوه
وألقوه في البئر فغار ماؤها وعطشوا بعد ريهم ويبست أشجارهم وانقطعت ثمارهم وخربت ديارهم وتبدلوا بعد الانس بالوحشة وبعد الاجتماع بالفرقة وهلكوا عن آخرهم وسكن في مساكنهم الجن والوحوش (1) فلا يسمع ببقاعهم لا عزيف الجن وزئير الاسد (2) وصوت الضباع.
فأما ما رواه - أعني - ابن جرير عن محمد بن حميد عن سلمة عن ابن إسحق عن محمد بن كعب القرظي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الاسود " وذلك أن الله تعالى بعث نبيا إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك الاسود.
ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئرا فألقوه فيها ثم أطبقوا عليه بحجر أصم قال: فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ثم يأتي بحطبه فيبيعه ويشتري به طعاما وشرابا ثم يأتي به إلى ذلك (3) لبئر فيرفع تلك الصخرة ويعينه الله عليها، ويدلي إليه طعامه وشرابه ثم يردها كما كانت، قال: فكان كذلك ما شاء الله أن يكون * ثم إنه ذهب يوما يحتطب كما كان يصنع فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها، فلما أراد أن يحتملها وجد سنة فاضطجع ينام (4) فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما ثم إنه هب فتمطى وتحول لشقه الآخر فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى ثم إنه هب واحتمل حزمته، ولا يحسب أنه نام إلا ساعة من نهار فجاء إلى القرية فباع حزمته ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع * ثم إنه ذهب إلى الحفرة إلى موضعها الذي كانت فيه فالتمسه فلم يجده وقد كان بدا لقومه فيه بداء فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه * قال فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الاسود ما فعل فيقولون له ما تدري حتى قبض الله النبي عليه لسلام وأهب (5) الاسود من نومه بعد ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ذلك الاسود لاول من يدخل الجنة ".
فإنه حديث مرسل ومثله فيه نظر.
ولعل بسط قصته من كلام محمد بن كعب القرظي والله أعلم.
ثم قد رده ابن جرير نفسه وقال لا يجوز أن يحمل هؤلاء، على أنهم أصحاب الرس المذكورون في القرآن قال لان الله أخبر عن أصحاب الرس أنه أهلكهم وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم (6).
__________
(1) في نسخة: والوحش.
(2) في نسخة: والاسود.
(3) في نسخة: تلك.
(4) في نسخة: فنام.
(5) في الرازي والقرطبي: وهب.
(6) قال الرازي: وأعلم أن القول ما قاله أبو مسلم وهو أن شيئا من هذه الروايات غير معلوم بالقرآن.
ولا بخبر قوي الاسناد، ولكنهم كيف كانوا فقد أخبره الله تعالى عنهم انهم أهلكوا بسبب كفرهم 24 / 83.
[ * ]

(1/263)


اللهم إلا أن يكون حدثت لهم أحداث آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم والله أعلم.
ثم اختار أنهم أصحاب الاخدود وهو ضعيف لما تقدم ولما ذكر في قصة أصحاب الاخدود حيث توعدوا بالعذاب في الآخرة إن لم يتوبوا ولم يذكر هلاكهم وقد صرح بهلاك أصحاب الرس والله أعلم.
قصة قوم يس وهم (1) اصحاب القرية
قال الله تعالى (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون.
إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون.
قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شئ إن أنتم إلا تكذبون.
قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون.
وما علينا إلا البلاغ المبين.
قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنك وليمسنكم منا عذاب أليم.
قالوا طائركم معكم أإن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ومالي لا أعبد الذي فطرني إليه ترجعون.
أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغني عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون.
إني إذا لفي ضلال مبين.
إني آمنت بربكم فاسمعون.
قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين.
وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين.
إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) [ يس: 13 - 29 ].
اشتهر عن كثير من السلف والخلف أن هذه القرية أنطاكية.
رواه ابن اسحق فيما بلغه عن
ابن عباس وكعب الاحبار ووهب بن منبه، وكذا روى عن بريدة بن الحصيب وعكرمة وقتادة والزهري وغيرهم، قال ابن اسحق فيما بلغه عن ان ابن عباس وكعب ووهب انهم قالوا: وكان لها ملك اسمه انطيخس بن انطيخس وكان يعبد الاصنام.
فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل وهم صادق وصدوق وشلوم فكذبهم.
وهذا ظاهر أنهم رسل من الله عزوجل.
وزعم قتادة أنهم كانوا رسلا من المسيح.
وكذا قال ابن جرير عن وهب، عن ابن سليمان، عن شعيب الجبائي: كان اسم المرسلين (2) الاوليين
__________
= وفي القرطبي تعليقا على قول ابن جرير.
قال الثعلبي: هؤلاء آمنوا بنبيهم فلا يجوز أن يكونوا أصحاب الرس، لان الله تعالى أخبر عن أصحاب الرس، أنه دمرهم.
ج 13 / 33.
(1) في نسخة: ومنهم أصحاب القرية.
(2) في نسخة: الرسولين.
قال القرطبي هذا قول الطبري وقال غيره: شمعون ويوحنا، وحكى النقاش: سمعان ويحيى ولم يذكرا صادقا وصدوقا.
[ * ]

(1/264)


شمعون، ويوحنا، واسم الثالث بولس، والقرية أنطاكية.
وهذا القول ضعيف جدا: لان أهل أنطاكية لما بعث إليهم المسيح ثلاثة من الحواريين كانوا أول مدينة آمنت بالمسيح في ذلك الوقت ولهذا كانت إحدى المدن الاربع التي تكون فيها بتاركة النصارى وهن أنطاكية والقدس واسكندرية ورومية ثم بعدها إلى القسطنطينية ولم يهلكوا وأهل هذه القرية المذكورة في القرآن أهلكوا كما قال في آخر قصتها بعد قتلهم صديق المرسلين (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) [ يس: 29 ] لكن إن كانت الرسل الثلاثة المذكورون في القرآن بعثوا إلى أهل أنطاكية قديما فكذبوهم وأهلكهم الله ثم عمرت بعد ذلك.
فلما كان في زمن المسيح آمنوا برسله إليهم فلا يمنع هذا والله أعلم.
فأما القول بأن هذه القصة المذكورة في القرآن هي قصة أصحاب المسيح فضعيف لما تقدم ولان ظاهر سياق القرآن يقتضي من هؤلاء الرسل من عند الله.
قال الله تعالى (واضرب لهم
مثلا) يعني لقومك يا محمد (أصحاب القرية) يعني المدينة (إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث) أي أيدناهما بثالث في الرسالة (فقالوا إنا إليكم مرسلون) فردوا عليهم بأنهم بشر مثلهم كما قالت الامم الكافرة لرسلهم يستبعدون أن يبعث الله نبيا بشريا فأجابوهم بأن الله يعلم أنا رسله إليكم ولو كنا كذبنا عليه لعاقبنا وأنتقم منا أشد الانتقام (وما علينا إلا البلاغ المبين) أي إنما علينا أي نبلغكم ما أرسلنا به إليكم والله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء (قالوا إنا تطيرنا بكم) أي تشائمنا بما جئتمونا به (1) (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) بالمقال وقيل بالفعال ويؤيد الاول قوله (وليمسنكم منا عذاب أليم) فوعدوهم بالقتل والاهانة.
(قالوا طائركم معكم) أي مردود عليكم (أأن ذكرتم) أي بسبب أنا ذكرناكم بالهدى ودعوناكم إليه توعدتمونا بالقتل والاهانة (بل أنتم قوم مسرفون) أي لا تقبلون الحق ولا تريدونه.
وقوله تعالى (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) يعني لنصرة الرسل وأظهار الايمان بهم (قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون) أي يدعونكم إلى الحق المحض بلا أجرة ولا جعالة.
ثم دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن عبادة ما سواه مما لا ينفع شيئا لا في الدنيا (2) ولا في الآخرة (أني إذا لفي ضلال مبين) أي إن تركت عبادة الله وعبدت معه ما سواه * ثم قال مخاطبا للرسل (إني آمنت بربكم فاسمعون) قيل فاستمعوا مقالتي واشهدوا لي بها عند ربكم.
وقيل معناه فاسمعوا يا قومي إيماني يرسل الله جهرة.
فعند ذلك.
__________
(1) قال مقاتل: حبس عنهم المطر ثلاث سنين فقالوا هذا بشؤمكم، القرطبي 15 / 16.
(2) قال وهب: وكان حبيب مجذوما، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة كان ينحث الاصنام وكان عكف على عبادة الاصنام سبعين سنة يدعوهم، لعلهم يرحمونه ويكشفون ضره فما استجابوا له ; فلما أبصر الرسل دعوه إلى عبادة الله ; وأن هذه لا تنفع شيئا ولا تضر.
فآمن ودعوا ربهم فكشف الله ما به.
القرطبي 15 / 18 [ * ]

(1/265)


قتلوه.
قيل رجما.
وقيل عضا وقيل وثبوا إليه وثبة رجل واحد فقتلوه * وحكى ابن اسحق عن بعض أصحابه عن ابن مسعود قال وطئوه بأرجلهم حتى أخرجوا قصبته [ من دبره ] (1).
وقد روى الثوري عن عاصم الاحول عن أبي مجلز كان اسم هذا الرجل حبيب بن مري * ثم قيل كان نجارا وقيل حبالا.
وقيل إسكافا.
وقيل قصارا وقيل كان يتعبد في غار هناك فالله أعلم.
وعن ابن عباس كان حبيب النجار قد أسرع فيه الجذام وكان كثير الصدقة قتله قومه.
ولهذا قال تعالى: (إدخل الجنة) يعني لما قتله قومه أدخله الله الجنة فلما رأى فيها من النضرة والسرور (قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) يعني ليؤمنوا بما آمنت به فيحصل لهم ما حصل لي.
قال ابن عباس نصح قومه في حياته (يا قوم اتبعوا المرسلين) وبعد مماته (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) رواه ابن أبي حاتم وكذلك قال قتادة لا يلقى المؤمن إلا ناصحا لا يلقي غاشا لما عاين ما عاين من كرامة الله (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) تمنى والله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة الله وما هو عليه قال قتادة فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) وقوله تعالى (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين) أي ما احتجنا في الانتقام منهم إلى إنزال جند من السماء عليهم.
هذا معنى ما رواه ابن اسحق عن بعض أصحابه (2) عن ابن مسعود * قال مجاهد وقتادة وما أنزل عليهم جندا أي رسالة أخرى قال ابن جرير والاول أولى.
قلت: وأقوى، ولهذا قال (وما كنا منزلين) أي وما كنا نحتاج (3) في الانتقام إلى هذا حين كذبوا رسلنا وقتلوا ولينا (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون).
قال المفسرون بعث الله إليهم جبريل عليه السلام فأخذ بعضادتي الباب الذي لبلدهم ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون أي قد أخمدت أصواتهم وسكنت حركاتهم ولم يبق منهم عين تطرف.
وهذا كله مما يدل على أن هذه القرية ليست أنطاكية لان هؤلاء أهلكوا بتكذيبهم رسل الله إليهم وأهل أنطاكية آمنوا واتبعوا رسل المسيح من الحواريين إليهم فلهذا قيل إن أنطاكية أول مدينة
__________
(1) من القرطبي.
وقصبته: أمعاؤه.
وقيل في قتله: عن الحسن: حرقوه حرقا.
(2) في نسخة: أشياخه.
(3) في نسخة: محتاجين.
[ * ]

(1/266)


آمنت بالمسيح * فأما الحديث الذي رواه الطبراني من حديث حسين الاشقري (1) عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " السبق ثلاثة فالسابق إلى موسى يوشع بن نون والسابق إلى عيسى صاحب يس والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب " (2) فإنه حديث لا يثبت لان حسينا هذا متروك وشيعي من الغلاة وتفرده بهذا مما يدل على ضعفه بالكلية والله أعلم.