البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

سرية بني حدرد إلى الغابة قال يونس عن محمد بن اسحاق: كان من حديث قصة أبي حدرد (3) وغزوته إلى الغابة ما حدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم، عن أبي حدرد قال: تزوجت امرأة من قومي فأصدقتها مائتي درهم، قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على نكاحي فقال " كم أصدقت ؟ " فقلت: مائتي درهم، فقال: " سبحان الله ! والله لو كنتم تأخذونها من واد ما زدتم، والله ما عندي ما أعينك به " فلبثت أياما ثم أقبل رجل من جشم بن معاوية يقال له: رفاعة بن قيس - أو قيس بن رفاعة - في بطن عظيم من جشم حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة يريد أن يجمع قيسا على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذا اسم وشرف في جشم، قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين [ معي ] من المسلمين فقال " اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم ".
وقدم لنا شارفا عجفاء، فحمل عليه أحدنا، فوالله ما قامت به ضعفا حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم، حتى استقلت وما كادت، وقال " تبلغوا على هذه " فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر مع غروب الشمس فكمنت في ناحية، وأمرت صاحبي، فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم، وقلت لهما: إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في العسكر فكبرا وشدا
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 4 / 257 ورواه البيهقي عنه في الدلائل ج 4 / 298.
والواقدي في المغازي ج 2 / 726.
(2) مغازي الواقدي ج 2 / 727: وفيه سرية بشير بن سعد إلى الجناب سنة سبع.
ونقله البيهقي عنه في الدلائل ج 4 / 301.
والجناب: من أرض غطفان، وقال الحازمي: من بلاد فزارة.
(3) هو أبو حدرد الاسلمي: اختلف في اسمه فقيل سلامة بن عمير بن سلامة..كذا قال خليفة، وقال علي بن المديني: اسمه عبيد.
له ترجمة في الاصابة (4 / 42).
(*)

(4/254)


معي، فوالله إنا كذلك ننتظر أن نرى غرة أو نرى شيئا وقد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء، وقد كان لهم راع قد سرح في ذلك البلد، فأبطأ عليهم وتخوفوا عليه، فقام صاحبهم رفاعة بن قيس، فأخذ سيفه فجعله في عنقه فقال: والله لاتيقنن أمر راعينا ولقد أصابه شر، فقال نفر ممن معه، والله لا تذهب نحن نكفيك، فقال: لا إلا أنا، قالوا نحن معك.
فقال: والله لا يتبعني منكم أحد، وخرج حتى مر بي فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده، فوالله ما تكلم فوثبت إليه، فاحتززت رأسه ثم شددت ناحية العسكر وكبرت، وشد صاحباي وكبرا، فوالله ما كان إلا التجا ممن كان فيه، عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم من أموالهم، واستقنا إبلا عظيمة وغنما كثيرة فجئنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجئت برأسه أحمله معي، فأعطاني من تلك الابل ثلاثة عشر بعيرا (1) في صداقي فجمعت إلي أهلي.
السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامر بن الاضبط قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن (2) عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أضم (3) في نفر من المسلمين منهم، أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن أضم مر بنا عامر بن الاضبط الاشجعي على قعود له، معه متيع (4) له ووطب من لبن، فسلم علينا بتحية الاسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشئ كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتيعه، فلما قدمنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه الخبر فنزل فينا القرآن (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى عليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا) [ النساء: 94 ] هكذا رواه الامام أحمد عن يعقوب عن أبيه عن محمد بن اسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه فذكره.
قال ابن اسحاق: حدثني محمد بن جعفر سمعت زياد بن ضميرة بن سعد الضمري (5)
__________
(1) روى الخبر البيهقي في الدلائل عن ابن اسحاق من طريق أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير ج 4 / 303.
والخبر في ابن سعد وفيه: سرية أبي قتادة بن ربعي إلى خضرة وهي أرض محارب بنجد في شعبان سنة ثمان من الهجرة، في خمسة عشر نفر، وفي الواقدي: كان السهم اثنا عشر بعيرا.
والبعير يعدل عشرا من الغنم.
وقال: كانت في رمضان سنة ثمان وكانوا ثمانية نفر (طبقات 2 / 132 - مغازي الواقدي 2 / 779).
(2) في ابن هشام: القعقاع بن عبد الله.
وفي الواقدي: عبد الرحمن بن عبد الله.
(3) إضم: وهي فيما بين ذي خشب وذي المروة.
وبينها وبين المدينة ثلاثة برد.
(ابن سعد: 2 / 139).
(4) القعود: البعير يقتعده الراعي في كل حاجة، والمتيع: تصغير متاع.
والرطب: وعاء اللبن.
(5) في ابن هشام: السلمي.
(*)

(4/255)


يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه وعن جده قالا - وكانا شهدا حنينا - قالا: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، فقام إلى ظل شجرة فقعد فيه فقام إليه عيينة بن بدر، فطلب بدم عامر بن الاضبط الاشجعي وهو سيد عامر (1) هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيرا وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة ؟ " فقال عيينة بن بدر: والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزن (2) مثل ما أذاق نسائي، فقال رجل من بني ليث يقال له: ابن مكيتل وهو قصير من الرجال فقال: يا رسول الله ما أجد لهذا القتيل شبها في غرة الاسلام إلا كغنم وردت فشربت (3) اولاها، فنفرت أخراها استن (4) اليوم وغير غدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن وخمسين
إذا رجعنا إلى المدينة ؟ " فلم يزل بهم حتى رضوا بالدية، فقال قوم محلم بن جثامة إيتوا به حتى يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجاء رجل طوال ضرب اللحم في حلة قد تهيأ فيها للقتل، فقام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم لا تغفر لملحم " قالها ثلاثا، فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه.
قال محمد بن اسحاق: زعم قومه أنه استغفر له بعد ذلك.
وهكذا رواه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن ابن اسحاق، ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي خالد الاحمر، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر، عن زيد بن ضميرة عن أبيه وعمه فذكر بعضه، والصواب كما رواه ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضميرة (5) عن أبيه وعن جده.
وهكذا رواه أبو داود من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، وعن عبد الرحمن ابن الحارث، عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضميرة عن أبيه وجده بنحوه كما تقدم.
وقال ابن اسحاق: حدثني سالم أبو النضر أنه قال (6): لم يقبلوا الدية حتى قام الاقرع بن حابس فخلا بهم، وقال: يا معشر قيس سألكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه، أفأمنتم أن يغضب عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب الله لغضبه ويلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيلعنكم الله بلعنته لكم، لتسلمنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لآتين بخمسين من بني تميم كلهم يشهدون أن القتيل كافر ما صلى قط فلا يطلبن دمه، فلما قال ذلك لهم أخذوا الدية.
وهذا منقطع معضل.
وقد روى ابن اسحاق عمن لا يتهم عن الحسن البصري: أن محلما
__________
(1) في ابن هشام: رئيس غطفان، وفي رواية البيهقي عن ابن اسحاق: سيد قيس.
(2) في ابن هشام والبيهقي: من الحرقة.
(3) في ابن هشام: فرميت.
(4) اسنن اليوم: أي أحكم اليوم لنا بالدم في أمرنا هذا، وأحكم غدا بالدية لمن شئت.
(5) في ابن هشام: زياد بن ضميرة بن سعد.
(6) في ابن هشام: وأخبرنا سالم أبو النضر أنه حدث: أن عيينة بن حصن.
(*)

(4/256)


لما جلس بين يديه عليه الصلاة والسلام قال له " أمنته ثم قتلته ؟ " ثم دعا عليه، قال الحسن فوالله ما مكث محلم إلا سبعا حتى مات فلفظته الارض ثم دفنوه فلفظته الارض ثم دفنوه فلفظته الارض، فرضموا عليه من الحجارة حتى واروه فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الارض لتطابق على من هو شر منه ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم لما أراكم منه " (1).
وقال ابن جرير: ثنا وكيع ثنا جرير عن ابن اسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا فلقيهم عامر بن الاضبط فحياهم بتحية الاسلام - وكانت بينهم هنة في الجاهلية - فرماه محلم بسهم فقتله فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فيه عيينة والاقرع فقال الاقرع: يا رسول الله سن اليوم وغير غدا، فقال عيينة: لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي فجاء محلم في بردين فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا غفر الله لك " فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه، فما مضت له سابعة حتى مات فدفنوه فلفظته الارض فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال " إن الارض لتقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم من حرمتكم " ثم طرحوه في جبل فألقوا عليه من الحجارة ونزلت (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) الآية.
وقد ذكره موسى بن عقبة عن الزهري ورواه شعيب عن الزهري عن عبد الله بن وهب عن قبيصة بن ذؤيب نحو هذه القصة، إلا أنه لم يسم محلم بن جثامة ولا عامر بن الاضبط وكذلك رواه البيهقي عن الحسن البصري بنحو هذه القصة وقال وفيه نزل قوله تعالى (يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) الآية (2).
قلت: وقد تكلمنا في سبب نزول هذه الآية ومعناها في التفسير بما فيه الكفاية ولله الحمد والمنة.
سرية عبد الله بن حذافة السهمي (3) ثبت في الصحيحين (4): من طريق الاعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن
الحبلى، عن علي بن أبي طالب قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الانصار على سرية بعثهم
__________
(1) سيرة ابن هشام 4 / 276 والبيهقي في الدلائل عن ابن اسحاق ج 4 / 308.
(2) رواية موسى بن عقبة عن الزهري، نقلها البيهقي في الدلائل ج 4 / 309 ونقل رواية الحسن البصري من غير ذكر اسم محلم ولا عامر إنما قال: رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3) في نسخ المطبوعة حزافة تحريف.
والصواب حذافة، وهو من المسلمين الاوائل، هاجر إلى الحبشة فيمن هاجر ثانيا، قيل شهد بدرا، حمل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى.
(4) الحديث في البخاري 64 كتاب المغازي 59 باب فتح الباري 8 / 58 ومسلم في 33 كتاب الامارة (8) باب (ح: 40).
(*)

(4/257)


وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، قال فأغضبوه في شئ فقال: اجمعوا لي حطبا فجمعوا فقال: أوقدوا نارا فأوقدوا ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا ؟ قالوا: بلى، قال: فادخلوها قال: فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار، قال فسكن غضبه وطفئت النار، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال " لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف " وهذه القصة ثابتة أيضا في الصحيحين من طريق يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقد تكلمنا على هذه بما فيه كفاية في التفسير ولله الحمد والمنة.
بسم الله الرحمن الرحيم
عمرة القضاء ويقال القصاص.
ورجحه السهيلي ويقال: عمرة القضية، فالاولى قضاء عما كان أحصر عام الحديبية والثاني من قوله تعالى (والحرمات قصاص) والثالث من المقاضاة التي كان قاضاهم عليها على أن يرجع عنهم عامه هذا ثم يأتي في العام القابل، ولا يدخل مكة إلا في جلبان (1) السلاح وأن لا يقيم أكثر من ثلاثة أيام وهذه العمرة هي المذكورة في قوله تعالى في سورة الفتح
المباركة (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون) الآية.
وقد تكلمنا عليها مستقصى في كتابنا التفسير بما فيه الكفاية وهي الموعود بها في قوله عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب حين قال له: ألم تكن تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال " بلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا ؟ " قال: لا، قال: " فإنك آتيه ومطوف به " وهي المشار إليها في قول عبد الله بن رواحة حين دخل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة يوم عمرة القضاء وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله أي هذا تأويل الرؤيا التي كان رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت مثل فلق الصبح.
قال ابن اسحاق: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى المدينة أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوالا يبعث فيما بين ذلك سراياه ثم خرج من ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها.
قال ابن
__________
(1) جلبان: شبه الجراب من الجلد يوضع فيه السيف، وقيل القوس.
(*)

(4/258)


هشام: واستعمل على المدينة عويف بن الاضبط الدئلي (1) ويقال لها عمرة القصاص لانهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة في الشهر الحرام من سنة ست فاقتص رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فدخل مكة في ذي القعدة في الشهر الحرام الذي صدوه فيه من سنة سبع، بلغنا عن ابن عباس أنه قال: فأنزل الله تعالى في ذلك (والحرمات قصاص) وقال معتمر بن سليمان عن أبيه في مغازيه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر أقام بالمدينة وبعث سراياه حتى استهل ذي القعدة فنادى في الناس أن تجهزوا للعمرة فتجهزوا وخرجوا إلى مكة.
وقال ابن اسحاق: وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه في عمرته تلك، وهي سنة سبع، فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه، وتحدثت قريش بينها أن محمدا في عسرة وجهد وشدة.
قال ابن اسحاق: فحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن عباس قال: صفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده اليمنى ثم قال: " رحم الله امرءا أراهم اليوم من نفسه قوة " ثم استلم الركن ثم خرج يهرول ويهرول أصحابه معه حتى إذا واراه البيت منهم واستلم الركن اليماني مشى حتى يستلم الركن الاسود ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ومشى سائرها فكان ابن عباس يقول: كان الناس يظنون أنها ليست عليهم.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صنعها لهذا الحي من قريش للذي بلغه عنهم حتى حج حجة الوداع فلزمها فمضت السنة بها.
وقال البخاري ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد - هو ابن زيد - عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد وهنهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الاشواط الثلاث وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الاشواط كلها إلا الابقاء عليهم.
قال أبو عبد الله ورواه أبو سلمة - يعني حماد بن سلمة - عن أيوب عن سعيد عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم لعامهم الذي استأمن قال " ارملوا ليرى المشركون قوتكم " والمشركون من قبل قعيقعان.
ورواه مسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد وأسند البيهقي طريق حماد بن سلمة (2).
وقال البخاري (3) ثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، ثنا اسماعيل بن أبي خالد، سمع ابن أبي أوفى يقول: لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي بقية الكلام على هذا المقام.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة في
__________
(1) في ابن سعد: استعمل على المدينة أبا رهم الغفاري.
(2) الحديث أخرجه البخاري في (25) كتاب الحج (55) باب الحديث (1602).
ومسلم في 15 كتاب الحج 29 باب (ح: 240) والنسائي في المغازي وأبو داود في سننه 2 / 178.
(3) فتح الباري 7 / 508 الحديث رقم 4255.
(*)

(4/259)


تلك العمرة دخلها وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقته يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله * خلوا فكل الخير في رسوله يا رب إني مؤمن بقيله * أعرف حق الله في قبوله نحن قتلناكم على تأويله * كما قتلناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله قال ابن هشام: نحن قتلناكم على تأويله إلى آخر الابيات لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم يعني يوم صفين - قاله السهيلي.
قال ابن هشام: والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين.
والمشركون لم يقروا بالتنزيل وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل، وفيما قاله ابن هشام نظر.
فإن الحافظ البيهقي روى من غير وجه: عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وفي رواية وهو آخذ بغرزه وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله * قد نزل الرحمن في تنزيله (1) بأن خير القتل في سبيله * نحن قاتلناكم على تأويله وفي رواية بهذا الاسناد بعينه: خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله يا رب إني مؤمن بقيله (2) وقال يونس بن بكير عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل عام القضية مكة فطاف بالبيت على ناقنه واستلم الركن (3) بمحجنه.
قال ابن هشام من غير علة، والمسلمون يشتدون حوله وعبد الله بن رواحة يقول: بسم الذي لا دين إلا دينه * بسم الذي محمد رسوله خلوا بني الكفار عن سبيله (4)
قال موسى بن عقبة عن الزهري: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام القابل من عام
__________
(1) في نسخة البيهقي المطبوعة: القرآن.
(2) دلائل النبوة ج 4 / 322.
(3) في رواية البيهقي: الحجر.
(4) نقله البيهقي في الدلائل 4 / 325.
(*)

(4/260)


الحديبية معتمرا في ذي القعدة سنة سبع، وهو الشهر الذي صده المشركون عن المسجد الحرام حتى إذا بلغ يأجج وضع الاداة كلها (1) الحجف والمجان والرماح والنبل ودخلوا بسلاح الراكب السيوف وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة بنت الحارث العامرية، فخطبها عليه فجعلت أمرها إلى العباس وكان تحته أختها أم الفضل بنت الحارث، فزوجها العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه قال " اكشفوا عن المناكب واسعوا في الطواف " ليرى المشركون جلدهم وقوتهم وكان يكايدهم بكل ما استطاع فاستكف أهل مكة الرجال والنساء والصبيان ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت و عبد الله ابن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا بالسيف وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله * أنا الشهيد أنه رسوله قد أنزل الرحمن في تنزيله * في صحف تتلى على رسوله فاليوم نضربكم على تأويله * كما ضربناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله قال: وتغيب رجال من أشراف المشركين أن ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
غيظا وحنقا، ونفاسة وحسدا.
وخرجوا إلى الخندمة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وأقام ثلاث ليال، وكان ذلك آخر القضية يوم الحديبية، فلما أتى الصبح من اليوم الرابع، أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس الانصار يتحدث مع سعد بن عبادة، فصاح حويطب
ابن عبد العزى: نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث، فقال سعد بن عبادة: كذبت لا أم لك ليس بأرضك ولا بأرض آبائك والله لا يخرج.
ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيلا وحويطبا فقال: " إن قد نكصت فيكم امرأة، لا يضركم أن أمكث حتى أدخل بها ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا " فقالوا نناشدك الله والعقد إلا خرجت عنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذن بالرحيل، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل ببطن سرف وأقام المسلمون وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبن رافع ليحمل ميمونة، وأقام بسرف حتى قدمت عليه ميمونة وقد لقيت ميمونة ومن معها عناء وأذى من سفهاء المشركين ومن صبيانهم، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف فبنى بها ثم أدلج فسار حتى أتى المدينة، وقدر الله أن يكون موت ميمونة بسرف بعد ذلك بحين، فماتت حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر قصة ابنة حمزة إلى أن قال: وأنزل الله عزوجل في تلك العمرة (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) فاعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام الذي صد فيه.
وقد روى ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة بن الزبير
__________
(1) قال صاحب الطبقات: وخلف على السلاح أوس بن خولي الانصاري في مائة رجل.
وفي الواقدي: في مائتي رجل (*)

(4/261)


نحوا من هذا السياق، ولهذا السياق شواهد كثيرة من أحاديث متعددة ففي صحيح البخاري: من طريق فليح بن سليمان، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا، فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحا إلا سيوفا، ولا يقيم بها إلا ما أحبوا، فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم، فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج.
وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: لم تكن هذه عمرة قضاء وإنما كانت شرطا على المسلمين أن يعتمروا من قابل في الشهر الذي صدهم فيه المشركون.
وقال أبو داود: ثنا النفيلي، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن اسحاق، عن عمرو بن ميمون: سمعت أبا حاضر الحميري يحدث أن ميمون بن مهران
قال: خرجت معتمرا عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة، وبعث معي رجال من قومي بهدي، قال: فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم، قال فنحرت الهدي مكاني، ثم أحللت ثم رجعت، فلما كان من العام المقبل خرجت لاقضي عمرتي، فأتيت ابن عباس فسألته فقال: أبدل الهدي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء (1).
تفرد به أبو داود من حديث أبي حاضر عثمان بن حاضر الحميري عن ابن عباس فذكره.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا الحاكم أنبأنا الاصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني عمرو بن ميمون قال: كان أبي يسأل كثيرا أهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدل هديه الذي نحر حين صده المشركون عن البيت ؟ ولا يجد في ذلك شيئا، حتى سمعته يسأل أبا حاضر الحميري عن ذلك، فقال له: على الخبير سقطت، حججت عام ابن الزبير في الحصر الاول فأهديت هديا، فحالوا بيننا وبين البيت، فنحرت في الحرم ورجعت إلى اليمن، وقلت: لي برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، فلما كان العام المقبل حججت فلقيت ابن عباس فسألته عما نحرت علي بدله أم لا ؟ قال: نعم فأبدل، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه قد أبدلوا الهدي الذي نحروا عام صدهم المشركون فأبدلوا ذلك في عمرة القضاء، فعزت الابل عليهم فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وآله في البقر (2).
وقال الواقدي: (3) حدثني غانم بن أبي غانم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب الاسلمي على هديه يسير بالهدي أمامه يطلب الرعي في الشجر معه أربعة فتيان من أسلم، وقد ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية ستين بدنة.
فحدثني محمد بن نعيم المجمر، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: كنت مع صاحب البدن أسوقها.
قال
__________
(1) روى الحديث البيهقي في الدلائل 4 / 319 ورواه الحاكم في المستدرك 1 / 485.
(2) دلائل البيهقي 4 / 320 وأخرجه الحاكم في المستدرك 1 / 485 - 486 وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، وابن حاضر شيخ من أهل اليمن مقبول صدوق، ووافقه الذهبي.
(3) عبارة الواقدي: حدثني غانم بن أبي غانم، عن عبيدالله بن نيار، قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم..(*)

(4/262)


الواقدي: وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي والمسلمون معه يلبون، ومضى محمد بن مسلمة بالخيل إلى مر الظهران فيجد بها نفرا من قريش، فسألوا محمد بن مسلمة ؟ فقال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح هذا المنزل غدا إن شاء الله، ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فخرجوا سراعا حتى أتوا قريشا فأخبروهم بالذي رأوا من السلاح والخيل، ففزعت قريش وقالوا: والله ما أحدثنا حدثا وإنا على كتابنا وهدنتنا (1) ففيم يغزونا محمد في أصحابه ؟ ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح إلى بطن يأجج حيث ينظر إلى أنصاب الحرم، وبعثت قريش مكرز بن حفص بن الاحنف في نفر من قريش حتى لقوه ببطن يأجج ورسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه والهدي والسلاح قد تلاحقوا، فقالوا: يا محمد ما عرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر، تدخل بالسلاح في الحرم على قومك، وقد شرطت، لهم أن لا تدخل إلا بسلاح المسافر، السيوف في القرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إني لا أدخل عليهم السلاح " فقال مكرز بن حفص: هذا الذي تعرف به البر والوفاء، ثم رجع سريعا بأصحابه إلى مكة.
فلما أن جاء مكرز بن حفص بخبر النبي صلى الله عليه وسلم خرجت قريش من مكة إلى رؤوس الجبال وخلوا مكة، وقالوا: لا ننظر إليه ولا إلى أصحابه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدي أمامه حتى حبس بذي طوى، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه [ رحمهم الله ] وهو على ناقته القصواء وهم محدقون به يلبون وهم متوشحون السيوف، فلما انتهى إلى ذي طوى وقف على ناقته القصواء [ والمسلمون حوله، ثم دخل من الثنية التي تطلعه على الحجون على راحلته القصواء ] (2) وابن رواحة آخذ بزمامها [ وهو يرتجز بشعره ويقول: خلوا بني الكفار عن سبيله إلى آخره ] (3) وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة - يعني من ذي القعدة سنة سبع - فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وفد قد وهنتهم حمى يثرب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الاشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، ولم يمنعه أن
يرملوا الاشواط كلها إلا الابقاء عليهم.
قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن الصباح ثنا اسماعيل ابن زكريا عن عبد الله بن عثمان، عن أبي الطفيل عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مر الظهران من عمرته بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشا تقول: ما يتباعثون من العجف، فقال أصحابه: لو انتحرنا من ظهرنا فأكلنا من لحومه وحسونا من مرقه أصبحنا غدا حين ندخل على القوم وبنا جمامة، فقال " لا تفعلوا ولكن اجمعوا لي من أزوادكم فجمعوا له وبسطوا الانطاع
__________
(1) في الواقدي: ومدتنا.
(2) ما بين معكوفين من الواقدي.
(3) العبارة بين معكوفين ليست في الواقدي.
(انظر الخبر في مغازيه 2 / 733) (*)

(4/263)


فأكلوا حتى تركوا، وحشى كل واحد منهم في جرابه، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد، وقعدت قريش نحو الحجر فاضطبع بردائه ثم قال " لا يرى القوم فيكم غميزة " فاستلم الركن ثم رمل، حتى إذا تغيب بالركن اليماني مشى إلى الركن الاسود، فقالت قريش: ما يرضون بالمشي أما أنهم لينفرون نفر الظباء، ففعل ذلك ثلاثة أطواف فكانت سنة.
قال أبو الطفيل: وأخبرني ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع.
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقال أبو داود: ثنا أبو سلمة موسى ثنا حماد - يعني ابن سلمة - أنبأنا أبو عاصم الغنوي، عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة ؟ فقال: صدقوا وكذبوا، قلت ما صدقوا وما كذبوا ؟ قال صدقوا رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذبوا ليس بسنة، إن قريشا زمن الحديبية قالت: دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف (1)، فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقعان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه " ارملوا بالبيت ثلاثا " قال وليس بسنة (2).
وقد رواه مسلم من حديث سعيد الجريري وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي
حسين وعبد الملك بن سعيد بن أبجر ثلاثتهم عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن ابن عباس به نحوه.
وكون الرمل في الطواف سنة مذهب الجمهور، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل في عمرة القضاء وفي عمرة الجعرانة أيضا كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس فذكره.
وثبت في حديث جابر عند مسلم وغيره أنه عليه السلام رمل في حجة الوداع في الطواف، ولهذا قال عمر بن الخطاب فيم الرملان وقد أطال الله الاسلام ؟ ومع هذا لا نترك شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموضع تقرير هذا كتاب الاحكام.
وكان ابن عباس في المشهور عنه لا يرى ذلك سنة كما ثبت في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال: إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبالصفا والمروة ليرى المشركين قوته.
لفظ البخاري.
وقال الواقدي: لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسكه في القضاء دخل البيت فلم يزل فيه حتى أذن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك، فقال عكرمة بن أبي جهل: لقد أكرم الله أبا الحكم حين لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول ! وقال صفوان بن أمية: الحمد لله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا.
وقال خالد بن أسيد: الحمد لله الذي أمات أبي ولم يشهد هذا اليوم حتى يقوم بلال ينهق فوق البيت.
وأما سهيل
__________
(1) النغف: دود يسقط من أنوف الدواب.
واحدته: نغفة.
إذا ضعف الرجل واستضعف يقال له: ما هو إلا نفغة.
(2) الحديث في سنن أبي داود في كتاب المناسك، باب في الرمل (ح: 1885) (ص 2 / 177).
وأخرجه مسلم في 15 - كتاب الحج (39) باب (الحديث: 237).
(*)

(4/264)


ابن عمرو ورجال معه لما سمعوا بذلك غطوا وجوههم (1).
قال الحافظ البيهقي: قد أكرم الله أكثرهم بالاسلام.
قلت: كذا ذكره البيهقي من طريق الواقدي أن هذا كان في عمرة القضاء، والمشهور أن ذلك كان في عام الفتح والله أعلم.