البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ذكر أمره عليه السلام أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يصلي بالصحابة
أجمعين
قال الامام أحمد: ثنا يعقوب، ثنا أبي عن ابن إسحاق قال وقال ابن شهاب
الزهري: حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام،
عن أبيه (2) عن عبد الله بن زمعة بن الاسود بن المطلب بن أسد.
قال: لما استعز برسول الله وأنا عنده في نفر من المسلمين دعا بلال
للصلاة فقال: مروا من يصلي بالناس.
قال فخرجت فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائبا فقلت: قم يا عمر فصل
بالناس.
قال: فقام فلما كبر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته وكان
عمر رجلا مجهرا فقال رسول الله: فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك
والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون.
قال: فبعث إلي أبي بكر فجاء بعدما صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس.
وقال عبد الله بن زمعة.
قال لي عمر: ويحك ماذا صنعت يا بن زمعة والله ما ظننت حين أمرتني إلا
أن رسول الله أمرني بذلك، ولولا ذلك ما صليت.
قال قلت: والله ما أمرني رسول الله ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق
من حضر بالصلاة (3).
وهكذا رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق حدثني الزهري.
ورواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة، عن أبي بكر بن
عبد الرحمن، عن عبد الله بن زمعة فذكره.
وقال: أبو داود ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فديك، حدثني موسى بن
يعقوب، عن عبد الرحمن بن إسحاق عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله
بن عتبة أن عبد الله بن زمعة أخبره بهذا الخبر.
قال: لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت عمر.
قال ابن زمعة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أطلع رأسه من حجرته ثم
قال: لا لا لا يصلي للناس إلا ابن أبي قحافة، يقول ذلك مغضبا.
وقال البخاري: ثنا عمر بن حفص، ثنا أبي، ثنا الاعمش، عن إبراهيم.
قال الاسود: كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والمواظبة لها.
قالت: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت
الصلاة فأذن بلال.
فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام
مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة.
فقال: إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس.
فخرج أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل باب ما روي في خطبة رسول الله صلى الله
عليه وآله ج 7 / 179 - 180.
(2) في الاصل: عن أبيه، عن عبد الله بن هشام عن أبيه...تحريف وما
أثبتناه من ابن هشام ومسند الامام أحمد.
(3) مسند الامام أحمد ج 4 / 322 وسيرة ابن هشام ج 4 / 303.
(*)
(5/252)
فخرج يهادي بين
رجلين كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر
فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك.
ثم أتى به حتى جلس إلى جنبه.
قيل للاعمش: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته
والناس يصلون بصلاة أبي بكر ؟ فقال برأسه نعم ! ثم قال البخاري: رواه
أبو داود عن شعبة بعضه وزاد أبو معاوية عن الاعمش: جلس عن يسار أبي بكر
فكان أبو بكر يصلي قائما.
وقد رواه البخاري في غير ما موضع من كتابه ومسلم والنسائي وابن ماجه من
طرق متعددة عن الاعمش به.
منها ما رواه البخاري عن قتيبة ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، ويحيى بن
يحيى، عن أبي معاوية به.
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة أنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه:
مروا أبا بكر فليصل بالناس (1).
قال ابن شهاب: فأخبرني عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أنها قالت: لقد
عاودت رسول الله في ذلك وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم
الناس بأبي بكر، وإلا أني علمت أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس
به، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر إلى غيره.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
قال وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن عائشة قالت: لما دخل رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيتي.
قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس.
قالت قلت يا رسول الله: إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك
دمعه، فلو أمرت غير أبي بكر.
قالت والله ! ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فراجعته مرتين أو ثلاثا.
فقال: ليصل بالناس أبو بكر فإنكن صواحب يوسف (2).
وفي الصحيحين من حديث عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة عن أبي موسى عن
أبيه.
قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مروا أبا
بكر فليصل بالناس.
فقالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، متى يقم مقامك لا
يستطيع أن يصلي بالناس.
قال فقال: مروا أبا بكر يصل بالناس فإنكن صواحب يوسف.
قال: فصلى أبو بكر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
وقال الامام أحمد: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، أنبأنا زائدة [ بن قدامة ]،
عن موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله.
قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالت: بلى ! ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: أصلى
الناس ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
فقال: صبوا إلي ماء في المخضب ففعلنا.
قالت: فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس ؟
قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا.
فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس ؟ قلنا: لا،
هم ينتظرونك يا رسول الله قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا.
فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس ؟ قلنا: لا
هم ينتظرونك يا رسول الله قالت: والناس عكوف
__________
(1) أخرجه البخاري - في كتاب الاذان - فتح الباري 2 / 164 حديث (679).
(2) صحيح مسلم - كتاب الصلاة - (21) باب استخلاف الامام الحديث (94) ص
(1 / 313).
(3) أخرجه البخاري - كتاب الاذان (46) باب أهل العلم والفضل أحق
بالامامة الحديث (678).
(*)
(5/253)
في المسجد
ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء فأرسل رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، وكان أبو بكر رجلا
رقيقا.
فقال: يا عمر صل بالناس فقال: أنت أحق بذلك فصلى بهم تلك الايام ثم إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس
لصلاة الظهر، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر،
وأمرهما فأجلساه إلى جنبه فجعل أبو بكر يصلي قائما ورسول الله صلى الله
عليه وسلم يصلي قاعدا.
قال عبيد الله: فدخلت على ابن عباس فقلت: ألا أعرض عليك ما حدثتني
عائشة عن مرض رسول الله ؟ قال: هات فحدثته فما أنكر منه شيئا غير أنه
قال: سمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت: لا، قال: هو علي (1).
وقد رواه البخاري ومسلم جميعا عن أحمد بن يونس عن زائدة به.
وفي رواية فجعل أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله وهو قائم والناس
يصلون بصلاة أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد.
قال البيهقي ففي هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم في هذه الصلاة
وعلق أبو بكر صلاته بصلاته.
قال: وكذلك رواه الاسود وعروة عن عائشة.
وكذلك رواه الارقم بن شرحبيل عن ابن عباس - يعني بذلك - ما رواه الامام
أحمد: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، حدثني أبي عن أبي إسحاق، عن
الارقم بن شرحبيل عن ابن عباس.
قال: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم
وجد خفة فخرج فلما أحس به أبو بكر أراد أن ينكص، فأومأ إليه النبي صلى
الله عليه وسلم فجلس إلى جنب أبي بكر عن يساره واستفتح من الآية التي
انتهى إليها أبو بكر رضي الله عنه.
ثم رواه أيضا عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أرقم عن ابن عباس
بأطول من هذا.
وقال وكيع مرة فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس
يأتمون بأبي بكر.
ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد، عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن
أرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس بنحوه.
وقد قال الامام أحمد: ثنا شبابة بن سوار، ثنا شعبة عن نعيم بن أبي هند،
عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
خلف أبا بكر قاعدا في مرضه الذي مات فيه وقد رواه الترمذي والنسائي من
حديث شعبة وقال الترمذي حسن صحيح.
وقال أحمد: ثنا بكر بن عيسى، سمعت شعبة بن الحجاج، عن نعيم بن أبي هند،
عن أبي وائل، عن مسروق عن عائشة: أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى
الله عليه وسلم في الصف.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنبأنا عبد الله بن
جعفر، أنبأنا يعقوب بن سفيان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة، عن
سليمان الاعمش، عن إبراهيم عن الاسود عن عائشة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبا بكر (2).
وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه.
قال البيهقي: وكذلك رواه حميد عن أنس بن مالك ويونس عن الحسن مرسلا.
ثم أسند ذلك من طريق هشيم، أخبرنا يونس عن الحسن.
قال هشيم: وأنبأنا حميد، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس، فجلس
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الهبة (14) باب هبة الرجل لامرأته والمرأة
لزوجها.
ومسلم في كتاب الصلاة (21) باب استخلاف الامام الحديث 91.
والامام أحمد في مسنده 2 / 52 و 6 / 251.
(2) دلائل البيهقي ج 7 / 192.
(*)
(5/254)
إلى جنبه وهو
في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته.
قال البيهقي: وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان.
أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عبيد بن شريك، أنبأنا ابن أبي مريم،
أنبأنا محمد بن جعفر، أخبرني حميد أنه سمع أنسا يقول: آخر صلاة صلاها
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم في ثوب واحد ملتحفا به خلف أبي
بكر (1).
قلت وهذا إسناد جيد على شرط الصحيح ولم يخرجوه، وهذا التقييد جيد بأنها
آخر صلاة صلاها مع الناس صلوات الله وسلامه عليه.
وقد ذكر البيهقي: من طريق سليمان بن بلال، ويحيى بن أيوب عن حميد عن
أنس.
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد مخالفا
بين طرفيه فلما أراد أن يقوم.
قال: أدع لي أسامة بن زيد، فجاء فأسند ظهره إلى نحره.
فكانت آخر صلاة صلاها قال البيهقي: ففي هذا دلالة إن هذه الصلاة كانت
صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة لانها آخر صلاة صلاها لما ثبت
أنه توفي ضحى يوم الاثنين (2).
وهذا الذي قاله البيهقي أخذه مسلما من مغازي موسى بن عقبة فإنه كذلك
ذكر.
وكذا روى أبو الاسود عن عروة وذلك ضعيف بل هذه آخر صلاة صلاها مع القوم
كما تقدم تقييده في الرواية الاخرى والحديث واحد فيحمل مطلقه على مقيده
ثم لا يجوز أن تكون هذه صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة لان تلك
لم يصلها مع الجماعة بل في بيته لما به من الضعف، صلوات الله وسلامه
عليه والدليل على ذلك ما قال البخاري في صحيحه: حدثنا أبو اليمان،
أنبأنا شعيب، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك وكان تبع النبي صلى الله
عليه وسلم وخدمه وصحبه.
أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي
فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله
عليه وسلم ستر الحجرة، ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف تبسم
يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ونكص
أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج
إلى الصلاة، فأشار إلينا صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم وأرخى
الستر وتوفي من يومه صلى الله عليه وسلم (3).
وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة وصالح (4) بن كيسان، ومعمر عن
الزهري عن أنس.
ثم قال البخاري: ثنا أبو معمر، ثنا عبد الوارث، ثنا عبد العزيز، عن أنس
بن مالك.
قال: لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فأقيمت
الصلاة، فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبي الله بالحجاب (5).
فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظرا كان أعجب
إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا فأومأ النبي صلى
الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم
__________
(1) المصدر السابق.
الجزء والصفحة.
(2) دلائل البيهقي ج 7 / 193.
(3) أخرجه البخاري - كتاب الاذان (45) باب الحديث 680 وأخرجه مسلم في
كتاب الصلاة 21 باب الحديث 98.
ص 1 / 315.
(4) من مسلم، وفي الاصل صبيح تحريف.
(5) في الاصل: فقال نبي الله: عليكم بالحجاب، وأثبتنا عبارة البخاري،
وعبارة البيهقي: فرفع النبي صلى الله عليه وآله الحجاب.
والحديث من صحيح البخاري كتاب الاذان (46) باب.
ومسلم المصدر السابق الحديث (100).
(*)
(5/255)
وأرخى النبي
صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم.
ورواه مسلم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به.
فهذا أوضح دليل على أنه عليه السلام لم يصل يوم الاثنين صلاة الصبح مع
الناس، وأنه كان قد انقطع عنهم لم يخرج إليهم ثلاثا.
قلنا فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها معهم الظهر كما جاء مصرحا به في
حديث عائشة المتقدم، ويكون ذلك يوم الخميس لا يوم السبت ولا يوم الاحد
كما حكاه البيهقي عن مغازي موسى بن عقبة وهو ضعيف، ولما قدمنا من خطبته
بعدها ولانه انقطع عنهم يوم الجمعة، والسبت، والاحد، وهذه ثلاثة أيام
كوامل.
وقال الزهري عن أبي بكر بن أبي سبرة.
أن أبا بكر صلى بهم سبع عشرة صلاة.
وقال غيره عشرين صلاة فالله أعلم.
ثم بدا لهم وجهه الكريم صبيحة يوم الاثنين فودعهم بنظرة كادوا يفتتنون
بها ثم كان ذلك آخر عهد جمهورهم به ولسان حالهم يقول كما قال بعضهم:
وكنت أرى كالموت من بين ساعة * فكيف ببين كن موعده الحشر والعجب أن
الحافظ البيهقي أورد هذا الحديث من هاتين الطريقين.
ثم قال ما حاصله:
فلعله عليه السلام احتجب عنهم في أول ركعة ثم خرج في الركعة الثانية
فصلى خلف أبي بكر، كما قال عروة وموسى بن عقبة.
وخفي ذلك على أنس بن مالك أو أنه ذكر بعض الخبر وسكت عن آخره.
وهذا الذي ذكره أيضا بعيد جدا لان أنسا قال: فلم يقدر عليه حتى مات.
وفي رواية قال: فكان ذلك آخر العهد به.
وقول الصحابي مقدم على قول التابعي والله أعلم.
والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر الصديق إماما
للصحابة كلهم في الصلاة التي هي أكبر أركان الاسلام العملية.
قال الشيخ أبو الحسن الاشعري: وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين
الاسلام.
قال: وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة واقرؤهم لما ثبت في الخبر
المتفق على صحته بين العلماء.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله،
فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء
فأكبرهم سنا، فإن كانوا في السن سواء فأقدمهم مسلما قلت: وهذا من كلام
الاشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب ثم قد اجتمعت هذه
الصفات كلها في الصديق رضي الله عنه وأرضاه وصلاة الرسول صلى الله عليه
وسلم خلفه في بعض الصلوات كما قدمنا بذلك الروايات الصحيحة لا ينافي ما
روي في الصحيح أن أبا بكر ائتم به عليه السلام لان ذلك في صلاة أخرى
كما نص على ذلك الشافعي وغيره من الائمة رحمهم الله عز وجل.
فائدة: استدل مالك والشافعي وجماعة من العلماء ومنهم البخاري بصلاته
عليه السلام قاعدا وأبو بكر مقتديا به قائما والناس بأبي بكر على نسخ
قوله عليه السلام في الحديث المتفق عليه حين صلى ببعض أصحابه قاعدا.
وقد وقع عن فرس فجحش شقة فصلوا وراءه قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما
انصرف.
قال: كذلك والذي نفسي بيده تفعلون كفعل فارس والروم يقومون على عظمائهم
وهم جلوس.
وقال إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا،
وإذا
(5/256)
رفع فارفعوا،
وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون.
قالوا: ثم إنه عليه السلام أمهم قاعدا وهم قيام في مرض الموت فدل على
نسخ ما تقدم.
والله أعلم.
وقد تنوعت مسالك الناس في الجواب عن هذا الاستدلال على وجوه كثيرة موضع
ذكرها كتاب الاحكام الكبير
إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
وملخص ذلك أن من الناس من زعم أن الصحابة جلسوا لامره المتقدم وإنما
استمر أبو بكر قائما لاجل التبليغ عنه صلى الله عليه وسلم.
ومن الناس من قال: بل كان أبو بكر هو الامام في نفس الامر كما صرح به
بعض الرواة كما تقدم.
وكان أبو بكر لشدة أدبه مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبادره
بل يقتدي به فكأنه عليه السلام صار إمام الامام فلهذا لم يجلسوا
لاقتدائهم بأبي بكر وهو قائم، ولم يجلس الصديق لاجل أنه إمام ولانه
يبلغهم عن النبي صلى الله عليه وسلم الحركات والسكنات والانتقالات
والله أعلم.
ومن الناس من قال: فرق بين أن يبتدئ الصلاة خلف الامام في حال القيام
فيستمر فيها قائما وإن طرأ جلوس الامام في أثنائها كما في هذه الحال
وبين أن يبتدي الصلاة خلف إمام جالس فيجب الجلوس للحديث المتقدم.
والله أعلم.
ومن الناس من قال: هذا الصنيع والحديث المتقدم دليل على جواز القيام
والجلوس وإن كلا منهما سائغ جائز الجلوس لما تقدم والقيام للفعل
المتأخر.
والله أعلم.
احتضاره ووفاته عليه السلام قال الامام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا
الاعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله هو ابن
مسعود.
قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته.
فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا.
قال: أجل ! إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم قلت: إن لك أجرين.
قال: " نعم ! والذي نفسي بيده ما على الارض مسلم يصيبه أذى من مرض فما
سواه إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها ".
وقد أخرجه البخاري ومسلم من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الاعمش به.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل،
ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن رجل، عن أبي سعيد
الخدري.
قال: وضع يده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال والله ما أطيق أن أضع
يدي عليك من شدة حماك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا معشر الانبياء يضاعف لنا البلاء
كما يضاعف لنا الاجر، إن كان النبي من الانبياء ليبتلي بالقمل حتى
يقتله، وإن كان الرجل ليبتلي بالعري حتى يأخذ العباءة فيجوبها، وإن
كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء " فيه رجل مبهم لا يعرف
بالكلية.
فالله أعلم.
وقد روى البخاري ومسلم من
حديث سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج زاد مسلم - وجرير - ثلاثتهم عن
الاعمش، عن أبي وائل، شقيق بن سلمة عن مسروق، عن عائشة.
قالت: ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
وفي صحيح البخاري: من حديث يزيد بن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن
أبيه، عن عائشة.
قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره
شدة الموت لاحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث الآخر الذي رواه [ البخاري ] - في صحيحه - قال: قال رسول
الله:
(5/257)
" أشد الناس
بلاء الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل يبتلي الرجل على حسب دينه
فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، ثنا أبي، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني
سعيد بن عبيد بن السباق، عن محمد بن أسامة بن زيد، عن أبيه أسامة بن
زيد.
قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معي إلى
المدينة فدخلت على رسول الله.
وقد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصيبها علي (1) أعرف
أنه يدعو لي.
ورواه الترمذي، عن أبي كريب، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق وقال حسن
غريب.
وقال الامام مالك في موطائه: عن إسماعيل بن أبي حكيم: أنه سمع عمر بن
عبد العزيز يقول: كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن قال: قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا
يبقين دينان بأرض العرب.
هكذا رواه مرسلا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
وقد روى البخاري ومسلم من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة عن عائشة وابن عباس.
قالا: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على
وجهه فإذ اغتم كشفها عن وجهه.
فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجد " يحذر ما صنعوا (2).
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو بكر بن أبي رجاء الاديب، أنبأنا أبو
العباس الاصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا أبو بكر بن عياش، عن الاعمش
عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: أحسنوا
الظن بالله (3).
وفي بعض الاحاديث كما رواه مسلم من حديث الاعمش عن أبي سفيان طلحة بن
نافع عن جابر.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يموتن
أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى ".
وفي الحديث الآخر يقول الله تعالى: " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا
".
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، حدثنا الاصم، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني:
ثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، ثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن قتادة عن
أنس.
قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الوفاة: "
الصلاة وما ملكت أيمانكم " حتى جعل يغرغر بها [ في صدره ] (4) وما يفصح
بها لسانه.
وقد رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، عن جرير بن عبد الحميد به.
وابن ماجه عن أبي الاشعث عن معتمر بن سليمان عن أبيه به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أسباط بن محمد، ثنا التيمي، عن قتادة عن أنس
بن مالك.
قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت
الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر
بها صدره وما
__________
(1) في الاصل يصيبها على وجهه، وأثبت ما في مسند الامام أحمد ج 5 /
201.
(2) أخرجه البخاري عن يحيى بن بكير في: كتاب اللباس - 19 باب الحديث
5815.
وفي كتاب الصلاة، وفي المغازي، وفي ذكر بني إسرائيل في كتاب الانبياء.
وأخرجه مسلم في كتاب المساجد (3) باب النهي عن بناء المساجد على القبور
(الحديث: 22).
(3) انظر الحاشية السابقة، ودلائل البيهقي ج 7 / 204.
(4) سقطت من الاصل، واستدركت من دلائل البيهقي ج 7 / 205.
والحديث أخرجه ابن ماجه في كتاب الوصايا (1) باب.
الحديث (2697) واسناده حسن.
(*)
(5/258)
يكاد يفيض بها
لسانه.
وقد رواه النسائي وابن ماجه من حديث سليمان بن طرخان وهو التيمي، عن
قتادة عن أنس به.
وفي رواية للنسائي عن قتادة، عن صاحب له، عن أنس به.
وقال أحمد: ثنا بكر بن عيسى الراسبي، ثنا عمر بن الفضل، عن نعيم بن
يزيد، عن علي بن أبي طالب.
قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا
تضل أمته من بعده، قال: فخشيت أن تفوتني نفسه.
قال قلت: إني أحفظ وأعي.
قال: أوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم.
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، ثنا أبو عوانة،
عن
قتادة، عن سفينة، عن أم سلمة قالت: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله
عليه وسلم عند موته الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يلجلجها في صدره،
وما يفيض بها لسانه.
وهكذا رواه النسائي عن حميد بن مسعدة، عن يزيد بن زريع، عن سعد بن أبي
عروبة، عن قتادة، عن سفينة، عن أم سلمة به قال البيهقي: والصحيح ما
رواه عفان، عن همام، عن قتادة عن أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة به
(1).
وهكذا رواه النسائي أيضا وابن ماجه: من حديث يزيد بن هارون، عن همام،
عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن سفينة عن أم سلمة به.
وقد رواه النسائي أيضا عن قتيبة، عن أبي عوانة، عن قتادة عن سفينة عن
النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
ثم رواه: عن محمد بن عبد الله بن المبارك، عن يونس بن محمد قال: حدثنا
عن سفينة فذكر نحوه.
وقال أحمد: ثنا يونس، ثنا الليث، عن يزيد بن الهاد، عن موسى بن سرجس عن
القاسم، عن عائشة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت،
وعنده قدح فيه ماء، فيدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول:
اللهم أعني على سكرات الموت (2).
ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث الليث به.
وقال الترمذي غريب.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، عن إسماعيل، عن مصعب بن إسحاق بن طلحة
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليهون علي أني رأيت
بياض كف عائشة في الجنة.
تفرد به أحمد وإسناده لا بأس به.
وهذا دليل على شدة محبته عليه السلام لعائشة رضي الله عنها.
وقد ذكر الناس معان كثيرة في كثرة المحبة ولم يبلغ أحدهم هذا المبلغ
وما ذاك إلا لانهم يبالغون كلاما لا حقيقة له وهذا كلام حق لا محالة
ولا شك فيه.
وقال حماد بن زيد: عن أيوب عن ابن أبي مليكة.
قال قالت عائشة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، [ ويومي ]
(3) وتوفي بين سحري ونحري وكان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت
أعوذه، فرفع بصره إلى السماء وقال: في الرفيق الاعلى، في الرفيق
__________
(1) نصه في البيهقي عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول في مرضه: الله الله الصلاة وما ملكت أيمانكم، قالت: فجعل يتكلم
به، وما يفيض.
(الدلائل ج 7 / 205) (2) أخرجه الامام أحمد في مسند (6 / 64، 70، 77،
151).
والترمذي في كتاب الجنائز (8) باب.
حديث رقم 978.
وابن ماجه في كتاب الجنائز (64) باب.
الحديث 1623.
(3) من دلائل البيهقي ج 7 / 206.
والحديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي (83) باب مرض رسول الله صلى
الله عليه وآله ووفاته.
الحديث (4451).
(*)
(5/259)
الاعلى ودخل
عبد الرحمن بن أبي بكر، وبيده جريدة رطبة، فنظر إليها، فظننت أن له بها
حاجة.
قالت: فأخذتها فنفضتها فدفعتها إليه، فاستن بها أحسن ما كان مستنا، ثم
ذهب يناولنيها فسقطت من يده قالت فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم
من الدنيا وأول يوم من الآخرة.
ورواه البخاري عن سليمان بن جرير عن حماد بن زيد به.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل
الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا داود بن (1)
عمرو بن زهير الضبي، ثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين،
أنبأنا ابن أبي مليكة، أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره أن عائشة
كانت تقول: إن من نعمة الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي
في يومي وفي بيتي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند
الموت.
قالت: دخل علي أخي بسواك معه، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى صدري فرأيته ينظر إليه.
وقد عرفت أنه يحب السواك ويألفه.
فقلت: آخذه لك فأشار برأسه، أي نعم ! فلينته له فأمره على فيه.
قالت: وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء، فيمسح
بها وجهه.
ثم يقول: لا إله إلا الله.
إن للموت لسكرات ثم نصب أصبعه اليسرى، وجعل يقول: في الرفيق الاعلى في
الرفيق الاعلى حتى قبض ومالت يده في الماء (2).
ورواه البخاري عن محمد، عن عيسى بن يونس.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم: سمعت عروة يحدث
عن عائشة قالت: كنا نحدث أن النبي لا يموت حتى يخير بين الدنيا
والآخرة.
قالت: فلما كان مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه عرضت له
بحة.
فسمعته يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
قالت عائشة: فظننا أنه كان يخير (3).
وأخرجاه من حديث شعبة به.
وقال الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل
العلم أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح:
إنه لم يقبض نبي حتى يرى
مقعده من الجنة ثم يخير.
قالت عائشة: فلما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم - ورأسه على فخدي
- غشي عليه ساعة، ثم أفاق، فأشخص بصره إلى سقف البيت.
وقال: اللهم الرفيق الاعلى، فعرفت أنه الحديث الذي كان حدثناه، وهو
صحيح أنه لم يقبض نبي قط، حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير.
قالت عائشة فقلت: إذا لا تختارنا.
وقالت عائشة: كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله
عليه وسلم الرفيق الاعلى (4).
أخرجاه من غير وجه عن الزهري به.
وقال سفيان هو الثوري عن
__________
(1) من البيهقي، وفي الاصل عن تحريف.
(2) أخرجه البيهقي في دلائله ج 7 / 206 - 207.
والبخاري في - فتح الباري 8 / 144 الحديث (4149).
(3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (83) باب.
الحديث (4435).
ورواه البيهقي في الدلائل ج 7 / 208.
(4) رواه البيهقي في الدلائل ج 7 / 208 وقال: رواه البخاري في الصحيح
عن بشر بن محمد بن المبارك.
فتح الباري 8 / 136 حديث 4437.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن الزهري.
(*)
(5/260)
إسماعيل بن أبي
خالد، عن أبي بردة، عن عائشة قالت: أغمي على رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو في حجري فجعلت أمسح وجهه وأدعو له بالشفاء.
فقال: لا، بل أسأل الله الرفيق الاعلى الاسعد مع جبريل وميكائيل
وإسرافيل.
رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وغيره (1)، قالوا: ثنا أبو
العباس الاصم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ثنا أنس بن عياض، عن
هشام بن عروة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، أن عائشة أخبرته أنها
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند
إلى صدرها يقول: اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق.
أخرجاه من حديث هشام بن عروة.
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق: حدثني يحيى بن
عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، سمعت عائشة تقول: مات رسول
الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وفي دولتي، ولم أظلم فيه أحدا
فمن سفهي وحداثة سني.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو في حجري ثم وضعت رأسه على
وسادة، وقمت ألدم مع النساء وأضرب
وجهي.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، ثنا كثير بن زيد،
عن المطلب بن عبد الله.
قال قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من نبي إلا
تقبض نفسه ثم يرى الثواب ثم ترد إليه فيخير بين أن ترد إليه وبين أن
يلحق، فكنت قد حفظت ذلك منه فإني لمسندته إلى صدري فنظرت إليه حين مالت
عنقه فقلت: قد قضى فعرفت الذي قال، فنظرت إليه حين ارتفع فنظر.
قالت قلت: إذا والله لا يختارنا.
فقال: مع الرفيق الاعلى في الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
تفرد به أحمد ولم يخرجوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، أنبأنا همام، أنبأنا هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة.
قالت قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه بين سحري ونحري.
قالت: فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا قط أطيب منها.
وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ولم يخرج أحد من أصحاب الكتب الستة.
ورواه البيهقي: من حديث حنبل بن إسحاق عن عفان.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الاصم،
ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس (2)،
عن أم سلمة قالت: وضعت يدي على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
مات فمرت لي جمع آكل، وأتوضأ، وما يذهب ريح المسك من يدي.
وقال أحمد: حدثنا عفان وبهز قالا: ثنا سليمان بن المغيرة، ثنا حميد بن
هلال عن أبي بردة.
قال دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا ما يصنع باليمن وكساء من
التي يدعون الملبدة فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض في
هذين الثوبين.
وقد رواه الجماعة إلا النسائي من طرق عن حميد بن هلال به.
وقال الترمذي حسن صحيح.
وقال الامام أحمد: حدثنا بهز، ثنا حماد بن سلمة: أنبأنا أبو عمران
الجوني، عن يزيد بن بابنوس.
قال ذهبت أنا وصاحب لي إلى
__________
(1) ذكرهم في الدلائل ج 7 / 209 أبو طاهر الفقيه، وأبو زكريا بن أبي
اسحاق وأبو سعيد بن أبي عمرو.
والحديث في البخاري: فتح الباري 8 / 138 حديث رقم (4440).
(2) في الاصل: عن محمد بن قيس عن أبي عروة عن أم سلمة.
وأثبت ما في دلائل البيهقي ج 7 / 219.
(*)
(5/261)
عائشة فاستأذنا
عليها فألقت لنا وسادة وجذبت إليها الحجاب.
فقال صاحبي: يا أم المؤمنين ما
تقولين في العراك قالت وما العراك ؟ فضربت منكب صاحبي.
قالت: مه آذيت أخاك.
ثم قالت: ما العراك المحيض ! قولوا ما قال الله عز وجل في المحيض.
ثم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوشحني وينال من رأسي
وبيني وبينه ثوب وأنا حائض.
ثم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر ببابي مما يلقى
الكلمة ينفعني الله بها فمر ذات يوم فلم يقل شيئا ثم مر فلم يقل شيئا
مرتين أو ثلاثا فقلت يا جارية ضعي لي وسادة على الباب وعصبت رأسي فمر
بي.
فقال يا عائشة ما شأنك فقلت: أشتكي رأسي.
فقال: أنا وارأساه فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جئ به محمولا في كساء
فدخل علي وبعث إلى النساء، فقال إني قد اشتكيت وإني لا أستطيع أن أدور
بينكن فأذن لي فلاكن عند عائشة فكنت أمرضه ولم أمرض أحدا قبله فبينما
رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي فظننت أنه يريد من رأسي
حاجة فخرجت من فيه نقطة (1) باردة فوقعت على نقرة نحري فاقشعر لها جلدي
فظننت أنه غشي عليه فسجيته ثوبا فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا
فأذنت لهما وجذبت إلي الحجاب.
فنظر عمر إليه فقال: واغشياه ما أشد غشى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر مات رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقلت: كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين.
قالت: ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب فنظر إليه فقال: إنا لله وإنا إليه
راجعون مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه من قبل رأسه فحدرناه
فقبل جبهته ثم قال وانبياه ثم رفع رأسه فحدرناه وقبل جبهته ثم قال
واصفياه ثم رفع رأسه وحدرناه وقبل جبهته وقال واخليلاه مات رسول الله
صلى الله عليه وسلم وخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول إن
رسول الله لا يموت حتى يفني الله المنافقين.
فتكلم أبو بكر: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله يقول * (إنك ميت
وإنهم ميتون) * [ الزمر: 30 ] حتى فرغ من الآية.
* (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم
على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه) * [ آل عمران: 144 ] حتى فرغ من
الآية ثم قال: فمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد
محمدا فإن محمدا قد مات.
فقال عمر: أو إنها في كتاب الله ؟ ما شعرت أنها في كتاب الله.
ثم قال عمر: يا أيها الناس هذا أبو بكر وهو ذو شيبة (2) المسلمين
فبايعوه فبايعوه.
وقد روى أبو داود والترمذي في
الشمائل من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار، عن أبي عمران الجوني به
ببعضه.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن
إسحاق، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث،
عن عقيل، عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة عن عبد الرحمن أن عائشة أخبرته:
أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد فلم
يكلم
__________
(1) في مسند أحمد: نطفة.
(2) في النسخة التيمورية: ذا شبة، وفي الاصل ذو سبية، وما أثبتناه من
سيرة ابن كثير.
وذو الشيبة: أقدمهم وأولاهم.
(*)
(5/262)
الناس، حتى دخل
على عائشة فيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة، فكشف
عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى.
ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله لا يجمع الله عليك موتتين
أبدا أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها.
قال الزهري وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم
الناس.
فقال: اجلس يا عمر ! فأبى عمر أن يجلس.
فقال: اجلس يا عمر.
فأبى عمر أن يجلس.
فتشهد أبو بكر، فأقبل الناس إليه.
فقال: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد
الله، فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى: * (وما محمد إلا رسول قد
خلت من قبل الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) * الآية.
قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها
أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم فما سمع بشر من الناس إلا يتلوها.
قال الزهري وأخبرني سعيد بن المسيب: أن عمر قال: والله ما هو إلا أن
سمعت أبا بكر تلاها، فعرفت أنه الحق فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى
هويت إلى الارض، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد مات (1).
ورواه البخارري عن يحيى بن بكير به.
وروى الحافظ البيهقي: من طريق ابن لهيعة، ثنا أبو الاسود، عن عروة بن
الزبير في ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وقام عمر بن الخطاب يخطب الناس ويتوعد من قال مات بالقتل والقطع،
ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غشية لو قد قام قتل وقطع،
وعمرو بن قيس بن زائدة بن الاصم بن أم مكتوم
[ قائم ] (2) في مؤخر المسجد يقرأ * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله
الرسل) * الآية والناس في المسجد يبكون ويموجون لا يسمعون، فخرج عباس
بن عبد المطلب على الناس.
فقال: يا أيها الناس، هل عند أحد منكم من عهد من رسول الله صلى الله
عليه وسلم في وفاته فليحدثنا.
قالوا: لا ! قال: هل عندك يا عمر من علم ؟ قال: لا ! فقال العباس:
اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يشهد على رسول الله بعهد عهده إليه في
وفاته، والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم
الموت.
قال: وأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح (3) على دابته حتى نزل بباب
المسجد، وأقبل مكروبا حزينا فاستأذن في بيت ابنته عائشة، فأذنت له
فدخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي على الفراش والنسوة حوله،
فخمرن وجوههن، واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة، فكشف عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم فجثى عليه يقبله ويبكي ويقول: ليس ما يقوله
ابن الخطاب شيئا، توفي رسول الله والذي نفسي بيده رحمة الله عليك يا
رسول الله ما أطيبك حيا وميتا، ثم غشاه بالثوب ثم خرج سريعا إلى المسجد
يتخطى رقاب الناس حتى أتى المنبر، وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلا إليه
وقام أبو بكر إلى جانب المنبر، ونادى الناس فجلسوا وأنصتوا فتشهد أبو
بكر بما علمه من التشهد.
وقال: إن الله عز وجل نعى نبيه إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى
أنفسكم وهو الموت حتى لا يبقى منكم
__________
(1) الحديث في دلائل البيهقي 7 / 216، وفتح الباري 8 / 145 الحديث
(4454).
(2) من البيهقي.
(3) السنح: مكان في عوالي المدينة وفيه منزل أبي بكر الصديق.
(*)
(5/263)
أحد إلا الله عز وجل.
قال تعالى * (وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل) * الآية
فقال عمر: هذه الآية في القرآن ؟ والله ما علمت أن هذه الآية نزلت قبل
اليوم وقد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (إنك ميت وإنهم
ميتون) * [ الزمر: 30 ] وقال الله تعالى: * (كل شئ هالك إلا وجهه له
الحكم وإليه ترجعون) * [ الرحمن: 26 - 27 ] وقال تعالى: * (كل من عليها
فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) * [ القصص: 88 ] وقال: * (كل
نفس ذائقة الموت إنما توفون
أجوركم يوم القيامة) * [ آل عمران: 144 ] وقال: إن الله عمر محمدا صلى
الله عليه وسلم وأبقاه حتى أقام دين الله، وأظهر أمر الله وبلغ رسالة
الله، وجاهد في سبيل الله، ثم توفاه الله على ذلك، وقد ترككم على
الطريقة فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء فمن كان الله ربه فإن
الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا وينزله إلها فقد هلك إلهه.
فاتقوا الله أيها الناس، واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم، فإن دين
الله قائم، وإن كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه، وأن
كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء.
وبه هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم.
وفيه حلال الله وحرامه، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن
سيوف الله لمسلولة، ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يبغين أحد إلا على نفسه.
ثم انصرف معه المهاجرون، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث
في غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه (1).
قلت كما سنذكره مفصلا بدلائله وشواهده إن شاء الله تعالى وذكر الواقدي
عن شيوخه.
قالوا: ولما شك في موت النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال بعضهم مات ! وقال بعضهم لم يمت، وضعت أسماء بنت عميس يدها على
كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: قد توفي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقد رفع الخاتم من بين كتفيه، فكان هذا الذي قد عرف به موته.
هكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه دلائل النبوة (2) من طريق الواقدي
وهو ضعيف وشيوخه لم يسمون ثم هو منقطع بكل حال ومخالف لما صح وفيه
غرابة شديدة، وهو رفع لخاتم فالله أعلم بالصواب.
وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارا كثيرة فيها نكارات وغرابة
شديدة أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها ونكارة متونها ولا سيما ما
يورده كثير من القصاص المتأخرين وغيرهم فكثير منه موضوع لا محالة وفي
الاحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غنية عن الاكاذيب
ومالا يعرف سنده.
والله أعلم. |