البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
كتاب الشمائل
شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان خلقه الطاهر قد صنف الناس في
هذا قديما وحديثا، كتبا كثيرة مفردة وغير مفردة، ومن أحس من جمع في ذلك
فأجاد وأفاد الامام (أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي) رحمه
الله، أفرد في هذا المعنى كتابه المشهور بالشمائل، ولنا به سماع متصل
إليه، ونحن نورد عيون ما أورده فيه، ونزيد عليه أشياء مهمة لا يستغني
عنها المحدث والفقيه، ولنذكر أولا بيان حسنه الباهر الجميل، ثم نشرع
بعد ذلك في إيراد الجمل والتفاصيل، فنقول الله حسبنا ونعم الوكيل.
باب ما ورد في حسنه الباهر قال
البخاري: ثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا
إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق: قال سمعت البراء بن عازب
يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا،
ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير (1).
وهكذا رواه مسلم عن أبي كريب عن إسحاق بن منصور، وقال البخاري: حدثنا
جعفر بن عمر، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء ابن عازب.
قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، له
شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه (2).
قال يوسف بن أبي إسحاق: عن أبيه إلى منكبيه.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق: عن البراء
قال: ما رأيت من ذي لمة أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه
وسلم، له شعر يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين، ليس بالطويل ولا
بالقصير، وقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث وكيع به.
وقال الامام أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا إسرائيل، أنا أبو إسحاق، ح
وحدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سمعت
البراء يقول: ما رأيت أحدا من خلق الله أحس في حلة حمراء من رسول الله
صلى الله عليه وسلم وإن جمته لتضرب إلى منكبيه، قال ابن أبي بكير،
لتضرب قريبا من منكبيه.
قال - يعني ابن إسحاق - وقد سمعته يحدث به مرارا ما
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المناقب 23 باب فتح الباري 6 / 564.
ومسلم في كتاب الفضائل (25) باب حديث 93 صفحة (1819).
(3) المصدر السابق فتح الباري 6 / 565 ومسلم ص (1818).
(*)
(6/13)
حدث به قط إلا
ضحك.
وقد رواه البخاري في اللباس، والترمذي في الشمائل، والنسائي في الزينة
من حديث إسرائيل به.
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، ثنا زهير، عن أبي إسحاق قال: سئل البراء
بن عازب أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف ؟ قال: لا بل
مثل القمر (1)، ورواه الترمذي من حديث زهير بن معاوية الجعفي الكوفي عن
أبي إسحاق السبيعي وإسمه
عمرو بن عبد الله الكوفي عن البراء بن عازب به وقال: حسن صحيح.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل
القطان ببغداد، أنا عبد الله بن جعفر بن درستوية، ثنا أبو يوسف يعقوب
بن سفيان، ثنا أبو نعيم وعبد الله (2)، عن إسرائيل، عن سماك أنه سمع
جابر بن سمرة قال له رجل: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه مثل
السيف ؟ قال: لا، بل مثل الشمس والقمر مستديرا، وهكذا رواه مسلم عن أبي
بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى به، وقد رواه الامام أحمد مطولا
فقال: ثنا عبد الرزاق، أنا إسرائيل، عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة
يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، فإذا
أدهن ومشطهن لم ينبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير الشعر واللحية،
فقال رجل: وجهه مثل السيف ؟ قال: لا، بل مثل الشمس والقمر مستديرا،
قال: ورأيت خاتمه عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده.
وقال الحافظ البيهقي: أنا أبو طاهر الفقيه (3)، أنا أبو حامد بن بلال،
ثنا محمد بن إسماعيل الاحمسي، ثنا المحاربي، عن أشعث، عن أبي إسحاق، عن
جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان
(4) وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من
القمر، هكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا عن هناد بن اليسري عن عيثر بن
القاسم، عن أشعث بن سوار، قال النسائي: وهو ضعيف، وقد أخطأ والصواب أبو
إسحاق عن البراء، وقال الترمذي: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث
أشعث بن سوار، وسألت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - قلت: حديث أبي
إسحاق عن البراء أصح أم حديثه عن جابر ؟ فرأى كلا الحديثين صحيحا، وثبت
في صحيح البخاري عن كعب بن مالك في حديث التوبة قال: وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر، وقد تقدم الحديث
بتمامه، وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا سعيد، ثنا يونس بن أبي يعفور
العبدي (5)، عن ابن إسحاق
__________
(1) فتح الباري 6 / 565.
والترمذي في المناقب حديث 3636 والدارمي في المقدمة.
والامام أحمد في مسنده 4 / 281 و 5 / 104.
(2) في الدلائل: 1 / 195: عبيد الله، وهو عبيد الله بن موسى.
والحديث في صحيح مسلم 4 / 1823.
(3) أبو طاهر هو محمد بن محمد بن محمش الفقيه.
وأبو حامد: أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزاز.
(4) اضحيان: مقمرة مضيئة لا غيم فيها.
والحديث في دلائل النبوة 1 / 196.
وأخرجه الترمذي في الادب حديث رقم 2811.
والدارمي في المقدمة.
(5) العبدي: ضعفه أحمد وابن معين والنسائي الميزان 4 / 485.
والحديث رواه البيهقي في الدلائل 1 / 199.
(*)
(6/14)
الهمداني، عن
إمرأة من همدان سماها.
قالت: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته على بعير له يطوف
بالكعبة بيده محجن عليه بردان أحمران يكان يمس منكبه، إذا مر بالحجر
استلمه بالمحجن ثم يرفعه إليه فيقبله، قال أبو إسحاق: فقلت لها: شبهته
؟ قالت: كالقمر ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله، وقال يعقوب بن
سفيان: حدثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا عبد الله بن موسى التيمي، ثنا
أسامة بن زيد، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلت للربيع
بنت معوذ: صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: يا بني لو رأيته
رأيت الشمس طالعة، ورواه البيهقي من حديث يعقوب بن محمد الزهري، عن عبد
الله بن موسى التيمي بسنده فقالت: لو رأيته لقلت الشمس طالعة (1)، وثبت
في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله
صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه.
الحديث (2).
صفة لون رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال البخاري: ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن خالد هو ابن يزيد، عن
سعيد - يعني ابن أبي هلال - عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، قال: سمعت أنس
بن مالك يصف النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم ليس
بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا بآدم، ليس بجعد
قطط ولا سبط رجل، أنزل عليه وهو ابن أربعين، فلبث بمكة عشر سنين ينزل
عليه وبالمدينة عشر سنين وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء، قال
ربيعة: فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر، فسألت فقيل: أحمر من الطيب
(3)، ثم قال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك بن أنس، عن
ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه
أنه سمعه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن
ولا بالقصير، وليس بالابيض الامهق ولا بالآدم، وليس بالجعد القطط، ولا
بالسبط، بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة
عشر سنين، فتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء، وكذا
رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك، ورواه أيضا عن قتيبة ويحيى بن أيوب
وعلي بن حجر، ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر، وعن القاسم بن زكريا، عن
خالد بن مخلد، عن سليمان بن
__________
(1) دلائل النبوة 1 / 200 ونقله الهيثمي في الزوائد 8 / 280 وعزاه
للطبراني في الكبير والاوسط.
(2) فتح الباري 6 / 565 و 12 / 56 ومسلم في كتاب الرضاع صفحة (1081)
وأبو داود في الطلاق حديث 2267.
والترمذي في الولاء والهبة حديث 2129 والنسائي في الطلاق.
باب القافة وأحمد في مسنده 6 / 82، 226.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، فتح الباري 6 / 564 وفي 10 / 356.
ومسلم في الفضائل ص (1824) صفحة (1825).
ومالك في الموطأ صفحة 919.
والترمذي في المناقب حديث 3623.
شرح المفردات: الربعة: المتوسط الطول.
الامهق: الشديد البياض الذي لا يخالط بياضه شئ من الحمرة، ولا آدم: ليس
شديد السمرة أي يخالط بياضه الحمرة.
السبط: المنبسط المسترسل..(*)
(6/15)
؟ لال ثلاثتهم
عن ربيعة به، ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن مالك به، وقال
الترمذي: حسن صحيح.
قال الحافظ البيهقي: ورواه ثابت عن أنس فقال: كان أزهر اللون، قال:
ورواه حميد كما أخبرنا، ثم ساق بإسناده عن يعقوب بن سفيان، حدثني عمرو
بن عون وسعيد بن منصور قالا: حدثنا خالد بن عبد الله، عن حميد الطويل،
عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمر اللون،
وهكذا روى هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار عن علي عن خالد بن عبد
الله عن حميد عن أنس، قال: وحدثناه محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد
الوهاب، قال: حدثنا حميد عن أنس قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالطويل ولا بالقصير، وكان إذا مشى تكفأ وكان أسمر اللون، ثم قال
البزار: لا نعلم رواه عن حميد إلا خالد
وعبد الوهاب، ثم قال البيهقي رحمه الله: وأخبرنا أبو الحسين بن بشران،
أنا أبو جعفر البزار (1)، ثنا يحيى بن جعفر، ثنا علي بن عاصم، ثنا حميد
سمعت أنس بن مالك يقول فذكر الحديث في صفة النبي صلى الله عليه وسلم:
قال: كان أبيض بياضه إلى السمرة، قلت: وهذا السياق أحس من الذي قبله،
وهو يقتضي أن السمرة التي كانت تعلو وجهه عليه السلام من كثرة أسفاره
وبروزه للشمس والله أعلم، فقد قال يعقوب بن سفيان الفسوي أيضا: حدثني
عمرو بن عون وسعيد بن منصور قالا: ثنا خالد بن عبد الله، عن (2)
الجريري، عن أبي الطفيل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق
أحد رآه غيري، فقلنا له: صف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
كان أبيض مليح الوجه.
ورواه مسلم عن سعيد بن منصور به.
ورواه أيضا أبو داود من حديث سعيد بن أياس الجريري.
عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الليثي.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض مليحا، إذا مشى كأنما ينحط
في صبوب، لفظ أبي داود، وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون [ حدثنا
] (3) الجريري، قال: كنت أطوف مع أبي الطفيل فقال: ما بقي أحد رأى رسول
الله صلى الله عليه وسلم غيري.
قلت: ورأيته ؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف كانت صفته ؟ قال: كان أبيض
مليحا مقصدا (4)، وقد رواه الترمذي عن سفيان بن وكيع ومحمد بن بشار
كلاهما عن يزيد بن هارون به.
وقال البيهقي (5): أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن جعفر، أو
أبو الفضل محمد بن
__________
(1) في الدلائل 1 / 204: الرزاز.
(2) في نسخ البداية المطبوعة " بن " تحريف.
(3) من المسند.
5 / 454.
وفي النسخ المطبوعة زيد بن هارون الجريري تحريف.
مقصدا: المقصد من الرجال ليس بجسيم ولا طويل.
والحديث من طرقه عن أبي الطفيل مات سنة مائة وكان آخر من مات من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله قاله مسلم في كتاب الفضائل صفحة (1820)
وأخرجه أبو داود في الادب حديث (4864).
(5) دلائل النبوة 1 / 205 وأخرجه الترمذي في الادب حديث (2826) وفي
المناقب حديث 3777 وقال: حديث حسن صحيح.
وأحمد في مسنده (4 / 307) ومسلم في الفضائل صفحة 1822.
والبخاري في المناقب.
باب
صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
(*)
(6/16)
إبراهيم، ثنا
أحمد ابن سلمة، ثنا واصل بن عبد الاعلى الاسدي، ثنا محمد بن فضيل، عن
إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم أبيض قد شاب، وكان الحسن بن علي يشبهه، ثم قال: رواه مسلم عن واصل
بن عبد الاعلى، ورواه البخاري عن عمرو بن علي عن محمد بن فضيل، وأصل
الحديث كما ذكر في الصحيحين، ولكن بلفظ آخر كما سيأتي، وقال محمد بن
إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن أبيه أن سراقة بن
مالك قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دنوت منه وهو على
ناقته، جعلت أنظر إلى ساقه كأنها جمارة، وفي رواية يونس عن ابن إسحاق:
والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزة كأنها جمارة، قلت: يعني من شدة
بياضها كأنها جمارة طلع النخل، وقال الامام أحمد: ثنا سفيان بن عيينة،
عن إسماعيل بن أمية، عن مولى لهم - مزاحم بن أبي مزاحم - عن عبد العزيز
بن عبد الله بن خالد بن أسيد، عن رجل من خزاعة يقال له: محرش أو مخرش،
لم يكن سفيان يقف على اسمه، وربما قال مخرش ولم أسمعه أنا، أن النبي
صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا فاعتمر ثم رجع فأصبح بها
كبائت فنظرت إلى ظهره كأنها سبيكة فضة، تفرد به أحمد (1)، وهكذا رواه
يعقوب بن سفيان، عن الحميدي عن سفيان بن عيينة، وقال يعقوب بن سفيان:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، حدثني عمرو بن الحارث، حدثني عبد
الله بن سالم، عن الزبيري، أخبرني محمد بن مسلم، عن سعيد بن المسيب:
أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان شديد
البياض، وهذا إسناد حسن، ولم يخرجوه، وقال الامام أحمد: ثنا حسن، ثنا
عبد الله بن لهيعة، ثنا أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة أنه سمع
أبا هريرة يقول: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
كان كأن الشمس تجري في جبهته، وما رأيت أحدا أسرع في في مشيته من رسول
الله صلى الله عليه وسلم، كأنما الارض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه
لغير مكترث (2)، ورواه الترمذي عن قتيبة عن ابن لهيعة به وقال: كأن
الشمس تجري في وجهه وقال: غريب، ورواه
البيهقي من حديث عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد المصري، عن عمرو
بن الحارث، عن أبي يونس، عن أبي هريرة، وقال: كأنما الشمس تجري في
وجهه، وكذلك رواه ابن عساكر من حديث حرملة عن ابن وهب عن عمرو بن
الحارث عن أبي يونس عن أبي هريرة فذكره وقال: كأنما الشمس تجري في
وجهه، وقال البيهقي: أنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد
الصفار، ثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا حجاج، ثنا حماد، عن عبد الله بن
محمد بن عقيل، عن محمد بن علي - يعني ابن الحنفية - عن أبيه قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، وقال أبو داود الطيالسي:
حدثنا المسعودي، عن عثمان بن عبد الله بن هرمز، عن نافع بن جبير، عن
علي بن أبي طالب
__________
(1) مسند أحمد 3 / 426 و 4 / 69 و 5 / 380 وأخرجه النسائي في كتاب الحج
باب (104).
(2) مسند أحمد 2 / 258 و 295، 350، 380.
وأخرجه الترمذي في المناقب حديث (3648).
والبيهقي في الدلائل: 1 / 206 ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ونقله
السيوطي في الخصائص 1 / 72.
(*)
(6/17)
قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم مشربا وجهه حمرة، وقال يعقوب بن سفيان: ثنا
ابن الاصبهاني، ثنا شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع بن جبير، قال:
وصف لنا علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان أبيض مشرب الحمرة، وقد
رواه الترمذي بنحوه من حديث المسعودي عن عثمان بن مسلم عن هرمز، وقال:
هذا حديث صحيح، قال البيهقي: وقد روي هكذا عن علي من وجه آخر، قلت:
رواه ابن جريج عن صالح بن سعيد عن نافع بن جبير، عن علي، قال البيهقي:
ويقال: إن المشرب فيه حمرة ما ضحا للشمس والرياح، وما تحت الثياب فهو
الابيض الازهر (1).
صفة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر
محاسنه: فرقه وجبينه وحاجبيه وعينيه وأنفه وقد تقدم قول أبي
الطفيل كان أبيض مليح الوجه، وقول أنس كان أزهر اللون، وقول البراء وقد
قيل له: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف ؟ - يعني في
صقاله - فقال: لا، بل مثل القمر، وقول جابر بن سمرة وقد قيل له مثل
ذلك، فقال: لا، بل مثل الشمس والقمر مستديرا، وقول الربيع بنت معوذ: لو
رأيته لقلت الشمس طالعة، وفي رواية لرأيت الشمس
طالعة، وقال أبو إسحاق السبيعي عن إمرأة من همدان حجت مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فسألها عنه فقالت: كان كالقمر ليلة البدر لم أر قبله
ولا بعده مثله، وقال أبو هريرة: كأن الشمس تجري في وجهه، وفي رواية في
جبهته، وقال الامام أحمد: حدثنا عفان وحسن بن موسى قالا: ثنا حماد وهو
ابن سلمة، عن عبد الله ابن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن أبيه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس، عظيم العينين، أهدب
الاشفار، مشرب العينين بحمرة، كث اللحية أزهر اللون، شثن (2) الكفين
والقدمين، إذا مشى كأنما يمشي في صعد، وإذا التفت التفت جميعا.
تفرد به أحمد، وقال أبو يعلى: حدثنا زكريا ويحيى الواسطي، ثنا عباد بن
العوام، ثنا الحجاج، عن سالم المكي، عن ابن الحنفية، عن علي أنه سئل عن
صفة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان لا قصيرا ولا طويلا، حسن الشعر
رجله مشربا وجهه حمرة، ضخم الكراديس (3)، شثن الكعبين والقدمين، عظيم
الرأس، طويل المسربة (4)، لم أر قبله ولا بعده مثله، إذا مشى تكفأ
كأنما ينزل من صبب (5).
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن
أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى اليمن فإني
__________
(1) دلائل البيهقي 2 / 206 ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ونقله
السيوطي في الخصائص 1 / 72.
(2) أهدب الاشفار: طويل الاشفار، شثن: الغليظ الاصابع من الكفين
والقدمين.
(3) الكراديس: عظام المنكبين والمرفقين والوركين والركبتين.
(4) المسربة: الشعر المستدق (الدقيق) ما بين اللبة إلى السرة.
(5) ينحدر من صبب: الصبب الحدور.
(*)
(6/18)
لاخطب يوما على
الناس وحبر من أحبار يهود واقف في يد سفر ينظر فيه، فلما رآني قال: صف
لنا أبا القاسم، فقال علي: رسول الله ليس بالقصير ولا بالطويل البائن،
وليس بالجعد القطط ولا بالسبط، هو رجل الشعر أسوده، ضخم الرأس، مشربا
لونه حمرة، عظيم الكراديس، شثن الكفين والقدمين، طويل المسربة، وهو
الشعر الذي يكون من النحر إلى السرة، أهدب
الاشفار، مقرون (1) الحاجبين، صلت الجبين، بعيد ما بين المنكبين إذا
مشى تكفأ كأنما ينزل من صبب، لم أر قبله مثله، ولا بعده مثله، قال:
علي: ثم سكت فقال لي الحبر: وماذا ؟ قال علي: هذا ما يحضرني، قال الحبر
في عينيه حمرة، حسن اللحية، حسن الفم تام الاذنين، يقبل جميعا ويدبر
جميعا، فقال علي: والله هذه صفته، قال الحبر: [ وشئ آخر ] (2) قال علي:
وما هو ؟ قال الحبر وفيه جناء، قال علي: هو الذي قلت لك كأنما ينزل من
صبب، قال الحبر: فإني أجد هذه الصفة في سفر آبائي (3) ونجده يبعث في
حرم الله وأمنه وموضع بيته، ثم يهاجر إلى حرم يحرمه هو ويكون له حرمة
كحرمة الحرم الذي حرم الله، ونجد أنصاره الذين هاجر إليهم قوما من ولد
عمرو بن عامر أهل نخل وأهل الارض قبلهم يهود، قال علي: هو هو، وهو رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال الحبر: فإني أشهد أنه نبي وأنه رسول الله
إلى الناس كافة، فعلى ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله.
قال: فكان يأتي عليا فيعلمه القرآن ويخبره بشرائع الاسلام، ثم خرج علي
والحبر من هنالك، حتى مات في خلافة أبي بكر وهو مؤمن برسول الله صلى
الله عليه وسلم مصدق به، وهذه الصفة قد وردت عن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب من طرق متعددة سيأتي ذكرها، وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا سعيد
بن منصور، حدثنا خالد بن عبد الله، عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي
بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده قال: سئل أو قيل لعلي: انعت لنا رسول
الله، فقال: كان أبيض مشربا بياضه حمرة، وكان أسود الحدقة أهدب
الاشفار، قال يعقوب: وحدثنا عبد الله بن سلمة وسعيد بن مصور قالا: ثنا
عيسى بن يونس، ثنا عمر بن عبد الله مولى عفرة، عن إبراهيم بن محمد عن
ولد علي قال: كان علي إذا نعت رسول الله قال: كان في الوجه تدوير أبيض
أدعج العينين أهدب الاشفار.
قال الجوهري: الدعج شدة سواد العينين مع سعتها، وقال أبو داود
الطيالسي: ثنا شعبة، أخبرني سماك، سمعت جابر بن سمرة يقول: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم أشهل العينين منهوس العقب ضليع الفم (4).
كذا رواه في رواية أبي
__________
(1) مقرون الحاجبين: القرن أن يطول الحاجبان حتى يلتقي طرفاهما.
صلت الجبين: الصلت: الواضح المستوي البارز.
(2) من ابن سعد، 1 / 412 - 413.
(3) من ابن سعد، وفي الاصل إياي تحريف.
(4) أخرجه مسلم في الفضائل ص (1820).
والترمذي في المناقب حديث (3647) شرح المفردات: - ضليع الفم: عظيم
الفم، قالوا والعرب تمدح بذلك، وتذم بصغر الفم وهو معنى قول ثعلب في
ضليع = (*)
(6/19)
داود عن شعبة
أشهل العينين، قال أبو عبيد: والشهلة حمرة في سواد العين، والشكلة حمرة
في بياض العين، قلت: وقد روى هذا الحديث مسلم في صحيحه عن أبي موسى
وبندار كلاهما عن أحمد بن منيع عن أبي قطن عن شعبه به.
وقال أشكل العينين، وقال حسن صحيح، ووقع في صحيح مسلم تفسير الشكلة
بطول أشفار العينين، وهو من بعض الرواة، وقول أبي عبيد: حمرة في بياض
العين أشهر وأصح وذلك يدل على القوة والشجاعة والله تعالى أعلم، وقال
يعقوب بن سفيان: ثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني عمرو بن الحرث، حدثني عبد
الله بن سالم، عن الزبيدي حدثني الزهري، عن سعد بن المسيب أنه سمع أبا
هريرة يصف رسول الله فقال: كان مفاض (1) الجبين أهدب الاشفار، وقال
يعقوب بن سفيان: ثنا أبو غسان، ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي،
حدثني رجل بمكة عن ابن لابي هالة التميمي، عن الحسن بن علي، عن خاله
قال: كان رسول الله واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما
عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم،
سهل الخدين، ضليع الفم أشنب، مفلج الاسنان.
وقال يعقوب، ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا عبد العزيز بن أبي ثابت الزهري،
ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة، عن كريب عن ابن
عباس قال: كان رسول الله أفلج الثنيتين، وكان إذا تكلم رئي كالنور بين
ثناياه (2).
ورواه الترمذي: عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن إبراهيم بن المنذر به.
قال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عباد بن حجاج، عن
سماك، عن جابر بن سمرة قال: كنت إذا نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم قلت: أكحل العينين وليس بأكحل، وكان في ساقي رسول الله حموشة وكان
لا يضحك إلا تبسما، وقال الامام أحمد: ثنا وكيع، حدثني مجمع بن يحيى،
عن عبد الله بن
عمران الانصاري، عن علي، والمسعودي عن عثمان بن عبد الله، عن هرمز، عن
نافع بن جبير عن علي قال: كان رسول الله ليس بالقصير ولا بالطويل ضخم
الرأس واللحية شثن الكفين
__________
= الفم: واسع الفم.
وقال شمر: عظيم الفم.
- منهوس العقب: قليل لحم العقب.
(1) مفاض الجبين: واسع الجبين.
الحديث أخرجه ابن عساكر في تاريخه 1 / 336.
(2) انظر شرح الشمائل للترمذي 1 / 43 والهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 279
وعزاه للطبراني وقال: عبد العزيز بن أبي ثابت: ضعيف.
شرح المفردات: - أزج الحواجب: تقوس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد
(النهاية) وقيل: الزجج: دقة الحاجبين وسبوغهما إلى محاذاة آخر العين مع
تقوس.
وسوابغ: الحواجب التامة الطويلة.
- يدره الغضب: أي يحركه ويظهره، كان النبي صلى الله عليه وآله إذا غضب
امتلا ذلك العرق دما.
- اقنى العرنين: طويل الانف.
(*)
(6/20)
والقدمين
والكراديس مشربا وجهه حمرة طويل المسربة إذا مشى تكفأ كأنما يقلع من
صخر لم أر قبله ولا بعده مثله.
قال ابن عساكر: وقد رواه عبد الله بن داود الخريبي عن مجمع فأدخل بين
ابن عمران وبين علي رجلا غير مسمى ثم أسند من طريق عمرو بن علي الفلاس،
عن عبد الله بن داود، نثا مجمع بن يحيى الانصاري، عن عبد الله بن عمران
عن رجل من الانصار قال: سألت علي بن أبي طالب وهو محتب بحمالة سيفه في
مسجد الكوفة عن نعت رسول الله فقال: كان أبيض اللون مشربا حمرة أدعج
العينين، سبط الشعر، دقيق المسربة، سهل الخد، كث اللحية، ذا وفرة كأن
عنقه إبريق فضة، له شعر من لبته إلى سرته كالقضيب ليس في بطنه ولا صدره
شعر غيره شثن الكفين والقدم، إذا مشى كأنما ينحدر من صبب وإذا مشى
كأنما يقتلع من صخر وإذا التفت التفت جميعا ليس بالطويل ولا بالقصير
ولا بالعاجز ولا اللام (1) كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ ولريح
عرقه أطيب من المسك الاذفر لم أر قبله ولا بعده * وقال يعقوب بن سفيان،
ثنا سعيد بن منصور: ثنا نوح بن قيس الحراني، ثنا خالد بن خالد التميمي،
عن يوسف بن مازن المازني أن رجلا قال لعلي: يا أمير المؤمنين أنعت لنا
رسول الله، قال: كان أبيض مشربا حمرة ضخم الهامة أغر أبلج أهدب الاشفار
* وقال الامام أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا شريك، عن ابن عمير قال
شريك: قلت له عمن يا أبا عمير (عمن حدثه) قال: عن نافع بن جبير عن أبيه
عن علي قال: كان رسول الله ضخم الهامة مشربا حمرة، شثن الكفين
والقدمين، ضخم اللحية، طويل لم أر قبله مثله ولا بعده، وقد روى لهذا
شواهد كثيرة عن علي، وروى عن عمر نحوه * وقال الواقدي، ثنا بكير بن
مسمار عن زياد بن سعد (2) قال: سألت سعد بن أبي وقاص هل خضب رسول الله
؟ قال: لا ولا هم به، كان شيبة في عنفقته وناصيته لو أشاء أن أعدها
لعددتها * قلت: فما صفته ؟ قال: كان رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا
بالابيض الامهق، ولا بالادم ولا بالسبط ولا بالقطط، وكانت لحيته حسنة
وجبينه صلتا، مشربا بحمرة، شثن الاصابع، شديد سواد الرأس واللحية *
وقال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني: ثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن
أحمد بن فارس، ثنا يحيى بن حاتم العسكري، ثنا بسر بن مهران، ثنا شريك،
عن عثمان بن المغير، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود قال: إن أول
شئ علمته من رسول الله قدمت مكة في عمومة لي فأرشدونا إلى العباس بن
المطلب فانتهينا إليه، وهو جالس إلى زمزم، فجلسنا إليه فبينا نحن عنده
إذ أقبل رجل من باب الصفا أبيض تعلوه حمرة، له وفرة جعدة إلى أنصاف
أذنيه، أقنى الانف، براق الثنايا أدعج العينين، كث اللحية، دقيق
المسربة، شثن الكفين والقدمين، عليه ثوبان أبيضان كأنه القمر ليلة بدر.
وذكر تمام الحديث وطوافه عليه السلام
__________
(1) اللام: الشديد، وفي رواية البيهقي اللئيم وهي في موقع غير مناسب.
والحديث في تهذيب تاريخ دمشق 1 / 316.
(2) في ابن سعد: عن زياد مولى سعد 1 / 433.
(*)
(6/21)
بالبيت وصلاته
عنده هو وخديجة وعلي بن أبي طالب، وأنهم سألوا العباس عنه فقال: هذا هو
ابن أخي محمد بن عبد الله وهو يزعم أن الله أرسله إلى الناس * وقال
الامام أحمد: ثنا جعفر، ثنا عوف بن أبي جميلة، عن يزيد الفارسي قال:
رأيت رسول الله في النوم في زمن ابن عباس قال: وكان يزيد يكتب المصاحف،
قال: فقلت لابن عباس: إني رأيت رسول الله في النوم، قال ابن عباس: فإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إن الشيطان لا يستطيع أن
يتشبه بي، فمن رآني فقد رآني " هل تستطيع أن تنعت لنا هذا الرجل الذي
رأيت ؟ قال: قلت: نعم:، رأيت رجلا بين الرجلين جسمه ولحمه أسمر إلى
البياض، حسن الضحك، أكحل العينين، جميل دوائر الوجه، قد ملات لحميته من
هذه إلى هذه، حتى كادت تملا نحره * قال عوف: لا أدري ما كان مع هذا من
النعت، قال: فقال ابن عباس: لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق
هذا * وقال محمد بن يحيى الذهلي: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري،
قال: سئل أبو هريرة عن صفة رسول الله فقال: أحسن الصفة وأجملها كان
ربعة إلى الطول، ما هو بعيد ما بين المنكبين، أسيل الخدين، شديد سواد
الشعر، أكحل العين، أهدب الاشفار، إذ وطئ بقدمه وطئ بكلها، ليس لها
أخمص إذا وضع رداءه على منكبيه فكأنه سبيكة فضة، وإذا ضحك كاد يتلالا
في الجدر، لم أر قبله ولا بعده مثله (1) * وقد رواه محمد بن يحيى من
وجه آخر متصل فقال: ثنا إسحاق بن إبراهيم - يعني الزبيدي - حدثني عمرو
بن الحارث، عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سعيد بن
المسيب، عن أبي هريرة فذكر نحو ما تقدم * ورواه الذهلي عن إسحاق ابن
راهوية، عن النضر بن شميل، عن صالح، عن أبي الاخضر، عن الزهري عن أبي
سلمة، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر،
مفاض البطن، عظيم مشاش المنكبين، يطأ بقدمه جميعا، إذا أقبل أقبل
جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا * ورواه الواقدي: حدثني عبد الملك عن سعيد
بن عبيد بن السباق، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله شثن القدمين
والكفين، ضخم الساقين عظيم الساعدين، ضخم العضدين والمنكبين بعيد ما
بينهما، رحب الصدر، رجل الرأس، أهدب العينين، حسن الفم، حسن اللحية،
تام الاذنين، ربعة من
القوم، لا طويل ولا قصير، أحسن الناس لونا، يقبل معا ويدبر معا، لم أر
مثله ولم أسمع بمثله (1) * وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد
الرحمن السلمي، ثنا أبو الحسن المحمودي المروزي، ثنا أبو عبد الله محم
بن علي الحافظ، ثنا محمد بن المثنى، ثنا عثمان بن عمر (3)، ثنا حرب بن
سريج، صاحب الحلواني، حدثني رجل بلعدويه حدثني جدي قال: انطلقت إلى
__________
(1) الخبر في تهذيب تاريخ دمشق الكبير 1 / 319.
(2) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 415.
(3) في دلائل البيهقي 1 / 248 بعده: حدثنا حرب بن شريح، صاحب الخلقان،
قال: حدثني رجل من بلعدوية قال حدثني جدي.
(*)
(6/22)
المدينة أذكر
الحديث في رؤية رسول الله قال: فإذا رجل حسن الجسم، عظيم الجمة (1)،
دقيق الانف، دقيق الحاجبين، وإذا من لدن نحره إلى سرته كالخيط المدود،
شعره ورأسه من طمرين فدنا مني وقال: السلام عليك.
ذكر شعره عليه السلام
قد ثبت في الصحيحين من حديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن
عباس قال: كان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشئ،
وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم.
فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فرق بعده (2)، وقال الامام أحمد:
ثنا حماد بن خالد، ثنا مالك، ثنا زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سدل ناصيته ما شاء أن يسدل ثم فرق بعد
(3)، تفرد به من هذا الوجه، وقال محمد بن إسحاق: عن محمد بن جعفر بن
الزبير، عن عروة عن عائشة قالت: أنا فرقت لرسول الله رأسه، صدعت فرقة
عن يافوخه وأرسلت ناصيته بين عينيه * قال ابن إسحاق: وقد قال محمد بن
جعفر بن الزبير وكان فقيها مسلما: ما هي إلا سيما من سيما النصارى
تمسكت بها النصارى من الناس (4) * وثبت في الصحيحين: عن البراء أن رسول
الله كان يضرب شعره إلى
منكبيه، وجاء في الصحيح عنه وعن غيره إلى أنصاف أذنيه، ولا منافاة بين
الحالين، فإن الشعر تارة يطول وتارة يقصر منه فكل حكى بحسب ما رأى،
وقال أبو داود: ثنا ابن نفيل ثنا [ عبد الرحمن بن أبي الزناد ] (5)، عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان شعر رسول الله صلى الله عليه
وسلم فوق الوفرة ودون الجمة (6) * وقد ثبت أنه عليه السلام حلق جميع
رأسه في حجة الوداع وقد مات بعد ذلك بأحد وثمانين يوما صلوات الله
وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عبد الله
بن مسلم ويحيى بن عبد الحميد قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن
مجاهد، قال: قالت أم هانئ: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قدمة وله
أربع غدائر - تعني ضفائر - وروى الترمذي من حديث سفيان بن عيينة * وثبت
في الصحيحين من حديث ربيعة،
__________
(1) في البيهقي: عظيم الجبهة.
(2) أخرجه البخاري فتح الباري 10 / 361 ومسلم في الفضائل ص (1817).
وأبو داود في الترجل حديث (4188) وابن ماجة في اللباس حديث (3632).
(3) مسند أحمد 3 / 215.
(4) رواه أبو داود في كتاب الترجل حديث رقم (4189).
(5) من سنن أبي داود حديث (4187)، وفي الاصل: ابن الرواد تحريف.
(6) الشعر إذا كان يصل إلى المنكبين فهو الجمة، وإن كان يصل إلى شحمة
الاذن فهو الوفرة، وإن طال الشعر الاذن ولم يبلغ الكتفين فهو اللمة.
(*)
(6/23)
عن أنس قال بعد
ذكره شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليس بالسبط ولا بالقطط قال:
وتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.
وفي صحيح البخاري من حديث أيوب عن ابن سيرين أنه قال: قلت لانس أخضب
رسول الله ؟ قال: إنه لم ير من الشيب إلا قليلا * وكذا روى هو ومسلم من
طريق حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس وقال حماد بن سلمة، عن ثابت قيل
لانس: هل كان شاب رسول الله ؟ فقال: ما شانه الله بالشيب ما كان في
رأسه إلا سبع عشرة أو
ثماني عشرة شعرة * وعند مسلم، من طريق المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن
أنس: أن رسول الله لم يختضب إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا، وفي
الصدغين يسيرا، وفي الرأس يسيرا * وقال البخاري: ثنا أبو نعيم، ثنا
همام عن قتادة قال: سألت أنسا هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال: لا إنما كان شئ في صدغيه * وروى البخاري عن عصام بن خالد، عن جرير
بن عثمان، قال: قلت لعبد الله بن بسر السلمي رأيت رسول الله أكان شيخا
؟ قال: كان في عنفقته شعرات بيض * وتقدم عن جابر بن سمرة مثله، وفي
الصحيحين من حديث أبي إسحاق عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله هذه منه
بيضاء - يعني عنفقته - وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عبد الله بن عثمان، عن
أبي حمزة السكري، عن عثمان بن عبد الله بن موهب القرشي قال: دخلنا على
أم سلمة فأخرجت إلينا من شعر رسول الله فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء
والكتم (1)، رواه البخاري عن إسماعيل بن موسى، عن سلام بن أبي مطيع، عن
عثمان بن عبد الله بن موهب عن أم سلمة به، وقال البيهقي: أنا أبو عبد
الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني،
ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا إسرائيل عن عثمان [ بن عبد الله ] (2) بن
موهب قال: كان عند أم سلمة جلجل من فضة ضخم، فيه من شعر رسول الله،
فكان إذا أصاب إنسانا الحمى بعث إليها فحضحضته فيه، ثم ينضحه الرجل على
وجهه، قال: فبعثني أهلي إليها فأخرجته، فإذا هو هكذا - وأشار إسرائيل
بثلاث أصابع - وكان فيه خمس شعرات حمر * رواه البخاري عن مالك بن
إسماعيل عن إسرائيل * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو نعيم، ثنا عبيد
الله بن إياد، حدثني إياد عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيته قال: هل تدري من هذا ؟ قلت: لا،
قال: إن هذا رسول الله، فاقشعررت حين قال ذلك، وكنت أظن أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم شئ لا يشبه الناس، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من
حناء، وعليه بردان أخضران * ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث
عبيد الله بن إياد بن لقيط عن أبيه عن أبي رمثة وإسمه حبيب بن حيان،
ويقال رفاعة بن يثربي، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا
__________
(1) الكتم: حب يشبه الفلفل.
يصبغ به الشعر فيكسر بياضه أو حمرته إلى السواد، وإذا خلط مع الحناء
يقوي
الشعر.
(2) من دلائل البيهقي 1 / 236.
والحديث التالي رواه أبو داود في اللباس حديث (4065).
وفي الترجل حديث (4206).
والترمذي في الاستئذان.
والنسائي في الصلاة، وكتاب الزينة.
(*)
(6/24)
من حديث إياد
كذا قال * وقد رواه النسائي أيضا من حديث سفيان الثوري، وعبد الملك بن
عمير، كلاهما عن إياد بن لقيط به ببعضه، ورواه يعقوب بن سفيان أيضا عن
محمد بن عبد الله المخرمي عن أبي سفيان الحميري، عن الضحاك بن حمزة، عن
غيلان بن جامع، عن إياد بن لقيط عن أبي رمثة قال: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يخضب بالحناء والكتم، وكان شعره يبلغ كتفيه أو منكبيه *
وقال أبو داود: ثنا عبد الرحيم بن مطرف أبو سفيان (1)، ثنا عمرو بن
محمد، أنا ابن أبي داود، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان
ابن عمر يفعل ذلك * ورواه النسائي عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي عن
عمرو بن محمد المنقري به * وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد
الله الحافظ ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، ثنا الحسين (2) بن محمد بن
زياد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا يحيى بن آدم، ح وأخبرنا أبو الحسين بن
الفضل، أنا عبد الله بن جعفر، أنا يعقوب بن سفيان، حدثني أبو جعفر محمد
بن عمر بن الوليد الكندي الكوفي، ثنا يحيى ابن آدم، ثنا شريك، عن عبيد
الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر قال: كان شيب رسول الله صلى الله عليه
وسلم نحوا من عشرين شعرة، وفي رواية إسحاق: رأيت شيب رسول الله نحوا من
عشرين شعرة بيضاء في مقدمه * قال البيهقي: وحدثنا أبو عبد الله الحافظ،
ثنا أحمد بن سليمان (3) الفقيه، ثنا هلال بن العلاء الرقي، ثنا حسين بن
عياش (4) الرقي، ثنا جعفر بن برقان، ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل قال:
قدم أنس بن مالك المدينة وعمر بن عبد العزيز وال عليها، فبعث إليه عمر
وقال للرسول: سله هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني رأيت شعرا
من شعره قد لون، فقال أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد متع
بالسواد ولو عددت ما أقبل علي من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيد على
إحدى عشرة شيبة،
وإنما هو الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلى الله
عليه وسلم هو الذي غير لونه.
قلت: ونفي أنس للخضاب معارض بما تقدم عن غيره من إثباته، والقاعدة
المقررة أن الاثبات مقدم على النفي لان المثبت معه زيادة علم ليست عند
النافي * وهكذا إثبات غيره لزيادة ما ذكر من السبب مقدم لا سيما عن ابن
عمر الذي المظنون أنه تلقى ذلك عن أخته أم المؤمنين حفصة، فإن إطلاعها
أتم من إطلاع أنس لانها ربما أنها فلت رأسه الكريم عليه الصلاة
والسلام.
ما ورد في منكبيه وساعديه وإبطيه وقدميه
وكعبيه صلى الله عليه وسلم
قد تقدم ما أخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن
عازب
__________
(1) من سنن أبي داود حديث 4209 في الاصل بن سفيان.
(2) من دلائل البيهقي 1 / 238، وفي الاصل الحسن.
(3) من الدلائل 1 / 239، وفي الاصل سلمان.
(4) من الدلائل وفي الاصل عباس.
(*)
(6/25)
قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم مربوعا بعيدا ما بين المنكبين، وروى البخاري
عن أبي النعمان عن جرير عن قتادة عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه
وسلم ضخم الرأس والقدمين سبط الكفين، وتقدم من غير وجه أنه عليه السلام
كان شثن الكفين والقدمين، وفي رواية، ضخم الكفين والقدمين، وقال يعقوب
بن سفيان: ثنا آدم وعاصم بن علي قالا: ثنا ابن أبي ذئب، ثنا صالح مولى
التوأمة قال: كان أبو هريرة ينعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
كان شبح الذراعين بعيد ما بين المنكبين، أهدب أشفار العينين * وفي حديث
نافع بن جبير عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شثن الكفين
والقدمين ضخم الكراديس طويل المسربة، وتقدم في حديث حجاج عن سماك عن
جابر بن سمرة قال: كان في ساقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حموشة أي
لم يكونا ضخمين، وقال سراقة بن مالك بن جعشم: فنظرت إلى ساقيه، وفي
رواية قدميه في الغرز - يعني الركاب - كأنهما جمارة أي جمارة النخل من
بياضهما * وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة كان ضليع الفم، وفسره بأنه
عظيم الفم،
أشكل العينين، وفسره بأنه طويل شق العينين، منهوس العقب، وفسره بأنه
قليل لحم العقب، وهذا أنسب وأحسن في حق الرجال * وقال الحارث بن أبي
أسامة: ثنا عبد الله بن بكر، ثنا حميد، عن أنس قال: أخذت أم سلي ؟ م
بيدي مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فقالت: يا رسول الله
هذا أنس غلام كاتب يخدمك، قال: فخدمته تسع سنين فما قال لشئ صنعت:
أسأت، ولا بئس ما صنعت، ولا مسست شيئا قط خزا ولا حريرا ألين من كف
رسول الله، ولا شممت رائحة قط مسكا ولا عنبرا أطيب من رائحة رسول الله
صلى الله عليه وسلم * وهكذا رواه معتمر بن سليمان، وعلي بن عاصم،
ومروان بن معاوية الفزاري، وإبراهيم بن طهمان، كلهم عن حميد، عن أنس في
لين كفه عليه السلام، وطيب رائحته صلاة الله وسلامه عليه * وفي حديث
الزبيدي: عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله كان يطأ بقدمه
كلها ليس لها أخمص، وقد جاء خلاف هذا كما سيأتي * وقال يزيد بن هارون:
حدثني عبد الله بن يزيد بن مقسم قال: حدثتني عمتي سارة بنت مقسم، عن
ميمونة بنت كردم قالت: رأيت رسول الله بمكة وهو على ناقة وأنا مع أبي
وبيد رسول الله درة كدرة الكتاب، فدنا منه أبي فأخذ يقدمه، فأقر له
رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فما نسيت طول أصبع قدمه السبابة
على سائر أصابعه (1) * ورواه الامام أحمد عن يزيد بن هارون مطولا،
ورواه أبو داود من حديث يزيد بن هارون ببعضه * وعن أحمد بن صالح، عن
عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن ميسرة عن خالته عنها، ورواه
ابن ماجه من وجه آخر عنها والله أعلم * وقال البيهقي (2): أنا علي بن
أحمد بن عبد الله بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا محمد بن
إسحاق أبو بكر، ثنا مسلمة بن حفص السعدي، ثنا يحيى بن
__________
(1) رواه الامام أحمد في مسنده 6 / 366 والهيثمي في زوائده 8 / 280
وعزاه للطبراني، وقال: فيه من لم أعرفهم.
(2) دلائل النبوة 1 / 248.
(*)
(6/26)
اليمان، ثنا
إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كانت إصبع لرسول الله خنصرة من
رجله متظاهرة وهذا حديث غريب.
قوامه عليه السلام وطيب رائحته في
صحيح البخاري من حديث ربيعة عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير * وقال أبو إسحاق عن
البراء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم
خلقا ليس بالطويل ولا بالقصير.
أخرجاه في الصحيحين.
وقال نافع بن جبير عن علي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس
بالطويل ولا بالقصير لم أر قبله ولا بعده مثله.
وقال سعيد بن منصور، عن خالد بن عبد الله، [ عن عبيد الله ] (1) بن
محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن علي قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ولا بالقصير وهو إلى الطول أقرب،
وكان عرقة كاللؤلؤ، الحديث * وقال سعيد عن روح بن قيس، عن خالد بن خالد
التميمي، عن يوسف بن مازن الراسبي عن علي قال: كان رسول الله ليس
بالذاهب طولا، وفوق الربعة، إذا جاء مع القوم غمرهم، وكان عرقه في وجهه
كاللؤلؤ، الحديث * وقال الزبيدي عن الزهري عن سعيد، عن أبي هريرة قال:
كان رسول الله ربعة وهو إلى الطول أقرب، وكان يقبل جميعا ويدبر جميعا،
لم أر قبله ولا بعده مثله * وثبت في البخاري من حديث حماد بن زيد، عن
ثابت عن أنس قال: ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف
رسول الله، ولا شممت رائحة أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ورواه مسلم من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس به، ورواه مسلم
أيضا: من حديث حماد بن سلمة، وسليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس قال:
كان رسول الله أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، وما مسست
حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله، ولا شممت مسكا ولا عنبرا أطيب
من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقال أحمد: ثنا ابن أبي عدي،
ثنا حميد عن أنس قال: ما مسست شيئا قط خزا ولا حريرا ألين من كف رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة أطيب من ريح رسول الله صلى
الله عليه وسلم، والاسناد ثلاثي على شرط الصحيحين، ولم يخرجه أحد من
أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه * وقال يعقوب بن سفيان: أنا عمرو بن
حماد بن طلحة الفناد، وأخرجه البيهقي من حديث أحمد بن حازم بن أبي عروة
(2) عنه، قال: ثنا أسباط بن نصر عن سماك عن جابر بن سمرة قال: صليت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الاولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه
فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا * قال: وأما أنا فمسح
خدي.
فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجها
__________
(1) من رواية البيهقي.
(2) في الدلائل 1 / 256: أبي غرزة، رواه عن أبي طلحة القناد، في
الدلائل بالقاف.
(*)
(6/27)
من جونة عطار *
ورواه مسلم عن عمرة بن حماد به نحوه * وقال الامام أحمد: ثنا محمد بن
جعفر، ثنا شعبة وحجاج، أخبرني شعبة عن الحكم سمعت أبا جحيفة قال: خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ وصلى الظهر
ركعتين وبين يديه عنزة، زاد فيه عون عن أبيه يمر من ورائها الحمار
والمرأة، قال حجاج في الحديث: ثم قام الناس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون
بها وجوههم، قال: فأخذت يده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج
وأطيب ريحا من المسك * وهكذا رواه البخاري عن الحسن بن منصور، عن حجاج
بن محمد الاعور، عن شعبة فذكر مثله سواء.
وأصل الحديث في الصحيحين أيضا * وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد بن
هارون، أنا هشام بن حسان، وشعبة، وشريك، عن يعلى بن عطاء، عن جابر بن
يزيد، عن أبيه - يعني يزيد بن الاسود - قال: صلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بمنى، فانحرف فرأى رجلين من وراء الناس، فدعا بهما فجيئا
ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا مع الناس ؟ قالا: يا رسول
الله إنا كنا قد صلينا في الرحال، قال: فلا تفعلا إذا صلى أحدكم في
رحله ثم أدرك الصلاة مع الامام فليصلها معه، فإنها له نافلة، قال: فقال
أحدهما استغفر لي يا رسول الله، فاستغفر له، قال: ونهض الناس إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ونهضت معهم، وأنا يومئذ أشب الرجال وأجلده،
قال: فما زلت أزحم الناس حتى وصلت إلى رسول الله فأخذت بيده فوضعتها
إما على وجهي أو صدري، قال: فما وجدت شيئا أطيب ولا أبرد من يد رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال: وهو يومئذ في مسجد الخيف * ثم رواه أيضا
عن أسود بن عامر وأبي النضر، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء سمعت جابر بن
يزيد بن الاسود عن أبيه أنه صلى مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فذكر الحديث قال: ثم ثار الناس
يأخذون بيده يمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت بيده فمسحت بها وجهي،
فوجدتها أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك * وقد رواه أبو داود من
حديث شعبة والترمذي والنسائي من حديث هشيم عن يعلى به، وقال الترمذي:
حسن صحيح * وقال الامام أحمد: حدثنا أبو نعيم، ثنا مسعر، عن عبد الجبار
بن وائل بن حجر قال: حدثني أهلي عن أبي قال: أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بدلو من ماء فشرب منه، ثم مج في الدلو ثم صب في البئر، أو
شرب من الدلو ثم مج في البئر، ففاح منها ريح المسك، وهذا رواه البيهقي
من طريق يعقوب بن سفيان عن أبي نعيم وهو الفضل بن دكين (1) * وقال
الامام أحمد: ثنا هاشم، ثنا سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها
الماء، فما يؤتى بأناء إلا غمس يده فيها فربما جاءوه في الغداة الباردة
فيمس يده فيها * ورواه مسلم من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم به *
وقال الامام أحمد: حدثنا حجين بن المثنى، ثنا عبد العزيز - يعني ابن
أبي سلمة الماجشون - عن إسحاق بن عبد الله بن
__________
(1) الحديث في مسند أحمد 4 / 315 وابن ماجة في الطهارة حديث 659 وقال
في الزوائد: " اسناده منقطع لان عبد الجبار لم يسمع من أبيه شيئا، قاله
ابن معين وغيره ".
والبيهقي في الدلائل 1 / 257.
(*)
(6/28)
أبي طلحة، عن
أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على
فراشها وليست فيه.
قال: فجاء ذات يوم فنام على فراشها فأتت فقيل لها: هذا رسول الله نائم
في بيتك على فراشك، قال: فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على
الفراش ففتحت عبيرتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتصره في قواريرها ففزع
النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعين يا أم سليم ؟ فقالت: يا رسول
الله نرجو بركته لصبياننا، قال: أصبت * ورواه مسلم عن محمد بن رافع عن
حجين به، وقال أحمد: ثنا هاشم بن القاسم، ثنا سليمان، عن ثابت عن أنس
قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عندنا فعرق، وجاءت
أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها، فاستقيظ رسول الله فقال: يا أم
سليم ما هذا الذي تصنعين ؟ قالت: عرقك نجعله في طيبنا وهو من
أطيب الطيب * ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن أبي النضر هاشم بن القاسم
به * (1) وقال أحمد: ثنا إسحاق بن منصور - يعني السلولي - ثنا عمارة، -
يعني ابن زاذان - عن ثابت، عن أنس قال: كان رسول الله يقيل عند أم
سليم، وكان من أكثر الناس عرقا فاتخذت له نطعا وكان يقيل عليه، وحطت
بين رجليه حطا وكانت تنشف العرق فتأخذه فقال: ما هذا يا أم سليم ؟
قالت: عرقك يا رسول الله أجعله في طيبي، قال: فدعا لها بدعاء حسن، تفرد
به أحمد من هذا الوجه * وقال أحمد: ثنا محمد بن عبد الله، ثنا حميد، عن
أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام ذا عرق، فتأخذ عرقه
بقطنة في قارورة، فتجعله في مسكها، وهذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخين
ولم يخرجاه ولا أحد منهما، قال البيهقي: أخبرنا محمد بن عبد الله
الحافظ، حدثنا أبو عمرو المغربي (2)، أنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر
ابن أبي شيبة، وقال مسلم: ثنا أبو بكر بن شيبة، ثنا عفان، ثنا وهيب ثنا
أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن أم سليم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له نطعا فيقيل عليه، وكان كثير العرق،
فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم ما هذا ؟ فقالت: عرقك
أدوف (3) به طيبي، لفظ مسلم * وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده: ثنا
بسر، ثنا حليس ابن غالب، ثنا سفيان الثوري، عن أبي الزناد عن الاعرج عن
أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله، فقال: يا رسول الله إني زوجت
ابنتي، وأنا أحب أن تعينني بشئ، قال: ما عندي شئ ولكن إذا كان غد فأتني
بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة وآية بيني وبينك أن تدق ناحية الباب،
قال: فأتاه بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة.
قال: فجعل يسلت العرق من ذراعيه حتى امتلات القارورة، قال، فخذها، ومر
ابنتك أن تغمس هذا العود في القارورة وتطيب به،
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 3 / 177، 290 ومسلم في الفضائل (22) باب ص
(1815).
(2) في البيهقي: 1 / 258 المقرئ.
(3) أدوف: أخلط.
والحديث في صحيح مسلم كتاب الفضائل ص (1816)، ومسند أحمد 3 / 146، 239،
287.
(*)
(6/29)
قال فكانت إذا
تطيبت به شم أهل المدينة رائحة الطيب فسموا بيوت المطيبين، هذا حديث
غريب جدا * وقد قال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا محمد بن هشام، ثنا موسى
بن عبد الله، ثنا عمر بن سعيد، عن سعيد عن قتادة، عن أنس قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا مر في طريق من طرق المدينة وجدوا منه
رائحة الطيب، وقالوا: مر رسول الله في هذا الطريق، ثم قال: وهذا الحديث
رواه أيضا معاذ بن هشام عن أبيه، عن قتادة، عن أنس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يعرف بريح الطيب (1) كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم طيبا وريحه طيب وكان مع ذلك يحب الطيب أيضا * قال الامام أحمد:
ثنا أبو عبيدة عن سلام أبي المنذر عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " حبب إلي النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة " ثنا
أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سلام أبو المنذر القاري عن ثابت عن أنس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما حبب إلي من الدنيا النساء
والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة * وهكذا رواه النسائي بهذا اللفظ عن
الحسين بن عيسبى القرشي، عن عفان بن مسلم، عن سلام بن سليمان أبي
المنذر القاري البصري عن ثابت عن أنس فذكره * وقد روي من وجه آخر بلفظ:
" حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعل قرة عيني في الصلاة، وليس
بمحفوظ بهذا فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا وأنما هي من أهم شؤون
الآخرة.
والله أعلم.
صفة خاتم النبوة الذي بين كتفيه صلى الله
عليه وسلم
قال البخاري: ثنا محمد بن عبيد الله، ثنا حاتم عن الجعيد (2) قال: سمعت
السائب بن يزيد يقول: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة
وتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم بين كتفيه مثل
زر الحجلة، وهكذا رواه مسلم: عن قتيبة ومحمد بن عباد كلاهما عن حاتم بن
إسماعيل به * ثم قال البخاري: الحجلة من حجلة الفرس الذي بين عينيه،
وقال إبراهيم بن حمزة: رز الحجلة.
قال أبو عبد الله الرز الراء قبل الزاي (3) * وقال مسلم: ثنا أبو بكر
بن أبي شيبة، ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة
يقول: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا ادهن
لم يتبين وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية، فقال رجل: وجهه
مثل السيف ؟ قال: لا بل كان المثل الشمس والقمر وكان مستديرا، ورأيت
الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده * حدثنا محمد بن المثنى،
ثنا محمد بن حزم، ثنا شعبة، عن سماك، سمعت جابر بن سمرة قال: رأيت
خاتما في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة حمام * وحدثنا
ابن نمير، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا حسن بن صالح،
__________
(1) كذا بياض بالاصل، وفي الاعمش عن ابراهيم: يعرف برائحة الطيب إذا
أقبل.
(2) من البخاري، وهو الجعيد بن عبد الرحمن بن أويس.
(3) رز الحجلة: بيض الحجلة.
(*)
(6/30)
عن سماك بهذا
الاسناد مثله * وقال الامام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن عاصم
بن سليمان، عن عبد الله بن سرجس قال: ترون هذا الشيخ - يعني نفسه -
كلمت نبي الله صلى الله عليه وسلم وأكلت معه ورأيت العلامة التي بين
كتفيه وهي في طرف نغض كتفه اليسرى كأنه جمع (بمعنى الكف المجتمع، وقال
بيده فقبضها) عليه خيلان كهيئة الثواليل * وقال أحمد: حدثنا هاشم بن
القاسم وأسود بن عامر قالا: ثنا شريك عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلمت عليه وأكلت معه وشربت من
شرابه ورأيت خاتم النبوة، قال هاشم: في نغض كتفه اليسرى كأنه جمع فيه
خيلان سود كأنها الثآليل.
ورواه عن غندر عن شعبة عن عاصم عن عبد الله بن سرجس فذكر الحديث وشك
شعبة في أنه هل هو في نغض الكتف اليمنى أو اليسرى * وقد رواه مسلم: من
حديث حماد بن زيد، وعلي ابن مسهر، وعبد الواحد بن زياد ثلاثتهم عن عاصم
عن عبد الله بن سرجس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلت معه
خبزا ولحما أو قال ثريدا، فقلت: يا رسول الله غفر الله لك، قال: ولك:
فقلت: أستغفر لك رسول الله ؟ قال: نعم، ولكم، ثم تلا هذه الآية *
(واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) * [ محمد: 19 ] قال: ثم درت خلفه
فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى جمعا، عليه خيلان
كأمثال الثآليل * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا قرة بن خالد، ثنا معاوية
بن قرة، عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول
الله أرني الخاتم، فقال: أدخل يدك، فأدخلت يدي في جربانه، فجعلت ألمس
أنظر إلى الخاتم، فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة.
فما منعه ذاك أن جعل يدعو لي وإن يدي لفي جربانه * ورواه النسائي عن
أحمد بن سعيد، عن وهب بن جرير، عن قرة بن خالد به * وقال الامام أحمد:
ثنا وكيع، ثنا سفيان عن إياد بن لقيط السدوسي عن أبي رمثة التيمي قال:
خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت برأسه ردع
حناء ورأيت على كتفه مثل التفاحة فقال أبي: إني طبيب أفلا أطبها لك،
قال: طبيبها الذي خلقها، قال: وقال لابي هذا ابنك ؟ قال: نعم قال: أما
إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو نعيم،
ثنا عبيد الله بن زياد (1)، حدثني أبي عن أبي ربيعة أو رمثة، قال
انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى مثل السلعة بين
كتفيه فقال: يا رسول الله إني كأطب الرجال، أفأعالجها لك ؟ قال: لا،
طبيبها الذي خلقها.
قال البيهقي: وقال الثوري عن إياد بن لقيط في هذا الحديث: فإذا خلف
كتفيه مثل التفاحة، وقال عاصم بن بهدلة عن أبي رمثة: فإذا في نغض (2)
كتفه مثل بعرة البعير أو بيضة الحمامة * ثم روى البيهقي من حديث سماك
بن حرب عن سلامة العجلي، عن سلمان الفارسي، قال: أتيت رسول الله فألقى
[ إلي ] (3) رداءه وقال: يا سلمان
__________
(1) في البيهقي 1 / 265: إياد.
(2) نغض الكتف: العظم الرقيق على طرفه حيث تذهب وتجئ.
(3) من دلائل البيهقي 1 / 266.
(*)
(6/31)
انظر إلى ما
أمرت به، قال: فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمامة * وروى يعقوب
بن سفيان، عن الحميدي، عن يحيى بن سليم عن أبي خيثم (1) عن سعيد ابن
أبي راشد، عن التنوخي الذي بعثه هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو بتبوك، فذكر الحديث كما قدمناه في غزوة تبوك ألى أن قال: فحل حبوته
عن ظهره، ثم قال: ههنا امض لما أمرت به، قال: فجلت في
ظهره، فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل الحجمة الضخمة (2) *
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن ميسرة، ثنا
عتاب سمعت أبا سعيد يقول: الخاتم الذي بين كتفي النبي صلى الله عليه
وسلم لحمة نابتة (3) * وقال الامام أحمد: حدثنا شريح، ثنا أبو ليلى عبد
الله بن ميسرة الخراساني، عن غياث البكري قال: كنا نجالس أبا سعيد
الخدري بالمدينة فسألته عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان
بين كتفيه، فقال: باصبعه السبابة هكذا لحم ناشز بين كتفيه صلى الله
عليه وسلم تفرد به أحمد من هذا الوجه * وقد ذكر الحافظ أبو الخطاب بن
دحية المصري في كتابه - التنوير في مولد البشير النذير - عن أبي عبد
الله محمد بن علي بن الحسين بن بشر المعروف بالحكيم الترمذي أنه قال:
كان الخاتم الذي بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة
حمامة مكتوب في باطنها الله وحده، وفي ظاهرها توجه حيث شئت فإنك منصور
* ثم قال: وهذا غريب واستنكره * قال: وقيل كان من نور، ذكره الامام أبو
زكريا يحيى بن مالك بن عائذ في كتابه تنقل الانوار، وحكى أقوالا غريبة
غير ذلك * ومن أحسن ما ذكره ابن دحية رحمه الله وغيره من العلماء قبله
في الحكمة في كون الخاتم كان بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
إشارة إلى أنه لا نبي بعدك يأتي من ورائك.
قال: وقيل كان على نغض كتفه لانه يقال: هو الموضع الذي يدخل الشيطان
منه إلى الانسان، فكان هذا عصمة له عليه السلام من الشيطان (4) * قلت:
وقد ذكرنا الاحاديث الدالة على أنه لا نبي بعده عليه السلام ولا رسول،
عند تفسير قوله تعالى: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول
الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما) * [ الاحزاب: 40 ]
باب أحاديث متفرقة وردت في صفة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قد تقدم في رواية نافع بن جبير عن علي بن أبي طالب، أنه قال: لم أر
قبله ولا بعده مثله، وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا عبد الله بن مسلم (5)
القعنبي وسعيد بن منصور، ثنا عمر (6) بن
__________
(1) في رواية البيهقي: ابن خثيم.
(2) تقدم الحديث في الجزء الخامس والتعليق عليه.
انظر مسند أحمد ج 3 / 441 وفيه الحجمة وفي دلائل البيهقي: المحجمة.
(3) في رواية البيهقي: ناتئة.
(4) في صفة خاتم النبوة أفرد البيهقي بابا خاصا في دلائله 1 / 259،
وابن سعد في طبقاته 1 / 425.
(5) في رواية البيهقي: مسلمة.
(6) في البيهقي: عيسى.
(*)
(6/32)
يونس، ثنا عمر
بن عبد الله مولى عفرة، حدثني إبراهيم بن محمد (1) من ولد علي، قال:
كان علي إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن بالطويل
الممغط ولا بالقصير المتردد، وكان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد
القطط، ولا بالسبط، كان جعدا رجلا، ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم، وكان
في الوجه تدوير أبيض مشربا، أدعج العينين، أهدب الاشفار جليل المشاش
والكتد، أجرد ذو مسربة، شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما يمشي
في صيب وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة، أجود الناس كفا
وأرحب الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عريكة،
وألزمهم (2) عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول
ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله * وقد روى هذا الحديث الامام أبو عبيد
القاسم بن سلام في كتاب الغريب * ثم روى عن الكسائي والاصمعي وأبي عمرو
تفسير غريبه، وحاصل ما ذكره مما فيه غرابة: أن المطهم هو الممتلئ
الجسم، والمكلثم شديد تدوير الوجه.
يعني لم يكن بالسمين الناهض، ولم يكن ضعيفا بل كان بين ذلك، ولم يكن
وجهه في غاية التدوير بل فيه سهولة، وهي أحلى عند العرب ومن يعرف، وكان
أبيض مشربا حمرة وهي أحسن اللون، ولهذا لم يكن أمهق اللون، والادعج هو
شديد سواد الحدقة، وجليل المشاش هو عظيم رؤوس العظام مثل الركبتين
والمرفقين والمنكبين، والكتد الكاهل وما يليه من الجسد وقوله: شثن
الكفين أي: غليظهما، وتقلع في مشيته، أي شديد المشية، وتقدم الكلام على
الشكلة والشهلة والفرق بينهما، والاهدب طويل أشفار العين، وجاء في حديث
أنه كان شبح الذراعين، يعني غليظهما والله أعلم.
حديث أم معبد في ذلك قد تقدم الحديث بتمامه في الهجرة من مكة إلى
المدينة حين ورد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو
بكر ومولاه عامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن أريقط الديلي، فسألوها:
هل عندها لبن أو لحم يشترونه منها ؟ فلم يجدوا عندها شيئا، وقالت: لو
كان عندنا شئ ما أعوزكم القرى، وكانوا ممحلين فنظر إلى شاة في كسر
خيمتها فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ فقالت خلفها الجهد، فقال:
أتأذنين أن أحلبها ؟ فقالت: إن كان بها حلب فاحلبها، فدعا بالشاة
فمسحها وذكر اسم الله، فذكر الحديث في حلبه منها ما كفاهم أجمعين ثم
حلبها وترك عندها إناءها ملاى وكان يربض الرهط، فلما جاء بعلها استنكر
اللبن وقال: من أين لك هذا يا أم معبد ولا حلوبة في البيت والشاة عازب
؟ فقالت: لا والله إنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت، فقال،
صفيه لي فو الله إني لاراه صاحب قريش الذي تطلب فقالت: رأيت رجلا ظاهر
الوضاءة حسن الخلق، مليح الوجه، لم تعبه ثجلة، ولم تزربه صعلة، قسيم
وسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره
__________
(1) وهو ابراهيم بن محمد بن الحنفية.
(2) دلائل البيهقي 1 / 270: وأكرمهم.
(*)
(6/33)
وطف، وفي صوته
صحل، أحور، أكحل، أزج، أقرن، في عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، إذا صمت
فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا
هذر، كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن، أبهى الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه
وأحسنه من قريب، ربعة لا تشنؤه عين من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن
بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدا، له رفقاء يحفون به،
إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود، لا عابس
ولا مفند * فقال بعلها: هذا والله صاحب قريش الذي تطلب، ولو صادفته
لالتمست أن أصحبه، ولاجهدن إن وجدت إلى ذلك سبيلا * قال وأصبح صوت بمكة
عال بين السماء والارض يسمعونه ولا يرون من يقوله وهو يقول: جزى الله
رب الناس خير جزائه * رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر وارتحلا
به * فأفلح من أمسى رفيق محمد (1)
فيال قصى ما زوى الله عنكم * به من فعال لا تجازى وسؤدد سلوا أختكم عن
شاتها وإنائها * فإنكموا إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت
* له بصريح ضرة الشاة مزبد فغادره رهنا لديها لحالب * يدر لها في مصدر
ثم مورد وقد قدمنا جواب حسان بن ثابت لهذا الشعر المبارك بمثله في
الحسن * والمقصود أن الحافظ البيهقي روى هذا الحديث من طريق عبد الملك
بن وهب المذحجي قال: ثنا الحسن بن الصباح عن أبي معبد الخزاعي فذكر
الحديث بطوله كما قدمناه بألفاظه * وقد رواه الحافظ يعقوب بن سفيان
الفسوي والحافظ أبو نعيم في كتابه دلائل النبوة، قال عبد الملك: فبلغني
أن أبا معبد أسلم بعد ذلك، وأن أم معبد هاجرت وأسلمت، ثم إن الحافظ
البيهقي اتبع هذا الحديث بذكر غريبه وقد ذكرناه في الحواشي فيا سبق
ونحن نذكر ههنا نكتا من ذلك، فقولها: ظاهر الوضاءة، أي ظاهر الجمال،
أبلج الوجه، أي مشرق الوجه مضيئه لم تعبه ثجلة قال أبو عبيد: هو كبر
البطن وقال غيره كبر الرأس، ورد أبو عبيدة رواية من روى لم تعبه نحلة
يعني من النحول وهو الضعف.
قلت: وهذا هو الذي فسر به البيهقي الحديث والصحيح قول أبي عبيدة، ولو
قيل: إنه كبر الرأس لكان قويا، وذلك لقولها بعده: ولم تزر به صعلة وهو
صغر الرأس بلا خلاف ومنه يقال لولد النعامة: صعل، لصغر رأسه، ويقال له:
الظليم، وأما البيهقي فرواه لم تعبه نحلة يعني من الضعف كما فسره، ولم
تزر به صعلة وهو الحاصرة (2)، يريد أنه ضرب من الرجال ليس بمنتفخ ولا
ناحل، قال: ويروى لم تعبه ثجلة وهو كبر البطن.
ولم تزر به صعلة وهو صغر الرأس، وأما
__________
(1) البيت في دلائل البيهقي: هما نزلا بالهدى واهتدت به * فقد فاز من
أمسى رفيق محمد (2) في البيهقي: الخاصرة.
(*)
(6/34)
الوسيم فهو حسن
الخلق وكذلك القسيم أيضا، والدعج شدة سواد الحدقة، والوطف طول أشفار
العينين، ورواه القتيبي في أشفاره عطف وتبعه البيهقي في ذلك.
قال ابن قتيبة: ولا أعرف ما هذا لانه وقع في روايته غلط فحار في تفسيره
والصواب ما ذكرناه والله أعلم * وفي صوته صحل وهو بحة يسيرة وهي أحلى
في الصوت من أن يكون حادا، قال أبو عبيد: وبالصحل يوصف الظباء، قال:
ومن روى في صوته صهل فقد غلط فإن ذلك لا يكون إلا في الخيل ولا يكون في
الانسان.
قلت وهو الذي أورده البيهقي.
قال ويروى صحل، والصواب قول أبي عبيد.
والله أعلم، وأما قولها: أحور فمستغرب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم
وهو قبل في العين يزينها لا يشينها كالحول، وقولها: أكحل، قد تقدم له
شاهد، وقولها: أزج، قال أبو عبيد هو المتقوس الحاجبين، قال: وأما
قولها: أقرن فهو التقاء الحاجبين بين العينين قال: ولا يعرف هذا في صفة
النبي صلى الله عليه وسلم إلا في هذا الحديث قال: والمعروف في صفته
عليه السلام أنه أبلج الحاجبين، في عنقه سطع قال أبو عبيد: أي طول،
وقال غيره: نور قلت: والجمع ممكن بل متعين، وقولها إذا صمت فعليه
الوقار، أي الهيبة عليه في الحال صمته وسكوته وإذا تكلم سما أي علا على
الناس وعلاه البهاء أي في حال كلامه حلو المنطق فصل أي فصيح بليغ يفصل
الكلام ويبينه، لا نزر ولا هذر، أي لا قليل ولا كثير، كأن منطقه خرزات
نظم، يعني الذي من حسنه وبلاغته وفصاحته وبيانه وحلاوة لسانه، أبهى
الناس وأجمله من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب، أي هو مليح من بعيد ومن
قريب، وذكرت أنه لا طويل ولا قصير بل هو أحسن من هذا ومن هذا، وذكرت أن
أصحابه يعظمونه ويخدمونه ويبادرون إلى طاعته وما ذلك إلا لجلالته عندهم
وعظمته في نفوسهم ومحبتهم له وأنه ليس بعابس أي ليس يعبس، ولا يفند
أحدا أي يهجنه ويستقل عقله بل جميل المعاشرة حسن الصحبة صاحبه كريم
عليه وهو حبيب إليه صلى الله عليه.
حديث هند بن أبي هالة في ذلك وهند هذا هو ربيب رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمه خديجة بنت خويلد وأبوه أبو هالة كما قدمنا بيانه.
قال يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ رحمه الله: حدثنا سعيد بن حماد
الانصاري المصري، وأبو غسان مالك بن إسماعيل الهندي قالا: ثنا جميع بن
عمر بن عبد الرحمن العجلي، قال: حدثني
رجل بمكة عن ابن لابي هالة التميمي عن الحسن بن علي قال: سألت خالي هند
بن أبي هالة - وكان وصافا - عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به - فقال: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم فخما مفخما، يتلالا وجهه تلالؤ القمر ليلة البدر، أطول
من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة رجل الشعر، إذا تفرقت عقيصته
(1) فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة
__________
(1) في رواية البيهقي: عقيقته.
(*)
(6/35)
أذنيه، ذا
وفرة، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما
عرق يدره الغضب أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث
اللحية، أدعج سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب مفلج الاسنان، دقيق المسربة
كأن عنقه جيد دمية في صفاء - يعني الفضة - معتدل الخلق، بادن متماسك،
سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس
أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري
الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر،
طويل الزندين، رحب الراحة سبط الغضب، شثن الكفين والقدمين، سابل
الاطراف، خمصان الاخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال
قلعا يخطو تكفيا ويمشي هونا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب،
وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف، نظره إلى الارض أطول من نظره إلى
السماء، جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه يبدأ من لقيه بالسلام * قلت: صف
لي منطقه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الاحزان دائم
الفكرة، ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت يفتتح الكلام
ويختمه بأشداقه يتكلم بجوامع الكلم، فصل: لا فضول ولا تقصير.
دمث: ليس بالجافي ولا المهين يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئا
(1) ولا يمدحه ولا يقوم لغضبه إذا تعرض للحق شئ حتى ينتصر له، وفي
رواية: لا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعرض للحق لم يعرفه أحد، ولم
يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار
بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث يصل بها، يضرب براحته اليمنى
باطن (2) إبهامه اليسرى، وإذا عضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل
ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام * قال الحسن: فكتمها الحسين (3)
بن علي زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسأله عما سألته عنه،
ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه ومجلسه وشكله فلم يدع منه شيئا.
قال الحسن: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان
دخوله لنفسه مأذون له في ذلك، وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة
أجزاء: جزءا لله وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزأه بين الناس فرد ذلك على
العامة والخاصة لا يدخر عنهم شيئا، وكان من سيرته في جزء الامة: إيثار
أهل الفضل بأدبه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم
ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم
والامة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي ويقول: ليبلغ الشاهد
الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من بلغ سلطانا
حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر
عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره.
يدخلون عليه زوارا، ولا يفترقون إلا
__________
(1) في رواية البيهقي: 1 / 288 زاد: لا يذم ذواقا ولا يمدحه.
وفي رواية العلوي: لم يكن ذواقا ولا مدحة.
(2) في رواية البيهقي: بطن.
(3) في الاصل: الحسن، والصواب ما أثبتناه من رواية البيهقي.
(*)
(6/36)
عن ذواق وفي
رواية: ولا يتفرقون إلا عن ذوق، ويخرجون أدلة يعني فقهاء.
قال: وسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه، فقال: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يخزن لسانه إلا بما يعنيهم ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم
كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد
منهم بشره ولا خاتمه (1)، يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس،
ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه، معتدل الامر غير مختلف، لا
يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا.
لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس
خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة
ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه
كيف كان ؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم
إلا على ذكر، ولا يوطن الاماكن وينهى عن إيطانها وإذا انتهى إلى قوم
جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب
جليسه، أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى
يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول،
قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء،
مجلسه مجلس حكم (2) وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الاصوات، ولا تؤبن
(3) فيه الحرم، ولا تنشى فلتاته، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى (4)،
متواضعين يوقرون فيه الكبير، ويرحمون الصغير يؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون
الغريب، قال: فسألته عن سيرته في جلسائه فقال: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ، ولا
سخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مزاح.
يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه ولا يخيب فيه قد ترك نفسه من ثلاث:
المراء، والاكثار وما لا يعنيه.
وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا
يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم
الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده، يضحك مما يضحكون منه،
ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته،
حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم (5) في المنطق ويقول: إذا رأيتم طالب
حاجة فارفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه
حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام.
قال: فسألته كيف كان سكوته ؟ قال: كان سكوته على أربع: الحلم والحذر
والتقدير والتفكر.
فأما تقديره ففي تسويته النظر والاستماع بين الناس.
وأما تذكره أو قال
__________
(1) في البيهقي: خلقه.
(2) في رواية البيهقي: حلم.
(3) في البيهقي: ولا تؤبه.
(4) في رواية العقيقي نقلها البيهقي: وصاروا عنده في الحق متقاربين
يتفاضلون بالتقوى.
سقط منها ما بينهما.
(5) في الاصل: يستحلبونه، وفي التيمورية: يستحلونه، وأثبتنا ما في
البيهقي: حتى إذا كان أصحابه
ليستجلبونهم.
(*)
(6/37)
تفكره ففيما
يبقى ويفنى، وجمع له لله: الحلم والصبر فكان لا يغضبه شئ ولا يستفزه،
وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسنى (1)، والقيام لهم فيما جمع لهم
الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم * وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ
أبو عيسى الترمذي رحمه الله في كتاب شمائل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن سفيان بن وكيع بن الجراح عن جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي:
حدثني رجل من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله سماه غيره يزيد
بن عمر عن ابن لابي هالة عن الحسن بن علي قال: سألت خالي فذكره وفيه
حديثه عن أخيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب * وقد رواه الحافظ أبو
بكر البيهقي في الدلائل عن أبي عبد الله الحاكم النيسابوري لفظا وقراءة
عليه: أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد
الله (2) بن الحسين [ بن علي بن الحسين ] (3) بن علي بن أبي طالب
القعنبي (4) صاحب كتاب النسب ببغداد، حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق
بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو محمد
بالمدينة سنة ست وستين ومائتين، حدثني علي بن جعفر بن محمد عن أخيه
موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد [ عن أبيه محمد بن علي عن علي بن الحسين
] (5) قال: قال الحسن: سألت خالي هند بن أبي هالة فذكره.
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله في كتابه الاطراف بعد
ذكره ما تقدم من هاتين الطريقين: وروى إسماعيل بن مسلم بن قعنب
القعنبي، عن إسحاق بن صالح المخزومي، عن يعقوب التيمي، عن عبد الله بن
عباس أنه قال لهند بن أبي هالة - وكان وصافا لرسول الله -: صف لنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكر بعض هذا الحديث، وقد روى الحافظ البيهقي
(6) من طريق صبيح بن عبد الله الفرغاني وهو ضعيف عن عبد العزيز بن عبد
الصمد عن جعفر بن محمد عن أبيه، وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
حديثا مطولا في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قريبا من حديث هند بن أبي
هالة.
وسرده البيهقي بتمامه وفي أثنائه تفسير ما فيه من الغريب وفيما ذكرناه
غنية عنه والله تعالى أعلم * وروى البخاري عن أبي عاصم الضحاك عن عمر
بن سعيد بن أحمد بن
حسين، عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال: صلى أبو بكر العصر بعد
موت النبي صلى الله عليه وسلم بليال فخرج هو وعلي يمشيان، فإذا الحسن
بن علي يلعب مع الغلمان، قال فاحتمله أبو بكر على
__________
(1) زاد ابن سعد في الطبقات 1 / 423: ليقتدى به، وتركه القبيح ليتناهى
عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته.
(2) في البيهقي: عبيد الله.
(3) من دلائل البيهقي 1 / 285.
(4) في الدلائل: العقيقي، وهو الحسن العلوي مات سنة 358 ه.
نسابة من آثاره: المثالب وكتاب في النسب ترجم له (الميزان 1 / 521)
(تاريخ بغداد: 7 / 421) تنقيح المقال (1 / 309) أعيان الشيعة 23 / 257.
(5) من البيهقي، وفي الاصل: عن علي بن الحسين بن علي عن أبيه محمد بن
علي بن الحسين تحريف.
(6) في دلائل النبوة ج 1 / 298.
(*)
(6/38)
كاهله وجعل يقول: [ بأبي، شبيه بالنبي ] (1) ليس شبيها بعلي، وعلي يضحك
منهما رضي الله عنهما وقال البخاري: ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا
إسماعيل عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
الحسن بن علي يشبهه * وروى البيهقي عن أبي علي الروذباري عن عبد الله
بن جعفر (2) بن شوذب الواسطي، عن شعيب بن أيوب الصريفيني، عن عبيد الله
بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن هانئ عن علي رضي الله عنه قال:
الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس،
والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك. |