البداية والنهاية، ط. دار هجر

 [فَصْلُ شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أَخْذِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ]
فَصْلٌ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16]
[طه: 114] . وَكَانَ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ ; كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى أَخْذِهِ مِنَ الْمَلَكِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيُسَاوِقُهُ فِي التِّلَاوَةِ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُنْصِتَ لِذَلِكَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الْوَحْيِ، وَتَكَفَّلَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهُ فِي صَدْرِهِ، وَأَنْ يُيَسِّرَ عَلَيْهِ تِلَاوَتَهُ، وَتَبْلِيغَهُ، وَأَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُ، وَيُفَسِّرَهُ، وَيُوَضِّحَهُ، وَيُوقِفَهُ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ ; وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] ، وَقَالَ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} [القيامة: 16] أَيْ فِي صَدْرِكَ {وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17] أَيْ وَأَنْ تَقْرَأَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} [القيامة: 18] أَيْ تَلَاهُ عَلَيْكَ الْمَلَكُ {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] أَيْ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَتَدَبَّرْهُ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ

(4/57)


جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، فَكَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16] ، قَالَ: جَمْعَهُ فِي صَدْرِكَ، ثُمَّ تَقْرَؤُهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] ، قَالَ: فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» .